الثلاثاء، 28 يونيو 2022

النور المبين الجامع لسيرة خاتم النبيين إعداد السيد مختار

النور المبين الجامع لسيرة خاتم النبيين إعداد السيد مختار

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمـــــة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا *  يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }[الأحزاب: 70-71]

 

وبعد. إن السيرة النبوية غنية في كل جانب من الجوانب التي تحتاجها مسيرة الدعوة الإسلامية، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يلتحق بالرفيق الأعلى إلا بعد أن ترك سوابق كثيرة لمن يريد أن يقتدي به في الدعوة والتربية والثقافة والتعليم والجهاد، وكافة شؤون الحياة .

وقد روى الخطيب البغدادي في الجامع وابن عساكر في تاريخه عن زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنه، قال: «كنا نُعلَّم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم كما نُعلَّم السورة من القرآن »

ورويا عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: " كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعدها علينا ، وسراياه، ويقول: يا بني هذه شرف آبائكم فلا تضيعوا ذكرها ". ورويا أيضًا عن الزهري رحمه الله قال: " في علم المغازي خير الدنيا والآخرة "[1].

ولا تزال السيرة النبوية معيناً لا ينضب لكل باحث عن الحق ساعٍ إلى معرفة هدي خير الورى ومهما كثر على هذا المعين الواردون ونـهل منه الناهلون فسوف يظل كما هو في صفائه وقوته وغزارة مادته.

لذا فإن دراسة السيرة النبوية  تساعد الكل:  قادة وعلماء ، وحكامًا ومحكومين ، على معرفة الطريق إلى عز الإسلام والمسلمين ،من خلال معرفة عوامل النهوض، وأسباب السقوط، ويتعرفون على فقه النبي صلى الله عليه وسلم في تربية الأفراد وبناء الأمة ، وبذلك يتم التمكين للأمة ولا يكون ذلك إلا  بمتابعتة  صلى الله عليه وسلم والسير على هديه قال تعالى:{وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ` وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [النور:55-56].

وكان كتاب السيرة قديمًا يتبعون منهج السلف في عرضهم لأحداث السيرة وذلك بذكر الأسانيد ما تيسر ذلك . ويذكرون الصحيح والضعيف في كتبهم كما نراه في كتب الذهبي وابن سيد الناس وابن كثير ومن سبقهم ممن كتب في دلائل النبوة كأبي نعيم الأصبهاني وأبي بكرالفريابي وإسماعيل الأصبهاني .

أما اليوم فمن يكتب في السيرة يذكرون الحديث دون ذكر الإسناد – وقد يُعذرون لقصدهم التخفيف والاختصار لضعف همة الناس الآن -  وامتاز منهجهم بالتركيز على استنباط الدروس المستفادة من السيرة للنهوض بالأمة في جميع المجالات .ولكن قد تجد كثيرًا منهم يبني استنباطاته  على خبر لا يثبت .

والكل - قديمًا وحديثًا- ينهلون من السيرة المنقولة عن أئمة المغازي والسير كابن إسحاق (المتوفي سنة 151هـ) ومحمد بن عمر الواقدي (207هـ) ومحمد بن سعد (230هـ)  وخليفة بن خياط (240هـ) وابن جرير الطبري (310هـ) ومَن قبلهم من علماء التابعين كعروة بن الزبير (المتوفى سنة 94هـ) ، وأبان بن عثمان بن عفان (المتوفى ما بين 101 - 105هـ) ، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري (المتوفى 124هـ) ، وشرحبيل بن سعد (المتوفى 124هـ) ، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم (135هـ) ، وموسى بن عقبة (141هـ) ،وغيرهم إلا أن كتب هؤلاء التابعين في حكم المفقود اليوم سوى نقولات عنها.

وكل هؤلاء ثقات أثبات عند علماء الحديث إلا الواقدي فهو عندهم  متروك مع علمه الواسع بالسير والمغازي .

أما ابن إسحاق فهو ثقة إمام في هذا العلم إلا أنه مدلس فإذا صرح بالتحديث أُمِن تدليسه وصار حديثه حسنًا ( أو صحيحًا عند البعض ).والناس عيال عليه في هذا العلم . قال الإمام الشافعي رحمه الله : من أراد المغازي فهو عيال على ابن اسحاق[2]

وقال الإمام مالك رحمه الله:عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة .أو قال :عليكم بمغازي الشيخ الصالح موسى بن عقبة فإنها أصح المغازي عندنا[3]

وينبغي ملاحظة منهج المحدثين عند التعامل مع الرواية التاريخية، فهم يتساهلون في رواية الأخبار التاريخية، كما نلاحظ عند ثقات المؤرخين مثل محمد بن إسحاق، وخليفة بن خياط، والطبري، حيث يكثرون من الأخبار المرسلة والمنقطعة وتلك الأخبار هي في الغالب روايات موقوفة على بعض التابعين مثل عروة بن الزبير، وأبان بن عثمان، وبعض صغار التابعين مثل الزهري، وعاصم بن عمرو، ومالك بن دينار وغيرهم، هذه الروايات من وجهة النظر الحديثية ضعيفة لا يحتج بها، ولكن من الجدير ذكره أن هؤلاء التابعين كانوا من الرواد الأوائل في كتابة السيرة النبوية ، وتدوينها التدوين الأول، وكان تدوينهم لها إما عن طريق كتب أو وثائق وصلت إليهم عن طريق الصحابة[4].. وقد يكون بعض صغار التابعين أخذها من بعض كبار التابعين . ونظرًا لأن الاتجاه السائد في ذلك الوقت والاهتمام كان منصبّا على الأحاديث النبوية، لذلك تساهلوا في المرويات التاريخية، ولم يولوها جلّ اهتمامهم وعنايتهم كما فعلوا تجاه الأحاديث النبوية، فكانوا يرسلون غالبية الروايات التاريخية عند روايتها، وربما كان لتأليفهم كتبًا في السيرة النبوية فيما بعد دورًا في ذلك حيث كانوا يملون على تلاميذهم ويحدثونهم منها دون ذكر السند.
لذلك قد يمكن التساهل في الروايات التي ترد عن طريقهم  لا سيما وأنهم موثّقون عند أهل الحديث.إذا لم يوجد معارض لها ،أو ما هو أصح منها.

وقد رأيت أن يكون منهجي في هذا البحث السير على طريق السلف ومن تبعهم فأقوم بذكر الروايات في كل باب بأسانيدها وأجعل الصحيح هو المعتمد ثم أنبه على ما ورد ضعيفًا في هذا الباب حتى لا يغتر به أحد، من باب قول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي" [5] .

وقول القائل: تعلمت الشر لتوقيه* ومن لم يتعلم الشر يقع فيه

ولا يفوتني أن أذكر في الهامش بعض الدروس المستفادة مما تخدم الدعاة ويتربى عليها الجيل الجديد.

وقد قسمت سيرته صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة مراحل وكل مرحلة تنقسم إلى كتب وكل كتاب ينقسم إلى أبواب .وهذه المراحل هي:

المرحلة الأولى: من الميلاد إلى ما قبل البعثة .

الثانية: من البعثة حتى الهجرة إلى المدينة .

الثالثة : من الهجرة إلى الوفاة (المرحلة المدنية)

واتبعنا هذا التقسيم لأنه الذي جاء به الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ:  بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَرْبَعِينَ سَنَةً ، فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ"[6]

ثم أختم ذلك كله بكتاب في الشمائل والخصائص المحمدية .وقد أترك ذكر بعض الأشياء القليلة أثناء تعرضي للسيرة المباركة لأني سأقوم بذكرها في الشمائل والخصائص مراعاة لعدم التكرار.

 

هذا...وأسأل الله عز وجل التوفيق والسداد.وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

 

إعداد

 

السيد مختار

 

دمياط - مصر

 

>

>

>

>

>

>

>

>

>

>

>

>>>

 

تمهيد

 

* أولاً: أصول العرب:

قسم المؤرخون أصول العرب إلى ثلاثة أقسام بحسب السلالات التي انحدروا([7]) منها:

1- العرب البائدة: وهي قبائل عاد، وثمود، والعمالقة، وطَسْم، وجَديس، وأمَيْم، وجُرهم وحضرموت ومن يتصل بهم, وهذه درست معالمها واضمحلت من الوجود قبل الإسلام وكان لهم ملوك امتد ملكهم إلى الشام ومصر.

 

2- العرب العاربة(القحطانية): وهم العرب المنحدرة من صلب يَعْرُب بن يشجُب بن قحطان ، ويعرفون بعرب الجنوب، ومنهم ملوك اليمن، ومملكة معين، وسبأ وحمير([8]).

 

3- العرب المستعربة أو العرب العدنانية : وسموا بالعرب المستعربة لأنه دخل عليهم دم ليس عربيًّا, ثم تم اندماج بين هذا الدم وبين العرب، وأصبحت اللغة العربية لسان المزيج الجديد.  وسموا بالعرب العدنانية نسبة إلى عدنان الذي ينتهي نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وهؤلاء هم عرب الشمال، موطنهم الأصلي مكة، وهم إسماعيل عليه السلام وأبناؤه، والجراهمة الذين تعلم منهم إسماعيل عليه السلام العربية، وصاهرهم، ونشأ أولاده عربًا مثلهم ، ومن أهم ذرية إسماعيل (عدنان) جد النبي صلى الله عليه وسلم الأعلى، ومن عدنان كانت قبائل العرب وبطونها فقد جاء بعد عدنان ابنه معد، ثم نزار، ثم جاء بعده ولداه: ربيعة و مُضَر الذي منه الرسول صلى الله عليه وسلم .

أما ربيعة بن نزار فقد نزل مَن انحدر من صلبه شرقًا، فقامت عبد القيس في البحرين، وحنيفة في اليمامة، وبنو بكر بن وائل ما بين البحرين واليمامة، وعبرت تغلب الفرات فأقامت في أرض الجزيرة بين دجلة والفرات، وسكنت تميم في بادية البصرة .

أما فرع مضر: فقد نزلت سليم بالقرب من المدينة، وأقامت ثقيف في الطائف، واستوطنت سائر هوازن شرقي مكة، وسكنت أسد شرقي تيماء إلى غربي الكوفة، وسكنت ذُبيان وعَبس من تيماء إلى حوران([9]).

وتقسيم العرب إلى عدنانية وقحطانية هو ما عليه جمهرة علماء الأنساب وغيرهم من العلماء.

ومن العلماء من يرى أن العرب: عدنانية، وقحطانية ، ينتسبون إلى إسماعيل عليه الصلاة والسلام([10])  .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَالْعَرَبُ كُلّهَا مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَقَحْطَانَ . وَبَعْضُ أَهْلِ الْيَمَنِ يَقُولُ: قَحْطَانُ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ ،وَيَقُولُ: إسْمَاعِيلُ أَبُو الْعَرَبِ كُلّهَا([11]).

وقد ترجم البخاري في صحيحه لذلك فقال: باب نسبة اليمن إلى إسماعيل عليه السلام، وذكر في ذلك حديثًا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يتنضلون – أي بالسهام-، فقال: « ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ، قَالَ :فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :مَا لَكُمْ لَا تَرْمُونَ ؟ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ! قَالَ: ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ »([12])

قال البخاري: باب نِسْبَةِ الْيَمَنِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ أَسْلَمُ بْنُ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ خُزَاعَةَ"([13]) .
يعني: أن خزاعة فرقة ممن كان تمزق من قبائل سبأ حين أرسل الله عليهم سيل العرم

 

*  ثانيًا:حضارات أقامها العرب

نشأت من قديم الزمان ببلاد العرب حضارات أصيلة، ومدنيات عريقة من أشهرها:

1- حضارة سبأ باليمن: وقد أشار القرآن الكريم إليها، ففي اليمن استفادوا من مياه الأمطار والسيول التي كانت تضيع في الرمال، وتنحدر إلى البحار، فأقاموا الخزانات والسدود بطرق هندسية متطورة، وأشهر هذه السدود (سد مأرب) واستفادوا بمياهها في الزروع المتنوعة، والحدائق ذات الأشجار الزكية، والثمار الشهية، قال عز شأنه: { لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُور* فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ } [سبأ: 15-17].

ودل القرآن الكريم على وجود قرى متصلة في الزمن الماضي ما بين اليمن، إلى بلاد الحجاز، إلى بلاد الشام، وأن قوافل التجارة والمسافرين كانوا يخرجون من اليمن إلى بلاد الشام، فلا يعدمون ظلا، ولا ماء، ولا طعامًا، قال تعالى: { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ *` فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } [سبأ: 18، 19].

 

2- حضارة عاد بالأحقاف: وكانوا في شمال حضرموت وهم الذين أرسل الله إليهم نبي الله هودًا عليه السلام، وكانوا أصحاب بيوت مشيدة، ومصانع متعددة، وجنات، وزروع وعيون، قال تعالى: { كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ ` إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ `إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ` فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ` وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ` أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ ` وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ` وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ  ` فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ` وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ ` أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ ` وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } [الشعراء:123 134].

 

3- حضارة ثمود بالحجاز: دل القرآن الكريم على وجود حضارة في بلاد الحِجْر، وأشار إلى ما كانوا يتمتعون به من القدرة على نحت البيوت في الجبال، وعلى ما كان يوجد في بلادهم من عيون وبساتين وزروع ، قال تعالى:{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ ` إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ ` إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ` فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ` وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ` أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ ` فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ` وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ ` وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ ` فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء: 141-150].

وقال فيهم أيضا:{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ }[الأعراف: 74].

لقد زال كل ذلك من زمن طويل، ولم يبق إلا آثار ورسوم وأطلال، فقد اضمحلت القرى والمدن، وتخربت الدور والقصور، ونضبت العيون، وجفت الأشجار وأصبحت البساتين والزروع أرضا جُرُزًا .

 

* ثالثًا: أخلاق العرب .

كانت فيهم سمات وخصال من الخير كثيرة أهلتهم لحمل راية الإسلام ومن تلك الخصال والسمات: الذكاء والفطنة، وعشقهم للحرية، وإباؤهم للضيم والذل ، وحبهم للصراحة والوضوح والصدق، ويتصفون بالكرم والسخاء والشجاعة والوفاء بالعهد والصبر على المكاره وقوة الاحتمال، والرضا باليسير وقوة البدن وعظمة النفس وكانوا أهل مروءة ونجدة ،

* وكان فيهم بعض الأخلاق الذميمة  منها أنهم أولعوا بالقمار وشرب الخمر ، وشاعت فيهم الغارات وقطع الطريق على القوافل، والعصبية والظلم، وسفك الدماء، والأخذ بالثأر، واغتصاب الأموال، وأكل مال اليتامى، والتعامل بالربا، والسرقة والزنا، ومما ينبغي أن يعلم أن الزنا إنما كان في الإماء وأصحاب الرايات من البغايا، ويندر أن يكون في الحرائر،

وليس معنى هذا أنهم كانوا كلهم على هذا، لا. لقد كان فيهم كثيرون لا يزنون ولا يشربون الخمر، ولا يسفكون الدماء ولا يظلمون، ويتحرجون من أكل أموال اليتامى، ويتنزهون عن التعامل بالربا[14]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المرحلة الأولى:

من الميلاد إلى البعثة

 

 

 

 

 

 

 

 

كتاب: ميلاد النبي صلى الله عليه و سلم  وما تبعه من أحداث

 

1- باب: ذكر نسبه الشريف صلى الله عليه و سلم  وفضل هذا النسب.

قال الله تعالى : ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾[الأنعام: 124].

وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164]وفي قراءة { رَسُولًا مِنْ أَنْفَسِهِمْ } أي:من أشرفهم .

روى الطبراني: عن ابن عَبَّاسٍ :{ وتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ }[ الشعراء : 219 ]  قال : من نَبِيٍّ إلى نَبِيٍّ حتى أُخْرِجْتَ نَبِيًّا [15].

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ابن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهو من ولد إسماعيل لا محالة؛ على اختلاف كم أب بينهما.

وهذا النسب بهذه الصفة لا خلاف فيه بين العلماء([16])، فجميع قبائل عرب الحجاز ينتمون إلى هذا النسب، ولهذا بيَّن ابن عباس وغيره أنه لم يكن بطن من بطون قريش إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم نسب يتصل بهم. وذلك في قوله تعالى : ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ [الشورى: 23]

روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما -  أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تعالى:{ إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى } فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَجِلْتَ إِنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلاَّ كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ، فَقَالَ: إِلاَّ أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ "  [17]

 

هو سيد ولد آدم   وفخرهم في الدنيا والآخرة. أبو القاسم، وأبو إبراهيم، محمد، وأحمد، والماحي الذي يُمحَى به الكفر، والعاقب الذي ما بعده نبي، والحاشر الذي يحشر الناس على قدمه، والمقفّي، ونبي الرحمة، ونبي التوبة، ونبي الملحمة، وخاتم النبيين، وعبد الله. ففي الحديث:الذي في موطأ مالك- عن محمد بن جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ وَأَنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الكُفْرَ، وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي ،وَأَنَا العَاقِبُ  "[18]

وفي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري قال:  كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا أسماء فقال : " أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ "[19].

وروى الإمام أحمد بسنده عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: إِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَالْحَاشِرُ، وَالْمُقَفِّي، وَنَبِيُّ الْمَلَاحِمِ "[20].

 

قال البيهقي: وزاد بعض العلماء فقال: سماه الله في القرآن رسولاً، نبياً، أميّاً، شاهداً، مبشراً، نذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه، وسراجاً منيراً، ورؤوفاً رحيماً، ومذكراً، وجعله رحمة ونعمة وهادياً.

ووُلد الرسول صلى الله عليه وسلم من مضر، وقد أخرج البخاري بسنده عن  كليب بن وائل قال: حدثتني ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت أبي سلمة قال: " أَرَأَيْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَانَ مِنْ مُضَرَ؟ قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ إِلَّا مِنْ مُضَرَ، مِنْ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ "([21]) .

 

و قريش على قول أكثر أهل النسب هم الذين ينتسبون إلى فهر بن مالك بن النضر بن كنانة و أنشدوا في ذلك:

قصي لعمري كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر

وقيل : بل جماع قريش هو النضر بن كنانة وعليه أكثر العلماء و المحققين و استدل على ذلك بالحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدٍ لَا يَرَوْنَ أَنِّي أَفْضَلُهُمْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَزْعُمُ أَنَّكُمْ مِنَّا قَالَ: " نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنُ كِنَانَةَ، لَا نَقْفُو أُمَّنَا، وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا " قَالَ: فَكَانَ الْأَشْعَثُ، يَقُولُ: " لَا أُوتَى بِرَجُلٍ نَفَى قُرَيْشًا مِنَ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ إِلَّا جَلَدْتُهُ الْحَدَّ  "[22]

 

و قيل : إن جماع قريش إلياس بن مضر بن نزار و قيل : بل جماعهم أبوه مضر

وانقسمت قريش إلى قبائل شتى من أشهرها جمح وسهم وعدي ومخزوم وتيم وزهرة وبطون قصي بن كلاب، وهي عبد الدار بن قصي وأسد بن عبد العزى بن قصي، وعبد مناف بن قصي، وكان من عبد مناف أربع فصائل: عبد شمس ونوفل والمطلب وهاشم. وبيت هاشم هو الذي اصطفى الله منه سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم

روى مسلم : عن أبي عمار شداد أنه  سَمِعَ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ "([23]).

 

وكذلك بنو إسرائيل أنبياؤهم و غيرهم يجتمعون معه في النسب في إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام الذي جعل الله في ذريته النبوة و الكتاب

 

وثبت في الصحيح عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ، قَرْنًا فَقَرْنًا، حَتَّى كُنْتُ مِنَ القَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ "[24]. صلوات الله وسلامه عليه دائماً أبداً إلى يوم الدين .

 

وروى الإمام أحمد عن المطلب بن أبي وداعة قال: قَالَ الْعَبَّاسُ: بَلَغَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، قَالَ: فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: " مَنْ أَنَا؟ " قَالُوا: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ: " أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ فِرْقَةٍ، وَخَلَقَ الْقَبَائِلَ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ قَبِيلَةٍ، وَجَعَلَهُمْ بُيُوتًا، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتًا، فَأَنَا خَيْرُكُمْ بَيْتًا وَخَيْرُكُمْ نَفْسًا ))[25].

ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان تلك الأسئلة عن صفاته عليه الصلاة والسلام قال: كيف نسبه فيكم؟ قال: هو فينا ذو نسب.... قال: كذلك الرسل تبعث في أنساب قومها". يعني: في أكرمها أحساباً، وأكثرها قبيلة، صلوات الله عليهم أجمعين.  والحديث بطوله في صحيح البخاري[26]

وروى مسلم  عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: (( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))[27]

وروى الحاكم: عن ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ اخْتَارَ الْعَرَبَ، ثُمَّ اخْتَارَ مِنَ الْعَرَبِ قُرَيْشًا ، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، ثُمَّ اخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَأَنَا خَيْرَةٌ مِنْ خَيْرَةٍ »[28]

 

* وأمالأحاديث الضعيفة في هذا الباب:

حديث أبي الطفيل رضي الله تعالى عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لي عشرة أسماء " قال أبو الطفيل: حفظت ثمانية وأنسيت اثنتين: " أنا محمد وأحمد والفاتح والخاتم وأبو القاسم والحاشر والعاقب والماحي الذي يمحو الله بي الكفر " قال سيف بن وهب: فحدثت الحديث أبا جعفر فقال: ياسيف ألا أخبرك بالاسمين ؟ قلت: بلى ، قال: طه ويس [29].

فالإسناد ضعيف ولكن لمعظم هذه الأسماء شواهد صحيحة كما تقدم.

وروى الطبراني: عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم: إن الله قسم الخلق قسمين فجعلنى فى خيرهما قسمًا فذلك قوله تعالى { أصحاب اليمين } [الواقعة : 27]{ وأصحاب الشمال } [الواقعة : 41] فأنا من أصحاب اليمين وأنا من خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين بيوتًا فجعلنى فى خيرهما بيتًا فذلك قوله تعالى { فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } [الواقعة : 8] فأنا من خير السابقين ثم جعل البيوت قبائل فجعلنى فى خيرها قبيلة فذلك قوله تعالى { شُعوبًا وقبائل } [الحجرات : 13] فأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله ولا فخر ثم جعل القبائل بيوتًا فجعلنى فى خيرها بيتًا فذلك قوله تعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }[30] [الأحزاب : 33]

وروى الطبراني: عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم عن جبريل عليه السلام قال: قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد رجلاً أفضل من محمد صلى الله عليه و سلم ولم أر بيتا أفضل من بيت بني هاشم" [31] وهو ضعيف السند صحيح المعنى.

 

وروى محمد بن يحيى ابن أبي عمر العدني في مسنده: عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: " إن قريشًا كانت نورًا بين يدي الله- عز وجل- قبل أن يخلق آدم- عليه السلام - بألفي عام، يسبح ذلك النور فتسبح الملائكة بتسبيحه، فلما خلق الله آدم جعل ذلك النور في صلبه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فأهبطه الله الأرض في صلب آدم، فجعلني في صلب نوح في السفينة، وقذف في النار في صلب إبراهيم، ولم يزل ينقلني من أصلاب الكرام إلى الأرحام الطاهرة حتى أخرجني من بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قط "[32].

روى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله حين خلق الخلق بعث جبريل فقسم الناس قسمين ، فقسم العرب قسما وقسم العجم قسما، وكانت خيرة الله في العرب، ثم قسم العرب قسمين، فقسم اليمن قسما وقسم مضر قسما وقريشا قسما، وكانت خيرة الله في قريش، ثم أخرجني من خير من أنا منه " [33].

وعن جعفر بن محمد عن أبيه – مرسلاً- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتاني جبريل فقال: أتانى جبريل فقال: يا محمد إن الله بعثنى فَطُفْتُ شرق الأرض وغربها وسَهْلَها وجبلها فلم أجد حيًّا خيرًا من العرب ،ثم أمرنى فطفت فى العرب فلم أجد حيًّا خيرًا من مُضَر، ثم أمرنى فطفت فى مضر فلم أجد حيًّا خيرًا من كنانة ،ثم أمرنى فطفت فى كنانة فلم أجد حيًّا خيرًا من قريش ثم أمرنى فطفت فى قريش فلم أجد حيًّا خيرًا من بنى هاشم، ثم أمرنى أن أختار فى أنفسهم فلم أجد نَفْسًا خيرًا من نَفْسِك " [34].

 

2- باب: زواج عبد الله بن عبد المطلب بآمنة بنت وهب , ورؤياها.

 

كان عبد الله بن عبد المطلب من أحب ولد أبيه إليه،وزوَّجه من أشرف نساء مكة نسبًا، وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب. وقد نجا عبد الله من الذبح وفداه عبد المطلب بمائة من الإبل ولذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم هو ابن الذبيحين: إسماعيل عليه السلام وعبد الله بن عبد المطلب.

ولم يلبث عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وسلم أن توفي بعد أن حملت زوجته آمنة بنت وهب بالنبي صلى الله عليه وسلم [35] ، ودُفن بالمدينة عند أخواله بني (عدي بن النجار) ،  وذلك حتى يولد النبي يتيمًا لحكمة قدرها الله تعالى.

ولم يكن زواج عبد الله من آمنة هو بداية أمر النبي صلى الله عليه وسلم ،  – ففي مسند أحمد عن أبي أمامة قال: قلت : يا نبي الله ما كان أول بدء أمرك؟  قال : "دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت منه قصور الشام "» ([36]) .

وأخرج الحاكم بسنده عن خالد بن معدان ، عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنهم قالوا : يا رسول الله ، أخبرنا عن نفسك ، فقال : « دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له بصرى، وبصرى من أرض الشام »([37])

 

ودعوة إبراهيم عليه السلام هي قوله: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ } [البقرة: 129]. وبشرى عيسى: كما أشار إليه قوله عز وجل حاكيا عن المسيح عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم مّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ } [الصف: 6].

وقوله: «ورأت أمي كأنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام» قال ابن رجب: «وخروج هذا النور عند وضعه إشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض، وزالت به ظلمة الشرك منها، كما قال تعالى:  {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ` يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [المائدة: 15-16].

وقال ابن كثير: «وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه وثبوته ببلاد الشام؛ ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلا للإسلام وأهله، وبها ينزل عيسى بن مريم بدمشق بالمنارة الشرقية البيضاء منها, ولهذا جاء في الصحيحين: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك»([38])، وفي رواية: «وهم بالشام »([39]).

* وقد روي من طرق مرسلاً وموصولاً : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح )).  ، وسند المرسل جيد.كما قال ابن كثير ([40])

– ومما روي موصولاً ما أخرجه محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني في مسنده: عن علي- رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدتني أمي، لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء "[41]

وروى البيهقي في الكبرى بسنده عن المديني عن أبي الحويرث عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية شيء ما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام "[42]  .

وقال الحافظ ابن سيد الناس :َرُوِّينَا مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ غَيْرِ سِفَاحٍ» [43] .فهذه طرق يقوي بعضها بعضًا.

وقَالَ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ: كَتَبْتُ للنبي صلّى الله عليه وسلّم خمسمائة أُمٍّ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِنَّ سِفَاحًا وَلا شَيْئًا مِمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ.أهـ[44]

 

* ومن الأحاديث الضعيفة في هذا الباب:

ما رواه  ابن سعد: بسنده عن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري عن أبيه عن جده قال: كان عبد المطلب إذا ورد اليمن نزل على عظيم من عظماء حمير، فنزل عليه مرة من المر فوجد عنده رجلاً من أهل اليمن قد أمهل له في العمر، وقد قرأ الكتب، فقال له: يا عبد المطلب! تأذن لي أن أفتش مكاناً منك؟ قال: ليس كل مكان مني آذن لك في تفتيشه، قال: إنما هو منخراك، قال: فدونك، قال: فنظر إلى يار، وهو الشعر في منخريه، فقال: أرى نبوة وأرى ملكاً، وأرى أحدهما في بني زهرة، فرجع عبد المطلب فتزوج هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة وزوج ابنه عبد الله آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فولدت محمداً، صلى الله عليه وسلم، فجعل الله في بني عبد المطلب النبوة والخلافة، والله أعلم حيث وضع ذلك [45].

 

روى الطبراني عَنِ ابن عَبَّاسٍ عن أبيه قال :قال عبد الْمُطَّلِبِ : خَرَجْتُ إلى الْيَمَنِ في إِحْدَى رِحْلَتَيِ الإِيلافِ فَنَزَلْتُ على رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ فَرَآنِي رَجُلٌ من أَهْلِ الدُّيُورِ، فَنَسَبَنِي فَانْتَسَبْتُ له فقال أَتَأْذَنُ لي أَنْ أَنْظُرَ إلى بَعْضِكَ؟ قلت نعم ما لم تَكُنْ عَوْرَةً ، فَفَتَحَ إِحْدَى مَنْخَرَيَّ فَنَظَرَ ثُمَّ نَظَرَ في الآخَرِ فقال أَشْهَدُ أَنَّ في إِحْدَى يَدَيْكَ مُلْكًا وفي الأُخْرَى نُبُوَّةً وَإِنَّا لَنَجِدُ ذلك في بني زُهْرَةَ فَكَيْفَ ذلك قلت لا أَدْرِي قال هل لك من شَاعَةٍ قلت وما الشَّاعَةُ قال زَوْجَةٌ ، قلت أَمَّا الْيَوْمَ فَلا قال فإذا رَجَعْتَ فَتَزَوَّجْ في بني زُهْرَةَ فَرَجَعَ عبد الْمُطَّلِبِ فَتَزَوَّجَ هَالَةَ بنتَ وُهَيْبِ بن عبد مَنَافِ بن زُهْرَةَ فَوَلَدَتْ له حَمْزَةَ وَصَفِيَّةَ، وَزَوَّجَ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَهُ آمِنَةَ بنتَ وَهْبٍ فقالت قُرَيْشٌ نَتَجَ عبد الْمُطَّلِبِ على ابْنِهِ فَوَلَدَتْ له رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَانَ حَمْزَةُ رضي اللَّهُ عنه أَخَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مِنَ الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْهُمَا ثُوَيْبَةُ مَوْلاةُ أبي لَهَبٍ وكان أَسَنَّ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم.[46]

وكذلك لا يثبت خبر المرأة التي عرضت نفسها على عبد الله والد النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقيل أن اسم هذه المرأة: رقية بنت نوفل، وكنيتها: أم قتال، وقيل: هي فاطمة بنت مر الخثعمية، وقيل: هي ليلى العدوية.

روى ابن سعد بسنده عن ابن عباس أن المرأة التي عرضت على عبد الله بن عبد المطلب ما عرضت ، امرأةٌ من بني أسد بن عبد العزى وهي أخت ورقة بن نوفل [47].

وقال ابن سعد: وأخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبي الفياض الخثعمي قال: مر عبد الله بن عبد المطلب بامرأة من خثعم يقال لها: فاطمة بنت مر، وكانت من أجمل الناس وأشبه وأعفه، وكانت قد قرأت الكتب، وكان شباب قريش يتحدثون إليها، فرأت نور النبوة في وجه عبد الله، فقالت: يافتى من أنت؟ فأخبرها، قالت: هل لك أن تقع علي وأعطيك مائة من الإبل؟ فنظر إليها وقال:

أما الحرام فالممات دونه ... والحل لا حل فأستبينه

فكيف بالأمر الذي تنوينه؟ ...

ثم مضى إلى امرأته آمنة بنت وهب، فكان معها، ثم ذكر الخثعمية وجمالها وما عرضت عليه، فأقبل إليها فلم ير منها من الإقبال عليه آخراً كما رآه منها أولاً، فقال: هل لك فيما قلت لي؟ قالت: قد كان ذاك مرة فاليوم لا، فذهبت مثلاً؛ وقالت أي شيء صنعت بعدي؟ قال: وقعت على زوجتي آمنة بنت وهب، قالت: اني والله لست بصاحبة ريبة، ولكني رأيت نور النبوة في وجهك فأردت أن يكون ذلك في وأبى الله إلا أن يجعله حيث جعله، وبلغ شباب قريش ما عرضت على عبد الله بن عبد المطلب وتأبيه عليها، فذكروا ذلك لها، فأنشأت تقول:

إني رأيت مخيلةً عرضت ... فتلألأت بحناتم القطر

فلمائها نور يضيء له ... ما حوله كاضاءة الفجر

ورأيته شرفاً أبوء به ... ما كل قادح زنده يوري

لله ما زهرية سلبت ... ثوبيك ما استلبت وما تدري

وقالت أيضا:

بني هاشم قد غادرت من أخيكم ... أمينة إذ للباه يعتلجان

كما غادر المصباح بعد خبوه ... فتائل قد ميثت له بدهان

وما كل ما يحوي الفتى من تلاده ... بحزم ولا ما فاته لتوان

فأجمل إذا طالبت أمراً فإنه ... سيكفيكه جدان يصطرعان

سيكفيكه إما يد مقفعلة ... وإما يد مبسوطة ببنان

ولما قضت منه أمينة ما قضت ... نبا بصري عنه وكل لساني[48]

وروى أبو نعيم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَعن سَعْدٍ بن أبي وقاص قَالَ: " أَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَبُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ فِي بِنَاءٍ لَهُ، وَعَلَيْهِ أَثَرُ الطِّينِ وَالْغُبَارِ، فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ مِنْ خَثْعَمٍ،- فَقَالَ عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ فِي حَدِيثِهِ: فَمَرَّ بِلَيْلَى الْعَدَوِيَّةِ-، فَلَمَّا رَأَتْهُ، وَرَأَتْ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ دَعَتْهُ إِلَى نَفْسِهَا، وَقَالَتْ لَهُ: إِنْ وَقَعْتَ بِي فَلَكَ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: حَتَّى أَغْسِلَ عَنِّي هَذَا الطِّينَ الَّذِي عَلَيَّ، وَأَرْجِعَ إِلَيْكِ، فَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، فَوَقَعَ بِهَا، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّيِّبِ الْمُبَارَكِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْخَثْعَمِيَّةِ،- وَقَالَ عَامِرٌ: إِلَى لَيْلَى الْعَدَوِيَّةِ-، فَقَالَ: هَلْ لَكِ فِيمَا قُلْتِ؟ قَالَتْ: لَا يَا عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَتْ: لِأَنَّكَ مَرَرْتَ بِي، وَبَيْنَ عَيْنَيْكَ نُورٌ، ثُمَّ رَجَعْتَ إِلَيَّ، وَقَدِ انْتَزَعَتْهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ مِنْكَ، فَحَمَلَتْ آمِنَةُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"[49] .

وروى ابن سعد بسنده عن محمد بن كعب و عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قالا: خرج عبد الله بن عبد المطلب إلى الشأم إلى غزة في عير من عيرات قريش يحملون تجارات، ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا، فمروا بالمدينة وعبد الله بن عبد المطلب يومئذ مريض، فقال: أنا أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار، فأقام عندهم مريضاً شهراً، ومضى أصحابه فقدموا مكة، فسألهم عبد المطلب عن عبد الله فقالوا: خلفناه عند أخواله بني عدي بن النجار وهو مريض، فبعث إليه عبد المطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفي ودفن في دار النابغة، وهو رجل من بني عدي بن النجار، في الدار التي إذا دخلتها فالدويرة عن يسارك، وأخبره أخواله بمرضه، وبقيامهم عليه، وما ولوا من أمره، وأنهم قبروه، فرجع إلى أبيه فأخبره، فوجد عليه عبد المطلب وإخوته وأخواته وجداً شديداً؛ ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، يومئد حمل، ولعبد الله يوم توفي خمس وعشرون سنة . قال محمد بن عمر الواقدي: هذا هو أثبت الأقاويل والرواية في وفاة عبد الله بن عبد المطلب وسِنِّه عندنا [50].

 

3- باب مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

ولد النبي صلوات الله عليه وسلامه يوم الاثنين ؛ لما رواه مسلم في ((صحيحه)) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟ فَقَالَ: " فِيهِ وُلِدْتُ، وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ  "[51].

 

وكان مولده عليه الصلاة والسلام عام الفيل. وهو المجمع عليه ؛ كما قال خليفة بن خياط[52]  ، وروى الحاكم: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ولد النبي صلى الله عليه و سلم عام الفيل "[53].

وهذا الحديث أخرجه ابن سعد عن ابن عباس بلفظ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفِيلِ. يَعْنِي عَامَ الْفِيلِ ".[54]

وقال ابن إسحاق  : حدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قيس بن مخرمة قال : وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ، فَنَحْنُ لِدَتانِ ".وفي رواية أحمد - من طريق ابن اسحاق-:" فَنَحْنُ لِدَانِ وُلِدْنَا مَوْلِدًا وَاحِدًا"[55]

 

وروى ابن أبي عاصم عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، يُقُولُ لِقَبَاثِ بْنِ أَشْيَمَ الْكِنَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنِّي وَأَنَا أَسَنُّ مِنْهُ، وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ، وَتَنَبَّأَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ مِنَ الْفِيلِ» [56].

 

وسمي العام بعام الفيل للحادثة التي أتت تفاصيلها في كتب السير والتاريخ وذكرها المفسرون في كتبهم. وهي ثابتة بالقرآن الكريم والسنة النبوية قال تعالى:  {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ` أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ` وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ` تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ ) [الفيل: 1-5].

وأشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحادث  لما خرج زمن الحديبية فيما رواه البخاري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا:  سَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ، فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا: خَلَأَتْ القَصْوَاءُ، خَلَأَتْ القَصْوَاءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا خَلَأَتْ القَصْوَاءُ، وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الفِيلِ» » ([57]).

 

 

* ما ورد ضعيفًا في هذا الباب:

- روى خليفة بن خياط عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ قَبْلَ الْفِيلِ بِخَمْسَ عشرَة سنة[58]

وروى ابن سعد عن أبي جعفر محمد بن علي قال: ولد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الإثنين لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول، وكان قدوم أصحاب الفيل قبل ذلك للنصف من المحرم، فبين الفيل وبين مولد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خمس وخمسون ليلة. [59].

* وروى ابن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال: حدثني علي بن يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة عن أبيه عن عمته قالت: كنا نسمع أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما حملت به آمنة بنت وهب كانت تقول: ما شعرت أني حملت به، ولا وجدت له ثقلةً كما تجد النساء، إلا أني قد أنكرت رفع حيضي وربما كانت ترفعني وتعود، وأتاني آت وأنا بين النائم واليقظان فقال: هل شعرت أنك حملت؟ فكأني أقول ما أدري، فقال: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ونبيها، وذلك يوم الإثنين، قالت: فكان ذلك مما يقن عندي الحمل، ثم أمهلني حتى إذا دنا ولادتي أتاني ذلك الآتي فقال: قولي أعيذه بالواحد الصمد من شر كل حاسد، قالت: فكنت أقول ذلك، فذكرت ذلك لنسائي، فقلن لي: تعلقي حديداً في عضديك وفي عنقك، قالت: ففعلت، قالت: فلم يكن ترك علي الا أياماً فأجده قد قطع، فكنت لا أتعلقه.

قال: وأخبرنا محمد بن عمر بن واقد قال: حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري قال: قالت آمنة: لقد علقت به فما وجدت له مشقةً حتى وضعته.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني قيس مولى عبد الواحد عن سالم عن أبي جعفر محمد بن علي قال: أمرت آمنة وهي حامل برسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن تسميه أحمد أهـ. [60]

 

وقال ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال: حدثني علي بن يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة عن أبيه عن عمته قالت: ولما ولدت آمنة بنت وهب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أرسلت إلى عبد المطلب، فجاءه البشير وهو جالس في الحجر معه ولده ورجال من قومه، فأخبره أن آمنة ولدت غلاماً، فسر ذلك عبد المطلب وقام هو ومن كان معه فدخل عليها، فأخبرته بكل ما رأت وما قيل لها وما أمرت به، قال: فأخذه عبد المطلب فأدخله الكعبة وقام عندها يدعو الله ويشكر ما أعطاه.

قال: أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي قال: وأخبرت أن عبد المطلب قال يومئذ:

الحمد لله الذي أعطاني ... هذا الغلام الطيب الأردان

قد ساد في المهد على الغلمان ... أعيذه بالله ذي الأركان

حتى أراه بالغ البنيان ... أعيذه من شر ذي شنآن... من حاسدٍ مضطرب العنان [61]

* و روى أبو نعيم - بسند واه جدًا- عن بريدة رضي الله تعالى عنهما قال: رأت آمنة وهي حامل برسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها: إنك حبلى بخير البرية وسيد العالمين، فإذا ولدتيه فسميه أحمد أو محمدا أو علقي عليه هذه الأبيات فانتبهت وعند رأسها صحيفة من ذهب مكتوب عليها:

أعيذه بالواحد * * من شر كل حاسد وكل خلق زائد * * من قائم وقاصد عن السبيل حائد * * على الفساد جاهد من نافث أو عاقد * * وكل خلق مارد يأخذ بالمراصد * * في طرق الموارد أنهاهم عنه بالله الأعلى، وأحوطه منهم باليد العليا والكنف الذي لا يرى، يد الله فوق أيديهم وحجاب الله دون عاديهم، لا يطردونه ولا يضرونه في مقعد ولا منام ولا سير ولا مقام، أول الليل وآخر الأيام. [62]

 

4- باب: فيما وقع من الآيات ليلة مولده عليه الصلاة والسلام

روى الطيالسي وابن سعد عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رأت أمي كأنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشأم" [63].

روى ابن إسحاق عن حسان بن ثابت  قال: "  والله،إني لغلام يفعة؛ ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كل ما سمعت، إذ سمعتُ يهوديًا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بـ(يثرب): يا معشر يهود! حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك مالك؟! قال : طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به " [64]

وروى ابن سعد والحاكم  وصححه وأبو نعيم - بسند حسن كمافي الفتح - عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يهودي قد سكن مكة يتجر بها، فلما كانت تلك الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس من قريش: يا معشر قريش، هل ولد فيكم الليلة مولود ؟ فقال القوم: والله ما نعلمه.

قال: احفظوا ما أقول لكم: ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة، بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس، لا يرضع ليلتين.

فتصدع القوم من مجلسهم وهم يتعجبون من قوله: فلما صاروا إلى منازلهم أخبر كل إنسان منهم أهله فقالوا: لقد ولد الليلة لعبد الله بن عبد المطلب غلام سموه محمدا.

فالتقى القوم حتى جاؤوا اليهودي فأخبروه الخبر.

قال: اذهبوا معي حتى أنظر إليه فخرجوا حتى أدخلوه على آمنة فقالوا: أخرجي إلينا ابنك.

فأخرجته وكشفوا له عن ظهره فرأى تلك الشامة، فوقع مغشيا عليه فلما أفاق قالوا: ويلك مالك ؟ قال: والله ذهبت النبوة من بني إسرائيل، أفرحتم به يا معشر قريش والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق إلى المغرب" [65].

 

* ما ورد في هذا الباب من الأحاديث الضعيفة :

ما ذُكر من ارتجاس إيوان كسرى وسقوط الشرفات منه وخمود النيران وغيض بحيرة ساوة ورؤيا الموبذان التي فسرها سطيح بقوله: إذا كثرت التلاوة وبعث صاحب الهراوة وفاض وادي السماوة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس فليست الشأم لسطيح شأما يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت...  فكل ذلك لا يثبت عند علماء الحديث[66]

 

وروى ابن أبي عاصم: عن ابن أبي سويد الثقفي قال سمعت عثمان بن أبي العاص يقول: أخبرتني أمي قالت : شهدت آمنة لما وُلِد رسول الله صلى الله عليه و سلم، فلما ضربها المخاض نظرتُ إلى النجوم تدلى حتى إني لأقول إنها لتقعن عليَّ ، فلما ولدتْ خرج منها نور أضاء له البيتُ الذي نحن فيه والدار، فما شيء أنظر إليه إلا نور"[67] .

 

وروى ابن سعد عن محمد بن عمر الواقدي- وهو متروك- بأسانيد له متعددة عن آمنة أنها قالت: لما وضعته خرج معه نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب، ثم وقع جاثيا على ركبتيه معتمدا على الأرض بيديه، ثم أخذ قبضة من تراب وقبضها ورفع رأسه إلى السماء، وأضاءت له قصور الشام وأسواقها، حتى رأيت أعناق الإبل ببصرى.

وروى ابن سعد عن عكرمة: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما ولدته أمه وضعته تحت برمة فانفلقت عنه، قالت: فنظرت إليه فإذا هو قد شق بصره ينظر إلى السماء[68].

وروى عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: ولد النبي، صلى الله عليه وسلم، مختوناً مسروراً قال: وأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده، وقال: ليكونن لابني هذا شأن، فكان له شأن [69].

وروى أبو نعيم في الدلائل  عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « مِنْ كَرَامَتِي عَلَى رَبِّي أَنِّي وُلِدْتُ مَخْتُونًا، وَلَمْ يَرَ أَحَدٌ سَوْأَتِي » [70]

* وروى أبو نعيم بسنده ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: " كُنْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِرْبًا، وَكَانَتْ أُمِّي الشِّفَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ابْنَةَ عَمِّ أَبِيهِ، فَكَانَتْ تُحَدِّثُنَا عَنْ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ أُمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ أُمِّي الشِّفَاءُ بِنْتُ عَمْرٍو: لَمَّا وَلَدَتْ آمِنَةُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَ عَلَى يَدَيَّ، فَاسْتَهَلَّ، فَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: رَحِمَكَ رَبُّكَ، قَالَتِ الشِّفَاءُ: فَأَضَاءَ لِي مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى بَعْضِ قُصُورِ الشَّامِ، قَالَتْ: ثُمَّ أَلْبَنْتُهُ، وَأَضْجَعْتُهُ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ غَشِيَتْنِي ظُلْمَةٌ وَرُعْبٌ وَقُشْعَرِيرَةٌ، ثُمَّ أُسْفِرَ عَنْ يَمِينِي، فَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: أَيْنَ ذَهَبْتَ بِهِ؟ قَالَ: ذَهَبْتُ بِهِ إِلَى الْمَغْرِبِ، قَالَتْ: وَأَسْفَرَ ذَلِكَ عَنِّي، ثُمَّ عَاوَدَنِي الرُّعْبُ بِهِ؟ قَالَ: إِلَى الْمَشْرِقِ، وَلَنْ يَعُودَ أَبَدًا، فَلَمْ يَزَلِ الْحَدِيثُ مِنِّي عَلَى بَالٍ حَتَّى ابْتَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ، فَكُنْتُ فِي أَوَّلِ النَّاسِ إِسْلَامًا " [71] تفرد به أبو نعيم .

* وروى أبو نعيم وابن عساكر من طريق المسيب بن شريك عن محمد بن شريك عن شعيب بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: كان بمر الظهران راهب من أهل الشام يدعى عيص، وكان قد آتاه الله علما كثيرا، وكان يلزم صومعة له ويدخل مكة فيلقى الناس ويقول:

يوشك أن يولد فيكم مولود يا أهل مكة تدين له العرب ويملك العجم هذا زمانه، فمن أدركه واتبعه أصاب حاجته، ومن أدركه وخالفه أخطأ حاجته، وبالله ما تركت أرض الخمر والخمير والأمن وحللت أرض البؤس والخوف إلا في طلبه.

فكان لا يولد بمكة مولود إلا يسأل عنه فيقول: ما جاء بعد.

فلما كان صبيحة اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عبد المطلب حتى أتى عيص فوقف على أصل صومعته فناداه فقال: من هذا ؟ فقال: أنا عبد المطلب.

فأشرف عليه فقال: كن أباه فقد ولد ذلك المولود الذي كنت أحدثكم عنه يوم الأثنين ويبعث يوم الأثنين وإن نجمه طلع البارحة، وآية ذلك أنه الآن وجع فيشتكي ثلاثا ثم يعافى، فاحفظ لسانك فإنه لم يحسد حسده أحد، لم يبغ على أحد كما يبغى عليه.

قال: فما عمره ؟ قال: إن طال عمره لم يبلغ السبعين يموت في وتر دونها في الستين في إحدى وستين أو ثلاث وستين [72].

قال في الخصائص: أخرج ابو نعيم عَن عَمْرو بن قُتَيْبَة قَالَ سَمِعت أبي وَكَانَ من أوعية الْعلم قَالَ لما حضرت ولادَة آمِنَة قَالَ الله لملائكته افتحوا ابواب السَّمَاء كلهَا وأبواب الْجنان كلهَا وامر الله الْمَلَائِكَة بالحضور فَنزلت تبشر بَعْضهَا بَعْضًا وتطاولت جبال الدُّنْيَا وَارْتَفَعت الْبحار وتباشر أَهلهَا فَلم يبْق ملك إِلَّا حضر وَأخذ الشَّيْطَان فَغَلَّ سبعين غلا وَأُلْقِي منكوسا فِي لجة الْبَحْر الخضراء وغلت الشَّيَاطِين والمردة وألبست الشَّمْس يَوْمئِذٍ نورا عَظِيما وأقيم على رَأسهَا سَبْعُونَ الف حوراء فِي الْهَوَاء ينتظرون ولادَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ قد أذن الله تِلْكَ السّنة لِنسَاء الدُّنْيَا أَن يحملن ذُكُورا كَرَامَة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وان لَا تبقى شَجَرَة إِلَّا حملت وَلَا خوف إِلَّا عَاد أمنا فَلَمَّا ولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْتَلَأت الدُّنْيَا كلهَا نورا وتباشرت الْمَلَائِكَة وَضرب فِي كل سَمَاء عَمُود من زبرجد وعمود من ياقوت قد استنار بِهِ فَهِيَ مَعْرُوفَة فِي السَّمَاء قد رَآهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْإِسْرَاء قيل هَذَا" [73]

 

5- باب:ذكر حواضنه ومراضعه عليه الصلاة والسلام

كانت حاضنته صلى الله عليه وسلم أم أيمن: بركة الحبشية أَمَةَ أبيه حيث كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب ، ولما كَبـِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها، ثم أنكحها زيد بن حارثة وأنجبت له أسامة بن زيد ثم توفيت بعد ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر([74]).

* وأول من أرضعته صلى الله عليه وسلم – بعد أمه- ثويبة  وكانت  مولاة لعمه أبي لهب

وروى البخاري ومسلم عن عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أنها  قالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ،(وفي رواية لمسلم: عزة بنت أبي سفيان)،  فَقَالَ: «أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكِ» ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ ذَلِكِ لاَ يَحِلُّ لِي» . قُلْتُ: فَإِنَّا نُحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ؟ قَالَ: «بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ» ، قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: «لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا لاَبْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ» ، قَالَ  عُرْوَةُ، وثُوَيْبَةُ مَوْلاَةٌ لِأَبِي لَهَبٍ: كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا، فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ"[75] .

 

* وكانت حليمة السعدية  حاضنته ومرضعته في بني سعد:فقد روى أحمد بسنده عن خالد بن معدان عن عَنْ ابْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ شَأْنِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ:

" كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ لَنَا، وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا، فَقُلْتُ: يَا أَخِي، اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا، فَانْطَلَقَ أَخِي وَمَكَثْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ، فَأَقْبَلَ طَيْرَانِ أَبْيَضَانِ كَأَنَّهُمَا نَسْرَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَقْبَلَا يَبْتَدِرَانِي، فَأَخَذَانِي فَبَطَحَانِي إِلَى الْقَفَا، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي، فَشَقَّاهُ فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: - قَالَ يَزِيدُ فِي حَدِيثِهِ، ائْتِنِي بِمَاءِ ثَلْجٍ - فَغَسَلَا بِهِ جَوْفِي، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِمَاءِ بَرَدٍ فَغَسَلَا بِهِ قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِالسَّكِينَةِ فَذرَّاهَا فِي قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: حِصْهُ، فَحَاصَهُ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ - وَقَالَ حَيْوَةُ: فِي حَدِيثِهِ حِصْهُ فَحَصَّهُ وَاخْتِمْ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ -، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ، وَاجْعَلْ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِهِ فِي كِفَّةٍ، فَإِذَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْأَلْفِ فَوْقِي، أُشْفِقُ أَنْ يَخِرَّ عَلَيَّ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ:" لَوْ أَنَّ أُمَّتَهُ وُزِنَتْ بِهِ لَمَالَ بِهِمْ، ثُمَّ انْطَلَقَا وَتَرَكَانِي، وَفَرِقْتُ فَرَقًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي لَقِيتُهُ، فَأَشْفَقَتْ عَلَيَّ أَنْ يَكُونَ أُلْبِسَ بِي، قَالَتْ: أُعِيذُكَ بِاللهِ، فَرَحَلَتْ بَعِيرًا لَهَا فَجَعَلَتْنِي - فَحَمَلَتْنِي - عَلَى الرَّحْلِ، وَرَكِبَتْ خَلْفِي حَتَّى بَلَغْنَا إِلَى أُمِّي، فَقَالَتْ: أَوَأَدَّيْتُ أَمَانَتِي، وَذِمَّتِي؟ وَحَدَّثَتْهَا بِالَّذِي لَقِيتُ، فَلَمْ يَرُعْهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ: إِنِّي رَأَيْتُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ  ، أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ ))[76].

 

قد ذكرث أثار تبين أن بركته عليه الصلاة والسلام حلت على حليمة السعدية وأهلها وهو صغير  وذلك ليس بمستبعد ، وقد ضُعِّفت من الناحية الحديثية ،وقد حسنها البعض. منها ما ذكره ابن اسحق في السيرة[77] وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريقه: عن جهم بن أبي جهم عن عبد الله بن جعفر : عن حليمة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدية التي أرضعته قالت: خَرَجْتُ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ نَلْتَمِسُ الرُّضَعَاءَ بِمَكَّةَ عَلَى أَتَانٍ لِي قَمْرَاءَ  فِي سَنَةٍ شَهْبَاءَ لَمْ تُبْقِ شَيْئًا، وَمَعِي زَوْجِي، وَمَعَنَا شَارِفٌ لَنَا، وَاللَّهِ مَا إِنْ يَبِضُّ  عَلَيْنَا بِقَطْرَةٍ مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي صَبِيٌّ لِي إِنْ  نَنَامَ لَيْلَتَنَا مِنْ بُكَائِهِ مَا فِي ثَدْيَيَّ مَا يُغْنِيهِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ لَمْ تَبْقَ مِنَّا امْرَأَةٌ إِلَّا عُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَأْبَاهُ، وَإِنَّمَا كُنَّا نَرْجُو كَرَامَةَ الرَّضَاعَةِ مِنْ وَالِدِ الْمَوْلُودِ، وَكَانَ يَتِيمًا، وَكُنَّا نَقُولُ: يَتِيمًا مَا عَسَى أَنْ تَصْنَعَ أُمُّهُ بِهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ صَوَاحِبِي امْرَأَةٌ إِلَّا أَخَذَتْ صَبِيًّا غَيْرِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أَرْجِعَ وَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا وَقَدْ أَخَذَ صَوَاحِبِي، فَقُلْتُ لِزَوْجِي: وَاللَّهِ لَأَرْجِعَنَّ إِلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ فَلَآخُذَنَّهُ، فَأَتَيْتُهُ، فَأَخَذْتُهُ وَرَجَعْتُ إِلَى رَحْلِي، فَقَالَ زَوْجِي: قَدْ أَخَذْتِيهِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ وَاللَّهِ، وَذَاكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ، فَقَالَ: قَدْ أَصَبْتِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ خَيْرًا، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ جَعَلْتُهُ فِي حِجْرِي أَقْبَلَ عَلَيْهِ ثَدْيِي بِمَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ اللَّبَنِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ، وَشَرِبَ أَخُوهُ - يَعْنِي ابْنَهَا - حَتَّى رَوِيَ، وَقَامَ زَوْجِي إِلَى شَارِفِنَا مِنَ اللَّيْلِ، فَإِذَا بِهَا حَافِلٌ فَحَلَبَهَا مِنَ اللَّبَنِ مَا شِئْنَا، وَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ، وَشَرِبْتُ حَتَّى رَوِيتُ، وَبِتْنَا لَيْلَتَنَا تِلْكَ شِبَاعًا رُوَاءً، وَقَدْ نَامَ صِبْيَانُنَا، يَقُولُ أَبُوهُ يَعْنِي زَوْجَهَا: وَاللَّهِ يَا حَلِيمَةُ مَا أُرَاكِ إِلَّا قَدْ أَصَبْتِ نَسَمَةً مُبَارَكَةً، قَدْ نَامَ صَبِيُّنَا، وَرَوِيَ، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْنَا، فَوَاللَّهِ لَخَرَجَتْ أَتَانِي أَمَامَ الرَّكْبِ، حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ: وَيْحَكِ كُفِّي عَنَّا، أَلَيْسَتْ هَذِهِ بِأَتَانِكِ الَّتِي خَرَجْتِ عَلَيْهَا؟ فَأَقُولُ: بَلَى وَاللَّهِ، وَهِيَ قُدَّامُنَا حَتَّى قَدِمْنَا مَنَازِلَنَا مِنْ حَاضِرِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَقَدِمْنَا عَلَى أَجْدَبِ أَرْضِ اللَّهِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ حَلِيمَةَ بِيَدِهِ إِنْ كَانُوا لَيُسَرِّحُونَ أَغْنَامَهُمْ إِذَا أَصْبَحُوا، وَيَسْرَحُ رَاعِي غَنَمِي فَتَرُوحُ بِطَانًا لَبَنًا حُفَّلًا ، وَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا هَالِكَةً، مَا لَهَا مِنْ لَبَنٍ، قَالَتْ: فَنَشْرَبُ مَا شِئْنَا مِنَ اللَّبَنِ، وَمَا مِنَ الْحَاضِرِ أَحَدٌ يَحْلُبُ قَطْرَةً وَلَا يَجِدُهَا، فَيَقُولُونَ لِرِعَائِهِمْ: وَيْلَكُمْ أَلَا تَسْرَحُونَ حَيْثُ يَسْرَحُ رَاعِي حَلِيمَةَ، فَيَسْرَحُونَ فِي الشِّعْبِ الَّذِي تَسْرَحُ فِيهِ، فَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا مَا بِهَا مِنْ لَبَنٍ، وَتَرُوحُ غَنَمِي لَبَنًا حُفَّلًا، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشِبُّ فِي الْيَوْمِ شَبَابَ الصَّبِيِّ فِي شَهْرٍ، وَيَشِبُّ فِي الشَّهْرِ شَبَابَ الصَّبِيِّ فِي سَنَةٍ، فَبَلَغَ سَنَةً  وَهُوَ غُلَامٌ جَفْرٌ[78]  ، قَالَتْ: فَقَدِمْنَا عَلَى أُمِّهِ، فَقُلْتُ لَهَا، وَقَالَ لَهَا أَبُوهُ: رُدِّي عَلَيْنَا ابْنِي، فَلْنَرْجِعْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْهِ وَبَاءَ مَكَّةَ قَالَتْ: وَنَحْنُ أَضَنُّ شَيْءٍ بِهِ مِمَّا رَأَيْنَا مِنْ بَرَكَتِهِ، قَالَتْ: فَلَمْ نَزَلْ حَتَّى قَالَتِ: ارْجِعَا بِهِ، فَرَجَعْنَا بِهِ، فَمَكَثَ عِنْدَنَا شَهْرَيْنِ، قَالَتْ: فَبَيْنَا هُوَ يَلْعَبُ وَأَخُوهُ يَوْمًا خَلْفَ الْبُيُوتِ يَرْعَيَانِ بَهْمًا لَنَا ، إِذْ جَاءَنَا أَخُوهُ يَشْتَدُّ، فَقَالَ لِي وَلِأَبِيهِ: أَدْرِكَا أَخِي الْقُرَشِيَّ، قَدْ جَاءَهُ رَجُلَانِ، فَأَضْجَعَاهُ، وَشَقَّا بَطْنَهُ، فَخَرَجْنَا نَشْتَدُّ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ وَهُوَ قَائِمٌ مُنْتَقِعٌ لَوْنُهُ، فَاعْتَنَقَهُ أَبُوهُ وَاعْتَنَقْتُهُ، ثُمَّ قُلْنَا: مَا لَكَ أَيْ بُنَيَّ؟ قَالَ: «أَتَانِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، فَأَضْجَعَانِي، ثُمَّ شَقَّا بَطْنِي، فَوَاللَّهِ، مَا أَدْرِي مَا صَنَعَا» ، قَالَتْ: فَاحْتَمَلْنَاهُ، وَرَجَعْنَا بِهِ، قَالَتْ: يَقُولُ أَبُوهُ: يَا حَلِيمَةُ مَا أَرَى هَذَا الْغُلَامَ إِلَّا قَدْ أُصِيبَ، فَانْطَلِقِي، فَلْنَرُدَّهُ إِلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ بِهِ مَا نَتَخَوَّفُ، قَالَتْ: فَرَجَعْنَا بِهِ، فَقَالَتْ: مَا يَرُدُّكُمَا بِهِ، فَقَدْ كُنْتُمَا حَرِيصَيْنِ عَلَيْهِ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، إِلَّا أَنَّا كَفَلْنَاهُ، وَأَدَّيْنَا الْحَقَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْنَا، ثُمَّ تَخَوَّفْنَا الْأَحْدَاثَ عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: يَكُونُ فِي أَهْلِهِ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: وَاللَّهِ مَا ذَاكَ بِكُمَا، فَأَخْبِرَانِي خَبَرَكُمَا وَخَبَرَهُ، فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ بِنَا حَتَّى أَخْبَرْنَاهَا خَبَرَهُ، قَالَتْ: فَتَخَوَّفْتَمَا عَلَيْهِ، كَلَّا وَاللَّهِ، إِنَّ لِابْنِي هَذَا شَأْنًا، أَلَا أُخْبِرُكُمَا عَنْهُ إِنِّي حَمَلْتُ بِهِ، فَلَمْ أَحْمِلْ حَمْلًا قَطُّ، كَانَ أَخَفَّ عَلَيَّ، وَلَا أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهُ، ثُمَّ رَأَيْتُ نُورًا كَأَنَّهُ شِهَابٌ خَرَجَ مِنِّي حِينَ وَضَعْتُهُ، أَضَاءَتْ لَهُ أَعْنَاقُ الْإِبِلِ بِبُصْرَى، ثُمَّ وَضَعْتُهُ، فَمَا وَقَعَ كَمَا يَقَعُ الصِّبْيَانُ، وَقَعَ وَاضِعًا يَدَهُ بِالْأَرْضِ، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، دَعَاهُ وَالْحَقَا بِشَأْنِكُمَا  " [79]

 

* ومن الأحاديث الضعيفة في هذا الباب:

وقال ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي، أخبرنا زكريا بن يحيى بن يزيد السعدي عن أبيه قال: قدم مكة عشر نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن الرضاع، فأصبن الرضاع كلهن الا حليمة بنت عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد ابن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان ابن مضر وكان معها زوجها الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملأن ابن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن ويكنى أبا ذؤيب وولدها منه عبد الله بن الحارث، وكانت ترضعه، وأنيسة بنت الحارث وجدامة بنت الحارث وهي الشيماء، وكانت هي التي تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أمها وتوركه، فعرض عليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فجعلت تقول: يتيم ولا مال له، وماعست أمه أن تفعل؟ فخرج النسوة وخلفنها، فقالت حليمة لزوجها: ما ترى؟ قد خرج صواحبي وليس بمكة غلام يسترضع الا هذا الغلام اليتيم، فلو أنا أخذناه فاني أكره ان نرجع إلى بلادنا ولم نأخذ شيئاً، فقال لها زوجها خذيه عسى الله ان يجعل لنا فيه خيراً، فجاءت إلى أمه فأخذته منه فوضعته في حجرها، فأقبل عليه ثدياها حتى يقطرا لبناً، فشرب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى روي، وشرب أخوه ولقد كان اخوه لا ينام من الغرث، وقالت أمه: يا ظئر سلي عن ابنك فإنه سيكون له شأن، وأخبرتها ما رأت وما قيل لها فيه حين ولدته، وقالت: قيل لي ثلاث ليال: استرضعي ابنك في بني سعد بن بكر، ثم في آل أبي ذؤيب، قالت حليمة: فإن أبا هذا الغلام الذي في حجري أبو ذؤيب، وهو زوجي، فطابت نفس حليمة وسرت بكل ما سمعت، ثم خرجت به إلى منزلها، فحدجوا أتانهم، فركبتها حليمة وحملت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بين يديها وركب الحارث شارفهم فطلعا على صواحبها بوادي السرر، وهن مرتعات وهما يتواهقان، فقلن: يا حليمة ما صنعت؟ فقالت: أخذت والله خير مولود رأيته قط وأعظمهم بركة، قال النسوة: أهو بن عبد المطلب؟ قالت: نعم! قالت: فما رحلنا من منزلنا ذلك حتى رأيت الحسد من بعض نسائنا.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: وذكر بعض الناس أن حليمة لما خرجت برسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى بلادها قالت آمنة بنت وهب:

أعيذه بالله ذي الجلال ... من شر ما مر على الجبال

حتى أراه حامل الحلال ... ويفعل العرف إلى الموالي وغيرهم من حشوة الرجال [80]...

وروى ابن سعد عن برة بنت أبي تجراة قالت: أول من أرضع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثويبة، بلبن ابن لها، يقال له مسروح، أياماً قبل أن تقدم حليمة، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي[81]..وسنده ضعيف  لكن متنه صحيح.

وروى ابن سعد عن ابن أبي مليكة قال: كان حمزة بن عبد المطلب رضيع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أرضعتهما امرأة من العرب، كان حمزة مسترضعاً له عند قوم من بني سعد بن بكر، وكانت أم حمزة قد أرضعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوماً وهو عند أمه حليمة. [82].

وروى ابن سعد عن إسحاق بن عبد الله: أن أم النبي، صلى الله عليه وسلم، لما دفعته إلى السعدية التي أرضعته قالت لها: احفظي ابني، وأخبرتها لما رأت، فمر بها اليهود، فقالت: ألا تحدثوني عن ابني هذا فاني حملته كذا ووضعته كذا ورأيت كذا كما وصفت أمه، قال: فقال بعضهم لبعض: أقتلوه، فقالوا: أيتيم هو؟ فقالت: لا، هذا أبوه وأنا أمه، فقالوا: لو كان يتيما لقتلناه! قال: فذهبت به حليمة وقالت: كدت أخرب أمانتي، قال إسحاق: وكان له أخ رضيع، قال: فجعل يقول له: أترى أنه يكون بعث؟ فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: أما والذي نفسي بيده لآخذن بيدك يوم القيامة ولأعرفنك؛ قال: فلما آمن بعد موت النبي، صلى الله عليه وسلم، جعل يجلس فيبكي ويقول: إنما أرجو أن يأخذ النبي، صلى الله عليه وسلم، بيدي يوم القيامة فأنجو[83]..

 

* وذكر العوفي أن عبد المطلب سمع وقت دخول حليمة مكة هاتفا يقول:

إن ابن آمنة الأمين محمدا * * خير الأنام وخيرة الأخيار

ما إن له غير الحليمة مرضع * * نعم الأمينة هي على الأبرار

مأمونة من كل عيب فاحش * * ونقية الأثواب والأزرار

لا تسلمنه إلى سواها إنه * * أمر وحكم جا من الجبار [84]

وقال الواقدي: حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدِ عنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَتْ حَلِيمَةُ تَطْلُبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَجَدَتِ الْبَهْمَ تَقِيلُ،؟ فَوَجَدَتْهُ مَعَ أُخْتِهِ فَقَالَتْ: فِي هَذَا الْحَرِّ ! فَقَالَتْ أُخْتُهُ: يَا أُمَّهْ مَا وَجَدَ أَخِي حَرًّا، رَأَيْتُ غَمَامَةً تَظَلُّ عَلَيْهِ، إِذَا وَقَفَ وَقَفَتْ ، وَإِذَا سَارَ سَارَتْ حَتَّى انْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ. [85] .

 

6- باب:  شق صدره صلى الله عليه وسلم

قال تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لكَ صَدْرَك}[الشرح:1]

شُق صدر النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ديار بني سعد لاستخراج حظ الشيطان مما يدل على عناية الله به وحفظه له، وأنه ليس للشيطان عليه سبيل كما ثبت في ((صحيح مسلم)) عن أنس بن مالك  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، واستخرج معه علقة سوداء، فقال: هذا حظ الشيطان. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمَهُ، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه – يعني: ظئره- فقالوا: إن محمداً قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى ذلك المخيط في صدره " [86].

وقال ابن إسحاق :حدثني ثور بن يزيد عن بعض أهل العلم ولا أحسبه إلا عن خالد بن معدان الكلاعي :

أن   نفرًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له: يا رسول الله! أخبرنا عن نفسك. قال:

((... واسترضعتُ في بني سعد بن بكر؛ فبينا أنا مع أخٍ لي خلف بيوتنا نرعى بهماً لنا، إذ أتاني رجلان- عليهما ثياب بيض- بطست من ذهب مملوء ثلجاً، ثم أخذاني فشقا بطني، واستخرجا قلبي فشقّاه، فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه، ثم قال أحدهما لصاحبه: زِنْه بعشرة من أمته . فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: زنه بمئة من أمته. فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: زنه بألف من أمته. فوزنني بهم فوزنتهم ، فقال: دعه عنك، فولالله لو وزنته بأمته لوزنها))[87]..

وروى البيهقي في الدلائل : عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، قَالَ:.سَأَلْتُ سَعِيدًا – هو ابن أبي عروبة- عَنْ قَوْلِهِ:{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } قال: فحدّثني عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ قَدْ شُقَّ بَطْنُهُ- يَعْنِي النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ- مِنْ عِنْدِ صَدْرِهِ إِلَى أَسْفَلِ بَطْنِهِ، فَاسْتُخْرِجَ مِنْهُ قَلْبُهُ، فَغُسِلَ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، ثُمَّ مُلِئَ إِيمَانًا وَحِكْمَةً، ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانَهُ" [88].

ولا ينكر حادثة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم إلا جاهل [89].

* مما ورد ضعيفًا في هذا الباب :

خرج الحافظ أبو نعيم من حديث معاذ بن محمد بن معاذ بن محمد بن أبيّ بن كعب قال حدثني أبي عن أبيه عن جده أبيّ بن كعب أن أبا هريرة سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وكان حريّا [ أو حريصًا ] أن يسأله عن الّذي لا يسأله غيره- فقال: يا رسول اللَّه! ما أول ما ابتدئت به من أمر النبوة؟ فقال: إذا سألتني إني لفي صحراء أمشي ابن عشر حجج، إذا أنا برجلين فوق رأسي، يقول أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم، قال :

فأخذاني فلصقاني بحلاوة القفا، ثم شقا بطني، وكان جبريل يختلف بالماء في طست من ذهب، وكان ميكائيل يغسل جوفي، فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فإذا صدري -فيما أرى- مفلوقا لا أجد له وجعا ثم قال: اشقق قلبه، فشق قلبي، فقال أخرج الحسد والغل منه، فأخرج شبه العلقة فنبذ به ثم قال: أدخل الرأفة والرحمة قلبه ، فأدخل شيئا كهيئة الفضة، ثم أخرج ذرورا كان معه فذرّ عليه ثم نقر إبهامي ثم قال: أغد، فرجعت بما لم أغد به من رحمتي على الصغير ورقتي على الكبير[90]

 

7- باب: كفالة النبي صلى الله عليه وسلم

 

قال تعالى:  { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}[الضحى:6]

أرادت حكمة الله أن ينشأ رسوله يتيمًا، تتولاه عناية الله وحدها، بعيدًا عن الذراع التي تمعن في تدليله، والمال الذي يزيد في تنعيمه، حتى لا تميل به نفسه إلى مجد المال والجاه .فقد ولد يتيمًا، وتوفيت أمه صلى الله عليه وسلم وهو ابن ست سنين بالأبواء بين مكة والمدينة ، وكانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم، فماتت وهي راجعة به إلى مكة كما ذكر ابن اسحق[91] ، ودُفنت بالأبواء، وقد زار النبي قبرها - بعد أن أكرمه الله بالرسالة- فبكى عندها وأبكى من حوله من الصحابة كما جاء في صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ زَارَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ « اسْتَأْذَنْتُ رَبِّى فِى أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِى وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِى أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِى فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ »[92].

وبعد وفاة أمه كفله جده عبد المطلب، فعاش في كفالته، وكان يحبه حبًا عظيمًا.

روى أبو يعلى في مسنده : عَنْ كُنْدَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : حَجَجْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَإِذَا بِرَجُلٍ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ :

رُدَّ عَلَيَّ رَاكِبِي مُحَمَّدًا ** رُدَّهُ لِي وَاصْطَنِعْ عِنْدِي يَدًا

قُلْتُ : مَنْ هَذَا يَعْنِي ؟ فَقَالُوا : عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ ، ذَهَبَتْ إِبِلٌ لَهُ ، فَأَرْسَلَ ابْنَ ابْنِهِ فِي طَلَبِهَا ، فَاحْتُبِسَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يُرْسِلْهُ فِي حَاجَةٍ قَطُّ إِلا جَاءَ بِهَا ، قَالَ : فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَجَاءَ بِالإِبِلِ ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، لَقَدْ حَزِنْتُ عَلَيْكَ هَذِهِ الْمَرَّةَ حُزْنًا لا يُفَارِقُنِي أَبَدًا "[93]

وكان جده يؤثره على أبنائه - أعمام النبي صلى الله عليه وسلم - فقد كان جده مهيبًا، لا يجلس على فراشه أحد من أبنائه مهابة له ، وكان صلى الله عليه وسلم يجلس على الفراش ويحاول أعمامه أن يبعدوه عن فراش أبيهم, فيقف أبوهم بجانبه، ويرضى أن يبقى جالسًا على فراشه متوسمًا فيه الخير، وأنه سيكون له شأن عظيم ([94])

روى أبو الوليد الأزرقي – في كتابه أخبار مكة - عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَتَذَاكَرْنَا ابْنَ عَبَّاسٍ وَفَضْلَهُ وَعَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي الطَّوَافِ وَخَلْفَهُ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ فَعَجِبْنَا مِنْ تَمَامِ قَامَتِهِمَا وَحُسْنِ وُجُوهِهِمَا فَقَالَ عَطَاءٌ: وَأَيْنَ حُسْنُهُمَا مِنْ حُسْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ؟ " مَا رَأَيْتُ الْقَمَرَ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَأَنَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ طَالِعًا مِنْ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ إِلَّا ذَكَرْتُ وَجْهَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا جُلُوسًا مَعَهُ فِي الْحِجْرِ إِذْ أَتَاهُ شَيْخٌ قَدِيمٌ بَدَوِيٌّ مِنْ هُذَيْلٍ يَهْدِجُ عَلَى عَصَاهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَهُ، فَقَالَ الشَّيْخُ لِبَعْضِ مَنْ فِي الْمَجْلِسِ: َمَنْ هَذَا الْفَتَى؟ فَقَالُوا: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ الشَّيْخُ: سُبْحَانَ الَّذِي مَسَخَ حُسْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى مَا أَرَى، فَقَالَ عَطَاءٌ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: " كَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَطْوَلَ النَّاسِ قَامَةً وَأَحْسَنَ  النَّاسِ وَجْهًا، مَا رَآهُ قَطُّ شَيْءٌ إِلَّا أَحَبَّهُ ،وَكَانَ لَهُ مَفْرَشٌ فِي الْحِجْرِ لَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلَا يَجْلِسُ مَعَهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ ، وَكَانَ النَّدِيُّ مِنْ قُرَيْشٍ حَرْبَ بْنَ أُمَيَّةَ فَمَنْ دُونَهُ يَجْلِسُونَ حَوْلَهُ دُونَ الْمَفْرَشِ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَامٌ يَدْرِجُ لِيَجْلِسَ عَلَى الْمَفْرَشِ فَجَذَبُوهُ فَبَكَى، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: وَذَلِكَ بَعْدَ مَا حُجِبَ بَصَرُهُ: مَا لِابْنِي يَبْكِي؟ قَالُوا لَهُ: إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى الْمَفْرَشِ فَمَنَعُوهُ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: دَعُوا ابْنِي فَإِنَّهُ يَحُسُّ بِشَرَفٍ ، أَرْجُو أَنْ يَبْلُغَ مِنَ الشَّرَفِ مَا لَمْ يَبْلُغْ عَرَبِيٌّ قَطُّ، قَالَ: وَتُوُفِّيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ وَكَانَ خَلْفَ جَنَازَتِهِ يَبْكِي حَتَّى دُفِنَ بِالْحَجُونِ "[95]..

ثم توفي عبد المطلب والنبي صلى الله عليه وسلم في الثامنة من عمره، فأوصى جده به عمه أبا طالب لأنه شقيق أبيه و فيه من الصفات ما يؤهله لذلك فكفله عمه وحنّ عليه ورعاه.

 

قال الزهري: تُوُفِّيَ جَدُّهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامٌ، فَكَفَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ .أهـ[96].

وقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- يُوصِي بِهِ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَبَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا طَالِبٍ أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أُمُّهُمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ.قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَائِذُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ([97]).

* من الأحاديث الضعيفة في هذا الباب:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:  حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ([98])، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ لَهَبٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَهَبٌ: مِنْ أَزْدَشَنُوءَةَ - كَانَ عَائِفًا([99]) ، فَكَانَ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَاهُ رِجَالُ قُرَيْشٍ بِغِلْمَانِهِمْ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَيَعْتَافُ لَهُمْ فِيهِمْ. قَالَ: فَأَتَى بِهِ أَبُو طَالِبٍ وَهُوَ غُلَامٌ، مَعَ مَنْ يَأْتِيهِ، فَنَظَرَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ شَغَلَهُ عَنْهُ شَيْءٌ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: الْغُلَامُ عَلَيَّ بِهِ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو طَالِبٍ حِرْصَهُ عَلَيْهِ غَيَّبَهُ عَنْهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: وَيْلَكُمْ، رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلَامَ الَّذِي رَأَيْت آنِفا، فو الله لَيَكُونَنَّ لَهُ شَأْنٌ. قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَالِبٍ ".وهذا مرسل قوي

 

وروى البيهقي في الدلائل عَنْ أَبِي الْحَكَمِ التَّنُوخِيِّ، قَالَ: كَانَ الْمَوْلُودُ إِذَا وُلِدَ مِنْ قُرَيْشٍ دَفَعُوهُ إِلَى نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى الصُّبْحِ، فَيَكْفِينَ عَلَيْهِ بُرْمَةً فَلَمَّا وُلِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى نِسْوَةٍ يَكْفِينَ عَلَيْهِ بُرْمَةً، فَلَمَّا أَصْبَحْنَ أَتَيْنَ، فَوَجَدْنَ الْبُرْمَةَ قَدِ انْفَلَقَتْ عَلَيْهِ بِاثْنَتَيْنِ، فَوَجَدْنَهُ مَفْتُوحَ الْعَيْنَيْنِ، شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَأَتَاهُنَّ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَقُلْنَ لَهُ: مَا رَأَيْنَا مَوْلُودًا مِثْلَهُ، وَجَدْنَاهُ قَدِ انْفَلَقَتْ عَنْهُ الْبُرْمَةُ، وَوَجَدْنَاهُ مَفْتُوحَ الْعَيْنَيْنِ، شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ. فَقَالَ: احْفَظْنَهُ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُصِيبَ خَيْرًا. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ ذَبَحَ عَنْهُ، وَدَعَا لَهُ قُرَيْشًا، فَلَمَّا أَكَلُوا قَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، أَرَأَيْتَ ابْنَكَ هَذَا الَّذِي أَكْرَمْتَنَا عَلَى وَجْهِهِ، مَا سَمَّيْتَهُ؟ قَالَ: سَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا. قَالُوا: فَلِمَ رَغِبْتَ بِهِ عَنْ أَسْمَاءِ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ يَحْمَدَهُ اللهُ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ، وَخَلْقُهُ فِي الْأَرْضِ "[100]

وقال في إمتاع الأسماع:وروى النضر بن سلمة عن محمد بن موسى أبي غزية، عن أبي عثمان سعيد ابن زيد عن ابن بريدة عن أبيه، وعن بريدة بن سفيان الأسلمي قال: لما وُلد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عَقّ عبد المطلب عنه يوم السابع بكبش وسماه محمدا، ولم يسمه بأسماء آبائه، وقال: أردت أن يحمده اللَّه في السماء ويحمده الناس في الأرض[101]

* و عن أم أيمن رضي الله تعالى عنها قالت: كنت أحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغفلتُ عنه يومًا فلم أدر إلّا بعبد المطلب قائمًا على رأسي يقول: يا بركة، قلت: لبيك، قال:

أتدرين أين وجدتُ ابني؟ قلت: لا أدري، قال: وجدته مع غلمان قريبًا من السدرة، لا تغفلي عن ابني يا أم أيمن فإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني نبي هذه الأمة، وأنا لا آمن عليه منهم، وكان لا يأكل طعاما إلّا قال: علي بابني، فيؤتى به إليه "[102].

وروى ابن سعد- من طريق الواقدي- عن مجاهد وعن ابن عباس وغيرهما. قالوا: لما توفي عبد المطلب قبض أبو طالب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إليه فكان يكون معه، وكان أبو طالب لا مال له، وكان يحبه حباً شديداً لا يحبه ولده، وكان لا ينام إلا إلى جنبه، ويخرج فيخرج معه، وصب به أبو طالب صبابة لم يصب مثلها بشيء قط، وكان يخصه بالطعام، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعاً أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شبعوا، فكان إذا أراد أن يغذيهم قال:كما أنتم حتى يحضر ابني، فيأتي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيأكل معهم فكانوا يفضلون من طعامهم، وإن لم يكن معهم لم يشبعوا، فيقول أبو طالب: أنك لمبارك! وكان الصبيان يصبحون رمصاً شعثاً، ويصبح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دهيناً كحيلاً[103].

وروى الحسن بن عرفة: عن ابن عباس: كان بنو أبي طالب يصبحون رمصًا عمصًا[104] ، ويصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم صقيلاً دهينًا، وكان أبو طالب يقرب إلى الصبيان صفحتهم أول البكرة، فيجلسون وينتهبون ، ويكف رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فلا ينتهب معهم.فلما رأى ذلك عمه عزل له طعامه على حدة [105] .

 

 

 

 

 

 

كتاب: سيرته صلى الله عليه وسلم في قومه قبل البعثة [106]

 

1- باب :عمله في رعي الغنم

لم يَرث عليه الصلاة والسلام من والده شيئاً، بل ولد يتيماً عائلاً فاسترضع في بني سعد، ولما بلغ مبلغاً يمكِّنه أن يعمل عملاً كان يرعى الغنم مع إخوته من الرضاع في البادية، وكذلك لمّا رجع إلى مكة كان يرعاها لأهلها على قراريط  [107]  حتى يساعد عمه أبا طالب الذي كان مُقلاًّ في الرزق فلقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه الكريمة وعن إخوانه من الأنبياء أنهم رعوا الغنم ([108])، ففي صحيح البخاري: عن أبي هريرة رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ» ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ." ([109])

روى البخاري: عن جابر بن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَجْنِي الكَبَاثَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَطْيَبُهُ» قَالُوا: أَكُنْتَ تَرْعَى الغَنَمَ؟ قَالَ: « وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَاهَا » ([110]).

 

. * مما ورد من الأحاديث الضعيفة في هذا الباب:

روى ابن سعد عن أبي إسحاق قال: كان بين أصحاب الغنم وبين أصحاب الإبل تنازع، فاستطال عليهم أصحاب الإبل، قال: فبلغنا، والله أعلم، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: بعث موسى، عليه السلام، وهو راعي غنم وبعث داود، عليه السلام، وهو راعي غنمٍ وبعثت وأنا أرعى غنم أهلي بأجيادٍ" ([111]) .

 

باب:استسقاء أبي طالب بمحمد صلى الله عليه وسلم.

 

روى البخاري:عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ أَبِى طَالِبٍ :

وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ **ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ [112]

وروى ابن ماجة:عن ابن عمر قال : ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر . فما نزل حتى جيش كل ميزاب بالمدينة . فأذكر قول الشاعر :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ** ثمال اليتامى عصمة للأرامل

وهو قول أبي طالب[113] .

وروى أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا تَمَثَّلَتْ بِهَذَا الْبَيْتِ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْضِ

وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ * رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ذَاكَ وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[114]

.

* ومما ورد ضعيفًا في هذا الباب:

 

روى ابن سعد :  عن عمرو بن سعيد أن أبا طالب قال: كنت بذي المجاز مع ابن أخي، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، فأدركني العطش فشكوت إليه فقلت: يا ابن أخي قد عطشت.

وما قلت له ذلك وأنا أرى عنده شيئا إلا الجزع قال: فثنى وركه ثم قال: يا عم عطشت ؟ قلت: نعم.فأهوى بعقبه إلى الأرض فإذا أنا بالماء فقال: اشرب ، فشربت" [115] وهو مرسل صحيح.

وروى أبو بكر أحمد بن مروان الدينوري المالكي بسنده عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ ؛ قَالَ : حَدَّثَنِي جُلْهُمَةُ بْنُ عُرْفُطَةَ ؛ قَالَ : إِنِّي لَبِالْقَاعِ مِنْ نَمِرَةَ إِذَا أَقْبَلَتْ عير من أعلى نَجْدٍ ، فَلَمَّا حَاذَتِ الْكَعْبَةَ إِذَا غُلامٌ قَدْ رَمَى بِنَفْسِهِ مِنْ عَجُزِ بَعِيرٍ ، فَجَاءَ حَتَّى تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، ثُمَّ نَادَى : يَا رَبَّ الْبَنِيَّةِ ! أَجِرْنِي . وَإِذَا شَيْخٌ جُنْدَعِيٌّ غَشْمُهُ مَمْدُودٌ قَدْ جَاءَ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ أَسْجَافِ الْكَعْبَةِ ، فَقَامَ إِلَيْهِ شَيْخٌ وَسِيمٌ قَسِيمٌ عَلَيْهِ بَهَاءُ الْمُلْكِ وَوَقَارُ الْحُكَمَاءِ ، فَقَالَ : مَا شَأْنُكَ يَا غُلامُ ! فَأَنَا مِنْ آلِ اللهِ وَأُجِيرُ مَنِ اسْتَجَارَ بِهِ ؟ قَالَ : إِنَّ أَبِي مَاتَ وَأَنَا صَغِيرٌ ، وَإِنَّ هَذَا اسْتَعْبَدَنِي ، وَقَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّ لِلَّهِ بَيْتًا يَمْنَعُ مِنَ الظُّلْمِ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ اسْتَجَرْتُ بِهِ . فَقَالَ لَهُ الْقُرَشِيُّ : قَدْ أَجَرْتُكَ يَا غُلامُ . قَالَ : وَحَبَسَ اللهُ يَدَ الْجُنْدَعِيِّ إِلَى عُنُقِهِ .

قَالَ : جُلْهُمَةُ بْنُ عُرْفُطَةَ : فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَمْرَو بْنَ خَارِجَةَ ، وَكَانَ فِي قُعْدُدِ الْحَيِّ ، فَقَالَ : إِنَّ لِهَذَا الشَّيْخِ ابْنًا - يَعْنِي أَبَا طَالِبٍ - . قَالَ : فَهَوَيْتُ رَحْلِي نَحْوَ تِهَامَةَ أَكْسَعُ بِهَا الْحُدُودَ وَأُعَلِّقُ لَهَا الْكَدَاءَ ؛ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَإِذَا قُرَيْشٌ عِزِينَ قَدِ ارْتَفَعَتْ لَهُمْ ضَوْضَاءُ يَسْتَسْقُونَ ، فَقَائِلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ : اعْمِدُوا اللاتَ وَالْعُزَّى ! وَقَائِلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ : اعْمِدُوا الْمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى ! فَقَالَ شَيْخٌ وَسِيمٌ قَسِيمٌ حَسَنُ الْوَجْهِ جَيِّدُ الرَّأْيِ : أَنَّى تُؤْفَكُونَ وَفِيكُمْ بَاقِيَةُ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسُلالَةُ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ ؟ ! فَقَالُوا لَهُ : كَأَنَّكَ عَنَيْتَ أَبَا طَالِبٍ ؟ ! قال : إِيهِ . فَقَامُوا بِأَجْمَعِهِمْ وَقُمْتُ مَعَهُمْ ، فَدَقَقْنَا عَلَيْهِ بَابَهُ ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ مُصَفِّرًّا ، عَلَيْهِ إِزَارٌ ، قَدِ اتَّشَحَ بِهِ ؛ فَثَارُوا إِلَيْهِ ، فَقَالُوا : يَا أَبَا طَالِبٍ ! أَقْحَطَ الْوَادِي وَأَجْدَبَ الْعِبَادُ ؛ فَهَلُمَّ فَاسْتَسْقِ . فَقَالَ : رُوَيْدَكُمْ زَوَالَ الشَّمْسِ وَهُبُوبَ الرِّيحِ . فَلَمَّا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ ؛ خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ وَمَعَهُ غُلامٌ كَأَنَّهُ شَمْسُ دُجًى تَجَلَّتْ عَنْهُ سَحَابَةٌ قَتْمَاءُ وَحَوْلَهُ أُغَيْلِمَةٌ ، فَأَخَذَهُ أَبُو طَالِبٍ ، فَأَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِالْكَعْبَةِ وَلاذَ بِأَضْبِعَةِ الْغُلامِ ، وَبَصْبَصَتِ الأُغَيْلِمَةُ حَوْلَهُ ، وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ ، فَأَقْبَلَ السَّحَابُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا ، وَأَغْدَقَ وَاغْدَوْدَقَ ، وَانْفَجَرَ لَهُ الْوَادِي وَأَخْصَبَ النَّادِي وَالْبَادِي ، فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ أَبُو طَالِبٍ :

( وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ )

( يَطِيفُ بِهِ الْهُلالُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَضَائِلِ )

( وَمِيزَانُ عَدْلٍ لا يَخِيسُ شَعِيرَةً ... وَوَزَّانُ صِدْقٍ وَزْنُهُ غَيْرُ عَائِلِ ) [116]

 

وأخرج الديلمي عن أنس قال : جاء أعرابى إلى النبى  - صلى الله عليه وسلم -  وشكا إليه قلة المطر وجدوبة السنة ....... فمد رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  يده يدعو فما رد يده إلى نحره حتى استوت السماء بأرواقها وجاء أهل البطاح يضجون يا رسول الله الطرق ، فقال : حوالينا ولا علينا ، فانجلى السحاب حتى أحدق بالمدينة كالإكليل فضحك رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  حتى بدت نواجذه وقال : لله در أبى طالب لو كان حيا لقرت عيناه ، من ينشدنا قوله ، فقام على بن أبى طالب فقال : يا رسول الله لعلك أردت قوله :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هـاشم * فهل عنده فى نعمة وفواضل

كذبتم وبيت الله يبزى محمـد * ولما نقـاتل دونه ونناضـل

ونسلمه حتى نصـرع حولـه * ونذهل عن أبنائنا والحلائل

فقال رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  : أجل ذلك أردت [117].

ورواه البيهقي بإسناده من غير وجه إلى أبي معمر سعيد بن خثيم الهلالي، عن مسلم بن كيسان الملائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه [118].

 

2- باب: خروجه إلى الشام مع عمه أبي طالب وقصته مع بحيرى الراهب

وما ورد في هذا الباب اختلف فيه العلماء بين مضعف ومصحح:

روى الترمذي في سننه عن أبي موسى الأشعري قال : خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب ،وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت، قال، فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدًا ولا يسجدان إلا لنبي ، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ثم رجع فصنع لهم طعامًا فلما أتاهم به ، وكان هو في رعية الإبل قال: أرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة فلما جلس مال فيء الشجرة عليه، فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه ، قال: فينما هو قائم عليهم وهو يناشدهم أن لا يذهبوا إلى الروم فإن الروم إذا رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه، فالتفت فإذا بسبعة قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم فقال ما جاء بكم ؟ قالوا جئنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس وإنا قد أخبرنا خبره بعثنا إلى طريقك هذا فقال: هل خلفكم أحد هو خير منكم ؟ قالوا إنما أخبرنا خبره لك لطريقك هذا قال: أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده ؟ قالو: لا ، قال: فبايعوه وأقاموا معه. قال: أنشدكم الله أيكم وليه ؟ قالوا: أبو طالب. فلم يزل يناشده حتى رد أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلالا وزوده الراهب من الكعك والزيت ".

قال أبو عيسى الترمذي :هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه[119]

* ومما ورد من الروايات الضعيفة في هذا الباب:

روى ابن سعد عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: أراد أبو طالب المسير إلى الشأم فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: أي عم إلى من تخلفني ههنا فما لي أم تكفلني ولا أحد يؤويني، قال: فرق له، ثم أردفه خلفه، فخرج به فنزلوا على صاحب دير، فقال صاحب الدير: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني، قال: ما هو بابنك ولا ينبغي أن يكون له أب حي، قال: ولم؟ قال: لأن وجهه وجه نبي وعينه عين نبي، قال: وما النبي؟ قال: الذي يوحى إليه من السماء فينبيء به أهل الأرض، قال: الله أجل مما تقول، قال: فاتق عليه اليهود، قال: ثم خرج حتى نزل براهب أيضاً صاحب دير، فقال: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني. قال: ما هو بابنك وما ينبغي أن يكون له أب حي، قال: ولم ذلك؟ قال لأن وجهه وجه نبي وعينه عين نبي، قال: سبحان الله، الله أجل مما تقول، وقال: يا ابن أخي ألا تسمع ما يقولون؟ قال: أي عم لا تنكر لله قدرةً [120].

وقال ابن سعد   : أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا محمد بن صالح بن دينار وعبد الله بن جعفر الزهري قال: وحدثنا ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين قالوا: لما خرج أبو طالب إلى الشأم وخرج معه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في المرة الأولى، وهو ابن أثنتي عشرة سنة، فلما نزل الركب بصرى من الشأم، وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه، فلما نزلوا بحيرا وكان كثيراً ما يمرون به لا يكلمهم حتى إذا كان ذلك العام، ونزلوا منزلاً قريباً من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا، فصنع لهم طعاماً .ثم دعاهم، وإنما حمله على دعائهم أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة واخضلت أغصان الشجرة على النبي، صلى الله عليه وسلم، حين أستظل تحتها، فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بذلك الطعام فأتي به وأرسل إليهم، فقال: إني قد صنعت لكم طعاماً يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروه كلكم، ولا تخلفوا منكم صغيراً ولا كبيراً، حراً ولا عبداً، فإن هذا شيء تكرموني به، فقال رجل: إن لك لشأناً يا بحيرا، ما كنت تصنع بنا هذا فما شأنك اليوم؟ قال: فإني أحببت أن أكرمكم ولكم حق، فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من بين القوم لحداثة سنه، ليس في القوم أصغر منه في رحالهم، تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرف ويجدها عنده، وجعل ينظر ولا يرى الغمامة على أحد من القوم، ويراها متخلفة على رأس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال بحيرا: يا معشر قريش لا يتخلفن منكم أحد عن طعامي، قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سناً في رحالهم، فقال: أدعوه فليحضر طعامي فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد مع أني أراه من أنفسكم فقال القوم: هو والله أوسطنا نسباً وهو ابن أخي هذا الرجل، يعنون أبا طالب، وهو من ولد عبد المطلب، فقال الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف: والله إن كان بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام، والغمامة تسير على رأسه، وجعل بحيرا يلحظه لحظاً شديداً، وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده من صفته، فلما تفرقوا عن طعامهم قام إليه الراهب فقال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا تسألني باللات والعزى فو الله ما أبغضت شيئاً بغضهما! قال: فبالله إلا أخبرتني عما أسألك عنه، قال: سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه، فجعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يخبره فيوافق ذلك ما عنده، ثم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضع الصفة التي عنده، قال فقبل موضع الخاتم، وقالت قريش: إن لمحمد عند هذا الراهب لقدراً، وجعل أبو طالب، لما يرى من الراهب، يخاف على ابن أخيه، فقال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال أبو طالب: ابني، قال ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً، قال: فابن أخي: قال: فما فعل أبوه؟ قال: هلك وأمه حبلى به، قال: فما فعلت أمه؟ قال: توفيت قريباً، قال: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده وأحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ماأعرف ليبغنه عنتاً، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا، وأعلم أني قد أديت إليك النصيحة. فلما فرغوا من تجاراتهم خرج به سريعاً، وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعرفوا صفته فأرادوا أن يغتالوه فذهبوا إلى بحيرا فذاكروه أمره فنهاهم أشد النهي وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم، قال: فما لكم إليه سبيل، فصدقوه وتركوه، ورجع به أبو طالب فما خرج به سفراً بعد ذلك خوفاً عليه [121].

روى ابن سعد  عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، قال الراهب لأبي طالب: لا تخرجن بابن أخيك إلى ما ههنا فإن اليهود أهل عداوة، وهذا نبي هذه الأمة، وهو من العرب، واليهود تحسده تريد أن يكون من بني إسرائيل، فأحذر على ابن أخيك[122] .

وروى أبو نعيم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ" أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ عَشْرَةَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَهُمْ يُرِيدُونَ الشَّامَ فِي تِجَارَةٍ، حَتَّى إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا فِيهِ سِدْرَةٌ ، قَعَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظِلِّهَا، وَمَضَى إِلَى رَاهِبٍ يُقَالُ لَهُ بَحِيرَا، يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالُوا لَهُ: مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي فِي ظِلِّ السِّدْرَةِ ؟ فَقَالَ لَهُ: ذَاكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ . فَقَالَ: هَذَا وَاللهِ نَبِيٌّ، مَا اسْتَظَلَّ تَحْتَهَا بَعْدَ عِيسَى إِلَّا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ . فَوَقَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي قَلْبِ أَبِي بَكْرٍ الْيَقِينُ وَالتَّصْدِيقُ، فَلَمَّا نُبِّئَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّبَعَهُ "[123]

 

3- باب : حرب الفِجَار[124]:

لا يصح في شئ من الأحاديث أن النبي  صلى الله عليه وسلم اشترك فيها.

ومما ورد فيها من الأحاديث الضعيفة :

قال ابن هشام:وشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أيامهم، أخرجه أعمامه معهم و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كنت أنبل على أعمامي» أي أرد عنهم نبل عدوهم إذا رموهم بها أهـ ([125]).

روى ابن سعد عن حكيم بن حزام قال: رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالفجار، وقد حضره" [126].

 

4- باب:شهوده عليه الصلاة والسلام حلف الفضول

وكان ذلك بعد رجوع قريش من حرب الفجار كما يذكر أصحاب السير[127].

روى أحمد: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ مَعَ عُمُومَتِي، وَأَنَا غُلَامٌ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي أَنْكُثُهُ [128] .

وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وأنا غلام..."  يضعف قول من قال:كان عمره حينئذٍ عشرين سنة.

والحديث رواه ابن حبان في صحيحه- بدونها- عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شهدت مع عمومتي حلف المطيبين ، فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه "[129]

وروى البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما شهدت حلفاً لقريش إلا حلف المطيبين ، وما أحب أن لي حمر النعم وأني كنت نقضته)).

قال: و(المطيبون): هاشم ، وأمية ، وزهرة، ومخزوم.

ثم قال البيهقي: كذا روى هذا التفسير مدرجًا في الحديث ولا أدري قائله  ([130]) .

ورَوَى الْحُمَيْدِيّ عَنْ سُفْيَانَ-ابن عيينة- عَنْ عَبْدِ اللّهِ عَنْ مُحَمّدٍ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ ابْنَيْ أَبِي بَكْرٍ قَالَا : قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا لَوْ دُعِيت بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْت . تَحَالَفُوا أَنْ تُرَدّ الْفُضُولُ عَلَى أَهْلِهَا ، وَأَلّا يَعُزّ ظَالِمٌ مَظْلُومًا . "[131]

و  المراد بهذا الحلف حلف الفضول. فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدرك حلف المطيبين[132].

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِي اللِّيْثِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَبَيْنَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ - وَالْوَلِيدُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ أَمَّرَهُ عَلَيْهَا عَمُّهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ - مُنَازَعَةٌ فِي مَالٍ كَانَ بَيْنَهُمَا بِذِي الْمَرْوَةِ فَكَانَ الْوَلِيدُ تَحَامَلَ عَلَى الْحُسَيْنِ فِي حَقِّهِ لِسُلْطَانِهِ فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَتُنْصِفَنِّي مِنْ حَقِّي أَوْ لَآخُذَنَّ سَيْفِي، ثُمَّ لَأَقُومَنَّ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَأَدْعُوَنَّ بِحِلْفِ الْفُضُولِ قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - وَهُوَ عِنْدَ الْوَلِيدِ حِينَ قَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ مَا قَالَ -: وَأَنَا أَحْلِفَ بِاللَّهِ لَئِنْ دَعَا بِهِ لَآخُذُنَّ سَيْفِي، ثُمَّ لَأَقُومَنَّ مَعَهُ حَتَّى يُنْصَفَ مِنْ حَقِّهِ أَوْ نَمُوتَ جَمِيعًا. قَالَ: وَبَلَغَتِ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الزُّهْرِيَّ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَبَلَغَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيَّ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ أَنْصَفَ الْحُسَيْنَ مِنْ حَقِّهِ حَتَّى رَضِيَ [133].

* ومما ورد ضعيفًا في هذا الباب:

روى ابن سعد بسنده عن  عروة بن الزبير قال: سمعت حكيم بن حزام يقول: كان حلف الفضول منصرف قريش من الفجار، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، يومئذ ابن عشرين سنة[134].

ثم قال: قال محمد بن عمر: وأخبرني غير الضحاك قال: كان الفجار في شوال وهذا الحلف في ذي القعدة، وكان أشرف حلف كان قط، وأول من دعا إليه الزبير بن عبد المطلب، فأجتمعت بنو هاشم وزهرة وتيم في دار عبد الله بن جدعان، فصنع لهم طعاماً فتعاقدوا وتعاهدوا بالله القائل: لنكونن مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه ما بل بحر صوفة، وفي التآسي في المعاش، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول.

وروى ابن سعد : عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ما أحب أن لي بحلف حضرته بدار ابن جدعان حمر النعم وأني أغدر به، هاشم وزهرة وتيم ، تحالفوا أن يكونوا مع المظلوم ما بل بحر صوفةً ولو دعيت به لأجبت[135].

باب: عمله في التجارة[136]

ولما شبّ عليه الصلاة والسلام كان يتجر.وقد شارك السائب بن أبي السائب في هذا العمل ، وقد أسلم السائب هذا وبايع يوم الفتح[137].

روى أحمد: عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ، أَنَّهُ كَانَ يُشَارِكُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فِي التِّجَارَةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ جَاءَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَرْحَبًا بِأَخِي، وَشَرِيكِي كَانَ لَا يُدَارِي، وَلَا يُمَارِي، يَا سَائِبُ قَدْ كُنْتَ تَعْمَلُ أَعْمَالًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، لَا تُقْبَلُ مِنْكَ، وَهِيَ الْيَوْمَ تُقْبَلُ مِنْكَ "، وَكَانَ ذَا سَلَفٍ وَصِلَةٍ "[138]

وقد تاجر صلى الله عليه وسلم في مال خديجة رضي الله عنها وكان يأكل من نتيجة عمله. وحقق الله ما امتنّ عليه به في سورة الضحى بقوله جلّ ذكره: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى* وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَى }[سورة الضحى:6-8]  وظل يعمل بالتجارة إلى أن أكرمه الله تعالى بالنبوة.

وقيل: سافر إلى الشام مرّة ثانية لما بلغت سنه عليه الصلاة والسلام خمساً وعشرين سنة ، وذلك أن خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي كانت سيدة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه، فلما سمعت عن خصال محمد عليه الصلاة والسلام من الأمانة وصِدق الحديث ما لم تعرفه في غيره حتى سمّاه قومه الأمين، استأجرته ليخرج في مالها إلى الشام تاجراً، وتعطيه أفضل ممّا كانت تعطي غيره، وذكر أهل السير أنه سافر مع غلامها مَيْسرة فباعا وابتاعا وربحا ربحاً عظيماً، وظهر له هذه السفرة من البركات ما حبّبه في قلب ميسرة غلام خديجة .

وما ذكره أهل السير في هذه الرحلة من الكرامات التي حدثت للنبي صلى الله عليه وسلم من تظليل المَلَكَيْن له و كلام الراهب نسطورا عنه لم تثبت من طريق صحيح لذا ضعفها المحدثون .وقد رواها ابن سعد(1/130) - من طريق الواقدي- عن نفيسة بنت منية..[139]

. وذكرها ابن اسحق -بلا إسناد- ولم يسم الراهب  فقال: ...فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبًا من صومعة راهب من الرهبان فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال له : من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ قال له ميسرة : هذا رجل من قريش من أهل الحرم فقال له الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي. ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها واشترى ما أراد أن يشتري ثم أقبل قافلاً إلى مكة ومعه ميسرة . فكان ميسرة - فيما يزعمون - إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس - وهو يسير على بعيره - فلما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به فأضعف أو قريبًا . وحدثها ميسرة عن قول الراهب وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه[140]  .

وروى ابن سعد عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: قال أبو طالب: يا ابن أخي قد بلغني أن خديجة استأجرت فلاناً ببكرين ولسنا نرضى لك بمثل ما أعطته، فهل لك أن تكلمها؟ قال: ما أحببت! فخرج إليها فقال: هل لك يا خديجة أن تستأجري محمداً؟ فقد بلغنا أنك استأجرت فلاناً ببكرين، ولسنا نرضى لمحمد دون أربع بكار، قال: فقالت خديجة: لو سألت ذاك لبعيد بغيض فعلنا، فكيف وقد سألت لحبيب قريب؟" [141] .(وهذا خبر مرسل).

قال الزهري: فَلَمَّا اسْتَوَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَلَغَ أَشُدَّهُ، وَلَيْسَ لَهُ كَثِيرُ مَالٍ، اسْتَأْجَرَتْهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ إِلَى سُوقِ حُبَاشَةَ، وَهُوَ سُوقٌ ِتِهَامَةَ، وَاسْتَأْجَرَتْ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ.فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْهَا:"مَا رَأَيْتُ مِنْ صَاحِبَةٍ أَجْيَدَ خَيْرًا مِنْ خَدِيجَةَ، مَا كُنَّا نَرْجِعُ أَنَا وَصَاحِبِي إِلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا تُحْفَةً مِنْ طَعَامٍ تَخْبَؤُهُ لَنَا"[142] وهذا مرسل صحيح .

 

باب: في تزويجه عليه الصلاة والسلام خديجة بنت خويلد الأسدية

 

لما قَدِم محمد صلى الله عليه وسلم وميسرة مكة ورأت خديجة ربحها العظيم وحدثها ميسرة عن سماحته وأمانته وصدقه وكريم أخلاقه ،  سُرَّت  بذلك، ووجدت ضالتها المنشودة,في الزواج بمحمد صلى الله عليه وسلم . وكان عمره صلى الله عليه وسلم حين تزوجها خمسًا وعشرين سنة، وكان عمرها أربعين سنة([143]) وقد ذكر أهل السير روايات مختلفة في طريقة الخطبة وعقد الزواج لا يثبت منها شئ[144]. في بعضها أنها أرسلت صديقتها لتعرض خديجة عليه وتذكر بعض الروايات أن عمه حمزة بن عبد المطلب خرج معه فخطبها إليه، وبعضها أن الذي خطبها له عمه أبا طالب[145]، وذكروا أن عمّها عمرو بن أسد هو الذي زوجها. وقيل :إن أباها هو الذي زوجها،وهو ما ذكره ابن اسحق. ورد ذلك الواقدي فقال:فهذا كله عندنا غلط ووهل، والثبت عندنا المحفوظ عن أهل العلم أن أباها خويلد بن أسد مات قبل الفجار وأن عمها عمرو بن أسد زوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.أهـ [146]

وخديجة هي التي أنجب منها جميع أولاده إلا إبراهيم فمن مارية .

وروى الحاكم وغيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَلَدَتْ خَدِيجَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامَيْنِ وَأَرْبَعَ نِسْوَةٍ; الْقَاسِمَ وَعَبْدَ اللَّهِ وَفَاطِمَةَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ وَزَيْنَبَ وَرُقَيَّةَ[147] .

 

* مما ورد من الأحاديث الضعيفة في هذا الباب:

 

روى ابن سعد عن نفيسة بنت منية قالت: كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي امرأة حازمة، جلدة، شريفة، مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير، وهي يومئذ أوسط قريش نسباً، وأعظمهم شرفاً، وأكثرهم مالاً وكل قومها كان حريصاً على نكاحها لو قدر على ذلك، قد طلبوها وبذلوا لها الأموال، فأرسلتني دسيساً إلى محمد بعد أن رجع في عيرها من الشأم، فقلت يا محمد: ما يمنعك أن تزوج؟ فقال: ما بيدي ما أتزوج به، قلت: فإن كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب؟ قال فمن هي؟ قلت: خديجة، قال: وكيف لي بذلك؟ قالت قلت: علي، قال: فأنا أفعل؛ فذهبت فأخبرتها، فأرسلت إليه أن أئت لساعة كذا وكذا، وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها فحضر ودخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في عمومته، فزوجه أحدهم، فقال عمرو بن أسد: هذا البضع لا يقرع أنفه، وتزوجها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة، ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة[148].

 

وروى ابن سعد -من طريق الواقدي- عن محمد بن جبير بن مطعم و ابن عباس وعائشة  قالوا: إن عمها عمرو بن أسد زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أباها مات قبل الفجار "[149].

وروى الإمام أحمد: عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر خديجة وكان أبوها يرغب أن يزوجه فصنعت طعامًا وشرابًا ، فدعت أباها وزمرًا من قريش فطعموا وشربوا حتى تملوا فقالت خديجة لأبيها: إن محمد بن عبد الله يخطبني فزوجني إياه ، فزوجها إياه ، فخلعته وألبسته حلة ،وكذلك كانوا يفعلون بالآباء ، فلما سرى عنه سكره، نظر فإذا هو مخلق وعليه حلة فقال: ما شأني ما هذا؟ قالت : زوجتني محمد بن عبد الله ، قال: أنا أزوج يتيم أبي طالب لا لعمري، فقالت خديجة : أما تستحي تريد أن تسفه نفسك عند قريش ، تخبر الناس أنك كنت سكران ، فلم تزل به حتى رضي ".[150]

وروى البزار عن مِقْسَمٍ أَبِي الْقَاسِمِ ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ ، حَدَّثَهُ : أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ كَانَ إِذَا سَمِعَ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ عَنْ تَزْوِيجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ ، يَقُولُ عَمَّارٌ : أَنَا مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِتَزْوِيجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا ، كُنْتُ مِنْ إِخْوَانِهِ فَكُنْتُ لَهُ خِدْنًا ، وَإِلْفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَإِنِّي خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ حَتَّى مَرَرْنَا عَلَى أُخْتِ خَدِيجَةَ ، وَهِيَ جَالِسَةٌ عَلَى أَدَمٍ لَهَا ، فَنَادَتْنِي فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهَا ، وَوَقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : أَمَا لِصَاحِبِكَ فِي تَزْوِيجِ خَدِيجَةَ حَاجَةٌ ، فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : بَلَى ، لَعَمْرِي ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهَا ، فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ : اغْدُ إِلَيْنا إِذَا أَصْبَحْتَ غَدًا ، فَغَدَوْنَا عَلَيْهِمْ ، فَوَجَدْنَاهُمْ قَدْ ذَبَحُوا بَقَرَةً ، وَأَلْبَسُوا أَبَا خَدِيجَةَ حُلَّةً ، وَضَرَبُوا عَلَيْهِ قُبَّةً ، فَكَلَّمْتُ أَخَاهَا ، فَكَلَّمَ أَبَاهُ ، فَأُخْبِرَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَكَانِهِ ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ ، فَزَوَّجَهُ ، فَصَنَعُوا مِنَ الْبَقَرَةِ طَعَامًا فَأَكَلْنَا مِنْهُ ، وَنامَ أَبُوهَا ثُمَّ اسْتَيْقَظَ ، فَقَالَ : مَا هَذِهِ الْحُلَّةُ ، وَهَذِهِ الْقُبَّةُ ، وَهَذَا الطَّعَامُ ؟ قَالَتْ لَهُ ابْنَتُهُ الَّتِي كَلَّمَتْ عَمَّارًا : هَذِهِ الْحُلَّةُ كَسَاكَهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ خِتْنُكَ ، وَبَقَرَةٍ أَهْدَاهَا إِلَيْكَ فَذَبَحْنَاهَا حِينَ زَوَّجْتَهُ خَدِيجَةَ ، فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ زَوَّجَهُ ، وَخَرَجَ حَتَّى جَاءَ الْحِجْرَ ، وَخَرَجَتْ بَنُو هَاشِمٍ حَتَّى جَاؤُوا ، فَقَالَ : أَيْنَ صَاحِبُكُمُ الَّذِي تَزْعُمُونَ أَنِّي زَوَّجْتُهُ خَدِيجَةَ ؟ فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَظَرَ إِلَيْهِ ، قَالَ : إِنْ كُنْتُ زَوَّجْتُهُ وَإِلاَّ فَقَدْ زَوَّجْتُهُ .[151]

 

باب:مشاركته في تجديد قريش بناء الكعبة قبل المبعث بخمس سنين[152]

وروى أبو داود الطيالسي عن علي رضي الله عنه قال:

لما انهدم البيت بعد جرهم بنته قريش، فلما أرادوا وضع الحجر تشاجروا؛ من يضعه؟ فاتفقوا أن يضعه أول من يدخل من هذا الباب. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة ، فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه، وأمر كلَّ فخذٍ أن يأخذوا بطائفة من الثوب، فرفعوه، وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه "[153].

وروى أحمد في مسنده عن مجاهد عن مولاه – وهو السائب بن عبد الله – أنه حدثه :

أنه كان فيمن بنى الكعبة في الجاهلية، قال: وكان لي حجراً أنا نحته بيدي أعبده من دون الله، قال: وكنت أجيء باللبن الخاثر الذي أنفسه على نفسه، فأصبه عليه، فيجيء الكلب فيلحسه، ثم يشغر فيبول عليه ! قال:

فبينا حتى بلغنا موضع الحجر، ولا يرى الحجر أحد، فإذا هو وسط أحجارنا مثل رأس الرجل، يكاد يتراءى منه وجه الرجل. فقال بطن من قريش: نحن نضعه. وقال آخرون: نحن نضعه. فقالوا: اجعلوا بينكم حكماً. فقالوا: أول رجل يطلع من الفجّ ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: أتاكم الأمين. فقالوا له، فوضعه في ثوب، ثم دعا بطونهم، فرفعوا نواحيه معه، فوضعه هو صلى الله عليه وسلم "[154].

وروى البخاري عن عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَالَ لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَبَّاسٌ يَنْقُلاَنِ الْحِجَارَةَ ، فَقَالَ عَبَّاسٌ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ يَقِيكَ مِنَ الْحِجَارَةِ ، فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: « إِزَارِى إِزَارِى » . فَشَدَّ عَلَيْهِ إِزَارَهُ[155] ..

وقد قصرت بقريش النفقة فلم يتمكنوا أن يبنوه على قواعد إبراهيم فأخرجوا من البناء الحجر وهو ستة أذرع، أو سبعة أذرع من ناحية الشام ، وجعلوا للكعبة باباً واحداً من ناحية المشرق، وجعلوه مرتفعاً لئلاً يدخل إليها كل أحد، فيدخلوا من شاؤوا ، ويمنعوا من شاؤوا. ولذا تمنى النبي صلى الله عليه وسلم بعد البعثة أن ينقض الكعبة و يعيد بناءها على قواعد إبراهيم  وما منعه إلا أن القوم حديث عهد بكفر كما ثبت في الحديث الصحيح.

روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها:

" يَا عَائِشَةُ، لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ، فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ، بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ  "([156]) .

وروى عبد الرَّزَّاقِ في مصنفه عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ رضي الله عنه قَالَ : " كَانَتِ الْكَعْبَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَبْنِيَّةً بِالرَّضْمِ ، لَيْسَ فِيهَا مَدَرٌ، وَكَانَتْ قَدْرَ مَا يقَْتَحِمُهَا العناق ، وَكَانَتْ غَيْرَ مَسْقُوفَةٍ، إِنَّمَا تُوضَعُ ثِيَابُهَا عَلَيْهَا، ثُمَّ تُسْدَلُ عَلَيْهَا سَدْلًا، وَكَانَ الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ مَوْضُوعًا عَلَى سُورِهَا بَادِيًا، وَكَانَتْ ذَاتَ رُكْنَيْنِ كَهَيْئَةِ الْحَلْقَةِ، فَأَقْبَلَتْ سَفِينَةٌ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ فَانْكَسَرَتْ بِقُرْبِ جُدَّةَ، فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ لِيَأْخُذُوا خَشَبَهَا، فَوَجَدُوا رَجُلًا رُومِيًّا عِنْدَهَا، فَأَخَذُوا الْخَشَبَ، وَكَانَتِ السَّفِينَةُ تُرِيدُ الْحَبَشَةَ، وَكَانَ الرُّومِيُّ الَّذِي فِي السَّفِينَةِ نَجَّارًا، فَقَدِمُوا بِهِ وَبِالْخَشَبِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : نَبْنِي بِهَذَا الَّذِي فِي السَّفِينَةِ بَيْتَ رَبِّنَا، فَلَمَّا أَرَادُوا هَدْمَهُ إِذَا هُمْ بِحَيَّةٍ عَلَى سُورِ الْبَيْتِ، مِثْلَ قِطْعَةِ الْجَائِزِ سَوْدَاءِ الظَّهْرِ، بَيْضَاءِ الْبَطْنِ، فَجَعَلَتْ كُلَّمَا دَنَا أَحَدٌ إِلَى الْبَيْتِ لِيَهْدِمَ أَوْ يَأْخُذَ مِنْ حِجَارَتِهِ، سَعَتْ إِلَيْهِ فَاتِحَةً فَاهَا، فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ عِنْدَ الْمَقَامِ فَعَجُّوا إِلَى اللَّهِ، وَقَالُوا : رَبَّنَا لَمْ نُرَعْ، أَرَدْنَا تَشْرِيفَ بَيْتِكَ وَتَزْيِينَهُ، فَإِنْ كُنْتَ تَرْضَى بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَمَا بَدَا لَكَ فَافْعَلْ، فَسَمِعُوا خِوَارًا فِي السَّمَاءِ، فَإِذَا هُمْ بِطَائِرٍ أَسْوَدِ الظَّهْرِ، أَبْيَضِ الْبَطْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، أَعْظَمَ مِنَ النِّسْرِ، فَغَرَزَ مِخْلَابَهُ فِي رَأْسِ الْحَيَّةِ، حَتَّى انْطَلَقَ بِهَا يَجُرُّهَا، ذَنَبُهَا أَعْظَمُ مِنْ كَذَا وَكَذَا سَاقِطًا، فَانْطَلَقَ بِهَا نَحْوَ أَجْيَادٍ ، فَهَدَمَتْهَا قُرَيْشٌ، وَجَعَلُوا يَبْنُونَهَا بِحِجَارَةِ الْوَادِي ، تَحْمِلُهَا قُرَيْشٌ عَلَى رِقَابِهَا فَرَفَعُوهَا فِي السَّمَاءِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَحْمِلُ حِجَارَةً مِنْ أَجْيَادٍ ، وَعَلَيْهِ نَمِرَةٌ، فَضَاقَتْ عَلَيْهِ النَّمِرَةُ، فَذَهَبَ يَضَعُهَا عَلَى عَاتِقِهِ، فَبَرَزَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ صِغَرِ النَّمِرَةِ، فَنُودِيَ : يَا مُحَمَّدُ، خَمِّرْ عَوْرَتَكَ، فَلَمْ يُرَ عُرْيَانًا بَعْدَ ذَلِكَ " وَكَانَ بَيْنَ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، وَبَيْنَ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ خَمْسُ سِنِينَ .فلما كان جيش الحصين بن نمير فذكر حريقها في زمان ابن الزبير فقال ابن الزبير: إن عائشة أخبرتني أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: لولا حداثة قومك بالكفر لهدمت الكعبة فإنهم تركوها سبعة أذرع في الحجر ضاقت بهم النفقة والخشب.

قال ابن خثيم: فأخبرني ابن أبي مليكة عن عائشة :أنها سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم :ولجعلت لها بابين شرقيًا وغربيًا، يدخلون من هذا ويخرجون من هذا، ففعل ذلك ابن الزبير، وكانت قريش جعلت لها درجًا يرقى الذي يأتيها عليها فجعلها ابن الزبير لاصقة بالأرض فقال ابن خثيم: وأخبرني ابن سابط: أن زيدًا أخبره أنه لما بناها ابن الزبير كشفوا عن القواعد فإذا بحجر منها مثل الخلفة متشبكًا بعضها ببعض إذا حركت بالعتلة تحرك الذي من ناحية الأخرى قال ابن سابط :ورأيت زيدًا ليلا بعد العشاء في ليلة مقمرة فرأيتها أمثال الخلف متشبكة أطراف بعضها ببعض [157].

 

* ما ورد من الأحاديث الضعيفة في هذا الباب:

:

قال معمر: فأخبرني يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد قال: لما هدموا الكعبة في الجاهلية حتى إذا بلغوا موضع الركن خرجت عليهم حية كأنما عنقها عنق بعير، فهاب الناس أن يدنوا منها، فجاء طائر ظلل نصف مكة فأخذها برجليه، ثم حلق بها حتى قذفها في البحر.

قال مجاهد: وخرجوا يومًا فنزع رجل من البيت حجرًا وسرق من حلية البيت، ثم عاد فسرق فلصق الحجر على رأسه "[158].

وروى أبو يعلى الموصلي:عن عكرمة، سمعت ابن عباس يحدث عن أبيه العباس قال "كنا ننقل الحجارة إلى البيت حين بنته قريش، فكانت الرجال تنقل الحجارة، والنساء ينقلن الشِّيد- والشِّيد ما يجعل بين الصخر- قال العباس: كنت أنقل أنا وابن أخي محمد - صلى الله عليه وسلم - فكنا ننقل على رقابنا ونجعل أُزُرنا تحت الصخرة، فإذا غشينا الناس اتزرنا، فبينا أنا ومحمد - صلى الله عليه وسلم - بين يدي إذ وقع فانبطح، فجئت أسعى فانتهيت إليه، فإذا هو ينظر إلى السماء، فقلت له: ما شأنك؟ فقام فاتزر فقال: نُهيت أن أمشي عريانًا. فقال العباس: فكتمت ذلك الناس خشية أن يروه جنونًا" [159]

وروى ابن سعد عن ابن عباس وغيره : كَانَتِ الْجُرْفُ مُطِلَّةً عَلَى مَكَّةَ، وَكَانَ السَّيْلُ يَدْخُلُ مِنْ أَعْلَاهَا حَتَّى يَدْخُلُ الْبَيْتَ فَانْصَدَعَ فَخَافُوا أَنْ يَنْهَدِمَ، وَسُرِقَ مِنْهُ حِلْيَةٌ وَغَزَالٌ مِنْ ذَهَبٍ كَانَ عَلَيْهِ دُرٌّ وَجَوْهَرٌ، وَكَانَ مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ، فَأَقْبَلَتْ سَفِينَةٌ فِي الْبَحْرِ فِيهَا رُومٌ، وَرَأْسُهُمْ بَاقُومُ، وَكَانَ بَانِيًا فَجَنَحَتْهَا الرِّيحُ إِلَى الشُّعَيْبَةِ، وَكَانَتْ مَرْفَأَ السُّفُنِ قِبَلَ جُدَّةَ فَتَحَطَّمَتِ السَّفِينَةُ، فَخَرَجَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى السَّفِينَةِ فَابْتَاعُوا خَشَبَهَا، وَكَلَّمُوا الرُّومِيَّ بَاقُومَ فَقَدِمَ مَعَهُمْ، وَقَالُوا: لَوْ بَنَيْنَا بَيْتَ رَبِّنَا، فَأَمَرُوا بِالْحِجَارَةِ تُجْمَعُ وَتُنَقَّى الضَّوَاحِي مِنْهَا، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم يَنْقُلُ مَعَهُمْ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانُوا يَضَعُونَ أُزْرَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ وَيَحْمِلُونَ الْحِجَارَةَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فَلُبِطَ بِهِ وَنُودِيَ: عَوْرَتُكَ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا نُودِيَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: يَا ابْنَ أَخِي اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَأْسِكَ، فَقَالَ: " مَا أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي إِلَّا فِي تَعَدِّيٍّ، فَمَا رُؤِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم عَوْرَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى هَدْمِهَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُدْخِلُوا فِي بِنَائِهَا مِنْ كَسْبِكُمْ إِلَّا طَيِّبًا لَمْ تَقْطَعُوا فِيهِ رَحِمًا وَلَمْ تَظْلِمُوا فِيهِ أَحَدًا، فَبَدَأَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بِهَدْمِهَا وَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، ثُمَّ قَامَ عَلَيْهَا يَطْرَحُ الْحِجَارَةَ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَمْ تُرَعْ إِنَّمَا نُرِيدُ الْخَيْرَ، فَهَدَمَ ، وَهَدَمَتْ مَعَهُ قُرَيْشٌ، ثُمَّ أَخَذُوا فِي بِنَائِهَا وَمَيَّزُوا الْبَيْتَ، وَأَقْرَعُوا عَلَيْهِ فَوَقَعَ لِعَبْدِ مَنَافٍ وَزُهْرَةَ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إِلَى رُكْنِ الْحِجْرِ وَجْهُ الْبَيْتِ، وَوَقَعَ لِبَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَبَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ مَا بَيْنَ رُكْنِ الْحِجْرِ إِلَى رُكْنِ الْحِجْرِ الْآخَرِ، وَوَقَعَ لِتَيْمٍ وَمَخْزُومٍ مَا بَيْنَ رُكْنِ الْحِجْرِ إِلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ، وَوَقَعَ لِسَهْمٍ وَجُمَحٍ وَعَدِيٍّ وَعَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ إِلَى الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ، فَبَنَوْا، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى حَيْثُ يُوضَعُ الرُّكْنُ مِنَ الْبَيْتِ، قَالَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ: نَحْنُ أَحَقُّ بِوَضْعِهِ، وَاخْتَلَفُوا حَتَّى خَافُوا الْقِتَالَ، ثُمَّ جَعَلُوا بَيْنَهُمْ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ فَيَكُونُ هُوَ الَّذِي يَضَعُهُ، وَقَالُوا: رَضِينَا وَسَلَّمْنَا فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا الْأَمِينُ قَدْ رَضِينَا بِمَا قَضَى بَيْنَنَا، ثُمَّ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم رِدَاءَهُ وَبَسَطَهُ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ وَضَعَ الرُّكْنَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِيَأْتِ مِنْ كُلِّ رُبُعٍ مِنْ أَرْبَاعِ قُرَيْشٍ رَجُلٌ، فَكَانَ فِي رُبُعِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَكَانَ فِي الرُّبُعِ الثَّانِي أَبُو زَمْعَةَ، وَكَانَ فِي الرُّبُعِ الثَّالِثِ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَكَانَ فِي الرُّبُعِ الرَّابِعِ قَيْسُ بْنُ عَدِيٍّ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: «لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِزَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا الثَّوْبِ، ثُمَّ ارْفَعُوهُ جَمِيعًا» فَرَفَعُوهُ، ثُمَّ وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم بِيَدِهِ فِي مَوْضِعِهِ ذَلِكَ فَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ لِيُنَاوِلَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلم حَجَرًا يَشُدُّ بِهِ الرُّكْنَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: لَا، وَنَحَّاهُ وَنَاوَلَ الْعَبَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم حَجَرًا فَشَدَّ بِهِ الرُّكْنَ، فَغَضِبَ النَّجْدِيُّ حَيْثُ نُحِّيَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لَيْسَ يَبْنِي مَعَنَا فِي الْبَيْتِ إِلَّا مِنَّا» قَالَ: فَقَالَ النَّجْدِيُّ: يَا عَجَبًا لِقَوْمٍ أَهْلِ شَرَفٍ وَعُقُولٍ وَسِنٍّ وَأَمْوَالٍ، عَمَدُوا إِلَى أَصْغَرِهِمْ سِنًّا وَأَقَلِّهِمْ مَالًا فَرَأَسُوهُ عَلَيْهِمْ فِي مَكْرُمَتِهِمْ وَحِرْزِهِمْ كَأَنَّهُمْ خَدَمٌ لَهُ، أَمَا وَاللَّهِ لَيَفُوتَنَّهُمْ سَبْقًا وَلَيَقْسِمُنَّ بَيْنَهُمْ حُظُوظًا وَجُدُودًا، وَيُقَالُ: إِنَّهُ إِبْلِيسُ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ:

إِنَّ لَنَا أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ... فِي الْحُكْمِ وَالْعَدْلِ الَّذِي لَا نُنْكِرُهُ

وَقَدْ جَهَدْنَا جَهْدَهُ لِنَعْمُرَهُ ... وَقَدْ عَمَرْنَا خَيْرَهُ وَأَكْثَرَهُ

فَإِنْ يَكُنْ حَقًّا فَفِينَا أَوْفَرَهُ

ثُمَّ بَنَوْا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى مَوْضِعِ الْخَشَبِ فَكَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ جَائِزًا سَقَفُوا الْبَيْتَ عَلَيْهِ وَبَنَوْهُ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، وَأَخْرَجُوا الْحِجْرَ مِنَ الْبَيْتِ[160]

باب :  كفاية الله له وحفظه له من الوقوع في أعمال الجاهلية:

قال تعالى:{ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ }[الأنعام:124]

وقال تعالى:{ألم يجدك يتيمًا فآوى* ووجدك ضالًا فهدى}[الضحى:6-7]

قد حفظ الله تعالى رسوله في صغره من كل أعمال الجاهلية التي جاء شرعه الشريف بضدها وبُغِّضَتْ إليه الأوثان بغضاً شديداً حتى ما كان يحضر لها احتفالاً أو عيداً مما يقوم به عُبَّادُها. وكان عليه الصلاة والسلام لا يأكل ما ذبح على النصب وحرّم شرب الخمر على نفسه مع شيوعه في قومه شيوعاً عظيماً، وذلك كله من الصفات التي يُحَلِّي الله بها أنبياءه ليكونوا على تمام الاستعداد لتلقّي وحيه، فهم معصومون من الأدناس قبل النبوّة وبعدها، أما قبل النبوة فليتأهلوا للأمر العظيم الذي سيُسند إليهم، وأمَّا بعدها فليكونوا قدوة لأممهم. عليهم من الله أفضل الصلوات وأتمّ التسليمات.

روى الإمام أحمد في مسنده عن عروة قال: حدثني جار لخديجة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول لخديجة: «أي خديجة، والله لا أعبد اللات والعزى أبدًا»([161])

وكان لا يأكل ما ذبح على النصب، ووافقه في ذلك زيد بن عمرو بن نفيل ([162])  .

وما رئي محمدٌ صلى الله عليه وسلم قبل بعثته لاهيًا ولا عابثا ولا آثمـًا ولا فاحشًا ولا معاقرًا خمرًا ولا غير ذلك مما يدنس النفس الكريمة فقد عصمه الله تعالى من ذلك.

روى ابن حبان في صحيحه :عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به، إلا مرتين من الدهر، كلتيهما يعصمني الله منهما، قلت ليلة لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في أغنام أهله يرعاها: أبصر إليَّ غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة، كما يسمر الفتيان، قال: نعم، فخرجت، فجئت أدنى دار من دور مكة، سمعت غناء، وضرب دفوف، ومزامير، فقلت: ما هذا؟» فقالوا: فلان تزوج فلانة، رجل من قريش تزوج امرأة من قريش، فلهوت بذلك الغناء وبذلك الصوت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا حر الشمس فرجعت فقال: ما فعلت؟ فأخبرته، ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك، ففعل، فخرجت، فسمعت مثل ذلك، فقيل لي مثل ما قيل لي، فلهوت بما سمعت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا مس الشمس، ثم رجعت إلى صاحبي فقال: فما فعلت؟ قلت: ما فعلت شيئًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فوالله ما هممت بعدها بسوء مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته» ([163]) .

 

وروى البيهقي: عن أسامة بن زيد عن زيد بن حارثة قال:

كان صنم من نحاس- يقال له: (إساف) و(نائلة)- يتمسح به المشركون إذا طافوا، فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطفت معه، فلما مررت مسحت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تمسه)). قال زيد: فطفنا، فقلت في نفسي: لأمسنه حتى أنظر ما يكون. فمسحته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ألم تُنه؟!)). قال البيهقي: زاد غيره عن محمد بن عمرو بإسناده  : قال زيد: فو الذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب؛ ما استلم صنماً قط حتى أكرمه الله تعالى بالذي أكرمه وأنزل عليه))([164]) .

وثبت في الحديث أنه كان لا يقف بالمزدلفة ليلة عرفة كما كان يفعل أهل مكة ؛ بل كان يقف مع سائر الناس بـ(عرفات)؛

روى ابن إسحاق : عن جبير بن مطعم قال :  لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، وَإِنَّهُ لَوَاقِفٌ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ بِعَرَفَاتٍ مَعَ النَّاسِ مِنْ بَيْنَ قَوْمِهِ حَتَّى يَدْفَعُ مَعَهُمْ مِنْهَا تَوْفِيقًا مِنْ اللَّهِ لَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ "  [165]

وفي الصحيحين عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : لَمَّا بُنِيَتِ الكَعْبَةُ، ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبَّاسٌ يَنْقُلاَنِ الحِجَارَةَ، فَقَالَ عَبَّاسٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ (وفي رواية لمسلم:عاتقك) يَقِيكَ مِنَ الحِجَارَةِ، فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ:« إِزَارِي إِزَارِي » فَشَدَّ عَلَيْهِ إِزَارَهُ" ([166]) .

وروى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ }... خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ يَا صَبَاحَاهْ فَقَالُوا مَنْ هَذَا فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا..الحديث[167].

 

* مما ورد ضعيفًا في هذا الباب:

ما أخرجه ابن سعد عن ابن عباس قال: حدثتني أم أيمن قالت: كان ببوانة صنم تحضره قريش تعظمه، تنسك له النسائك، ويحلقون رؤوسهم عنده، ويعكفون عنده يوماً إلى الليل، وذلك يوما في السنة، وكان أبو طالب يحضره مع قومه، وكان يكلم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يحضر ذلك العيد مع قومه فيأبى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذلك، حتى رأيت أبا طالب غضب عليه، ورأيت عماته غضبن عليه يومئذ أشد الغضب، وجعلن يقلن: إنا لنخاف عليك مما تصنع من اجتناب آلهتنا، وجعلن يقلن: ما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيداً ولا تكثر لهم جمعاً، قالت: فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء الله، ثم رجع إلينا مرعوباً فزعاً، فقالت له عماته: ما دهاك؟ قال: إني أخشى أن يكون بي لمم، فقلن: ما كان الله ليبتليك بالشيطان وفيك من خصال الخير ما فيك، فما الذي رأيت؟ قال: إني كلما دنوت من صنم منها تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح بي: وراءك يا محمد لا تمسه! قالت: فما عاد إلى عيدٍ لهم حتى تنبأ [168].

* وذكر أبو هاشم محمد بن ظفر في (خبر البشر بخير البشر): حج أكثم بن صيفي حكيم العرب، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في سن الحلم، فرآه أكثم فقال لأبي طالب: ما أسرع ما شب أخوك.

فقال ليس بأخي ولكنه ابن أخي عبد الله.

فقال أكثم أهو ابن الذبيحين ؟ قال: نعم.

فجعل يتوسمه ثم قال لأبي طالب ما تظنون به ؟ قال: نحسن به الظن وإنه لوفيٌّ سخي.

قال ؟ هل غير هذا ؟ قال: نعم إنه لذو شدة ولين ومجلس ركين وفضل متين.

قال فهل غير هذا ؟ قال: إنا لنتيمن بمشهده ونتعرف البركة فيما له لمسه بيده.

فقال أكثم: أقول غير هذا إنه ليضرب العرب قامطة - يعني جامعة - بيد حائطة ورجل لائطة ثم ينعق بهم إلى مرتع مريع وورد سريع فمن اخرورط إليه هداه ومن احرورف عنه أرداه [169].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كتاب:  أحوال الناس الدينية  قبل البعثة

 

باب: فساد الناس قبل البعثة .

كانت الإنسانية قبل بزوغ فجر الإسلام العظيم تعاني من فوضى عامة في كافة شؤون حياتها،  وتعيش مرحلة من أحط مراحل التاريخ البشري في شؤونها الدينية فعبدوا من دون الله آلهة شتى

أما عن الفرس فكانوا يعبدون النار ويعتقدون وجود إلهين :الأول النور أو إله الخير  والثاني الظلمة أو إله الشر.

* أما في الهند وآسيا الوسطى،فكانوا يدينون  بالبوذية  ، ويبنون لها الهياكل، وينصبون تماثيل بوذا حيثما حلوا ، ومنهم من يدين بالبرهمية وهو دين الهند الأصلي، وقد تعددت في هذه الديانة  المعبودات والآلهة، وقد بلغت أوجها في القرن السادس الميلادي، ولا شك أن الديانتين الهندوكية والبوذية وثنيتان سواء بسواء[170].

وآخرون يعبدون بعض مظاهر الطبيعة ويقدسونها كالشمس والقمر والكواكب والنجوم والأشجار والأنهار والحجارة... وهيمن المنهج الجاهلي على العقائد والأفكار والتصورات والنفوس، وأصبح الجهل والهوى والانحلال والفجور، والتجبر والتعسف من أبرز ملامح المنهج الجاهلي المهيمن على دنيا الناس.

* أما عن حالة العرب الدينية فكانوا  أهل أوثان إلا أفرادًا معدودين، وقد وصلوا بهذه الوثنية السخيفة إلى درجة لا مثيل لها، فكان بعضهم يصنع لنفسه صنمًا من التمر يعبده في السفر فإذا جاع - ولم يجد طعامًا غيره - أكله،  وكان عندهم انحرافات خلقية، واجتماعية،وفوضى تشريعية ، ومن ثم قل شأنهم وصاروا يعيشون على هامش التاريخ، ولا يتعدون في أحسن الأحوال أن يكونوا تابعين للدولة الفارسية أو الرومانية، وقد امتلأت قلوبهم بتعظيم تراث الآباء والأجداد واتباع ما كانوا عليه مهما يكن فيه من الزيغ والانحراف والضلال ومن ثم عبدوا الأصنام،قال تعالى : {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [الزخرف :22-23]

روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِى كَانَتْ فِى قَوْمِ نُوحٍ فِى الْعَرَبِ بَعْدُ ، أَمَّا (وُدٌّ) كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ ، وَأَمَّا (سُوَاعٌ ) كَانَتْ لِهُذَيْلٍ ، وَأَمَّا (يَغُوثُ) فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِى غُطَيْفٍ بِالْجُرُفِ عِنْدَ سَبَأ ، وَأَمَّا (يَعُوقُ) فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ ، وَأَمَّا (نَسْرٌ ) فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ ، لآلِ ذِى الْكَلاَعِ . أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِى كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا ، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ "[171].

 

وإلى جانب هذه الأصنام الرئيسية يوجد عدد لا يحصى كثرة من الأصنام الصغيرة والتي يسهل نقلها في أسفارهم ووضعها في بيوتهم.

وروى البخاري في صحيحه عن مَهْدِىَّ بْنَ مَيْمُونٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِىَّ يَقُولُ: كُنَّا نَعْبُدُ الْحَجَرَ ، فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أَخْيَرُ مِنْهُ أَلْقَيْنَاهُ وَأَخَذْنَا الآخَرَ ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ ، ثُمَّ جِئْنَا بِالشَّاةِ فَحَلَبْنَاهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُفْنَا بِهِ ، فَإِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ قُلْنَا مُنَصِّلُ الأَسِنَّةِ . فَلاَ نَدَعُ رُمْحًا فِيهِ حَدِيدَةٌ وَلاَ سَهْمًا فِيهِ حَدِيدَةٌ إِلاَّ نَزَعْنَاهُ وَأَلْقَيْنَاهُ شَهْرَ رَجَبٍ([172])  . »

ولذلك أنكروا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم إلى الله وحده وترك هذه الأوثان قال تعالى: { وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ }[سورة ص:الآيات:4-6]

وقد حالت هذه الوثنية السخيفة بين العرب،وبين ومعرفة الله وتعظيمه وتوقيره والإيمان به، وباليوم الآخر وإن زعموا أنها لا تعدو أن تكون وسائط بينهم وبين الله،قال تعالى:{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }[الزمر:3]

- وكانوا يستقسمون بالأزلام كما قال تعالى { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ } [المائدة:3]

- ويعتقدون  أن الملائكة بنات الله تعالى وأن الجن أصهاره أي تزوج منهم فأنجب الملائكة وقد أنكر الله عليهم ذلك وأبطله في قوله تعالى: { فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }[الصافات: 149-159] وقوله تعالى:{أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا}[الإسراء: 4]

- ويؤمنون بالفأل والطيرة وبالكهانة والعرافة فإذا خرجوا إلى سفر أو عزموا على أمر تطيروا فإذا طار الطائر عن يمينهم استبشروا وتفاءلوا وأتموا سفرهم أو ما عزموا عليه، وإذا طار الطائر عن شمالهم تشاءموا وعدلوا عما عزموا عليه، وكانوا إذا أهمهم أمر أو اختلفوا فيه ذهبوا إلى كاهن أو عراف ليحكم بينهم ونفذوا حكمه فيهم مهما كان خطأً أو صوابًا.

- ويجعلون من أنعامهم وزروعهم نصيبا لأصنامهم التي يعبدونها كما قال تعالى { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الأنعام:136] ولهم فوق ذلك خرافات عجيبة في أنعامهم وزروعهم يحرمون منها ما يشاءون ويحللون ما يشاءون كما جاء في قول الله تعالى { وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }[الأنعام:138-139]

وكان عمرو بن لحي أول من بدل دين إسماعيل عليه السلام وأدخل الأوثان وعبادتها إلى مكة.

روى ابْنُ إسْحَاقَ عن أبي هريرة يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لِأَكْثَمَ بْنِ الْجَوْنِ الْخُزَاعِيّ:  يَا أَكْثَمُ رَأَيْت عَمْرَو بْنَ لُحَيّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ فَمَا رَأَيْت رَجُلًا أَشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْك بِهِ وَلَا بِك مِنْهُ ، فَقَالَ أَكْثَمُ : عَسَى أَنْ يَضُرّنِي شَبَهُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ لَا ، إنّك مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ إنّهُ كَانَ أَوّلَ مَنْ غَيّرَ دِينَ إسْمَاعِيلَ فَنَصَبَ الْأَوْثَانَ وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ وَسَيّبَ السّائِبَةَ وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ وَحَمَى الْحَامِي" [173].

وفي صحيح البخاري: عن عروة أَنَّ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَرَأَيْتُ عَمْرًا يَجُرُّ قُصْبَهُ ، وَهْوَ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ »[174] .

- وكانوا يعتقدون أن الموت هو النهاية الأبدية ولا يؤمنون بالبعث بعد الموت وقد بين الله تعالى معتقدهم ذلك في القرآن فقال:{ وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا }[الإسراء: 49]وقال { قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ  }[المؤمنون:82-83]{ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ* قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ }[الواقعة:47-50] لذلك كان همهم الطعام والشراب وسائر الملذات قبل مجيء الموت .

- وكان نظام حياتهم قائمًا على ظلم القوي للضعيف وكانت تقع فيما بينهم الإغارة والسلب والنهب والأخذ بالثأر ولم يكن لهم نظام جامع ولا حكومة موحدة بل كانوا قبائل متفرقة، كل قبيلة مستقلة في نظامها وتقاليدها وأحكامها.ومن مظاهر الظلم عندهم أن المرأة كانت في نظرهم نوعًا من المتاع وليس لها نصيب من الميراث، بل كانت هي نفسها تورث مع التركة وكان للوارث فيها مطلق التصرف فإن شاء تزوجها وإن شاء زوجها غيره، وبعضهم كان يستاء من الأنثى ويقوم بوأدها وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[النحل:58- 59]وقال تعالى:{ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } [التكوير:8-9]

ومن مظاهر الظلم والاستبداد عندهم أن بعض الجواري كن يُرغَمن على كسب المال بأعراضهن إرضاء لسادتهن وقد ذكر الله تعالى ذلك في قوله: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[النور:33]

وكان الزواج والطلاق عندهم بلا حدود فللرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء وله أن يطلق أو يعلق متى شاء وليس للمرأة في ذلك رأي.

- وكانت فيهم أيضًا خصال من الخير أهلتهم لحمل راية الإسلام ومن تلك الخصال: الذكاء والفطنة، وعشقهم للحرية، وإباؤهم للضيم والذل ، وحبهم للصراحة والوضوح والصدق، ويتصفون بالكرم والسخاء والشجاعة والوفاء بالعهد والصبر على المكاره وقوة الاحتمال، والرضا باليسير وقوة البدن وعظمة النفس وكانوا أهل مروءة ونجدة.

 

- أما البقية الباقية من دين إبراهيم عليه السلام – عند العرب-فقد أصابها التحريف، والتغيير والتبديل، فصار الحج موسمًا للمفاخرة والمنافرة، والمباهاة وانحرفت بقايا المعتقدات الحنيفية عن حقيقتها وألصق بها من الخرافات والأساطير الشيء الكثير .

 

** وأما أهل الكتاب فقد حرفوا في كتبهم وغيروا وبدلوا كثيرًا من معتقداتهم -إلا بقايا من أهل الكتاب ظلوا على الحق- وانتشر فيهم الربا والظلم والزنى والرشوة والشرك وقد بين القرآن الكريم كثيرًا مما وقعوا فيه ،قال تعالى:{وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }[التوبة:30-31]

 

وقال تعالى: {وَتَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }[المائدة:62-63]

 

وقال تعالى:{وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوَهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ * فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظاًّ مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ *وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظاًّ مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }[المائدة:12-14]

 

ولذلك فقد ضاع تأثير الديانات السماوية على الحياة أو كاد بسبب ما أصابها من التبديل والتحريف والتغيير الذي جعلها تفقد أهميتها باعتبارها رسالة الله إلى خلقه، وانشغل أهلها بالصراعات العقدية النظرية التي كان سببها دخول الأفكار البشرية، والتصورات الفاسدة على هذه الأديان، حتى أدى إلى الحروب الطاحنة بينهم، ومن بقي منهم لم يحرف ولم يبدل قليل نادر، وآثر الابتعاد عن دنيا الناس ودخل في حياة الخلوة والعزلة  في الصوامع طمعًا في النجاة بنفسه يأسًا من الإصلاح، ووصل الفساد إلى جميع الأصناف والأجناس البشرية، ودخل في جميع المجالات بلا استثناء. وأصبح العالم في ظلام دامس وليل بهيم ، وانحراف عظيم عن منهج الله سبحانه وتعالى.

وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى  ذلك  فيما رواه مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال ذات يوم في خطبته: « ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل ما نحلته ([175]) عبدًا حلال ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمَرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم: عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب»([176]) .

 

ولذلك بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم لإزالة أنقاض الجاهلية والوثنية ،التي تراكمت عبر القرون والأجيال، ودفنت تحتها تعاليم الأنبياء والمرسلين، ولإقامة بناء شامخ مشيد البنيان، واسع الأرجاء، يسع العالم كله، ويؤوي الأمم كلها، قال تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122].

* مما روي ضعيفًا في هذا الباب:

جاء في سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد :

روى أبو الشيخ في العظمة عن محمد بن كعب القرظي قال: كان لآدم خمسة بنين ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا، فكانوا عبادا، فمات رجل منهم فحزنوا عليه حزنا شديدا فجاءهم الشيطان فقال: حزنتم على صاحبكم هذا ؟ قالوا نعم.

قال: هل لكم أن أصور لكم مثله في قبلتكم إذا نظرتم إليه ذكرتموه ؟ قالوا: نكره أن تجعل لنا في قبلتنا شيئا نصلي إليه.

قال فأجعله في مؤخر المسجد ؟ قالوا: نعم.

فصوره لهم حتى مات خمستهم فصور صورهم في مؤخر المسجد، فتنقضت الأشياء حتى تركوا عبادة الله تعالى وعبدوا هؤلاء، فبعث الله تعالى نوحًا فقالوا (لا تذرن آلهتكم) إلى آخر الآية.

وروى عبد بن حميد عن أبي جعفر بن يزيد بن المهلب قال: كان ود رجلا مسلما وكان محببا في قومه فلما مات عسكروا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان ثم قال: أرى جزعكم على هذا فهل لكم أن أصور مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به ؟ قالوا: نعم .فصور لهم مثله فوضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه فلما رأى ما بهم من ذكره قال: هل لكم أن أجعل في منزل كل رجل منكم تمثالا فيكون في بيته فيذكر به ؟ قالوا: نعم.

فمثل لكل أهل بيت تمثالا مثله فجعلوا يذكرونه به وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوه إلها يعبدونه من دون الله تعالى فكان أول من عبد من دون الله ود، الصنم الذي سموا بود.

قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره فلما قدم مآب من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق وهم ولد عملاق ويقال عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، رآهم يعبدون الأصنام فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون ؟ قالوا: هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها.فتنصرنا.

فقال لهم: أفلا تعطوني منها صنما فأسير به إلى العرب فيعبدونه.

فأعطوه منها صنما يقال له هبل، فقدم به

مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه.

وروى الفاكهي عن هشام بن السائب-وهو ضعيف- قال: كان لعمرو بن ربيعة رئي من الجن فأتاه فذكر له شعرا يأمره فيه بإخراج الأصنام من ساحل جدة فأتى عمرو ساحل جدة فوجد بها ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا وهي الأصنام التي عبدت زمن نوح وإدريس ثم إن الطوفان طرحها هناك، فسفى عليها الرمل، فاستخرجها عمرو وخرج بها إلى تهامة وحضر الموسم فدعا إلى عبادتها فأجيب.أهـ[177]

 

باب : ما ابتدعته قريش في تسميتهم الحمس

 

وذلك لأنهم عظموا الحرم تعظيماً زائداً؛ بحيث التزموا بسببه أن لا يخرجوا منه ليلة عرفة، وكانوا يقولون: نحن أبناء الحرم، وقُطَّان بيت الله. فكانوا لا يقفون بعرفات كما يقف سائر الناس. مع علمهم أنها من مشاعر إبراهيم عليه السلام – حتى لا يخرجوا عن نظام ما كانوا قرروه من البدعة الفاسدة، فأنزل الله تعالى ردًا عليهم: ﴿ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم﴾[البقرة:199] [178]

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها : كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الحُمْسَ، وَكَانَ سَائِرُ العَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ، ثُمَّ يَقِفَ بِهَا، ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا» فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] "[179]

 

وكانوا يمنعون الحجيج والعمّار – ما داموا محرمين – أن يأكلوا إلا من طعام قريش، ولا يطوفوا إلا في ثياب قريش، فإن لم يجد أحد منهم ثوب أحد من الحمس- وهم قريش وما ولدت- طاف عرياناً ولو كانت امرأة، ولهذا كانت المرأة إذا اتفق طوافها لذلك؛ وضعت يدها على فرجها وتقول: اليوم يبدو بعضه أو كله  *** وما بدا منه فلا أحله

روى مسلم : عن ابن عباس قال : كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة، فتقول : من يعيرني تطوافًا ؟ تجعله على فرجها وتقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله ... فما بدا منه فلا أحله

فنزلت هذه الآية : ﴿خذوا زينتكم عند كل مسجد..﴾ [الأعراف: 31][180] .

 

قال ابن سحاق : وأنزل الله عليه فيما كانوا حرَّموا على الناس من طعامهم ولبوسهم عند البيت حين طافوا عراة وحرموا ما جاءوا به من الحل من الطعام : { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين . قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق . قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون } [الأعراف:31-33].

فوضع الله تعالى أمر الحمس وما كانت قريش ابتدعت منه على الناس بالإسلام حين بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم[181] .

 

وقد قدمنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقف بعرفات قبل أن ينزل عليه؛ توفيقاً من الله له.فيما أخرجه أحمد وذكره ابن اسحق في السيرة بسنده عن جبير بن مطعم ،وهو في الصحيحين وغيرهما من طريق آخر، ففي صحيح البخاري عن جبير بن مطعم: كنت أطلب بعيرا لي ...(وفي رواية مسدد... قال): أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي، فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ، فَقُلْتُ: «هَذَا وَاللَّهِ مِنَ الحُمْسِ فَمَا شَأْنُهُ هَا هُنَا» ؟" وزاد مسلم:"  وكانت قريش تعد من الحمس "[182].

 

باب : الحُنفاء في مكة

 

كان في مكة بعد الأفراد الذين نبذوا الوثنية وكانوا على الحنيفية و توحيد الله تعالى.

قال ابن إسحاق : اجتمعت قريش يومًا في عيد لهم عند صنم من أصنامهم كانوا يعظمونه وينحرون له ويعكفون عنده ويديرون به وكان ذلك عيدًا لهم في كل سنة يومًا، فخلص منهم أربعة نفر نجيًا ، ثم قال بعضهم لبعض : تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض ، قالوا : أجل . وهم : ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي وعبيد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة وكانت أمه أميمة بنت عبدالمطلب ،

وعثمان بن الحويرث بن أسد بن عبدالعزى بن قصي، وزيد بن  عمرو بن نفيل بن عبدالعزى بن عبدالله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي

فقال بعضهم لبعض : تعلموا والله ما قومكم على شيء لقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم ما حجر نطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع يا قوم التمسوا لأنفسكم دينا فإنكم والله ما أنتم على شيء . فتفرقوا في البلدان .أهـ.

 

* فمن هؤلاء الحنفاء الموحدين : زيد بن عمرو بن نفيل العدوي

روى ابن إسحاق : عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : لَقَدْ رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ شَيْخًا كَبِيرًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاَلَّذِي نَفْسُ زَيْدِ بْن عَمْرٍو بِيَدِهِ، مَا أَصْبَحَ مِنْكُمْ أَحَدٌ عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ غَيْرِي، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهمّ لَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَيَّ الْوُجُوهِ أَحَبُّ إلَيْكَ عَبَدَتْكَ بِهِ، وَلَكِنِّي لَا أَعْلَمُهُ، ثُمَّ يَسْجُدُ عَلَى رَاحَتِهِ ".[183] .

قلت: وأخرجه البخاري في صحيحه تعليقًا مجزومًا به فقال:  قال الليث: كتب إليّ هشام عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت :" رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الكَعْبَةِ يَقُولُ: يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ، وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي، وَكَانَ يُحْيِي المَوْءُودَةَ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ، لاَ تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا، فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا  "[184]  .

وروى البخاري:عن عبد الله بن عمر يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

أَنَّهُ لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍ، وَذَاكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوَحْيُ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُفْرَةً فِيهَا لَحْمٌ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: «إِنِّي لاَ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلاَ آكُلُ إِلَّا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ» ([185]) .

 

روى ابن أبي عاصم عن زيد بن حارثة رضي الله عنه قال :  ... أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسير مردفي في يوم حار من أيام مكة حتى إذا كنا بأعلى الوادي لقيه زيد بن عمرو بن نفيل فحيا أحدهما الآخر بتحية الجاهلية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ابن عم مالي أرى قومك قد شنفوك، فقال : أما والله إن ذاك لغير ثائرة كانت مني فيهم ولكني كنت أراهم على ضلال فخرجت أبتغي هذا الدين فأتيت على أحبار يثرب فوجدتهم يعبدون الله عز وجل ويشركون به، فقلت: ما هذا بالدين الذي أبغي فخرجت حتى أتيت أحبار خيبر فوجدتهم يعبدون الله عز وجل ويشركون به، فقلت : ما هذا بالدين الذي أبغي فخرجت حتى أتيت أحبار الشام فوجدتهم يعبدون الله عز وجل ويشركون به، فقلت : ما هذا بالدين الذي أبغى ، فقال لي حبر من أحبار الشام: إنك لتسأل عن دين ما نعلم أحد يعبد الله تعالى به إلا شيخًا بالجزيرة فخرجت فقدمت عليه فأخبرته بالذي خرجت له ، فقال لي : إن كل من رأيت على ضلالة، فمن أنت؟ قلت : أنا من أهل بيت الله تعالى ومن الشوك والقرظ، قال: فإنه قد خرج في بلدك نبي ، أو هو خارج قد خرج نجمه ، فارجع فاقصده ،واتبعه وآمن به...وفي آخر الحديث: ومات زيد بن عمرو بن نفيل قبل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لزيد يأتي أمة وحده "[186].

و روى أبو يعلى: عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو بن نفيل ، فَقَالَ : يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ [187]

وروى أحمد عن سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِى كَانَ كَمَا قَدْ رَأَيْتَ وَبَلَغَكَ وَلَوْ أَدْرَكَكَ لآمَنَ بِكَ وَاتَّبَعَكَ فَاسْتَغْفِرْ لَهُ. قَالَ « نَعَمْ فَأَسْتَغْفِرُ لَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَةً وَحْدَهُ »[188]

 

* ومنهم: ورقة بن نوفل فقد كان يقرأ الكتاب العبراني – كتب أهل الكتاب-وقد أدرك نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم  بأن الذي جاءه هو المَلك الذي ينزل بالوحي وتمنى أن  ينصر النبي صلى الله عليه وسلم  عندما يخرجه قومه - كما ثبت ذلك عن عائشة رضي الله عنها في البخاري في أول صحيحه في بدء الوحي وسيأتي

وقدروى الإمام أحمد عن عائشة: أن خديجة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ورقة بن نوفل؟ فقال:

((قد رأيته في المنام؛ فرأيت عليه ثياب بياض، فأحسبه لو كان من أهل النار لم يكن عليه ثياب بياض))([189]) . وفي سنده ابن لهيعة لكن يشهد له ما يأتي بعده .

روى الحاكم: عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين[190]  "

وروى الحافظ أبو يعلى عن جابر بن عبد الله قال : سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي طالب هل تنفعه نبوتك ؟ قال : نعم أخرجته من غمرة جهنم الى ضحضاح منها.

و سئل عن خد يجة - لأنها ماتت قبل الفرائض وأحكام القرآن - فقال : أبصرتها على نهر من أنهار الجنة في بيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب.

وسئل عن ورقة بن نوفل قال : أبصرته في بطنان الجنة عليه سندس .

وسئل عن زيد بن عمرو بن نفيل فقال : يبعث يوم القيامة أمة وحده بيني وبين عيسى عليهما السلام[191] ".

* ومنهم : قُس بن ساعدة الإيادي: فقد كان خطيبًا، حكيمًا، عاقلاً، له نباهة، وفضل، وكان يدعو إلى توحيد الله، وعبادته، وترك عبادة الأوثان، وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ومات قبل البعثة[192]. ولكن لم يثبت في شأنه حديث والله أعلم.

وقد ذكر ابن اسحاق في السيرة عبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث فيمن ترك عبادة الأوثان .وذكر أن  عثمان بن الحويرث قدم على قيصر ملك الروم فتنصر وحسنت منزلته عنده .  وأن عبيد الله بن جحش ظل ملتبسًا في أمره حتى جاء الإسلام فأسلم ، ثم هاجر إلى الحبشة بزوجته أم حبيبة ثم تنصر بالحبشة ومات نصرانيًا هناك.

قلت:هكذا ذكر أكثر أصحاب السير أن عبيد الله بن جحش تنصر بالحبشة ومات على ذلك، وكلامهم مبني على روايات لا تصح: إما مرسلة أو معضلة أو من طريق الضعفاء والمتروكين كالواقدي وغيره .وقد جاءت رواية متصلة بسند صحيح تفيد أنه مرض بالحبشة فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ  أوصى إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقد رواها ابن حبان في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: هَاجَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ بِأُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ، مَرِضَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، أَوْصَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَبَعَثَ مَعَهَا النَّجَاشِيُّ شرحبيل بن حسنة"[193].

 

* ما ورد من الأحاديث الضعيفة في هذا الباب.

 

روى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَهْلٍ الْخَرَائِطِيُّ فِي كِتَابِ هَوَاتِفِ الْجَانِّ: عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ إِيَادٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا مَعْشَرَ وَفْدِ إِيَادٍ مَا فَعَلَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيُّ ؟ قَالُوا: هَلَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: لَقَدْ شَهِدْتُهُ يَوْمًا بِسُوقِ عُكَاظٍ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ، يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ مُعْجِبٍ مُونِقٍ لَا أَجِدُنِي أَحْفَظُهُ فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَقَاصِي الْقَوْمِ فَقَالَ: أَنَا أَحْفَظُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَسُّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ قَالَ: فَكَانَ بِسُوقِ عُكَاظٍ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ النَّاسِ اجْتَمِعُوا فَكُلُّ مَنْ فَاتَ فَاتَ، وَكُلُّ شَيْءٍ آتٍ آتٍ، لَيْلٌ دَاجٍ وَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ، وَبَحْرٌ عَجَّاجٌ، نُجُومٌ تَزْهَرُ، وَجِبَالٌ مَرْسِيَّةٌ، وَأَنْهَارٌ مَجْرِيَّةٌ إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرًا، وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ لَعِبَرًا. مَا لِي أَرَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ فَلَا يَرْجِعُونَ أَرَضُوا بِالْإِقَامَةِ فَأَقَامُوا أَمْ تُرِكُوا فَنَامُوا ؟ أَقْسَمَ قُسٌّ بِاللَّهِ قَسَمًا لَا رَيْبَ فِيهِ، إِنَّ لِلَّهِ دِينًا هُوَ أَرْضَى مِنْ دِينِكُمْ هَذَا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

في الذَّاهِبِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ

لَمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا لِلْمَوْتِ لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ

وَرَأَيْتُ قَوْمِيَ نَحْوَهَايَمْضِي الْأَصَاغِرُ وَالْأَكَابِرْ

لَا مَنْ مَضَى يَأْتِي إِلَيْكَ وَلَا مِنَ الْبَاقِينَ غَابِرْ

أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا مَحَالَةَ حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ[194]

وروى البزار : عن ابن عباس،قال : قدم وفد من بكر بن وائل  على رسول الله صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم ، فلما فرغوا من شأنهم ، قال لهم : أفيكم أحدٌ يعرف القس بن ساعدة الإيادي ؟ قالوا : نعم ، كلنا نعرفه ، قال : ما فعل ؟ قالوا : هلك ، قال : ما أنساه بسوق عكاظ ، في الشهر الحرام ، على جمل أحمر ، يخطب الناس ، وهُو يقول : أيها الناس اجتمعوا واستمعوا وعوا ، كل من عاش مات ، وكل من مات فات ، وكل ما هو آت آت ، إن في السماء لخبًرا ، وإن في الأرض لعبرًا ، مهادٌ موضوع ، وسقف مرفوع ، ونجومٌ تمور ، وبحار لا تغور ، وتجارة لا تبور ، أَقْسَمَ قسّ حَقًّا ، لئن كان في الأمر رضًا ليكونن سخطًا ، وإن لله دينًا ، هو أحبُّ إليه من دينكم الذي أنتم عليه ، ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون ، أَرَضُوا فأقاموا ، أم تُرِكُوا فناموا ؟ ، ثُمَّ أنشأ يقول :

فِي الذَّاهِبِـينَ الأَوَّلِيــنَ ... مِنَ الْقُرُونِ لَنـَا بَصَـائِرْ

لَمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا لِلْمَــوْتِ ... لَيْسَ لَهَــا مَصَـادِرْ

وَرَأَيْتُ قَوْمـِي نَحْوَهَــا ... يَمْضِي الأَكَابِرُ وَالأَصَاغِرْ

لاَ يَرْجِــعُ الْمَاضِي إِلَيَّ ... وَلاَ مِنَ الْبَاقِــينَ غَـابِرْ

أَيْقَنْتُ أَنِّي لاَ مَحَــالَةَ ... حَيْثُ صَـارَ الْقَوْمُ صَـائِرْ[195]

 

قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال : كان عبيد الله  بن جحش حين تنصر يمر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم هنالك من أرض الحبشة فيقول : فقحنا وصأصأتم، أي: أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ولم تبصروا بعد . وذلك أن ولد الكلب إذا أراد أن يفتح عينيه لينظر صأصأ لينظر . وقوله : فقح : فتح عينيه

وقال ابن إسحاق : وأما زيد بن عمرو بن نفيل فوقف فلم يدخل في يهودية ولا نصرانية وفارق دين قومه فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان ،ونهى عن قتل الموءودة.. وقال : أعبد رب إبراهيم وبادى قومه بعيب ما هم عليه :

أربا واحدا أم ألف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور

عزلت اللات والعزى جميعا ... كذلك يفعل الجلد الصبور

فلا العزى أدين ولا ابنتيها ... ولا صنمي بن عمرو أزور

ولا هبلا أدين وكان ربا ... لنا في الدهر إذ حلمي يسير

عجبت وفي الليالي معجبات ... وفي الأيام يعرفها البصير

بأن الله قد أفنى رجالا ... كثيرا كان شأنهم الفجور

وأبقى آخرين ببر قوم ... فيربل منهم الطفل الصغير

وبينا المرء يفتر ثاب يوما ... كما يتروح الغصن المطير

ولكن أعبدالرحمن ربي ... ليغفر ذنبي الرب الغفور

فتقوى الله ربكم احفظوها ... متى ما تحفظوها لا تبوروا

ترى الأبرار دارهم جنان ... وللكفار حامية سعير

وخزي في الحياة وإن يموتوا ... يلاقوا ما تضيق به الصدور[196]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المرحلة الثانية:

من البعثة حتى الهجرة إلى المدينة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كتاب: مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم.وذكر شيء من البشارات بذلك

 

باب:معرفة الملأ الأعلى  بنبوته من قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام:

 

كان أمر نبوته عليه الصلاة والسلام وأنه خاتم النبيين مشهوراً مذكوراً  بين الملائكة كما روى أحمد عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( إني عند الله لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت ... ))[197].وأخرجه أحمد من طريق آخر وفيه ((إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين...)) [198]

– روى الترمذي: عن أبي هريرة قال: قالوا : يا رسول الله متى وجبت لك النبوة ؟ قال: وآدم بين الروح والجسد )) [199]

 

-وروى أحمد عن ميسرة الفجرة قال:

قلت: يا رسول الله! متى كنت نبياً؟ قال: ((وآدم بين الروح والجسد))[200] .

.

وهذا لا يعني أنه خلق قبل آدم وإنما يعني أنه مكتوب نبيًا وخاتم النبيين في اللوح المحفوظ قبل أن يكون آدم عليه الصلاة والسلام .

قال البيهقي: و إنما أراد ـ و الله أعلم ـ أنه كذلك في قضاء الله و تقديره قبل أن يكون آدم عليه السلام. أهـ[201]

 

وفي حديث الإسراء ما يدل على أن الملائكة تعلم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم لذلك كان كلما صعد جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى سماء  وطلب الاستفتاح سألوا جبريل من معك ؟ قال: محمد .قالوا:" أوقد أرسل إليه؟" فهم سألوا عن أوان رسالته ولم يقولوا: مَن محمد؟ وسيأتي الحديث بتمامه في الإسراء .

* مما ورد من الأحاديث الضعيفة في هذا الباب:

روى ابن سعد عن قتادة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم : كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث [202].

وقد رواه أبو نعيم في الدلائل(ح3) متصلاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم } [الأحزاب آية رقم : 7 ] قال : كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث[203] .

وروى الطبراني عن ابن عباس : قال : قلت يارسول الله متى أخذ ميثاقك ؟ قال : ( وآدم بين الروح والجسد )[204] .

أما حديث:(( أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ..)) الذي يدندن حوله المتصوفة فهو موضوع ،ولا أصل له .كما قال ابن تيمية والصاغاني والسيوطي وغيرهم رحمهم الله.وقد زعم العجلوني في كشف الخفاء أن عبد الرزاق قد رواه وليس كذلك ولا هو في شيء من دواوين السنة المعروفة[205] .

 

باب: بشارات الأنبياء والكتب السابقة به صلى الله عليه وسلم.

 

دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ربه أن يبعث في العرب رسولاً منهم ، فأرسل محمدًا إجابة لدعوته ، قال تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ } [البقرة: 129]

وذكر القرآن الكريم أن الله تعالى أنزل البشارة بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم في الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء السابقين  فقال تعالى:{  الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ}[الأعراف: 157].

وبشر به عيسى عليه السلام، قال تعالى :{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ 
إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم مّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ
أَحْمَد ُ} [الصف: 6]

 

وقد أعلم الله تعالى جميع الأنبياء ببعثته، وأمرهم بتبليغ أتباعهم بوجوب الإيمان به، واتباعه إن هم أدركوه كما قال تعالى:  {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ }  [آل عمران: 81].

 

روى ابن جرير عن ابن عباس قال: ثم ذكر ما أخذ عليهم - يعني على أهل الكتاب - وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه - يعني بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم - إذا جاءَهم، وإقرارهم به على أنفسهم. فقال:"{وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة..} إلى آخر الآية. ([206])

وروى الطبراني في الكبير: عن ابن عباس رضي الله عنهما : قال : أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم "([207])

يعلم من هذا أن جميع الأنبياء بشرو به وأمروا باتباعه .

و قد تقدم ما رواه الإمام أحمد عن أبي أمامة قال: قلت: يا رسول الله! ما كان بدء أمرك؟ قال:

((دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأيت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت له قصور الشام)).

ومعنى هذا أنه أراد بدء أمره بين الناس واشتهار ذكره وانتشاره ، فذكر دعوة إبراهيم الذي تنسب إليه العرب، ثم بشرى عيسى الذي هو خاتم أنبياء بني إسرائيل. يدل هذا على أن من بينهما بشروا به أيضاً.

وقد بين القرآن أن صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه مذكورة في التوراة والإنجيل فقال الله تعالى :

﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: 29].

وقال تعالى : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [ الأعراف :157- 158]

 

و هكذا أمر الله سبحانه بني إسرائيل على لسان موسى عليه السلام و هو في التوراة كما ذكره غير واحد من العلماء ممن جمع بشارات الأنبياء به صلى الله عليه و سلم[208].

وقد ذكر عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة فقد روى الْإِمَامُ البخاري عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو  بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: " أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي القُرْآنِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45]، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ[209])  ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ، وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ([210])، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ المِلَّةَ العَوْجَاءَ([211])، بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا "[212].

وقد جاء من وجه آخر عن  كعب الأحبار صفته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفة أمته في التوراة  كما في سنن الدارمي قال كعب:(( نجده  مكتوبًا: محمد رسول الله، لا فظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يجزي السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح أمته الحمادون، يحمدون الله في كل منزلة، ويكبرونه على كل نجد، يأتزرون إلى أنصافهم، ويوضئون أطرافهم, صفُّهم في الصلاة، وصفُّهم في القتال سواء، مناديهم ينادي في جو السماء، صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء، لهم في جوف الليل دوي كدوي النحل، مولده بمكة، ومهجره بطيبة، وملكه بالشام)) ([213]) .

وروى الإمام أحمد عن أبي صخر العقيلي حدثني عن رجل من الأعراب قال: جلبت جلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغت من بيعي قلت: لألقين هذا الرجل فلأسمعن منه. قال: فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون، فتعبتهم، حتى أتوا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها؛ يعزي بها على نفسه عن ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجملهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((أنشدك بالذي أنزل التوراة؛ هل تجدني في كتابك ذا صفتي ومخرجي؟)).

فقال برأسه هكذا؛ أي: لا . فقال ابنه: إي والذي أنزل التوراة؛ إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله.

فقال: ((أقيموا اليهودي عن أخيكم)). ثم ولي كفنه وحنطه وصلى عليه ."  [214].

 

قال البزار ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ خَالِهِ(الفلتان بن عاصم ) ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي الْمَجْلِسِ فَشَخَصَ بَصَرُهُ إِلَى رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ يَمْشِي ، فَقَالَ : أَبَا فُلاَنٍ قَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، وَلاَ يُنَازِعُهُ الْكَلاَمَ إِلاَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ لَهُ : أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ قَالَ : لاَ ، قَالَ : أَتَقْرَأُ التَّوْرَاةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : وَالإِنْجِيلَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : وَالْقُرْآنَ ؟ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ نَشَاءُ لَقَرَأْتُهُ ،

ثُمَّ نَاشَدَهُ هَلْ تَجِدُنِي فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ ؟

قَالَ : نَجِدُ مِثْلَكَ وَمِثْلَ هَيْأَتِكَ وَمِثْلَ مَخْرَجِكَ ، فَكُنَّا نَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِينَا فَلَمَّا خَرَجْتَ خُوِّفْنَا أَنْ تَكُونَ أَنْتَ هُوَ فَنَظَرْنَا فَإِذًا لَسْتَ أَنْتَ هُوَ ، قَالَ : وَلِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ : مَعَهُ مِنْ أُمَّتِهِ سَبْعُونَ أَلْفًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ وَلاَ عَذَابٌ ، وَإِنَّمَا مَعَكَ نَفَرٌ يَسِيرُ .

فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَنَا هُوَ وَإِنَّهُمْ لأُمَّتِي ، وَإِنَّهُمْ لأَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا وَسَبْعِينَ أَلْفًا.)).[215].

وروى الإمام أحمد عن عوف بن مالك الأشجعي قال:

انطلق النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وأنا معه، حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيد لهم، فكرهوا دخولنا عليهم، فقال لهم :

((يا معشر اليهود! أروني اثني عشر رجلاً يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؛ يحط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليهم)).

قال: فأسكتوا ما أجابه منهم أحد، ثم رد عليهم، فلم يجبه منهم أحد، فقال:

((أبيتم! فوالله؛ إني لأنا الحاشر، وأنا العاقب، وأنا النبي المصطفى؛ آمنتم أو كذبتم)).

ثم انصرف وأنا معه، حتى إذا كدنا أن نخرج، فإذا رجل من خلفنا يقول: كما أنت يا محمد! فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا: والله؛ ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله منك، ولا أفقه منك، ولا من أبيك قبلك، ولا من جدك قبل أبيك. قال: فإني أشهد له بالله أنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة. فقالوا: كذبت! ثم ردوا عليه قوله، وقالوا فيه شراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

((كذبتم ، لن يقبل قولكم، أما آنفاً فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم، وأما إذ آمن فكذبتموه وقلتم فيه ما قلتم، فلن يقبل قولكم)).

قال: فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا، وعبد الله بن سلام، وأنزل الله تعالى فيه: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأحقاف: 10] [216].

 

والعلم بأنه موجود في كتب أهل الكتاب معلوم من الدين ضرورة، وقد دل على ذلك آيات كثيرة في الكتاب العزيز فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ . وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا ءَامَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ﴾[القصص: 52و53].

وقال تعالى : ﴿ الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾[البقرة: 146].

وقال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا ﴾ [الإسراء: 107و108].

وقال تعالى إخباراً عن القسيسين والرهبان: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إلى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا ءَامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة:83].

فعلماء أهل الكتاب كانوا يعلمون ذلك ويحدثون الناس به، فاشتهر ذكره، وهذا مما دفع بعض العرب لأن يسمي ولده محمدًا ليكون النبيَّ المبشَّر به[217].

فقد كَثُرَ إخبارُ أحبار اليهود ورجالاتها بقرب مبعثه عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك قصة ابن الهيبان الذي خرج من بلاد الشام ونزل في بني قريظة ثم توفي قبل البعثة النبوية بسنتين، والقصة ذكرها ابن اسحق: فقال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال : قال لي : هل تدري عمَّ كان  إسلام ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد نفر من بني هدل إخوة من بني قريظة كانوا معهم في جاهليتهم ثم كانوا سادتهم في الإسلام . قال : قلت : لا و الله قال : فإن رجلا من يهود من أهل الشام يقال له : ابن الهيبان قدم علينا قبيل الإسلام بسنين فحل بين أظهرنا لا والله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس أفضل منه فأقام عندنا فكنا إذا قحط عنا المطر قلنا له : اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا فيقول : لا والله حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة فنقول له : كم ؟ فيقول : صاعا من تمر أو مدين من شعير . قال : فنخرجها  ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرتنا فيستسقي الله لنا . فوالله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ونسقى قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث

قال : ثم حضرته الوفاة عندنا . فلما عرف أنه ميت قال : يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع ؟ قال : قلنا : إنك أعلم قال : فإني إنما قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبى قد أظل زمانه وهذه البلدة مهاجره فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه وقد أظلكم زمانه فلا تسبقن إليه يا معشر يهود فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري والنساء ممن خالفه فلا يمنعكم ذلك منه .

فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصر بني قريظة قال هؤلاء الفتية وكانوا شبابا أحداثا : يا بني قريظة والله إنه للنبي الذي كان عهد إليكم فيه ابن الهيبان قالوا : ليس به. قالوا : بلى والله إنه لهو بصفته فنزلوا وأسلموا وأحرزوا دماءهم و أموالهم وأهليهم .[218]

وَروى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: قَالَ لِي حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الشَّامِ: قَدْ خَرَجَ فِي بَلَدِكَ نَبِيٌّ أَوْ هُوَ خَارِجٌ قَدْ خَرَجَ نَجْمُهُ فَارْجِعْ فَصَدِّقْهُ، وَاتَّبِعْهُ. ([219]) .

وقد شاع حديث ذلك، وانتشر بين اليهود وغيرهم حتى بلغ درجة القطع عندهم، وبناء عليه كان اليهود يقولون لأهل المدينة المنورة: إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن، نقتلكم معه قتل عاد وإرم وكان ذلك الحديث سببًا في إسلام رجال من الأنصار قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا :

: «إن مما دعانا إلى الإسلام ، مع رحمة الله تعالى وهداه، لما كنا نسمع من رجال اليهود، كنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: إنه تقارب زمان نبي يبعث الآن، نقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به، فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به، ففينا وفيهم نزلت هذه الآية

: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 89] ([220]) .

وقد روى أحمد في مسنده عن سلمة بن سلامة بن وقش رضي الله عنه وكان من أصحاب بدر قال: «كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل، قال: فخرج علينا يومًا من بيته قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، فوقف على مجلس عبد الأشهل، قال سلمة: وأنا يومئذ من أحدث من فيه سنًّا عليَّ بردة مضطجعًا فيها بفناء أهلي, فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار، فقال ذلك لقومٍ، وكانوا أهل شرك وأصحاب أوثان، لا يرون أن بعثًا كائن بعد الموت.

فقالوا له: ويحك يا فلان، ترى هذا كائنًا أن الناس يُبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار، ويجزون فيها بأعمالهم؟ قال: نعم، والذي يُحلف به ولوَدَّ أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور([221]) في الدنيا يحمونه، ثم يدخلونه إياه، فيطبق به عليه ([222]) وأن ينجو من تلك النار غدًا.

قالوا له: ويحك وما آية ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد, وأشار بيده نحو مكة واليمن.

قالوا: ومتى نراه؟ قال: فنظر إليَّ – وأنا من أحدثهم سنًّا– فقال: إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه. قال سلمة: «فوالله ما ذهب الليل والنهار، حتى بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو حيٌّ بين أظهرنا، فآمنا به، وكفر به بغيًا وحسدًا فقلنا: ويلك يا فلان: ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى: وليس به»([223]).

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ سَالِمٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ فَقَالَ: أَخْرِجُوا أَعْلَمَكُمْ. فَقَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا. فَخَلَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَاشَدَهُ بِدِينِهِ وَمَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَأَطْعَمَهُمْ مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وَظَلَّلَهُمْ بِهِ مِنَ الْغَمَامِ أَتَعْلَمُنِي رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. وَإِنَّ الْقَوْمَ لَيَعْرِفُونَ مَا أَعْرِفُ، وَإِنَّ صِفَتَكَ وَنَعْتَكَ لَمُبَيَّنٌ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَكِنَّهُمْ حَسَدُوكُ قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْتَ ؟ قَالَ: أَكْرَهُ خِلَافَ قَوْمِي، وَعَسَى أَنْ يَتَّبِعُوكَ وَيُسْلِمُوا فَأُسْلِمُ([224]) . وإن كان في سندها مقال لكن  أصل هذه القصة ثابت وهو ما أخرجه مالك في الموطأ وأخرجه أبو داود من طريقه عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا تَجِدُونَ فِى التَّوْرَاةِ فِى شَأْنِ الزِّنَا ». فَقَالُوا نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ. فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَجَعَلَ أَحَدُهُمْ[225] يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ ثُمَّ جَعَلَ يَقْرَأُ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ ارْفَعْ يَدَكَ. فَرَفَعَهَا فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ. فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرُجِمَا[226].

وروى أبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَتَى نَفَرٌ مِنْ يَهُودَ فَدَعَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْقُفِّ فَأَتَاهُمْ فِى بَيْتِ الْمِدْرَاسِ فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ رَجُلاً مِنَّا زَنَى بِامْرَأَةٍ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ فَوَضَعُوا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وِسَادَةً فَجَلَسَ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ « ائْتُونِى بِالتَّوْرَاةِ ». فَأُتِىَ بِهَا فَنَزَعَ الْوِسَادَةَ مِنْ تَحْتِهِ فَوَضَعَ التَّوْرَاةَ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ « آمَنْتُ بِكِ وَبِمَنْ أَنْزَلَكِ ». ثُمَّ قَالَ « ائْتُونِى بِأَعْلَمِكُمْ ». فَأُتِىَ بِفَتًى شَابٍّ ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ الرَّجْمِ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ[227]

 

وأخبر سلمان الفارسي رضي الله عنه في قصة إسلامه المشهورة عن راهب عمورية حين حضرته المنية وقد قال لسلمان: «  قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب، مهاجره إلى أرض بين حَرَّتين بينهما نخل، به علامات لا تخفى, يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل» والقصة ذكرها بطولها ابن إسحق بسنده عن عبدالله بن عباس قال : حدثني سلمان الفارسي و أنا أسمع مِن فيه...فذكرها ([228])..

وفي الإنجيل البشارة بـ (البارقليط)، والمراد محمد صلى الله عليه وسلم[229] .

وروى عمر بن شبة وغيره  عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «إِنَّ مُحَمَّدًا لَمَكْتُوبٌ فِي الْإِنْجِيلِ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا، وَلَكِنْ يَعْفُو أَوْ يَغْفِرُ»[230]

 

وقد كان هرقل ملك الروم على علم بالإنجيل والتوراة لذا كان يعلم بخروجه صلى الله عليه وسلم ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِى رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ - وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّأْمِ - فِى الْمُدَّةِ الَّتِى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِى مَجْلِسِهِ ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِى يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِىٌّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا . فَقَالَ أَدْنُوهُ مِنِّى ، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ . ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُمْ إِنِّى سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ ، فَإِنْ كَذَبَنِى فَكَذِّبُوهُ . فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَىَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِى عَنْهُ أَنْ قَالَ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ . قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ قُلْتُ لاَ . قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ لاَ . قَالَ فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ . قَالَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ قُلْتُ بَلْ يَزِيدُونَ . قَالَ فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ قُلْتُ لاَ . قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ قُلْتُ لاَ . قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ قُلْتُ لاَ ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِى مُدَّةٍ لاَ نَدْرِى مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا . قَالَ وَلَمْ تُمْكِنِّى كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ . قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ قُلْتُ نَعَمْ . قَالَ فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ قُلْتُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ . قَالَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ قُلْتُ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ . فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ قُلْ لَهُ سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِى نَسَبِ قَوْمِهَا ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِى بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ ، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ ، وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ ، وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ ، وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ . فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَىَّ هَاتَيْنِ ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ ، فَلَوْ أَنِّى أَعْلَمُ أَنِّى أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ . ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِى بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى ، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ . سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّى أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ وَ ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا ، فَقُلْتُ لأَصْحَابِى حِينَ أُخْرِجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِى كَبْشَةَ ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِى الأَصْفَرِ . فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَىَّ الإِسْلاَمَ . وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ سُقُفًّا عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ ، يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ . قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِى النُّجُومِ ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ إِنِّى رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِى النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ قَالُوا لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلاَّ الْيَهُودُ فَلاَ يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ ، فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ . فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِىَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ ، يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لاَ . فَنَظَرُوا إِلَيْهِ ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْعَرَبِ فَقَالَ هُمْ يَخْتَتِنُونَ . فَقَالَ هِرَقْلُ هَذَا مَلِكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ . ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ ، وَكَانَ نَظِيرَهُ فِى الْعِلْمِ ، وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْىَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَّهُ نَبِىٌّ ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِى دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الرُّومِ ، هَلْ لَكُمْ فِى الْفَلاَحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِىَّ ، فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ ، وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ قَالَ رُدُّوهُمْ عَلَىَّ . وَقَالَ : إِنِّى قُلْتُ مَقَالَتِى آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ ، فَقَدْ رَأَيْتُ . فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ . "[231]

 

وروى ا بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ-مولى زيد بن ثابت- عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَاحِبِ مُوسَى وَأَخِيهِ وَالْمُصَدِّقِ بِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى أَلَا إِنَّ اللَّهَ قَالَ لَكُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، وَأَهْلَ التَّوْرَاةِ إِنَّكُمْ تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ إِنَّ مُحَمَّدًا:{ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [ اَلْفَتْحِ: 29 ]. وَإِنِّي أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، وَبِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ، وَأَنْشُدُكُمْ بِالَّذِي أَطْعَمَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ أَسْلَافِكُمْ وَأَسْبَاطِكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَأَنْشُدُكُمْ بِالَّذِي أَيْبَسَ الْبَحْرَ لِآبَائِكُمْ حَتَّى أَنْجَاكُمْ مَنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ، إِلَّا أَخْبَرْتُمُونَا: هَلْ تَجِدُونَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ ؟ فَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ فَلَا كُرْهَ عَلَيْكُمْ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ، وَأَدْعُوكُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [232].

* مما ورد ضعيفًا في هذا الباب:

ذَكَرَ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ فِي كِتَابِ الْمُبْتَدَأِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَرَوَى غَيْرُهُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّ بُخْتَنَصَّرَ بَعْدَ أَنْ خَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَاسْتَذَلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِسَبْعِ سِنِينَ رَأَى فِي الْمَنَامِ رُؤْيَا عَظِيمَةً هَالَتْهُ فَجَمَعَ الْكَهَنَةَ وَالْحُزَاةَ وَسَأَلَهُمْ عَنْ رُؤْيَاهُ تِلْكَ فَقَالُوا: لِيَقُصَّهَا الْمَلِكُ حَتَّى نُخْبِرَهُ بِتَأْوِيلِهَا فَقَالَ: إِنِّي أُنْسِيتُهَا، وَإِنْ لَمْ تُخْبِرُونِي بِهَا إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَتَلْتُكُمْ عَنْ آخِرِكُمْ فَذَهَبُوا خَائِفِينَ وَجِلِينَ مِنْ وَعِيدِهِ. فَسَمِعَ بِذَلِكَ دَانْيَالُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ فِي سِجْنِهِ فَقَالَ لِلسَّجَّانِ: اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: إِنَّ هَاهُنَا رَجُلًا عِنْدَهُ عِلْمُ رُؤْيَاكَ وَتَأْوِيلُهَا. فَذَهَبَ إِلَيْهِ فَأَعْلَمَهُ فَطَلَبَهُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ. فَقَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ مِنَ السُّجُودِ لِي ؟ فَقَالَ: إِنِ اللَّهَ آتَانِي عِلْمًا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْجُدَ لِغَيْرِهِ فَقَالَ لَهُ بُخْتُنَصَّرُ: إِنِّي أُحِبُّ الَّذِينَ يُوفُونَ لِأَرْبَابِهِمْ بِالْعُهُودِ فَأَخْبِرْنِي عَنْ رُؤْيَايَ. قَالَ لَهُ دَانْيَالُ: رَأَيْتَ صَنَمًا عَظِيمًا رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ وَرَأْسُهُ فِي السَّمَاءِ، أَعْلَاهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَوَسَطُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَأَسْفَلُهُ مِنْ نُحَاسٍ، وَسَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ، وَرِجْلَاهُ مِنْ فَخَّارٍ فَبَيْنَا أَنْتَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ قَدْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُ وَإِحْكَامُ صَنْعَتِهِ قَذَفَهُ اللَّهُ بِحَجَرٍ مِنَ السَّمَاءِ فَوَقَعَ عَلَى قِمَّةِ رَأْسِهِ حَتَّى طَحَنَهُ، وَاخْتَلَطَ ذَهَبُهُ وَفِضَّتُهُ وَنُحَاسُهُ وَحَدِيدُهُ وَفَخَّارُهُ حَتَّى تَخَيَّلَ إِلَيْكَ أَنَّهُ لَوِ اجْتَمَعَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يُمَيِّزُوا بَعْضَهُ مِنْ بَعْضٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ، وَنَظَرْتَ إِلَى الْحَجَرِ الَّذِي قُذِفَ بِهِ يَرْبُو وَيَعْظُمُ وَيَنْتَشِرُ حَتَّى مَلَأَ الْأَرْضَ كُلَّهَا فَصِرْتَ لَا تَرَى إِلَّا الْحَجَرَ وَالسَّمَاءَ. فَقَالَ لَهُ بُخْتُنَصَّرَ: صَدَقْتَ هَذِهِ الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُهَا فَمَا تَأْوِيلُهَا ؟.

فَقَالَ دَانْيَالُ: أَمَّا الصَّنَمُ; فَأُمَمٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ وَفِي وَسَطِهِ، وَفِي آخِرِهِ، وَأَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي قُذِفَ بِهِ الصَّنَمُ; فَدِينٌ يَقْذِفُ اللَّهُ بِهِ هَذِهِ الْأُمَمَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيُظْهِرُهُ عَلَيْهَا فَيَبْعَثُ اللَّهُ نَبِيًّا أُمِّيًّا مِنَ الْعَرَبِ فَيُدَوِّخُ بِهِ الْأُمَمَ وَالْأَدْيَانَ، كَمَا رَأَيْتَ الْحَجَرَ دَوَّخَ أَصْنَافَ الصَّنَمِ، وَيَظْهَرُ عَلَى الْأَدْيَانِ وَالْأُمَمِ، كَمَا رَأَيْتَ الْحَجَرَ ظَهَرَ عَلَى الْأَرْضِ كُلِّهَا فَيُمَحِّصُ اللَّهُ بِهِ الْحَقَّ، وَيُزْهِقُ بِهِ الْبَاطِلَ، وَيَهْدِي بِهِ أَهْلَ الضَّلَالَةِ، وَيُعَلِّمُ بِهِ الْأُمِّيِّينَ، وَيُقَوِّي بِهِ الضَّعَفَةَ، وَيَعِزُّ بِهِ الْأَذِلَّةَ، وَيَنْصُرُ بِهِ الْمُسْتَضْعَفِينَ. وَذَكَرَ تَمَامَ الْقِصَّةِ فِي إِطْلَاقِ بُخْتَنَصَّرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى يَدَيْ دَانْيَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ[233]،

روى الطبراني وأبو نعيم عن ابن عباس، عن أبيه، قال: قال عبد المطلب : خرجت إلى اليمن في إحدى رحلتي الإيلاف، فنزلت على رجل من اليهود، فرآني رجل من أهل الديور،(وفي رواية أبو نعيم: مِنْ أَهْلِ الزَّبُورِ، - يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ) فنسبني، فانتسبت له، فقال: أتأذن لي أن أنظر إلى بعضك؟ قلت: نعم، مالم يكن عورة، ففتح إحدى منخري فنظر، ثم نظر في الآخر، قال: أشهد أن في إحدى يديك ملكاً، وفي الأخرى نبوة، وإنا لنجد ذلك في بني زهرة! فكيف ذلك؟ قلت: لا أدري، قال: هل لك من شاعة؟ قلت: وما الشاعة؟ قال: زوجة، قلت: أما اليوم فلا، قال: فإذا رجعتَ فتزوجْ في بني زهرة، فرجعَ عبد المطلب، فتزوجَ هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة، فولدت له حمزة وصفية، وزوَّج عبد الله ابنه آمنة بنت وهب، فقالت قريش: نتج عبد المطلب على ابنه، فولدت له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان حمزة رضي الله عنه أخا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أرضعتهما ثويبة؛ مولاة أبي لهب، وكان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم [234]. وهذا الخبر لا يثبت.

باب: تسليم الحجر عليه صلى الله عليه وسلم :

ومن إرهاصات نبوته صلى الله عليه وسلم تسليم الحجر عليه قبل النبوة، فقد روى مسلم في صحيحه عن جابر بن سَمُرَة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن»([235]).

وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل من حديث السدي الكبير عن عباد بن عبد الله عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:

كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرج في بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا جبل إلا قال : السلام عليك يا رسول الله! [236].

وفي رواية للبيهقي:

لقد رأيتني أدخل معه الوادي، فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال : السلام عليكم يا رسول الله! وأنا أسمعه"[237]

* مما ورد ضعيفً في هذا الباب:

وقد ورد في عدة روايات أخر أن الشجر أيضًا كان يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لا تخلو جميعها من ضعف قد ينجبر بتعدد الطرق. وفي بعض الأخبار أن ذلك التسليم كان بعد النبوة وذلك لا يعارض ما كان قبل النبوة ، روى ابن سعد أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ بَرَّةَ بِنْتِ أَبِي تَجْرَاةَ قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ كَرَامَتَهُ وَابْتَدَأَهُ بِالنُّبُوَّةِ كَانَ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَةٍ أَبْعَدَ حَتَّى لا يَرَى بَيْتًا وَيُفْضِيَ إِلَى الشِّعَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ فَلا يَمُرُّ بِحَجَرٍ وَلا شَجَرَةٍ إِلا قَالَتْ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.فَكَانَ يَلْتَفِتُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَخَلْفَهُ فَلا يَرَى شَيْئًا. "[238].

.وروى الفاكهي والبزار: عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . . . " لَمَّا اسْتَعْلَنَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالرِّسَالَةِ جَعَلْتُ لَا أَمُرُّ بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ إِلَّا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ "([239])

 

باب: في هواتف الجن

وهو ما ألقته الجان على ألسنه الكهان أومسموعاً من الأوثان بالتبشير بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم.

روى البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ  قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِشَيْءٍ قَطُّ يَقُولُ: إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ . بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ، إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ، فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي، أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، أَوْ: لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ، عَلَيَّ الرَّجُلَ، فَدُعِيَ لَهُ،

فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي، قَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ ؟

قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي السُّوقِ، جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الفَزَعَ، فَقَالَتْ: أَلَمْ تَرَ الجِنَّ وَإِبْلاَسَهَا؟ وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا، وَلُحُوقَهَا بِالقِلاَصِ، وَأَحْلاَسِهَا.

قَالَ عُمَرُ: صَدَقَ بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ، عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ، فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ، لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَوَثَبَ القَوْمُ، قُلْتُ: لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، ثُمَّ نَادَى: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقُمْتُ، فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ: هَذَا نَبِيٌّ " [240].

وهذا الرجل هو سواد بن قارب الأزدي، ويقال: الدوسي من أهل السراة جبال (البلقاء)، له صحبة ووفادة[241] وقد جاء التصريح به في رواية أبي يعلى الموصلي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ "[242].

وروى الطبراني عن جابر بن عبد الله قال:

إن أول خبر كان بالمدينة بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأة بالمدينة كان لها تابع من الجن ، فجاء في صورة طائر أبيض ، وقع على حائط لهم، فقالت له: ألا تنزل إلينا فتحدثنا ونحدثك، وتخبرنا ونخبرك؟ فقال لها: إنه قد بعث نبي بمكة حرم الزنا، ومنع منا القرار" ([243]) .

وكان الكهان من العرب تأتيهم الشياطين من الجن بالأخبار مما تسترق من السمع، وكانت لا تحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم،  فلما تقارب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضر زمان بعثه؛ حُجبت الشياطين عن السمع، وحيل بينها وبين المقاعد التي كانت تقعد لاستراق السمع فيها، فرموا بالنجوم، فعرفت الشياطين أن ذلك لأمر حدث من أمر الله عز وجل.وفي ذلك قال تعالى{ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً  وَشُهُباً *وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً}[الجن:8-9][244]

.روى الإمام أحمد: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في نفر من أصحابه(قال عبد الرزاق: من الأنصار) فرُمي بنجم عظيم فاستنار، قال:

((ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا في الجاهلية؟)).

قال: كنا نقول: يولد عظيم، أو يموت عظيم – قال معمر: قلت للزهري: أكان يرمى بها في الجاهلية؟ قال: نعم؛ ولكن غلظت حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم – قال صلى الله عليه وسلم:

((فإنه لا يرمى بها لموت أحد، ولا لحياته، ولكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمراً سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذي يلونهم، حتى يبلغ التسبيح هذه السماء الدنيا، ثم يستخبر أهل السماء الذي يلون حملة العرش، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ﴿ماذا قال ربكم﴾؟ فيخبرونهم، ويخبر أهل كل سماء سماء؛ حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء، ويخطف الجن السمع فيرمون، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون)) [245].

وروى الإمام أحمد  عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " كَانَ الْجِنُّ يَسْمَعُونَ الْوَحْيَ فَيَسْتَمِعُونَ الْكَلِمَةَ فَيَزِيدُونَ فِيهَا عَشْرًا، فَيَكُونُ مَا سَمِعُوا حَقًّا، وَمَا زَادُوهُ بَاطِلًا، وَكَانَتِ النُّجُومُ لَا يُرْمَى بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحَدُهُمْ لَا يَأْتِي مَقْعَدَهُ إِلا رُمِيَ بِشِهَابٍ يُحْرِقُ مَا أَصَابَ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى إِبْلِيسَ، فَقَالَ: مَا هَذَا إِلا مِنْ أَمْرٍ قَدْ حَدَثَ فَبَثَّ جُنُودَهُ، فَإِذَا هُمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي بَيْنَ جَبَلَيْ نَخْلَةَ، فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: هَذَا الْحَدَثُ الَّذِي حَدَثَ فِي الْأَرْضِ "[246]

وروى ابن سعد وغيره من وجه آخر عن ابن عباس قَالَ: لَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُحِرَ الْجِنُّ وَرُمُوا بِالْكَوَاكِبِ. وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَسْتَمِعُونَ. لِكُلِّ قَبِيلٍ مِنَ الْجِنِّ مَقْعَدٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ. فَأَوَّلُ مَنْ فَزِعَ لِذَلِكَ أَهْلُ الطَّائِفِ فَجَعَلُوا يَذْبَحُونَ لآلِهَتِهِمْ مَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ أَوْ غَنْمٌ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى كَادَتْ أَمْوَالُهُمْ تَذْهَبُ. ثُمَّ تَنَاهَوْا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلا تَرَوْنَ مَعَالِمَ السَّمَاءِ كَمَا هِيَ لَمْ يَذْهَبْ مِنْهَا شَيْءٌ! وَقَالَ إِبْلِيسُ: هَذَا أَمْرٌ حَدَثَ فِي الأَرْضِ. ائْتُونِي مِنْ كُلِّ أَرْضٍ بِتُرْبَةٍ. فَكَانَ يُؤْتَى بِالتُّرْبَةِ فَيَشُمُّهَا وَيُلْقِيهَا. حَتَّى أُتِيَ بِتُرْبَةِ تِهَامَةَ فَشَمَّهَا وَقَالَ: هَاهُنَا الْحَدَثُ[247].

 

* مما ورد ضعيفًا في هذا الباب:

وقد ورد في هذا الباب من هواتف الجان روايات كثيرة لا تثبت وقد أوردها ابن كثير في تاريخه([248])  و أعرض الشيخ الألباني  عن ذكرها في  كتاب صحيح السيرة النبوية لضعفها.

وروى هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن عدي بن حاتم قال: كان لي عسيف من كلب يقال له حابس بن دغنة فبينا أنا ذات يوم إذا به مروع الفؤاد فقال: دونك إبلك.

فقلت: ما هاجك ؟ فقال بينا أنا بالوادي إذا أنا بشيخ من شعب جبل تجاهي كأن رأسه رخمة فانحدر عما تزل عنه العقاب وهو مترسل غير منزعج حتى استقرت قدماه في الحضيض وأنا أعظم ما أرى فقال.

يا حابس بن دغنة يا حابس * لا تعرضن لفعلك الوساوس هذا سنا النور بكف قابس * فاجنح إلى النور ولا تعابس قال: ثم غاب فروحت إبلي وسرحتها إلى غير ذلك الوادي، ثم اضطجعت فإذا راكب قد ركضني فاستيقظت فإذا هو صاحبي وهو يقول: يا حابس اشمع ما أقول ترشد * ليس ضلول حائز كمهتد لا تتركن نهج الطريق الأقصد * قد نسخ الدين بدين أحمد قال: فأغمي علي ثم أفقت. [249]

وروى أَبُو نُعَيْمٍ: حَدثنَا مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا أَبُو غَزِيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الْعَطَّافِ بْنِ خَالِدٍ الوصابى، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ تَمِيمًا الدَّارِيَّ يَقُولُ: كُنْتُ بِالشَّامِ حِينَ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَأَدْرَكَنِي اللَّيْلُ.

فَقُلْتُ: أَنَا فِي جِوَارِ عَظِيمِ هَذَا الْوَادِي اللَّيْلَةَ.

قَالَ: فَلَمَّا أخذت مضجعي إِذا أَنا بمنادي يُنَادِي لَا أَرَاهُ: عُذْ بِاللَّهِ، فَإِنَّ الْجِنَّ لَا تُجِيرُ أَحَدًا عَلَى اللَّهِ.

فَقُلْتُ ايْمُ الله مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: قَدْ خَرَجَ رَسُولُ الْأُمِّيِّينَ رَسُولُ اللَّهِ، وَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ بِالْحَجُونِ.

فَأَسْلَمْنَا وَاتَّبَعْنَاهُ، وَذَهَبَ كَيْدُ الْجِنِّ وَرُمِيَتْ بِالشُّهُبِ، فَانْطَلِقْ إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأَسْلِمْ.

قَالَ تَمِيمٌ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ ذَهَبْتُ إِلَى دَيْرِ أَيُّوبَ، فَسَأَلْتُ رَاهِبًا وَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ.

فَقَالَ الرَّاهِبُ: قَدْ صَدَقُوكَ، يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ، وَمُهَاجَرُهُ الْحَرَمُ، وَهُوَ خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا تُسْبَقْ إِلَيْهِ.

قَالَ تَمِيمٌ: فَتَكَلَّفْتُ الشُّخُوصَ حَتَّى جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمْتُ[250]

 

وروى ابن دريد في الأخبار المنثورة عن ابن الكلبي قال: كان خنافر بن التوأم كاهنا، فنزل واديا مخصبا وكان له رئي في الجاهلية ففقده في الإسلام قال: فبينا أنا ليلة في الوادي إذ هوى علي هوي العقاب قال خنافر: فقلت: شصار ؟ قال: اسمع أقل.

قلت: قل أسمع.

قال: عه تغنم لكل ذي أمد نهاية، وكل ذي ابتداء إلى غاية.

قلت: أجل.

قال: كل دولة إلى أجل، ثم يتاح لها حول، وقد انتسخت النحل ورجعت إلى حقائقها الملل، إني آنست بالشام نفرا من آل العوام، حكاما على الحكام، يرددون ذا رونق من الكلام، ليس بالشعر المؤلف.ولا السجع المتكلف، فأصغيت فزجرت * فعاودت فظلعت، فقلت: بم تهيمنون، وإلام تعتزون، فقالوا خطاب كبار.

جاء من عند الملك الجبار، فاسمع يا شصار، لأصدق الأخبار، وأسلك واضح الأخيار، تنج من اوار النار.

فقلت: وما هذا الكلام ؟ قالوا: فرقان بين الكفر والإيمان.

أتى به رسول من مضر، ثم من أهل المدر، ابتعث فظهر.

فجاء بقول قد بهر، وأوضح نهجا قد دثر، فيه مواعظ لمن اعتبر.

قلت: ومن هذا المبعوث بالآي الكبر.

قال: أحمد خير البشر.

فإن آمنت أعطيت الشبر، وإن خالفت أصليت سقر، فآمنت يا خنافر وأقبلت إليك أبادر فجانب كل نجس كافر، شايع كل مؤمن طاهر، وإلا فهو الفراق.

قال: فاحتملت حتى أتيت معاذ بن جبل بصنعاء فبايعته على الإسلام وفى ذلك أقول.

ألم تر أن الله عاد بفضله * وأنقذ من لفح الجحيم حنافرا دعاني شصار للتي لو دفعتها * لأصليت جمرا من لظى الهول جائرا وروى محمد بن عمر الأسلمي وأبو نعيم وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن قوما من خثعم كانوا عند صنم لهم جلوسا وكانوا يتحاكون إلى أصنامهم، فبينما هم عند صنمهم إذ سمعوا هاتفا يقول: يا أيها الناس ذوو الأجسام * ومسندوا الحكم إلى الأصنام أكلكم أوره كالنعام * ألا ترون ما أرى أمامي من ساطع يجلو دجى الظلام * ذاك نبي سيد الأنام أعدل ذي حكم من الأحكام * يصدع بالنور وبالإسلام من هاشم في ذروة السنام * مستعلن بالبلد الحرام

جاء بهدم الكفر بالإسلام * أكرمه الرحمان من إمام* قال أبو هريرة: فأمسكوا ساعة حتى حفظوا ذلك ثم تفرقوا، فلم يمض بهم ثلاث حتى فجأهم خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد ظهر بمكة. [251]

وروى ابن شاهين عن أبي خيثمة عبد الرحمن بن أبي سبرة قال: كان لسعد العشيرة صنم يقال له قراض يعظمونه وكان سادنه رجلا منهم يقال له ابن وقشة قال عبد الرحمن فحدثني ذباب بن الحارث قال: كان لابن وقشة رئي من الجن يخبر بما يكون فأتاه ذات ليلة فأخبره بشئ فنظر إلي فقال: يا ذباب اسمع العجب العجاب، بعث محمد بالكتاب يدعو بمكة فلا يجاب.

فقلت له ما هذا ؟ قال: لا أدري كذا قيل لي.

فلم يكن إلا قليل حتى سمعنا بمخرج النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت وثرت إلى الصنم فكسرته ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت وقلت في ذلك: تبعت رسول الله إذ جاء بالهدى * وخلفت قراضا بدار هوان* ولما رأيت الله أظهر دينه * أجبت رسول الله حين دعاني [252]

 

وروى أبو نعيم والخرائطي عن سفيان الهذلي قَالَ: " خَرَجْنَا فِي عِيرٍ لَنَا إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا كُنَّا بَيْنَ الزَّرْقَاءِ وَمَعَانَ قَدْ عَرَّسْنَا مِنَ اللَّيْلِ، فَإِذَا بِفَارِسٍ يَقُولُ وَهُوَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ: أَيُّهَا النِّيَامُ هُبُّوا، فَلَيْسَ هَذَا حِينُ رُقَادٍ، قَدْ خَرَجَ أَحْمَدُ، وَقَدْ طُرِدَتِ الْجِنُّ كُلَّ مَطْرَدٍ، فَفَزِعْنَا وَنَحْنُ رُفْقَةٌ حَزَاوِرَةٌ، كُلُّهُمْ قَدْ سَمِعَ بِهَذَا، فَرَجَعْنَا إِلَى أَهْلِنَا، فَإِذَا هُمْ يَذْكُرُونَ اخْتِلَافًا بِمَكَّةَ بَيْنَ قُرَيْشٍ، وَنَبِيٍّ خَرَجَ فِيهِمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اسْمُهُ أَحْمَدُ. " [253]

وروى الطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن عبد الله العماني أن مازنا الطائي كان بأرض عمان، وكان يسدن الأصنام لأهله، وكان له صنم يقال له بادر.

قال مازن: فعترت ذات يوم عتيرة، وهي الذبيحة، فسمعت صوتا من الصنم يقول: يا مازن أقبل إلي أقبل، تسمع ما لا يجهل، هذا نبي مرسل، جاء بحق منزل، فآمن به كي تعدل، عن حر نار تشعل، وقودها بالجندل.....إلخ [254]

وروى ابن سعد وأبو نعيم عن نفيل بن عمرو الهذلي قال: ذبحت ذبيحة على صنم فسمعت من جوفه: العجب كل العجب، خرج نبي من بني عبد المطلب، يحرم الزنا ويحرم الذبح للأصنام، وحرست السماء ورمينا بالشهب.

فتفرقنا فقدمنا مكة فلم نجد من يخبرنا بخروج محمد صلى الله عليه وسلم، حتى لقينا أبا بكر الصديق فقلنا يا أبا بكر خرج بمكة أحد يدعوا إلى الله تعالى يقال له أحمد ؟ قال: وما ذاك ؟ فأخبرته الخبر، قال: نعم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وهو رسول الله[255].

وروى أبو سعد النيسابوري في الشرف عن جندل بن نضلة أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان لي صاحب من الجن فأتاني فدهمني وقال: هب فقد لاح سراج الدين * بصادق مهذب أمين فارحل على ناجية أمون * تمشي على الصحصح والحزون فانتبهت مذعورا فقلت: ما ذا ؟ فقال: وساطح الأرض، وفارض الفرض لقد بعث محمد في الطول والعرض، نشأ في الحرمات العظام، وهاجر إلى طيبة الأمينة...إلخ[256]

وروى أبو سعد النيسابوري في الشرف عن الجعد بن قيس قال: خرجنا أربعة أنفس نريد الحج في الجاهلية، فمررنا بواد من أودية اليمن، فلما أقبل الليل استعدنا بعظيم الوادي وعقلنا رواحلنا فلما هدأ الليل ونام أصحابي إذا هاتف من بعض أرجاء الوادي يقول: ألا أيها الركب المعرس بلغوا إذا ما وقفتم بالحطيم وزمزما محمدا المبعوث منا تحية * تشيعه من حيث سار ويمما وقولوا له إنا لدينك شيعة * بذلك أوصانا المسيح ابن مريما[257].

وروى ابن جرير والطبراني وابن أبي الدنيا وأبو نعيم والخرائطي عن العباس بن مرداس السلمي رضي الله تعالى عنه قال: كان أول إسلامي أن أبي لما حضرته الوفاة أوصاني بصنم له يقال له ضمار فجعلته في بيت وجعلت آتيه كل يوم، فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم كنت في لقاح لي نصف النهار إذ طلعت علي نعامة بيضاء مثل القطن عليها راكب أبيض عليه ثياب بيض فقال: يا عباس بن مرداس ألم تر أن السماء كفت حراسها، وأن الحرب جرعت أنفاسها، وأن الخيل

وضعت أحلاسها، وأن الذي جاء بالبر والتقى يوم الاثنين في ليلة الثلاثاء صاحب الناقة القصواء...إلخ[258]

وروى الطبراني وأبو نعيم وغيرهما، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ خُرَيْمُ بْنُ فَاتِكٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا أُخْبِرُكَ كَيْفَ كَانَ بُدُوُّ إِسْلَامِي؟، قَالَ: بَلَى، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَطُوفُ فِي طَلَبِ نَعَمٍ لِي إِذَا أَنَا مِنْهَا عَلَى أَثَرٍ إِذْ أَجَنَّنِي اللَّيْلُ بِأَبْرَقِ الْعَزَّافِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي أَعُوذُ بِعَزِيزِ هَذَا الْوَادِي مِنْ سُفَهَاءِ قَوْمِهِ فَإِذَا هَاتِفٌ يَهْتِفُ:

وَيْحَكْ عُذْ بِاللهِ ذِي الْجَلَالِ ... وَالْمَجْدِ وَالنَّعْمَاءِ وَالْأَفْضَالِ

وَاقْتَرِ آيَاتٍ مِنَ الْأَنْفَالِ ... وَوَحِّدِ اللهَ وَلَا تُبَالِ

قَالَ: فَذُعِرْتُ ذُعْرًا شَدِيدًا، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي

قُلْتُ:

يَا أَيُّهَا الْهَاتِفُ مَا تَقُولُ ... أَرَشَدٌ عِنْدَكَ أَمْ تَضْلِيلُ

بَيِّنْ لَنَا هُدِيتَ مَا الْحَوِيلُ

قَالَ:

هَذَا رَسُولُ اللهِ ذِي الْخَيْرَاتِ ... بِيَثْرِبَ يَدْعُو إِلَى النَّجَاةِ

يَأْمُرُ بِالصَّـــوْمِ وَبِالصَّلَاةِ ... ويَنْزِعُ النَّاسَ عَنِ الْهَنَاتِ

قَالَ: فَاتَّبَعْتُ رَاحِلَتِي، فَقُلْتُ:

أَرْشِدْنِي رُشْـدًا هُدِيتَ ... لَا جُعْـتَ وَلَا عُـرَيتَ

بَرِحْتَ سَعِيدًا مَا بَقِيَتَ ... وَلَا تُؤْثِرْنَ عَلَى الْخَيْرِ الَّذِي أُتِيتَ

قَالَ: فَاتَّبَعَنِي وَهُوَ يَقُولُ:

صَاحَبَكَ اللهُ وَسَلَّمَ نَفْسَكَا ... وَبَلَغَ الْأَهْلَ وَأَدَّى رِحْلَكَا

آمِنْ بِهِ أَفْلَحَ رَبِّي حَقَّكَا ... وانْصُرْهُ أَعَزَّ رَبِّي نَصْرَكَا

قَالَ: فَدَخَلْتُ الْمَدِينَةَ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَاطَّلَعْتُ فِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: ادْخُلْ رَحِمَكَ اللهُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا إِسْلَامُكَ، قُلْتُ: لَا أُحْسِنُ الطُّهُورَ فَعَلَّمَنِي، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ كَأَنَّهُ الْبَدْرُ وَهُوَ يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ صَلَّى صَلَاةً يَحْفَظُهَا ويَعْقِلُهَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» ، فَقَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لَتَأْتِيَنَّ عَلَى هَذَا الْبَيِّنَةَ أَوْ لَأُنَكِّلَنَّ بِكَ، فَشَهِدَ لِي شَيْخُ قُرَيْشٍ، عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَأَجَازَ شَهَادَتَهُ) [259] .

وروى الأموي والفاكهي وأبو نعيم عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما قالا: لما ظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قام رجل من الجن على أبي قبيس فقال:

قبح الله رأي كعب بن فهر * ما أرق العقول والأحلام دينها أنها تعنف فيها * دين آبائها الحماة الكرام حالف الجن جن بصرى عليكم * ورجال النخيل والآطام توشك الخيل أن تروها تهادى * تقتل القوم في حرام بهام هل كريم منكم له نفس حر * ماجد الوالدين والأعمام ضارب ضربة تكون نكالا * ورواحا من كربة واغتمام فأصبح هذا الحديث قد شاع مكة، وأصبح المشركون يتنا شدونه بينهم وقالوا: توانيتم حتي حرضتكم الجن وهموا بالمؤمنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا شيطان يكلم الناس يقال له مسعر ولم يعلن شيطان بتحريض نبي إلا قتله الله تعالى: فمكثوا ثلاثة أيام فإذا هاتف على الجبل يقول: نحن قتلنا مسعرا * لما طغى واستكبرا وسفه الحق وسن المنكرا * بشتمه نبينا المطهرا قنعته سيفا جروفا أبترا * إنا نذود من أراد البطرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاكم عفريت من الجن يقال له سمحج وقد سميته عبد الله آمن بي فأخبرني أنه في طلبه منذ أيام حتى قتله [260] .

وروى ابن عساكر عن زميل ويقال زمل بن عمرو العذري، قال: كان لبني عذرة صنم يقال له خمام، وكانوا يعظمونه وكان سادنه يقال له طارق وكانوا يعترون عنده، فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم سمعنا صوتا يقول: يا طارق يا طارق، بعث النبي الصادق، بوحي ناطق، صدع صدعته بأرض تهامة، لناصرية السلامة ولخاذلية الندامة، هذا الوداع مني إلى يوم القيامة.

قال زمل: فوقع الصنم لوجهه.

قال زمل: فابتعت راحلة ورحلت عليها حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نفر من قومي فأنشدته شعرا ...

وروى أبو نعيم عن أبي هريرة قال: لما بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أصبح كل صنم منكسا فأتت الشياطين إبليس فأخبروه قال: هذا نبي قد بعث فالتمسوه.

فقالوا: لم نجده فقال: أنا صاحبه: فخرج إبليس فوجده بمكة فرجع إلى الشياطين فقال: قد وجد ومعه جبريل.

وروى أيضا عن مجاهد قال: رن إبليس أربع مرات: حين لعن وحين أهبط وحين بعث

النبي صلى الله عليه وسلم وحين أنزلت الحمد لله رب العالمين [261].والآثار في هذا كثيرة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

باب:   بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أول شيء أنزل عليه من القرآن العظيم

كان ذلك يوم الإثنين وله صلى الله عليه وسلم من العمر أربعون سنة. كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صومه ؟...قال: وسئل عن صوم الاثنين ؟ قال: ( ذاك يومٌ ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل علي فيه )"[262].

و روى الإمام أحمد : عن ابن عباس قال : ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبىء يوم الاثنين، وخرج مهاجرًا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين ، وقدم المدينة يوم الاثنين ، وتوفي يوم الاثنين، ووضع الحجر الأسود يوم الاثنين "[263].

روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه ، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ، ومات وهو ابن ثلاث وستين "[264] .

واختلف في شهر المبعث فقيل : في شهر ربيع الأول  ،وقيل في رجب، والمشهور أنه بعث عليه الصلاة والسلام في شهر رمضان؛ كما نص على ذلك عبيد بن عمير ومحمد بن إسحاق وغيرهما، واستدل ابن إسحاق على ذلك بقوله تعالى : ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس﴾ [البقرة: 185] [265].

وقال: يحيى الصرصري  في نونيته ([266])

وأتت عليه أربعون فأشرقت ... شمس النبوة منه في رمضان

 

وروى الإمام أحمد في مسنده عن واثلة بن الأسقع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

((أُنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان))([267]) .

وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله في مسند أبي يعلى وغيره.[268]

وذكر الحازمي أن قوله (لأربع وعشرين خلت من رمضان) يعني: ليلة الخامس والعشرين.

قلت: لا شك أن ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن هي أحدى الليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان كما ثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة وإن كان في تعيين أي ليلة هي من هذه العشر  إختلاف كبير بين العلماء ، كما هو مبين في كتب الفقه .

وقال بعض العلماء:  إنما كان إنزال القرآن في رمضان جملة واحدة في ليلة القدر إلى بيت العزة ثم أنزل منجمًا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة "[269].

روى ابن أبي شيبة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، قَالَ: «رُفِعَ إِلَى جِبْرِيلَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ جُمْلَةً، فَرُفِعَ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ جَعَلَ يَنْزِلُ تَنْزِيلًا»[270].

ورواه النسائي في الكبرى والطبراني وغيرهما عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بلفظ: «فُصِلَ الْقُرْآنُ مِنَ الذِّكْرِ، فَوُضِعَ فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَجَعَلَ جِبْرِيلُ يُنْزِلُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَتِّلُهُ تَرْتِيلًا» قَالَ سُفْيَانُ: «خَمْسَ آيَاتٍ، وَنَحْوهَا»[271] .

* أما عن بدء الوحي فقد روى البخارى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:

" أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ،

فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ» ، قَالَ: " فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} [العلق: 1-3] " فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي»

فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ،

فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ،

فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى،

فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ،

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ» ، قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا.

ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ " [272].

 ففي هذا  الحديث الشريف أن أول ما بدئ به محمد صلى الله عليه وسلم من الوحي  الرؤيا الصادقة  أوالصالحة ، والمراد بها هنا رؤى جميلة ينشرح لها الصدر وتزكو  بها الروح([273])

فكانت الرؤيا كالتوطئة لما يأتي بعد في اليقظة، فلو أتاه الملك فجأة ولم يسبق له أن رأى ملكًا من قبل, فقد يصيبه من شدة الفزع ما لا يستطيع  معه أن يتلقى منه شيئًا، لذلك اقتضت حكمة الله تعالى أن يأتيه الوحي أولا في المنام ليتدرب عليه ويعتاده  وقد جاء مصرحاً بهذا في ((مغازي موسى بن عقبة)) عن الزهري أنه رأى ذلك في المنام، ثم جاءه الملك في اليقظة[274].

والرؤيا الصادقة الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة كما ورد في الحديث الشريف الذي أخرجه البخاري في صحيحه: عن أبي سعيد الخدري:

أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» [275] وقد قال العلماء: وكانت مدة الرؤيا الصالحة له ستة أشهر، ذكره البيهقي، ولم ينزل عليه شيء من القرآن في النوم بل نزل كله يقظة .

والرؤيا الصالحة من البشرى في الحياة الدنيا فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر فقال:

«أيها الناس, إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له»([276]).

لقد أجمعت الروايات من حديث بدء الوحي أن أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة الصالحة، يراها في النوم فتجيء في اليقظة كاملة، واضحة كما رآها في النوم، لا يغيب عليه منها شيء كأنما نقشت في قلبه وعقله، وقد شبهت السيدة عائشة رضي الله عنها- وهي من أفصح العرب- ظهور رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم, إذا استيقظ بها من كمال وضوحها بظهور ضوء الصبح ينفلق عنه غبش الظلام، وهو تصوير بياني لا تنفلق دنيا العرب في ذرى فصاحتهم عن أبلغ منه([277]).

 

وإنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الخلاء والانفراد عن قومه؛ لما يراهم عليه من الضلال المبين من عبادة الأوثان والسجود للأصنام، وقويت محبته للخلوة عند مقاربة إيحاء الله إليه، صلوات الله وسلامه عليه.

وقوله في الحديث: ((والتحنث: التعبد)) تفسير بالمعنى، لأن معنى ثحنث، أي: خرج من الحنث،  مثل تحرج وتأثم. أي خرج من الحرج و الإثم

قال ابن هشام: والعرب تقول: التحنث والتحنف. يريدون الحنيفية، فيبدلون الفاء من الثاء، كما قالوا: جدث وجدف، يريدون :القبر،كما قال رؤبة بن العجاج :

لو كان أحجاري مع الأجداف.

يريد: الأجداث.وهذا البيت في أرجوزة له.

ثم قال: وحدثني أبو عبيدة: أن العرب تقول: (فُمّ) في موضع (ثُمّ)[278].

قلت: ومن ذلك قول بعض المفسرين : ﴿وفومها﴾ أن المراد: ثومها.

 

وقوله: ((حتى فجأه الحق وهو بغار حراء))؛ أي: جاء بغتة على غير موعد؛ كما قال تعالى : ﴿وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك﴾الآية[النمل:86].

 

ومن هذا الحديث يتبين أن  قول الله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 1-5] هو أول ما نزل من القرآن

ولذا فجماهير العلماء على أن سورة العلق أول سور القرآن نزولاً.وما ورد عن جابر بن عبد الله أن أول ما نزل(يا أيها المدثر) فالمقصود بذلك أن المدثر أول ما نزل بعد انقطاع الوحي فترة يسيرة من الزمن كما سيأتي.

وأما قول الرسول لجبريل((ما أنا بقارئ))؛ فالصحيح أنها نفي؛ أي : لستُ ممن يحسن القراءة، ووممن رجحه النووي، وقبله الشيخ أبو شامة. ومن قال: إنها استفهامية. فقوله بعيد؛ لأن الباء لا تزاد في الإثبات[279].

قال ابن كثير :وقوله: ((حتى بلغ مني الجهد)): يُروى بضم الجيم وفتحها وبالنصب وبالرفع، وفعل به ثلاثاً، قال الخطابي:

((وإنما فعل ذلك به ليبلوا صبره، ويحسن تأديبه، فيرتاض لاحتمال ما كلفه به من أعباء النبوة، ولذلك كان يعتريه مثل حال المحموم، وتأخذه (الرحضاء)؛ أي: البهر والعرق)).

وقال غيره: إنما فعل ذلك لأمور: منها أن يستيقظ لعظمة ما يلقى إليه بعد هذا الصنيع المشق على النفوس؛ كما قال تعالى : ﴿إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً﴾ [المزمل: 5]، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام إذا جاءه الوحي يحمر وجهه ، ويغط كما يغط البكر من الإبل ، ويتفصد جبينه عرقاً في اليوم الشديد البرد.

وقوله: ((فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة يردف فؤاده))، وفي رواية: ((بوادره)): جمع بادرة؛ قال أبو عبيدة: وهي لحمة بن المنكب والعنق. وقال غيره: هي عروق تضطرب عند الفزع .

وقوله: ((لقد خشيت على نفسي))، وذلك لأنه شاهد أمراً لم يعهده قبل ذلك، ولا كان في خلده، ولهذا قالت خديجة: كلا؛ أبشر والله؛ لا يخزيك الله أبداً. قيل: من الخزي، وقيل: من الحزن، وهذا لعلمها بما أجرى الله به جميل العوائد في خلقه؛ أن من كان متصفاً بصفات الخير لا يخزى في الدنيا ولا في الآخرة.

ثم ذكرت له من صفاته الجليلة ما كان من سجاياه الحسنة. فقالت: ((إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث)). وقد كان مشهوراً بذلك صلوات الله وسلامه عليه عند الموافق والمفارق

((وتحمل الكل))؛ أي: عن غيرك، تعطي صاحب العيلة ما يريحه من ثقل مؤونة عياله.

((وتكسب المعدوم)) ؛ أي: تسبق إلى فعل الخير، فتبادر إلى إعطاء الفقير، فتكسب حسنته قبل غيرك، ويسمى الفقير معدوماً ؛ لأن حياته ناقصة، فوجوده وعدمه سواء؛ كما قال بعضهم:

ليس من مات فاستراح بميت      إن الميت ميت الأحياء

واختار شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي أن المراد بـ(المعدوم) ههنا: المال المعطى؛ أي: يعطي المال لمن هو عادمه.

ومن قال: إن المراد أنك تكسب باتجارك المال المعدوم، أو النفيس القليل النظير؛ فقد أبعد النجعة، وأغرق في النزع، وتكلف ما ليس له علم، فإن مثل هذا لا يمدح به غالباً، وقد ضعف هذا القول عياض والنووي وغيرهما. والله أعلم.

((وتقري الضيف))؛ أي: تكرمه في تقديم قراه، وإحسان مأواه.

((وتعين على نوائب الحق))، ويروى ((الخير))؛ أي: إذا وقعت نائبة لأحد في خير أعنت فيها، وقمت مع صاحبها حتى يجد سداداً من عيش، أو قواماً من عيش.

وقول ورقة: ((يا ليتني فيها جذَعاً))؛ أي: يا ليتني أكون اليوم شاباً متمكناً من الإيمان والعلم النافع والعمل الصالح.

((يا ليتني أكون حياً حين يخرجك قومك))؛ يعني: حتى أخرج معك وأنصرك.

((نصراً مؤزراً)؛ أي: أنصرك نصراً عزيزاً أبداً.

وقوله: ((ثم لم ينشب ورقة أن توفي))؛ أي: توفي بعد هذه القصة بقليل، رحمه الله ورضي عنه، فإن مثل هذا الذي صدر عنه تصديق بما وُجد ، وإيمان بما حصل من الوحي، ونية صالحة للمستقبل. أهـ[280].

وروى ابن سعد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: يَا خَدِيجَةُ إِنِّي أَسْمَعُ صَوْتًا وَأَرَى ضوءًا، وإني أخشى أن يكون في جَنَنٌ. فَقَالَتْ: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَفْعَلَ بِكَ ذَلِكَ يَا ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ. ثُمَّ أَتَتْ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: إِنْ يَكُ صَادِقًا فَهَذَا نَامُوسٌ مِثْلُ نَامُوسِ مُوسَى. فَإِنْ يُبْعَثْ وَأَنَا حَيٌّ فَسَأُعَزِّرَهُ وَأَنْصُرَهُ وأؤمن به " [281]  .

 

ومما لم يثبت في هذا الباب

ما ذكره ابن هشام في السيرة .قال ابن إسحاق : وحدثني إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير : أنه حدث عن خديجة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي ابن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك ؟ قال : (( نعم)) قالت : فإذا جاءك فأخبرني به.

فجاءه جبريل عليه السلام كما كان يصنع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة : (( يا خديجة ، هذا جبريل قد جاءني)) .قالت : قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى، قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عليها قالت : هل تراه ؟ قال : (( نعم ))قالت : فتحول فاجلس على فخذي اليمنى قال : فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس على فخذها اليمنى فقالت : هل تراه ؟ قال : (( نعم)) . قالت : فتحول فاجلس في حجري قالت : فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس في حجرها قالت : هل تراه ؟ قال : ((نعم)) قال : فتحسرت وألقت خمارها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها ثم قالت له : هل تراه ؟ قال : (( لا )) قالت : يا ابن عم اثبت ، وأبشر فوالله إنه لملك وما هذا بشيطان.

قال ابن إسحاق : وقد حدثت عبدالله بن حسن هذا الحديث فقال : قد سمعت أمي فاطمة بنت حسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة إلا أني سمعتها تقول : أدخلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وبين درعها، فذهب عند ذلك جبريل فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم:  إن هذا لملك وما هو بشيطان" [282] .

و كذلك لا يصح ما رواه ابن إسحاق قال :حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ: قَالَ عُبَيْدٌ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ، وَأَنَا نَائِمٌ، بِنَمَطٍ مِنْ دِيبَاجٍ فِيهِ كِتَابٌ  ، فَقَالَ اقْرَأْ، قَالَ: قُلْتُ: مَا أَقْرَأُ ؟ قَالَ: فَغَتَّنِي  بِهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ الْمَوْتُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: قُلْتُ: مَا أَقْرَأُ؟.[283]. فهو خبر مرسل يفيد أن الوحي بأول سورة العلق كان مناما وهو يخالف ما في الصحيح بأنه كان يقظة وقد أجمعت الأمة على أن القرآن كله نزل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اليقظة ، ولكن يمكن الجمع بأن  يقال أن ما في هذه الرواية  حدث منامًا للتمهيد والتوطئة ثم بعد هذه النوطئة حدث يقظةً.

 

باب: فترة الوحي

كان من رحمة الله تعالى برسوله أن يفتر عنه الوحي مدة بعدما عاناه من ثقل الوحي وشدته حتى يذهب عنه ما ألمَّ به من الخوف ويشتاق  لعودة الوحي ، وليوطن نفسه على تحمل مشقة ذلك {  إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}[المزمل:5]

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وفتور الوحي عبارة عن تأخيره مدة من الزمان، وكان ذلك ليذهب ما كان صلى الله عليه وسلم وجده من الروع ، وليحصل له التشوق إلى العود فَقَدْ رَوَى الْمُؤَلِّفُ-أي البخاري- فِي التَّعْبِيرِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ .أهـ([284]).

وهذه المدّة التي َفَتَرَ فيها الوحي لم يتفق عليها المؤرخون ، وأرجح أقوالهم فيها أربعون يوماً، أما قولهم أنها دامت ثلاث سنين أو سنتين ونصف فليس بصحيح.

ومما يدل على مدة فتور الوحي ما تقدم في حديث عائشة- السابق- قولها:"وفتر الوحي فترة"

وما رواه البخاري وغيره عن جابر بن عبد الله  أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي:

:(  فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ، فَإِذَا المَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجَئِثْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ ، فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني فزملوني .فأنزل الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾[المدثر: 1-5]    . (قال أبو سلمة :والرجز :الأوثان )- ثم حمي الوحي وتتابع.[285]

 

وقد روى البخاري  عن يحيى قال:سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ: أَيُّ القُرْآنِ أُنْزِلَ أَوَّلُ؟  فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] ، فَقُلْتُ: أُنْبِئْتُ أَنَّهُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] ، فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ : سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَيُّ القُرْآنِ أُنْزِلَ أَوَّلُ؟ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] فَقُلْتُ: أُنْبِئْتُ أَنَّهُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] ، فَقَالَ: لاَ أُخْبِرُكَ إِلَّا بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جَاوَرْتُ فِي حِرَاءٍ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ، فَاسْتَبْطَنْتُ الوَادِيَ فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي، وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 2] " [286]

فهذا الذي ذكره جابر كان أول ما نزل من القرآن بعد فترة الوحي وليس  أول ما نزل مطلقاً، فإن قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ هو أول ما نزل مطلقاً.ويؤكد ذلك ما جاء في الرواية الأخرى: ((فإذا الملك الذي جاءني بـ(حراء) جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجثيت منه))[287].

وهذا صريح في تقدم إتيان الملك إليه قبل هذه المرة، وإنزاله الوحي من الله عليه؛ كما ذكرناه.

ثم إن ّقوله: ((يحدث عن فترة الوحي)) دليل على تقدم نزول الوحي قبل هذه الفترة . والله أعلم.

ثم بعد هذه الفترة حمي الوحي وتتابع.

وقد ذكر ابن إسحاق وغيره أن أول ما نزل بعد فترة الوحي سورة الضحى [288].

وهذا القول يرده ما تقدم من رواية صاحبي ((الصحيح))؛ من أن أول القرآن نزولاً بعد فترة الوحي:﴿يا أيها المدثر. قم فأنذر﴾.

ولكن نزلت سورة (والضحى) بعد فترة أخرى كانت ليالي يسيرة؛ كما ثبت في ((الصحيحين)) وغيرهما فقد روى البخاري: عن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: « اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ - أَوْ ثَلاَثًا -» ، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ، لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ - أَوْ ثَلاَثَةٍ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1-3]" [289]

وهذه المرأة هي حمالة الحطب امرأة أبي لهب واسمها أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان رضي الله عنه [290].

وفي رواية لمسلم عنه قال : أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المشركون : قد ودع محمد فأنزل الله عز وجل:  ﴿وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾[291].

 

*ما ورد ضعيفًا في هذا الباب

ما رواه ابن جرير عن عبد الله بن شداد: أن خديجة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أرى ربك إلا قد قلاك فأنزل الله { وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) }[سورة الضحى][292]

وروى أيضا عن هشام بن عروة عن أبيه قال : أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فجزع جزعا شديدا فقالت خديجة إني أرى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك قال فنزلت { وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى.. } إلى آخرها[293]

وكلاهما حديث مرسل فإن عبد الله بن شداد وعروة بن الزبير تابعيان. ولعل ذكر خديجة ليس محفوظًا أو قالته على وجه التأسف والحزن  كما قال ابن كثير في التفسير[294]. قلت: ويرده أيضًا أن هذا من قول بعض المشركين كما تقدم في حديث جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي رضي الله عنه .

وكذلك ما ورد من محاولة النبي صلى الله عليه وسلم التردي من شواهق الجبال حزنًا لما طالت عليه فترة الوحي فهو لا يثبت بسند متصل إنما ذلك من بلاغات الزهري  وإن كان قد ذكرها البخاري  في كتاب التعبير-كما تقدم - من طريق معمر : قال الزهري : فأخبرني عروة عن عائشة [295]. . . فساق الحديث إلى قوله : ( وفتر الوحي ) وزاد الزهري : ( حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقى منه نفسه تبدى له جبريل فقال : يا محمد إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك )  فقصة التردي هذه غير متصلة، لكنها مرسلة معضلة فإن القائل : ( فيما بلغنا ) إنما هو الزهري كما هو ظاهر من السياق وبذلك جزم الحافظ ابن حجر في ( الفتح ) وقال : ( وهو من بلاغات الزهري وليس موصولا) ([296])

قلت: وقد أخرجها الطبري في تاريخه- من كلام الزهري- فقال: حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري قال: فَتَر الوحي عن رسول الله فترة فحزن حزنًا شديدًا جعل يغدو إلى رؤوس شواهق الجبال ليتردى منها،فكلما أوفى بذروة جبل تبدى له جبرئيل فيقول:  إنك نبي الله ، فيسكن لذلك جأشه، وترجع إليه نفسه([297]) .

 

باب: في كيفية إتيان الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

يأتي الوحي على صور مختلفة منها[298]  :

1- الرؤيا الصادقة: وكانت مبدأ وحيه صلى الله عليه وسلم, وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح،كما تقدم من حديث أم المؤمنين عائشة ،ورؤيا الأنبياء حق ووحي وإلا لما جاز لإبراهيم الخليل عليه السلام الإقدام على ذبح ولده بناء عليها فقد قال تعالى في حق إبراهيم عليه السلام: { يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ }[الصافات:102].

قال الحميدي: قال سفيان ولأن عمروا حدثنا أنه سمع عبيد بن عمير يقول : رؤيا الأنبياء وحي وقرأ:{ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ }[299]

وروى الحاكم: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : "رؤيا الأنبياء وحي "[300]

2- الإلهام: وهو أن ينفث الملك في روعه – أي ينفخ في قلبه من غير أن يراه- كما في الحديث الذي أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فأجملوا في الطلب ، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته "  [301]

3- أن يأتيه مثل صلصلة الجرس، أي مثل صوته في القوة، وهو أشده، كما في الحديث الصحيح: روى البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أَنَّ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ »

قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ فِي اليَوْمِ الشَّدِيدِ البَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا »[302].

4- أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل له الملك رجلاً، فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول له ، كما يدل عليه حديث عائشة السابق، وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانًا كما في قصة مجيئه في صورة دحية وفي صورة أعرابي يسأل عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وغير ذلك وكلها في الصحيح [303]

5- ما أوحاه الله تعالى إليه، بلا وساطة ملك, كما كلم الله موسى بن عمران عليه السلام، وهذه المرتبة ثابتة لموسى قطعًا بنص القرآن وثبوتها لنبينا صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء وسيأتي.

6- أنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها، فيوحي إليه ما شاء الله تعالى أن يوحيه.وقد رأى رسول الله جبريل على صورته مرتين.وقد قال تعالى : {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}[النجم: 13]

روى مسلم: عن مسروق قال :كنت متكئًا عند عائشة فقالت: يا أبا عائشة، ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية. قلت: ما هن ؟ قالت :من زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية قال: وكنت متكئا فجلست فقلت : يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجليني، ألم يقل الله عز وجل { ولقد رآه بالأفق المبين } [  التكوير : 23 ] { ولقد رآه نزلة أخرى } [  النجم :13 ] فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال :إنما هو جبريل ، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطًا من السماء سادًّا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض فقالت: أو لم تسمع أن الله يقول: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم } [ الشورى :51 ] قالت: ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية والله يقول: { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } [المائدة :67 ] قالت : ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غدٍ فقد أعظم على الله الفرية والله يقول: { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله } [  النمل : 65][304]

وروى الإمام أحمد : عن ابن مسعود : في هذه الآية { ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى } قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رأيت جبريل صلى الله عليه وسلم وله ستمائة جناح ينتثر من ريشه التهاويل الدر والياقوت "[305] .

وروى مسلم: عن أبي هريرة: { ولقد رآه نزلة أخرى } قال: رأى جبريل "[306]

وقد زاد بعضهم مرتبة أخرى من مراتب الوحي: وهي تكليم الله عز وجل له كفاحًا من غير حجاب وهذا على مذهب من يقول : إنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه تبارك وتعالى وهي مسألة خلاف بين السلف والخلف وإن كان جمهور الصحابة مع عائشة في أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربه،وإنما رأى جبريل عليه السلام، وحكاه عثمان بن سعيد الدارمي إجماعًا للصحابة[307]

 

وكان وقْع نزول الوحي شديدًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو واضح من النص, بالرغم من أنه كان أشجع الناس وأقواهم قلبًا، كما دلت على ذلك الأحداث خلال ثلاث وعشرين سنة، وذلك لأن الأمر ليس مخاطبة بشر لبشر، ولكنه كان مخاطبة عظيم الملائكة وهو يحمل كلام الله تعالى, ليستقبله من اصطفاه الله جل وعلا لحمل هذا الكلام وإبلاغه لعامة البشر. لذا هيئه الله تعالى لتحمل هذا العبء الثقيل.قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } [المزمل:1-5]

ولقد كان موقفًا رهيبًا ومسئولية عظمى, لا يقوى عليها إلا من اختاره الله تبارك وتعالى لحمل هذه الرسالة وتبليغها([308]).

ومما يصور رهبة هذا الموقف ما جاء في الحديث المتقدم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد خشيت على نفسي» وقول عائشة رضي الله عنها في هذا الحديث: (فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها قال: «زملوني زملوني» فزملوه حتى ذهب عنه الروع.

ومما يبين شدة نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما  تقدم من حديث عائشة رضي الله عنها: قالت: (ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقًا) وأيضًا ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي كُرِبَ لذلك وترَبَّد وجهه)([309]).

وفي حديث الإفك  وهو في الصحيحين وغيرهما: عن عائشة رضي الله عنها : أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ((...فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ، وَهُوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ، مِنْ ثِقَلِ القَوْلِ الَّذِي يُنْزَلُ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: «يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ بَرَّأَكِ»[310]

وروى البخاري: عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال:

رَأَيْتُ مَرْوَانَ بْنَ الحَكَمِ جَالِسًا فِي المَسْجِدِ، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ:" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْلَى عَلَيْهِ:{لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ}  [النساء: 95] {وَالمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95] "، قَالَ: فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُمِلُّهَا عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَسْتَطِيعُ الجِهَادَ لَجَاهَدْتُ - وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنَّ تَرُضَّ فَخِذِي، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}[النساء: 95] [311]

 

وروى البخاري: أَنَّ يَعْلَى قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَرِنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يُوحَى إِلَيْهِ، قَالَ: " فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ، فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً، فَجَاءَهُ الوَحْيُ، فَأَشَارَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى يَعْلَى، فَجَاءَ يَعْلَى وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْمَرُّ الوَجْهِ، وَهُوَ يَغِطُّ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ: «أَيْنَ الَّذِي سَأَلَ عَنِ العُمْرَةِ؟» فَأُتِيَ بِرَجُلٍ، فَقَالَ: «اغْسِلِ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَانْزِعْ عَنْكَ الجُبَّةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ» قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَرَادَ الإِنْقَاءَ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ»[312]

وروى أبو يعلى الموصلي عن الفلتان بن عاصم قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه، وكان إذا أُنزل عليه دام بصره وعيناه مفتوحة ، وفرغ سمعه وقلبه لما يأتيه من الله عز وجل، فكنا نعرف ذلك منه ."[313].

وروى أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو يقول :

أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة (المائدة) وهو راكب على راحلته، فلم تستطع أن تحمله، فنزل عنها [314].

ومع الشدة والمشقة التي تنتاب الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء نزول الوحي عليه، إلا أنه لا يغيب عن إحساسه بالكلية ،كما هو واضح من الحديث السابق إذ نزل عن الدابة لما وجدها لم تتحمل ثقل الوحي ، ويتضح ذلك أيضًا ممارواه صاحبا الصحيحين وغيرهما ، ففي البخاري: عن عائشة رضي الله عنها قالت: خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَمَا ضُرِبَ الحِجَابُ لِحَاجَتِهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً لاَ تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا، فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فَقَالَ: يَا سَوْدَةُ، أَمَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ، قَالَتْ: فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ، فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَقَالَ لِي عُمَرُ كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ، وَإِنَّ العَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ، فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ»[315].

فدل هذا على أنه لم يكن الوحي يغيب عنه إحساسه بالكلية ؛ بدليل أنه جالس، ولم يسقط العرق من يده؛ صلوات الله وسلامه دائماً عليه.

مما ورد ضعيف في هذا الباب:

أما مارواه أبو نعيم من حديث قتيبة حدثنا علي بن غراب عن الأحوص بن حكيم عن أبي عوانة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا نزل عليه الوحي صدع وغلف رأسه بالحناء ".فلا يثبت ، وقال ابن كثير:  هذا حديث غريب جدًا[316].

وكذا ما رواه ابن سعد من طريق أبي سلمة الماجشون أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :كان الوحي يأتيني على نحوين يأتيني به جبريل فيلقيه علي كما يلقى الرجل على الرجل فذاك ينفلت مني ، ويأتيني في بيتي مثل صوت الجرس حتى يخالط قلبي فذاك الذي لا ينفلت مني " وهو مرسل لا حجة فيه ،  وينافي قول الله تعالى:{ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}[القيامة:16-18]

قال ابن حجر في الفتح: وهذا مرسل مع ثقة رجاله فإن صح فهو محمول على ما كان قبل نزول قوله تعالى:{ لا تحرك به لسانك }[317]

قلت: ويرده ما ثبت في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم (..فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول)) وقد تقدم ذكره في هذا الباب.

 

باب: قول الله تعالى : ﴿لا تحرك به لسانه لتعجل به).

 

قال تعالى ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 16-19].

وقال تعالى : ﴿  وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]

وكان هذا في الابتداء؛ كان عليه الصلاة والسلام من شدة حرصه على أخذه من الملك ما يوحى إليه عن الله عز وجل يسابقه في التلاوة، فأمره الله تعالى أن ينصت لذلك حتى يفرغ من الوحي، وتكلف له أن يجمعه في صدره، وأن ييسر عليه تلاوته وتبليغه وأن يبينه له ويفسره ويوضحه، ويوقفه على المراد منه. ولهذا قال: ﴿ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علماً﴾.

روى البخاري: عن ابن عباس في قوله تعالى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16] قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ - فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا، وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 17] قَالَ: جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ  [318] ".

 

باب : حفظ الوحي من الشياطين

مَنَع الله تعالى الجان ومرَدَة الشياطين من استراق السمع حين أنزل القرآن لئلا يختطف أحدهم منه ولو حرفاً واحداً فيلقيه على لسان وليِّه فيلتبس الأمر ويختلط الحق بالباطل،فكان من رحمة الله وفضله ولطفه بخلقه أن حجبهم عن السماء؛ كما قال الله تعالى إخباراً عنهم في قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا. وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن: 8- 10].

وقال تعالى :﴿وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون ﴾ [الشعراء: 210 – 212].

وروى أحمد وغيره عن ابن عباس  قَالَ: " كَانَ الْجِنُّ يَسْمَعُونَ الْوَحْيَ فَيَسْتَمِعُونَ الْكَلِمَةَ فَيَزِيدُونَ فِيهَا عَشْرًا، فَيَكُونُ مَا سَمِعُوا حَقًّا، وَمَا زَادُوهُ بَاطِلًا، وَكَانَتِ النُّجُومُ لَا يُرْمَى بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحَدُهُمْ لَا يَأْتِي مَقْعَدَهُ إِلا رُمِيَ بِشِهَابٍ يُحْرِقُ مَا أَصَابَ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى إِبْلِيسَ، فَقَالَ: مَا هَذَا إِلا مِنْ أَمْرٍ قَدْ حَدَثَ فَبَثَّ جُنُودَهُ، فَإِذَا هُمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي بَيْنَ جَبَلَيْ نَخْلَةَ، فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: هَذَا الْحَدَثُ الَّذِي حَدَثَ فِي الْأَرْضِ "[319].

وروى البخاري :عن أبي هريرة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:

((إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ المَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كأنه سلسلة على صفوان [ينفذهم ذلك]، فـ﴿إذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا﴾ للذي قال: ﴿الحق وهو العلي الكبير﴾ [سبأ: 23]. فيسمعها مسترقـوا السمع، ومسترقـوا السمع هكذا :واحد فوق الآخر - ووصف سفيان  بيده ، وفرج بين أصابع يده اليمنى ، نصبها بعضها فوق بعض - يسمع الكلمة، فيلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب المستمعَ قبل أن يلقيها إلى صاحبه فيحرقه، وربما لم يدركه حتى يرمي بها الذي يليه إلى الذي هو أسفل منه حتى يلقوها إلى الأرض فتلقى على فم الساحر فيكذب معها مائة كذبة، فيُصدَّق ،فيقولون: ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا؟ لِلْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ ))[320] .

وروى البخاري بسنده عن يحيى بن عروة أنه سمع عروة يقول: قالت عائشة :

سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسُوا بِشَيْءٍ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تِلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ، يَخْطَفُهَا الجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ ))[321].

 

 

 

.

.

.

.

.

.

.

.

.

 

كتاب : الدعوة السِّـرية

 

باب: قوله تعالى: ( يـا أيها المدثر قم فأنذر)

عرف النبي صلى الله عليه وسلم معرفة اليقين أنه أصبح نبيا لله الرحيم الكريم، وجاء جبريل عليه السلام للمرة الثانية، وأنزل الله على نبيه قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) [المدثر: 1-4].

كانت هذه الآيات المتتابعة إيذانًا للرسول صلى الله عليه وسلم بأن الماضي قد انتهى بمنامه وهدوئه، وأنه أمامه عمل عظيم, يستدعي اليقظة والتشمير، والإنذار والإعذار، فليحمل الرسالة، وليوجه الناس، وليأنس بالوحي، وليقوَ على عنائه فإنه مصدر رسالته ومدد دعوته([322]).

وتعد هذه الآيات أول أمر بتبليغ الدعوة، والقيام بالتبعة، وقد أشارت هذه الآيات إلى أمور هي خلاصة الدعوة المحمدية، والحقائق الإسلامية التي بني عليها الإسلام كله، وهي الوحدانية, والإيمان باليوم الآخر، وتطهير النفوس، ودفع الفساد عن الجماعة، وجلب النفع.

بعد نزول آيات المدثر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله وإلى الإسلام سرًّا، وكان طبيعيًا أن يبدأ بأهل بيته، وأصدقائه، وأقرب الناس إليه.فبدأ بمن معه في البيت بزوجته خديجة وبناته زينب، وأم كلثوم، وفاطمة ورقية، ومولاه زيد بن حارثة وابن عمه علي بن أبي طالب وأخص أصحابه أبي بكر الصديق.فاستجابوا وآمنوا جميعًا رضي الله عنهم.

وبذلك أصبح بيت النبي صلى الله عليه وسلم أول أسرة مؤمنة بالله تعالى منقادة لشرعه في الإسلام، ولهذا البيت النبوي مكانة عظمى في تاريخ الدعوة الإسلامية, لما حباه الله به من مزايا وخصه بشرف الأسبقية في الإيمان وتلاوة القرآن وإقام الصلاة

 

باب: ذكر أول من أسلم

* كان أول من صدق رسول الله وآمن به على الإطلاق زوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.وهي أول من صلت معه كما سيأتي في الأحاديث الصحيحة.

قال ابن إسحاق: وآمنت به خديجة بنت خويلد وصدقت بما جاءه من الله، ووازرته على أمره، وكانت أول من آمن بالله ورسوله، وصدقت بما جاء منه.

فخفف الله بذلك على نبيه صلى الله عليه وسلم، لا يسمع شيئاً مما يكرهه – من رد عليه، وتكذيب له، فيحزنه ذلك – إلا فرج الله عنه بها؛ إذا رجع إليها، تثبته وتخفف عنه ، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس، رضي الله عنها وأرضاها.[323]

* وكان أول من آمن من الصبيان علي بن أبي طالب  ، وكانت سنُّه إذ ذاك  ثماني سنين أوعشر سنين  ورجح الأخير الطبري وابن إسحاق([324])، وقد أنعم الله عليه بأن جعله يتربى في حجر رسوله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام, حيث أخذه من عمه أبي طالب وضمه إليه. لأن قريشاً كانوا قد أصابتهم مجاعة، وكان أبو طالب مُقِلاًّ كثير الأولاد، فأرادوا أن يخففوا العبء عنه، فأخذ النبي عليًا في كفالته وأخذ العباس جعفرًا في كفالته .

* وأول من آمن بالدعوة من الموالي زيد بن حارثة الكلبي حِبّ النبي صلى الله عليه وسلم ومولاه، ومُتَبنَّاه، وهوالذي آثر رسولَ الله على والده وأهله، عندما جاءوا إلى مكة لشرائه من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فترك رسول الله الأمر لحارثة فقال زيد لرسول الله: ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا، وأنت مني بمنزلة الأب والعم، فقال له والده وعمه: ويحك تختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟ قال: نعم، وإني رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا أبدًا([325]).لذلك أعتقه النبي وتبناه فكان يُقال له زيد بن محمد، وكان المتبنَّى  كابن حقيقي يرث ويورث حتى نزل تحريم التبني بقوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}[الأحزاب:4-5] فنُسب زيد إلى أبيه حارثة.

*و أول من آمن من الرجال الأحرار، والأشراف، بالنبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر بن أبي قحافة بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيْم بن مرّة التيمي القرشي وهو من أخص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة,وأشبههم به خُلقًا ، فأبو بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو حسنة من حسناته عليه الصلاة والسلام[326] .

وروى الدولابي- في الكنى- والطبراني والبزار وغيرهم عن  عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: " كَانَ اسْمُ أَبِي بَكْرٍ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ عَتِيقٌ مِنَ النَّارِ» فَسُمِّيَ عَتِيقًا"[327].

روى ابن سعد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ سَمَّيْتُمُوهُ الصِّدِّيقَ وَأَصَبْتُمُ اسْمَهُ [328].

* وآمنت أيضًا به حاضنته أُمُّ أيمن التي زوّجها لمولاه زيد بن حارثة وأنجبت له أسامة بن زيد.

 

وهذه بعض الروايات التي تذكر أول من أسلم :

روى ابن اسحاق بسنده عن عفيف   – وكان عفيف أخا الأشعث بن قيس لأمه – أنه قال:

كنت امرءاُ تاجراً، فقدمت (منىً) أيام الحج، وكان العباس بن عبد المطلب امرءاً تاجراً، فأتيته أبتاع منه.

قال: فبينا نحن إذ خرج رجل من خباء، فقام يصلي تجاه الكعبة، ثم خرجت امرأة فقامت تصلي، وخرج غلام فقام يصلي معه .

فقلت: يا عباس! ما هذا الدين ؟! إن هذا الدين ما أدري ما هو؟!

فقال: هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله، وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب آمن به.

قال عفيف: فليتني كنت آمنت يومئذٍ فكنت أكون رابعاً"[329].

ويقويه ما روه ابن جرير من طريق آخر عن عفيف  قال:

جئت زمن الجاهلية إلى (مكة)، فنزلت على العباس بن عبد المطلب، فلما طلعت الشمس، وحلقت في السماء – وأنا أنظر إلى الكعبة – أقبل شاب، فرمى ببصره إلى السماء، ثم استقبل الكعبة، فقام مستقبلها، فلم يلبث حتى جاء غلام فقام عن يمينه، فلم يلبث حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما، فركع الشاب، فركع الغلام والمرأة، فرفع الشاب، فرفع الغلام والمرأة، فخر الشاب ساجداً، فسجدا معه.

فقلت: يا عباس! أمر عظيم! فقال: أمر عظيم؟! أتدري من هذا؟ فقلت: لا. فقال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب؛ ابن أخي . أتدري من الغلام؟ قلت: لا. قال: هذا علي بن أبي طالب- رضي الله عنه – أتدري من هذه المرأة التي خلفهما؟ قلت: لا. قالت: لا. قال: هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي. وهذا حدثني أن ربك رب السماء والأرض أمره بهذا الذي تراهم عليه، وايم الله؛ ما أعلم على ظهر الأرض كلها أحداً على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة"[330].

 

وروى ابن سعد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ خَدِيجَةَ عَلِيٌّ " [331].

وأخرجه الترمذي في سننه و ابن جرير في تاريخه :عن ابن عباس بلفظ : ( أول من صلى علي )([332]) ثم قال الترمذي:وقد اختلف أهل العلم في هذا فقال بعضهم :أول من أسلم أبو بكر الصديق وقال بعضهم أول من أسلم علي وقال بعض أهل العلم أول من أسلم من الرجال أبو بكر و أسلم علي وهو غلام ابن ثمان سنين وأول من أسلم من النساء خديجة. أهـ

وفيما كان بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من خصومة ، وانتصار الرسول لأبي بكر كما رواه البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:...قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم : " «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي» مَرَّتَيْنِ، فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا [333].

قال ابن كثير:وهذا كالنص على أنه أول من أسلم رضي الله عنه.أهـ[334]

وروى الترمذي عن أبي سعيد قال:

قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ألست أحق الناس بها؟ ألست أول من أسلم؟ ألست صاحب كذا؟ "([335]) .

وروى البخاري عن عروة بن الزبير: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت " لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، طَرَفَيِ النَّهَارِ: بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَقِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لاَ يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ " [336] ".

وروى البخاري أيضًا  عن عمار بن ياسرقال: (( رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مَعَهُ، إِلَّا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ، وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بَكْرٍ))[337].

وروى ابن أبي شيبة: عَنْ سَالِمٍ , قَالَ : قلْت لابْنِ الْحَنَفِيَّةِ : أَبُو بَكْرٍ كَانَ أَوَّلَ الْقَوْمِ إسْلاَمًا , قَالَ : لاَ , قُلْتُ مِمَّ عَلاَ أَبُو بَكْرٍ , وَسبَقَ حَتَّى لاَ يُذْكَرَ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ , فَقَالَ : كَانَ أَفْضَلَهُمْ إسْلاَمًا حِينَ أَسْلَمَ حَتَّى لَحِقَ بِالله".[338]

وروى مسلم : عن أبي أمامة قال :قال عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه:

كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارًا فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيًا جرءاء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة ، فقلت: له ما أنت ؟ قال أنا نبي فقلت وما نبي ؟ قال أرسلني الله ، فقلت وبأي شيء أرسلك ؟ قال:أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يشرك به شيء قلت له فمن معك على هذا ؟ قال حر وعبد ، قال : ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به "[339].

وروى ابن جرير:عن إبراهيم النخعي قال: (( أبو بكر أول من أسلم)) [340]

قال ابن جرير : وقال آخرون كان أول من أسلم زيد بن حارثة ثم روى من طريق الواقدي- وهو ضعيف- عن ابن أبي ذئب سألت الزهري من أول من أسلم من النساء؟ قال: خديجة، قلت : فمن الرجال قال: زيد بن حارثة وكذا قال عروة وسليمان بن يسار وغير واحد: أول من أسلم من الرجال زيد بن حارثة. [341]

 

قال ابن كثير:والجمع بين الأقوال كلها: إن خديجة أول من أسلمت من النساء- وظاهر السياقات- وقبل الرجال أيضاً.

وأول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة.

وأول من أسلم من الغلمان علي بن أبي طالب؛ فإنه كان صغيراً دون البلوغ على المشهور، وهؤلاء كانوا إذ ذاك أهل البيت.

وأول من أسلم من الأحرار أبو بكر الصديق، وإسلامه كان أنفع من إسلام من تقدم ذكرهم ؛ إذ كان صدراً معظماً، ورئيساً في قريش مكرماً، وصاحب مال، وداعية إلى الإسلام، وكان محبباً متألفاً، يبذل المال في طاعة الله ورسوله أهـ[342].

* ومما ورد ضعيفًا في هذا الباب:

روى ابن جرير بسنده عن الشعبي قال: قلت لابن عباس: من أول الناس إسلامًا فقال: أما سمعت قول حسان بن ثابت:

إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة ... فاذكر أخـاك أبا بكر بما فـعلا

خير البريـة أتقــاها وأعذلها ... بعـد النبي وأوفـاها بمـا حمـلا

الثاني التالي المحمــود مشهده ... وأول الناس منهم صدق الرسـلا [343]

 

وروى ابن عساكر من طريق بهلول بن عبيد حدثنا أبو إسحاق السبيعي عن الحارث سمعت عليًّا يقول: أول من أسلم من الرجال أبو بكر الصديق وأول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم من الرجال علي بن أبي طالب[344] .وهذا سند ضعيف وإن كان معناه صحيحا.

و كذا ما رواه ابن جرير عن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال: قلت لأبي أكان أبو بكر أولكم اسلامًا قال: لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين، ولكن كان أفضلنا اسلامًا )[345]فهو حديث منكر  . ويرده الأحاديث الصحيحة السابق ذكرها .

 

باب : في تعليم جبريل النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة .وأول من صلى معه صلى الله عليه وسلم .

قال الحافظ فى فتح البارى: كان- صلى الله عليه وسلم- قبل الإسراء يصلى قطعا، وكذلك أصحابه، ولكن اختلف: هل افترض قبل الخمس شىء من الصلاة أم لا؟

فقيل: إن الفرض كان صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، والحجة فيه قوله تعالى: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها}[ سورة طه: 130]. أهـ[346].

– روى الطبراني في الأوسط ، عن أسامة بن زيد ، عن أبيه زيد بن حارثة : « أن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أول ما أوحي إليه ، فعلمه الوضوء ، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيده ، فانتضح  به فرجه »[347]

 

وروى الحاكم عن ابن عباس قال : دخلت فاطمة على رسول الله صلى الله عليه و سلم و هي تبكي فقال : يا بنية ما يبكيك ؟ قالت : يا أبت مالي لا أبكي و هؤلاء الملأ من قريش في الحجر يتعاقدون باللات و العزى و مناة الثالثة الأخرى لو قد رأوك لقاموا إليك فيقتلونك و ليس منهم رجل إلا و قد عرف نصيبه من دمك فقال : يا بنية إئتني بوضوء، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم خرج إلى المسجد، فلما رأوه قالوا : هاهو ذا فطأطأوا رؤوسهم، و سقطت أذقانهم بين يديهم، فلم يرفعوا أبصارهم،فناولَ رسول الله صلى الله عليه و سلم قبضة من تراب فحصبهم بها و قال : شاهت الوجوه، فما أصاب رجلا منهم حصاة من حصاته إلا قتل يوم بدر كافرًا [348] " وفي هذا الحديث التصريح بوضوء النبي صلى الله عليه و سلم في مكة[349].

وروى أحمد عن زيد بن أرقم قال : (( أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي رضي الله تعالى عنه ، قال عمرو: فذكرت ذلك لإبراهيم ، فأنكر ذلك، وقال: أبو بكر رضي الله تعالى عنه ))([350] )

 

*ومما ورد ضعيفًا في هذا الباب ما يلي:

 

روى ابن جرير عن جابر قال : ( بُعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، وصلى عليٌّ يوم الثلاثاء ) [351]. ولا شك أن الشطر الأول من هذا الحديث ثبت بأحاديث أخرى صحيحة.إنما المنكر هو الشطر الثاني لكن يحتمل أن يكون بلفظ (وَأَسْلَمَ عَلِيٌّ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ) كما في حديث أنس عند ابن الأعرابي.

وقال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم : أن الصلاة حين افترضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو بأعلى مكة فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت منه عين فتوضأ جبريل عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ليريه كيف الطهور للصلاة ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رأى جبريل توضأ ثم قام به جبريل فصلى به وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاته ثم انصرف جبريل عليه السلام

فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة فتوضأ لها ليريها كيف الطهور للصلاة كما أراه جبريل فتوضأت كما توضأ لها رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم صلى بها رسول الله عليه الصلاة والسلام كما صلى به جبريل فصلت بصلاته .[352] .وهذا الخبر لا يثبت لانقطاعه . وإن كان قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي مع زوجته خديجة و مع علي رضي الله عنه –كما سبق- و الصلاة تحتاج إلى وضوء.

وأيضًا لا يصح ما أخرجه ابن ماجة عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: «أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ، لَا يَقُولُهَا بَعْدِي إِلَّا كَذَّابٌ، صَلَّيْتُ قَبْلَ النَّاسِ لِسَبْعِ سِنِينَ ))([353]) فهو حديث باطل .

وما رواه الطبراني في الكبيرعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ الِاثْنَيْنِ، وَصَلَّتْ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ، وَصَلَّى عَلِيٌّ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، فَمَكَثَ عَلِيٌّ يُصَلِّي مُسْتَخْفِيًا سَبْعَ سِنِينَ وَأَشْهُرًا قَبْلَ أَنَ يُصَلِّيَ أَحَدٌ»[354]

باب: ذكر من دعاهم أبو بكر إلى الإسلام مِنَ السابقين  :

كان أبو بكر كنزًا ادخره الله تعالى لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقد وهبه الله تعالى خلقًا سمحًا ، من الذين يألفون ويؤلفون ، وكان عالمًا بالأنساب وتاجرًا مشهورًا ، فكل طبقات المجتمع المكي تجد حظها عند الصديق رضوان الله عليه فهو في قريش في موقع العين منها .

قال ابن إسحاق:فلما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسوله وكان أبو بكر:

● رجلا مألفًا لقومه محببًا سهلاً.

● وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها، وبما كان فيها من خير وشر.

● وكان رجلاً تاجرًا.

● ذا خلق ومعروف.

● وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر،لعلمه وتجارته وحسن مجالسته،

فجعل يدعو إلى الله وإلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه.أهـ[355]

 

لذلك كان إسلامه إسلام أمة، فعندما تحرك في دعوته للإسلام استجاب له خمسة من الصفوة وهم :

●  عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي القرشي وكان في الرابعة والثلاثين من عمره .

● وعبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الهاشمي، وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو فسمّاه النبي عليه الصلاة والسلام عبد الرحمن.   وكان في الثلاثين من عمره.

●  وسعد بن أبي وقاص وكان في السابعة عشرة من عمره. واسمه : سعد بن مالك بن أُهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهري القرشي.

وفي  صحيح البخاري:عن سعيد بن المسيب يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، يَقُولُ: «مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلَّا فِي اليَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَإِنِّي لَثُلُثُ الإِسْلاَمِ»[356].

ورواه ابن ماجة بلفظ ((ما أسلم أحدٌ في اليوم الذي أسلمت فيه...))[357]

وقوله: ((ما أسلم أحدٌ في اليوم الذي أسلمت فيه)) واضح لا إشكال فيه ، أما رواية : ((إلا في اليوم الذي أسلمت فيه))، فهو مشكل؛ إذ يقتضي أنه لم يسبقه أحد بالإسلام، وقد علم أن الصديق وعلياً وخديجة وزيد بن حارثة أسلموا قبله؛ كما قد حكى الإجماع على تقدم إسلام هؤلاء غير واحد؛ منهم ابن الأثير[358].

وأما قوله: ((ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام))  فهو قد أخبر بحسب ما علمه.لأن المسلمين كانوا يخفون إسلامهم فلا يعرف عددهم حينئذٍ، والله أعلم.

 

●  و الزبير بن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي، وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم ،  وكان في الثانية عشرة من عمره. وهو الذي قال فيه النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ، وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ»[359]

●  وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمروبن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة التيمي القرشي وكان في الثالثة عشرة من عمره .

اتفق علماء السيرة على أن  هؤلاء الأبطال الخمسة أول ثمرة من ثمار الصديق أبي بكر رضي الله عنه, دعاهم إلى الإسلام فاستجابوا[360] ، وجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرادى، فأسلموا بين يديه صلى الله عليه وسلم ، فكانوا الدعامات الأولى التي قام عليها صرح الدعوة، وكانوا العدة الأولى في تقوية جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهم أعزه الله وأيده. ونصر دينه ،وكلهم من العشرة المبشرين بالجنة الذين هم أعلى الصحابة قدرًا كما جاء في الحديث الصحيح  الذي رواه أبو داود في سننه : عن عبد الرحمن بن الأخنس : أنه كان في المسجد فذكر رجل عليًا عليه السلام فقام سعيد بن زيد فقال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أني سمعته وهو يقول " عشرة في الجنة: النبي في الجنة وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير بن العوام في الجنة وسعد بن مالك في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة " ولو شئت لسميت العاشر قال: فقالوا :من هو ؟ فسكت قال: فقالوا :من هو ؟ فقال هو سعيد بن زيد ))[361]

 

وفي مسند أحمد عن عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعلى في الجنة، وعثمان في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ))[362]

وتتابع الناس يدخلون في دين الله أفواجًا، رجالاً ونساءً، وكان كل من هؤلاء الطلائع داعية إلى الإسلام، وأقبل معهم رعيل السابقين، الواحد، والاثنين، والجماعة القليلة، فكانوا على قلة عددهم كتيبة الدعوة، وحصن الرسالة لم يسبقهم سابق ولا يلحق بهم لاحق في تاريخ الإسلام.

 

** ذكر من سبق بالإسلام بعد ذلك.

 

أسلم بعد هؤلاء مجموعة أولهم: أبو عبيدة عامر بن الجراح، وهو أمين هذه الأمة وأحد العشرة المبشرين بالجنة ففي صحيح البخاري:عن أنس بن مالك  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

((«إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الأُمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ» [363].

وأسلم أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن مخزوم بن مرة ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم (برة بنت عبد المطلب) وأخوه من الرضاع[364]، ، والأرقم بن أبي الأرقم المخزومي ، وعثمان بن مظعون بن حبيب الجمحي، وأخواه قدامة وعبد الله ، وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وزوجته فاطمة بنت الخطاب بن نفيل أخت عمر بن الخطاب، وأسماء بنت أبي بكر الصديق ،وأختها عائشة بنت أبي بكر وكانت يومئذ صغيرة فقد ولدت في الإسلام، وخباب بن الأرت حليف بني زهرة.

 

ثم أسلم  : عمير بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص، ومسعود بن القاري، وهو مسعود بن ربيعة بن عمروبن سعيد بن عبد العزى بن حمالة بن القارة. وعبد الله بن مسعود بن الحارث بن شمخ بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل،

وروى أبو داود الطيالسي: عن عبد الله بن مسعود: قال كنت غلاما يافعًا أرعى غنمًا لعقبة بن أبي معيط بمكة فاتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وقد فرَّا من المشركين ،فقال أو فقالا :عندك يا غلام لبن تسقينا؟ قلت: إني مؤتمن ولست بساقيكما فقال: " هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل بعد؟ " قلت :نعم ، فأتيتهما بها، فاعتقلها أبو بكر وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الضرع ودعا فحفل الضرع ، وأتاه أبو بكر بصخرة متقعرة فحلب فيها ، ثم شرب هو وأبو بكر ،ثم سقياني، ثم قال للضرع: " اقلص فقلص" ، فلما كان بعد، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت :علمني من هذا القول الطيب ، يعني القرآن ، فقال:" إنك غلام معلم " فاخذت من فيه سبعين سورة ما ينازعني فيها أحد )) [365]، وروى البغوي في معجم الصحابة  عن القاسم عن أبيه قال: قال عبد الله بن مسعود: لقد رأيتني سادس ستة ، وما على الأرض مسلم غيرنا "[366] .

وأسلم سليط بن عمرو، وأخوه حاطب بن عمرو، وعياش بن أبي ربيعة، وامرأته أسماء بنت سلامة، وخنيس بن حذافة السهمي، وعامر بن ربيعة حليف آل الخطاب وعبد الله بن جحش وأخوه أحمد، وجعفر بن أبي طالب، وامرأته أسماء بنت عميس، وحاطب بن الحارث، وامرأته فاطمة بنت المجلل، وأخوه حطاب بن الحارث, وامرأته فُكَيهة بنت يسار وأخوهما مَعْْمَر بن الحارث، والسائب بن عثمان بن مظعون، والمطلب ابن أزهر، وامرأته رملة بنت أبي عوف، والنحَّام واسمه نعيم بن عبد الله بن أسيد، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وفهيرة وأمه، وكان عبدًا للطفيل بن الحارث بن سخبرة، فاشتراه الصديق وأعتقه، وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي[367]، وامرأته أُمَينة بنت خلف بن أسعد من خزاعة، وحاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، وواقد بن عبدالله بن عبد مناف حليف بني عدي بن كعب، وخالد وعامر وعاقل وإياس بنو البكير بن عبد ياليلحلفاء بني عدي بن كعب، وعمار بن ياسر حليف بني مخزوم بن يقظة وأمه وأبوه، وقال ابن هشام: عمار بن ياسر عَنْسي من مَذْحج. وصهيب بن سنان (سابق الروم)[368].

هؤلاء الذين سبقوا بالإسلام كما ذكرهم ابن إسحاق ، وإن كان في بعضهم نزاع ، ومن  أوائل السابقين الذين لم يذكرهم ابن إسحاق: أم رومان زوجة أبي بكر فقد قالت عائشة (لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين)وقد تقدم  :  ومنهم أيضًا بلال بن رباح الحبشي والمقداد.

روى الإمام أحمد  عن ابن مسعود قال: (( أول من أظهر الإسلام سبع : رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد )) [369].

وهؤلاء أسلموا في مرحلة الدعوة السرية التي استمرت ثلاث سنوات.

وقال ابن إسحاق: ثم دخل الناس في الإسلام أرسالاً من الرجال والنساء حتى فشا ذكر الإسلام في مكة، وتُحدِّث به([370]).

ويتضح من عرض الأسماء السابقة، أن السابقين الأولين إلى الإسلام ليسوا كلهم من الضعفاء والعبيد كما روج  البعض ،  بل كانوا من جميع بطون قريش ومن خيرة أقوامهم،وكان كثير منهم من السادة والأشراف ، ولم يكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف يضرب به أعناقهم حتى يطيعوه صاغرين ، وليس معه ما يرغب فيه حتى يترك هؤلاء العظماء آباءهم، وذوي الثروة منهم، ويتبعوا الرسول ليأكلوا من فضل ماله، بل كان الكثير منهم واسع الثروة أكثر منه عليه الصلاة والسلام كأبي بكر وعثمان وخالد بن سعيد وغيرهم، والذين اتّبعوه من الموالي اختاروا الأذى والجوع والمشقّات مع اتّباع الرسول، بحيث لو اتبعوا سادتهم لكانوا في هذه الدنيا أهدأ بالاً وأنعم عيشة، اللهمّ ليس ذلك إلا من هداية الله وسطوع أنوار الدين عليهم، حتى أدركوا ما هم عليه من الضلالة وما عليه رسول الله من الهدى.


باب: ذكر دار الأرقم

أصبح بيت خديجة رضي الله عنها لا يتسع لكثرة الأتباع، فوقع اختيار النبي عليه الصلاة والسلام وصحبه على دار الأرقم بن أبي الأرقم[371] إذ أدرك الرسول عليه الصلاة والسلام أن الأمر يحتاج إلى الدقة المتناهية في السرية والتنظيم، ووجوب التقاء القائد المربي بأتباعه في مكان آمن بعيد عن الأنظار، ذلك أن استمرار اللقاءات الدورية المنظمة بين القائد وجنوده، خير وسيلة للتربية العملية والنظرية، وبناء الشخصية القيادية الدعوية.

وتم اختيار هذا المقر بعد المواجهة الأولى التي برز فيها سعد بن أبي وقاص.

قال ابن إسحاق: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا ذهبوا في الشعاب، فاستخفوا بصلاتهم من قومهم، فبينما سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شِعب من شعاب مكة إذ ظهر عليه نفر من المشركين وهم يصلون، فناكروهم، وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلاً من المشركين بلَحي بعير فشجه، فكان أول دم أهريق في الإسلام» ([372]).

أصبحت دار الأرقم السرية مركزًا جديدًا للدعوة يتجمع فيه المسلمون، ويتلقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل جديد من الوحي، ويستمعون له – عليه الصلاة والسلام– وهو يذكرهم بالله، ويتلو عليهم القرآن، وكان روح القدس ينزل بالآيات غضة طرية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسمعها الصحابة من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، فتسكب في قلوبهم، وتتسرب في أرواحهم، وتجري في عروقهم مجرى الدم، وكانت قلوبهم وأرواحهم تتفاعل مع القرآن وتنفعل به.

كانت دار الأرقم بن أبي الأرقم أعظم مدرسة للتربية والتعليم عرفتها البشرية،كيف لا، وأستاذها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم أستاذ البشرية كلها، وتلاميذها هم الدعاة والهداة ، والقادة الربانيون، الذين حرروا البشرية من رق العبودية وأخرجوهم من الظلمات إلى النور، بعد أن رباهم النبي صلى الله عليه وسلم على عينه تربية غير مسبوقة ولا ملحوقة.

 

.

.

.

.

.

.

 

.

.

 

.

.

.

.

.

.

 

.

.

.

 

 

 

كتاب:  الجهر بالدعوة ، وأساليب المشركين في محاربتها، وما ترتب على ذلك من أحداث  .

 

 

باب : الجهر بالدعوة و أمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام بإبلاغ الرسالة إلى الخاص والعام .

قال تعالى: ﴿  فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ

يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلـهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْمَلُونَ *وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ﴾[الحجر:94-97]

وقال الله تعالى : ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الشعراء:214-220].

وقال تعالى : ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 44].

وقال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ  ﴾ [القصص: 85]، أي: إن الذي فرض عليك وأوجب عليك تبليغ القرآن لرادك إلى دار الآخرة، وهي المعاد، فيسألك عن ذلك؛  كما قال تعالى:   ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ﴾  [الأنعام:19]

وقال تعالى: ﴿  تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان:1]

وقال تعالى:  ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ:28]

والآيات في هذا الباب كثيرة جداً فيها أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بالبلاغ للقريب والبعيد والخاص والعام  وأن الرسالة عامة للعالمين .

وقد ذكر رواة السيرة- من عدة طرق لا تخلو من ضعف ولكن بمجموعها يدل على أن للقصة أصلا - أنه لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} دعا النبي صلى اللَّه عليه وسلم  عمومته وبني عمومته وصنع لهم طعاما لينذرهم ويدعوهم إلى ما أمره الله به [373]  .

أما الأحاديث الصحيحة فمنها ما رواه مسلم : عن عائشة رضي الله عنها قالت:

لما نزلت: ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾ [الشعراء: 214] قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا فاطمة بنت محمد! يا صفية بنت عبد المطلب! يا بني عبد المطلب! لا أملك لكم من الله شيئاً، سلوني من مالي إن شئتم))[374].

وروى أحمد، ومسلم وغيرهما عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ، وَزُهَيْرِ بْنِ عَمْرٍو،رضي الله عنهما قَالَا: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ، صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقْمَةً مِنْ جَبَلٍ، عَلَى أَعْلَاهَا حَجَرٌ، فَجَعَلَ يُنَادِي: " يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، إِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ، إِنَّمَا مَثَلِي، وَمَثَلُكُمْ كَرَجُلٍ رَأَى الْعَدُوَّ، فَذَهَبَ يَرْبَأُ أَهْلَهُ، فَخَشِيَ أَنْ يَسْبِقُوهُ، فَجَعَلَ يُنَادِي وَيَهْتِفُ: يَا صَبَاحَاهْ "[375].

وما أخرجه الشيخان وأحمد – والسياق له – عن أبي هريرة قال:لما نزلت هذه الآية: ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾ [الشعراء: 214] دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً، فعمَّ وخصَّ ، فقال:  ((يا معشر قريش! أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني كعب بن لؤي! انقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف! أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني هاشم ! أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني عبد المطلب! أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد ! أنقذي نفسك من النار، فإني – والله – لا أملك لكم من الله شيئاً؛ إلا أن لكم رحماً سأبلها ببلالها))[376].وما أخرجه أحمد والشيخان وغيرهم ،:عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ، صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ» - لِبُطُونِ قُرَيْشٍ - حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [سورة المسد: 2][377].

ومما ورد ضعيفا في هذا الباب  :

ما رواه الإمام أحمد في ((مسنده)) والنسائي في الكبرى-واللفظ له-  عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ نَاجِدٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيٍّ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِمَ وَرِثْتَ ابْنَ عَمِّكَ دُونَ عَمِّكَ؟» قَالَ: جَمَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ قَالَ: - دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَصَنَعَ لَهُمْ مُدًّا مِنْ طَعَامٍ قَالَ: «فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَبَقِيَ الطَّعَامُ كَمَا هُوَ كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ، ثُمَّ دَعَا بِغُمَرٍ فَشَرِبُوا حَتَّى رَوَوْا وَبَقِيَ الشَّرَابُ كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ أَوْ لَمْ يُشْرَبْ» فَقَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ «إِنِّي بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ بِخَاصَّةٍ، وَإِلَى النَّاسِ بِعَامَّةٍ، وَقَدْ رَأَيْتُمْ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ، فَأَيُّكُمْ يُبَايِعُنِي عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي، وَصَاحِبِي، وَوَارِثِي؟» فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ فَقُمْتُ إِلَيْهِ، وَكُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَقَالَ: «اجْلِسْ» ثُمَّ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ أَقُومُ إِلَيْهِ فَيَقُولُ: «اجْلِسْ» حَتَّى كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى يَدِي" ثُمَّ قَالَ: " فَبِذَلِكَ وَرِثْتُ ابْنَ عَمِّي دُونَ عَمِّيَ "[378].

باب: ما لحق النبي من أذى مشركي مكة

كانوا يستخدمون مع رسول الله  الإيذاء البدني والنفسي ووصفوه بالسحر والكهانة والشعر والكذب والجنون وغير ذلك من التهم الكاذبة التي ألصقوها به صلى الله عليه وسلم ، وقد سجلها القرآن الكريم عليهم في آيات كثيرة نذكر بعضًا منها.

قال تعالى:﴿ وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا * إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 41-42].

قال تعالى: {  وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ * أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ  }[سورة ص:4-8]

وقال تعالى- يحكي قولهم-:﴿ بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ﴾. [الأنبياء:5]،وقال تعالى:﴿ فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ  الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ  *أَ مْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَ مْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ  }[الطور: 29-34]

وقال تعالى:{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ..}[سبأ:7-8] وقال تعالى { وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ}[القلم: (51)] وقال{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }[فصلت: (26) ]

وأما الأحاديث فقد روى أحمد: عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

((لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللهِ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَأُخِفْتُ فِي اللهِ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثَةٌ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَمَا لِي وَبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلَّا مَا يُوَارِي إِبِطُ بِلَالٍ))[379].

وأخرجه الترمذي  وقال عَقِبه: ومعنى هذا الحديث حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم فارًا من مكة ومعه بلال ، إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمله تحت إبطه.أهـ[380]

وروى أحمد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أشد بلاء؟ فقال : (( الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، فيبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان رقيق الدين ابتلى على حسب ذاك وإن كان صلب الدين ابتلى على حسب ذاك ، قال: فما تزال البلايا بالرجل حتى يمشى في الأرض وما عليه خطيئة )) [381]

وروى الطبراني عن الحارث بن الحارث الغامدي، قال: قلت لأبي: ما هذه الجماعة؟ قال هؤلاء القوم الذين اجتمعوا على صابئ لهم، قال: فنزلنا، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى توحيد الله - عز وجل - والإيمان به، وهم يردون عليه ويؤذونه، حتى انتصف النهار، وانصدعَ الناس عنه، أقبلت امرأة قد بدا نحرها تحمل قدحاً ومنديلاً، فتناوله منها فشرب وتوضأ، ثم رفع رأسه، فقال: "يا بنية خَمِّري عليك نحرك، ولا تخافين على أبيك" قلنا: من هذه؟ قالوا: هذه زينب بنته" [382].

وروى ابن جرير: عن ابن عباس قال: لما قدم كعب بن الأشرف (مكة) أتوه، فقالوا له: نحن أهل السقاية والسدانة، وأنت سيد أهل (المدينة)، فنحن خير أم هذا الصنبور المنبتر من فوقه يزعم أنه خير منا؟ قال: بل أنتم خير منه! فنزلت عليه : ﴿إن شانئك هو الأبتر﴾ [الكوثر:3].

قال: وأنزلت عليه: ﴿ألم تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا﴾ [النساء: 44-45][383].

 

وكان أشد الناس عليه عمه أبو لهب- واسمه :عبد العزى بن عبد المطلب- وامرأته أم جميل أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان .

روى الإمام أحمد عن ربيعة بن عباد من بنى الديل   – وكان جاهليّاً فأسلم – قال:

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق (ذي المجاز) وهو يقول:

((يا أيها الناس! قولوا: (لا إله إلا الله) تفلحوا)).

والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضيءُ الوجه أحول، ذو غديرتين يقول: إنه صابئ كاذب. يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه؟ فقالوا: هذا عمه أبو لهب " [384].

وروى الحاكم في المستدرك: عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت:

لما نزلت: ﴿تبت يدا أبي لهب﴾؛ أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة، وفي يدها فهرٌ، وهي تقول:

مذمماً أبينا...ودينه قلينا...وأمره عصينا

والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله! قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((إنها لن تراني)).

وقرأ قرآناً، فاعتصم به كما قال ، وقرأ: ﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ﴾ [الإسراء:45]، فوقفت على أبي بكر، ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت: يا أبا بكر! إني أخبرت أن صاحبك هجاني. فقال: لا ورب هذا البيت؛ ما هجاك. فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها " [385] .

وفي الصحيحين ومسند أحمد - واللفظ له- عن ابن عباس قال :

نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوارٍ بـ(مكة): ﴿  وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا ﴾[الإسراء:110]؛ قال:كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فلما سمع ذلك المشركون سبوا القرآن، وسبوا من أنزله، ومن جاء به. قال: فقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ﴿ولا تجهر بصلاتك﴾؛ أي: بقراءتك؛ فيسمع المشركون فيسبوا القرآن، ﴿ولا تخافت بها﴾ عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك، ﴿وابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴾[386] .

وروى أحمد  عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزيناً؛ قد خضب بالدماء؛ ضربه بعض أهل (مكة)، قال: فقال له: ما لك؟ قال: فقال له:((فعل بي هؤلاء وفعلوا)).

قال: فقال له جبريل عليه السلام: أتحب أن أريك آية؟ قال: ((نعم)).

قال: فنظر إلى شجرة من وراء الوادي، فقال: ادع بتلك الشجرة. فدعاها، فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه، فقال: مرها فلترجع. فأمرها فرجعت إلى مكانها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((حسبي))[387].

وروى أحمد عن سُلَيْمَانَ بْنَ زِيَادٍ الْحَضْرَمِيَّ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيَّ، حَدَّثَهُ: أَنَّهُ، مَرَّ وَصَاحِبٌ لَهُ بِأَيْمَنَ وَفِتيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ حَلُّوا أُزُرَهُمْ، فَجَعَلُوهَا مَخَارِيقَ يَجْتَلِدُونَ بِهَا، وَهُمْ عُرَاةٌ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَلَمَّا مَرَرْنَا بِهِمْ قَالُوا: إِنَّ هَؤُلَاءِ قِسِّيسُونَ فَدَعُوهُمْ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَبْصَرُوهُ تَبَدَّدُوا، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُغْضَبًا، حَتَّى دَخَلَ وَكُنْتُ أَنَا وَرَاءَ الْحُجْرَةِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " سُبْحَانَ اللهِ، لَا مِنَ اللهِ اسْتَحْيَوْا  ، وَلَا مِنْ رَسُولِهِ اسْتَتَرُوا "، وَأُمُّ أَيْمَنَ عِنْدَهُ تَقُولُ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ!

قَالَ عَبْدُ اللهِ: " فَبِلَأْيٍ مَا اسْتَغْفَرَ لَهُمْ  " [388].

و روى أحمد عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال:

جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوماً، فمر به رجل، فقال : طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله؛ لوددنا أنا رأينا ما رأيت، وشهدنا ما شهدت.

فاستغضب، فجعلت أعجب! ما قال إلا خيراً! ثم أقبل إليه فقال:

ما يحمل الرجل على أن يتمنى محضراً غيّبه الله عنه ؛ لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه؟! والله؛ لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوام أكبهم الله على مناخرهم في جنهم ؛ لم يجيبوه ولم يصدقوه.

أولا تحمدون الله إذ أخرجكم لا تعرفون إلا ربكم؛ مصدقين لما جاء به نبيكم، قد كفيتم البلاء بغيركم ؟!

والله؛ لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليها في نبيّ من الأنبياء؛ في فترة وجاهلية؛ ما يرون أن ديناً أفضل من عبادة الأوثان ، فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل، وفرق بين الوالد وولده، حتى أن الرجل ليرى والده وولده أو أخاه كافراً – وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان – يعلم أنه إن هلك دخل النار، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار، وأنها للتي قال الله عز وجل: ﴿  وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان:74][389].

وروى الإمام أحمد، والبخاري في مواضع من ((صحيحه))، ومسلم  .واللفظ لأحمد: عن عبد الله (هو ابن مسعود) قال:

ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش؛ غير يوم واحد، فإنه كان يصلي ورهط من قريش جلوس، وسلا جزور[390] قريبٌ منه، فقالوا: من يـأخذ هذا السلا فيلقيه على ظهره؟ فقال: عقبة بن أبي معيط: أنا. فأخذه فألقاه على ظهره، فلم يزل ساجداً حتى جاءت فاطمة فأخذته عن ظهره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

((اللهم عليك بهذا الملأ من قريش، اللهم عليك بعتبة بن ربيعة، اللهم عليك بشيبة بن ربيعة، اللهم عليك بأبيّ بن خلف. أو: أمية بن خلف))[391].

قال عبد الله: فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر جميعاً، ثم سحبوا إلى القليب؛ غير أُبي أو أمية بن خلف؛ فإنه كان رجلاً ضخماً فتقطع "[392].

وفي بعض ألفاظ (الصحيح)[393]: أنهم لما فعلوا ذلك استضحكوا؛ حتى جعل بعضهم يميل على بعض؛ (أي: يميل هذا على هذا من شدة الضحك. لعنهم الله).

وفيه: أن فاطمة لما ألقته عنه أقبلت عليهم فسبتهم، وأنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من صلاته رفع يديه يدعو عليهم، فلما رأوا ذلك سكن عنهم الضحك، وخافوا دعوته

قال ابن كثير: أكثر الروايات تسمية ستة منهم؛ وهم: عتبة وأخوه شيبة؛ ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، وأبو جهل بن هشام، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف. قال أبو إسحاق: ونسيت السابع.قلت: وهو عمارة بن الوليد، وقع تسميته في ((صحيح البخاري))أهـ[394].

وروى البخاري عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَخْبِرْنِى بِأَشَدِّ شَىْءٍ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِالنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم – قَالَ: بَيْنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى فِى حِجْرِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِى مُعَيْطٍ ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِى عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ( أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّىَ اللَّهُ ) الآيَةَ[غافر : 28][395]. .

ورواه أحمد عن عروة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قلت  له:

ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانت تظهره من عداوته؟ فقال:

لقد رأيتهم وقد اجتمع أشرافهم يوماً في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط؛ سفّه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، وصرنا منه على أمر عظيم.أو كما قالوا:

قال: فبينما هم كذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفاً بالبيت، فغمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمضى، فلما مرّ بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفتها في وجهه، فمضى، فمر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها، فقال:

((أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذي نفسي بيده؛ لقد جئتكم بالذبح)).

فأخذت القومَ كلمته، حتى ما منهم من رجل إلا وكأنما على رأسه طائر وقع، حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول ، حى إنه ليقول: انصرف أبا القاسم! راشداً، فـوالله؛ ما كنت جهولاً فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حتى ِإذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم، وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه.

فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد، فأحاطوا به يقولون: أنت الذي تقول: كذا وكذا ؟! لما كان يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :

((نعم؛ أنا الذي أقول ذلك)).

ولقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجامع ردائه، وقام أبو بكر يبكي دونه ويقول: ﴿أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله﴾ [غافر 28]؟! ثم انصرفوا عنه.

فإن ذلك لأكثرُ ما رأيت قريشاً بلغت منه قط" [396].

و قال السيوطي في الدر المنثور:أخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما:

((إن أبا معيط كان يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم بـ(مكة) لا يؤذيه، وكان رجلاً حليماً، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام، فقالت قريش: صبأ أبو معيط.

وقدم خليله من الشام ليلاً، فقال لامرأته: ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت: أشد مما كان أمراً. فقال: ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقالت: صبا.

فبات بليلة سوء، فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه، فلم يرد عليه التحية. فقال: مالك. لا ترد علي تحيتي؟ فقال: كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت؟!

قال: أوقد فعلتها قريش؟! قال: نعم.

قال: فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟

قال: تأتيه في مجلسه، وتبزق في وجهه، وتشمته باخبث ما تعلمه من الشتم!.

ففعل، فلم يزد النبي صلى الله عليه وسلم إن مسح وجهه من البزاق، ثم التفت إليه فقال:

((إن وجدتك خارجاً من جبال (مكة) أضرب عنقك صبراً)).

فلما كان يوم بدر، وخرج أصحابه، أبى أن يخرج.

فقال له أصحابه: أخرج معنا.

قال: قد وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجاً من جبال (مكة) أن يضرب عنقي صبراً.

فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك، فلو كانت الهزيمة طرت عليه.

فخرج معهم، فلما هزم الله المشركين، وحل به جمله في جدد من الأرض، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيرًا  في سبعين من قريش، وقدم إليه أبو معيط فقال: تقتلني من بين هؤلاء؟ قال:

((نعم. بما بزقت في وجهي)).

فأنزل الله في أبي معيط :﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ﴾ إلى قوله ﴿ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾[الفرقان: 27-29][397].

وذكر ابن اسحق أن أبيَّ بن خلف هو الذي قال لعقبة بن أبي معيط: ألم يبلغني أنك جالست محمداً وسمعت منه ، وجهي من وجهك حرام؛ إلا أن تتفل في وجهه. ففعل ذلك عدو الله عقبة لعنه الله، فأنزل الله :﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ والتي بعدها [الفرقان: 27-29]"[398] .

قلت: ورد ذلك بأسانيد صحيحة عن بعض التابعين منهم مقسم مولى ابن عباس ومجاهد وفي بعضها ( أمية بن خلف) بدلا من أخيه( أُبَيّ بن خلف)[399].

باب: دفاع الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

كانت الآيات تتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم تدافع عن رسوله وتفند مزاعم المشركين ، وتبين له أن الرسل السابقين استهزئ بهم ، وأن العذاب عاقبة المستهزئين:

قال تعالى:{ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [الأنعام: 10] وقال تعالى : ﴿ إنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِين* الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر: 95-96] وقد وضع الله جلّ ذكره هذا الوعد في صورة الماضي للتحقّق من وقوعه، لأن الآية مكية وهلاك هذه الفئة كان بعد الهجرة، فقد انتقم الله عز وجل من هؤلاء المستهزئين فمنهم من قتل كأبي جهل والنضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط، ومنهم من ابتلاه الله بأمراض شديدة فهلك منها كأبي لهب والعاص بن وائل والأسود بن عبد يغوث والحارث بن غيطل كما سيأتي في الأحاديث.

ولما مات أولاده صلى الله عليه وسلم الذكور قالوا: إنه أبتر[400]، فأنزل الله تعالى سورة الكوثر ردًا عليهم فقال تعالى:{ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ }[401] [الكوثر:1-3]

ولما نسب المشركون الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الجنون: { وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [الحجر: 6]  ردَّ الله عليهم بقوله تعالى:{ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } [القلم: 2]

ولما نسبوه إلى الكهانة والجنون والشعر ردّ الله عليهم فقال تعالى: { فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ ` أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ` قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ  } [الطور:29-31].

وقال تعالى:{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ  * لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ } [ يس:69-70]

ونسبوه صلى الله عليه وسلم إلى السحر فبرأه الله تعالى ،قال تعالى:{ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا ` انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً } [الإسراء: 47، 48]،وقال تعالى{ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ * وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }[الذاريات:52- 55]

ولما اتهموه بأنه افترى هذا القرآن ردّ الله تعالى عليهم بأن يأتوا بسورة مثله قال تعالى:{ وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ  اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ

فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ *  أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ  مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }  [سورة يونس:37-38]

وقال تعالى: {  إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ باليََمِين * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ  * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } [الحاقة :40-52]

وزعموا إنما يعلمه صلى الله عليه وسلم بشرٌ فرد الله تعالى افتراءهم وأفحمهم بقوله تعالى{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ }[النحل:(103)] وقوله تعالى:{  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا }[الفرقان: 4-6]

 

ولما اعترضوا على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم،كما بين تعالى في قوله:{ وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلاَ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ` أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا } [الفرقان: 7، 8]رد الله تعالى عليهم بقوله:{ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً[402] أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا } [الفرقان: 20].

فقد كانوا يتصورون أن الرسول لا يكون بشرًا مثلهم، وأنه ينبغي أن يكون ملكًا، أو مصحوبًا بالملائكة: قال تعالى:{ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَّسُولاً } [الإسراء: 94] وقال:{ وَقَالُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ }[الأنعام:8 -9] أي :لو بعثنا إلى البشر رسولاً من الملائكة لكان على هيئة الرجل يمكنهم مخاطبته والأخذ عنه، ولو كان كذلك لالتبس عليهم الأمر كما هم يلبسون على أنفسهم في قبول رسالة البشر([403]) .

ويعتقدون  أن الرسول ينبغي أن يكون كثير المال كبيرًا في أعينهم: {وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31]. يريدون الوليد بن المغيرة بمكة وعروة بن مسعود الثقفي بالطائف([404]).فأنكر الله تعالى عليهم بقوله:{} أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الزخرف: 32]

وأمره أن يقول لهم -بلسان الوحي- بلا تحرج { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ}[الأنعام: (50)] {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الأعراف: (188)]

وأعلمه الله تعالى أن المشركين لا يكذبون شخصه، ولكنهم يكذبون رسالته، ويدفعون آيات الله بتلك الأقاويل فقال تعالى:  { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ } [الأنعام: 33].

والآيات في هذا الباب كثيرة جدًا وفيما ذكرناه كفاية . وأما الأحاديث فمنها:

ما رواه الطبراني في الأوسط: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95] ، وَقَالَ: «الْمُسْتَهْزِئِينَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ أَبُو زَمْعَةَ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَالْحَارِثُ بْنُ غَيْطَلٍ السَّهْمِيُّ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ.

فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَشَكَاهُمْ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَاهُ أَبَا عَمْرٍو الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، فَأَوْمَأَ جِبْرِيلُ إِلَى أَبْجَلِهِ، فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا؟ فَقَالَ: كَفَيْتَكَهُ،

ثُمَّ أَرَاهُ الْحَارِثُ بْنُ غَيْطَلٍ السَّهْمِيَّ، فَأَوْمَأَ إِلَى بَطْنِهِ، فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا؟ فَقَالَ: كَفَيْتَكَهُ،

ثُمَّ أَرَاهُ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ السَّهْمِيَّ، فَأَوْمَأَ إِلَى أَخْمَصِهِ، فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا؟ فَقَالَ: كَفَيْتَكَهُ.

فَأَمَّا الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، فَمَرَّ بِرَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ وَهُوَ يَرِيشُ نَبْلًا لَهُ، فَأَصَابَ أَبْجَلَهُ فَقَطَعَهَا،

وَأَمَّا الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ فَعَمِيَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَمِيَ كَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ  يَقُولُ: نَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا بَنِيَّ، لَا تَدْفَعُونَ عَنِّي؟ قَدْ هَلَكَتُ أُطْعَنُ بِشَوْكٍ فِي عَيْنِي، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَا نَرَى شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى عَمِيَتْ عَيْنَاهُ.

وَأَمَّا الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ فَخَرَجَ فِي رَأْسِهِ قُرُوحٌ فَمَاتَ مِنْهَا،

وَأَمَّا الْحَارِثُ بْنُ غَيْطَلٍ فَأَخَذَهُ الْمَاءُ الْأَصْفَرُ فِي بَطْنِهِ حَتَّى خَرَجَ خَرَؤُهُ مِنْ فِيهِ فَمَاتَ مِنْهَا،

وَأَمَّا الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ يَوْمًا حَتَّى دَخَلَ فِي رِجْلِهِ شِبْرِقَةٌ حَتَّى امْتَلَأَتْ مِنْهَا فَمَاتَ"[405].

وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

((أَلاَ تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ؟، يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا، وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ)) [406].

قال ابن إسحاق : وكان العاص بن وائل السهمي - فيما بلغني - إذا ذُكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : دعوه فإنما هو رجل أبتر، لا عقب له ، لو مات لانقطع ذكره واسترحتم منه ،  فأنزل الله في ذلك : ( إنا أعطيناك الكوثر ) ما هو خير لك من الدنيا وما فيها . والكوثر : العظيم.أهـ[407].

قلت :ثبت  عن ابن عباس رضي الله عنه وطائفة من التابعين- منهم مجاهد ،وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ- أن قول الله تعالى:{إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]: " نَزَلَتْ فِي الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ"[408].

قال مُجَاهِدٍ: {شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]: " نَزَلَتْ فِي الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي شَانِئٌ مُحَمَّدًا، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ شَنَأَهُ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ فَهُوَ الْأَبْتَرُ "[409]

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَعِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ[410].

وروى ابن حبان وغيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مَكَّةَ أَتَوْهُ، فَقَالُوا: نَحْنُ أَهْلُ السِّقَايَةِ وَالسِّدَانَةِ، وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ يَثْرِبَ، فَنَحْنُ خَيْرٌ أَمْ هَذَا الصُّنَيْبِيرُ الْمُنْبَتِرُ مِنْ قَوْمِهِ، يَزْعُمُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنَّا، فَقَالَ: أَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْهُ، فَنَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3] ، وَنَزَلَتْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء: 51] »[411]

ثم أخرج ابن إسحاق عن أنس بن مالك   قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل له: يا رسول الله! ما الكوثر الذي أعطاك الله؟ قال صلى الله عليه وسلم :

((نهر كما بين (صنعاء) إلى (أيلة)، آنيته كعدد نجوم السماء، ترده طيور لها أعناق كأعناق الإبل)). قال: يقول عمر بن الخطاب: إنها يا رسول الله! لناعمة. قال صلى الله عليه وسلم:

((أكلّها أنعمُ منها))[412].

وروى الإمام أحمد، عن عكرمة قال: قال ابن عباس:

قال: أبو جهل: لئن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة لاطأن على عنقه. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((لو فعل ذلك لأخذته الملائكة عياناً))[413].

و روى الترمذي عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ، فجاء أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا ؟ ألم أنهك عن هذا ؟ فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فزبره-فانتهره- ، فقال أبو جهل :إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني فأنزل الله: { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ  * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } [العلق: 17و18].

فقال ابن عباس : فوالله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله )) [414] وفي رواية: (زبانية العذاب) [415]

 

وروى مسلم: عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟! قال: فقيل:نعم.

فقال: واللات والعزى؛ لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أولأعفرن وجهه بالتراب. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي - زعم- ليطأ رقبته. قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه.

قال: فقيل له: ما لك؟ قال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار، وهَوْلاً وأجنحة. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً)).

قال: وأنزل الله تعالى – لا ندري في حديث أبي هريرة أم شيء بلغه- : ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ..﴾  إلى آخر السورة [العلق: 6-19] [416].

وروى الحاكم: عن علي رضي الله عنه قال:

قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: قد نعلم يا محمد! أنك تصل الرحم، وتصدق الحديث، ولا نكذبك، ولكن نكذب الذي جئت به. فأنزل الله عز وجل:

﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيْحَزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظالِمين بآياتِ اللهِ يَجْحَدُون ﴾ [الأنعام:36]"[417].

ونصر الله نبيه بعمه أبي طالب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب خلق الله إليه طبعاً، وكان يحنو عليه، ويحسن إليه، ويدافع عنه ويحامي، ويخالف قومه في ذلك ؛ مع أنه على دينهم وعلى خلتهم ؛ إلا أن الله قد امتحن قلبه بحبه حباً طبعياً لا شرعياً.

وكان استمراره على دين قومه من حكمة الله تعالى ، ومما صنعه لرسوله من الحماية ؛ إذ لو كان أسلم أبو طالب لما كان له عند مشركي قريش وجاهة ولا كلمة، ولا كانوا يهابونه ويحترمونه،ولاجترؤوا عليه، ولمدوا أيديهم وألسنتهم بالسوء إليه، ﴿وربك يخلق ما يشاء ويختار﴾ [القصص:28]

روى أبو يعلى عن عقيل بن أبي طالب قال  : جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا : إن ابن أخيك يؤذينا في نادينا وفي مسجدنا فانهه عن أذانا ، فقال : يا عقيل : ائتني بمحمد فذهبت فأتيته به فقال : يا ابن أخي إن بني عمك يزعمون أنك تؤذيهم في ناديهم وفي مسجدهم فانته عن ذلك .

قال: فحلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء، فقال:

((ترون هذه الشمس؟)). قالوا: نعم. قال:

((فما أنا بأقدر أن أدع لكم ذلك على أن تستشعلوا لي منها بشعلة)).

فقال أبو طالب: ما كذبنا ابن أخي ، فارجعوا )[418]

وفي ذلك دلالة على أن الله تعالى عصمه بعمه ؛ مع خلافه إياه في دينه، وقد كان يعصمه بما يشاء ومن يشاء ، لا معقب لحكمه .

ومما لا يثبت في هذا الباب:

ما رواه البيهقي من طريق يونس عن ابن اسحاق حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حُدث أن قريشا حين قالت لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا ابن أخي إن قومك قد جاءوني وقالوا كذا وكذا فابق علي وعلى نفسك ، ولا تحملني من الأمر مالا أطيق أنا ولا أنت، فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك ، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد بدا لعمه فيه وأنه خاذله ومسلمه وضعف عن القيام معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :يا عم لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه ، ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ، فلما ولى، قال له حين رأى ما بلغ الأمر برسول الله صلى الله عليه وسلم : يا ابن أخي فاقبل عليه ، فقال: امض على أمرك وافعل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا.

قال ابن اسحاق :ثم قال أبو طالب في ذلك:

والله لن يصـلوا إليك بجمعهـم ... حتى أوسـد في التراب دفينـا

فامضي لأمرك ما عليك غضاضة ... أبشر وقر بذاك منك عيونـا

ودعوتني وعلمت أنـك ناصحي ... فلقد صدقت وكنت قدم أمينا

وعرضت دينـا قـد عرفت بأنه ... من خـير أديـان البرية دينا

لولا الملامــة أو حذاري سبة ... لوجدتني سمحـًا بذاك مبيـنا[419]

* و في سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق :حدثني بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير وعن عكرمة مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما- وذكرها البيهقي بسنده عن ابن إسحاق قال: حدثني شيخ من أهل مصر قديمًا منذ بضعًا وأربعين سنة عن عكرمة عن ابن عباس- في قصة طويلة جرت بين زعماء مشركي مكة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم – ..قال:

فَلَمّا قَامَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - قَالَ أَبُو جَهْلٍ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّ مُحَمّدًا قَدْ أَبَى إلّا مَا تَرَوْنَ مِنْ عَيْبِ دِينِنَا ، وَشَتْمِ آبَائِنَا ، وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِنَا ، وَشَتْمِ آلْهِتَتَا ، وَإِنّي أُعَاهِدُ اللّهَ لَأَجْلِسَنّ لَهُ غَدًا بِحَجَرٍ مَا أُطِيقُ حَمْلَهُ - أَوْ كَمَا قَالَ - فَإِذَا سَجَدَ فِي صَلَاتِهِ فَضَخْتُ بِهِ رَأْسَهُ فَأَسْلِمُونِي عِنْدَ ذَلِكَ أَوْ امْنَعُونِي ، فَلْيَصْنَعْ بَعْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ مَا بَدَا لَهُمْ قَالُوا : وَاَللّهِ لَا نُسْلِمُك لِشَيْءِ أَبَدًا ، فَامْضِ لِمَا تُرِيدُ .

فَلَمّا أَصْبَحَ أَبُو جَهْلٍ أَخَذَ حَجَرًا كَمَا وَصَفَ ثُمّ جَلَسَ لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - يَنْتَظِرُهُ وَغَدَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - كَمَا كَانَ يَغْدُو . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - بِمَكّةَ وَقِبْلَتُهُ إلَى الشّامِ ، فَكَانَ إذَا صَلّى صَلّى بَيْنَ الرّكْنِ الْيَمَانِيّ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ، وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشّامِ ، فَقَامَ رَسُولُ اللّه - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - يُصَلّي وَقَدْ غَدَتْ قُرَيْشٌ فَجَلَسُوا فِي أَنْدِيَتِهِمْ يَنْتَظِرُونَ مَا أَبُو جَهْلٍ فَاعِلٌ فَلَمّا سَجَدَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - احْتَمَلَ أَبُو جَهْلٍ الْحَجَرَ ، ثُمّ أَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتّى إذَا دَنَا مِنْهُ رَجَعَ مُنْهَزِمًا مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ مَرْعُوبًا قَدْ يَبِسَتْ يَدَاهُ عَلَى حَجَرِهِ حَتّى قَذَفَ الْحَجَرَ مِنْ يَدِهِ . وَقَامَتْ إلَيْهِ رِجَالُ قُرَيْشٍ ، فَقَالُوا لَهُ مَا لَك يَا أَبَا الْحَكَمِ ؟ قَالَ قُمْتُ إلَيْهِ لِأَفْعَلَ بِهِ مَا قُلْتُ لَكُمْ الْبَارِحَةَ فَلَمّا دَنَوْتُ مِنْهُ عَرَضَ لِي دُونَهُ فَحْلٌ مِنْ الْإِبِلِ لَا وَاَللّهِ مَا رَأَيْت مِثْلَ هَامَتهِ وَلَا مِثْلَ قَصَرَتِهِ وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قَطّ ، فَهَمّ بِي أَنْ يَأْكُلَنِي . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَذُكِرَ لِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - قَالَ ذَلِكَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السّلَامُ - لَوْ دَنَا لَأَخَذَه"[420] .

وفي سنده رجل مجهول كما هو ظاهر.

 

* وكذلك قصة الأراشي: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثّقَفِيّ ، وَكَانَ وَاعِيَةً ، قَالَ :قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ إرَاشٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ إرَاشَةَ - بِإِبِلِ لَهُ مَكّةَ ، فَابْتَاعَهَا مِنْهُ أَبُو جَهْل ٍ فَمَطَلَهُ بِأَثْمَانِهَا . فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيّ حَتّى وَقَفَ عَلَى نَادٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ جَالِسٌ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، مَنْ رَجُلٌ يُؤَدّينِي عَلَى أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ ، فَإِنّي رَجُلٌ غَرِيبٌ ابْنُ سَبِيلٍ وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقّي ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُ أَهْلُ ذَلِك الْمَجْلِسِ أَتَرَى ذَلِك الرّجُلَ الْجَالِسَ - لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ يَهْزَءُونَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي جَهْلٍ مِنْ الْعَدَاوَةِ - اذْهَبْ إلَيْهِ فَإِنّهُ يُؤَدّيك عَلَيْهِ .

فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيّ حَتّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللّهِ إنّ أَبَا الْحَكَمِ بْنَ هِشَامٍ قَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقّ لِي قِبَلَهُ وَأَنَا ( رَجُلٌ ) غَرِيبٌ ابْنُ سَبِيلٍ وَقَدْ سَأَلْت هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ عَنْ رَجُلٍ يُؤَدّينِي عَلَيْهِ يَأْخُذُ لِي حَقّي مِنْهُ فَأَشَارُوا لِي إلَيْك ، فَخُذْ لِي حَقّي مِنْهُ يَرْحَمُك اللّهُ ، قَالَ: انْطَلِقْ إلَيْهِ وَقَامَ مَعَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَأَوْهُ قَامَ مَعَهُ قَالُوا لِرَجُلِ مِمّنْ مَعَهُمْ اتْبَعْهُ فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُ . قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى جَاءَهُ فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ: مُحَمّدٌ فَاخْرُجْ إلَيّ فَخَرَجَ إلَيْهِ وَمَا فِي وَجْهِهِ مِنْ رَائِحَةٍ قَدْ اُنْتُقِعَ لَوْنُهُ فَقَالَ أَعْطِ هَذَا الرّجُلَ حَقّهُ قَالَ نَعَمْ لَا تَبْرَحْ حَتّى أُعْطِيَهُ الّذِي لَهُ قَالَ فَدَخَلَ فَخَرَجَ إلَيْهِ بِحَقّهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ . ( قَالَ ) : ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لِلْإِرَاشِيّ الْحَقْ بِشَأْنِك ،فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيّ حَتّى وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَقَالَ :جَزَاهُ اللّهُ خَيْرًا ، فَقَدْ وَاَللّهِ أَخَذَ لِي حَقّي .

قَالَ: وَجَاءَ الرّجُلُ الّذِي بَعَثُوا مَعَهُ فَقَالُوا : وَيْحَك مَاذَا رَأَيْت ؟ قَالَ عَجَبًا مِنْ الْعَجَبِ وَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَخَرَجَ إلَيْهِ وَمَا مَعَهُ رُوحُهُ فَقَالَ لَهُ أَعْطِ هَذَا حَقّهُ فَقَالَ نَعَمْ لَا تَبْرَحْ حَتّى أُخْرِجَ إلَيْهِ حَقّهُ فَدَخَلَ فَخَرَجَ إلَيْهِ بِحَقّهِ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ . قَالَ: ثُمّ لَمْ يَلْبَثْ أَبُو جَهْلٍ أَنْ جَاءَ فَقَالُوا ( لَهُ ): وَيْلَك مَا لَك ؟ وَاَللّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَنَعْت قَطّ قَالَ: وَيْحَكُمْ وَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيّ بَابِي ، وَسَمِعْت صَوْتَهُ فَمُلِئَتْ رُعْبًا ، ثُمّ خَرَجْتُ إلَيْهِ وَإِنّ فَوْقَ رَأْسِهِ لَفَحْلًا مِنْ الْإِبِلِ مَا رَأَيْت مِثْلَ هَامَتِهِ وَلَا قَصَرَتِهِ وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قَطّ ، وَاَللّهِ لَوْ أَبَيْتُ لَأَكَلَنِي"  [421]

وسند القصة منقطع كما هو ظاهر.

وكذلك قصة ذهاب كفار قريش بعمارة بن الوليد بن المغيرة إلى أبي طالب ليأخذه بدلاً من رسول الله ويعطيهم إياه ليقتلوه . ذكرها ابن إسحاق بلا سند[422]

باب: إسلام عمرو بن عَبَسة رضي الله عنه :

روى مسلم عن أبي أمامة قال:

قال عمرو بن عبسة السلمي: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة ، وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان, فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارًا فقعدت على راحلتي فقدمت عليه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيًا، جرآء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له: ما أنت؟ قال: «أنا نبي» فقلت: وما نبي؟ قال: «أرسلني الله» فقلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: «أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يُشرك به شيء» قلت له: فمن معك على هذا؟ قال: «حر وعبد» قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به فقلت: إني متبعك قال: «إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس؟ ولكن ارجع إلى أهلك، فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني».

قال فذهبت إلى أهلي ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكنت في أهلي، فجعلت أتخير الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة، حتى قدم عليَّ نفر من أهل يثرب من أهل المدينة فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سِراع، وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة فدخلت عليه، فقلت: يا رسول الله أتعرفني؟ قال: «نعم. أنت الذي لقيتني بمكة».

وذكر بقية الحديث وفيه أنه سأله عن الصلاة والوضوء([423]).

 

باب: إسلام أبي ذر(جندب بن جنادة) رضي الله عنه.

روى ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر قال : كنت ربع الإسلام ، أسلم قبلي ثلاثة ، وأنا الرابع ، أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت له : السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فرأيت الاستبشار في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( من أنت ؟ ) فقلت : إني جندب رجل من بني غفار "([424])

قال الشيخ(ابن حبان) - عقب الحديث- : قول أبي ذر : كنت رابع الإسلام أراد من قومه، لأن في ذلك الوقت أسلم الخلق من قريش وغيرهم.أهـ

قلت: ويحتمل أنه أخبر على حسب علمه.فإن كثيرًا من المسلمين كانوا لا يظهرون إسلامهم.فلا يعلم الناس بإسلامهم ، وقد يُستدل بهذا على أن إسلامه كان متقدمًا وأنه أسلم في الوقت الذي كانوا يخفون فيه إسلامهم . إلا أن حديث عبادة بن الصامت عند مسلم يدل على تأخر إسلامه عن ذلك .

وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِأَخِيهِ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الوَادِي فَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، يَأْتِيهِ الخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، وَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِي،

فَانْطَلَقَ الأَخُ حَتَّى قَدِمَهُ، وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ لَهُ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ، وَكَلاَمًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ، فَقَالَ: مَا شَفَيْتَنِي مِمَّا أَرَدْتُ، فَتَزَوَّدَ وَحَمَلَ شَنَّةً لَهُ فِيهَا مَاءٌ، حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَأَتَى المَسْجِدَ فَالْتَمَسَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ بَعْضُ اللَّيْلِ، فَاضْطَجَعَ فَرَآهُ عَلِيٌّ فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ، فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ فَلَمْ يَسْأَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ احْتَمَلَ قِرْبَتَهُ وَزَادَهُ إِلَى المَسْجِدِ، وَظَلَّ ذَلِكَ اليَوْمَ وَلاَ يَرَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَمْسَى، فَعَادَ إِلَى مَضْجَعِهِ، فَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ فَقَالَ: أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَهُ؟ فَأَقَامَهُ فَذَهَبَ بِهِ مَعَهُ، لاَ يَسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ، فَعَادَ عَلِيٌّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ،

فَأَقَامَ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ: أَلاَ تُحَدِّثُنِي مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ؟ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي عَهْدًا وَمِيثَاقًا لَتُرْشِدَنِّي فَعَلْتُ، فَفَعَلَ فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: فَإِنَّهُ حَقٌّ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَاتْبَعْنِي، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ شَيْئًا أَخَافُ عَلَيْكَ قُمْتُ كَأَنِّي أُرِيقُ المَاءَ، فَإِنْ مَضَيْتُ فَاتْبَعْنِي حَتَّى تَدْخُلَ مَدْخَلِي فَفَعَلَ، فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي»

قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى المَسْجِدَ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ القَوْمُ فَضَرَبُوهُ حَتَّى أَضْجَعُوهُ، وَأَتَى العَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ، قَالَ: وَيْلَكُمْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ غِفَارٍ، وَأَنَّ طَرِيقَ تِجَارِكُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ عَادَ مِنَ الغَدِ لِمِثْلِهَا، فَضَرَبُوهُ وَثَارُوا إِلَيْهِ، فَأَكَبَّ العَبَّاسُ عَلَيْهِ "[425].

 

قال ابن حجر في الفتح: وهذا يدل على أن قصة أبي ذر وقعت بعد المبعث بأكثر من سنتين بحيث يتهيأ لعلي أن يستقل بمخاطبة الغريب ويضيفه فإن الأصح في سن علي حين المبعث كان عشر سنين وقيل أقل من ذلك وهذا الخبر يقوي القول الصحيح في سِنِّه. أهـ[426]

 

وقد جاء أمر إسلامه رضي الله عنه مبسوطاً في صحيح مسلم   ومسند أحمد وغيرهما عن عبد الله بن الصامت قال:  قَالَ أَبُو ذَرٍّ:

خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارٍ، وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا، فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا، فَأَكْرَمَنَا خَالُنَا وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا، فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ، فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَا عَلَيْنَا الَّذِي قِيلَ لَهُ، فَقُلْتُ: أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، وَلَا جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ .

.

فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا، فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا، وَتَغَطَّى خَالُنَا ثَوْبَهُ فَجَعَلَ يَبْكِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيَا الْكَاهِنَ، فَخَيَّرَ أُنَيْسًا، فَأَتَانَا أُنَيْسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا. قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ، يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثِ سِنِينَ،

قُلْتُ: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، قُلْتُ: فَأَيْنَ تَوَجَّهُ؟ قَالَ: أَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُوَجِّهُنِي رَبِّي، أُصَلِّي عِشَاءً حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ، حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ.

فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي، فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَرَاثَ عَلَيَّ، ثُمَّ جَاءَ فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ، يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ،

قُلْتُ: فَمَا يَقُولُ النَّاسُ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، سَاحِرٌ، وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ.

قَالَ أُنَيْسٌ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ، فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِي، أَنَّهُ شِعْرٌ، وَاللهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ، وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ.

قَالَ: قُلْتُ: فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ، قَالَ فَأَتَيْتُ مَكَّةَ فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ،

فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ؟ فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: الصَّابِئَ، فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلٍّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ، حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، قَالَ: فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ، كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ،

قَالَ: فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ: وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا، وَلَقَدْ لَبِثْتُ، يَا ابْنَ أَخِي ثَلَاثِينَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ.

قَالَ: فَبَيْنَا أَهْلِ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانٍ، إِذْ ضُرِبَ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ، فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ. وَامْرَأَتَانِ مِنْهُمْ تَدْعُوَانِ إِسَافًا، وَنَائِلَةَ، قَالَ: فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الْأُخْرَى، قَالَ: فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا قَالَ: فَأَتَتَا عَلَيَّ فَقُلْتُ: هَنٌ مِثْلُ الْخَشَبَةِ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَكْنِي فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلَانِ، وَتَقُولَانِ: لَوْ كَانَ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا ، قَالَ فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَهُمَا هَابِطَانِ، قَالَ: «مَا لَكُمَا؟» قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا، قَالَ: «مَا قَالَ لَكُمَا؟» قَالَتَا: إِنَّهُ قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلَأُ الْفَمَ، وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، وَطَافَ بِالْبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ، ثُمَّ صَلَّى فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ - قَالَ أَبُو ذَرٍّ - فَكُنْتُ أَنَا أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، قَالَ فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ» ثُمَّ قَالَ «مَنْ أَنْتَ؟» قَالَ قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ، قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ،

فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِ انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارٍ، فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ، فَقَدَعَنِي صَاحِبُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: «مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا؟» قَالَ قُلْتُ: قَدْ كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، قَالَ: «فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟» قَالَ قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ، قَالَ: «إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَابًا، فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا، ثُمَّ غَبَرْتُ مَا غَبَرْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:

«إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ، لَا أُرَاهَا إِلَّا يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ؟ عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ» فَأَتَيْتُ أُنَيْسًا فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ ، قَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ،

فَأَتَيْنَا أُمَّنَا، فَقَالَتْ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ، فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارًا، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ أَيْمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ وَكَانَ سَيِّدَهُمْ. وَقَالَ نِصْفُهُمْ: إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَسْلَمْنَا، فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ الْبَاقِي وَجَاءَتْ أَسْلَمُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِخْوَتُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ، فَأَسْلَمُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ ))[427].

 

قال ابن حجر : كأنه-أي:أباذر- كان يعرف علامات النبي صلى الله عليه وسلم  فلما تحققها لم يتردد في الإسلام ، هكذا في هذه الرواية- أي:رواية البخاري عن ابن عباس- ومقتضاها أن التقاء أبي ذر بالنبي صلى الله عليه وسلم كان بدلالة عليٍّ وفي رواية عبد الله بن الصامت أن أبا ذر لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر في الطواف بالليل ، قال: فلما قضى صلاته قلت :السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته .....فذكر الحديث في شأن زمزم وأنه استغنى بها عن الطعام والشراب ثلاثين من بين يوم وليلة.. وفيه: فقال أبو بكر: ائذن لي يا رسول الله في طعامه الليلة وأنه أطعمه من زبيب الطائف.. الحديث ، وأكثره مغاير لما في حديث ابن عباس هذا عن أبي ذر.

ويمكن التوفيق بينهما بأنه لقيه أولاً مع عليّ ثم لقيه في الطواف أو بالعكس ، وحفظ كل منهما عنه ما لم يحفظ الآخر ، كما في رواية عبد الله بن الصامت من الزيادة ما ذكرناه ففي رواية ابن عباس أيضا من الزيادة قصته مع عليّ وقصته مع العباس وغير ذلك. وقال القرطبي: في التوفيق بين الروايتين تكلف شديد ولا سيما أن في حديث عبد الله بن الصامت أن أبا ذر أقام ثلاثين لا زاد له ، وفي حديث ابن عباس لأنه كان معه زاد وقربة ماء إلى غير ذلك.

قلت: ويحتمل الجمع بأن المراد بالزاد في حديث ابن عباس ما تزوده لما خرج من قومه، ففرغ لما أقام بمكة، والقربة التي كانت معه كان فيها الماء حال السفر ، فلما أقام بمكة لم يحتج إلى ملئها ولم يطرحها .أهـ[428]

وقال أيضًا([429]) : وفي الحديث دلالة على تقدم إسلام أبي ذر لكن الظاهر أن ذلك كان بعد المبعث بمدة طويلة لما فيه من الحكاية عن عليٍّ ، كما قدمناه ، ومن قوله أيضًا في رواية عبد الله بن الصامت (إني وجهت إلى أرض ذات نخل) فإن ذلك يشعر بأن وقوع ذلك كان قرب الهجرة و الله أعلم. أهـ  ([430])

باب: مفاوضات ومساومات قريش للنبي صلى الله عليه وسلم

 

قال تعالى:{ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ  } [القلم:9]

وقال تعالى:{ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً  *وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } [الإسراء:73-74]

وروى الحاكم عن ابن عباس : أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رقَّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال : يا عم! إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً. قال: لم؟ قال: ليعطوكه؛ فإنك أتيت محمداً لتعرّض ما قِبَلَه.

قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً.

قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له.

قال: وماذا أقول؟ فوالله؛ ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجن، والله؛ ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، ووالله؛ إن لقوله الذي يقوله حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى، وإنه ليحطم ما تحته.

قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه.

قال: فدعني حتى أفكر فيه.

فلما فكر قال: إن هذا إلا سحر يؤثر، يأثره عن غيره. فنزلت: ﴿ذرني ومن خلقت وحيداً. وجعلت له مالاً ممدوداً. وبنين شهوداً﴾ [المدثر: 11-13] الآيات[431] .

 

و روى ابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم قال: قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: إِنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ عَرَفْتُ فِيهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي كُنْتُ أَمْشِي مَعَ أَبِي جَهْلٍ بِمَكَّةَ , فَلَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْحَكَمِ , " هَلُمَّ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى كِتَابِهِ أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ , فَقَالَ:

يَا مُحَمَّدُ , مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ عَنْ سَبِّ آلِهَتِنَا , هَلْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ نَشْهَدَ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ , فَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ , قَالَ: فَانْصَرَفَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقُولُ حَقٌّ وَلَكِنْ بَنِي قَصِيٍّ قَالُوا: فِينَا الْحِجَابَةُ , فَقُلْنَا: نَعَمْ , ثُمَّ قَالُوا: فِينَا الْقِرَى , فَقُلْنَا: نَعَمْ , ثُمَّ قَالُوا: فِينَا النَّدْوَةُ , فَقُلْنَا: نَعَمْ , ثُمَّ قَالُوا: فِينَا السِّقَايَةُ , فَقُلْنَا نَعَمْ , ثُمَّ أَطْعَمُوا وَأَطْعَمْنَا حَتَّى إِذَا تَحَاكَّتِ الرُّكَبُ قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ، وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ " [432]


وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن جابر بن عبد الله قال:

اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ يَوْمًا فَقَالُوا: انْظُرُوا أَعْلَمَكُمْ بِالسِّحْرِ وَالْكَهَانَةِ وَالشِّعْرِ، فَلْيَأْتِ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَشَتَّتْ أَمْرَنَا وَعَابَ دِينَنَا فَلْيُكَلِّمْهُ وَلْيَنْظُرْ مَاذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا غَيْرَ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، فَقَالُوا: أَنْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ , فَأَتَاهُ عُتْبَةُ فَقَالَ:

يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنْكَ فَقَدْ عَبَدُوا الْآلِهَةَ الَّتِي عِبْتَهَا، وَإِنْ كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْهُمْ فَتَكَلَّمْ حَتَّى نَسْمَعَ قَوْلَكَ , إِنَّا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا سَخْلَةً قَطُّ أَشْأَمَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْكَ، فَرَّقْتَ جَمَاعَتَنَا وَشَتَّتَ أَمْرَنَا وَعِبْتَ دِينَنَا وَفَضَحْتَنَا فِي الْعَرَبِ حَتَّى لَقَدْ طَارَ فِيهِمْ أَنَّ فِي قُرَيْشٍ سَاحِرًا، وَأَنَّ فِي قُرَيْشٍ كَاهِنًا، وَاللَّهِ مَا نَنْتَظِرُ إِلَّا مِثْلَ صَيْحَةِ الْحُبْلَى أَنْ يَقُولَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ بِالسُّيُوفِ حَتَّى نَتَفَانَى،
 أَيُّهَا الرَّجُلُ، إِنْ كَانَ إِنَّمَا بِكَ الْبَاءَةُ فَاخْتَرْ أَيَّ نِسَاءِ قُرَيْشٍ وَنُزَوِّجُكَ عَشْرًا، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا بِكَ الْحَاجَةُ جَمَعْنَا لَكَ حَتَّى تَكُونَ أَغْنَى قُرَيْشٍ رَجُلًا وَاحِدًا،

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَرَغْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» حَتَّى بَلَغَ « {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ» } [فصلت: 13] فَقَالَ عُتْبَةُ: حَسْبُكَ حَسْبُكَ مَا عِنْدَكَ غَيْرَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ شَيْئًا أَرَى أَنَّكُمْ تُكَلِّمُونَهُ بِهِ إِلَّا وَقَدْ كَلَّمْتُهُ بِهِ، فَقَالُوا: فَهَلْ أَجَابَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَا وَالَّذِي نَصَبَهَا بَيِّنَةً مَا فَهِمْتُ شَيْئًا مِمَّا قَالَ، غَيْرَ أَنَّهُ أَنْذَرَكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ، قَالُوا: وَيْلَكَ يُكَلِّمُكَ رَجُلٌ بِالْعَرَبِيَّةِ لَا تَدْرِي مَا قَالَ؟، قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا فَهِمْتُ شَيْئًا مِمَّا قَالَ غَيْرَ ذِكْرِ الصَّاعِقَةِ ))[433]

وقد رواه البيهقي عن الحاكم بسنده عن الأجلح به وزاد:

وإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا ألويتنا لك ؛ فكنت رأساً ما بقيت. وعنده أنه لما قال: ﴿فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود﴾؛ أمسك عتبة على فيه، وناشده الرحم أن يكف عنه، ولم يخرج إلى أهله، واحتبس عنهم.

فقال أبو جهل: والله يا معشر قريش! ما نرى عتبة إلا صبا إلى محمد، وأعجبه كلامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته، انطلقوا بنا إليه. فأتوه، فقال أبو جهل: والله يا عتبة! ما جئنا إلا أنك صبوت إلى محمد، وأعجبك أمره، فإن كان بك حاجة ؛ جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن محمد .

فغضب، وأقسم بالله لا يكلم محمداً أبداً، وقال: لقد علمتم أني من أكثر قريش مالاً، ولكني أتيته – وقص عليهم القصة – فأجابني بشيء – والله؛ ما هو بسحر ولا بشعر ولا كهانة – قرأ : (( ﴿بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تنزيل من الرحمن الرحيم﴾حتى بلغ: ﴿ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود﴾ ))، فأمسكت بفيه، وناشدته الرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب، فخفت أن ينزل عليكم العذاب" [434].

قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال : حُدثتُ أَنَّ عُتبة بْنَ رَبِيعَةَ، وَكَانَ سَيِّدًا، قَالَ يَوْمًا وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَلَا أَقُومُ إلَى مُحَمَّدٍ فَأُكَلِّمَهُ وَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أُمُورًا لَعَلَّهُ يقبلُ بعضَها فَنُعْطِيهِ أَيَّهَا شَاءَ، وَيَكُفُّ عَنَّا؟ وَذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَ حمزةُ، ورأوْا أصحابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَزِيدُونَ ويكثُرون؛ فَقَالُوا: بَلَى يَا أَبَا الْوَلِيدِ، قُمْ إلَيْهِ فكلمْه؛ فَقَامَ إلَيْهِ عُتبة حَتَّى جَلَسَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يابن أَخِي، إنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ علمتَ مِنْ السِّطَة فيِ الْعَشِيرَةِ، وَالْمَكَانِ فِي النَّسَبِ، وَإِنَّكَ أَتَيْتَ قومَك بِأَمْرِ عَظِيمٍ فرَّقت بِهِ جَمَاعَتَهُمْ وسفهتَ بِهِ أحلامَهم وعِبتَ بِهِ آلِهَتَهُمْ وَدِينَهُمْ وكفَّرت بِهِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ، فَاسْمَعْ مِنِّي أعرضْ عَلَيْكَ أُمُورًا تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلَّكَ تَقْبَلُ مِنْهَا بَعْضَهَا. قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُلْ يَا أبا الوليد، أسمع"، قال: يابنَ أَخِي، إنْ كنتَ إنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جئتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا، حَتَّى لَا نَقْطَعَ أَمْرًا دُونَكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا: وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ رَئِيًّا تَرَاهُ لَا تَسْتَطِيعُ رَدَّهُ عَنْ نفسِك، طَلَبْنَا لَكَ الطبَّ، وَبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا حَتَّى نبرئَك مِنْهُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ التابعُ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُدَاوَى مِنْهُ أَوْ كَمَا قَالَ لَهُ، حَتَّى إذَا فَرَغَ عُتْبَةُ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَمِعُ مِنْهُ، قَالَ: "أَقَدْ فَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ " قَالَ: نَعَمْ قَالَ: "فَاسْمَعْ مِنِّي"؛ قَالَ: أَفْعَلُ. فَقَالَ: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {حم *  تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[ سورة فصلت:] ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ فَلَمَّا سَمِعَهَا مِنْهُ عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهَا، وَأَلْقَى يَدَيْهِ خلفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ؛ ثمِ انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى السَّجْدَةِ مِنْهَا، فَسَجَدَ ثُمَّ قَالَ: قَدْ سَمِعْتَ يَا أبا الوليد ما سمعتَ، فأنت وذاك.

فَقَامَ عُتْبَةُ إلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: نَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بغيرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ. فَلَمَّا جَلَسَ إلَيْهِمْ قَالُوا: مَا وراءَك يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ: وَرَائِي أَنِّي قَدْ سمعتُ قَوْلًا وَاَللَّهِ مَا سَمِعْتُ مثلَه قطُّ، وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِالشِّعْرِ، وَلَا بِالسِّحْرِ، وَلَا بِالْكِهَانَةِ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَطِيعُونِي وَاجْعَلُوهَا بِي، وخلُّوا بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ فاعتزِلوه، فَوَاَللَّهِ لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي سمعتُ مِنْهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ، فَإِنْ تصبْه الْعَرَبُ فَقَدْ كُفيتموه بغيرِكم، وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَى الْعَرَبِ فملُكه ملكُكم، وعزُّه عِزُّكُمْ، وَكُنْتُمْ أسْعَدَ النَّاسِ بِهِ؛ قَالُوا: سَحَرَكَ وَاَللَّهِ يَا أَبَا الْوَلِيدِ بِلِسَانِهِ؛ قَالَ: هَذَا رَأْيِي فِيهِ، فاصنعوا ما بدا لكم"[435] .

روى ابن جريرفي تاريخه عن ابن عباس :  أن قريشًا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالاً، فيكون أغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من النساء، ويطؤوا عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد! وكف عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء.

فإن لم تفعل؛ فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، فهي لك ولنا فيها صلاح.

قال: ((ما هي؟)).

قالوا: تعبد آلهتنا سنة: اللات والعزى، ونعبد إلهك سنة. قال: ((حتى أنظر ما يأتي من عند ربي)) فجاء الوحي من اللوح المحفوظ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ.. }السورة، وأنزل الله تعالى{ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ } إلى قوله { بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ }[الزمر:64-66]"[436] .

وقد ساوم الملأ من كفار قريشٍ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على أن يطرد ضعفاء المسلمين فقالوا:لو طردت هؤلاء عنك لغشيناك وحضرنا مجلسك! فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَرَّ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ صُهَيْبٌ، وَبِلَالٌ، وَعَمَّارٌ، وَخَبَّابٌ وَنَحْوُهُمْ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، اطْرُدْهُمْ، أَرَضِيتَ هَؤُلَاءِ مِنْ قَوْمَكَ، أَفَنَحْنُ نَكُونُ تَبَعًا لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا، فَلَعَلَّ إِنْ طَرَدْتَهُمْ أَنْ تَأْتِيَكَ، قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: " {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيُّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 52]))[437] .

ويشهد لهذه الرواية ما رواه مسلم وغيره عَنْ سَعْدٍ بن أبي وقاص، قَالَ: " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ لَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا. قَالَ وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ، وَبِلَالٌ، وَرَجُلَانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقَعَ فَحَدَّثَ نَفْسَهُ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ "[438]

ومما لا يصح:

قصة الغرانيق العلى[439].والتي مختصرها أنه لما أنزل الله عز وجل سورة النجم{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى }وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم فلما انتهى إلى قوله { أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) } ألقى الشيطان على لسانه ( تلك الغرانيق العلا وإن شافعتهن لترتجى ) فلما سمعت ذلك قريش منه فرحوا وسرهم فلما انتهى إلى السجدة منها وختم السورة سجد فيها فسجد المسلمون بسجود نبيهم تصديقا لما جاء به واتباعا لأمره وسجد من في المسجد من المشركين من قريش وغيرهم لما سمعوا من ذكر آلهتهم فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة فإنه كان شيخا كبيرا فلم يستطع السجود فأخذ بيده حفنة من البطحاء فسجد عليها ثم تفرق الناس من المسجد وخرجت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم يقولون قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر قد زعم فيما يتلو أنها الغرانيق العلا وأن شفاعتهن ترتضى وبلغت السجدة من بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل أسلمت قريش فنهض منهم رجال وتخلف آخرون وأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد ماذا صنعت لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله عز وجل وقلت ما لم يقل لك فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك حزنا شديدا فأنزل الله عز وجل{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[سورة الأنبياء: (52) ]فأذهب الله عز وجل عن نبيه الحزن وآمنه من الذي كان يخاف.

باب: تعذيب المشركين لمن أسلم

 

تضاعف أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه ،حتى وصل إلى ذروة العنف،

وخاصة في معاملة المستضعفين من المسلمين ، فنكلت بهم لتفتنهم عن عقيدتهم وإسلامهم، ولتجعلهم عبرة لغيرهم، ولتنفس عن حقدها وغضبها، بما تصبه عليهم من العذاب.

ووثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين، فجعلوا يحبسونهم، ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش، وبرمضاء (مكة) إذا اشتد الحر،  فمنهم من يفتن من شدة البلاء الذي يصيبهم، ومنهم من يثبت ويعصمه الله منهم .

روى أحمد وغيره عن عبد الله بن مسعود قال : كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ , وَصُهَيْبٌ، وَبِلَالٌ، وَالْمِقْدَادُ، فَأَمَّا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَنَعَهُ اللهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ  فَمَنَعَهُ اللهُ بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ  فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ , وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ[440] عَلَى مَا أَرَادُوا، إِلَّا بِلَالٌ - رضي الله عنه - فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللهِ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ , فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ  وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ  أَحَدٌ." ([441]) .

فالحديث يبين شدة ما لاقاه عمار وأمه وصهيب وبلال والمقداد من التعذيب ، ولا يعني نفي الإيذاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وإنما لم يكن إيذاؤهم من جنس ما أوذي به الآخرون لما لهم من مكانة .وقد مر بعض ما أوذي به صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في الحديث الصحيح أن أبا بكر – مع مكانته-أوذي أيضًا وهمَّ بالخروج من مكة لولا أن أجاره ابن الدغنة سيد الأحابيش كما ورد في الصحيح وسيأتي بعد.

وقد روى الْحُمَيْدِيُّ واللفظ له- وسعيد بن منصور "عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهَا: مَا أَشَدَّ مَا رَأَيْتِ الْمُشْرِكِينَ بَلَغُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ قَعَدُوا فِي الْمَسْجِدِ يَتَذَاكَرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَقُولُ فِي آلِهَتِهِمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامُوا إِلَيْهِ، وَكَانُوا إِذَا سَأَلُوا عَنْ شَيْءٍ صَدَقَهُمْ، فَقَالُوا: أَلَسْتَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: «بَلَى» فَتَشَبَّثُوا بِهِ بِأَجْمَعِهِمْ ، فَأَتَى الصَّرِيخُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقِيلَ لَهُ: أَدْرِكْ صَاحِبَكَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِنَا، وَإِنَّ لَهُ غَدَايِرَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ يَقُولُ: وَيْلَكُمْ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ، قَالَ: فَلَهَوْا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْبَلُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَرَجَعَ إِلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ فَجَعَلَ لَا يَمَسُّ شَيْئًا مِنْ غَدَايِرِهِ إِلَّا جَاءَ مَعَهُ وَهُوَ يَقُولُ: تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ"([442]) .

.وماروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها, أنه لما اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً ألحَّ أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور، فقال: «يا أبا بكر إنا قليل» فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيبًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فكان أول خطيب دعا إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين، فضربوهم في نواحي المسجد ضربًا شديدًا،ووُطئ أبو بكر وضرب ضربًا شديدًا، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويُحرِّفهما لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر رضي الله عنه ، حتى ما يعرف وجهه من أنفه،...فهو ضعيف السند لا يثبت. ([443]).

 

* كان بلال بن رباح رضي الله عنه مع شدة ما لاقاه من التعذيب صابرا ثابتًا لم يضعف ، وعندما صبر على هذا الابتلاء الشديد قيد الله تعالى له أبا بكر فاشتراه وأعتقه ، فعن قَيْسٍ : أَنَّ بِلَالًا - رضي الله عنه - قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه -: إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا اشْتَرَيْتَنِي لِنَفْسِكَ  فَأَمْسِكْنِي ، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا اشْتَرَيْتَنِي للهِ  فَدَعْنِي وَعَمَلَ اللهِ"([444])  . وَعَنْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ: «أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا، وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا، يَعْنِي بِلاَلًا» ([445])  .

و قد رفع الله مكانته بين المسلمين وأصبح بعد ذلك مؤذن الرسول بالمدينة ، و سمع النبي صلى الله عليه وسلم خشف نعليه في  الجنة كما روى البخاري و مسلم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلاَلٍ: «عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ» قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ " [446]

 

* وممن اشتد عليهم العذاب آل ياسر: إذ لما أسلم ياسر وسمية وعمار ، وأخوه عبد الله بن ياسر، غضب عليهم مواليهم بنو مخزوم غضبًا شديدًا صبوا عليهم العذاب صبًّا، كانوا يخرجونهم إذا حميت الظهيرة فيعذبونهم برمضاء مكة ويقلبونهم ظهرًا لبطن([447]) ، فيمر عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون فلا يستطيع أن يدفع عنهم فيثبتهم ويدعو لهم ويبشرهم بالجنة.

روى الحاكم: عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعمار وأهله وهم يعذبون، فقال:

((أبشروا آل عمار وآل ياسر! فإن موعدكم الجنة)) ([448]) .

.قلت: وفي  عمار وأمثاله أنزل الله تعالى : ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النحل: 106] [449] .

فهؤلاء كانوا معذورين بما حصل لهم من الإهانة والعذاب البليغ [450]، أجارنا الله من ذلك بحوله وقوته.

وماتت من هذا التعذيب سمية – أم عمار-فهي أول شهيدة في الإسلام رضي الله عنها[451]..

وقد روى ابن إسحاق قال : حَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَبْلُغُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَذَابِ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فِي تَرْكِ دِينِهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاَللَّهِ، إنْ كَانُوا لَيَضْرِبُونَ أَحَدَهُمْ وَيُجِيعُونَهُ وَيُعَطِّشُونَهُ حَتَّى مَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْتَوِيَ جَالِسًا مِنْ شِدَّةِ الضُّرِّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ، حَتَّى يُعْطِيَهُمْ مَا سَأَلُوهُ مِنْ الْفِتْنَةِ، حَتَّى يَقُولُوا لَهُ، آللَّاتُ وَالْعُزَّى إلَهُكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، حَتَّى إنَّ الْجُعَلَ لَيَمُرُّ بِهِمْ، فَيَقُولُونَ لَهُ: أَهَذَا الْجُعَلُ إلَهُكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، افْتِدَاءً مِنْهُمْ مِمَّا يَبْلُغُونَ مِنْ جَهْدِهِ."([452])  وسنده ضعيف لضعف حكيم ،ولكن سبق قول عبد الله بن مسعود – في شأن عمار وصهيب وخباب- :(فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا )وهو يؤيد أن بعض المُعَذَّبين من المؤمنين قد أعطوا المشركين ما طلبوه منهم تحت وطأة التعذيب.

* وممن اشتد عليهم العذاب:خباب بن الأرت.  روى البخاري: عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ ،قَالَ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ: لَا أَكْفُرُ حَتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ ثُمَّ تُبْعَثَ ، قَالَ: دَعْنِي حَتَّى أَمُوتَ وَأُبْعَثَ فَسَأُوتَى مَالًا وَوَلَدًا فَأَقْضِيكَ فَنَزَلَتْ {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}[453][مريم: 77-78].

وروى البخاري عن خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ ،فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ"[454] .

وروى ابن ماجة: عَنْ أَبِي لَيْلَى الْكِنْدِيِّ، قَالَ: جَاءَ خَبَّابٌ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: «ادْنُ، فَمَا أَحَدٌ أَحَقَّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْكَ إِلَّا عَمَّارٌ، فَجَعَلَ خَبَّابٌ يُرِيهِ آثَارًا بِظَهْرِهِ مِمَّا عَذَّبَهُ الْمُشْرِكُونَ» [455] .

* ومنهم سعد بن أبي وقاص:

روى مسلم:عن مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ... - قَالَ - حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لاَ تُكَلِّمَهُ أَبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ وَلاَ تَأْكُلَ وَلاَ تَشْرَبَ. قَالَتْ: زَعَمْتَ أَنَّ اللَّهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ وَأَنَا أُمُّكَ وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا. قَالَ مَكَثَتْ ثَلاَثًا حَتَّى غُشِىَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ ،فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ فَسَقَاهَا ، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى الْقُرْآنِ هَذِهِ الآيَةَ {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}[العنكبوت:8] {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِى} وَفِيهَا {وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان :15 ]

وَفِى حَدِيثِهِ أَيْضًا : فَضَرَبَ بِهِ أَنْفَ سَعْدٍ فَفَزَرَهُ وَكَانَ أَنْفُ سَعْدٍ مَفْزُورًا" [456] .

وقال ابن كثير: «قال الطبراني في كتاب العشرة :إن سعدًا قال: أنزلت فيّ هذه الآية: ({وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا }) [العنكبوت: 8].  قال: كنت رجلاً برًا بأمي فلما أسلمتُ قالت: يا سعد: ما هذا الدين الذين أراك قد أحدثت، لتدعنَّ دينك هذا, أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي, فيقال: يا قاتل أمه، فقلت: لا تفعلي يا أمه فإني لا أدع ديني لشيء، فَمَكَثت يومًا وليلة لم تأكل، فأصبحت قد جهدت، فمكثت يومًأ آخر وليلة أخرى لم تأكل، فأصبحت قد جهدت، فمكثت يومًا وليلة أخرى لا تأكل، فأصبحت قد اشتد جهدها، فلما رأيت ذلك قلت يا أُمَّه تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني هذا لشيء، فإن شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي، فأكلت" ([457]).

فمحنة سعد محنة نفسية عظيمة، وموقفه موقف فذ يدل على مدى تغلغل الإيمان في قلبه، وأنه لا يقبل فيه مساومة مهما كانت النتيجة.

* ومنهم عبد الله بن مسعود:

فبالرغم من أن ابن مسعود كان حليفًا وليس له عشيرة تحميه، ومع أنه كان ضئيل الجسم ، دقيق الساقين، فإن ذلك لم يحل دون ظهور شجاعته وقوة نفسه رضي الله عنه ،وله مواقف رائعة في ذلك, منها ذلك المشهد المثير في مكة، وإبان الدعوة وشدة وطأة قريش عليها، فلقد وقف على ملئهم وجهر بالقرآن، فقرع به أسماعهم المقفلة وقلوبهم المغلَّفة.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ أَوّلُ مَنْ جَهَرَ بِالْقُرْآنِ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِمَكّةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - قَالَ اجْتَمَعَ يَوْمًا أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالُوا : وَاَللّهِ مَا سَمِعَتْ قُرَيْشٌ هَذَا الْقُرْآنَ يُجْهَرُ لَهَا بِهِ قَطّ ، فَمَنْ رَجُلٌ يُسْمِعُهُمُوهُ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : أَنَا ؛ قَالُوا : إنّا نَخْشَاهُمْ عَلَيْك ، إنّمَا نُرِيدُ رَجُلًا لَهُ عَشِيرَةٌ يَمْنَعُونَهُ مِنْ الْقَوْمِ إنْ أَرَادُوهُ قَالَ دَعُونِي فَإِنّ اللّهَ سَيَمْنَعُنِي . قَالَ فَغَدَا ابْنُ مَسْعُودٍ حَتّى أَتَى الْمَقَامَ فِي الضّحَى ، وَقُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهَا ، حَتّى قَامَ عِنْدَ الْمَقَامِ ثُمّ قَرَأَ " بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ " رَافِعًا بِهَا صَوْتَهُ { الرّحْمَنُ *عَلّمَ الْقُرْآنَ }[سورة الرحمن 1-2]  قَالَ: ثُمّ اسْتَقْبَلَهَا يَقْرَؤُهَا .

قَالَ: فَتَأَمّلُوهُ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ مَاذَا قَالَ  ابن أم عبد؟ قَالَ ثُمّ قَالُوا : إنّهُ لَيَتْلُو بَعْضَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمّدٌ فَقَامُوا إلَيْهِ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ فِي وَجْهِهِ وَجَعَلَ يَقْرَأُ حَتّى بَلَغَ مِنْهَا مَا شَاءَ اللّهُ أَنّ يَبْلُغَ . ثُمّ انْصَرَفَ إلَى أَصْحَابِهِ وَقَدْ أَثّرُوا فِي وَجْهِهِ فَقَالُوا لَهُ هَذَا الّذِي خَشِينَا عَلَيْك ؛ فَقَالَ مَا كَانَ أَعْدَاءُ اللّهِ أَهْوَنَ عَلَيّ مِنْهُمْ الْآنَ وَلَئِنْ شِئْتُمْ لَأُغَادِيَنّهُمْ بِمِثْلِهَا غَدًا ؛ قَالُوا : لَا ، حَسْبُك ، قَدْ أَسْمَعْتَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ" ([458]) . وهذا مرسل قوي ويؤيده ما رواه يونس بن بكير عن عبد الرحمن بن عبد الله عن المطعم قال: كان أول من أفشى القرآن بمكة وعُذِّبَ  في رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه" [459]. وما رواه الفاكهي  عَنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: " أَوَّلُ مَنْ جَهَرَ بِالْقُرْآنِ بِمَكَّةَ مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ "[460]

* ومنهم سعيد بن زيد:

روى البخاري: عن قيس قال سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في مسجد الكوفة يقول:   «وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي، وَإِنَّ عُمَرَ لَمُوثِقِي عَلَى الإِسْلاَمِ، قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عُمَرُ » [461].

وغير هؤلاء من الصحابة الكرام تعرض للتعذيب من أهليهم، كعثمان بن عفان وعثمان بن  مظعون[462] ومصعب بن عمير وغيرهم ممن هاجر إلى الحبشة فرارًا بدينهم.

هذا، وقد ذكرت كتب السيرة أن التعذيب والأذى لم يكن مقصورًا على رجال المسلمين دون نسائهم، وإنما طال النساء أيضا قسط كبير من الأذى والعنت بسبب إسلامهن كسمية بنت خياط وفاطمة بنت الخطاب ولبيبة جارية بني المؤمل، وزنيرة الرومية، والنهدية وابنتها، وأم عبيس، وحمامة أم بلال وغيرهن([463]).

وروى ابن أبي شيبة: عْنِ عُرْوَةَ بن الزبير قَالَ : أَعْتَقَ أَبُو بَكْرٍ مِمَّا كَانَ يُعَذَّبُ فِي اللهِ سَبْعَةً : عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ وَبِلاَلاً وَزِنِّيرَة وَأَمَّ عُبَيْسٍ وَالنَّهْدِيَّةَ وابنتها ، وَجَارِيَةِ بني عَمْرِو بْنِ مُؤَمِّلٍ"([464]).

وذكر ابن إسحاق أيضا هؤلاء السبعة ([465]).

و روى الحاكم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لِأَبِي بَكْرٍ: أَرَاكَ تُعْتَقُ رِقَابًا ضِعَافًا ، فَلَوْ أَنَّكَ إِذْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ أَعْتَقَتْ رِجَالًا جَلْدًا يَمْنَعُونَكَ وَيَقُومُونَ دُونَكَ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: " يَا أَبَتِ إِنِّي إِنَّمَا أُرِيدُ مَا أُرِيدُ، لِمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِيهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 6] إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 19] " [466]    .

.

.

.

.

..

.

.

.

.

.

..

.

.

.

.

 

باب: تعنت المشركين وسؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواعاً من الآيات وخوارق  العادات.

 

سأل كفار مكة رسول الله آياتٍ عديدة على وجه التعنت و العناد لا على وجه الحق وطلب الهدى والرشاد فلهذا لم يجابوا إلى كثير مما طلبوا، ولا ما إليه رغبوا؛ لعلم الحق سبحانه؛ أنهم لو عاينوا وشاهدوا ما أرادوا لاستمروا في طغيانهم يعمهون، ولظلوا في غيهم وضلالهم يتردّون.

ولا يعني ذلك أن الله تعالى منعهم إجابة كل ما طلبوا بل أجابهم في بعض ما طلبوا حتى لا تكون لهم حجة ، وليظهر لنا حكمته تعالى في أنهم لن يؤمنوا بهذه الآيات كما حدث في آية انشقاق القمر قال تعالى: { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ }[القمر:1-3]

وقال تعالى : { وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآَيَاتُ عِنْدَ اللهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ *` وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ* وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } [الأنعام: 109-111].

وقال تعالى : ﴿الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ ءَايَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾[يونس: 96-97].

وقال تعالى : ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: 59].

وقال تعالى : ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا* أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: 90-93].

و قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى ([467]) بَل للهِ الأمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ }

[الرعد: 31].

فانظر كيف هداهم تفكيرهم المعوج أن يطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم مطالب، ليس الغرض منها التأكد من صدق النبي صلى الله عليه وسلم وإنما  غرضهم منها التعنت والتعجيز،

فطلبوا منه  صلى الله عليه وسلم:

أ- أن يفجر لهم من الأرض ينبوعًا: أي يجري لهم الماء عيونًا جارية.

ب- أو تكون له جنة من نخيل وأعناب يفجر الأنهار خلالها تفجيرًا: أي تكون له حديقة فيها النخل والعنب، و تتفجر الأنهار بداخلها.

ج- أو يسقط السماء كسفًا: أي يسقط السماء قطعًا كما سيكون يوم القيامة.

د- أو يأتي بالله والملائكة قبيلاً.

هـ- أو يكون له بيت من زخرف: أي ذهب.

و- أو يرقى في السماء: أي يتخذ سلمًا يرتقي عليه ويصعد إلى السماء.

ز- إنزال كتاب من السماء يقرؤونه، يقول مجاهد: أي مكتوب فيه إلى كل واحد صحيفة: هذا كتاب من الله لفلان ابن فلان تصبح موضوعة عند رأسه.

ح- طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم فيسير لهم الجبال، ويقطع الأرض، ويبعث من مضى من آبائهم من الموتى.

وليس أدل على أن القوم كانوا متعنتين وساخرين ، لا جادين ، من أن عندهم القرآن وهو آية الآيات، وبينة البينات، ولم يكتفوا به، لذلك لما سألوا ما اقترحوا من هذه الآيات وغيرهم رد عليهم سبحانه بقوله: { وَقَالُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآَيَاتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ *  أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * قُلْ كَفَى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [العنكبوت: 50-52].

وروى البخاري عن ابن عباس قال: «انْشَقَّ القَمَرُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ([468]).

وروى البخاري: عن أنس بن مالك؛ «أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ القَمَرَ شِقَّتَيْنِ ، حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا » ([469])..

 

ولهذا اقتضت الحكمة الإلهية والرحمة الربانية ألا يجابوا على ما سألوا ؛ لأن سنته سبحانه أنه إذا طلب قوم آيات فأجيبوا، ثم لم يؤمنوا ، عذَّبهم عذاب الاستئصال كما فعل بعاد وثمود وقوم فرعون.

روى  أحمد عن ابن عباس قال: سأل أهل (مكة) رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن ينحّي عنهم الجبال فيزدرعوا. فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم، وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم. قال :

((لا؛ بل أستأني بهم)).

فأنزل الله تعالى : ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء:59].([470]).

وتوجد رواية  صحيحة أخرى عنه عند عبد بن حميد والطبراني عن ابن عباس قال:

قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم : ادعُ لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهباً ونؤمن بك. قال: ((وتفعلوا؟)). قالوا: نعم.

قال: فدعا ، فأتاه جبريل فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: إن شئت أصبح الصفا لهم ذهباً، فمن كفر منهم بعد ذلك أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب الرحمة والتوبة. قال:

((بل  التوبة والرحمة))[471].

ومما ورد بسند ضعيف :

قال ابن إسحق : حدثني بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير وعن عكرمة مولى ابن عباس عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال:اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان بن حرب والنضر بن الحارث بن كلدة أخو بني عبدالدار وأبو البختري بن هشام والأسود بن المطلب بن أسد وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام وعبدالله بن أبي أمية والعاص بن وائل ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان وأمية بن خلف أو من اجتمع منهم . قال : اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ، ثم قال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه ، حتى تعذروا فيه، فبعثوا إليه : إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك فأتهم فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعًا ، وهو يظن أن قد بدا لهم فيما كلمهم فيه بداء، وكان عليهم حريصًا يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم حتى جلس إليهم، فقالوا له : يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنكلمك وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وشتمت الآلهة وسفهت الأحلام وفرقت الجماعة فما بقي أمر قبيح إلا جئته فيما بيننا وبينك - أو كما قالوا له - فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا، فنحن نسودك علينا، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك - وكانوا يسمون التابع من الجن رئيا - فربما كان ذلك بذلنا لك أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أونعذر فيك ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما بي ما تقولون ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم أو كما قال صلى الله عليه وسلم))

قالوا : يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضناه عليك فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدا ولا أقل ماء ولا أشد عيشا منا فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا وليبسط لنا بلادنا وليفجر لنا فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من مضى من آبائنا ، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب فإنه كان شيخ صدق فنسألهم عما تقول : أحق هو أم باطل ، فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا به منزلتك من الله وأنه بعثك رسولا كما تقول . فقال لهم صلوات الله وسلامه عليه : ((ما بهذا بعثت إليكم إنما جئتكم من الله بما بعثني به وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله تعالى حتى يحكم الله بيني وبينكم))

قالوا : فإذا لم تفعل هذا لنا فخذ لنفسك سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك وسله فليجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي فإنك تقوم بالأسواق كما نقوم وتلتمس المعاش منا كما تلتمسه حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما أنا بفاعل وما أنا بالذي يسأل ربه هذا وما بعثت إليكم بهذا ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا - أو كما قال - فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم))

قالوا : فأسقط السماء علينا كسفا كما زعمت أن ربك إن شاء فعل فإنا لا نؤمن لك إلا أن تفعل

قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ذلك إلى الله إن شاء أن يفعله بكم فعل.))

قالوا : يا محمد أفما علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه ونطلب منك ما نطلب فيتقدم إليك فيعلمك ما تراجعنا به ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذ لم نقبل منك ما جئتنا به إنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له : الرحمن ، وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدًا ، فقد أعذرنا إليك يا محمد وإنا والله لا نتركك وما بلغت منا حتى نهلكك أو تهلكنا . وقال قائلهم : نحن نبعد الملائكة وهي بنات الله . وقال قائلهم : لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلا ً

فلما قالوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قام عنهم ، وقام معه عبدالله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم - وهو ابن عمته فهو لعاتكة بنت عبدالمطلب - فقال له : يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ، ثم سألوك لأنفسهم أمورًا ليعرفوا بها منزلتك من الله كما تقول ويصدقوك ويتبعوك ، فلم تفعل ، ثم سألوك أن تأخذ لنفسك ما يعرفون به فضلك عليهم ومنزلتك من الله فلم تفعل ثم سألوك أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب فلم تفعل - أو كما قال له - فوالله لا أومن بك أبدًا حتى تتخذ إلى السماء سلمًا ثم ترقى فيه ،  وأنا أنظر إليك حتى تأتيها ثم تأتي معك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول،  وأيم الله لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك ثم انصرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزينا آسفا لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه ولما رأى من مباعدتهم إياه.

فلما قام عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو جهل : يا معشر قريش ،إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وشتم آلهتنا وإني أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر ما أطيق حمله - أو كما قال - فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه فأسلموني عند ذلك أو امنعوني فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم قالوا : والله لا نسلمك لشيء أبدا فامض لما تريد... "[472].وفي سنده جهالة حيث أبهم ابن إسحاق شيخه، ولكن يشهد له أن ما طلبه المشركون في هذا الخبر من الرسول صلى الله عليه وسلم ذكرته آيات سورة الإسراء السابقة .

باب: الهجرة الأولى إلى الحبشة

 

قد تقدم ذكر أذية المشركين للمستضعفين من المؤمنين، وما كانوا يعاملونهم به من الضرب الشديد والإهانة البالغة. كانت بداية الاعتداءات في السنة الرابعة من النبوة، وبدأت ضعيفة، ثم لم تزل تشتد ، حتى تفاقمت في أواسط السنة الخامسة، وفي هذه الظروف نزلت سورة الزمر تشير إلى اتخاذ سبيل الهجرة، وتعلن بأن أرض الله واسعة، قال تعالى: ‏{‏لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ الله ِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏10]‏‏.‏

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم أن أصْحَمَة النجاشى ملك الحبشة ملك عادل، لا يظلم عنده أحد، فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فرارًا بدينهم من الفتن وخشيةً عليهم من الهلاك .

روى ابن إسحاق عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:

لما ضاقت (مكة)، وأوذي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفُتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستطيع دفع ذلك عنهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في منعة من قومه ومن عمه، لا يصل إليه شيء مما يكره ومما ينال أصحابه؛ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحد عنده، فالحقو ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه)).

فخرجنا إليها أرسالاً، حتى اجتمعنا بها، فنزلنا بخير دار إلى خير جار، آمنين على ديننا، ولم نخش فيها ظلماً....وسيأتي بقية الحديث[473]

 

و أول من هاجر منهم أحد عشر رجلاً وخمس نسوة[474]  وهم :عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو حذيفة بن عتبة وامرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو، وقد ولدت له بأرض الحبشة محمد بن أبي حذيفة، والزبير بن العوام، ومصعب بن عمير، وعبد الرحمن بن عوف ،وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة وولدت له بها زينب، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة العنزي وامرأته ليلى بنت أبي حثمة، وأبو سبرة بن أبي رهم وزوجته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو، وسهيل بن بيضاء ،وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين .

ثم خرج بعد هؤلاء: جعفر بن أبي طالب في صحبة له ، ومعه امرأته أسماء بنت عميس وولدت له بها عبد الله بن جعفر ، وتتابع المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة .

و كان أول من خرج من المسلمين عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا روى البيهقي عن قتادة قال :أول من هاجر الى الله تعالى بأهله عثمان بن عفان رضي الله عنه سمعت النضر بن أنس يقول سمعت أبا حمزة - يعني أنس بن مالك- يقول: خرج عثمان بن عفان ومعه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أرض الحبشة فابطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما فقدمت امرأة من قريش فقالت: يا محمد قد رأيت ختنك ومعه امرأته، قال: على أي حال رأيتهما؟قالت: رأيته قد حمل امرأته على حمار من هذا الدبابة وهو يسوقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صحبهما الله إن عثمان أول من هاجر بأهله بعد لوط عليه السلام".[475]

.

باب:الهجرة الثانية إلى الحبشة

قد ثبت في ((الصحيح)) وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوماً مع المشركين ، وأنزل الله عليه: ﴿والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم... ﴾[سورة النجم] يقرؤها عليهم حتى ختمها ، وسجد، فسجد من هناك من المسلمين والمشركين ، والجن والإنس.

فقد روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بِالنَّجْمِ ،وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ" [476].

وروى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:" قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجْمَ بِمَكَّةَ فَسَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ ، غَيْرَ شَيْخٍ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا "[477] .

وروى أحمد عن جعفر بن المطلب بن أبي وداعة السهمي عن أبيه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ(مكة) سورة (النجم)، فسجد، وسجد من عنده، فرفعت رأسي وأبيت أن أسجد .

ولم يكن أسلم يومئذ المطلب، فكان بعد ذلك لا يسمع أحداً يقرؤها إلا سجد معه" [478] .

 

بلغ خبر السجود هذا  إلى مهاجري الحبشة، ولكن في صورة تختلف تمامًا عن صورته الحقيقية، قيل :بلغهم أن قريشًا أسلمت فرجعوا لذلك.

قال الشيخ الألباني: "وأما بلوغ ذلك إلى مهاجري الحبشة، وانهم عادوا من أجل ذلك إلى مكة، فمما لم أقف عليه في رواية صحيحة، وإنما هي مراسيل لا تقوم بها حجة([479]) ..

رجع مهاجرة الحبشة  إلى مكة في شوال من نفس السنة،رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلاً- -على ما ذكره ابن اسحاق([480]) - فلما كانوا دون مكة ساعة من نهار وعرفوا جلية الأمر رجع منهم من رجع إلى الحبشة، ولم يدخل في مكة من سائرهم أحد إلا مستخفيًا، أو في جوار رجل من قريش‏ .‏

وكان عثمان بن مظعون قد بقي فترة في الحبشة، لكنه لم يلبث أن عاد منها ضمن من عاد من المسلمين في المرة الأولى، ولم يستطع أن يدخل مكة إلا بجوار من الوليد بن المغيرة، حيث ظل يغدو في جواره آمنًا مطمئنًا،وذكر ابن اسحاق أنه لما رأى ما يصيب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من البلاء، وما هو فيه من العافية أنكر ذلك على نفسه، وقال: والله إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني لنقص كبير في نفسي, فذهب إلى الوليد بن المغيرة وقال له: يا أبا عبد شمس وفت ذمتك، وقد رددت إليك جوارك، فقال: لم يا ابن أخي؟ فلعلك أوذيت، أو انتهكت، قال: لا، ولكني أرضى بجوار الله تعالى ولا أريد أن أستجير بغيره، قال: فانطلق إلى المسجد فاردد علي جواري علانية، كما أجرتك علانية، فانطلقا إلى المسجد فرد عليه جواره أمام الناس, ثم انصرف عثمان إلى مجلس من مجالس قريش فجلس معهم، وفيهم لبيد بن ربيعة الشاعر ينشدهم فقال لبيد: (ألا كل شيء ما خلا الله باطل) فقال عثمان: صدقت, واستمر لبيد في إنشاده فقال: (وكل نعيم لا محالة زائل) فقال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول، قال لبيد: يا معشر قريش، والله ما كان يؤذى جليسكم فمتى حدث هذا فيكم؟ فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا، فلا تجدن في نفسك من قوله، فرد عليه عثمان حتى شرى أمرهما، فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فاخضرت، والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان، فقال: أما والله يا ابن أخي إن عينك لغنية عما أصابها، ولقد كنت في ذمة منيعة، فقال عثمان: والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله،
وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس، ثم عرض عليه الوليد الجوار مرة أخرى فرفض([481]) .

وهذا يدل على مدى قوة إيمانه رضي الله عنه، ورغبته في الأجر، والمثوبة عند الله, ولذلك
لما مات، رأت امرأة في المنام أن له عينًا تجري، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال:«ذلك عمله» والحديث في الصحيح فقد روى البخاري عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُمْ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتْ الْأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ ،قَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ: فَاشْتَكَى عُثْمَانُ عِنْدَنَا فَمَرَّضْتُهُ حَتَّى تُوُفِّيَ وَجَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ شَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ؟ قَالَتْ: قُلْتُ لَا أَدْرِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ قَالَ أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ الْيَقِينُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَمَا أَدْرِي وَاللَّهِ وَأَنَا رَسُولُ اللَّه مَا يُفْعَلُ بِي قَالَتْ فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ قَالَتْ فَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ فَنِمْتُ فَرِيتُ لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَيْنًا تَجْرِي فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ : (ذَلِكِ عَمَلُهُ ) [482]

قَالَ ابْنُ إِسْحَق: وَأَمَّا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ، فَحَدَّثَنِي أَبى إِسْحَق بْنُ يَسَارٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ لَمَّا اسْتَجَارَ بِأَبِي طَالِبٍ مَشَى إِلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا طَالِبٍ، هَذَا مَنَعْتَ مِنَّا ابْنَ أَخِيكَ مُحَمَّدًا، فَمَا لَك ولصاحبنا تَمنعهُ منا؟

قَالَ: إِنَّهُ اسْتَجَارَ بِي، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِي، وَإِنْ أَنَا لَمْ أَمْنَعِ ابْنَ أُخْتِي لَمْ أَمْنَعِ ابْنَ أَخِي.

فَقَامَ أَبُو لَهَبٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ أَكْثَرْتُمْ عَلَى هَذَا الشَّيْخِ، مَا تَزَالُونَ تَتَوَاثَبُونَ عَلَيْهِ فِي جِوَارِهِ مِنْ بَيْنِ قَوْمِهِ، وَاللَّهِ لَتَنْتَهُنَّ أَوْ لَنَقُومَنَّ مَعَهُ فِي كُلِّ مَا قَامَ فِيهِ حَتَّى يبلغ مَا أَرَادَ.

قَالُوا: بَلْ نَنْصَرِفُ عَمَّا تَكْرَهُ يَا أَبَا عُتْبَةَ.

وَكَانَ لَهُمْ وَلِيًّا وَنَاصِرًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْقَوْا عَلَى ذَلِكَ"[483].

ثم اشتد عليهم وعلى المسلمين البلاء والعذاب من قريش، وسطت بهم عشائرهم، فقد كان صعب على قريش ما بلغها عن النجاشي من حسن الجوار، ولم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم بدًا من أن يشير على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى‏.‏

واستعد المسلمون للهجرة مرة أخرى، وعلى نطاق أوسع، ولكن كانت هذه الهجرة الثانية أشق من سابقتها، فقد تيقظت لها قريش وقررت إحباطها، بيد أن المسلمين كانوا أسرع، ويسر الله لهم السفر، فانحازوا إلى نجاشي الحبشة قبل أن يدركهم أهل مكة ‏.‏
وفي هذه المرة هاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلًا إن كان فيهم عمار، فإنه يشك فيه، وثماني عشرة أوتسع عشرة امرأة‏ .‏

 

باب : مكيدة قريش بمهاجري الحبشة

وفي حديث أم سلمة- السابق - الذي رواه ابن اسحق بسنده المتقدم[484] قالت أم سلمة :

لَمّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ ، جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ النّجَاشِيّ ، أَمِنّا عَلَى دِينِنَا ، وَعَبَدْنَا اللّهَ تَعَالَى لَا نُؤْذَى وَلَا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ .

فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا ، ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنْ يَبْعَثُوا إلَى النّجَاشِيّ فِينَا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ جَلْدَيْنِ وَأَنْ يُهْدُوا لِلنّجَاشِيّ هَدَايَا مِمّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكّةَ ، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا الْأُدْمُ فَجَمَعُوا لَهُ أُدْمًا كَثِيرًا ، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إلّا أَهْدَوْا لَهُ هَدِيّةً ثُمّ بَعَثُوا بِذَلِكَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، وَأَمَرُوهُمَا بِأَمْرِهِمْ وَقَالُوا لَهُمَا : ادْفَعَا إلَى كُلّ بِطْرِيقٍ هَدِيّتَهُ قَبْلَ أَنْ تُكَلّمَا النّجَاشِيّ فِيهِمْ ثُمّ قَدّمَا إلَى النّجَاشِيّ هَدَايَاهُ ثُمّ سَلَاهُ أَنْ يُسَلّمَهُمْ إلَيْكُمَا قَبْل أَنْ يُكَلّمَهُمْ . قَالَتْ فَخَرَجَا حَتّى قَدِمَا عَلَى النّجَاشِيّ ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ عِنْدَ خَيْرِ جَارٍ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بِطَارِقَتِهِ بِطْرِيقٌ إلّا دَفَعَا إلَيْهِ هَدِيّتَهُ قَبْل أَنْ يُكَلّمَا النّجَاشِيّ ، وَقَالَا لِكُلّ بِطْرِيقٍ مِنْهُمْ إنّهُ قَدْ ضَوَى إلَى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنّا غِلْمَانٌ سفهاء فارقوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ وَجَاءُوا بِدِينِ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ .

وَقَدْ بَعَثَنَا إلَى الْمَلِكِ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ لِيَرُدّهُمْ إلَيْهِمْ فَإِذَا كَلّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يُسَلّمَهُمْ إلَيْنَا وَلَا يُكَلّمَهُمْ فَإِنّ قَوْمَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا ، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُمَا : نَعَمْ . ثُمّ إنّهُمَا قَدّمَا هَدَايَاهُمَا إلَى النّجَاشِيّ فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا ، ثُمّ كَلّمَاهُ فَقَالَا لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ إنّهُ قَدْ ضَوَى إلَى بَلَدِك مِنّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِك ، وَجَاءُوا بِدِينٍ ابْتَدَعُوهُ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْت ، وَقَدْ بَعَثَنَا إلَيْك فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ لِتَرُدّهُمْ إلَيْهِمْ فَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا ، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ .

قَالَتْ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَى عَبْدِ اللّهِ بْن أَبِي رَبِيعَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُمْ النّجَاشِيّ . قَالَتْ :فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ صَدَقَا أَيّهَا الْمَلِكُ قَوْمُهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا ، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ فَأَسْلِمْهُمْ إلَيْهِمَا فَلْيَرُدّاهُمْ إلَى بِلَادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ .

قَالَتْ فَغَضِبَ النّجَاشِيّ ، ثُمّ قَالَ لَاهَا اللّهِ إذَنْ لَا أُسْلِمُهُمْ إلَيْهِمَا ، وَلَا يَكَادُ قَوْمٌ جَاوَرُونِي ، وَنَزَلُوا بِلَادِي ، وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ حَتّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ عَمّا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ

فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولَانِ أَسْلَمْتهمْ إلَيْهِمَا ، وَرَدَدْتُهُمْ إلَى قَوْمِهِمْ وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا ، وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي .

قَالَتْ :ثُمّ أَرْسَلَ إلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَاهُمْ فَلَمّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا ، ثُمّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: مَا تَقُولُونَ لِلرّجُلِ إذَا جِئْتُمُوهُ قَالُوا : نَقُول : وَاَللّهِ مَا عَلِمْنَا ، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيّنَا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ . فَلَمّا جَاءُوا ، وَقَدْ دَعَا النّجَاشِيّ أَسَاقِفَتَهُ فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ سَأَلَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ: مَا هَذَا الدّينُ الّذِي قَدْ فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا في دِينِي ، وَلَا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْمِلَلِ ؟

قَالَتْ: فَكَانَ الّذِي كَلّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ( رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ ) ، فَقَالَ لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ كُنّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ وَيَأْكُلُ الْقَوِيّ مِنّا الضّعِيفَ فَكُنّا عَلَى ذَلِكَ حَتّى بَعَثَ اللّهُ إلَيْنَا رَسُولًا مِنّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ فَدَعَانَا إلَى اللّهِ لِنُوَحّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدّمَاءِ وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصّلَاةِ وَالزّكَاةِ وَالصّيَامِ - قَالَتْ فَعَدّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ - فَصَدّقْنَاهُ وَآمَنّا بِهِ وَاتّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللّهِ فَعَبَدْنَا اللّهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا ، وَحَرّمْنَا مَا حَرّمَ عَلَيْنَا ، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلّ لَنَا ، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا ، فَعَذّبُونَا ، وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا ، لِيَرُدّونَا إلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللّهِ تَعَالَى ، وَأَنْ نَسْتَحِلّ مَا كُنّا نَسْتَحِلّ مِنْ الْخَبَائِثِ فَلَمّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَضَيّقُوا عَلَيْنَا ، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا ، خَرَجْنَا إلَى بِلَادِك ، وَاخْتَرْنَاك عَلَى مَنْ سِوَاك ؛ وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِك ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَك أَيّهَا الْمَلِكُ .

قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ النّجَاشِيّ : هَلْ مَعَك مِمّا جَاءَ بِهِ عَنْ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ ؟

قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ النّجَاشِيّ : فَاقْرَأْهُ عَلَيّ .

قَالَتْ: فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ { كهيعص }[سورة مريم:1] قَالَتْ فَبَكَى وَاَللّهِ النّجَاشِيّ حَتّى اخْضَلّتْ لِحْيَتُهُ وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتّى أَخْضَلّوا مَصَاحِفَهُمْ حِين سَمِعُوا مَا تَلَا عَلَيْهِمْ .

ثُمّ قَالَ  لَهُمْ النّجَاشِيّ : إنّ هَذَا وَاَلّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ. انْطَلِقَا ،

فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يُكادون .

قَالَتْ: فَلَمّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : وَاَللّهِ لَآتِيَنّهُ غَدًا عَنْهُمْ بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ . قَالَتْ :فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَكَانَ أَتْقَى الرّجُلَيْنِ فِينَا : لَا نَفْعَلُ فَإِنّ لَهُمْ أَرْحَامًا ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا ؛

قَالَ وَاَللّهِ لَأُخْبِرَنّهُ أَنّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَبْدٌ . قَالَتْ: ثُمّ غَدًا عَلَيْهِ  مِنْ  الْغَدِ فَقَالَ لَهُ  : أَيّهَا الْمَلِكُ إنّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا ، فَأَرْسِلْ إلَيْهِمْ فَسَلْهُمْ عَمّا يَقُولُونَ فِيهِ . قَالَتْ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ لِيَسْأَلَهُمْ عَنْهُ .

قَالَتْ :وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا قَطّ . فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ ثُمّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ ؟ قَالُوا : نَقُولُ وَاَللّهِ مَا قَالَ اللّهُ وَمَا جَاءَنَا بِهِ نَبِيّنَا ، كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ . قَالَتْ فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ؟ قَالَتْ فَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : نَقُولُ فِيهِ الّذِي جَاءَنَا بِهِ نَبِيّنَا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ( يَقُولُ ) : هُوَ عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ . قَالَتْ فَضَرَبَ النّجَاشِيّ بِيَدِهِ إلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا ، ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ مَا عَدَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ قَالَتْ فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ فَقَالَ وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاَللّهِ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ شُيُومٌ بِأَرْضِي - وَالشّيُومُ الْآمِنُونَ - مَنْ سَبّكُمْ غَرِمَ ، ثُمّ قَالَ: مَنْ سَبّكُمْ غرم ، ثم قَالَ: مَنْ سَبّكُمْ غَرِمَ . مَا أُحِبّ أَنّ لِي دَبَرًا مِنْ ذَهَبٍ وَأَنّي آذَيْت رَجُلًا مِنْكُمْ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ دَبَرًا مِنْ ذَهَبٍ وَيُقَالُ فَأَنْتُمْ سُيُومٌ وَالدّبَرُ ( بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ ) : الْجَبْلُ - رُدّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا ، فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا ، فَوَاَللّهِ مَا أَخَذَ اللّهُ مِنّي الرّشْوَةَ حِينَ رَدّ عَلَيّ مُلْكِي ، فَآخُذَ الرّشْوَةَ فِيهِ وَمَا أَطَاعَ النّاسَ فِيّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ . قَالَتْ فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ مَعَ خَيْرِ جَارٍ .

قَالَتْ فَوَاَللّهِ إنّا لِعَلَى ذَلِكَ إذْ نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ الْحَبَشَةِ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ . قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا عَلِمْتُنَا حَزِنّا حُزْنًا قَطّ كَانَ أَشَدّ  عَلَيْنَا  مِنْ حُزْنٍ حَزِنّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ تَخَوّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الرّجُلُ عَلَى النّجَاشِيّ ، فَيَأْتِي رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقّنَا مَا كَانَ النّجَاشِيّ يَعْرِفُ مِنْهُ . قَالَتْ وَسَارَ إلَيْهِ النّجَاشِيّ ، وَبَيْنَهُمَا عَرْضُ النّيلِ ، قَالَتْ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلّمَ مَنْ رَجُلٌ يَخْرَجُ حَتّى يَحْضُرَ وَقِيعَةَ الْقَوْمِ ثُمّ يَأْتِينَا بِالْخَبَرِ ؟ قَالَتْ فَقَالَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ : أَنَا . قَالُوا : فَأَنْتَ . وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنّا . قَالَتْ فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ ثُمّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتّى خَرَجَ إلَى نَاحِيَةِ النّيلِ الّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ ثُمّ انْطَلَقَ حَتّى حَضَرَهُمْ . قَالَتْ فَدَعَوْنَا اللّهَ تَعَالَى لِلنّجَاشِيّ بِالظّهُورِ عَلَى عَدُوّهِ وَالتّمْكِينِ لَهُ فِي بِلَادِهِ . قَالَتْ فَوَاَللّهِ إنّا لَعَلَى ذَلِكَ مُتَوَقّعُونَ لِمَا هُوَ كَائِنٌ إذْ طَلَعَ الزّبَيْرُ وَهُوَ يَسْعَى ، فَلَمَعَ بِثَوْبِهِ وَهُوَ يَقُولُ أَلَا أَبْشِرُوا ، فَقَدْ ظَفِرَ النّجَاشِيّ ، وَأَهْلَكَ اللّهُ عَدُوّهُ وَمَكّنّ لَهُ فِي بِلَادِهِ . قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا عَلِمْتنَا فَرِحْنَا فَرْحَةً قَطّ مِثْلَهَا . قَالَتْ وَرَجَعَ النّجَاشِيّ ، وَقَدْ أَهْلَكَ اللّهُ عَدُوّهُ وَمَكّنَ لَهُ فِي بِلَادِهِ وَاسْتَوْسَقَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْحَبَشَةِ ، فَكُنّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ حَتّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِمَكّةَ .

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ الزّهْرِيّ : فَحَدّثْت عُرْوَةَ بْنَ الزّبَيْرِ حَدِيثَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا قَوْلُهُ مَا أَخَذَ اللّهُ مِنّي الرّشْوَةَ حِينَ رَدّ عَلَيّ مُلْكِي ، فَآخُذَ الرّشْوَةَ فِيهِ وَمَا أَطَاعَ النّاسَ فِيّ فَأُطِيعَ النّاسَ فِيهِ ؟ قَالَ قُلْت : لَا ؛ قَالَ فَإِنّ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ حَدّثَتْنِي أَنّ أَبَاهُ كَانَ مَلِكَ قَوْمِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ إلّا النّجَاشِيّ ، وَكَانَ لِلنّجَاشِيّ عَمّ ، لَهُ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا ، وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ مَمْلَكَةِ الْحَبَشَةِ ، فَقَالَتْ الْحَبَشَةُ س بَيْنَهَا : لَوْ أَنّا قَتَلْنَا أَبَا النّجَاشِيّ وَمَلّكْنَا أَخَاهُ فَإِنّهُ لَا وَلَدَ لَهُ غَيْرَ هَذَا الْغُلَامِ وَإِنّ لِأَخِيهِ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا ، فَتَوَارَثُوا مُلْكَهُ مِنْ بَعْدِهِ بَقِيَتْ الْحَبَشَةُ بَعْدَهُ دَهْرًا ؛ فَغَدَوْا عَلَى أَبِي النّجَاشِيّ فَقَتَلُوهُ وَمَلّكُوا أَخَاهُ فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ حِينًا .

وَنَشَأَ النّجَاشِيّ مَعَ عَمّهِ وَكَانَ لَبِيبًا حَازِمًا مِنْ الرّجَالِ فَغَلَبَ عَلَى أَمْرِ عَمّهِ وَنَزَلَ مِنْهُ بِكُلّ مَنْزِلَةٍ فَلَمّا رَأَتْ الْحَبَشَةُ مَكَانَهُ  مِنْهُ  قَالَتْ بَيْنَهَا : وَاَللّهِ لَقَدْ غَلَبَ هَذَا الْفَتَى عَلَى أَمْرِ عَمّهِ وَإِنّا لَنَتَخَوّفُ أَنْ يُمَلّكَهُ عَلَيْنَا ، وَإِنْ مَلّكَهُ عَلَيْنَا لَيَقْتُلنَا أَجْمَعِينَ لَقَدْ عَرَفَ أَنّا نَحْنُ قَتَلْنَا أَبَاهُ . فَمَشَوْا إلَى عَمّهِ فَقَالُوا : إمّا أَنْ تَقْتُلَ هَذَا الْفَتَى ، وَإِمّا أَنْ تُخْرِجَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا ، فَإِنّا قَدْ خِفْنَاهُ عَلَى أَنْفُسِنَا ، قَالَ وَيْلَكُمْ قَتَلْتُ أَبَاهُ بِالْأَمْسِ وَأَقْتُلهُ الْيَوْمَ بَلْ أُخْرِجُهُ مِنْ بِلَادِكُمْ . قَالَتْ فَخَرَجُوا بِهِ إلَى السّوقِ فَبَاعُوهُ مِنْ رَجُلٍ مِنْ التّجّارِ بِسِتّ مِئَةِ دِرْهَمٍ فَقَذَفَهُ فِي سَفِينَةٍ فَانْطَلَقَ بِهِ حَتّى إذَا كَانَ الْعَشِيّ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ هَاجَتْ سَحَابَةٌ مِنْ سَحَائِبِ الْخَرِيفِ فَخَرَجَ عَمّهُ يَسْتَمْطِرُ تَحْتَهَا ، فَأَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ فَقَتَلَتْهُ . قَالَتْ فَفَزِعَتْ الْحَبَشَةُ إلَى ولده فإذا هو محمق ، فَمَرَجَ عَلَى الْحَبَشَةِ أَمْرُهُمْ .

فَلَمّا ضَاقَ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ تَعْلَمُوا وَاَللّهِ أَنّ مَلِكَكُمْ الّذِي لَا يُقِيمُ أَمْرَكُمْ غَيْرُهُ لَلّذِي بِعْتُمْ غَدْوَةً فَإِنْ كَانَ لَكُمْ بِأَمْرِ الْحَبَشَةِ حَاجَةٌ فَأَدْرِكُوهُ  الْآنَ  .

قَالَتْ :فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ وَطَلَبِ الرّجُلِ الّذِي بَاعُوهُ مِنْهُ حَتّى أَدْرَكُوهُ فَأَخَذُوهُ مِنْهُ ثُمّ جَاءُوا بِهِ فَعَقَدُوا عَلَيْهِ التّاجَ وَأَقْعَدُوهُ عَلَى سَرِيرِ الْمُلْكِ فَمَلّكُوهُ .

فَجَاءَهُمْ التّاجِرُ الّذِي كَانُوا بَاعُوهُ مِنْهُ فَقَالَ إمّا أَنْ تُعْطُونِي مَالِي ، وَإِمّا أَنْ أُكَلّمَهُ فِي ذَلِكَ ؟ قَالُوا : لَا نُعْطِيك شَيْئًا ، قَالَ إذَنْ وَاَللّهِ أُكَلّمُهُ قَالُوا : فَدُونَك وَإِيّاهُ . قَالَتْ فَجَاءَهُ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ أَيّهَا الْمَلِكُ ابْتَعْتُ غُلَامًا مِنْ قَوْمٍ بِالسّوقِ بِسِتّ مِئَةِ دِرْهَمٍ فَأَسْلَمُوا إلَيّ غُلَامِي وَأَخَذُوا دَرَاهِمِي ، حَتّى إذَا سِرْت بِغُلَامِي أَدْرَكُونِي ، فَأَخَذُوا غُلَامِي ، وَمَنَعُونِي دَرَاهِمِي . قَالَتْ فَقَالَ لَهُمْ النّجَاشِيّ : لَتُعْطُنّهُ دَرَاهِمَهُ أَوْ لَيَضَعَنّ غُلَامُهُ يَدَهُ فِي يَدِهِ فَلَيَذْهَبَنّ بِهِ حَيْثُ شَاءَ قَالُوا : بَلْ نُعْطِيهِ دَرَاهِمُهُ . قَالَتْ فَلِذَلِكَ يَقُولُ مَا أَخَذَ اللّهُ مِنّي رِشْوَةً حِينَ رَدّ عَلَيّ مُلْكِي ، فَآخُذَ الرّشْوَةَ فِيهِ وَمَا أَطَاعَ النّاسَ فِيّ فَأُطِيعَ النّاسَ فِيهِ . قَالَتْ: وَكَانَ ذَلِكَ أَوّلَ مَا خُبِرَ مِنْ صَلَابَتِهِ فِي دِينِهِ وَعُدّ لَهُ فِي حُكْمِهِ" .

وقد روى الإمام أحمد عن ابن مسعود قال:

بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ونحن نحو من ثمانين رجلاً ، فيهم عبد الله بن مسعود، وجعفر، وعبد الله بن عرفطة، وعثمان بن مظعون، وأبو موسى، فأتوا النجاشي.

وبعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدية .

فلما دخلا على النجاشي سجدًا له، ثم ابتدراه عن يمينه وعن شماله، ثم قالا له: إن نفراً من بني عمنا نزلوا أرضك، ورغبوا عنا وعن ملتنا.

قال: فأين هم؟ قالا: في أرضك ؛ فابعث إليهم.

فبعث إليهم، فقال جعفر: أنا خطيبكم اليوم. فاتّبعوه.

فسلم ولم يسجد، فقالوا له: ما لك لا تسجد للملك ؟

قال: إنا لا نسجد إلا لله عز وجل.

قال: وما ذاك.

قال: إن الله بعث إليناً رسولاً، ثم أمرنا أن لا نسجد لأحدٍ إلا الله عز وجل، وأمرنا بالصلاة والزكاة.

قال عمرو: فإنهم يخالفونك في عيسى ابن مريم.

قال: فما تقولون في عيسى ابن مريم وأمه؟

قال: نقول كما قال الله: هو كلمته وروحه ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر، ولم يفرضها ولد.

قال: فرفع عوداً من الأرض ثم قال: يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان! والله؛ ما يزيدون على الذي نقول فيه ما يسوى هذا، مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده، أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي نجد في الإنجيل، وأنه الرسول الذي بشر به عيسى ابن مريم، انزلوا حيث شئتم، والله؛ لولا ما أنا فيه من الملك؛ لأتيته حتى أكون أنا الذي أحمل نعليه وأوضئه .

وأمر بهديَّة الآخرين فردت إليهما.

ثم تعجل عبد الله بن مسعود حتى أدرك بدراً.

وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم استغفر له حين بلغه موته"[485] .

قال ابن كثير : وهذا إسناد جيد قوي، وسياق حسن، وفيه ما يقتضي أن أبا موسى كان فيمن هاجر من (مكة) إلى أرض الحبشة ؛ إن لم يكن مدرجاً من بعض الرواة. والله أعلم.)) [486]

قلت:والصحيح أن أبا موسى والأشعريين  لم يهاجروا من مكة إلى الحبشة .إنما بلغهم مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وهم باليمن، فخرجوا مهاجرين في بضع وخمسين رجلاًً في سفينة، فألقتهم سفينتهم إلى النجاشي بأرض الحبشة، فوافقوا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عندهم، فأمره جعفر بالإقامة، فأقاموا عنده حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن (خيبر) .
روى البخاري:عن أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالْآخَرُ أَبُو رُهْمٍ إِمَّا قَالَ بِضْعٌ وَإِمَّا قَالَ فِي ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ وَكَانَ أُنَاسٌ مِنْ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا يَعْنِي لِأَهْلِ السَّفِينَةِ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَهِيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَةً وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ مَنْ هَذِهِ قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ قَالَ عُمَرُ الْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ قَالَتْ أَسْمَاءُ نَعَمْ قَالَ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ كَلَّا وَاللَّهِ كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ وَكُنَّا فِي دَارِ أَوْ فِي أَرْضِ الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ بِالْحَبَشَةِ وَذَلِكَ فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَايْمُ اللَّهِ لَا أَطْعَمُ طَعَامًا وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَافُ وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْأَلُهُ وَاللَّهِ لَا أَكْذِبُ وَلَا أَزِيغُ وَلَا أَزِيدُ عَلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَمَا قُلْتِ لَهُ قَالَتْ قُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا قَالَ لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ وَلَهُ وَلِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ قَالَتْ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالًا يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ مَا مِنْ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلَا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بُرْدَةَ قَالَتْ أَسْمَاءُ فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّي" [487]

 

باب: إسلام النجاشي

مما سبق بيانه في الروايات التي تبين نصرة النجاشي لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتصديقه لما جاء بالقرآن يُستنبط  إسلام النجاشي و يؤكد ذلك الروايات التي تثبت  أنه مات على الإسلام ومنها.

ما ثبت في ((الصحيحين)) وغيرهما أن النبي نعاه وصلى عليه[488].

روى البخاري في باب موت النجاشي بسنده عن جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ النَّجَاشِيُّ مَاتَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ[489]

و من طريق آخر عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ فَصَفَّنَا وَرَاءَهُ فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ"[490]

ومن طريق ثالث عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا" [491].

وعن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى لَهُمْ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ"[492] وفي رواية"

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفَّ بِهِمْ فِي الْمُصَلَّى فَصَلَّى عَلَيْهِ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا"[493]

قال ابن كثير: وفي بعض الروايات تسميته (أصحمة)، وفي رواية (مصحمة)، وهو (أصحمة بن بحر) ، وكان عبداً لبيباً ذكياً، وكان عادلاً عالماً، رضي الله عنه وأرضاه.

وقال يونس عن ابن إسحاق : اسم النجاشي (مصحمة)، وفي نسخة صححها البيهقي: (أصحم)، وهو بالعربية: (عطية).

قال: وإنما النجاشي اسم الملك؛ كقولك: (كسرى)، (هرقل).

قلت: كذا، ولعله يريد به (قيصر)؛ فإنه عَلَم لكل ملك من ملك الشام مع الجزيرة من بلاد الروم. و(كسرى) عَلَم على من ملك الفرس. و(فرعون) عَلَم لمن ملك مصر كافة. و(المقوقس) لمن ملك الإسكندرية. و(تُبع) لمن ملك اليمن والشحر. و(النجاشي) لمن ملك الحبشة. و(بطليموس) لمن ملك اليونان، وقيل: الهند. و(خاقان) لمن ملك الترك.أهـ[494]

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : َحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمّا مَاتَ النّجَاشِيّ ، كَانَ يُتَحَدّثُ أَنّهُ لَا يَزَالُ يُرَى عَلَى قَبْرِهِ نُورٌ "[495]

باب:إسلام حمزة رضي الله عنه .

خلال هذا الجو الملبد بغيوم الظلم والعدوان ظهر برق أضاء الطريق، وهو إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، أسلم في أواخر السنة السادسة من النبوة، والأغلب أنه أسلم في شهر ذى الحجة‏.‏ ولم نجد في قصة إسلامه رضي الله عنه خبرا متصلا صحيحًا.

روى الطبراني  مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ يَقُولُ: كَانَ إِسْلَامُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَحِمَهُ اللهُ حَمِيَّةً، وَكَانَ رَجُلًا رَامِيًا، وَكَانَ يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ فَيَصْطَادُ، فَإِذَا رَجَعَ مَرَّ بِمَجْلِسِ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا يَجْلِسُونَ عِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَيَمُرُّ بِهِمْ فَيَقُولُ: رَمَيْتُ كَذَا، وَصَنَعَتُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ يَنْطَلِقُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَأَقْبَلَ مِنْ رَمْيِهِ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عُمَارَةَ، مَاذَا لَقِيَ ابْنُ أَخِيكَ مِنْ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ؟ وَتَنَاوَلَهُ وَفَعَلَ بِهِ وَفَعَلَ. فَقَالَ: «هَلْ رَآهُ أَحَدٌ؟» قَالَتْ: إِي وَاللهِ لَقَدْ رَآهُ نَاسٌ. فَأَقْبَلَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ عِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ وَأَبُو جَهْلٍ فِيهِمْ، فَاتَّكَأَ عَلَى قَوْسِهِ، فَقَالَ: «رَمَيْتُ كَذَا وَفَعَلْتُ كَذَا» ، ثُمَّ جَمَعَ يَدَهُ بِالْقَوْسِ، فَضَرَبَ بِهَا بَيْنَ أُذُنَيْ أَبِي جَهْلٍ، فَدَقَّ سِيَتَهَا، ثُمَّ قَالَ: «خُذْهَا بِالْقَوْسِ، وَأُخْرَى بِالسَّيْفِ، أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ اللهِ» . قَالُوا: يَا أَبَا عُمَارَةَ، إِنَّهُ سَبَّ آلِهَتَنَا، وَلَوْ كُنْتَ أَنْتَ، وَأَنْتَ أَفْضَلُ مِنْهُ، مَا أَقْرَرْنَاكَ وَذَاكَ، وَمَا كُنْتَ يَا أَبَا عُمَارَةَ فَاحِشًا"[496].

وقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ ، كَانَ وَاعِيَةً، أَنّ أَبَا جَهْلٍ مَرّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ الصّفَا ، فَآذَاهُ وَشَتَمَهُ وَنَالَ مِنْهُ بَعْضَ مَا يَكْرَهُ مِنْ الْعَيْبِ لِدِينِهِ وَالتّضْعِيفِ لِأَمْرِهِ فَلَمْ يُكَلّمْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَوْلَاةٌ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرّةَ في مسكن لها تسمع ذلك ثم انصرف عنه، فَعَمَدَ إلَى نَادٍ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، فَجَلَسَ مَعَهُمْ . فَلَمْ يَلْبَثْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَضِيَ اللّه عَنْهُ أَنْ أَقْبَلَ مُتَوَشّحًا قَوْسَهُ رَاجِعًا مِنْ قَنْصٍ لَهُ وَكَانَ صَاحِبَ قَنْصٍ يَرْمِيهِ وَيَخْرُجُ لَهُ وَكَانَ إذَا رَجَعَ مِنْ قَنْصِهِ لَمْ يَصِلْ إلَى أَهْلِهِ حَتّى يَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ وَكَانَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَمُرّ عَلَى نَادٍ مِنْ قُرَيْشٍ إلّا وَقَفَ وَسَلّمَ وَتَحَدّثَ مَعَهُمْ وَكَانَ أَعَزّ فَتًى فِي قُرَيْشٍ ، وَأَشَدّ شَكِيمَةً . فَلَمّا مَرّ بِالْمَوْلَاةِ وَقَدْ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِهِ قَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا عُمَارَةَ لَوْ رَأَيْتَ مَا لَقِيَ ابْنُ أَخِيك مُحَمّدٌ آنِفًا مِنْ أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ وَجَدَهُ هَاهُنَا جَالِسًا فَآذَاهُ وَسَبّهُ وَبَلَغَ مِنْهُ مَا يَكْرَهُ ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ وَلَمْ يُكَلّمْهُ مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ

فَاحْتَمَلَ حَمْزَةَ الْغَضَبُ لَمّا أَرَادَ اللّهُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ فَخَرَجَ يَسْعَى وَلَمْ يَقِفْ عَلَى أَحَدٍ ، مُعِدّا لِأَبِي جَهْلٍ إذَا لَقِيَهُ أَنْ يُوقِعَ بِهِ فَلَمّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ نَظَرَ إلَيْهِ جَالِسًا فِي الْقَوْمِ فَأَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتّى إذَا قَامَ عَلَى رَأْسِهِ رَفَعَ الْقَوْسَ فَضَرَبَهُ بِهَا فَشَجّهُ شَجّةً مُنْكَرَةً ثُمّ قَالَ أَتَشْتِمُهُ وَأَنَا عَلَى دِينِهِ أَقُولُ مَا يَقُولُ ؟ فَرُدّ ذَلِكَ عَلَيّ إنْ اسْتَطَعْت . فَقَامَتْ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ إلَى حَمْزَةَ لِيَنْصُرُوا أَبَا جَهْلٍ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ دَعُوا أَبَا عُمَارَةَ فَإِنّي وَاَللّهِ قَدْ سَبَبْتُ ابْنَ أَخِيهِ سَبّا قَبِيحًا ، وَتَمّ حَمْزَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَلَى إسْلَامِهِ وَعَلَى مَا تَابَعَ عَلَيْهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قَوْلِهِ . فَلَمّا أَسْلَمَ حَمْزَةُ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنّ رَسُولَ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ عَزّ وَامْتَنَعَ وَأَنّ حَمْزَةَ سَيَمْنَعُهُ فَكَفّوا عَنْ بَعْضِ مَا كَانُوا يَنَالُونَ مِنْهُ"[497].هكذا ذكرها ابن إسحاق ولم يذكر شيخه .
 وروى ابن أبي حاتم في تفسيره عَنِ الْأَجْلَحِ، قَالَ: كَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ، حَسَنَ الْهَيْئَةِ، صَاحِبَ صَيْدٍ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى أَبِي جَهْلٍ فَوَلَعَ بِهِ وَآذَاهُ، فَرَجَعَ حَمْزَةُ مِنَ الصَّيْدِ، وَامْرَأَتَانِ تَمْشِيَانِ خَلْفَهُ، فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا: لَوْ عَلِمَ ذَا مَا صُنِعَ بِابْنِ أَخِيهِ؟ أَقْصَرَ عَنْ مِشْيَتِهِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمَا فَقَالَ:"وَمَا ذَاكَ؟"، قَالَتْ: أَبوُ جَهْلٍ فَعَلَ بِمُحَمَّدٍ كَذَا وَكَذَا، فَدَخَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَفِيهِ أَبُو جَهْلٍ، فَعَلا رَأْسَهُ بِقَوْسِهِ، ثُمَّ قَالَ:"دِينِي دِيْنُ مُحَمَّدٍ، إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَامْنَعُونِي"، فَقَامَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: يَا أَبَا يَعْلَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ " ، إِلَى قَوْلِهِ: " وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى " ، قَالَ: حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ"[498]

 

باب: إسلام عمر بن الخطاب

وخلال هذا الجو الملبد بغيوم الظلم والعدوان أضاء برق آخر في سماء الإسلام، ألا وهو إسلام عمر بن الخطاب، قيل: أسلم بعد ثلاثة أيام من إسلام حمزة رضي الله عنه .وأكثر علماء السيرة على أنه أسلم في السنة السادسة من النبوة، وقد أخرج ابن سعد عن أسلم مولى عمر قال: أسلم عمر في ذي الحجة السنة السادسة من النبوة و هو ابن ست و عشرين سنة [499]

قال ابن إسحاق: وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة... ([500]) .

وروى ابن إسحاق  عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَتْ:

وَاَللَّهِ إنَّا لَنَتَرَحَّلُ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَقَدْ ذَهَبَ عَامِرٌ فِي بعض حاجاتنا، إِذ أَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى وَقَفَ عَلَيَّ وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ- قَالَتْ: وَكُنَّا نَلْقَى مِنْهُ الْبَلَاءَ أَذًى لَنَا وَشِدَّةً عَلَيْنَا- قَالَتْ: فَقَالَ: إنَّهُ لَلِانْطِلَاقُ يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ.

قَالَتْ:فَقُلْتُ: نَعَمْ وَاَللَّهِ، لَنَخْرُجَنَّ فِي أَرْضِ اللَّهِ، آذَيْتُمُونَا وَقَهَرْتُمُونَا، حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ مَخْرَجًا  . قَالَتْ: فَقَالَ: صَحِبَكُمْ اللَّهُ، وَرَأَيْتُ لَهُ رِقَّةً لَمْ أَكُنْ أَرَاهَا، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ أَحْزَنَهُ- فِيمَا أَرَى- خُرُوجُنَا.

قَالَتْ: فَجَاءَ عَامِرٌ بِحَاجَتِهِ تِلْكَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَ عُمَرَ آنِفًا وَرِقَّتَهُ وَحُزْنَهُ عَلَيْنَا. قَالَ: أَطَمِعْتِ فِي إسْلَامِهِ؟

قَالَتْ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا يُسْلِمُ الَّذِي رَأَيْتِ حَتَّى يُسْلِمَ حِمَارُ الْخَطَّابِ، قَالَتْ:

يَأْسًا مِنْهُ، لِمَا كَانَ يَرَى مِنْ غِلْظَتِهِ وَقَسْوَتِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ.))[501].

قال ابن كثير: هذا يرد قول من زعم أنه كان تمام الأربعين من المسلمين، فإن المهاجرين إلى الحبشة كانوا فوق الثمانين. اللهم! إلا أن يقال: إنه كان تمام الأربعين بعد خروج المهاجرين أهـ[502] .

 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا الله تعالى لإسلامه‏.‏ فقد روى الترمذي وغيره: عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

((اللهم! أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل، أو بعمر بن الخطاب)).

قال: فكان أحبهما إليه عمر"([503]) .

فكان إسلام عمر بتوفيق الله تعالى له تحقيقًا لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وقد أعز الله تعالى به الإسلام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده.

روى البخاري : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ"[504].

وقال أيضاً: "إن إسلامه كان نصراً"[505]. أي للإسلام والمسلمين .

وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- لعمر بن الخطاب حين طٌعِن: "فلما أسلمت كان إسلامك عزاً، وأظهر الله بك الإِسلام ورسول الله وأصحابه"[506] .

ولقد آثر عمر رضي الله عنه أن يجهر بإسلامه غير عابيء بصناديد قريش من المشركين وما سيقابلونه به . فعن ابن عباس قال:" أول من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب"[507].

ولم يكتف عمر - رضي الله عنه - بذلك بل طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُعلن إسلامه في كل مجلس كان يجلسه في الكفر. فقد روى الطبراني عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا أَدَعُ مَجْلِسًا جَلَسْتُهُ فِي الْكُفْرِ إِلَّا أَعْلَنْتُ فِيهِ الْإِسْلَامَ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ وَفِيهِ بُطُونُ قُرَيْشٍ، مُتَحَلِّقَةٌ، فَجَعَلَ يُعْلِنُ الْإِسْلَامَ، وَيَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَثَارَ الْمُشْرِكُونَ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ وَيَضْرِبُهُمْ، فَلَمَّا تَكَاثَرُوا عَلَيْهِ خَلَّصَهُ رَجُلٌ» . فَقُلْتُ لِعُمَرَ: مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي خَلَّصَكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: «ذَاكَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ»  [508] .

وروى البخاري عن  عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عِنْدَ دَارِهِ وَقَالُوا صَبَا عُمَرُ، وَأَنَا غُلَامٌ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِي ، فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ فَقَالَ: قَدْ صَبَا عُمَرُ فَمَا ذَاكَ؟ فَأَنَا لَهُ جَارٌ ، قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّاسَ تَصَدَّعُوا عَنْهُ . فَقُلْتُ :مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ" [509].

وقد روى ابن اسحاق ذلك مطولاً فقال: حَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:

لَمَّا أَسْلَمَ أَبِي عُمَرُ قَالَ: أَيُّ قُرَيْشٍ أَنْقَلُ لِلْحَدِيثِ؟ فَقِيلَ  لَهُ: جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ.

قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَغَدَوْتُ أَتْبَعُ أَثَرَهُ، وَأَنْظُرُ مَا يَفْعَلُ، وَأَنَا غُلَامٌ أَعْقِلُ كُلَّ مَا رَأَيْتُ، حَتَّى جَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَعَلِمْتَ يَا جَمِيلُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ: وَدَخَلْتُ فِي دِينِ مُحَمَّد؟ قَالَ: فو الله مَا رَاجَعَهُ حَتَّى قَامَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَاتَّبَعَهُ عُمَرُ، وَاتَّبَعْتُ أَبِي، حَتَّى إذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ:

يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَهُمْ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ  ، أَلَا إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ.

قَالَ:  و يَقُولُ عُمَرُ مِنْ خَلْفِهِ: كَذَبَ، وَلَكِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، وَشَهِدْتُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَثَارُوا إلَيْهِ، فَمَا بَرِحَ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ حَتَّى قَامَتْ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِهِمْ. قَالَ: وَطَلِحَ [510] ، فَقَعَدَ وَقَامُوا عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: افْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ، فَأَحْلِفُ باللَّه أَنْ لَوْ قَدْ كُنَّا ثَلَاثَ ماِئَةِ رَجُلٍ  لَقَدْ تَرَكْنَاهَا لَكُمْ، أَوْ تَرَكْتُمُوهَا لَنَا،

قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، إذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حِبْرَةٌ  ، وَقَمِيصٌ مُوَشًّى، حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: صَبَا عُمَرُ، فَقَالَ: فَمَهْ، رَجُلٌ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَمْرًا فَمَاذَا تُرِيدُونَ؟ أَتَرَوْنَ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ يُسْلِمُونَ لَكُمْ صَاحِبَهُمْ هَكَذَا! خَلُّوا عَنْ الرجل.

قَالَ:فو الله لَكَأَنَّمَا كَانُوا ثَوْبًا كُشِطَ عَنْهُ.

قَالَ: فَقُلْتُ لِأَبِي بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ: يَا أَبَتْ، مَنْ الرَّجُلُ: الَّذِي زَجَرَ الْقَوْمَ عَنْكَ بِمَكَّةَ يَوْمَ أَسْلَمْتُ، وَهُمْ يُقَاتِلُونَكَ؟

فَقَالَ: ذَاكَ، أَيْ بُنَيَّ، الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ." [511].

قال ابن كثير: وهذا إسناد جيد قوي، وهو يدل على تأخر إسلام عمر؛ لأن ابن عمر عرض يوم (أحد) وهو ابن أربع عشرة سنة، وكانت (أحد) في سنة ثلاث من الهجرة، وقد كان مميزاً يوم أسلم أبوه، فيكون إسلامه قبل الهجرة بنحو من أربع سنين، وذلك بعد البعثة بنحو تسع سنين. والله أعلم"[512] .

قلت: لا يشترط أن يكون  سن ابن عمر سبع سنوات حتى يعي ما حدث لأبيه في هذه القصة بل يمكن أن يكون أقل من ذلك بسنتين أو ثلاث ويعي ذلك. فالطفل- في هذا السن- يؤثر فيه تأثيرًا قويًا أن يجد أباه يضرب أمامه ضربًا شديدًا  فلا ينسى ما حدث، خاصة إذا كان فطنًا وابن عمر كان كذلك فقد كان حافظا متقنًا فهو من المكثرين في الرواية  .

 

روى ابن سعد : قال عبد الله بن مسعود: كان إسلام عمر فتحًا ، وكانت هجرته نصرًا ، وكانت إمارته رحمة، لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر ، فلما أسلم عمر، قاتلهم حتى تركونا فصلينا "[513] .

وقد أورد البخاري في صحيحه، باب إسلام عمر، قصة سماع عمر لصارخ من الجن وكأن البخاري يرى أن ذلك كان سببًا في إسلام عمر ، وفي الحديث:

قَالَ عُمَرُ: صَدَقَ، بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ، عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ، فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ، لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَوَثَبَ القَوْمُ، قُلْتُ: لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، ثُمَّ نَادَى: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقُمْتُ، فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ: هَذَا نَبِيٌّ " [514].

وقد أورد أبو نعيم رواية أخرى تبين أن سماع عمر لهذا الصوت من الجني كان سببًا في إسلام عمر لكن فيها ضعف وستأتي.

ويمكن القول بأن  إسلام عمر له عدة أسباب منها: دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له

ومنها: تأثره بآيات القرآن الكريم التي سمعها كما هو الحال مع أكثر الصحابة الذين أسلموا.

ومنها: سماعه لصوت الجني الذي أخبرهم ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

* وذكروا في قصة إسلامه روايات كثيرة لا يثبت منها شيء

 

منها ما أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه عن جابر قال : كان أول إسلام عمر أن عمر قال : ضرب أختي المخاض ليلاً فخرجت من البيت فدخلت في أستار الكعبة في ليلة قرة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل الحجر وعليه تبان فصلى ما شاء الله ثم انصرف فسمعت شيئا لم أسمع مثله فخرج فأتبعته فقال : من هذا قلت : عمر قال : يا عمر ما تدعني ليلا ولا نهارًا فخشيت أن يدعو علي فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال يا عمر أسره . قلت : لا والذي بعثك بالحق لأعلننه كما أعلنت الشرك"([515]) .وهو خبر ضعيف .

وأمثل ما جاء في قصة إسلامه هو :ما أخرجه أحمد بسنده غن شُرَيْح بْن عُبَيْدٍ، قَالَ:

قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: خَرَجْتُ أَتَعَرَّضُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ أُسْلِمَ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقُمْتُ خَلْفَهُ، فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْحَاقَّةِ، فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ مِنْ تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ، قَالَ: فَقُلْتُ: هَذَا وَاللهِ شَاعِرٌ كَمَا قَالَتْ قُرَيْشٌ، قَالَ: فَقَرَأَ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ} قَالَ: قُلْتُ: كَاهِنٌ، قَالَ: {وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِّنْ رَّبِّ الْعَالَمِينَ. وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ. لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَمَا مِنْكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 42 - 47] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، قَالَ: فَوَقَعَ الْإِسْلامُ فِي قَلْبِي كُلَّ مَوْقِعٍ "[516]. لكن شريح بن عبيد - وهو تابعي ثقة- لم يدرك عمرًا.[517]

وكذا ما ذُكر من أن عمر أُخبر بأن أخته وزوجها أسلما فذهب إليهما مغضبًا فلما قرع الباب وجدهم يقرءون صحيفة فيها آيات من سورة الحديد وفي رواية مثلها كان فيها أول سورة طه فقرأها بعد أن اغتسل فأسلم ..فقد ضعف ذلك المحدثون .

روى البزار: عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ بن أسلم ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَتُحِبُّونَ أَنْ أُعْلِمَكُمْ ، أَوَّلَ إِسْلامِي ؟ قَالَ : قُلْنَا : نَعَمْ ، قَالَ : كُنْتُ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَبَيْنَا أَنَا فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ فِي بَعْضِ طُرُقِ مَكَّةَ إِذْ رَآنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ : أَيْنَ تَذْهَبُ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ قُلْتُ : أُرِيدُ هَذَا الرَّجُلَ ، فَقَالَ : يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، قَدْ دَخَلَ عَلَيْكَ هَذَا الأَمْرُ فِي مَنْزِلِكَ وَأَنْتَ تَقُولُ هَكَذَا ، فَقُلْتُ : وَمَا ذَاكَ ؟ فَقَالَ : إِنَّ أُخْتَكَ قَدْ ذَهَبَتْ إِلَيْهِ ، قَالَ : فَرَجَعْتُ مُغْتَضِبًا حَتَّى قَرَعْتُ عَلَيْهَا الْبَابَ ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَسْلَمَ بَعْضُ مَنْ لاَ شَيْءَ لَهُ ضَمَّ الرَّجُلَ وَالرَّجُلَيْنِ إِلَى الرَّجُلِ يُنْفِقُ عَلَيْهِ ، قَالَ : وَكَانَ ضَمَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى زَوْجِ أُخْتِي ، قَالَ : فَقَرَعْتُ الْبَابَ ، فَقِيلَ لِي : مَنْ هَذَا ؟ قُلْتُ : أَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، وَقَدْ كَانُوا يَقْرَءُونَ كِتَابًا فِي أَيْدِيهِمْ ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتِي قَامُوا حَتَّى اخْتَبَئُوا فِي مَكَانٍ وَتَرَكُوا الْكِتَابَ ، فَلَمَّا فَتَحَتْ لِي أُخْتِيَ الْبَابَ ، قُلْتُ : أَيَا عَدُوَّةَ نَفْسِهَا أَصَبَوْتِ ؟ قَالَ : وَأَرْفَعُ شَيْئًا فَأَضْرِبُ بِهِ عَلَى رَأْسِهَا ، فَبَكَتِ الْمَرْأَةُ ، وَقَالَتْ لِي : يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، اصْنَعْ مَا كُنْتَ صَانِعًا فَقَدْ أَسْلَمْتُ ، فَذَهَبْتُ فَجَلَسْتُ عَلَى السَّرِيرِ ، فَإِذَا بِصَحِيفَةٍ وَسَطَ الْبَابِ ، فَقُلْتُ : مَا هَذِهِ الصَّحِيفَةُ هَا هُنَا ؟ فَقَالَتْ لِي : دَعْنَا عَنْكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَإِنَّكَ لاَ تَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ ، وَلاَ تَتَطَهَّرُ ، وَهَذَا لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ، فَمَا زِلْتُ بِهَا حَتَّى أَعْطَتْنِيهَا فَإِذَا فِيهَا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَلَمَّا قَرَأْتُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَذَكَّرْتُ مِنْ أَيْنَ اشْتُقَ ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي ، فَقَرَأْتُ فِي الصَّحِيفَةِ {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ، فَكُلَّمَا مَرَرْتُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ ذَكَرْتُ اللَّهَ ، فَأَلْقَيْتُ الصَّحِيفَةَ مِنْ يَدِي ، قَالَ : ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى نَفْسِي ، فَأَقْرَأُ فِيهَا {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} حَتَّى بَلَغَ {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}[الحديد:1- 7]، قَالَ : قُلْتُ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، فَخَرَجَ الْقَوْمُ مُبَادِرِينَ فَكَبَّرُوا اسْتَبْشَارًا بِذَلِكَ ، ثُمَّ قَالُوا لِي : أَبْشِرْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَعَا يَوْمَ الاثْنَيْنِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ أَعِزَّ الدِّينَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ ، إِمَّا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَإِمَّا أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَأَنَا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَكَ ، فَقُلْتُ : دُلُّونِي عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيْنَ هُوَ ؟ فَلَمَّا عَرَفُوا الصِّدْقَ مِنِّي دَلُّونِي عَلَيْهِ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ،

فَجِئْتُ حَتَّى قَرَعْتُ الْبَابَ ، فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ فَقُلْتُ : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، وَقَدْ عَلِمُوا شِدَّتِي عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَعْلَمُوا بِإِسْلامِي ، فَمَا اجْتَرَأَ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لِي حَتَّى قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : افْتَحُوا لَهُ ، فَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يَهْدِهِ قَالَ : فَفُتِحَ لِي الْبَابُ ، فَأَخَذَ رَجُلانِ بِعَضُدِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَرْسِلُوهُ فَأَرْسَلُونِي ، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ قَمِيصِي ثُمَّ قَالَ : أَسْلِمْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، اللَّهُمَّ اهْدِهِ فَقُلْتُ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ ، قَالَ : فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ تَكْبِيرَةً سُمِعَتْ فِيَ طُرُقِ مَكَّةَ ، قَالَ : وَقَدْ كَانُوا سَبْعِينَ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ فَعَلِمَ بِهِ النَّاسُ يَضْرِبُونَهُ وَيَضْرِبُهُمْ ، قَالَ : فَجِئْتُ إِلَى رَجُلٍ فَقَرَعْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قُلْتُ : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، فَخَرَجَ إِلَيَّ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَعَلِمْتَ أَنِّي قَدْ صَبَوْتُ ؟ قَالَ : أَوَ فَعَلْتَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : لاَ تَفْعَلْ ، قَالَ : وَدَخَلَ الْبَيْتَ فَأَجَافَ الْبَابَ دُونِي ، قَالَ : فَذَهَبْتُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ مِنْ قُرَيْشٍ فَنَادَيْتُهُ فَخَرَجَ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَعَلِمْتَ أَنِّي قَدْ صَبَوْتُ ، فَقَالَ : أَوَ فَعَلْتَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : لاَ تَفْعَلْ وَدَخَلَ الْبَيْتَ وَأَجَافَ الْبَابَ دُونِي ، فَقُلْتُ : مَا هَذَا بِشَيْءٍ ، قَالَ : فَإِذَا أَنَا لاَ أُضْرَبُ وَلاَ يُقَالُ لِي شَيْءٌ ، فَقَالَ الرَّجُلُ أَتُحِبُّ أَنْ يُعْلَمَ إِسْلامُكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : إِذَا جَلَسَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ فَأْتِ فُلانًا فَقُلْ لَهُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ : أَشَعَرْتَ أَنِّي قَدْ صَبَوْتُ فَإِنَّهُ قَلَّ مَا يَكْتُمُ الشَّيْءَ ، فَجِئْتُ إِلَيْهِ وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ فَقُلْتُ لَهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ : أَشَعَرْتَ أَنِّي قَدْ صَبَوْتُ ؟ قَالَ : فَقَالَ : أَفَعَلْتَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَلا إِنَّ عُمَرَ قَدْ صَبَا ، قَالَ : فَثَارَ إِلَيَّ أُولَئِكَ النَّاسُ فَمَا زَالُوا يَضْرِبُونِي وَأَضْرِبُهُمْ ، حَتَّى أَتَى خَالِي فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ عُمَرَ قَدْ صَبَا ، فَقَامَ عَلَى الْحِجْرِ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ : أَلا إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ ابْنَ أُخْتِي فَلا يَمَسُّهُ أَحَدٌ ، قَالَ : فَانْكَشَفُوا عَنِّي فَكُنْتُ لاَ أَشَاءُ أَنْ أَرَى أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُضْرَبُ إِلاَّ رَأَيْتُهُ فَقُلْتُ : مَا هَذَا بِشَيْءٍ ، إِنَّ النَّاسَ يُضْرَبُونَ وَأَنَا لاَ أُضْرَبُ ، وَلاَ يُقَالُ لِي شَيْءٌ فَلَمَّا جَلَسَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ جِئْتُ إِلَى خَالِي فَقُلْتُ : اسْمَعْ ، جِوَارُكَ عَلَيْكَ رَدٌّ ، قَالَ : لاَ تَفْعَلْ ، قَالَ : فَأَبَيْتُ فَمَا زِلْتُ أُضْرَبُ وَأَضْرِبُ حَتَّى أَظْهَرَ اللَّهُ الإِسْلامَ"[518].

وروى ابن ماجه ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ، نَزَلَ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، لَقَدِ اسْتَبْشَرَ أَهْلُ السَّمَاءِ بِإِسْلَامِ عُمَرَ "[519].

وقال الواقدي : ثنا محمد بن عبد الله عن الزهري عن ابن المسيب قال : أسلم عمر بعد أربعين رجلاً وعشر نسوة فلما أسلم ظهر الإسلام بمكة" [520] .

 

وروى أبو نعيم  عن ابن عباس قال : سألت عمر لأي شيء سميت الفاروق فقال : أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام فخرجت إلى المسجد فأسرع أبو جهل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسبه فأخبر حمزة فأخذ قوسه وجاء إلى المسجد إلى حلقة قريش التي فيها أبو جهل فاتكأ على قوسه مقابل أبي جهل فنظر إليه فعرف أبو جهل الشر في وجهه فقال : ما لك يا أبا عمارة فرفع القوس فضرب بها أخدعيه فقطعه فسالت الدماء فأصلحت ذلك قريش مخافة الشر قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي فانطلق حمزة فأسلم وخرجت بعده بثلاثة أيام فإذا فلان المخزومي فقلت : أرغبت عن دين آبائك واتبعت دين محمد قال : إن فعلت فقد فعله من و أعظم عليك حقا مني قلت : ومن هو قال : أختك وختنك فانطلقت فوجدت همهمة فدخلت فقلت : ما هذا فما زال الكلام بيننا حتى أخذت برأس ختني فضربته وأدميته فقامت إلي أختي فأخذت برأسي وقالت : قد كان ذلك على رغم أنفك فاستحييت حين رأيت الدماء فجلست وقلت : أروني هذا الكتاب فقالت : إنه لا يمسه إلا المطهرون فقمت فاغتسلت فأخرجوا إلي صحيفة فيها بسم الله الرحمن الرحيم قلت : أسماء طيبة طاهرة " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " إلى قوله " له الأسماء الحسنى " فتعظمت في صدري وقلت : من هذا فرت قريش فأسلمت وقلت : أين رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فإنه في دار الأرقم فأتيت فضربت الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة : ما لكم قالوا : عمر قال : وعمر !

افتحوا له الباب فإن أقبل قبلنا منه وإن أدبر قتلناه فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فتشهد عمر فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد قلت : يا رسول الله السنا على الحق قال : بلى فقلت : فيم الاختفاء فخرجنا صفين أنا في أحدهما وحمزة في الآخر حتى دخلنا المسجد فنظرت قريش إلي وإلى حمزة فأصابتهم كآبة شديدة فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق يومئذ وفرق بين الحق والباطل"[521] .

وروى أبو نعيم عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: لقد رأيتني وما أسلم مع النبي صلى الله عليه و سلم إلا تسعة وثلاثون رجلاً وكنت رابع أربعين رجلا فأظهر الله دينه ونصر نبيه وأعز الإسلام"[522] .

 

وَأخرج أبو نعيم عَن عمر ، قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ أبي جهل وَشَيْبَة بن ربيعَة فَقَالَ أبو جهل: يَا معشر قُرَيْش إِن مُحَمَّدًا قد شتم آلِهَتكُم وسفه أحلامكم وَزعم أن من مضى من آبائكم يتهافتون فِي النَّار، أَلا وَمن قتل مُحَمَّدًا فَلهُ عَليّ مائَة نَاقَة حَمْرَاء وسوداء وَألف أُوقِيَّة فضَّة، قَالَ عمر : فَخرجت مُتَقَلِّدًا بِالسَّيْفِ متنكبا كِنَانَتِي أُرِيد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، فمررت على عِجْلٍ يذبحونه فَقُمْت أنظر إِلَيْهِم، فاذا صائح يَصِيح من جَوف الْعجل يَا آل ذريح أَمر نجيح رجل يَصِيح بِلِسَان فصيح يَدْعُو إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، قَالَ عمر: فَعلمت أنه أرادني ثمَّ مَرَرْت بِغنم فَإِذا هَاتِف يَهْتِف وَيَقُول:

يَا أَيهَا النَّاس ذَوُو الْأَجْسَام ... مَـا أَنْتُم وطائش الأحـلام

ومسندو الحكم إِلَى الْأَصْنَام ... فكلـكم أوره كالنعــام

أمـا ترَوْنَ مَـا أرى أَمَامِي ... من سَاطِع يجلود حَيّ الظلام

قـد لَاحَ للنَّاظِر من تهـام ... أكْـرم بِـهِ لله من إِمَــام

قد جَاءَ بعد الْكفْر بِالْإِسْلَامِ ... وَالْبر والصـلات للأرحـام

قَالَ عمر: فَقلت وَالله مَا أرَاهُ إِلَّا أرادني ثمَّ مَرَرْت بالضمار فاذا هَاتِف من جَوْفه يَقُول

ترك الضمار وَكَانَ يعبد وَحده ... بعد الصَّلَاة مَعَ النَّبِي مُحَمَّد

إِن الَّذِي ورث النُّبُوَّة وَالْهدى ... بعد ابْن مَرْيَم من قُرَيْش مهتدي

سَيَقُولُ من عبد الضمار وَمثله ... لَيْت الضمار وَمثله لم يعبد

فاصـبر أَبَا حَفْص فَإنَّك آمن ... يَأْتِيك عز غير عز بني عدي

لَا تعجلن فَأَنت نَاصِـر دينه ... حَقـًا يَقِينا بِاللِّسَـانِ وباليد

قَالَ عمر: فوَاللَّه لقد علمت أنه أرادني فَجئْت حَتَّى دخلت على أُخْتِي فَإِذا خباب ابْن الْأَرَت عِنْدهَا وَزوجهَا فَقَالَ خباب: وَيحك يَا عمر أسلم فدعوت بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأت ثمَّ خرجت الى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي اسْتُجِيبَ لي فِيك يَا عمر أسلم فَأسْلمت وَكنت تَمام أَرْبَعِينَ رجلا مِمَّن أسلم وَنزلت {يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ}[523]

و ثبتت له فضائل كثيرة رضي الله عنه كما في الصحيحين وغيرهما[524].وفي قصة إسلامه دروس وعبر على المسلم أن يتعلم منها [525].

 

باب: عزم الصِّديق على الهجرة إلى أرض الحبشة .

ذكر البخاري في صحيحه هذه القصة عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً .

فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ -وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ – فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَخْرَجَنِي قَوْمِي فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ إِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَأَنَا لَكَ جَارٌ ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَيَصِلُ الرَّحِمَ وَيَحْمِلُ الْكَلَّ وَيَقْرِي الضَّيْفَ وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ وَقَالُوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلَاتِهِ وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ وَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ فَأَعْلَنَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَانْهَهُ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ[526]

 

وقال ابن إسحاق: وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه – كما حدثني محمد بن مسلم الزهري عن عروة عن عائشة – حين ضاقت عليه (مكة)، وأصابه فيها الأذى، ورأى من تظاهر قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما رأى ؛ استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة؛ فأذن له .

فخرج أبو بكر رضي الله عنه مهاجراً؛ حتى إذا سار من (مكة) يوماً أو يومين لقيه ابن الدّغنة – أخو بني الحارث بن يزيد؛ أحد بني بكر بن عبد مناة بن كنانة – وهو يومئذ سيد الأحابيش.

[قال ابن إسحاق: و(الأحابيش): بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، والهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو المصطلق من خزاعة. -قال ابن هشام: تحالفوا جميعاً، فسموا الأحابيش؛ لأنهم تحالفوا بوادٍ يقال له : (الأحبش) بأسفل (مكة) للحلف]... ثم ذكر الحديث[527]  بنحو ما ذكره البخاري في صحيحه .

 

باب:  دور اليهود في العهد المكي واستعانة مشركي مكة بهم .

 

تحدث القرآن الكريم عن بني إسرائيل طويلاً في سور كثيرة ، بلغت خمسين سورة في المرحلة المكية، وفي المرحلة المدنية, كان دور اليهود كبيرًا في محاولة إطفاء نور الله, والقضاء على دعوة الإسلام, وعلى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تحظ ملة من الملل؛ ولا قوم من الأقوام بالحديث عنهم بمثل هذا الشمول، وهذه التفصيلات ما حظي به اليهود، وحديث القرآن عنهم يتسم بمنهج دقيق يتناسب مع المراحل الدعوية التي مرت بها دعوة الإسلام، فقد جاءت الآيات الكريمة تشير إلى أن غفلة المشركين عن الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم اكتراثهم به وبدعوته, له نماذج بشرية تقدمتهم، مثل عاد وثمود وفرعون وبني إسرائيل وقوم تبع، وأصحاب الرس([528])

عندما وجدت قريش نفسها عاجزة أمام دعوة الحق، وكان المعبر عن هذا العجز, النضر بن الحارث الذي صرح قائلا: «يا معشر قريش إنه والله قد نزل بكم أمر ما أوتيتم له بحيلة بعد.. فانظروا في شأنكم, فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم» فقرروا بعد ذلك إرسال النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط، إلى أحبار اليهود بالمدينة, لمعرفة حقيقة هذه الدعوة, لا لكي يتبعوها، ولكن لإدراكهم أن اليهود قد يمدونهم بأشياء تظهر عجز الرسول صلى الله عليه وسلم لمعرفة زعماء مكة بحقد اليهود المنصب على الأنبياء جميعًا وأصحاب الحق أينما كانوا، كانت بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم صدمة قوية لليهود؛ وذلك لأنهم عاشوا في جزيرة العرب على حلم توارثوه طوال السنين الماضية, وهو أنه سيُبعث نبي مخلص في ذلك الزمان والمكان، فرجوا أن يكون منهم، آملين أن يخلصهم من الفرقة والشتات الذي كانوا فيه([529]).فإذا هو من العرب فأعلنوا عليه الحرب بشتى الوسائل.كما سترى في المرحلة المدنية.

كان التقارب بين معسكر الكفر والشرك مع اليهود, ينسجم مع أهدافهم المشتركة للقضاء على دعوة الإسلام، ولذلك زودوا الوفد المكي ببعض الأسئلة محاولة لتعجيز النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن إسحاق:حدثني شيخ من أهل مصر قدم علينا منذ بضع وأربعين سنة عن عكرمة عن ابن عباس قال :

بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة، فقالوا لهم: سلوهم عن محمد, وصفوا لهم صفته, وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدنية، فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفا لهم أمره وبعض قوله, وقالا: إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، قال: فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح, ما هو؟ فإن أخبركم بذلك فإنه نبي فاتبعوه، وإن هو لم يخبركم فهو رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم.

فأقبل النضر وعقبة حتى قدما مكة على قريش فقالا: يا معشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، فأخبروهم بها، فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، أخبرنا، فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبركم غدًا بما سألتم عنه، ولم يستثن([530]) فانصرفوا عنه، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيًا، ولا يأتيه جبريل عليه السلام، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمدًا غدًا واليوم خمس عشرة، قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه، وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مُكْثُ الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل عليه السلام من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف، وقول الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }[الإسراء:85  ][531].

هكذا ذكرها ابن إسحاق وأبهم شيخه فلا يُعرف.والمفسرون يذكرونها سببًا لنزول سورة الكهف. إذ السورة قد أجابت على تساؤلات هؤلاء المشركين . وفيها  إشارة إلى أن كهفًا من عناية الله سوف يأوي هؤلاء المستضعفين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, كما آوى الكهف الجبلي الفتية المؤمنين الفارين بدينهم من الفتنة .

جعل الله هذه المناسبة وسيلة للإشارة إلى قرب الفرج للعصبة المؤمنة ليجدوا مأوى كما وجد الفتية المأوى، وليبش في وجوههم أهل المدينة كما بش أهل المدينة في وجه هؤلاء الفتية, ثم ذهبوا إليهم ليكرموهم وليخلدوا ذكراهم([532]).

ويشهد لما ذكره ابن إسحاق ما رواه أحمد والترمذي عن ابن عباس قال: قالت قريش ليهود: أعطونا شيئًا نسأل عنه هذا الرجل. فقالوا: سلوه عن الروح. فسألوه، فنزلت: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا } قالوا: أوتينا علمًا كثيرًا، أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرًا كثيرًا. قال: وأنزل الله: { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا }[ الكهف: 109 ] ([533])

روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه - قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث في المدينة، وهو متوكئ على عَسِيب، فمُر بقوم من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح. فقال بعضهم: لا تسألوه. قال: فسألوه عن الروح فقالوا : يا محمد، ما الروح؟ فما زال متوكئًا على العسيب، قال: فظننت أنه يوحى إليه، فقال: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا } فقال بعضهم لبعض: قد قلنا لكم لا تسألوه.   ([534])

وهذا السياق يقتضي  فيما يظهر بادي الرأي: أن هذه الآية مدنية، وأنها إنما نزلت حين سأله اليهود، عن ذلك بالمدينة، مع أن السورة كلها مكية. وقد يجاب عن هذا: بأنه قد يكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك، أو أنه نزل عليه الوحي بأنه يجيبهم عما سألوا بالآية المتقدم إنزالها عليه في مكة، وهي هذه الآية: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ } ومما يدل على نزول هذه الآية بمكة حديث ابن عباس السابق عند أحمد والترمذي.

وليست الأسئلة التعجيزية التي مد بها اليهود كفار قريش بحجة على بطلان الرسالة  وكذب صاحبها ، فهذا نبي الله موسى عليه السلام وهو من أعظم أنبياء بني إسرائيل لم يعلم تأويل الأحداث الثلاثة التي جرت أمامه، وأنكر على الخضر تصرفاته, على الرغم من تعهده أن لا يسأله عن شيء حتى يحدث له منه ذكرًا، على الرغم من كل ذلك لم تؤثر الأحداث وما دار حولها في نبوة موسى عليه السلام شيئا، ولم يشكك بنو إسرائيل في نبوته, فلم يجعلوا مثل هذه الأسئلة أسلوبًا للتحقق من صدق الرسالة([535]).

 

باب: الصحيفة و شعب أبي طالب

قال ابن إسحاق : فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلوا بلدًا أصابوا به أمنا وقرارا وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم ، وأن عمر قد أسلم فكان هو وحمزة بن عبدالمطلب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وجعل الإسلام يفشو في القبائل اجتمعوا وائتمروا بينهم أن يكتبوا كتابًا يتعاقدون فيه على بني هاشم و بني المطلب على أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم ، فلما اجتمعوا لذلك كتبوه في صحيفة ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدا على أنفسهم وكان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة بن عامر ابن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي - قال ابن هشام : ويقال : النضر بن الحارث - فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشُلت بعض أصابعه  ([536]).

قال ابن إسحاق : فلما فعلت ذلك قريش انحازت بنو هاشم و بنو المطلب إلى أبي طالب بن عبدالمطلب فدخلوا معه في شِعبه واجتمعوا إليه، وخرج من بني هاشم أبو لهب عبدالعزى بن عبدالمطلب إلى قريش فظاهرهم   ([537])..

وقال موسى بن عقبة عن الزهري قال : «ثم إنهم- أي المشركين- اشتدوا على المسلمين كأشد ما كانوا، حتى بلغ المسلمين الجهد، واشتد عليهم البلاء، واجتمعت قريش في مكرها, أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علانية، فلما رأى أبو طالب عمل القوم جمع بني عبد المطلب, وأمرهم أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم, ويمنعوه ممن أراد قتله، فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم، فمنهم من فعله حمية، ومنهم من فعله إيمانًا ويقينًا، فلما عرفت قريش أن القوم قد منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأجمعوا أمرهم ألا يجالسوهم ولا يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل، وكتبوا في مكرهم صحيفة وعهودًا ومواثيق، لا يتقبلوا من بني هاشم أبدًا صلحًا، ولا يأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل. فلبث بنو هاشم في شعبهم يعني ثلاث سنين واشتد عليهم البلاء وقطعوا عنهم الأسواق وكان أبو طالب إذا نام الناس أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع على فراشه ، حتى يرى ذلك من أراد مكرًا به واغتياله ، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوته فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويأتي رسول الله فراش ذلك فينام عليه. أهـ. ([538])

وكان هذا الحصار الاقتصادي والاجتماعي في آخر العام السابع من البعثة، فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين، واشتد عليهم البلاء والجهد، وقطعوا عنهم الأسواق، فلا يتركوا طعامًا يقدم من مكة ولا بيعًا إلا بادروهم إليه فاشتروه، يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

واشتد الحصار على الصحابة، وبني هاشم، وبني المطلب، حتى اضطروا إلى أكل ورق الشجر، وحتى أصيبوا بظلف العيش وشدته، إلى حد أن أحدهم يخرج ليبول فيسمع بقعقعة شيء تحته، فإذا هي قطعة من جلد بعير فيأخذها فيغسلها، ثم يحرقها ثم يسحقها، ثم يستفها، ويشرب عليها الماء فيتقوى بها ثلاثة أيام ([539]) ، وحتى لتسمع قريش صوت الصبية يتضاغون من وراء الشِّعب من الجوع.

 

باب: نقض الصحيفة

فلما كان رأس ثلاث سنين، قيض الله سبحانه وتعالى لنقض الصحيفة أناسًا من أشراف قريش، وكان الذي تولى الانقلاب الداخلي لنقض الصحيفة هشام بن عمرو الهاشمي

قال ابن إسحاق: وبنو هاشم وبنو المطلب في منزلهم الذي تعاقدت فيه قريش عليهم في الصحيفة التي كتبوها ثم إنه قام في نقض تلك الصحيفة التي تكاتبت فيها قريش على بني هاشم وبني المطلب نفر من قريش ولم يبل فيها أحد أحسن من بلاء هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن نصر بن جذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي وذلك أنه كان ابن أخي نضلة بن هاشم بن عبد مناف لأمه فكان هشام لبني هاشم واصلا وكان ذا شرف في قومه فكان - فيما بلغني - يأتي بالبعير وبنو هاشم وبنو المطلب في الشعب ليلا قد أوقره طعاما حتى إذا أقبل به فم الشعب خلع خطامه من رأسه ثم ضرب على جنبه فيدخل الشعب عليهم ثم يأتي به قد أوقره بزا فيفعل به مثل ذلك

قال ابن إسحاق : ثم إنه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم وكانت أمه عاتكة بنت عبدالمطلب فقال : يا زهير أقد رضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت لا يباعون ولا يبتاع منهم ولا ينكحون ولا ينكح إليهم ؟ أما إني أحلف بالله أن لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك إليه أبدا قال : ويحك يا هشام فماذا أصنع ؟ إنما أنا رجل واحد والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها حتى أنقضها قال : قد وجدت رجلا قال : فمن هو ؟ قال : أنا قال له زهير : أبغنا رجلا ثالثا

فذهب إلى المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف فقال له : يا مطعم أقد رضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف وأنت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه أما والله لئن أمكنتموهم من هذه لتجدنهم إليها منكم سراعا قال : ويحك فماذا أصنع ؟ إنما أنا رجل واحد قال : قد وجدت ثانيا قال : من هو ؟ قال : أنا فقال : أبغنا ثالثا قال : قد فعلت قال : من هو ؟ قال : زهير بن أبي أمية قال : أبغنا رابعا

فذهب إلى البختري بن هشام فقال له نحوا مما قال للمطعم بن عدي فقال : وهل من أحد يعين على هذا ؟ قال : نعم قال : من هو ؟ قال : زهير بن أبي أمية والمطعم بن عدي وأنا معك قال : أبغنا خامسا

فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد فكلمه وذكر له قرابتهم وحقهم فقال له : وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد ؟ قال : نعم ثم سمى له القوم.

فاتعدوا خطم الحجون ليلا بأعلى مكة فاجتمعوا هنالك . فأجمعوا أمرهم وتعاقدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها وقال زهير : أنا أبدؤكم فأكون أول من يتكلم.

فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم وغدا زهير بن أبي أمية عليه حلة فطاف بالبيت سبعًا، ثم أقبل على الناس فقال : يا أهل مكة أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يباع ولا يبتاع منهم والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة .

قال أبو جهل : وكان في ناحية المسجد : كذبت والله ، ولا تشق.

قال زمعة بن الأسود : أنت والله أكذب ، ما رضينا كتابها حيث كتبت.

قال أبو البختري : صدق زمعة لا نرضى ما كتب فيها ولا نقر به.

قال المطعم بن عدي : صدقتما وكذب من قال غير ذلك ، نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها .

قال هشام بن عمرو نحوًا من ذلك([540])

فقال أبو جهل : هذا أمر قضي بليل تشوور فيه بغير هذا المكان .

وأبو طالب جالس في ناحية المسجد.

فقام المطعم إلى الصحيفة ليشقها، فوجد الأرضة قد أكلتها إلا ( باسمك اللهم) [541]

قال موسى بن عقبة :فلما أفسد الله الصحيفة، خرج رسول الله ورهطه، فعاشوا وخالطوا الناس([542])"

قال ابن هشام : وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي طالب: (( يا عم إن الله قد سلط الأرضة على صحيفة قريش فلم تدع فيها اسما هو لله إلا أثبتته فيها ونفت منها الظلم والقطيعة والبهتان )) فقال:أربك أخبرك بهذا قال : ((نعم ))قال :فوالله ما يدخل عليك أحد .ثم خرج إلى قريش فقال: يا معشر قريش إن ابن أخي قد أخبرني بكذا وكذا ، فهلم صحيفتكم فإن كانت كما قال فانتهوا عن قطيعتنا وانزلوا عنها، وإن كان كاذبًا دفعت اليكم ابن اخي. فقال القوم: قد رضينا ، فتعاقدوا على ذلك ، ثم نظروا فاذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فزادهم ذلك شرًا ، فعند ذلك صنع الرهط من قريش في نقض الصحيفة ما صنعوا )[543] .

هكذا ذكروا أمر الصحيفة بسند غير متصل.فابن إسحاق لم يسنده،ورواه موسى بن عقبة عن الزهري مرسلاً.وكذا رواه ابن لهيعة-وهو ضعيف- عن الأسود عن عروة مرسلاً [544].وذكر الحافظ في الفتح(7/192-193) أن لذلك أصلاً ذكره البخاري في حديث أبي هريرة ( تقاسموا على الكفر ) [545]  فكأن ما ذكره أهل المغازي شرح لهذا الحديث.

 

باب: قوله تعالى :{غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ}.

قال تعالى:{الم. غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الروم: 1-5].

روى الترمذي عن ابن عباس : في قول الله تعالى { الم } { غلبت الروم * في أدنى الأرض } قال: غُلبت وغَلبت كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل أوثان وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب فذكروه لأبي بكر ، فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( أما إنهم سيغلبون )) فذكره أبو بكر لهم.فقالوا : اجعل بيننا وبينك أجلاً ، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا. فجعل أجلاً خمس سنين ،فلم يظهروا ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ألا جعلته إلى دون -قال أراه- العشر )) (قال سعيد: والبضع ما دون العشر ) . قال : ثم ظهرت الروم بعدُ. قال فذلك قوله تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ }[الروم: 1-5].قال سفيان: سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر [546]

قال ابن كثير:وقد أوردنا طرق هذا الحديث في ((التفسير))، وذكرنا أن المُنَاحب- أي: المُراهن – لأبي بكر- أميّة بن خلف، وأن الرهن كان على خمس قلائص، وأنه كان إلى مدة، فزاد فيها الصديق عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الرهن، وأن غلبة الروم على فارس كان يوم بدر، أو كان يوم الحديبية. فالله أعلم. [547]

وروى الترمذي عن أبي سعيد قال : لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين فنزلت { الم  غلبت الروم } إلى قوله { يفرح المؤمنون بنصر الله } قال: ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس [548]

وروى البيهقي في الدلائل : عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : لما نزلت هاتان الآيتان يعني أول الروم ، ناحب أبو بكر بعضَ المشركين (يعني راهن ، قبل أن يحرم القمار ) على شيء إن لم تغلب فارس في سبع سنين فقال رسول الله : " لم فعلت فكل ما دون العشر بضع " فكان ظهور فارس على الروم في سبع سنين وظهور الروم على فارس في تسع سنين . ثم أظهر الله الروم عليهم زمن الحديبية ففرح بذلك المسلمون ([549])

وروى عن قتادة :{ الم غلبت الروم في أدنى الأرض }قال : غلبهم أهل فارس على أدنى الشام قال : فصدق المسلمون ربهم وعرفوا أن الروم سيظهرون بعد فاقتمروا هم المشركون على خمس قلائص وأجلوا بينهم خمس سنين فولي قمار المسلمين أبو بكر وولي قمار المشركين أبي بن خلف وذلك قبل أن ينهى عن القمار فجاء الأجل، ولم تظهر الروم فسأل المشركون قمارهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألم تكونوا أحقاء أن تؤجل أجلا دون العشر فإن البضع ما بين الثلاث إلى العشر فزايدوهم مادوهم في الأجل " ففعلوا فأظهر الله الروم عند رأس السبع من قمارهم الأول وكان ذلك مرجعهم من الحديبية  ففرح المسلمون بفلجهم الذي كان من ظهور أهل الكتاب على المجوس ، وكان ذلك مما شد الله به الإسلام ، فهو قوله : ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. ([550])

و روى البيهقي:عن العلاء بن الزبير الكلابي يحدث عن أبيه قال : رأيت غلبة فارس الروم ثم رأيت غلبة الروم فارس ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم وظهورهم على الشام والعراق كل ذلك في خمس عشرة سنة ([551]) .

 

باب: دعاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قريش بالسننين

روى البخاري عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود:  إِنَّمَا كَانَ هَذَا لِأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ ،حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنْ الْجَهْدِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } قَالَ: فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ: لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ، فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ قَالَ: لِمُضَرَ ! إِنَّكَ لَجَرِيءٌ فَاسْتَسْقَى لَهُمْ فَسُقُوا فَنَزَلَتْ { إِنَّكُمْ عَائِدُونَ } فَلَمَّا أَصَابَتْهُمْ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ حِينَ أَصَابَتْهُمْ الرَّفَاهِيَةُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ } قَالَ : يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ"[552]

روى مسلم  عن أبي بن كعب : في قوله عز وجل :{ ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر } [السجدة : 21 ] قال: مصائب الدنيا، والروم، والبطشة أو الدخان .( شعبة الشاك في البطشة أو الدخان ) [553]

و في ((الصحيحين)) وغيرهما عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ : الدُّخَانُ وَالْقَمَرُ وَالرُّومُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا }[الفرقان:77][554]

. قال البيهقي:والمراد بذلك : أن هذه الآيات قد وجدت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر بهن قبل وجودهن[555]

وروى البيهقي  عن ابن عباس قال : جاء أبو سفيان بن حرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغيث من الجوع ؛ لأنهم لم يجدوا شيئًا حتى أكلوا العلهز بالدم ، فأنزل الله عز وجل :{ ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون }[المؤمنون:76] قال : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فرِّج عنهم[556]

قال البيهقي:وقد روي في قصة أبي سفيان ما دل على أن ذلك كان بعد الهجرة ، ولعله كان مرتين والله أعلم[557]

 

باب: مصارعة النبي ركانة

لم يصح في هذا الباب حديث مرفوع ولكن صح مرسلاَ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، قَالَ: كَانَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَشَدّ قُرَيْشٍ ، فَخَلَا يَوْمًا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَعْضِ شِعَابِ مَكّةَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: يَا رُكَانَةُ أَلَا تَتّقِي اللّهَ وَتَقْبَلُ مَا أَدْعُوك إلَيْهِ ؟ قَالَ : إنّي لَوْ أَعْلَمُ أَنّ الّذِي تَقُولُ حَقّ لَاتّبَعْتُك ، فَقَالَ ( لَهُ ) رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَفَرَأَيْت إنْ صَرَعْتُك ، أَتَعْلَمُ أَنّ مَا أَقُولُ حَقّ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ فَقُمْ حَتْي أُصَارِعَك . قَالَ فَقَامَ إلَيْهِ رُكَانَةُ يُصَارِعُهُ فَلَمّا بَطَشَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَضْجَعَهُ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا ، ثُمّ قَالَ عُدْ يَا مُحَمّدُ فَعَادَ فَصَرَعَهُ فَقَالَ - يَا مُحَمّدُ . وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَلْعَجْبُ أَتَصْرَعُنِي فَقَالَ: رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ إنْ شِئْت أَنْ أُرِيَكَهُ إنْ اتّقَيْتَ اللّهَ وَاتّبَعْت أَمْرِي ، قَالَ مَا هُوَ ؟ قَالَ أَدْعُو لَك هَذِهِ الشّجَرَةَ الّتِي تَرَى فَتَأْتِينِي ، قَالَ اُدْعُهَا ، فَدَعَاهَا ، فَأَقْبَلَتْ حَتّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ فَقَالَ لَهَا : ارْجِعِي إلَى مَكَانِك . قَالَ فَرَجَعَتْ إلَى مَكَانِهَا قَالَ فَذَهَبَ رُكَانَةُ إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ سَاحِرُوا بِصَاحِبِكُمْ أَهْلَ الْأَرْضِ فَوَاَللّهِ مَا رَأَيْت أَسْحَرَ مِنْهُ قَطّ ، ثُمّ أَخْبَرَهُمْ بِاَلّذِي رَأَى وَاَلّذِي صَنَعَ([558])  .وهذا الخبر أرسله إسحاق بن يسار .

وروى الترمذي عن أبي جعفر بن محمد بن ركانة عن أبيه : أن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال ركانة :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس [559].وسنده ضعيف.

قال ابن كثير: وقد روى أبو بكر الشافعي بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما:

أن يزيد بن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم ، فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات؛ كل مرة على مائة من الغنم، فلما كان في الثالثة قال: يا محمد! ما وضع ظهري إلى الأرض أحد قبلك، وماكان أحد أبغض إلي منك، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقام عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد عليه غنمه. أهـ[560] .

قال ابن حجر :وروى أبو داود في المراسيل عن سعيد بن جبير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء فأتى عليه يزيد بن ركانة أو ركانة بن يزيد ومعه أعنز له فقال له :يا محمد هل لك أن تصارعني؟ قال: ما تسبقني قال شاة من غنمي فصارعه فصرعه فأخذ شاة فقال ركانة هل لك في العود ففعل ذلك مرارًا فقال: يا محمد والله ما وضع جنبي أحد إلى الأرض وما أنت بالذي تصرعني يعني فأسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم غنمه.

إسناده صحيح إلى سعيد بن جبير إلا أن سعيدًا لم يدرك ركانة .قال البيهقي: وروي موصولاً . قلت: هو في أحاديث أبي بكر الشافعي وفي كتاب السبق والرمي لأبي الشيخ من رواية عبد الله بن يزيد المدني عن حماد عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن بن عباس مطولا ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من حديث أبي أمامة مطولا وإسناداهما ضعيفان .

وروى عبد الرزاق عن معمر عن يزيد بن أبي زياد أحسبه عن عبد الله بن الحارث قال: صارع النبي صلى الله عليه وسلم أبا ركانة في الجاهلية وكان شديدًا فقال: شاة بشاة فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عاودني في أخرى فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عاودني فصرعه الثالثة فقال أبو ركانة ماذا أقول لأهلي شاة أكلها الذئب وشاة نشرت فما أقول في الثالثة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كنا لنجمع عليك أن نصرعك ونغرمك خذ غنمك" .هكذا وقع فيه أبو ركانة وكذا أخرجه أبو الشيخ من طريقه ويزيد فيه ضعف والصواب ركانة .أهـ([561])

 

باب: موت أبي طالب

كانت وفاة أبي طالب بعد مغادرة بني هاشم شعبه، وذلك في آخر السنة العاشرة من المبعث([562]) وقد كان أبو طالب يحوط النبي ويغضب له وينصره ([563])، وكانت قريش تحترمه، وعندما حضرته الوفاة جاء زعماء الشرك وحرضوه على الاستمساك بدينه وعدم الدخول في الإسلام قائلين: أترغب عن ملة عبد المطلب؟فأجابهم بأنه على ملة عبد المطلب.

روى البخاري: عن سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ: أَيْ عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ }[التوبة:113] وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } القصص:56]"[564]

وهكذا قال عبد الله بن عباس وابن عمر ومجاهد والشعبي وقتادة :إنها نزلت في أبي طالب حين عرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لا إله إلا الله فأبى أن يقولها وقال هو على ملة الاشياخ وكان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب  .

ويؤكد ذلك ما أخرجه البخاري عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ؟ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ ، قَالَ: نَعَمْ هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ لَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّار"[565]ِ .

وروى أحمد ومسلم عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ « لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلُ فِى ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ ، يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ ، يَغْلِى مِنْهُ دِمَاغُهُ [566]».

وروى مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ » [567].

وتجرأ كفار قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونالوا منه ما لم يكونوا يطمعون به في حياة أبي طالب

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ: لَمّا نَثَرَ ذَلِك السّفِيهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ التّرَابَ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْتَهُ وَالتّرَابُ عَلَى رَأْسِهِ فَقَامَتْ إلَيْهِ إحْدَى بَنَاتِهِ فَجَعَلَتْ تَغْسِلُ عَنْهُ التّرَابَ وَهِيَ تَبْكِي ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَهَا : لَا تَبْكِي يَا بُنَيّةِ فَإِنّ اللّهَ مَانِعٌ أَبَاك . قَالَ وَيَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ مَا نَالَتْ مِنّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتّى مَاتَ أَبُو طَالِبٍ([568]).

ويؤيده ما أخرجه الحاكم:عن عائشة رضي الله عنها : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ((ما زالت قريش كاعّة ([569])حتى توفي أبو طالب)) ([570]).

وروى الحاكم: عن ابن عباس رضي الله عنهما ، في قول الله عز وجل { وهم ينهون عنه ، وينأون عنه }[ الأنعام آية رقم : 26] قال : نزلت في أبي طالب كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويتباعد عما جاء به »[571]

 

* ومن الأحاديث الضعيفة في هذا الباب :

روى  ابن سعد  عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري قال: قال أبو طالب: يا ابن أخي والله لولا رهبة أن تقول قريش دهرني الجزع فيكون سبة عليك وعلى بني أبيك لفعلت الذي تقول، وأقررت عينك بها، لما أرى من شكرك ووجدك بي ونصيحتك لي.

ثم إن أبا طالب دعا بني عبد المطلب فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد وما اتبعتم أمره فاتبعوه وأعينوه ترشدوا، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أتأمرهم بها وتدعها لنفسك؟ فقال أبو طالب: أما لو أنك سألتني الكلمة وأنا صحيح لتابعتك على الذي تقول، ولكني أكره أن أجزع عند الموت فترى قريش أني أخذتها جزعاً ورددتها في صحتي [572].

وقال ابن إسحاق : حدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس قال : لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم أبا طالب قال : أي عم قل لا إله إلا الله أستحل لك بها الشفاعة قال : يا بن أخي والله لولا أن تكون سبة على أهل بيتك يرون أني قلتها جزعًا من الموت لقلتها لا أقولها إلا لأسرك بها، فلما ثقل أبو طالب رؤي يحرك شفتيه فأصغى إليه أخوه العباس ثم رفع عنه فقال : يا رسول الله قد والله قالها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم أسمع "([573]).

 

وكذلك-لا يثبت- ما أخرجه ابن عدي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم عارض جنازة أبي طالب فقال : " وصلتك رحم يا عم وجزيت خيرًا " ([574]).تفرد به إبراهيم بن عبد الرحمن الخوارزمي.وهو منكر الحديث

ولا يثبت أيضًا ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله عز وجل وعدني في أربعة: في أبي وأمي وعمي وأخ كان لي في الجاهلية ([575]).

وما أخرجه تمام الرازي في فوائده من طريق الوليد بن مسلم عن عبد الله بن عمر رفعه: أنه إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي أبي طالب وأخ لي كان في الجاهلية وقال تمام: الوليد منكر الحديث.

قلت:ويرده حديثا العباس وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما المتقدمان في الصحيحين.

وروى أحمد : عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِىِّ قَالَ :رَأَيْتُ عَلِيًّا ضَحِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ لَمْ أَرَهُ ضَحِكَ ضَحِكاً أَكْثَرَ مِنْهُ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَالَ: ذَكَرْتُ قَوْلَ أَبِى طَالِبٍ ظَهَرَ عَلَيْنَا أَبُو طَالِبٍ وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ نُصَلِّى بِبَطْنِ نَخْلَةَ فَقَالَ: مَاذَا تَصْنَعَانِ يَا ابْنَ أَخِى فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الإِسْلاَمِ فَقَالَ مَا بِالَّذِى تَصْنَعَانِ بَأْسٌ أَوْ بِالَّذِى تَقُولاَنِ بَأْسٌ وَلَكِنْ وَاللَّهِ لاَ تَعْلُونِى اسْتِى أَبَداً.

وَضَحِكَ تَعَجُّباً لِقَوْلِ أَبِيهِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ لاَ أَعْتَرِفُ أَنَّ عَبْداً لَكَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ عَبَدَكَ قَبْلِى غَيْرَ نَبِيِّكَ - ثَلاَثَ مِرَارٍ - لَقَدْ صَلَّيْتُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّىَ النَّاسُ سَبْعاً"[576]

 

روى البخاري في تاريخه عن عقيل بن أبى طالب قال جاءت قريش إلى أبى طالب فقالوا: إن ابن اخيك هذا قد آذانا في نادينا فانهه عنا، فقال: يا عقيل ائتنى بمحمد، فانطلق إليه ، فاستخرجه من كبس [577] -يقول من بيت صغير - فجاء به في الظهيرة في شدة الحر ، فجعل يطلب الفئ، يمشى فيه من شدة حر الرمضاء ، فلما أتاهم قال أبو طالب: إن بنى عمك هؤلاء - زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم فانته عن أذاهم فحلق النبي صلى الله عليه وسلم بصره إلى السماء قال: ترون هذه الشمس ؟ قال ما نا بأقدر على أن أرد ذلك منكم على أن تشعلوا منها شعلة، فقال أبو طالب: والله ما كذبنا ابن أخى قط فارجعوا[578]   .

 

 

وأخرج ابن عدي من طريق الهيثم البكاء عن ثابت عن أنس قال: مرض أبو طالب فعاده النبي صلى الله عليه و سلم فقال: يا بن أخي ادع ربك الذي بعثك يعافني فقال اللهم اشف عمي فقام كأنما نشط من عقال فقال: يا ابن أخي إن ربك ليطيعك ،فقال وأنت يا عماه لو أطعته ليطيعنك

وفي زيادات يونس بن بكير في المغازي عن يونس بن عمرو عن أبي السفر قال: بعث أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال أطعمني من عنب جنتك فقال أبو بكر إن الله حرمها على الكافرين[579]

باب: وفاة خديجة وشيء من مناقبها.

توفيت خديجة أم المؤمنين - رضي الله عنها-  قبل الهجرة إلى المدينة بثلاث سنين([580]) في نفس عام وفاة أبي طالب.

وذكر أبو عبد الله الحاكم أن موتها كان بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام وكذا قال غيره([581]).

وقال الزهري وعروة بن الزبير : توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة ([582]).

وبموت أبي طالب الذي أعقبه موت خديجة رضي الله عنها، تضاعف الأسى والحزن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بفقد هذين الحبيبين ، اللذين كانا دعامتين من دعائم سير الدعوة في أزماتها، كان أبو طالب السند الخارجي الذي يدفع عنه القوم، وكانت خديجة السند الداخلي الذي يخفف عنه الأزمات والمحن، وابتدأت مرحلة عصيبة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم واجه فيها كثيرًا من المشكلات والمصاعب، والمحن والفتن ، حينما أصبح في الساحة وحيدًا لا ناصر له إلا الله سبحانه وتعالى، ومع هذا، فقد مضى في تبليغ رسالة ربه إلى الناس كافة على ما يلقى من الخلاف والأذى الشديد، الذي أفاضت كتب الحديث وكتب السير بأسانيدها الصحيحة الثابتة في الحديث عنه، وتحمل صلى الله عليه وسلم من ذلك ما تنوء الجبال بحمله، ولما تكالبت الفتن والمحن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بلده الذي نبت فيه وبين قومه الذين يعرفون عنه كل صغيرة وكبيرة, عزم صلى الله عليه وسلم على أن ينتقل إلى بلد غير بلده ، وقوم غير قومه ،يعرض عليهم دعوته، ويلتمس منهم نصرتهم, رجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل، فخرج إلى الطائف، وهي من أقرب البلاد إلى مكة كما سيأتي بعد.([583]).

وقد ورد في فضلها رضي الله عنها عدة أحاديث وإليك بعضها:

قال ابن إسحاق: حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب؛ لا صخب فيه ولا نصب))

قال ابن هشام: (القصب) ها هنا: اللؤلؤ المجوف[584]

وروى البخاري عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَشَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ؟ قَالَ :نَعَمْ ، بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ"([585]) .

قال العلماء:وإنما بشرها ببيت في الجنة من قصب -يعني قصب اللؤلؤ- لانها حازت قصب السبق إلى الايمان لا صخب فيه ولا نصب لانها لم ترفع صوتها على النبي صلى الله عليه وسلم ولم تتعبه يومًا من الدهر فلم تصخب عليه يومًا ولا آذته أبدا .

وروى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي، لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا ، وَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ ،وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيُهْدِي فِي خَلَائِلِهَا مِنْهَا مَا يَسَعُهُنَّ"[586] .

– وروى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا قَالَتْ: وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ وَأَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ"[587].

وروى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ -وَمَا رَأَيْتُهَا- وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ، فَيَقُولُ: إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ"[588].

وروى البخاري أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : (يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ ) [589].

وِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ -أُخْتُ خَدِيجَةَ- عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاعَ لِذَلِكَ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ هَالَةَ " قَالَتْ: فَغِرْتُ فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا"[590].

وروى البخاري : عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ"[591].

 

باب:زواج النبي بسودة بنت زمعة بعد وفاة خديجة

روى أحمد و اسحاق بن راهويه في مسنديهما عن أَبُي سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، قَالَا: لَمَّا هَلَكَتْ خَدِيجَةُ جَاءَتْ  خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: أَلَا تَتَزَوَّجُ؟ فَقَالَ: وَمَنْ؟ قَالَتْ: إِنْ شِئْتَ بِكْرًا وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا فَقَالَ: مَنِ الْبِكْرُ؟ فَقَالَتْ: ابْنَةُ أَحَبِّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْكَ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: فَمَنِ الثَّيِّبِ؟ قَالَتْ: سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ وَقَدْ آمَنَتْ وَاتَّبَعَتِ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ قَالَ: فَاذْهَبِي فَاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ فَدَخَلَتْ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ: يَا أُمَّ رُومَانَ مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْكِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، فَقَالَتْ: وَمَا ذَاكَ فَقَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطُبُ عَلَيْهِ عَائِشَةَ قَالَتْ: انْتَظِرِي حَتَّى يَأْتِيَ أَبُو بَكْرٍ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَتْ: مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطُبُ عَلَيْهِ عَائِشَةَ قَالَ: وَهَلْ تَصْلُحُ لَهُ إِنَّمَا هِيَ ابْنَةُ أَخِيهِ فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ قَالَ: ارْجِعِي إِلَيْهِ فَقُولِي لَهُ أَنَا أَخُوكَ وَأَنْتَ أَخِي فِي الْإِسْلَامِ وَابْنَتُكَ تَصْلُحُ لِي فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَخَرَجَ وَقَالَ: انْتَظِرِي فَقَالَتْ: أُمُّ رُومَانَ: إِنَّ الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ كَانَ ذَكَرَهَا عَلَى ابْنِهِ وَمَا وَعَدَ وَعْدًا قَطُّ أَبُو بَكْرٍ فَأَخْلَفَهُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ وَعِنْدَ امْرَأَتِهِ أُمِّ الْفَتَى فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ لَعَلَّكَ مُصْبِئُ هَذَا الْفَتَى وَمُدْخِلَهُ فِي دِينِكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ إِنْ أَنْتَ زَوَّجْتَهُ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ فَقَالَ: أَتَقُولُ مَا تَقُولُ هَذِهِ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا لتَقُولُ ذَلِكَ ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ أَخْرَجَ اللَّهُ مَا كَانَ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْعِدَةِ الَّتِي وَعَدَهُ فَرَجَعَ فَقَالَ: يَا خَوْلَةُ ادْعِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَتْهُ فَزَوَّجَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ ثُمَّ خَرَجَتْ فَدَخَلَتْ عَلَى سَوْدَةَ ابْنَةِ زَمْعَةَ فَقَالَتْ: لَهَا مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْكِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟ فَقَالَتْ: وَمَا ذَاكَ فَقَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطُبُكِ عَلَيْهِ فَقَالَتْ: وَدِدْتُ ادْخُلِي عَلَى أَبِي فَاذْكُرِي ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ أَدْرَكَتْهُ السِّنُّ وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ فَحَيَّتْهُ بِتَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ قَالَ: وَمَا شَأْنُكِ؟ فَقَالَتْ: أَرْسَلَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَيْكَ أَخْطُبُ عَلَيْكَ سَوْدَةَ فَقَالَ: كُفْءٌ كَرِيمٌ مَا تَقُولُ صَاحِبَتُكِ؟ فَقَالَتْ: تُحِبُّ ذَلِكَ فَقَالَ: ادْعِيهَا فَدَعَتْهَا فَجَاءَتْ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ، إِنَّ هَذِهِ تَزْعُمُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَرْسَلَ يَخْطُبُكِ عَلَيْهِ وَهُوَ كُفْءٌ كَرِيمٌ، أَتُحِبِّينَ أَنْ أُزَوِّجَكِهِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ قَالَ: ادْعِي لِي فَدَعَتْهُ فَزَوَّجَهَا فَجَاءَ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ مِنَ الْحَجِّ قَالَ: مَاذَا صَنَعَ حُبُّ زَوْجِ سَوْدَةَ مِنْهُ، فَكَانَ بَعْدَمَا أَسْلَمَ يَقُولُ: لَعَمْرِي إِنِّي لَسَفِيهٌ يَوْمَ أَنْكَرْتُ تَزْوِيِجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَةَ، وَكَانَ حَثَا عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ نَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ...وذكرت تمام الحديث في بناء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها[592] "

. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ عَقْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى تَزْوِيجِهِ بِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، وَلَكِنَّ دُخُولَهُ عَلَى سَوْدَةَ كَانَ بِمَكَّةَ، وَأَمَّا دُخُولُهُ عَلَى عَائِشَةَ فَتَأَخَّرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا سَيَأْتِي.

.

باب:الإسراء والمعراج

 

قال تعالى:{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء:1]

وقال تعالى:{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)}[ النجم:1-18]

 

وأوجز وأعظم ما ورد في تعليل هذه الرحلة هو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 1‏]‏ وهذه سنة الله في الأنبياء، قال‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏75‏]‏، وقال لموسى عليه السلام‏:‏ ‏{‏لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏23‏]‏، وقد بين مقصود هذه الإراءة بقوله‏:‏ ‏{‏وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ‏}‏ فبعد استناد علوم الأنبياء إلى رؤية الآيات يحصل لهم من عين اليقين ما لا يقادر قدره، وليس الخبر كالمعاينة، فيتحملون في سبيل الله ما لا يتحمل غيرهم، وتصير جميع قوات الدنيا عندهم كجناح بعوضة لا يعبأون بها إذا ما تدول عليهم بالمحن والعذاب‏.‏
وقد وقع حادث الإسراء والمعـراج‏ كما أخبر به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .‏ ولكن اختلف في تعيين زمنه على أقوال شتى‏ [593]:‏
1 ـ فقيل‏:‏ كان الإسراء في السنة التي أكرمه الله فيها بالنبوة، واختاره الطبرى‏.‏
2 ـ وقيل‏:‏ كان بعد المبعث بخمس سنين، رجح ذلك النووى والقرطبى‏.‏

3- وقيل: قبل الهجرة بخمس سنين ، حكاه  القاضي عياض عن الزهري ، ورجحه بأن خديجة صلت معه بعد فرض الصلاة، وأنها ماتت قبل الهجرة بثلاث أو خمس ، ولا خلاف أن فرضها ليلة الاسراء، وأجيب بأن الصلاة التي صلتها معه هي التي كانت أول البعثة :ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي.

4 ـ وقيل‏:‏ قبل الهجرة بثلاث سنين (وهي السنة العاشرة من النبوة‏ )،  قيل: في شهر رمضان وقيل :كان ليلة السابع والعشرين من شهر رجب .
5 ـ وقيل‏:‏ قبل الهجرة بستة عشر شهرًا، (أي في رمضان سنة 12 من النبوة‏).‏
6 ـ وقيل‏:‏ قبل الهجرة بسنة وشهرين،( أي في المحرم سنة 13 من النبوة‏) .‏
7 ـ وقيل‏:‏ قبل الهجرة بسنة، قاله ابن مسعود رضي الله عنه. (أي في ربيع الأول سنة 13 من النبوة‏ ).‏

8- وقيل غير ذلك .
وَرُدَّتِ الأقوالُ الثلاثة الأول بأن خديجة رضي الله عنها توفيت في رمضان سنة عشر من النبوة، وكانت وفاتها قبل أن تفرض الصلوات الخمس‏.أما الأقوال الباقية فمحتملة ، غير أن سياق سورة الإسراء يدل على أن الإسراء متأخر جدًا‏.‏

وروى أئمة الحديث تفاصيل هذه الوقعة، و نسردها فيما يلي :

 

1- ولبندأ بأجودها وأتقنها، وهو حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس فإنه جوده وأتقنه فسلم مما في غيره من التعارض :

روى مسلم عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله قال:

«أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ»  قَالَ: «فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ» ، قَالَ: «فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ» ، قَالَ " ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: َ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ، فَرَحَّبَ بِي، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِابْنَيْ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا، فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا هُوَ قَدِ اُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 57] ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ "، قَالَ: " فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ "، قَالَ: " فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ "، قَالَ: " فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً "، قَالَ: " فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ "، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ " [594]

2- روى البخاري عن أنس بن مالك قال: كان أبو ذر يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:

« فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِى وَأَنَا بِمَكَّةَ ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِى ، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا ، فَأَفْرَغَهُ فِى صَدْرِى ثُمَّ أَطْبَقَهُ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِى فَعَرَجَ بِى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ افْتَحْ . قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا جِبْرِيلُ . قَالَ هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ قَالَ نَعَمْ مَعِى مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - . فَقَالَ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ . فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا ، فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى ، فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ . قُلْتُ لِجِبْرِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا آدَمُ . وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِى عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى ، حَتَّى عَرَجَ بِى إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ لِخَازِنِهَا افْتَحْ . فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ فَفَتَحَ » .

قَالَ أَنَسٌ فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِى السَّمَوَاتِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، وَإِبْرَاهِيمَ فِى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ . قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِإِدْرِيسَ قَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ . فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا إِدْرِيسُ . ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ . قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا مُوسَى . ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ الصَّالِحِ . قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا عِيسَى . ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ . قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا إِبْرَاهِيمُ - صلى الله عليه وسلم - » . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِىَّ كَانَا يَقُولاَنِ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « ثُمَّ عُرِجَ بِى حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ » .

قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِى خَمْسِينَ صَلاَةً ، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ قُلْتُ فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاَةً . قَالَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ . فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى قُلْتُ وَضَعَ شَطْرَهَا . فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ، فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ ، فَرَاجَعْتُهُ . فَقَالَ هِىَ خَمْسٌ وَهْىَ خَمْسُونَ ، لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ . فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ . فَقُلْتُ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّى . ثُمَّ انْطَلَقَ بِى حَتَّى انْتَهَى بِى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِى مَا هِىَ ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ »  [595].

 

3- وروى أحمد و البخاري-واللفظ له-  عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ: " بَيْنَمَا أَنَا فِي الحَطِيمِ، - وَرُبَّمَا قَالَ: فِي الحِجْرِ - مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَدَّ: قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ - فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ - فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ  مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ البَغْلِ، وَفَوْقَ الحِمَارِ أَبْيَضَ، - فَقَالَ لَهُ الجَارُودُ: هُوَ البُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ - يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلاَمَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا الخَالَةِ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا، ثُمَّ قَالاَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي، حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لِأَنَّ غُلاَمًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى  السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلاَمَ، قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَةُ المُنْتَهَى، فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلاَلِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الفِيَلَةِ، قَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ المُنْتَهَى، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا البَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالفُرَاتُ، ثُمَّ رُفِعَ لِي البَيْتُ المَعْمُورُ[596]، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ: هِيَ الفِطْرَةُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ، ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ؟ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي "[597].

4- وروى أحمد   عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ:  " [598] ..فَانْطَلَقْتُ ـ أَوْ انْطَلَقْنَا  ـ حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ "، فَلَمْ يَدْخُلَاهُ، قَالَ: قُلْتُ: بَلْ دَخَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَئِذٍ وَصَلَّى فِيهِ، قَالَ: مَا اسْمُكَ يَا أَصْلَعُ؟ فَإِنِّي أَعْرِفُ وَجْهَكَ، وَلَا أَدْرِي مَا اسْمُكَ قَالَ: قُلْتُ: أَنَا زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، قَالَ: فَمَا عِلْمُكَ بِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهِ لَيْلَتَئِذٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: الْقُرْآنُ يُخْبِرُنِي بِذَلِكَ، قَالَ: مَنْ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فَلَجَ، اقْرَأْ، قَالَ: فَقَرَأْتُ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1] ، قَالَ: فَلَمْ أَجِدْهُ صَلَّى فِيهِ، قَالَ: يَا أَصْلَعُ، هَلْ تَجِدُ صَلَّى فِيهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: وَاللهِ مَا صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَئِذٍ، لَوْ صَلَّى فِيهِ لَكُتِبَ عَلَيْكُمْ صَلَاةٌ فِيهِ، كَمَا كُتِبَ عَلَيْكُمْ صَلَاةٌ فِي الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وَاللهِ مَا زَايَلَا الْبُرَاقَ حَتَّى فُتِحَتْ لَهُمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَرَأَيَا الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَوَعْدَ الْآخِرَةِ أَجْمَعَ، ثُمَّ عَادَا عَوْدَهُمَا عَلَى بَدْئِهِمَا، قَالَ: ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ، قَالَ: وَيُحَدِّثُونَ أَنَّهُ رَبَطَهُ (2) أَلِيَفِرَّ مِنْهُ؟، وَإِنَّمَا سَخَّرَهُ لَهُ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، قَالَ: قُلْتُ: أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَيُّ دَابَّةٍ الْبُرَاقُ؟ قَالَ: دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ هَكَذَا خَطْوُهُ مَدُّ الْبَصَرِ  )[599].

ولا شك أن روايات المثبتين لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس مقدمة على رواية حذيفة النافية هذه.[600]

5- وروى أحمد  عن ابن عباس، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِي، وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ، فَظِعْتُ بِأَمْرِي، وَعَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ " فَقَعَدَ مُعْتَزِلًا حَزِينًا، قَالَ: فَمَرَّ بِهِ عَدُوُّ اللهِ أَبُو جَهْلٍ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ: هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَعَمْ " قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: " إِنَّهُ أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ " قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: " إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ " قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ: فَلَمْ يُرِه  أَنَّهُ يُكَذِّبُهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ الْحَدِيثَ إِنْ دَعَا قَوْمَهُ إِلَيْهِ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ تُحَدِّثُهُمْ مَا حَدَّثْتَنِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَعَمْ ". فَقَالَ: هَيَّا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ حَتَّى قَالَ: فَانْتَفَضَتْ إِلَيْهِ الْمَجَالِسُ، وَجَاءُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا، قَالَ: حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ، قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالُوا: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟ " قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ: فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ، وَمِنْ بَيْنِ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، مُتَعَجِّبًا لِلكَذِبِ زَعَمَ قَالُوا: وَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ؟ وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَرَأَى الْمَسْجِدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ، فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ "، قَالَ: " فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عِقَالٍ أَوْ عُقَيْلٍ فَنَعَتُّهُ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ "، قَالَ: " وَكَانَ مَعَ هَذَا نَعْتٌ لَمْ أَحْفَظْهُ " قَالَ: " فَقَالَ الْقَوْمُ: أَمَّا النَّعْتُ فَوَاللهِ لَقَدْ أَصَابَ "[601] .

 

6- وروى البخاري:عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ، قُمْتُ فِي الحِجْرِ، فَجَلاَ اللَّهُ لِي بَيْتَ المَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ)[602]

 

7- وروى البيهقي:  عن عائشة قالت: ( لما أسري بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصبح يحدث الناس في بذلك، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه ، وسعوا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه ، فقالوا : هل لك في صاحبك ؟ يزعم أنه أسري به في الليل إلى بيت المقدس قال : أوقال ذلك ؟ قالوا : نعم ، قال : لئن كان قال ذلك لقد صدق ، قالوا : وتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس ، وجاء قبل أن يصبح ؟ قال : نعم ، إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك : أصدقه بخبر السماء في غدوة ، أو روحة[603] . فلذلك سمي أبو بكر الصديق ) [604].

 

8-روى أحمد: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ. فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ ))([605])

 

9- وروى البخاري عن أبي إسحاق الشيباني قال:

: سألت زر بن حبيش عن قول الله تعالى: {  فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } . قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ))[606]

 

10- وقال البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : { ( لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قَالَ: رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ سَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ)[607]

 

11- وروى البخاري عن مسروق قال : قلت لعائشة رضي الله عنها: فَأَيْنَ قَوْلُهُ {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] قَالَتْ: «ذَاكَ جِبْرِيلُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ  الرَّجُلِ، وَإِنَّهُ أَتَاهُ هَذِهِ المَرَّةَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ فَسَدَّ الأُفُقَ»)[608]

 

12- وروى مسلم عن مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَةَ، ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْظِرِينِي، وَلَا تُعْجِلِينِي، أَلَمْ يَقُلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23] ، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] ؟ فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ» ، فَقَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103] ، أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51] ؟، قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللهِ، فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، وَاللهُ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] ، قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ، فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، وَاللهُ يَقُولُ: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ} [النمل:65 ][609]

 

13- وروى مسلم عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال:  (( نورٌ أنَّى أراه؟ )) وفي رواية: ((رأيت نورًا)) ([610])

وقال النووي في شرحه : ( نور أنى أراه ): هكذا رواه جميع الرواة في جميع الأصول والروايات ومعناه : حجابه النور فكيف أراه ؟ قال الإمام أبو عبدالله المازري رحمه الله :الضمير في أراه عائد على الله سبحانه وتعالى ومعناه أن النور منعني من الرؤية كما جرت العادة بإغشاء الأنوار الأبصار ومنعها من إدراك ما حالت بين الرائي وبينه. وقوله صلى الله عليه وسلم ( رأيت نورا ) معناه: رأيت النور فحسب ولم أر غيره .أهـ[611] .

00وقد اختُلف هل رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ربَّه ليلة المعراج على قولين مشهورين: الأول: إنكار الرؤية كما ورد عن عائشة وأبي ذر وابن مسعود وعليه الجمهور ، واستدلوا بالأدلة السابقة.

الثاني:إثبات الرؤية وقال بذلك ابن عباس و طائفة من العلماء .واستدلوا بما رواه أحمد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:"رأيتُ ربي تبارك وتعالى"[612]

وأيضًا روى الحاكم: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (( أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم ، و الكلام لموسى ، و الرؤية لمحمد صلى الله عليه و سلم ))[613]

 

ولكن ثبت عن ابن عباس نفسه  تفسير هذه الرؤية برؤية القلب لا رؤية العين كما رواه مسلم عن ابن عباس قال: { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } [ النجم :11 ] { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى } [النجم: 13] قال : ((رآه بفؤاده مرتين  ))[614]

هذا...وفي هذه الرحلة فوائد جمة ودروس كثيرة لمن تدبرها[615].

*** وقد اختُلف في الاسراء والمعراج ؛ هل كانا في ليلة واحدة أم لا، وأيهما كان قبل الآخر، وهل كان في اليقظة أو في المنام، أو بعضه في اليقظة وبعضه في المنام، وهل كان مرة أو مرتين أو مرات: فذهب الجمهور من المفسرين والمحدثين والفقهاء والمتكلمين الى أنهما وقعا في ليلة واحدة في اليقظة بالروح والجسد معًا ، وتواردت على ذلك ظواهر الأخبار الصحيحة . لذا قال تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا }[الإسراء:1]

لأن التسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، ولو كان منامًا لم يكن فيه كبير شيء، ولما بادرت قريش الى إنكاره، ولا ارتد جماعة من ضعفاء من أسلم، ولأن العبد عبارة عن مجموع من الروح والجسد، ولو كان منامًا لم يقل بعبده بل بروح عبده، وليس العقل ما يحيل ذلك أيضا، ولأنه حمل على البراق والروح لا تحمل، وإنما يحمل البدن.

 

ويعضده ما أخرجه أبو نعيم في الدلائل، من حديث محمد بن كعب القرظي، في شأن أبي سفيان مع هرقل نحو ما في" البخاري كتاب بدء الوحي" قال: وأبو سفيان يجهد أن يحقر أمره ويصغره عنده قال: حتى ذكرت ليلة أسري به فقلت: أيها الملك ألا أخبرك خبرًا تعرف أنه قد كذب؟ قال: وما هو؟ قلت: يزعم أنه خرج من أرضنا أرض الحرم فجاء مسجدكم هذا مسجد إيلياء ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح. وبطريق إيلياء عن رأس قيصر قال البطريق : قد علمتُ تلك الليلة، فنظر قيصر قال: ما علمك بها؟ قال: إني كنت لا أنام ليلة حتى أغلق أبواب المسجد، فلما كان تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني النوم فاستعنت عليه عمالي ومن يحضرني كلهم، فعالجته فغلبني فلم نستطع أن نحركه كأنما نزاول به جبلا، فدعوت إليه النجاجرة، فنظروا إليه فقالوا: إن هذا الباب سقط عليه النجاف أو البنيان ولا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فننظر من أين أتى، فرجعت وتركت البابين مفتوحين، فلما عدوت عليها فإذا الحجر الذي من زاوية المسجد مثقوب، وإذا فيه أثر ربط الدابة، فقلت لأصحابي: ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبي، وقد صلى الليلة في مسجدنا)  [616].

و من ذهب إلى أن الاسراء كان بروحه في المنام، يستدل بقوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} [الاسراء 60].  وأن معاوية كان يقول إذا سئل عن الاسراء: كانت رؤية من الله صادقة. وقالت عائشة: ما فقدت جسد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنما أسري بروحه. والخبران لا يثبتان وقد رواهما ابن اسحاق في السيرة[617] .

وقالوا:الرؤية إنما تطلق على ما كان منامًا، ولظاهر في بعض الأحاديث السابقة من قوله: بينا أنا نائم"، وفي بعض الطرق"فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام". وأجيب عن الآية بأن قوله:{ فتنة للناس} يريد أنها رؤيا عين، إذ ليس في الحلم فتنة، ولا يكذب به أحد. وقيل: إن الآية نزلت في غير قصة الاسراء وعن قوله:" بينا أنا نائم". بأن أول مجيء الملك اليه وهو نائم. فأيقظه، لا أنه استمر نائمًا. وأما قوله:"فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام". فالمراد به الإفاقة البشرية من الغمرة الملكية، على أن شريكا راويه اضطرب فيه وساء حفظه، وزاد ونقص، وقدم وأخر وأما قول عائشة: ما فقدت جسده، فهو ضعيف لا يثبت،وعائشة لم تكن حينئذ زوجة، بل لعلها لم تكن ولدت بعد على الخلاف في الإسراء متى كان، فإنها كانت في الهجرة بنت ثمانية أعوام، فإذا لم تشاهد ذلك دل على أنها حدثت به عن غيرها، فلم يرجع خبرها، مع قول أم هانئ بخلافه، على أن عائشة رضي الله عنها أنكرت أن يكون صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ربه، فدل على أن الاسراء كان يقظة، إذ لو كان منامًا لم تنكره .

وذهب بعضهم إلى أن الاسراء كان في اليقظة، والمعراج كان في المنام، ولذلك لما أخبر به قريشًا كذبوه في الإسراء  واستبعدوا وقوعه، ولم يتعرضوا للمعراج، ولأن الإسراء ذكر في القرآن في معرض الامتنان، فلو كان متصلاً باليقظة الى الملأ الأعلى لما اقتصر على قوله الى المسجد الأقصى مع كون شأنه أعجب وأغرب.

وذهب بعضهم الى أن الإسراء كان في ليلة والمعراج في ليلة أخرى متمسكًا في بعض الأحاديث من ترك ذكر الاسراء، ورد بأنه محمول على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر، وتمسك أيضا بما رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى( 1/213) : أنه كان عليه السلام يسأل ربه أن يريه الجنة والنار، فلما كانت ليلة السبت لسبع عشر من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نائم في بيته أتاه ميكائيل وجبريل فقالا: انطلق إلى ما سألت الله فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم فأتى بالمعراج فإذا هو أحسن شيء منظرًا فعرجا به إلى السموات...الحديث.وقد ضعفوه بأبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة فهو متروك عند المحدثين [618].

وذهب آخرون الى أن ذلك كله وقع مرتين، مرة في المنام توطئة وتمهيدًا وتسهيلاً عليه، كما كان بدء نبوته الرؤيا الصادقة ليسهل أمر النبوة ومرة ثانية في اليقظة، قالوا: وبذلك  يجمع بين الأحاديث، ممن اختار هذا القول أبو نصر القشيري، وابن العربي والسهيلي.

قال شيخ الاسلام ابن حجر:

وتعدد مقل تلك القصة التي فيه لا تستبعد وإنما المستبعد وقوع التعدد الذي في قصة المعراج التي وقع فيها سؤاله عن كل نبي، وسؤال أهل كل باب وسماء: هل بعث اليه؟ وفرض الصلوات، وغير ذلك، فإن تعدد ذلك في اليقظة لا يتجه، ولا يبعد وقوع ذلك كله في المنام توطئة، ثم في اليقظة على وفقه[619].

وقد ورد في الإسراء كثيرًا من الأحاديث الضعيفة والباطلة منها:

 

1- روى البزار:   عن أنس بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:

" بينا أنا قاعد إذ جاء جبريل عليه السلام فوكز بين كتفي، فقمت الى شجرة فيها كوكري أنظر، فقعد في أحدهما،  وقعدت في الآخر، فنمت وارتفعت حتى سدت الخافقين وأنا أقلب طرفي، ولو شئت أن أمسّ السماء لمسست، فالتفت اليّ جبريل كأنه حلس لاطئ فعرفت فضل علمه بالله علىَّ ، وفتح لي باب من أبواب السماء فرأيت النور الأعظم وإذا دون الحجاب رفرف الدر والياقوت وأوحى إليّ ما شاء أن يوحي"  [620].

2- وروى البيهقي في "الدلائل":   عن أنس بن مالك قال:

" لما جاء جبريل بالبراق الى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكأنها أصرت أذنيها، فقال لها جبريل: مه يا براق، فوالله إن ركبك مثله، فسار رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإذا هو بعجوز على جنب الطريق، فقال ما هذه يا جبريل؟ قال جبريل: سر يا محمد. فسار ما شاء الله أن يسير فإذا هو بشيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول: هلم يا محمد، فقال له جبريل: سر يا محمد. فسار ما شاء الله أن يسير قال: فلقيه خلق من الخلق فقالوا: السلام عليك يا أول، السلام عليك يا ىخر، السلام عليك يا حاشر، فقال له جبريل: اردد السلام يا محمد. فرد السلام، ثم لقيه الثانية فقال له مثل مقالته الأولى، ثم الثالثة كذلك، حتى انتهى الى بيت المقدس، فعرض عليه الماء والخمر واللبن فتناول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللبن، فقال له جبريل: أصبت الفطرة ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك. ولو شربت الخمر لغويت وغوت أمتك. ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء، فأمهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك الليلة ثم قال له جبريل: أما العجوز التي رأيت على جنب الطريق فلم يبقى من الدنيا الا ما بقي من عمر تلك العجوز، وأما الذي أراد أن تميل إليه فذاك عدو الله إبليس أراد أن تميل إليه وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام" ([621])

 

* 3- وروى ابن أبي حاتم في تفسيره:   عن أنس بن مالك (رضي الله عنه)، قال:

" لما كان ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاه جبريل بدابة فوق الحمار ودون البغل، حمله جبريل عليها، ينتهي خفها حيث ينتهي طرفها فلما بلغ بيت المقدس وبلغ المكان الذي يقال له:" باب محمد" أتى الى الحجر الذي ثمة فغمزه جبريل بأصبعه فنقبه ثم ربطها، ثم صعد، فلما استويا في صرخة المسجد، قال جبريل: يا محمد هل سألت ربك أن يريك الحور العين؟ قال: نعم، فقال: فانطلق الى أولئك النسوة فسلم عليهن، وهن جلوس عن يسار الصخرة قال: فأتيتهن فسلمت عليهن فرددن علي السلام، فقلت: من أنتن؟ فقلن: نحن خيّرات حسان، نساء قوم أبرار، نقوا فلم يدرنوا، وأقاموا فلم يظعنوا، وخلدوا فلم يموتوا.

ثم انصرفت فلم ألبث إلا يسيرا حتى اجتمع ناس كثير ثم أذّن مؤذن وأقيمت الصلاة، قال: فقمنا صفوفا ننتظر من يؤمنا، فأخذ بيدي جبريل عليه السلام فقدمني فصليت بهم، فلما انصرفت قال جبريل: يا محمد أتدري من صلى خلفك؟ قال: قلت: لا. قال: صلى خلفك كل نبي بعثه الله.

قال: ثم أخذ بيدي جبريل فصعد بي الى السماء فلما انتهينا الى الباب استفتح فقالوا: من أنت؟ قال: أنا جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم. ففتحوا له وقالوا: مرحبا بك وبمن معك. قال. فلما استوى على ظهرها إذا فيها آدم، فقال لي جبريل: يا محمد ألا تسلم على أبيك آدم؟ قال: قلت: بلى، فأتيته فسلمت عليه، فرد علي وقال: مرحبا بابني والنبي الصالح.

قال: ثم عرج بي الى السماء الثانية فاستفتح، قالوا: من أنت؟ قال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم قال: ففتحوا له وقالوا: مرحبا بك وبمن معك، فإذا فيها عيسى وابن خالته يحيى (عليهما السلام).

ثم عرج بي الى السماء الثالثة، فاستفتح، قالوا: من أنت؟ قال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم ففتحوا له وقالوا: مرحبا بك وبمن معك فإذا فيها إدريس عليه السلام، ثم عرج بي الى السماء الخامسة فاستفتح، قالوا: من أنت؟ قال جبريل، قالوا: ومنمعك؟ قال: محمد، قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم، ففتحوا وقالوا: مرحبا بك وبمنمعك. فإذا فيها هارون، ثم عرج بي الى السماء السادسة فاستفتح فقالوا: من؟ قال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم؟ ففتحوا وقالوا مرحبا بك وبمن معك فإذا فيها موسى عليه السلام ثم عرج بي الى السماء السابعة فاستفتح قالوا: من أنت؟ قال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم، ففتحوا وقالوا: مرحبا بك وبمن معك وإذا فيها إبراهيم عليه السلام، فقال جبريل: يا محمد ألا تسلم على أبيك إبراهيم؟ فقلت: بلى: فأتيته فسلمت عليه فرد السلام وقال: مرحبا بابني والنبي الصالح.

قال: ثم انطلق بي على ظهر السماء السابعة حتى انتهى الى نهر عليه جام. الياقوت واللؤلؤ والزبرجد وعليه  طير خضراء [ أنعم طير رأيت] فقلت: يا جبريل إن هذا الطير الناعم، فقال: يا محمد أكله أنعم منه، ثم قال: يا محمد أتدري أي نره هذا؟ قلت: لا، قال: هذا الكوثر الذي أعطاك الله  إياه فإذا فيه آنية الذهب والفضة يجري على رضراض من الياقوت والزمرد ماؤه أشد بياضا من اللبن. قال: فأخذت من آنيته فاغترفت من ذلك الماء فشربت، فإذا هو أحلى من العسل وأشد رائحة من المسك ثم انطلق بي حتى انتهى الى الشجرة فغشيني سحابة فيها من كل لون فرفعني جبريل وخررت ساجدا لله عز وجل، فقال الله: يا محمد إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة فقم بها أنت وأمتك قال: ثم انجلت عن السحابة وأخذ بيدي جبريل فانصرفت سريعا فأتيت على إبراهيم فلم يقل لي شيئا، ثم أتيت على موسى فقال: ما صنعت يا محمد؟ فقلت: فرض ربي عليّ وعلى أمتي خمسين صلاة. قال: فلن تستطيع أنت ولا أمتك فارجع الى ربك فاسأله أن يخفف عنك. فرجعت سريعا حتى انتهيت الى الشجرة فغشيتني السحابة ورفعني جبريل وخررت ساجدا وقلت: رب إنك فرضت عليّ وعلى أمتي خمسين صلاة وإني لا أيتطيعها أنا ولا أمتي فخفف عنا، قال: وقد وضعت عنكم عشرا، قال: ثم انجلت عني السحابة وأخذ بيدي جبريل وانصرفت سريعا حتى أتيت على إبراهيم فلم يقل شيئا، ثم أتيت على موسى فقال لي: ما صنعت يا محمد؟ فقلت: وضع ربي عشرا قال: أربعون صلاة قال: لن تستطيع أنت ولا أمتك فارجع الى ربك فاسأله أن يخفف عنك فذكر الحديث كذلك الى خمس صلوات وخمس بخمسين، ثم أمره موسى أن يرجع فيسأل التخفيف فقلت: إني قد استحييت من الله تعالى.

قال: ثم انحدر فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لجبريل: مالي لم آت أهل سماء  إلا رحبوا بي وضحكوا اليّ غير رجل واحد فسلمت عليه فرد عليّ السلام ورحب بي ولم يضحك اليّ؟ قال: يا محمد ذاك مالك خازن جهنم لم يضحك منذ خلقت ولو ضحك الى أحد لضحك اليك.

قال: ثم ركبت منصرفا، فبينا هو في بعض طريقه مر بعير لقريش تحمل طعاما، منها جمل عليه غرارتان غرارة سوداء وغرارة بيضاء، فلما حاذى بالعير نفرت منه واستدارت وصرع  ذلك البعير وانكسر، ثم إنه مضى فأصبح فأخبر عما كان، فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر فقالوا: يا أبا بكر هل لك في صاحبك يخبر أنه  أتى في ليلته هذه مسيرة شهر ثم رجع في ليلته، فقال أبو بكر: إن كان قاله فقد صدق وإنا لنصدقه فيما هو أبعد من هذا، نصدقه على خبر السماء.

فقال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما علامة ما تقول؟ قال: مررت بعير لقريش وهي في مكان كذا وكذا، فنفرت الإبل واستدارت، وفيها بعير عليه غرارتان غرارة سوداء وغرارة بيضاء فصرع فانكسر، فلما قدمت العير سألوهم فأخبروهم الخبر على مثل ما حدثهم عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن ذلك سمي أبو بكر الصديق.

وسألوه فقالوا: هل كان فيمن حضر معك عيسى وموسى؟ قال: نعم قالوا: فصفهم؟ قال: نعم، أما موسى فرجل آدم كأنه من رجال أزد عمان، وأما عيسى فرجل ربعة يعلوه حمرة كأنما يتحادر من شعره الجمان" ([622]) .

* 4- وروى البيهقي:  عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال:

" بينا نائم عشاء في المسجد الحرام، إذ أتاني آت فأيقظني فاستيقظت فلم أر شيئا، وإذا أنا بهيئة خيال فأتبعته بصري حتى خرجت من المسجد فإذا أنا بدابة أدنى شبهة بدوابك هذه، بغالكم هذه، مضطرب الأذنين يقال له: البراق. وكانت الأنبياء تركبه قبلي يضع حافره عند مد بصره، فركبته. فبينا أنا أسير عليه، إذ دعاني داع يميني: يا محمد، انظرني أسألك فلم أجبه( ولم أقم عليه ). فبينما أنا أسير عليه، إذ دعاني داع عن يساري: يا محمد، انظرني أسألك. فلم أجبه ( ولم أقم عليه). فبينما أنا أسير عليه إذ أنا بإمرأة حاسرة عن ذراعيها، وعليها من كل زينة خلقها الله، فقالت: يا محمد، انظرني أسألك. فلم ألتفت (إليها، ولم أقم) عليها، حتى أتيت بيت المقدس فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء توثقها بها. أتاني جبريل بإناءين: أحدهما خمر، والآخر لبن، فشربت اللبن وتركت الخمر، فال جبريل: أصبت الفطرة فقلت: الله أكبر الله أكبر. فقال جبريل: ما رأيت في وجهك هذا؟ فقلت: بينما أنا أسير إذ دعاني داع غن يمين: يا محمد، انظرني أسألك، فلم اجبه (ولم أقم عليه). قال: ذاك داعي اليهود، أما إنك لو أجبته لتهودت أمتك. قال: وبينما أنا أسير إذ دعاني داع عن يساري فقال: يا محمد، انظرني أسألك، فلم ألتفت اليه (ولم أقم عليه) قال: ذاك داعي النصارى، أما أنك لو أجبته لتنصرت أمتك. وبينما أنا أسير إذا أنا بإمرأة حاسرة عن ذراعيها، عليها من كل زينة خلقها الله، تقول: يا محمد انظرني حتى اسألك، فلم أجبها (ولم أقم عليها) قال: تلك الدنيا أما إنك لو أجبتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة.

ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين.

ثم أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم. فلم ير الخلائق أحسن من المعراج، أما رأيت الميت حين يشق بصره طامحا الى السماء، فإن ذلك عجبه بالمعراج. قال: فصعدت انا وجبريل فإذا أنا بملك يقال له: إسماعيل، وهو صاحب سماء الدنيا، وبين يديه سبعون ألف ملك، مع كل ملك جنده مائة ألف ملك، قال: وقال الله تعالى: { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ }[ المدثر /31].

قال: فاستفتح جبريل باب السماء، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد بعث اليه؟ قال: نعم. فإذا أنا بآدم كهيئة يوم خلقه الله على صورته،تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين، فيقول: روح طيبة ونفس طيبة اجهلوها في عليين، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار، فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين.

ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بأخونة، عليها لحم مشرح ليس يقربه أحد، وإذا أنا بأخونة أخرى عليها لحم قد أروح ونتن، عندها أنا يأكلون فيها، فقلت: يا جبريل: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء قوم من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام.

قال: ثم مضيت هنيهة. فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت كلما نهض أحدهم خر يقول: اللهم لا تقم الساعة، قال وهم  على سابلة آل فرعون، قال: فتجيء السابلة فتطؤهم، فسمعتهم يضجون الى الله تعالى، قال: قلت يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك.

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ }[البقرة/275].

قال:ثم مصيت هنيهة فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الابل، فيفتح على أفواههم، ويلقمون من ذلك الجمر، ثم يخرج من أسافلهم فسمعتهم يضجون الى الله تعالى، قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك.{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا }[النساء/10].

قال: ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بنساء يعلّقن بثديّهن فسمعتهن يضججن الى الله تعالى، قلت: يا جبريل، من هؤلاء النساء؟ قال: هؤلاء الزناة من أمتك.

قال: ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم فيلقمونه فيقال له: كما كنت تأكل من لحم أخيك. قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلا الهمازون من أمتك اللمازون.

قال: ثم صعدنا الى السماء الثانية، فإذا برجل أحسن ما خلق الله، قد فضل الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب، قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلم علي.

ثم صعدت الى السماء الثالثة فإذا أنا بيحيى وعيسى ابنا الخالةن ومعهما نفر من قومهما، فسلمت عليهما وسلما عليّ.

ثم صعدت الى السماء الرابعة، فإذا أنا بإدريس قد رفعه الله مكانا عليا فسلمت عليه وسلم علي.

ثم صعدت الى السماء الخامسة فإذا أنا بهارون، ونصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء، تكاد لحيته تصيب سرته من طولها، قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا المحبب في قومه، هذا هارون بن عمران ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلم علي.

ثم صعدت الى السماء السادسة فإذا أنا بموسى بن عمران رجل آدم كثير الشعر، لو كان عليه قميصان لنفذ شعره دون القميص، وإذا هو يقول: يزعم الناس أني أكرم على الله من هذا، بل هذا أكرم على الله مني. قال: قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلم عليّ.

ثم صعدت الى السماء السابعة فإذا أنا بأبينا إبراهيم خليل الرحمن. ساندا ظهره الى البيت المعمور كأحسن الرجال، قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أبوك خليل الرحمن ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلم عليّ وإذا أنا بأمتي شطرين: شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس، وشطر عليهم ثياب رمد، قال: فدخلت البيت المعمور، ودخل معي الذين عليهم الثياب البض، وجنب الآخرون عليهم ثياب رمد وهم على خير، وصليت أنا ومن معي في البيت المعمور، ثم خرجت أنا ومن معي، قال: والبيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه الى يوم القيامة.

ثم رفعت الى سدرة المنتهى، فإذا كل ورقة منها تكاد تغطي هذه الأمة، وإذا فيها أعين تجري يقال لها: سلسبيل، فيشق منها نهران: أحدهما الكوثر، والآخر يقال له نهر الرحمة، فاغتسلت فيه فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر.

ثم إني رفعت الى الجنة فاستقبلتني جارية، فقلت: لمن أنت يا جارية؟ قالت: لزيد ين حارثة، وإذا أنا بأنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من عسل مصفى وإذا رمانها كانها الدلاء عظما، وإذا بطيرها كأنها بختيكم هذه، فقال عندها صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الله قد أعد لعباده الصلحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

قال: ثم عرضت على النار فإذا فيها غضب الله ورجزه ونقمته، لو طرحت فيها الحجارة والحديد لأكلتها، ثم أغلقت دوني.

ثم رفعت الى سدرة المنتهى، فغشاني فكان بيني وبينه  قاب قوسين أو أدنى، قال: ونزل على كل ورقة ملك من الملائكة وفرضت عليّ خمسون" فذكر مراجعته بين موسى وربه، ثم أصبح بمكة يخبرهم بالعجائب إني أتيت البارحة بيت المقدس وعرج بي الى السماء ورأيت كذا وكذا، فقال أبو جهل يعني ابن هشام ـ: ألا تعجبون مما يقول محمد؟ يزعم أنه أتى البارحة بيت المقدس، ثم أصبح فينا وأحدنا يضرب مطيته مصعده شهرا ومنقلبه شهرا، فهذه مسيرة شهرين في ليلة واحدة! قال: فأخبرهم بعير لقريش لما كانت في مصعدي رأيتها عند العقبة، وأخبرهم بكل رجل وبعيره كذا وكذا، ومتاعه كذا وكذا، فقال رجل من المشركين: أنا أعلم الناس ببيت المقدس، وكيف بناؤه، وكيف هيئته، وكيف قربه من الجبل، قال: فرفع لرسول الله بيت المقدس من مقعده ينظر اليه كنظر أحدنا الى بيته، بناؤه كذا وكذا، وقربه من الجبل كذا وكذا، فقال: صدقت.[623]

* 5- وروى البيهقي :عن أبي هريرة، ، أو غيره، قال:

" جاء جبريل الى النبي صلى الله عليه وآل وسلم ومعه ميكائيل، فقال جبريل لميكائيل: ائتني  بطست من ماء زمزم كيما أطهر قلبه، وأشرح له صدره، قال: فشق عنه بطنه فغسله ثلاث مرات، واختلف إليه ميكائيل بثلاث طساس من ماء زمزم، فشرح صدره، ونزع ما ان فيه من غل، وملأه حلما وعلما، وإيمانا ويقينا وسلاما، وختم بين كتفيه بخاتم النبوة.

ثم أتاه بفرس فحمل عليه، كل خطوة من منتهى بصره، أو أقصى بصره فسار، وسار معه جبريل، فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال: يا جبريل: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله، تضاعف لهم الحسنات بسبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه.

ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر، كلما رضخت عادت كما كانت، ولا يفتر عنهم من ذلك شيء قال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين تثاقلت رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة.

ثم أتى على قوم أقبالهم رقاع، وعلى أدبارهم رقاع، يسرحون كما تسرح الإبل والغنم، وياكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم وجدارتها، قال: ما هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذي لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله شيئا، وما الله بظلام للعبيد.

ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدورن ولحم آخر نيء خبيث، فجعلوا يأكلون من النيء الخبيث ويدعون النضيج الطيب قال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: الرجل من أمتك يقوم عند امرأته حلالا فيأتي المرأة الخبيثة، فيبيت معها حتى يصبح، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا، فتأتي الرجل الخبيث فتبيت عنده حتى تصبح.

ثم أتى على خشبة في الطريق لا يمر بها ثوب الا شقته، ولا شيئ الا خرقته، قال: ما هذا يا جبريل، قال: هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق، فيقطعونه، ثم تلا:

{ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ } [الأعراف/86.]

ثم أتى على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها، وهو يزيد عليها، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الرجل من أمتك يكون عليها أمانات الناس لا يقدر على أدائها، وهو يريد أن يحمل عليها.

ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء قال: ما هؤلاء يا جبريل؟ قال: خطباء الفتنة.

ثم أتى على حجر صغير يخرج منه ثور عظيم، فيريد الثور أن يدخل من حيث خرج فلا يستطيع، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة فيندم عليها، فلا يستطيع أن يردها.

ثم أتى على واد فوجد ريحا طيبة باردة، وريح مسك، وسمع صوتا فقال: يا جبريل ما هذه الريح الطيبة الباردة وريح المسك وما هذا الصوت؟ قال: هذا صوت الجنة، تقول: يا رب ائتني بما وعدتني فقد كثرت غرفي واستبرقي وحريري وسندسي وعبقريي ومرجاني وفضتي وذهبي وأكوابي وصحافي وأباريقي وعسلي ومائي وخمري ولبني، فأتني بما وعدتني، فقال: لك كل مسلم ومسلمة، ومؤمن ومؤمنة، ومن آمن بي وبرسلي وعمل صالحا ولم يشرك بي، ولم يتخذ من دوني أندادا، ومن خشيني فهو آمن، ومن سألني أعطيته، ومن أقرضني جزيته، ومن توكل عليّ كفيته، إني أنا الله لا اله الا أنا لا أخلف الميعاد، وقد أفلح المؤمنون، وتبارك الله أحسن الخالقين، قالت: رضيت.

ثم أتى على واد فسمع صوتا منكرا، ووجد ريحا منتنة، فقال: ما هذه الريح يا جبريل؟ وما هذا الصوت؟ قال: هذا صوت جهنم تقول: يا رب ائتني بما وعدتني، فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وضريعي وغساقي وعذابي وقد بعد قعري، واشتد حري، فأتني بما وعدتني قال: لك كل مشرك ومشركة، وخبيث وخبيثة، وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب، قالت: رضيت.

قال: ثم سارب حتى أتى بيت المقدس فنزل. فربط فرسه الى صخرة، ثم دخل فصلى مع الملائكة، فلما قضيت الصلاة قالوا: يا جبريل من هذا معك؟ قال: هذا محمد رسول الله خاتم النبيين، قالوا: وقد أرسل اليه؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه الله من أخ وخليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء.

ثم لقى أرواح الأنبياء فأثنوا على ربهم، فقال ابراهيم عليه السلام: الحمد لله الذي اتخذني خليلا، وأعطاني ملكا عظيما، وجعلني أمة قانتا يؤتم بي وأنقذني من النار، وجعلها عليّ بردا وسلاما. ثم إن موسى عليه السلام أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي كلمني تكليما واصطفاني وأنزل عليّ التوراة وجعل هلاكقرعون ونجاة بني اسرائيل على يدي، وجعل من أمتي قوما يهدون بالحق وبه يعدلون. ثم إن داود عليه السلام أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي جعل لي ملكا عظيما وعلمني الزبور. وألان لي الحديد، وسخّر لي الحديد، وسخر لي الجبال يسبحن معي والطير، وأتاني الحكمة وفصل الخطاب. ثم إن سليمان عليه السلام أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي سخر لي الريح وسخر لي الشياطين يعملون ما شئت من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات، وعلمني منطق الطير، وآتاني من كل شيء فضلا، وسخر لي جنود الشياطين والإنس والطير، وفضلني على كثير من عباده المؤمنين، وآتاني ملكا عظيما لا ينبغي لأحد من بعدي، وجعل ملكي ملكا طيبا ليس فيه حساب. ثم إن عيسى عليه السلام أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي جعلني كلمته، وجعل مثلي مثل آدم خلقه من تراب ثم قال له: كن فيكون، وعلمني الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل، وجعلني اخلق من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، وجعلني أبرئ الأكمه والأبرص واحيي الموتى بإذن الله، ورفعني وطهرني وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان علينا سبيل.

قال: ثم إن محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أثنى على ربه فقال: كلكم أثنى على ربه، وإني مثن على ربي، الحمد لله لذي أرسلني رحمة للعالمين، وكافة بشيرا ونذيرا، وأنزل عليّ الفرقان فيه بيان لكل شيء، وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس، وجعل أمتي أمة وسطا، وجعل أمتي هم الأولين، وهم الاخرين، وشرح لي صدري، ووضع عني وزري، ورفع لي ذكري، وجعلني فاتحا وخاتما. قال أبو جعفر الرازي: خاتم للنبوة، فاتح للشفاعة يوم القيامة.

ثم أتى بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها، فأتى بإناء منها فيه ماء، فقيل اشرب منه، فشرب منه يسيرا، ثم دفع اليه إناء آخر فيه لبن فقيل له: اشرب منه، فشرب حتى روى، ثم دفع اليه آخر منه خمر، فقيل له اشرب، فقال: لا أريده قد رويت، فقال له جبريل: أما إنها ستحرّم على أمتك، ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا قليل.

ثم صعد به الى السماء الدنيا فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: وقد أرسل اليه؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه الله من أخ وخليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، فدخل فإذا هو برجل تام الخلقة لم ينقص من خلقه شيء كما تنقص من خلق الناس، على يمينه باب يخرج منه ريح طيبة، وعلى شماله باب يخرج منه ريح خبيثة، إذا نظر الى الذي عن يمينه ضحك واستبشر، وإذا نظر الى الباب الي عن يساره بكى وحزن، فقال: من هذا الشيخ؟ وما هذان البابان؟ قال: هذا أبوك آدم، وهذا الباب الذي عن يمينه باب الجنة إذا نظر الى من يدخله من ذريته ضحك واستبشر، وهذا الباب الذي عن شماله باب جهنم إذا نظر الى من يدخله من ذريته بكى وحزن.

ثم صعد به جبريل الى السماء الثانية فاستفتح، فقيل: من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد رسول الله، قالوا: وقد أرسل اليه؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه الله من اخ وخليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء، فدخل فإذا هو بشابين، فقال: يا جبريل، من هذان الشابان؟ قال: عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا ابنا الخالة.

فصعد به الى السماء الثالثة فذكر مثل ذلك وقولهم له: نعم الأخ ونعم الخليفة، وأنه لقي في الثالثة يوسف، والرابعة إدريس، والخامسة هارون والسادسة موسى.

ثم صعد الى السماء السابعة، فإذا برجل أمشط جالس عند باب الجنة على كرسي وعنده قوم جلوس، بيض الوجوه أمثال القراطيس، وقوم في ألوانهم شيء، ثم دخلوا نهر فاغتسلوا فيه، فخرجوا منه خلص من ألوانهم شيء، ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه فخرجوا مثل ألوان أصحابهم. فقال: يا جبريل من هذا الأمشط ثم من هؤلاء البيض الوجوه؟ ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء؟ وما هذه الأنهار؟ قال: هذا أبوك إبراهيم أول من شمط على الأرض، وهؤلاء البيض الوجوه قوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم، واما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء فقوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فتابوا فتاب الله عليهم، وأما الأنهار فأولها رحمة، والثاني نعمة الله، والثالث سقاهم ربهم شرابا طهورا.

ثم انتهى الى السدرة، فقيل له: هذه السدرة ينتهي اليها كل أحد خلا من أمتك على سبيلك، فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، وهي شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها، والورقة منها مغطية للأمة كلها، فغشيها نور الحلائق وغشيتها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجر، فكلمه تعالى عند ذلك فقال له: سل، فقال:  إنك اتخذت إبراهيم خليلا، وأعطيته ملكا عظيما، وكلمت موسى تكليما، وأعطيت داود ملكا عظيما، وألنت له الحديد وسخرت له الجبال وأعطيت سليما ملكا عظيما، وسخرت له الجن والانس والشياطين، وسخرت له الرياح، وأعطيته ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وعلمت عيسى الترواة والانجيل، وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذنك، وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان عليهما سبيل. فقال له ربه: قد اتخذتك حبيبا وهو مكتوب في التوراة محمد حبيب الرحمن، وارسلتك الى الناس كافة بشيرا ونذيرا، وشرحت لك صدرك، ووضعت عنك ورزت ورفعت لك ذكرك فلا أذكر إلا ذكرت معي، وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس، وجعلت أمتك أمة وسطا، وجعلت أمتك هم الأولين وهم الآخرين، وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي، وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم أناجيلهم، وجعلتك أول النبيين خلقا، وآخرهم بعثا، وأولهم يقضى له، وأعطيتك سبعا من المثاني لم أعطها نبيا قبلك، وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لما أعطها نبيا قبلك، وأعطيتك الكوثر، واعطيتك ثمانية أسهم: الاسلام، والهجرة، والجهاد، والصلاة، والصدقة، وصوم رمضان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وجعلتك فاتحا وخاتما وفرض عليه خمسين صلاة وذكر مراجعته بين موسى وربه، وفي آخره: وكان موسى من أشدهم عليه حين مرّ به، وخيرهم له حين رجع اليه([624]) .

 

6- وروى أبو يعلى: عن عبد الله بن مسعود  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

" أتيت بالبراق فركبته خلف جبرائيل ، فسار بنا فكان إذا أتى على جبل ارتفعت رجلاه، وإذا هبط ارتفعت يده، فسار بنا في أرض غمة منتنة، وأفضينا إلى أرض فيحاء طيبة فقلت : يا جبرائيل إنا كنا نسير في أرض غمة منتنة وإنا أفضينا إلى أرض فيحاء طيبة ؟ فقال : تلك أرض النار وهذه أرض الجنة.

فأتينا على رجل وهو قائم يصلي قال : فقلت : من هذا معك يا جبريل ؟ قال : هذا أخوك محمد فرحب بي ودعا لي بالبركة قال : سل لأمتك اليسر

قال : قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا أخوك موسى قال : ثم سرنا فرأينا مصابيح وضوءا فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ فقال : هذه شجرة أبيك إبراهيم أتدنوا منها ؟ قال : فقلت : نعم فدنونا منها فرحب ودعا لي بالبركة ، ثم مضينا  حتى أتينا بيت المقدس ونشر لي الانبياء : من سمى الله ، ومن لم يسم ، وصليت بهم إلا هؤلاء النفر الثلاثة : موسى وعيسى وإبراهيم" [625]

 

7- روى الحسن بن عرفة- في جزئه المشهور- عن أبي ظبيان الجنبي قال: كنا جلوسًا عند أبي عبيدة بن عبد الله -يعني ابن مسعود-ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، وهما جالسان، فقال محمد بن سعد لأبي عبيدة: حدثنا عن أبيك ليلة أسري بمحمد صلى الله عليه وسلم. فقال أبو عبيدة: لا بل حدثنا أنت عن أبيك. فقال محمد: لو سألتني قبل أن أسألك لفعلت! قال: فأنشأ أبو عبيدة يحدث يعني عن أبيه كما سئل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل بدابة فوق الحمار ودون البغل، فحملني عليه، ثم انطلق يهوي بنا كلما صعد عقبة استوت رجلاه كذلك مع يديه، وإذا هبط استوت يداه مع رجليه، حتى مررنا برجل طوال سبط آدم، كأنه من رجال أزد شنوءة، وهو يقول -فيرفع صوته يقول-أكرمته وفضلته". قال: "فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام، فقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا أحمد ، قال: مرحبًا بالنبي الأمي العربي، الذي بلغ رسالة ربه، ونصح لأمته". قال: "ثم اندفعنا فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا موسى بن عمران". قال:

قلت: ومن يعاتب؟ قال: يعاتب ربه فيك! قلت: فيرفع صوته على ربه؟! قال: إن الله [عز وجل] قد عرف له حدته". قال: "ثم اندفعنا حتى مررنا بشجرة كأن ثمرها السُّرُج تحتها شيخ وعياله". قال: "فقال لي جبريل: اعمد إلى أبيك إبراهيم. فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام، فقال إبراهيم: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا ابنك أحمد". قال: "فقال: مرحبًا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته، يا بني، إنك لاق ربك الليلة، وإن أمتك آخر الأمم وأضعفها، فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلها في أمتك فافعل". قال: "ثم اندفعنا حتى انتهينا إلى المسجد الأقصى، فنزلت فربطت الدابة بالحلقة التي في باب المسجد التي كانت الأنبياء تربط بها. ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين راكع وقائم وساجد". قال: "ثم أتيت بكأسين من عسل ولبن فأخذت اللبن فشربت فضرب جبريل عليه السلام منكبي وقال: أصبت الفطرة ورب محمد". قال: "ثم أقيمت الصلاة فأممتهم، ثم انصرفنا فأقبلنا" ([626]) .

8- روى ابن إسحاق في مغازيه عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت:

ما أسري برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا وهو في بيتي نائم عندي تلك الليلة، فصلى العشاء، ثم نام ونمنا، فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما صلى الصبح وصلينا معه قال:" يا أم هانئ لقد صليت معك العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه، ثم صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين"([627])  .

.9-وروى الطبراني عن عَائِشَةَ قالت : كنت أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُقَبِّلُ فَاطِمَةَ فقلت: يا رَسُولَ اللَّهِ إني أَرَاكَ تَفْعَلُ شيئا ما كنت أَرَاكَ تَفْعَلُهُ من قَبْلُ فقال لي: يا حُمَيْرَاءُ أنه لَمَّا كان لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إلى السَّمَاءِ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَوَقَفْتُ على شَجَرَةٍ من شَجَرِ الْجَنَّةِ لم أرَ في الْجَنَّةِ شَجَرَةً هِيَ أَحْسَنُ منها حُسْنًا وَلا أَبْيَضَ منها وَرَقَةً وَلا أَطْيَبَ منها ثَمَرَةً فَتَنَاوَلْتُ ثَمَرَةً من ثَمَرَتِهَا فَأَكَلْتُهَا ، فَصَارَتْ نُطْفَةً في صُلْبِي فلما هَبَطْتُ الأَرْضَ وَاقَعْتُ خَدِيجَةَ فَحَمَلَتْ بِفَاطِمَةَ فإذا أنا اشْتَقْتُ إلى رَائِحَةِ الْجَنَّةِ شَمَمْتُ رِيحَ فَاطِمَةَ، يا حُمَيْرَاءُ إِنَّ فَاطِمَةَ لَيْسَتْ كَنِسَاءِ الآدَمِيِّينَ وَلا تَعْتَلُّ كما يَعْتَلُّونَ .  "([628]).

10- الكتاب المنسوب كذبًا إلى ابن عباس عن رحلة الإسراء والمعراج.

 

 

 

 

>

 

 

 

 

 

 

 

>

>

 

 

 

 

 

 

 

كتاب: عرض الإسلام على القبائل والوفود والأفراد من خارج مكة .

 

 

باب: خروج الرسول إلى  الطائف ليعرض عليهم الإسلام .

في السنة العاشرة من النبوة [629] - وبعد موت أبي طالب- خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وهي تبعد عن مكة نحو ستين ميلًا، سارها ماشيًا على قدميه جيئة وذهوبًا، ومعه مولاه زيد بن حارثة، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الإسلام، فلم تجب إليه واحدة منها‏.‏ فلما انتهي إلى الطائف عمد ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف، وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب أبناء عمرو بن عمير الثقفي فعرض عليهم الإسلام فأعرضوا.

ورجع  رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف كئيبًا محزونًا كسير القلب، فلما بلغ قرن المنازل بعث الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة ‏.‏

* وقد روى البخاري في صحيحه تفصيل القصة  عن عروة بن الزبير، أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، قَالَ: " لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ، ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا "[630]
وفي هذا الجواب الذي أدلى به الرسول صلى الله عليه وسلم تتجلى شخصيته الفذة، وما كان عليه من الخلق العظيم الذي لا يدرك غوره‏.‏ كما قال تعالى: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم:4]وقال تعالى:{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ }[التوبة:128].

* وقد ذكر ابن اسحاق تفصيل ذلك بسند قوي إلا أنه مرسل:

قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال : لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم إخوة ثلاثة : عبد ياليل بن عمرو بن عمير ومسعود بن عمرو بن عمير وحبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله ، وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام، والقيام معه على من خالفه من قومه، فقال له أحدهم : هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك.

وقال الآخر : أما وجد الله أحدًا يرسله غيرك.

وقال الثالث : والله لا أكلمك أبدًا . لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ،ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك .

فقام رسول الله صلى عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف وقد قال لهم - فيما ذكر لي - :  (( إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني )) وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه فيذئرهم ذلك عليه

(قال ابن هشام : يذئرهم:يعني يحرش بهم )

فلم يفعلوا ، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم ، يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس ، وألجئوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما فيه ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه ، فعمد إلى ظل حبلة من عنب فجلس فيه . وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف، وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - المرأة التي من بني جمح فقال لها : (( ماذا لقينا من أحمائك ؟))

فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - فيما ذكر لي -: (( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ،وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك ))[631]

فلما رآه ابنا ربيعة عتبة وشيبة وما لقي ، تحركت له رحمهما ، فدعوا غلامَا لهما نصرانيَا يقال له: عداس، فقالا له : خذ قطفا من هذا العنب فضعه في هذا الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه . ففعل عداس، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له : كل فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده قال : (( باسم الله)) ثم أكل فنظر عداس في وجهه ثم قال : والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس وما دينك ؟)) قال : نصراني وأنا رجل من أهل نينوى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  ((من قرية الرجل الصالح يونس بن متى )) فقال له عداس : وما يدريك ما يونس بن متى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  (( ذاك أخي كان نبيا وأنا نبي ))  فأكبَّ عداسٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه.

قال : يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه : أما غلامك فقد أفسده عليك . فلما جاءهما عداس قالا له : ويلك يا عداس ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه ؟ قال : يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي قالا له : ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه )[632] .

* ومما ورد ضعيفًا ما يلي:

روى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن خالد بن جبل العدواني عن أبيه أنه أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشرق ثقيف وهو قائم على قوس أو عصى حين أتاهم يبتغي عندهم النصر فسمعته يقول {والسماء والطارق}[سورة الطارق:1] حتى ختمها قال: فوعيتها في الجاهلية وأنا مشرك ثم قرأتها في الاسلام. قال: فدعتني ثقيف ، فقالوا: ماذا سمعت من هذا الرجل؟ فقرأتها عليهم. فقال من معهم من قريش : نحن أعلم بصاحبنا ، لو كنا نعلم ما يقول حقًا لاتبعناه )[633]

باب: قوله تعالى:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ}

وأفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأن قلبه لأجل هذا النصر الغيبى الذي أمده الله به من فوق سبع سموات، ثم تقدم في طريق مكة حتى بلغ وادى نخلة، وأقام فيه أيامًا‏.‏ وفي وادى نخلة موضعان يصلحان للإقامة ـ السَّيْل الكبير والزَّيْمَة ـ لما بهما من الماء والخصب.

قال تعالى: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ` يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ` وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا ` وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللهِ شَطَطًا ` وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِبًا ` وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادوهُمْ رَهَقًا ` وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللهُ أَحَدًا ` وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا ` وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا ` وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ` وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا ` وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللهَ فِي الأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا ` وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْسًا وَلاَ رَهَقًا } [الجن: 1-13].
ومن سياق هذه الآيات ـ وكذا من سياق الروايات التي وردت في تفسير هذا الحادث ـ يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم حضور ذلك النفر من الجن حين حضروا وسمعوا، وإنما علم بعد ذلك حين أطلعه الله عليه بهذه الآيات، وأن حضورهم هذا كان لأول مرة، ويقتضى سياق الروايات أنهم وفدوا بعد ذلك مرارًا‏.‏
وحقًا كان هذا الحادث نصرًا آخر  أمده الله لرسوله من كنوز غيبه المكنون بجنوده التي لا يعلمها إلا هو، ثم إن الآيات التي نزلت بصدد هذا الحادث كانت في طيها بشارات بنجاح دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أي قوة من قوات الكون لا تستطيع أن تحول بينها وبين نجاحها‏:‏ ‏{‏وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ الله ِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏32]‏، ‏{‏وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ الله َ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا‏}‏ ‏[‏الجن‏:‏12‏]‏‏.‏
و في الصحيحين وغيرهما والسياق لمسلم عن ابن عباس قال:انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلتْ عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، قالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب. فقالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء؟! فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها.

فَمَرَّ النفر الذي أخذوا نحو (تهامة) - وهو بـ(نخل) – عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمع القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء. فرجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا. يَهْدِي إلى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾، فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم : ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا﴾[الجن:1][634]. وقوله في هذا الحديث ( انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عامدين إلى سوق عكاظ )وقوله(وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر) يدل على أن هذه القصة ليست وقت رجوع الرسول من رحلة الطائف لأنه لم يكن معه فيها إلا زيد بن حارثة أو كان وحده.

وروى أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عباس قال: إنه لم تكن قبيلة من الجن إلا ولهم مقاعد للسمع، فإذا نزل الوحي؛ سمعت الملائكة صوتاً كصوت الحديدة ألقيتها على الصفا، قال: فإذا سمعت الملائكة خروا سجداً، فلم يرفعوا رؤوسهم حتى ينزل، فإذا نزل؛ قال بعضهم لبعض: ﴿ماذا قال ربكم﴾؟ فإن كان مما يكون في السماء ﴿قالوا الحق وهو العلي الكبير﴾، وإن كان مما يكون في الأرض من : أمر الغيب، أو موتٍ ، أو شيء مما يكون في الأرض تكلموا به، فقالوا: يكون كذا وكذا. فتسمعه الشياطين، فينزلونه على أوليائهم .فلما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم دُحروا بالنجوم، فكان أول من علم بها ثقيف، فكان ذو الغنم منهم ينطلق إلى غنمه، فيذبح كل يوم شاة، وذو الإبل فينحر كل يوم بعيراً، فأسرع الناس في أموالهم، فقال بعضهم لبعض: لا تفعلوا؛ فإن كانت النجوم التي يهتدون بها وإلا فإنه لأمر حدث. فنظروا؛ فإذا النجوم التي يُهتدى بها كما هي لم يَزُل منها شيء، فكفوا.

وصرف الله الجن فسمعوا القرآن ﴿فلما حضروه قالوا أنصتوا﴾.

وانطلقت الشياطين إلى إبليس فأخبروه، فقال: هذا حدثٌ حدث في الأرض، فأتوني من كل أرض بتربة، فآتوه بتربة تهامة، فقال: ها هنا الحدث "[635].

وروى ابن جرير في تفسيره عن زِرّ بن حبيش :(وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) قال: كانوا تسعة نفر فيهم "زَوْبعة"[636]  .ورواه مرفوعًا الحاكم، بسنده عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود ، قَالَ: " هَبَطُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِبَطْنِ نَخْلَةَ فَلَمَّا سَمِعُوهُ قَالُوا: أَنْصِتُوا. قَالُوا: صَهٍ. وَكَانُوا تِسْعَةً، أَحَدُهُمْ زَوْبَعَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ، فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا } [الأحقاف: 29] الْآيَةُ إِلَى {ضَلَالٍ مُبِينٍ } [آل عمران: 164] [637]

فَهَذَا مَعَ ما سبق مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقْتَضِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْعُرْ بِحُضُورِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ وَإِنَّمَا اسْتَمَعُوا قِرَاءَتَهُ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَفَدُوا إِلَيْهِ أَرْسَالًا قَوْمًا بَعْدَ قَوْمٍ، وَفَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ. ليتعلموا منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، إِنَّمَا هُوَ فِي أَوَّلِ مَا سَمِعَتِ الْجِنُّ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَعَلِمَتْ بِحَالِهِ، وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَقْرَأْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرَهُمْ، كَمَا حَكَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ دَاعِيَ الْجِنِّ مَرَّةً أُخْرَى فَذَهَبَ مَعَهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، كَمَا حَكَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَرَأَى آثَارَهُمْ، وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ، وَاللهُ أَعْلَمُ.وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَفِظَ الْقِصَّتَيْنِ جَمِيعًا فَرَوَاهُمَا. أهـ.[638]

ويؤيده ما رواه مُسْلِمٌ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَلْقَمَةَ: هَلْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الْجِنِّ ؟ قَالَ: فَقَالَ عَلْقَمَةُ: أَنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ؛ فَقُلْتُ: هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الْجِنِّ؟ قَالَ: لَا ، وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَفَقَدْنَاهُ ، فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ، فَقُلْنَا: اسْتُطِيرَ؟ اغْتِيلَ؟ قَالَ: فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا هُوَ جَاءَ مِنْ قِبَلِ حِرَاءٍ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ، فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ. فَقَالَ: "أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ، فَذَهَبْتُ مَعَهُمْ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ". قَالَ: فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ، وَسَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ: "كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلُّ بَعْرَةٍ أَوْ رَوْثَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا، فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ"[639]

 

وروى البخاريُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ مَعْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا: مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ - يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ -أَنَّهُ آذَنَتْهُ بِهِمْ شَجَرَةٌ "[640]

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هذا فِي الْأُولَى وَلَكِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَ اسْتِمَاعِهِمْ حَتَّى آذَنَتْهُ بِهِمُ الشَّجَرَةُ، أَيْ: أَعْلَمَتْهُ بِاسْتِمَاعِهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي بَعْضِ الْمَرَّاتِ الْمُتَأَخِّرَاتِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

* ومما ورد ضعيفًا في هذا الباب:

قال ابن اسحاق:ثم إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الطائف راجعًا إلى مكة حين يئس من خير ثقيف حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي، فمر به النفر من الجن ،الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى وهم - فيما ذكر لي - سبعة نفر من جن أهل نصيبين فاستمعوا له فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا. فقص الله خبرهم عليه صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل : ‏{‏وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ الله ِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏29‏:‏ 31‏]‏‏.‏. وقال تبارك وتعالى :{قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن  . . .} إلى آخر القصة من خبرهم في هذه السورة ( سورة الجن )[641]

وروى ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) ... الآية، قال: كانوا سبعة نفر من أهل نصيبين، فجعلهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم رسلا إلى قومهم"[642]  .

وروى أحمد عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بِتُّ اللَّيْلَةَ أَقْرَأُ عَلَى الْجِنِّ، رُفَقَاءَ  بِالْحَجُونِ "[643]

وروى ابن جرير في تفسيره عن قتادة، أن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ذهب وابن مسعود ليلة دعا الجنّ، فخطَّ النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على ابن مسعود خطا، ثم قال له: لا تخرج منه ثم ذهب النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى الجنّ، فقرأ عليهم القرآن، ثم رجع إلى ابن مسعود فقال: وهل رأيت شيئا؟ قال: سمعت لغَطا شديدا، قال: إن الجنّ تدارأت في قتيل قُتل بينها، فقُضِي بينهم بالحقّ، وسألوه الزاد، فقال: وكل عظم لكم عرق، وكلّ روث لكم خُضْرة. قالوا: يا رسول الله تقذّرها الناس علينا، فنهى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يستنجي بأحدهما; فلما قدم ابن مسعود الكوفة رأى الزُّطّ، وهم قوم طوال سود، فأفزعوه، فقال: أظَهَرُوا؟ فقيل له: إن هؤلاء قوم من الزُّطّ، فقال ما أشبههم بالنفر الذين صُرِفوا إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم. [644]

 

باب: دخول  النبي صلى الله عليه وسلم مكة عائدًا من  الطائف .

أمام هذه النصرة، وأمام هذه البشارات، أقشعت سحابة الكآبة والحزن واليأس التي كانت مطبقة عليه منذ أن خرج من الطائف مطرودًا ، حتى صمم على العود إلى مكة، وعلى القيام باستئناف خطته الأولى في عرض الإسلام وإبلاغ رسالة الله الخالدة بنشاط جديد وبجد وحماس‏.‏ ودخل مكة في جوار المطعم بن عدي .ولم يثبت في هذا الباب حديث مرفوع وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حفظ للمطعم هذا الصنيع كما ثبت في الصحيح، مما يشهد لبعض هده القصة. وقد رواه البخاري عن محمد بن جبير عن أبيه رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدر (لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ )[645].

* ومما ورد ضعيفًا في هذا الباب:
قال له صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة‏:‏ كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك‏؟‏ يعنى قريشًا، فقال‏:‏ ‏(‏يا زيد، إن الله جاعل لما ترى فرجًا ومخرجًا، وإن الله ناصر دينه، ومظهر نبيه‏)‏‏ [646].‏

وقد ذكر الأموي في مغازيه :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أريقط إلى الأخنس بن شريق فطلب منه أن يجيره بمكة فقال إن حليف قريش لا يجير على صميمها ثم بعثه إلى سهيل بن عمرو ليجيره فقال: إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب بن لؤي فبعثه إلى المطعم بن عدي ليجيره فقال نعم قل له فليأت فذهب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات عنده تلك الليلة فلما أصبح خرج معه هو وبنوه ستة أو سبعة متقلدي السيوف جميعًا فدخلوا المسجد وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم طف واحتبوا بحمائل سيوفهم في المطاف فاقبل أبو سفيان إلى مطعم فقال: أمجير أو تابع؟ قال :لا بل مجير .قال :إذا لا تخفر فجلس معه حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم طوافه فلما انصرف انصرفوا معه وذهب أبو سفيان إلى مجلسه .

قال فمكث أيامًا ثم أذن له في الهجرة فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة توفي مطعم بن عدي بعده بيسير. أهـ.[647]

وقيل‏:‏ إن أبا جهل سأل مطعمًا‏:‏ أمجير أنت أم متابع ـ مسلم‏؟‏‏.‏ قال‏:‏ بل مجير‏.‏ قال‏:‏ قد أجرنا من أجرت‏.‏
 
باب: ذكر بعض القبائل التي عرض عليها الإسلام

وفي أواخر السنة العاشرة من النبوة[648] عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ؛ ليستأنف عرض الإسلام على القبائل والأفراد، ولاقتراب الموسم كان الناس يأتون إلى مكة رجالا، وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق لأداء فريضة الحج، وليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات، فانتهز رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الفرصة، فأتاهم قبيلة قبيلة يعرض عليهم الإسلام ويدعوهم إليه ، كما كان يدعوهم منذ السنة الرابعة من النبوة ، وقد بدأ يطلب منهم من هذه السنة ـ العاشرة ـ أن يؤووه وينصروه ويمنعوه حتى يبلغ ما بعثه الله به‏.‏


روى أحمد عن عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: ((  كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ فَيَقُولُ: " هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي "، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ فَقَالَ: " مِمَّنْ أَنْتَ؟ " فَقَالَ الرَّجُلُ: مِنْ هَمْدَانَ قَالَ: " فَهَلْ عِنْدَ قَوْمِكَ مِنْ مَنَعَةٍ؟ " قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَشِيَ أَنْ يَخفِرَهُ  قَوْمُهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: آتِيهِمْ، فَأُخْبِرُهُمْ، ثُمَّ آتِيكَ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ، قَالَ: " نَعَمْ "، فَانْطَلَقَ وَجَاءَ وَفْدُ الْأَنْصَارِ فِي رَجَبٍ )) [649]

وقال ابن إسحاق : وحدثني حسين بن عبدالله بن عبيد الله بن عباس قال : سمعت ربيعة بن عباد ، يحدثه أبي قال : إني لغلام شاب مع أبي بمنى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب فيقول : ( يا بني فلان إني رسول الله إليكم يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به ) قال : وخلفه رجل أحول وضيء له غديرتان عليه حلة عدنية . فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وما دعا إليه، قال ذلك الرجل : يا بني فلان إن هذا إنما يدعوكم أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه

قال : فقلت لأبي : يا أبت من هذا الذي يتبعه ويرد عليه ما يقول ؟ قال : هذا عمه عبدالعزى بن عبدالمطلب ، أبو لهب )[650]

وهذا الحديث صحيح من  طرق أخرى غير طريق ابن إسحاق إذ فيه حسين بن عبد الله وهو ضعيف ، وقد أخرج عبد الله بن أحمد في زياداته على مسند أبيه هذه الطرق[651] .ومنها : عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عِبَادٍ الدِّيلِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: " رَأَيْتُ أَبَا لَهَبٍ بِعُكَاظٍ، وَهُوَ يَتْبَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا قَدْ غَوَى، فَلَا يُغْوِيَنَّكُمْ عَنْ آلِهَةِ آبَائِكُمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفِرُّ مِنْهُ، وَهُوَ عَلَى أَثَرِهِ، وَنَحْنُ نَتْبَعُهُ، وَنَحْنُ غِلْمَانُ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ أَحْوَلُ ذُو غَدِيرَتَيْنِ أَبْيَضَ النَّاسِ، وَأَجْمَلَهُمْ " [652]

روى ابن خزيمة في صحيحه عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ:

رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ فِي سُوقِ ذِي الْمَجَازِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، وَهُوَ يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، تُفْلِحُوا" وَرَجُلٌ يَتْبَعُهُ يَرْمِيَهُ بِالْحِجَارَةِ، قَدْ أَدْمَى كَعْبَيْهِ وَعُرْقُوبَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! لَا تُطِيعُوهُ فَإِنَّهُ كَذَّابٌ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا غُلَامُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَتْبَعُهُ يَرْمِيهِ بِالْحِجَارَةِ؟ قَالُوا: هَذَا عَبْدُ الْعُزَّى أَبُو لَهَبٍ."[653].

وروى أحمد عن شَيْخٌ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ يَتَخَلَّلُهَا يَقُولُ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تُفْلِحُوا "، قَالَ: وَأَبُو جَهْلٍ يَحْثِي عَلَيْهِ التُّرَابَ وَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا يَغُرَّنَّكُمْ هَذَا عَنْ دِينِكُمْ، فَإِنَّمَا يُرِيدُ لِتَتْرُكُوا آلِهَتَكُمْ، وَتَتْرُكُوا  اللَّاتَ وَالْعُزَّى، قَالَ: وَمَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قُلْنَا: انْعَتْ لَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " بَيْنَ بُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ، مَرْبُوعٌ كَثِيرُ اللَّحْمِ، حَسَنُ الْوَجْهِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، أَبْيَضُ شَدِيدُ الْبَيَاضِ، سَابِغُ الشَّعْرِ "[654]

قال الزهرى‏:‏ وكان ممن يُسمىَ لنا من القبائل الذين أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاهم وعرض نفسه عليهم‏ :‏ بنو عامر بن صَعْصَعَة، ومُحَارِب بن خَصَفَة، وفزارة، وغسان، ومرة، وحنيفة، وسليم، وعَبْس، وبنو نصر، وبنو البَكَّاء، وكندة، وكلب، والحارث بن كعب، وعُذْرَة، والحضارمة، فلم يستجب منهم أحد‏[655] .‏

وهذه القبائل التي سماها الزهرى لم يكن عرض الإسلام عليها في سنة واحدة ولا في موسم واحد، بل إنما كان ما بين السنة الرابعة من النبوة إلى آخر موسم قبل الهجرة‏.‏ ولا يمكن تسمية سنة معينة لعرض الإسلام على قبيلة معينة، ولكن الأكثر كان في السنة العاشرة‏.‏

أما كيفية عرض الإسلام على هذه القبائل، وكيف كانت ردودهم على هذا العرض فقد ذكر ذلك ابن إسحاق مرسلاً [656] .
1- عرضه على كندة: قال ابن إسحاق : حدثنا ابن شهاب الزهري : أنه أتى كندة في منازلهم وفيهم سيد لهم يقال له : مليح فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه فأبوا عليه

2- وعرضه على بني كلب:قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن عبدالرحمن بن عبدالله بن حصين : أنه أتى كلبا في منازلهم إلى بطن منهم يقال لهم : بنو عبدالله فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه حتى إنه ليقول لهم : يا بني عبدالله إن الله عز وجل قد أحسن اسم أبيكم فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم

3- عرضه على بني حنيفة: قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أصحابنا عن عبدالله بن كعب بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني حنيفة في منازلهم فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه فلم يكن أحد من العرب أقبح عليهم ردا منهم.

4-  عرضه على بني عامر بن صعصعة .قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري أنه أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه فقال رجل منهم - يقال له : بيحرة بن فراس . قال ابن هشام : فراس بن عبدالله بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة - : والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب ثم قال : أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ قال : (( الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء )) قال : فقال له : أفتهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا لا حاجة لنا بأمرك فأبوا عليه .

فلما صدر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم قد كانت أدركته السن حتى لا يقدر أن يوافي معهم المواسم فكانوا إذا رجعوا اليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم فقالوا : جاءنا فتى من قريش ثم أحد بني عبدالمطلب يزعم أنه نبي يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به إلى بلادنا.قال :

فوضع الشيخ يديه على رأسه ثم قال : يا بني عامر هل لها من تلاف، هل لذناباها من مطلب والذي نفس فلان بيده ما تقولها إسماعيلي قط وإنها لحق فأين رأيكم كان عنكم .

ثم قال ابن إسحاق : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك من أمره كلما اجتمع له الناس بالموسم أتاهم يدعو القبائل إلى الله وإلى الإسلام ويعرض عليهم نفسه وما جاء به من الله من الهدى والرحمة وهو لا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف إلا تصدى له فدعا إلى الله وعرض عليه ما عنده أهـ[657] .

وروى البيهقي وأبو نعيم – واللفظ له- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ خَرَجَ - وَأَنَا مَعَهُ وَأَبُو بَكْرٍ - إِلَى مِنًى حَتَّى دَفَعْنَا إِلَى مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْعَرَبِ فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مُقَدَّمًا فِي كُلِّ حِينٍ (وفي رواية البيهقي:في كل خير )، وكَانَ رَجُلًا نَسَّابَةً فَقَالَ: مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: مِنْ رَبِيعَةَ قَالَ: وَأَيُّ رَبِيعَةَ  أَنْتُمْ؟ مِنْ هَامَتِهَا أَمْ مِنْ لَهَازِمِهَا؟ قَالُوا: بَلْ مِنْ هَامَتِهَا الْعُظْمَى ....إلى أن قال عَلِيٌّ :

ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى مَجْلِسٍ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَإِذَا مَشَايِخُ لَهُمْ أَقْدَارٌ وَهَيْئَاتٌ ،فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَكَانَ مُقَدَّمًا فِي كُلِّ حِينٍ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ: مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: نَحْنُ بَنُو شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ فَالْتَفَتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَيْسَ بَعْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ عِزٍّ فِي قَوْمِهِمْ ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو وَهَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ وَالْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ وَالنُّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ وَكَانَ أَقْرَبَ الْقَوْمِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو وَكَانَ مَفْرُوقٌ قَدْ غَلَبَهُمْ بَيَانًا وَلِسَانًا وَكَانَ لَهُ غَدِيرَتَانِ تَسْقُطَانِ عَلَى  صَدْرِهِ وَكَانَ أَدْنَى الْقَوْمِ مَجْلِسًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ الْعَدَدُ فِيكُمْ؟ فَقَالَ لَهُ: إِنَّا لَنَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ وَلَنْ يُغْلَبَ أَلْفٌ مِنْ قِلَّةٍ قَالَ: فَكَيْفَ الْمَنَعَةُ فِيكُمْ؟ قَالَ: عَلَيْنَا الْجَهْدُ وَلِكُلِّ قَوْمٍ جِدٌّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَيْفَ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّكُمْ؟ قَالَ مَفْرُوقٌ: إِنَّا أَشَدُّ مَا نَكُونُ غَضَبًا حِينَ نُلْقَى وَإِنَّا أَشَدُّ مَا نَكُونُ لِقَاءً إِذَا غَضِبْنَا وَإِنَّا لَنُؤْثِرُ الْجِيَادَ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالسِّلَاحَ عَلَى اللِّقَاحِ وَالنَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُدِيلُنَا مَرَّةً وَيُدِيلُ عَلَيْنَا مَرَّةً لَعَلَّكَ أَخُو قُرَيْشٍ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ كَانَ بَلَغَكُمْ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فَهَا هُوَ ذَا فَقَالَ مَفْرُوقٌ: وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِلَامَ تَدْعُو يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ يُظَلِّلُهُ بِثَوْبِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَدْعُوكُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَى اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَأَنْ تُؤُوُونِي وَتَمْنَعُونِي وَتَنْصُرُونِي حَتَّى أُؤَدِّيَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَمَرَنِي بِهِ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ وَكَذَّبَتْ رَسُولَهُ وَاسْتَغْنَتْ بِالْبَاطِلِ عَنِ الْحَقِّ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" قَالَ لَهُ: وَإِلَامَ تَدْعُوا أَيْضًا يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ فَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الأنعام: 151] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] وَقَالَ لَهُ مَفْرُوقٌ: وَإِلَامَ تَدْعُوا أَيْضًا يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ فَوَاللَّهِ مَا هَذَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَوْ كَانَ مِنْ كَلَامِهِمْ لَعَرَفْنَاهُ فَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].

فَقَالَ لَهُ مَفْرُوقٌ: دَعَوْتَ وَاللَّهِ يَا قُرَشِيُّ إِلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ ،وَلَقَدْ أُفِكَ قَوْمٌ كَذَّبُوكَ وَظَاهَرُوا عَلَيْكَ ، وَكَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَشْرَكَهُ فِي الْكَلَّامِ هَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ فَقَالَ: وَهَذَا هَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ شَيْخُنَا وَصَاحِبُ دِينِنَا ، فَقَالَ لَهُ هَانِئٌ: قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتَكَ يَا أَخَا قُرَيْشٍ وَصَدَّقْتُ قَوْلَكَ وَإِنِّي أَرَى أَنَّ تَرْكَنَا دِينَنَا وَاتِّبَاعَنَا إِيَّاكَ عَلَى دِينِكَ لِمَجْلِسٍ جَلَسْتَهُ إِلَيْنَا لَيْسَ لَهُ أَوَّلٌ وَلَا آخِرٌ إِنْ لَمْ نَتَفَكَّرْ فِي أَمْرِكَ وَنَنْظُرْ فِي عَاقِبَةِ مَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ إِنَّهُ زَلَّةٌ فِي الرَّأْيِ وَطَيْشَةٌ فِي الْعَقْلِ وَقِلَّةُ نَظَرٍ فِي الْعَاقِبَةِ وَإِنَّمَا تَكُونُ الزَّلَّةُ مَعَ الْعَجَلَةِ وَإِنَّ مِنْ وَرَائِنَا قَوْمًا نَكْرَهُ أَنْ نَعْقِدَ عَلَيْهِمْ عَقْدًا وَلَكِنْ تَرْجِعُ وَنَرْجِعُ وَتَنْظُرُ وَنَنْظُرُ ، وَكَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَشْرَكَهُ فِي الْكَلَامِ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ فَقَالَ: وَهَذَا الْمُثَنَّى شَيْخُنَا وَصَاحِبُ حَرْبِنَا ، فَقَالَ الْمُثَنَّى: قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتَكَ وَاسْتَحْسَنْتُ قَوْلَكَ يَا أَخَا قُرَيْشٍ وَأَعَجْبَنِي مَا تَكَلَّمْتَ بِهِ وَالْجَوَابُ هُوَ جَوَابُ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ إِنَّمَا نَزَلْنَا بَيْنَ صِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا الْيَمَامَةُ، وَالْأُخْرَى السَّمَاوَةُ.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَمَا هَذَانِ الصِّيرَانِ؟" فَقَالَ لَهُ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَطُفُوفِ الْبَرِّ وَأَرْضُ الْعَرَبِ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَرْضُ فَارِسَ وَأَنْهَارُ كِسْرَى وَإِنَّمَا نَزَلْنَا عَلَى عَهْدٍ أَخَذَهُ عَلَيْنَا كِسْرَى أَنْ لَا نُحْدِثَ حَدَثًا وَلَا نُؤْوِيَ مُحْدِثًا وَلَعَلَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ تَكْرَهُهُ الْمُلُوكُ فَأَمَّا مَا كَانَ مِمَّا يَلِي بِلَادَ الْعَرَبِ فَذَنْبٌ صَاحِبُهُ مَغْفُورٌ وَعُذْرُهُ مَقْبُولٌ وَأَمَّا مَا كَانَ مِمَّا يَلِي بِلَادَ فَارِسَ فَذَنْبٌ صَاحِبُهُ غَيْرُ مَغْفُورٍ وَعُذْرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ نَنْصُرَكَ مِمَّا يَلِي الْعَرَبَ فَعَلْنَا،

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَسَأْتُمُ الرَّدَّ إِذْ أَفْصَحْتُمْ بِالصِّدْقِ إِنَّهُ لَا يَقُومُ بِدِينِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ حَاطَهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ "، ثُمَّ نَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَابِضًا عَلَى يَدِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ دَفَعْنَا إِلَى مَجْلِسِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فَمَا نَهَضْنَا حَتَّى بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ عَلِيٌّ: وَكَانُوا صُدُقًا صُبُرًا رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ"[658]

 

باب: عرض الإسلام على سويد بن الصامت

قال ابن إسحاق : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ثم الظفري عن أشياخ من قومه قالوا: قدم سويد بن صامت أخو بني عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرًا وكان سويد إنما يسميه قومه فيهم : الكامل لجلده وشعره وشرفه ونسبه[659] . فتصدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به فدعاه إلى الله وإلى الإسلام فقال له سويد : فلعل الذي معك مثل الذي معي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما الذي معك ؟ قال : مجلة لقمان –  يعني: حكمة لقمان - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : اعرضها عليَّ ، فعرضها عليه . فقال له : (( إن هذا لكلام حسنٌ والذي معي أفضل من هذا، قرآنٌ أنزله الله تعالى عليَّ هو هدى ونور )). فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ودعاه إلى الإسلام فلم يبعد منه وقال : إن هذا لقول حسن . ثم انصرف عنه ، فقدم المدينة على قومه فلم يلبث أن قتلته الخزرج فإن كان رجال من قومه ليقولون : إنا لنراه قد قتل وهو مسلم . وكان قتله قبل يوم بعاث"[660]

 

باب: عرض الإسلام على أبي الحيسر أنس بن رافع ومن معه.

روى ابن إسحاق عن محمود بن لبيد قال : لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكة ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فقال لهم : هل لكم إلى خير مما جئتم له قالوا : وما ذاك قال : أنا رسول الله بعثني الله إلى العباد ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن فقال إياس وكان غلاما حدثا : يا قوم هذا والله خير مما جئتم له فيأخذ أبو الحيسر حفنة من الحصباء فيضرب بها وجه إياس وقال : دعنا منك فلعمري لقد جئنا لغير هذا فسكت وقام النبي صلى الله عليه وسلم عنهم وانصرفوا إلى المدينة، وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج، ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك . قال محمود بن لبيد : فأخبرني من حضره من قومي أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات ، وكانوا لا يشكون أنه مات مسلما . وقد كان استشعر منه الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع" [661].

وكان يوم بعاث من تمهيد الله تعالى لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.ففي صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ بُعَاثَ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ وَقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وَجُرِّحُوا فَقَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ" [662]

 

باب : ذكر إسلام ضماد الأزدي

روى مسلم عن ابن عباس :

أن ضمادًا قدم (مكة) – كان من أزد شنوءة، وكان يرقِي من هذه الريح – فسمع سفهاء من أهل (مكة) يقولون: إن محمداً مجنون. فقال: أين هذا الرجل؟ لعل الله أن يشفيه على يدي. فلقي محمداً صلى الله عليه وسلم فقال: إني أرقي من هذه الرياح، وإن الله يشفي على يدي من شاء، فهلم. فقال محمد:

((إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له (ثلاث مرات) )).

فقال: والله؛ لقد سمعت الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات، فهلم يدك أبايعك على الإسلام. فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:

((وعلى قومك؟)).

فقال: وعلى قومي.

فبعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً، فمروا بقوم ضماد، فقال صاحب الجيش للسرية: هل أصبتم من هؤلاء القوم شيئاً؟ فقال رجل منهم: أصبت منهم مظهرة. فقال: ردها عليهم؛ فإنهم قوم ضماد)[663].وفي رواية: فقال له ضماد: أعد علي كلماتك هؤلاء؛ فلقد بلغن قاموس البحر".

 

باب: إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي

و كان ممن أسلم بسبب الحرب الإعلامية ضد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان سيداً مطاعاً شريفاً في (دوس)، وكان قد قدم (مكة)، فاجتمع به أشراف قريش، وحذروه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونهوه أن يجتمع به، أويسمع كلامه.ولكن شاء الله تعالى له الهداية فاجتمع برسول الله وسمع منه وأسلم.

وجاءت قصة إسلامه مفصلة في كتب السيرة، و ذكر محمد بن إسحاق رحمه الله القصة مرسلة بدون إسناد.  و لم يثبت منها إلا أنه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للالتجاء إلى حصن دوس المنيع فأبى رسول الله ذلك .روى مسلم عن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :

يا رسول الله هل لك في حصن حصين ومنعة ؟ 0 قال ( حصن كان لدوس في الجاهلية ) فأبىَ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار ، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطيًا يديه فقال له ما صنع بك ربك ؟ فقال :غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي أراك مغطيا يديك ؟ قال :قيل لي لن نصلح منك ما أفسدت فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم وليديه فاغفر([664]) .

وأشارت رواية صحيحة إلى أن الطفيل دعا قومه إلى الإسلام ولقي منهم صدودًا حتى طلب الطفيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لهم بالهداية وكان الرسول آنئذ بالمدينة المنورة.

روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم.واللفظ لأحمد عن أبي هريرة قال جاء الطفيل بن عمرو الدوسي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهِمْ. فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ النَّاسُ: هَلَكُوا. فَقَالَ: " اللهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ، اللهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ))[665].

 

باب : عرض الإسلام على نفر من الخزرج وبدء إسلام الأنصار.

في موسم الحج من السنة الحادية عشر من النبوة ([666]) عرض الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلام على نفر من أهل يثرب وكانوا من الخزرج ، وكانوا نسمات طيبة مباركة سرعان ما استجابوا له. وهم:  أبو أمامة أسعد بن زرارة، وعوف بن الحارث من بني النجار، ورافع بن مالك بن العجلان، وقطبة بن عامربن حديدة ، وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله بن رئاب[667] .

قال ابن إسحاق : فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه وإعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم وإنجاز موعده له خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم . فبينما هو عند العقبة لقي رهطًا من الخزرج أراد الله بهم خيرًا.

قال: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه قالوا : لما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : من أنتم ؟ قالوا : نفر من الخزرج قال : أمن موالي يهود ؟ قالوا : نعم قال : أفلا تجلسون أكلمكم ؟ قالوا : بلى .فجلسوا معه فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن . قال : وكان مما صنع الله لهم به في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم وكانوا أهل كتاب وعلم وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان وكانوا قد غزوهم ببلادهم فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم : إن نبيًا مبعوث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم.

فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله قال بعضهم لبعض : يا قوم تعلموا والله إنه للنبي توعدكم به يهود فلا تسبقنكم إليه . فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام وقالوا : إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم فعسى أن يجمعهم الله بك فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك وتعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك ، ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا "[668]  .

و هذا من تمكين الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم و يشهد لهذه القصة  قوله تعالى: { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ }[البقرة: 89]

فقد كان أهل الكتاب بالمدينة قبل مجيء الرسول بهذا الكتاب(القرآن)-المصدق لما معهم من التوراة- يستنصرون بمجيئه صلى الله عليه وسلم  على أعدائهم من المشركين -من الأوس والخزرج-  إذا قاتلوهم يقولون : إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد وإرم  كما ذكر المفسرون عن ابن إسحاق وغيره .

روى ابن جرير في تفسيره: عن ابن عباس: أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه. فلما بعثه الله من العرب، كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه. فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة: يا معشر يهود، اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك، وتخبروننا أنه مبعوث، وتصفونه لنا بصفته! فقال سَلام بن مِشْكَم أخو بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكر لكم! فأنزل الله جل ثناؤه في ذلك من قوله:{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}[البقرة:89]" [669] .

وروى ابن جرير في تفسيره عن عكرمة: أنه لقىَ النبي صلى الله عليه وسلم ستةُ نفرٌٍ من الأنصار فآمنوا به وصدّقوه، فأراد أن يذهبَ معهم، فقالوا: يا رسول الله، إن  بين قومنا حربًا، وإنا نخافُ إن جئت على حالك هذه أن لا يتهيأ الذي تريدُ. فوعدوه العامَ المقبلَ، وقالوا: يا رسول الله، نذهب، فلعلّ الله أن يُصْلح تلك الحرب! قال: فذهبوا ففعلوا، فأصلح الله عز وجل تلك الحرب، وكانوا يُرَوْن أنها لا تَصْلُح = وهو يوم بُعاث. فلقوه من العام المقبل سبعينَ رجلا قد آمنوا، فأخذ عليهم النقباءَ اثني عشر نقيبًا، فذلك حين يقول:{ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ }[آل عمران: 103][670] .

وذكر بعض أهل السير أنهم كانوا ثمانية، وهو مخالف لما عليه الجمهور .

قال ابن كثير: وذكر موسى بن عقبة فيما رواه عن الزهري وعروة بن الزبير أن أول اجتماعه عليه السلام بهم كانوا ثمانية وهم: معاذ بن عفراء وأسعد بن زرارة ورافع بن مالك وذكوان وهو ابن عبد قيس وعبادة بن الصامت وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة وأبو الهيثم بن التيهان وعويم بن ساعدة فأسلموا وواعدوه الى قابل فرجعوا إلى قومهم فدعوهم إلى الاسلام وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن عفراء ورافع بن مالك أن ابعث إلينا رجلاً يفقهنا فبعث اليهم مصعب بن عمير فنزل على أسعد بن زرارة وذكر تمام القصة([671]) .

ومن الجدير بالتنبيه أن هذه المقابلة التي حدثت عند العقبة، وتلاقى فيها فريق من الخزرج بالنبي صلى الله عليه وسلم وأسلموا على يديه لم تكن فيها بيعة([672])؛ لأنها كانت من نفر صغير لا يرون لأنفسهم الحق في أن يلتزموا بمعاهدة دون الرجوع إلى قبائلهم في المدينة, ولكنهم أخلصوا في تبليغ رسالة الإسلام . إذ لما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, ودعوهم إلى الإسلام، حتى فشا بينهم فلم تبقَ دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

.

باب: بيعة العقبة الأولى

في موسم الحج من السنة الثانية عشر من النبوة ([673])- وبعد عام من المقابلة الأولى التي تمت بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل يثرب عند العقبة- وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلاً فلقوه صلى الله عليه وسلم بالعقبة، وبايعوه بيعة العقبة الأولى.

و هم: الستة الذين بايعهم العام الماضي خلا جابر بن عبد الله بن رئاب، و معهم : معاذ بن الحارث بن رفاعة أخو عوف المتقدم (وهما ابنا عفراء)، و ذكوان بن عبد قيس بن خلدة ـ و قد أقام ذكوان هذا بمكة حتى هاجر إلى المدينة فيقال : إنه مهاجري أنصاري ـ و عبادة بن الصامت بن قيس ، والعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان ، و أبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة فهؤلاء عشرة من الخزرج و اثنان من الأوس و هما : أبو الهيثم مالك بن التيهان و عويم بن ساعدة .

وهذا مما يشير إلى نشاط وفد الخزرج الذين أسلموا في العام الماضي، حيث تركز على وسطهم القبلي بالدرجة الأولى ، لكنهم تمكنوا في نفس الوقت من اجتذاب رجال من الأوس، وكان ذلك بداية ائتلاف القبيلتين تحت راية الإسلام [674].

وقد تحدث عبادة بن الصامت الخزرجي عن البيعة في العقبة الأولى، فيما رواه أحمد ومسلم وغيرهما:ففي مسند أحمد: عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : كُنْتُ فِيمَنْ حَضَرَ الْعَقَبَةَ الْأُولَى ،وَكُنَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَبَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ الْحَرْبُ،عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا نَسْرِقَ وَلَا نَزْنِيَ وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا وَلَا نَعْصِيَهُ فِي مَعْرُوفٍ، فَإِنْ وَفَّيْتُمْ فَلَكُمْ الْجَنَّةُ وَإِنْ غَشِيتُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأَمْرُكُمْ إِلَى اللَّهِ: إِنْ شَاءَ عَذَّبَكُمْ ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَكُمْ » ([675]) .

وبنود هذه البيعة هي نفس البنود التي بايع الرسول صلى الله عليه وسلم عليها النساء اللاتي جئن مهاجرات من مكة إلى المدينة فيما بعد ولذلك قال عبادة في هذا الحديث: (فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء) أي على مثلها.

وقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم مع المبايعين مصعب بن عمير، يعلمهم الدين ويقرئهم القرآن فكان يسمى بالمدينة (المقرئ)، وكان يؤمهم في الصلاة.

قال ابن إسحاق : فلما انصرف عنه القوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين فكان يسمى المقرىء بالمدينة : مصعب . وكان منزله على أسعد بن زرارة بن عدس أبي أمامة .([676])

قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أنه كان يصلي بهم وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض ([677]).

وقد اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير عن علم بشخصيته من جهة، وعلم بالوضع القائم في المدينة من جهة أخرى، حيث كان مصعب  بجانب حفظه لما نزل من القرآن، يملك من اللباقة والهدوء، وحسن الخلق والحكمة، قدرًا كبيرًا، فضلاً عن قوة إيمانه، وشدة حماسه للدين، ولذلك تمكن خلال أشهر أن ينشر الإسلام في سائر بيوتات المدينة، وأن يكسب للإسلام أنصارًا من كبار زعمائها[678].

 

روى ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ قَائِدَ أَبِي، كَعْبِ ابْن مَالِكٍ، حِينَ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَكُنْتُ إذَا خَرَجْتُ بِهِ إلَى الْجُمُعَةِ، فَسَمِعَ الْأَذَانَ بِهَا صَلَّى عَلَى أَبِي أُمَامَةَ، أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ. قَالَ: فَمَكَثَ حِينًا عَلَى ذَلِكَ: لَا يَسْمَعُ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ إلَّا صَلَّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ. قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا بِي لَعَجْزٌ، أَلَّا أَسْأَلَهُ مَا لَهُ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلَّى عَلَى أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ؟ قَالَ: فَخَرَجْتُ بِهِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ كَمَا كُنْتُ أَخْرُجُ، فَلَمَّا سَمِعَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلَّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَتِ، مَا لَكَ إذَا سَمِعْتَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلَّيْتَ عَلَى أَبِي أُمَامَةَ؟ قَالَ: فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَّعَ بِنَا بِالْمَدِينَةِ فِي هَزْمِ النَّبِيتِ[679] ، مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ، يُقَالُ لَهُ: نَقِيعُ الْخَضَمَاتِ، قَالَ قُلْتُ: وَكَمْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ رَجُلًا "[680] .

 

* وممن هداه الله إلى الإسلام سيدا قومهما أسيد بن حضير وسعد بن معاذ :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُعَيْقِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ خَرَجَ بِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ يُرِيدُ بِهِ دَارَ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَدَارَ بَنِي ظَفَرٍ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنَ خَالَةِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَدَخَلَ بِهِ حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِ بَنِي ظَفَرٍ.

- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ ظَفَرٍ كَعْبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْن مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ-

قَالَا: عَلَى بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا: بِئْرُ مَرَقٍ[681]  ، فَجَلَسَا فِي الْحَائِطِ، وَاجْتَمَعَ إلَيْهِمَا رِجَالٌ مِمَّنْ أَسْلَمَ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، يَوْمَئِذٍ سَيِّدَا قَوْمِهِمَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَكِلَاهُمَا مُشْرِكٌ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، فَلَمَّا سَمِعَا بِهِ قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ لِأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ: لَا أَبَا لَكَ، انْطَلِقْ إلَى هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدْ أَتَيَا دَارَيْنَا لِيُسَفِّهَا ضُعَفَاءَنَا، فَازْجُرْهُمَا وَانْهَهُمَا عَنْ أَنْ يَأْتِيَا دَارَيْنَا، فَإِنَّهُ لَوْلَا أَنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ مِنِّي حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُ كَفَيْتُكَ ذَلِكَ، هُوَ ابْنُ خَالَتِي، وَلَا أَجِدُ عَلَيْهِ مُقَدَّمًا، قَالَ: فَأَخَذَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ حَرْبَتَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ إلَيْهِمَا، فَلَمَّا رَآهُ أَسْعَدُ ابْن زُرَارَةَ، قَالَ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ: هَذَا سَيِّدُ قَوْمِهِ قَدْ جَاءَكَ، فَاصْدُقْ اللَّهَ فِيهِ، قَالَ مُصْعَبٌ: إنْ يَجْلِسْ أُكَلِّمْهُ. قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتِّمًا، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمَا إلَيْنَا تُسَفِّهَانِ ضُعَفَاءَنَا؟ اعْتَزِلَانَا إنْ كَانَتْ لَكُمَا بِأَنْفُسِكُمَا حَاجَةٌ، فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: أَوَتَجْلِسُ فَتَسْمَعَ، فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَهُ كُفَّ عَنْكَ مَا تَكْرَهُ؟ قَالَ: أَنْصَفْتَ، ثُمَّ رَكَزَ حَرْبَتَهُ وَجَلَسَ إلَيْهِمَا، فَكَلَّمَهُ مُصْعَبٌ بِالْإِسْلَامِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَقَالَا: فِيمَا يُذْكَرُ عَنْهُمَا: وَاَللَّهِ لَعَرَفْنَا فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي إشْرَاقِهِ وَتَسَهُّلِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَامَ وَأَجْمَلَهُ! كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا فِي هَذَا الدِّينِ؟ قَالَا لَهُ: تَغْتَسِلُ فَتَطَّهَّرُ وَتُطَهِّرُ ثَوْبَيْكَ، ثُمَّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثُمَّ تُصَلِّي. فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثَوْبَيْهِ، وَتَشَهَّدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: إنَّ وَرَائِي رَجُلًا إنْ اتَّبَعَكُمَا لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ، وَسَأُرْسِلُهُ إلَيْكُمَا الْآنَ، سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، ثُمَّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ وَانْصَرَفَ إلَى سَعْدٍ وَقَوْمِهِ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي نَادِيهِمْ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُقْبِلًا، قَالَ:

أَحْلِفُ باللَّه لَقَدْ جَاءَكُمْ أُسَيْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى النَّادِي قَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: كلّمت الرجلَيْن، فو الله مَا رَأَيْتُ بِهِمَا بَأْسًا، وَقَدْ نَهَيْتُهُمَا، فَقَالَا: نَفْعَلُ مَا أَحْبَبْتَ، وَقَدْ حُدِّثْتُ أَنَّ بَنِي حَارِثَةَ قَدْ خَرَجُوا إلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ لِيَقْتُلُوهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ عَرَفُوا أَنَّهُ ابْنُ خَالَتِكَ، لِيُخْفِرُوكَ [682]  .

قَالَ: فَقَامَ سَعْدٌ مُغْضَبًا مُبَادِرًا، تَخَوُّفًا لِلَّذِي ذُكِرَ لَهُ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ، فَأَخَذَ الْحَرْبَةَ  مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَرَاكَ أَغْنَيْتَ شَيْئًا، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْهِمَا، فَلَمَّا رَآهُمَا سَعْدٌ مُطْمَئِنَّيْنِ، عَرَفَ سَعْدٌ أَنَّ أُسَيْدًا إنَّمَا أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتِّمًا، ثُمَّ قَالَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ، أَمَا وَاَللَّهِ  ، لَوْلَا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ مِنْ الْقَرَابَةِ مَا رُمْتَ هَذَا مِنِّي، أَتَغْشَانَا فِي دَارَيْنَا بِمَا نَكْرَهُ- وَقَدْ قَالَ أَسْعَدُ ابْن زُرَارَةَ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ: أَيْ مُصْعَبُ، جَاءَكَ وَاَللَّهِ سَيِّدُ مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ، إنْ يَتَّبِعْكَ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْكَ مِنْهُمْ اثْنَانِ- قَالَ: فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: أَوَتَقْعُدُ فَتَسْمَعَ، فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا وَرَغِبْتَ فِيهِ قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَهُ عَزَلْنَا عَنْكَ مَا تَكْرَهُ؟

قَالَ سَعْدٌ: أَنْصَفْتَ. ثُمَّ رَكَزَ الْحَرْبَةَ وَجَلَسَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، قَالَا: فَعَرَفْنَا وَاَللَّهِ فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، لِإِشْرَاقِهِ وَتَسَهُّلِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذَا أَنْتُمْ أَسْلَمْتُمْ وَدَخَلْتُمْ فِي هَذَا الدِّينِ؟ قَالَا: تَغْتَسِلُ فَتَطَّهَّرُ وَتُطَهِّرُ ثَوْبَيْكَ، ثُمَّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثُمَّ تُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثَوْبَيْهِ، وَتَشَهَّدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ، فَأَقْبَلَ عَامِدًا إلَى نَادِي قَوْمِهِ وَمَعَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ.

قَالَ: فَلَمَّا رَآهُ قَوْمُهُ مُقْبِلًا، قَالُوا: نَحْلِفُ باللَّه لَقَدْ رَجَعَ إلَيْكُمْ سَعْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، كَيْفَ تَعْلَمُونَ أَمْرِي فِيكُمْ؟ قَالُوا: سَيِّدُنَا وَأَوْصَلُنَا  وَأَفْضَلُنَا رَأْيًا، وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً، قَالَ: فَإِنَّ كَلَامَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ حَتَّى تُؤْمِنُوا باللَّه وبرسوله  .

قَالَا: فو الله مَا أَمْسَى فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إلَّا مُسْلِمًا وَمُسْلِمَةً، وَرَجَعَ أَسْعَدُ وَمُصْعَبٌ إلَى مَنْزِلِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ يَدْعُو النَّاسَ إلَى الْإِسْلَامِ، حَتَّى لَمْ تَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلَّا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مُسْلِمُونَ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ دَارِ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَخَطْمَةَ وَوَائِلٍ وَوَاقِفٍ، وَتِلْكَ أَوْسُ اللَّهِ، وَهُمْ مِنْ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ، وَهُوَ صَيْفِيٌّ، وَكَانَ شَاعِرًا لَهُمْ قَائِدًا يَسْتَمِعُونَ مِنْهُ وَيُطِيعُونَهُ، فَوَقَفَ بِهِمْ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَضَى بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ، وَقَالَ فِيمَا رَأَى مِنْ الْإِسْلَامِ، وَمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ:

أَرَبَّ النَّـاسِ أَشْيَــاءُ أَلَمَّتْ ... يُلَفُّ الصَّعْبُ مِنْهَـا بِالذَّلُولِ

أَرَبَّ النّـَاسِ أَمَّــا إذْ ضَلِلْنَا ... فَيَسِّرْنَا لِمَعْـرُوفِ السَّبِيـلِ

فَلَـوْلَا رَبُّنَـا كُنـَّا يَهُــودًا ... وَمَا دِينُ الْيَهُودِ بِذِي شُكُولِ[683]

وَلَـوْلَا رَبُّنَـا كُنَّـا نَصَـارَى ... مَعَ الرُّهْبَانِ فِي جَبَلِ الْجَلِيلِ[684]

وَلَكِنَّـا خُلِقْنَــا إذْ خُلِـقْنَا ... حَنِيفًا دِينُنَـا عَنْ كُلِّ جِيـلِ

نَسُوقُ الْهَدْيَ تَرْسُفُ مُذْعِنَاتٍ ... مُكَشِّفَةَ الْمَنَاكِبِ فِي الْجُلُولِ[685] ([686])

 

باب: بيعة العقبة الثانية

قال ابن إسحاق : ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة، وخرج من خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك ، حتى قدموا مكة، فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق ، حين أراد الله بهم ما أراد من كرامته ، والنصر لنبيه، وإعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشرك وأهله ([687]) .

وكان ذلك في السنة الثالثة عشر من النبوة [688]، فلما كانت ليلة العقبة ـ الثلث الأول منها ـ تسلل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة و سبعون رجلاً وامرأتان من الأنصار [689]، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم خفية من قومهم و من كفار مكة، على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم و أبناءهم  و أزرهم  و كان أول من بايعه ليلتئذ البراء بن معرور، و كانت له اليد البيضاء إذ أكد العقد و بادر إليه وحضر العباس عم رسول الله صلى الله عليه و سلم موثقا مؤكدًا للبيعة- مع أنه كان لا يزال على دين قومه- و اختار رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم تلك الليلة اثني عشر نقيبًا [690]وهم : أسعد بن زرارة بن عدس ، و سعد بن ربيع بن عمرو ، و عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس ، و رافع بن مالك بن العجلان، و البراء بن معرور بن صخر بن خنساء، و عبد الله بن عمرو بن حَرام وهو والد جابر و كان قد أسلم تلك الليلة رضي الله عنه ، و سعد بن عبادة بن دليم ،و المنذر بن عمرو بن خنيس ، و عبادة بن الصامت فهؤلاء تسعة من الخزرج .ومن الأوس ثلاثة و هم : أسيد بن الحضير بن سماك ، و سعد بن خيثمة بن الحارث ، و رفاعة بن عبد المنذر بن زبير و قيل : بل أبو الهيثم بن التيهان مكانه .

و المرأتان هما : أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو (التي قتل مسيلمة ابنها حبيب بن زيد بن عاصم بن كعب )، و أسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي .فلما تمت هذه البيعة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يميلوا على أهل العقبة فلم يأذن لهم في ذلك [691] .

 

وروى ابن إسحاق عن كعب بن مالك  رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا فِي حُجَّاجِ قَوْمِنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ صَلَّيْنَا وفقِهنا، وَمَعَنَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، سَيِّدُنَا وَكَبِيرُنَا. فَلَمَّا وَجَّهْنَا لِسَفَرِنَا، وَخَرَجْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ، قَالَ الْبَرَاءُ لَنَا: يَا هَؤُلَاءِ، إنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا، فَوَاَللَّهِ مَا أَدْرِي، أَتُوَافِقُونَنِي عَلَيْهِ، أَمْ لَا؟ قَالَ: قُلْنَا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: قَدْ رأيت ألا أَدَعَ هَذِهِ البَنِيَّة مِنِّي بِظَهْرٍ -يَعْنِي: الْكَعْبَةَ- وَأَنْ أُصَلِّيَ إلَيْهَا. قَالَ: فَقُلْنَا، وَاَللَّهِ مَا بَلَغَنَا أَنَّ نبيَّنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي إلَّا إلَى الشَّامِ، وَمَا نُرِيدُ أَنْ نُخَالِفَهُ. قَالَ؛ فَقَالَ: إنِّي لمصلٍ إلَيْهَا. قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: لَكِنَّا لَا نَفْعَلُ.

قَالَ: فَكُنَّا إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ صَلَّيْنَا إلَى الشَّامِ، وَصَلَّى إلَى الْكَعْبَةِ، حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ. قَالَ: وَقَدْ كُنَّا عِبْنَا عَلَيْهِ مَا صَنَعَ، وَأَبَى إلَّا الْإِقَامَةَ عَلَى ذَلِكَ. فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ لي: يابن أَخِي، انْطَلِقْ بِنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى نسألَه عَمَّا صَنَعْتُ في سفري هذا، فإنه والله قد وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ خِلَافِكُمْ إيَّايَ فِيهِ.

قَالَ: فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكُنَّا لَا نَعْرِفُهُ، وَلَمْ نَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَقِينَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: هل تعرفانه؟ فقلنا: لا؛ قال: فهل تَعْرِفَانِ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّهُ؟ قَالَ: قلنا: نعم قال: كنا نعرف العباس، وكان لا يزال يقدم علينا تاجرًا قال: فإن دَخَلْتُمَا الْمَسْجِدَ فَهُوَ الرَّجُلُ الْجَالِسُ مَعَ الْعَبَّاسِ. قَالَ: فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَإِذَا الْعَبَّاسُ جَالِسٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ مَعَهُ، فَسَلَّمْنَا ثُمَّ جَلَسْنَا إلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْعَبَّاسِ: "هَلْ تَعْرِفُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ يَا أَبَا الْفَضْلِ؟ " قَالَ: نَعَمْ، هَذَا البَراء بْنُ مَعْرُورٍ، سَيِّدُ قَوْمِهِ، وَهَذَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: فَوَاَللَّهِ مَا أَنْسَى قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الشَّاعِرُ؟ " قَالَ: نَعَمْ،

قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إنِّي خَرَجْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، وَقَدْ هَدَانِي اللَّهُ للإِسلام، فرأيت ألا أَجْعَلَ هَذِهِ البَنيَّة مِنِّي بِظَهْرٍ، فَصَلَّيْتُ إلَيْهَا، وَقَدْ خَالَفَنِي أَصْحَابِي فِي ذَلِكَ حَتَّى وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَمَاذَا تَرَى يا رسول الله؟ قال: "كُنْتَ عَلَى قِبْلَةٍ لَوْ صَبَرْتَ عَلَيْهَا". قَالَ: فَرَجَعَ الْبَرَاءُ إلَى قِبْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَلَّى مَعَنَا إلَى الشَّامِ[692]. قَالَ: وَأَهْلُهُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ صَلَّى إلَى الْكَعْبَةِ حَتَّى مَاتَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا، نَحْنُ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ.

قَالَ كَعْبٌ: ثُمّ خَرَجْنَا إلَى الْحَجّ وَوَاعَدْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ مِنْ أَوْسَطِ أَيّامِ التّشْرِيقِ. قَالَ فَلَمّا فَرَغْنَا مِنْ الْحَجّ وَكَانَتْ اللّيْلَةُ الّتِي وَاعَدْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا، وَمَعَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ أَبُو جَابِرٍ سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا، أَخَذْنَاهُ مَعَنَا، وَكُنّا نَكْتُمُ مَنْ مَعَنَا مِنْ قَوْمِنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَمْرَنَا، فَكَلّمْنَاهُ وَقُلْنَا لَهُ يَا أَبَا جَابِرٍ إنّك سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا، وَإِنّا نَرْغَبُ بِك عَمّا أَنْتَ فِيهِ أَنْ تَكُونَ حَطَبًا لِلنّارِ غَدًا، ثُمّ دَعَوْنَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبَرْنَاهُ بِمِيعَادِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيّانَا الْعَقَبَةَ. قَالَ فَأَسْلَمَ وَشَهِدَ مَعَنَا الْعَقَبَةَ، وَكَانَ نَقِيبًا.

قَالَ فَنِمْنَا تِلْكَ اللّيْلَةَ مَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا، حَتّى إذَا مَضَى ثُلُثُ اللّيْلِ خَرَجْنَا مِنْ رِحَالِنَا لِمَعَادِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَسَلّلُ تَسَلّلَ الْقَطَا مُسْتَخْفِينَ حَتّى اجْتَمَعْنَا فِي الشّعْبِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، وَنَحْنُ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا وَمَعَنَا امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِنَا: نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْب أم عمارةإحدى نِسَاءِ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي، إحْدَى نِسَاءِ بَنِي سَلِمَةَ وَهِيَ أُمّ منيع.

قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا فِي الشّعْبِ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتّى جَاءَنَا وَمَعَهُ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ إلّا أَنّهُ أَحَبّ أَنْ يَحْضُرَ أَمْرَ ابْنِ أَخِيهِ وَيَتَوَثّقَ لَهُ- فَلَمّا جَلَسَ كَانَ أَوّلَ مُتَكَلّمٍ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ - قَالَ وَكَانَتْ الْعَرَبُ إنّمَا يُسَمّونَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ، الْخَزْرَجَ، خَزْرَجَهَا وَأَوْسَهَا - إنّ مُحَمّدًا مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَوْمِنَا ; مِمّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِنَا فِيهِ فَهُوَ فِي عِزّ مِنْ قَوْمِهِ وَمَنَعَةٍ فِي بَلَدِهِ وَإِنّهُ قَدْ أَبَى إلّا الِانْحِيَازَ إلَيْكُمْ وَاللّحُوقَ بِكُمْ فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ إنّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إلَيْهِ وَمَانِعُوهُ مِمّنْ خَالَفَهُ فَأَنْتُمْ وَمَا تَحَمّلْتُمْ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنّكُمْ مُسْلِمُوهُ وَخَاذِلُوهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ بِهِ إلَيْكُمْ فَمِنْ الْآنَ فَدَعُوهُ ،فَإِنّهُ فِي عِزّ وَمَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَبَلَدِهِ. قَالَ فَقُلْنَا لَهُ قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْت، فَتَكَلّمْ يَا رَسُولَ اللهِ فَخُذْ لِنَفْسِك وَلِرَبّك مَا أَحْبَبْت.

قَالَ :فَتَكَلّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَا الْقُرْآنَ وَدَعَا إلَى اللهِ وَرَغّبَ فِي الْإِسْلَامِ ثُمّ قَالَ: "أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ" قَالَ فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ ثُمّ قَالَ نَعَمْ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَنَمْنَعَنّكَ مِمّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَنَحْنُ وَاَللهِ أَهْلُ الْحُرُوبِ وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ وَرِثْنَاهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ .

قَالَ :فَاعْتَرَضَ الْقَوْلَ وَالْبَرَاءُ يُكَلّمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيّهَانِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرّجَالِ حِبَالًا، وَإِنّا قَاطِعُوهَا – يَعْنِي الْيَهُودَ - فَهَلْ عَسَيْت إِن نَحن فعلناذلك ثُمّ أَظْهَرَك اللهُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى قَوْمِك وَتَدَعَنَا؟ قَالَ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمّ قَالَ " بَلْ الدّمَ الدّمَ وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنّي، أُحَارِبُ مِنْ حَارَبْتُمْ وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ".(قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ الْهَدْمَ الْهَدْمَ: أَيْ ذِمّتِي ذِمّتُكُمْ وَحُرْمَتِي حُرْمَتُكُمْ)

قَالَ كَعْبٌ: وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَخْرِجُوا إلَيّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، لِيَكُونُوا عَلَى قَوْمِهِمْ بِمَا فِيهِمْ" فَأَخْرَجُوا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، تِسْعَةً مِنْ الْخَزْرَجِ، وَثَلَاثَةً مِنْ الْأَوْسِ.

قَالَ كعب: كَانَ أَوّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، ثُمّ بَايَعَ بعد الْقَوْم.فَلَمّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرَخَ الشّيْطَانُ مِنْ رَأْسِ الْعَقَبَةِ بِأَنْفَذِ صَوْتٍ سَمِعْته قَطّ: يَا أَهْلَ الْجَبَاجِبِ - وَالْجَبَاجِبُ: الْمَنَازِلُ - هَلْ لَكُمْ فِي مُذَمّمٍ وَالصّبَاةِ مَعَهُ قَدْ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "هَذَا أَزَبّ الْعَقَبَةِ -هَذَا ابْنُ أَزْيَبَ-اسْتَمِعْ أَيْ عَدُوّ اللهِ أَمَا وَاَللهِ لأفرغن لَك"

قَالَ: ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ارْفَضّوا إلَى رِحَالِكُم". فَقَالَ لَهُ الْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ: وَاَللهِ الّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ إنْ شِئْت لَنَمِيلَنّ عَلَى أَهْلِ مِنَى غَدًا بِأَسْيَافِنَا؟ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَمْ نُؤْمَرْ بِذَلِكَ وَلَكِنْ ارْجِعُوا إلَى رِحَالِكُمْ" قَالَ فَرَجَعْنَا إلَى مَضَاجِعِنَا، فَنِمْنَا عَلَيْهَا حَتَّى أَصْبَحْنَا.

فَلَمّا أَصْبَحْنَا غَدَتْ عَلَيْنَا جُلّةُ قُرَيْشٍ، حَتّى جَاءُونَا فِي مَنَازِلِنَا، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ، إنّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنّكُمْ قَدْ جِئْتُمْ إلَى صَاحِبِنَا هَذَا تَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، وَتُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِنَا، وَإِنّهُ وَاَللهِ مَا مِنْ حَيّ مِنْ الْعَرَبِ أَبْغَضَ إلَيْنَا، أَنْ تَنْشَبَ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنْكُمْ. قَالَ فَانْبَعَثَ مَنْ هُنَاكَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِنَا يَحْلِفُونَ بِاَللهِ مَا كَانَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ وَمَا عَلِمْنَاهُ. قَالَ وَقَدْ صَدَقُوا، لَمْ يَعْلَمُوهُ. قَالَ وَبَعْضُنَا يَنْظُرُ إلَى بَعْضٍ. قَالَ ثُمّ قَامَ الْقَوْمُ وَفِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّ، وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ لَهُ جَدِيدَانِ. قَالَ فَقُلْت لَهُ كَلِمَةً - كَأَنّي أُرِيدُ أَنْ أَشْرَكَ الْقَوْمَ بِهَا فِيمَا قَالُوا - يَا أَبَا جَابِرٍ أَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتّخِذَ وَأَنْتَ سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، مِثْلَ نَعْلَيْ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ؟ قَالَ فَسَمِعَهَا الْحَارِثُ فَخَلَعَهُمَا مِنْ رِجْلَيْهِ ثُمّ رَمَى بِهِمَا إلَيّ وَقَالَ وَاَللهِ لَتَنْتَعِلَنهُمَا. قَالَ يَقُولُ أَبُو جَابِرٍ مَهْ أَحْفَظْتَ وَاَللهِ الْفَتَى، فَارْدُدْ إلَيْهِ نَعْلَيْهِ. قَالَ قُلْت: لَا وَاَللهِ لَا أَرُدّهُمَا، فَأْلٌ وَاَللهِ صَالِحٌ، لَئِنْ صَدَقَ الْفَأْلُ لَأَسْلُبَنّهُ " [693] .

وروى أحمد عن جابر قال : مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى ، يقول: (( من يؤويني ؟ من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة؟ )) حتى أن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر كذا قال، فيأتيه قومه فيقولون: احذر غلام قريش! لا يفتنك. ويمشي بين رجالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع ، حتى بعثنا الله إليه من يثرب، فآويناه وصدقناه فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيُسْلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام، ثم ائتمروا جميعًا ، فقلنا : حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يُطرد في جبال مكة ، ويخاف. فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدموا عليه في الموسم ، فواعدناه شِعب العقبة ، فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتى توافينا فقلنا يا رسول الله : نبايعك. قال : (( تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم ، وعلى أن تنصروني ، فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ، ولكم الجنة.)) قال : فقمنا إليه فبايعناه ، وأخذ بيده أسعد بن زرارة - وهو من أصغرهم- فقال: رويدًا يا أهل يثرب، فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله ، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينة فبينوا ذلك ، فهو عذر لكم عند الله . قالوا: أمِط عنا يا أسعد ، فوالله لا ندع هذه البيعة أبدًا ولا نسلبها أبدًا. قال: فقمنا إليه فبايعناه، فأخذ علينا، وشَرط، ويعطينا على ذلك الجنة )[694] .

روى ابن اسحاق عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَكَانَ أَحَدَ النُّقَبَاءِ، قَالَ:"

بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الْحَرْبِ- وَكَانَ عُبَادَةُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي عُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَمَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ." [695]

وَرواه  الْبَيْهَقِيُّ من طريق آخر: عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ  بْنِ رَفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قدَّمت رَوَايَا خَمْرٍ، فَأَتَاهَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَخَرَقَهَا  وَقَالَ: " إِنَّا بَايَعَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَالنَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهي عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ فِي اللَّهِ لَا تَأْخُذُنَا فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ نَنْصُرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قدم علينا يثرب مما نمنع به أنفسنا وأرواحنا وَأَبْنَاءَنَا وَلَنَا الْجَنَّةُ.فَهَذِهِ بَيْعَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التِي بَايَعْنَاهُ عَلَيْهَا"[696] ،

 

وروى أحمد عن عامر الشعبي قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم ومعه العباس عمه إلى السبعين [697]من الأنصار عند العقبة تحت الشجرة،  فقال: ليتكلم متكلمكم ولا يطيل الخطبة فان عليكم من المشركين عينًا وإن يعلموا بكم يفضحوكم فقال قائلهم وهو أبو أمامة : سل يا محمد لربك ما شئت ثم سل لنفسك ولأصحابك ما شئت ثم أخبرنا ما لنا من الثواب على الله عز وجل وعليكم إذا فعلنا ذلك .قال :فقال:  أسألكم لربي عز وجل ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأسألكم لنفسي ولأصحابي ان تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما منعتم منه أنفسكم، قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك قال : لكم الجنة ، قالوا:  فلك ذلك" ([698])

وهذا مرسل صحيح ثم وصله أحمد بسنده عن عامر الشعبي عن أبي مسعود الأنصاري : نحو هذا قال: وكان أبو مسعود أصغرهم سنًا"([699]) .

ثم روى أحمد بسنده عن الشعبي قال: فما سمع الشيب والشبان خطبة مثلها"([700])

ونكتفي بما سبق ذكره من الروايات الصحيحة التي توضح كيف تمت بيعة العقبة الثانية وما هي شروطها وحرص هؤلاء الأنصار رضي الله عنهم- على نجاحها وإتمامها [701] .

 

و سنذكر بعض الروايات التي لا تثبت في هذا الباب لعدم اتصال السند :

قال ابن إسحاق : فبنو النجار يزعمون أن أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أول من ضرب على يده وبنو عبدالأشهل يقولون : بل أبو الهيثم بن التيهان ) [702]

وهذا ضعيف ويخالف الروايات الصحيحة السابقة التي تثبت أن أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو البراء بن معرور رضي الله عنه .

أيضًا الخبر الذي رواه البيهقي عن الإمام مالك قال: حدثني شيخ من الأنصار أن جبريل كان يشير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من يجعله نقيبا ليلة العقبة ". قال مالك: وكنت أعجب كيف جاء هذا؟ رجلان من قبيلة ورجل من أخرى، حتى حدّثت بهذا الحديث: أن جبريل هو الذي ولّاهم وأنه أشار إلى النبي صلى الله عليه وسلم". ضعيف وفيه انقطاع[703].

وروى الطبراني  عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النُّقَبَاءَ قَالَ: «لَا يَجِدَنَّ امْرُؤٌ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا إِنَّمَا آخُذُ مَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ»[704]

وقال ابن اسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنقباء:  (( أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي )) قالوا : نعم  ) [705].وهذا مرسل .

وقال: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس بن عبادة بن نضلة الانصاري أخو بني سالم بن عوف: يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟ قالوا : نعم. قال : إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس فان كنتم ترون أنكم إذا أنهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا أسلمتموه فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة. قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الاموال وقتل الأشراف فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفَّيْنا؟ قال:  (( الجنة)) قالوا: ابسط يدك. فبسط يده فبايعوه ([706]) .

قال ابن اسحاق: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُمْ أَتَوْا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ بْنِ سَلُولَ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ كعب من القول، فقال لهم: إنَّ هَذَا الْأَمْرَ جَسِيمٌ، مَا كَانَ قَوْمِي لِيَتَفَوَّتُوا عليَّ بِمِثْلِ هَذَا، وَمَا علمتُه كَانَ، قال: فانصرفوا عنه.

قريش تأسر سعد بن عُبادة: قال: ونفر الناس من مِنى، فتنطَّس القومُ الخبرَ، فَوَجَدُوهُ قَدْ كَانَ، وَخَرَجُوا فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، فَأَدْرَكُوا سَعْدَ بْنَ عُبادة بأذَاخر، وَالْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو، أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكِلَاهُمَا كَانَ نَقِيبًا، فَأَمَّا الْمُنْذِرُ فَأَعْجَزَ القومَ؛ وَأَمَّا سَعْدٌ فَأَخَذُوهُ، فَرَبَطُوا يَدَيْهِ إلَى عُنُقِهِ بنِسْعِ رَحْلِهِ، ثُمَّ أَقْبَلُوا بِهِ حَتَّى أَدْخَلُوهُ مَكَّةَ يَضْرِبُونَهُ، وَيَجْذِبُونَهُ بجُمته، وَكَانَ ذَا شَعَرٍ كَثِيرٍ.

قَالَ سَعْدٌ: فَوَاَللَّهِ إنِّي لَفِي أَيْدِيهمْ إذْ طَلَعَ عليَّ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ رَجُلٌ وضيء أبيض، شَعْشاع، حلو من الرجال. قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إنْ يَكُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْقَوْمِ خيرٌ، فَعِنْدَ هَذَا قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَفَعَ يدَه فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَا وَاَللَّهِ مَا عِنْدَهُمْ بَعْدَ هَذَا مِنْ خَيْرٍ قَالَ: فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذا أَوَى لِي رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُمْ، فَقَالَ: وَيْحَكَ! أَمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ جِوَارٌ وَلَا عَهْدٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: بلَى، وَاَللَّهِ، لَقَدْ كُنْتُ أُجِيرُ لجُبير بْنِ مُطْعِم بْنِ عَدِي بْنِ نَوْفل بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ تِجَارَةً، وَأَمْنَعُهُمْ مِمَّنْ أَرَادَ ظُلْمَهُمْ بِبِلَادِي، وَلِلْحَارِثِ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ؛ قَالَ: وَيْحَكَ! فَاهْتِفْ بِاسْمِ الرَّجُلَيْنِ، وَاذْكُرْ مَا بينَك وَبَيْنَهُمَا: قَالَ: فَفَعَلْتُ، وَخَرَجَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إلَيْهِمَا، فَوَجَدَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَقَالَ لَهُمَا: إنَّ رَجُلًا مِنْ الْخَزْرَجِ الْآنَ يُضرب بِالْأَبْطَحِ ويَهتف بِكُمَا، وَيَذْكُرُ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَكُمَا جِوَارًا؛ قَالَا: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَا: صَدَقَ وَاَللَّهِ، إنْ كَانَ لَيُجِيرُ لَنَا تجارَنا، وَيَمْنَعُهُمْ أَنْ يُظلموا بِبَلَدِهِ. قَالَ: فَجَاءَا فخلَّصا سَعْدًا مِنْ أَيْدِيهِمْ فَانْطَلَقَ، وَكَانَ الَّذِي لَكَمَ سَعْدًا سُهَيْل بْنَ عَمرو، أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ.(قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ الرَّجُلُ الَّذِي أَوَى إلَيْهِ، أَبَا البَخْتَري بْنَ هِشَامٍ ) [707].

روى البيهقي في الدلائل بسنده عن عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي عَبْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعَتْ قُرَيْشٌ قَائِلًا يَقُولُ فِي اللَّيْلِ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ:

فَإِنْ يُسْلِمِ السَّعْدَانِ يُصْبِحْ مُحَمَّدٌ ... بِمَكَّةَ لَا يَخْشَى خِلَافَ الْمُخَالِفِ

فَلَمَّا أَصْبَحُوا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَنِ السَّعْدَانِ: أَسَعْدُ بْنُ بَكْرٍ أَمْ سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ [708]

فَلَمَّا كَانَتْ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ سَمِعُوهُ يَقُولُ:

أَيَا يا سَعْدُ سَعْدَ الْأَوْسِ كُنْ أَنْتَ نَاصِرًا ... وَيَا سَعْدُ سعد الخزرجين الغطارف

.أَجِيبَا إِلَى دَاعِي الْهُدَى وَتَمَنَّيَا ... عَلَى اللهِ فِي الْفِرْدَوْسِ مُنْيَةَ عَارِفِ

فَإِنَّ ثَوَابَ اللهِ لِلطَّالِبِ الْهُدَى ... جِنَانٌ مِنَ الْفِرْدَوْسِ ذَاتُ رَفَارِفِ

فَلَمَّا صَبِحُوا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هُوَ وَاللهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ،وَسَعْدُ بن عبادة " [709] .

 

و أخرج ابن سعد عن مُحَمَّدُ بْنُ عُمَر الواقديَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الرِّجَالِ " مَاتَ

أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ فِي شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَمَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ يُبْنَى. وَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ. فَجَاءَتْ بَنُو النَّجَّارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فَقَالُوا: قَدْ مَاتَ نَقِيبُنَا فَنَقِّبْ عَلَيْنَا.قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" أَنَا نَقِيبُكُمْ" [710]

وَ هذا مع ضعفه يشهد له ما ذَكَرَه مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ بَنِي النَّجَّارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِيمَ لَهُمْ نَقِيبًا بَعْدَ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَقَالَ: " أَنْتُمْ أَخْوَالِي وَأَنَا بِمَا فِيكُمْ وَأَنَا نَقِيبُكُمْ " وَكَرِهَ أَنْ يَخُصَّ بِهَا بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ.

فَكَانَ مِنْ فَضْلِ بَنِي النَّجَّارِ الَّذِي يَعْتَدُّونَ بِهِ عَلَى قَوْمِهِمْ أَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقِيبَهُمْ.

قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ أَبِي نُعَيْمٍ وَابْنِ مَنْدَهْ فِي قَوْلِهِمَا إِنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ كَانَ نَقِيبًا عَلَى بَنِي سَاعِدَةَ، إِنَّمَا كَانَ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ، وَوافقه ابْنُ كثيرِ فِيمَا قَالَ[711]   .

 

 

 

 

 

 

 

المرحلة الثالثة:

من الهجرة إلى الوفاة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كتاب الهجرة إلى المدينة وبناء الدولة الإسلامية.

 

 

باب: هجرة الصحابة إلى المدينة.

 

لما بايعت طلائع الخير ومواكب النور من أهل يثرب النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام، والدفاع عنه، ثارت ثائرة المشركين، فازدادوا إيذاء للمسلمين، فأذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، وكان المقصود من الهجرة إلى المدينة إقامة الدولة الإسلامية التي تحمل الدعوة، وتجاهد في سبيلها، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله وكان التوجه إلى المدينة من الله تعالى، فقد أرى الله تعالى نبيه دار الهجرة .

َروى البخاري عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَة[712] ِ

وروى أيضا: عَنْ أَبِي مُوسَى أُرَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ[713] .

فجعل القوم يتجهون ويتوافقون ويتواصون ويخرجون ويخفون ذلك، فكان أول من قدم المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو سلمة بن عبد الأسد، ثم قدم بعده عامر بن ربيعة معه امرأته ليلى بنت أبي حَثْمة، فهي أول ظعينة قدمت المدينة، ثم عبد الله بن جحش ([714]) ثم قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالاً، فنزلوا على الأنصار، في دورهم فآووهم ونصروهم وآسوهم، وكان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين بقباء، قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم فلما خرج المسلمون في هجرتهم إلى المدينة، كَلِبَت([715]) قريش عليهم، وحربوا واغتاظوا على من خرج من فتيانهم، وكان نفر من الأنصار بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيعة الآخرة، ثم رجعوا إلى المدينة، فلما قدم أول من هاجر إلى قباء خرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، حتى قدموا مع أصحابه في الهجرة، فهم مهاجرون أنصاريون، وهم ذكوان بن عبد قيس، وعقبة بن وهب بن كلدة والعباس بن عبادة بن نضلة، وزياد بن لبيد، وخرج المسلمون جميعاً إلى المدينة فلم يبقَ بمكة فيهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعلي ، أو مفتون أو مريض أو ضعيف عن الخروج.

روى ابن اسحاق : عن أم سلمة قالت: لَمَّا أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ الْخُرُوجَ إلَى الْمَدِينَةِ رَحَلَ لِي بَعِيرَهُ ثُمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهِ، وَحَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجَ بِي يَقُودُ بِي بَعِيرَهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَامُوا إلَيْهِ، فَقَالُوا هَذِهِ نَفْسُكَ غَلَبْتنَا عَلَيْهَا، أَرَأَيْتَ صَاحِبَتَكَ هَذِهِ؟ عَلَامَ نَتْرُكُكَ تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلَادِ؟ قَالَتْ: فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذُونِي مِنْهُ. قَالَتْ: وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالُوا: لَا وَاَللَّهِ، لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إذْ نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا.

قَالَتْ: فَتَجَاذَبُوا بَنِي سَلِمَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّى خَلَعُوا يَدَهُ، وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ، وَانْطَلَقَ زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إلَى الْمَدِينَةِ. قَالَتْ: فَفَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي. قَالَتْ: فَكُنْتُ أَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطُحِ، فَمَا أَزَالُ أَبْكِي، حَتَّى أَمْسَى سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حَتَّى مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي، أَحَدُ بَنِي الْمُغِيرَةِ، فَرَأَى مَا بِي فَرَحِمَنِي فَقَالَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ: أَلَا تُخْرِجُونَ  هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ، فَرَّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا! قَالَتْ: فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكَ إنْ شِئْتِ. قَالَتْ: وَرَدَّ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ إلَيَّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي. قَالَتْ: فَارْتَحَلْتُ بَعِيرِي ثُمَّ أَخَذْتُ ابْنِي فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجْتُ أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ. قَالَتْ: وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَتَبَلَّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيَّ زَوْجِي، حَتَّى إذَا كُنْتُ بِالتَّنْعِيمِ  لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَقَالَ لِي: إلَى أَيْنَ يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ. قَالَ:أَوَمَا مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: لَا وَاَللَّهِ، إلَّا اللَّهُ وَبُنَيَّ هَذَا. قَالَ: وَاَللَّهِ مَا لَكَ مِنْ مَتْرَكٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ، فَانْطَلَقَ مَعِي يهوى بى، فو الله مَا صَحِبْتُ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ قَطُّ، أَرَى أَنَّهُ كَانَ أَكْرَمَ مِنْهُ، كَانَ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي، حَتَّى إذَا نَزَلْتُ اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي، فَحَطَّ عَنْهُ، ثُمَّ قَيَّدَهُ فِي الشَّجَرَةِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنِّي إلَى شَجَرَةٍ، فَاضْطَجَعَ تَحْتَهَا، فَإِذَا دَنَا الرَّوَاحُ، قَامَ إلَى بَعِيرِي فَقَدَّمَهُ فَرَحَلَهُ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي، وَقَالَ: ارْكَبِي. فَإِذَا رَكِبْتُ وَاسْتَوَيْتُ عَلَى بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ، فَقَادَهُ، حَتَّى يَنْزِلَ بِي. فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِي حَتَّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَى قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ، قَالَ: زَوْجُكَ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ- وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بِهَا نَازِلًا- فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى مَكَّةَ.

قَالَ: فَكَانَتْ تَقُولُ  : وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الْإِسْلَامِ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ آلَ أَبِي سَلَمَةَ، وَمَا رَأَيْتُ صَاحِبًا قَطُّ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ "[716]

ثم ذكر ابن اسحاق أن أول من قدمها من المهاجرين بعد أبي سلمة :عامر بن ربيعة حليف بني عدي معه امرأته ليلى بنت أبي حسنة العدوية ثم عبد الله بن جحش احتمل بأهله وبأخيه عبد بن حجش وهو أبو أحمد .ثم ذكر بقية المهاجرين وذكر أين نزلوا بالمدينة على الأنصار ..ثم قال: ونزل العزاب من المهاجرين على سعد بن خيثمة وذلك أنه كان عزبًا والله أعلم في أي ذلك كان

([717])

وقال ابن اسحاق([718]): ثم خرج عمر بن الخطاب وعياش بن أبي ربيعة حتى قدما المدينة فحدثني نافع عن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: اتعدنا- لما أردت الهجرة الى المدينة- أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص التناضب من إضاة بني غفار فوق سرف وقلنا : أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه قال فأصبحت أنا وعياش عند التناضب وحبس هشام وفتن فافتتن فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام الى عياش وكان ابن عمهما وأخاهما لامهما حتى قدما المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فكلماه وقالا له : إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك ولا تستظل من شمس حتى تراك فرق لها فقلت له إنه والله إن يريدك القوم الا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت قال فقال أبر قسم أمي ولي هنالك مال فآخذه قال قلت والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالا فلك نصف مالي ولا تذهب معهما قال فأبى علي إلا أن يخرج معهما فلما أبى إلا ذلك قلت أما إذ فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها فان رابك من أمر القوم ريب فانج عليها فخرج عليها معهما حتى اذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل يا أخي والله لقد استغلظت بعيري هذا أفلا تعقبني على ناقتك هذه قال بلى فأناخ وأناخا ليتحول عليها فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه رباطا ثم دخلا به مكة وفتناه فافتتن.

 

روى ابن إسحاق عن عمر في حديثه، قال :فكنا نقول لا يقبل الله ممن افتتن توبة وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنزل الله {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل اليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون} [الزمر:53-55] قال عمر : وكتبتها وبعثت بها الى هشام بن العاص قال هشام :فلما أتتني جعلت أقرأها بذي طوى أصعد بها وأصوب ولا أفهمها حتى قلت: اللهم فهمنيها فألقى الله في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة([719])  .

وظل هؤلاء – ومعهم بعض المستضعفين- محبوسين في مكة فترة من الزمن لم يستطيعوا الهجرة . وكان يدعو لهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المدينة وهو يصلي بالناس كما ثبت في الصحيحين وغيرهما.فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَالْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ " [720]

 

و قد ذكر البخاري أول من دخل المدينة من المهاجرين   ففي صحيحه عن البراء بن عازب قال: « أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَبِلاَلٌ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» [721] .

ورواه من طريق آخر عن البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ، فَقَدِمَ بِلاَلٌ وَسَعْدٌ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ " قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ المَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى جَعَلَ الإِمَاءُ يَقُلْنَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا قَدِمَ حَتَّى قَرَأْتُ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى فِي سُوَرٍ مِنَ المُفَصَّلِ [722].

وفيه التصريح بأن سعد بن أبي وقاص هاجر قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وهو الصواب، وقد زعم موسى بن عقبة عن الزهري أنه إنما هاجر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وروى البيهقي عن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرتين فإما أن تكون هجر أو تكون يثرب قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وخرج معه أبو بكر وكنت قد هممت معه بالخروج فصدني فتيان من قريش فجعلت ليلتي تلك أقوم لا أقعد . فقالوا : قد شغله الله عنكم ببطنه ، ولم أكن شاكيًا فناموا فخرجت ولحقني منهم ناس بعد ما سرت يريدوا ليردوني فقلت لهم : إن أعطيتكم أواقي من ذهب وتخلوا سبيلي وتوفون لي ففعلوا فتبعتهم إلى مكة فقلت احفروا تحت أسكفة الباب فإن بها أواقي ، واذهبوا إلى فلانة فخذوا الحلتين وخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء قبل أن يتحول منها فلما رآني قال: ( يا أبا يحيى ربح البيع ) فقلت : يا رسول الله ما سبقني إليك أحد وما أخبرك إلا جبرائيل عليه السلام[723].

ويؤيده ما أخرجه الحاكم بسنده عن سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة   قال : لما خرج صهيب مهاجرا تبعه أهل مكة فنثل كنانته فأخرج منها أربعين سهما فقال : لا تصلون إلي حتى أضع في كل رجل منكم سهما ثم أصير بعد إلى السيف فتعلمون أني رجل و قد خلفت بمكة قينتين فهما لكم..قال :و حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس نحوه:وقال:نزلت على النبي صلى الله عليه و سلم: {  وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ }[البقرة:207]  فلما رآه النبي صلى الله عليه و سلم قال : أبا يحيى ربح البيع قال : و تلا عليه الآية[724] .

وروى عن صهيب قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم بالهجرة و هو يأكل تمرا فأقبلت آكل التمر و بعيني رمد فقال : أتأكل التمر و بك رمد ؟ فقلت إنما آكل على شقي الصحيح ليس به رمد قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم[725]

وروى البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ الْعُصْبَةَ - مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ - قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا"[726] .

وقد روى الترمذي في دار الهجرة حديثًا منكرًا عن جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الله أوحى إلي أي هؤلاء الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك المدينة أو البحرين أو قنسرين [727]

وذكر ابن هشام - معضلاً بلا سند- أن الوليد بن المغيرة هو الذي قدم بهشام بن العاص وعياش بن أبي ربيعةإلى المدينة سرقهما من مكة - وقد حبسهما المشركون- وقدم يحملهما على بعيره وهو ماش معهما فعثر فدميت أصبعه فقال:

هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت..) ([728])

باب: همّ قريش بقتل رسول الله وأمر الله له بالهجرة.

أقام رسول الله بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة إلا من حبس أو فتن إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهما فلما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صار له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين اليهم عرفوا أنهم قد نزلوا دارا وأصابوا منهم منعة فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهم فاجتمعوا له في دار الندوة وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها يتشاورون فيما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه. قال تعالى { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }[الأنفال:30]

روى الإمام أحمد عن ابن عباس في قوله تعالى {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك}قال : تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: بل اقتلوه وقال بعضهم: بل أخرجوه. فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فبات عليٌّ على فراش  النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار وبات المشركون يحرسون عليًا يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم فلما أصبحوا ثاروا عليه. فلما رأوا عليًا رضي الله عنه ردَّ الله عليهم مكرهم .فقالوا: أين صاحبك هذا ؟ فقال : لاأدري ) [729].

قال الله تعالى { وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا } [الإسراء:80] فأرشد الله نبيه وألهمه أن يدعو بهذا الدعاء و أن يجعل له مما هو فيه فرجًا قريبا ومخرجًا عاجلا فأذن له تعالى في الهجرة إلى المدينة النبوية حيث الأنصار والأحباب فصارت له دارًا وقرارا وأهلها له أنصارا

روى أحمد عن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأمر بالهجرة وأنزل عليه{ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا  } [الإسراء:80] ([730])

قال ابن كثير في التفسير: وقال الحسن البصري في تفسير هذه الآية: إن كفار أهل مكة لما ائتمروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه أو يطردوه أو يوثقوه، وأراد الله قتال أهل مكة، فأمره أن يخرج إلى المدينة، فهو الذي قال الله عز وجل: : { وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ }

وقال قتادة: { وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ } يعني: المدينة { وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } يعني: مكة.

وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وهذا القول هو أشهر الأقوال أهـ. ([731])

روى ابن اسحاق عن عبد الله بن عباس، قال: لما اجتمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا في اليوم الذي اتعدوا له وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس لعنه الله في صورة شيخ جليل عليه بتلة فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها قالوا من الشيخ قال شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأيا ونصحا قالوا أجل فادخل فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش عتبة وشيبة وأبو سفيان وطعيمة بن عدي وجبير بن مطعم بن عدي والحارث بن عامر بن نوفل والنضر بن الحارث وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الاسود وحكيم بن حزام وأبو جهل بن هشام ونبيه ومنبه ابنا الحجاج

وأمية بن خلف ومن كان منهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش فقال بعضهم لبعض إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم وإننا والله ما نأمنه على الوثوب علينا بمن قد اتبعه من غيرنا فاجمعوا فيه رأيا قال فتشاوروا ثم قال قائل منهم قيل إنه أبو البختري بن هشام احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا ثم تربصوا به ما أصاب اشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهيرا والنابغة ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم فقال الشيخ النجدي: لا والله ما هذا لكم برأي والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب هذا الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من أيديكم ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ما هذا لكم برأي فتشاوروا ثم قال قائل منهم نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا فاذا خرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع إذا غاب عنا وفرغنا منه فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت قال الشيخ النجدي لا والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به والله لو فعلتم ذلك ما أمنت أن يحل على حي من العرب فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه ثم يسير بهم اليكم حتى يطأكم بهم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد أديروا فيه رأيا غير هذا فقال أبو جهل بن هشام والله إن لي فيه رأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد قالوا وما هو يا أبا الحكم قال أرى ان نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا وفينا ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما ثم يعمدوا اليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه فانهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعها فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم قال يقول الشيخ النجدي القول ما قال الرجل هذا الرأي ولا رأي غيره فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له فأتى جبرائيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه قال فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب نم على فراشي وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه فانه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام )([732]) .

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ قَالَ: لَمّا اجْتَمَعُوا لَهُ وَفِيهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فَقَالَ -وَهُمْ عَلَى بَابِهِ-: إنّ مُحَمّدًا يَزْعُمُ أَنّكُمْ إنْ تَابَعْتُمُوهُ عَلَى أَمْرِهِ كُنْتُمْ مُلُوكَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ، ثُمّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ فَجُعِلَتْ لَكُمْ جِنَانٌ كَجِنَانِ الْأُرْدُنّ ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ لَهُ فِيكُمْ ذَبْحٌ ثُمّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ ثُمّ جُعِلَتْ لَكُمْ نَارٌ تُحْرَقُونَ فِيهَا . قَالَ وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ ثُمّ قَالَ:أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ أَنْتَ أَحَدُهُمْ . وَأَخَذَ اللّهُ تَعَالَى عَلَى أَبْصَارِهِمْ عَنْهُ فَلَا يَرَوْنَهُ فَجَعَلَ يَنْثُرُ ذَلِكَ التّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَهُوَ يَتْلُو هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ مِنْ يس : { يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرّحِيمِ } إلَى قَوْلِهِ { فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } [يس:1-9]حَتّى فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إلّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا ، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى حَيْثُ أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ فَأَتَاهُمْ آتٍ مِمّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فَقَالَ مَا تَنْتَظِرُونَ هَاهُنَا ؟ قَالُوا : مُحَمّدًا ؛ قَالَ خَيّبَكُمْ اللّهُ قَدْ وَاَللّهِ خَرَجَ عَلَيْكُمْ مُحَمّدٌ ثُمّ مَا تَرَكَ مِنْكُمْ رَجُلًا إلّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا ، وَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ أَفَمَا تَرَوْنَ مَا بِكُمْ ؟ قَالَ فَوَضَعَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَإِذَا عَلَيْهِ تُرَابٌ ثُمّ جَعَلُوا يَتَطَلّعُونَ فَيَرَوْنَ عَلِيّا عَلَى الْفِرَاشِ مُتَسَجّيًا بِبُرْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَقُولُونَ وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَمُحَمّدٌ نَائِمًا ، عَلَيْهِ بُرْدُهُ . فَلَمْ يَبْرَحُوا كَذَلِكَ حَتّى أَصْبَحُوا فَقَامَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ الْفِرَاشِ فَقَالُوا : وَاَللّهِ لَقَدْ كَانَ صَدَقَنَا الّذِي حَدّثَنَا" ([733])

 

..باب: هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى  المدينة ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه .

وقد كانت هجرته عليه الصلاة والسلام في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة عشرة من النبوة[734] - وهي السنة الأولى من الهجرة -  وذلك في يوم الاثنين،  كما رواه الامام أحمد عن ابن عباس قال : ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين ،  واستنبىء يوم الإثنين ، وتوفى يوم الإثنين ، وخرج مهاجرًا من مكة إلى المدينة يوم الإثنين ، وقدم المدينة يوم الإثنين ، ورفع الحجر الأسود يوم الإثنين"[735]

ويؤيد ذلك ماأخرجه الطبراني والحاكم عن عاصم بن عدي .ففي مستدرك الحاكم عن عاصم بن عدي قال : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة يوم الإثنين، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، فأقام بالمدينة عشر سنين" [736]

وروى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: ( بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ )[737].

و كانت هجرته صلى الله عليه و سلم بعد أن هاجر كل الصحابة ولم يبق  بمكة  من المسلمين إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر و علي رضي الله تعالى عنهما - أقاما بأمره لهما - و كذا المستضعفين الذين لم يستطيعوا الخروج  ومن اعتقله المشركون كرها .و قد أعد أبو بكر رضي الله عنه جهازه و جهاز رسول الله صلى الله عليه و سلم منتظرا حتى يأذن الله عز و جل لرسوله صلى الله عليه و سلم في الخروج فلما كانت الليلة التي همَّ المشركون فيها بقتل رسول الله صلى الله عليه و سلم و أرصدوا على الباب أقواما ، فلما خرج عليهم لم يره منهم أحد ، ثم خلص إلى بيت أبي بكر رضي الله عنه فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلاً ، و قد استأجرا عبد الله بن أريقط و كان هاديًا خريتًا ماهرًا بالدلالة إلى أرض المدينة ، و أمناه على ذلك مع أنه كان مشركًا على دين قومه، و سلما إليه راحلتيهما و واعداه غار ثور بعد ثلاث، فلما حصلا في الغار عمى الله على قريش خبرهما فلم يدروا أين ذهبا ، و كان عامر بن فهيرة يريح عليهما غنمًا لأبي بكر، وكانت أسماء بنت أبي بكر تحمل لهما الزاد إلى الغار، و كان عبد الله بن أبي بكر يتسمع ما يقال بمكة ثم يذهب إليهما بذلك فيحترزان منه([738])، و جاء المشركون في طلبهما إلى ثور وما هناك من الأماكن حتى إنهم مروا على باب الغار و حازت أقدامهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و صاحبه و عمى الله عليهم باب الغار ، وذلك تأويل قوله تعالى: { إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }[التوبة:(40)]  يقول تعالى مؤنبًا لمن تخلف عن الجهاد مع الرسول إلا تنصروه أنتم فان الله ناصره ومؤيده ومظفره كما نصره إذ أخرجه الذين كفروا من أهل مكة هاربا ليس معه غير صاحبه وصديقه أبي بكر ليس غيره ولهذا قال {ثاني اثنين اذ هما في الغار}

و لما كان بعد الثلاث أتى ابن أريقط بالراحلتين فركباهما و أردف أبو بكر عامر بن فهيرة و سار الدليل أمامهما على راحلته .

و جعلت قريش لمن جاء بواحد من محمد صلى الله عليه و سلم و أبي بكر رضي الله عنه مائة من الإبل فلما مروا بحي مدلج بصر بهم سراقة بن مالك بن جعشم سيد مدلج فركب جواده و سار في طلبهم فلما قرب منهم سمع قراءة النبي صلى الله عليه و سلم ، و أبو بكر رضي الله عنه يكثر الالتفات حذرا على رسول الله صلى الله عليه و سلم ،وهو صلى الله عليه و سلم لا يلتفت ،فلما أخبر به أبو بكر رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا عليه  فساخت يدا فرسه في الأرض فقال : إن الذي أصابني بدعائكما فادعوا الله لي و لكما علي أن أرد الناس عنكما فدعا له رسول الله صلى الله عليه و سلم فأطلق و سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يكتب له كتابا- عهد أمان- فكتب له ([739]) و رجع يقول للناس : قد كُفيتم ما ههنا .

و مر رسول الله صلى الله عليه و سلم في مسيره ذلك بخيمة أم معبد و رأت من آيات نبوته في الشاة و حلبها لبنًا كثيرًا في سنة مجدبة ما بهر العقول صلى الله عليه و سلم

و قد كان بلغ الأنصار مخرجه صلى الله عليه و سلم من مكة و قصده إياهم فكانوا كل يوم يخرجون إلى الحرة ينتظرونه فلما كان يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول – على قول الأكثرين- وافاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم حين اشتد الضحى و كان قد خرج الأنصار يومئذ فلما طال عليهم رجعوا إلى بيوتهم و كان أول من بَصَر به رجل من اليهود ـ و كان على سطح أطمه ـ فنادى بأعلى صوته : يا بني قيلة هذا جدكم-أي حظكم- الذي تنتظرون ! فخرج الأنصار في سلاحهم و حيوه بتحية النبوة.

و نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم بقباء على كلثوم بن الهدم و قيل : بل على سعد بن خيثمة و جاء المسلمون يسلمون على رسول الله صلى الله عليه و سلم و أكثرهم لم يره بعد و كان بعضهم أو أكثرهم يظنه أبا بكر لكثرة شيبه، فلما اشتد الحر قام أبو بكر بثوب يظلل على رسول الله صلى الله عليه و سلم فتحقق الناس حينئذ رسول الله عليه الصلاة و السلام.

فأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بقباء أيامًا و قيل : أربعة عشر يومًا و أسس مسجد قباء ثم ركب بأمر الله تعالى فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي - وكانت أول جمعة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين قدم واستقبل فيها بيت المقدس- و رغب إليه أهل تلك الدار أن ينزل عليهم ، فأرادوا أن يأخذوا بزمام الناقة لينزل عليهم فقال : [ دعوها فإنها مأمورة ] فلم تزل ناقته سائرة به لا تمر بدار من دور الأنصار إلا رغبوا إليه في النزول عليهم فيقول : [ دعوها فإنها مأمورة ] وأراد أن ينزل عند بني النجار ليكرمهم بذلك فهم أخواله –  فإن أم جده عبد المطلب منهم-  فلما جاءت الناقة موضع مسجده اليوم بركت، و لم ينزل عنها صلى الله عليه و سلم حتى نهضت و سارت قليلاً، ثم التفتت و رجعت فبركت في موضعها الأول، فنزل عنها صلى الله عليه و سلم ، و ذلك في دار بني النجار، فحمل أبو أيوب رضي الله عنه رحل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى منزله.

وهاهي  الأحاديث التي تفصل ذلك .

روى البخاري: عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ :

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ: «إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ» وَهُمَا الحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ إِلَى المَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ المَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ وَهُوَ الخَبَطُ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَنِّعًا، فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ - بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِالثَّمَنِ». قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الجِهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا، فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلاَمٌ شَابٌّ، ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا، يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا، حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاَثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِيَا خِرِّيتًا، وَالخِرِّيتُ المَاهِرُ بِالهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ العَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ.

 

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ المُدْلِجِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ يَا سُرَاقَةُ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ، أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلاَنًا وَفُلاَنًا، انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي المَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ، فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ البَيْتِ، فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ، حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي، حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلاَمَ فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا: أَضُرُّهُمْ أَمْ لاَ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَعَصَيْتُ الأَزْلاَمَ، تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ لاَ يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ، حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً، إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلاَمِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالأَمَانِ فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الحَبْسِ عَنْهُمْ، أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي وَلَمْ يَسْأَلاَنِي، إِلَّا أَنْ قَالَ: «أَخْفِ عَنَّا». فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، كَانُوا تِجَارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّأْمِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ، وَسَمِعَ المُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الحَرَّةِ، فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ، أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ، لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ، فَلَمْ يَمْلِكِ اليَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعَاشِرَ العَرَبِ، هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، فَثَارَ المُسْلِمُونَ إِلَى السِّلاَحِ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ الحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ اليَمِينِ، حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأَنْصَارِ - مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأُسِّسَ المَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ، لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: «هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ المَنْزِلُ». ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغُلاَمَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ، لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالاَ: لاَ، بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ :

هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَر  ْ*  هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ.

وَيَقُولُ :

اللَّهُمَّ إِنَّ الْأَجْرَ أَجْرُ الْآخِرَهْ  * فَارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ.

فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ"[740]

وروى البخاري عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: صَنَعْتُ سُفْرَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ حِينَ أَرَادَا الْمَدِينَةَ، فَقُلْتُ لِأَبِي : مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبِطُهُ إِلَّا نِطَاقِي، قَالَ: فَشُقِّيهِ فَفَعَلْتُ، فَسُمِّيتُ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَسْمَاءُ ذَاتَ النِّطَاقِ )[741]

وذكرابن اسحاق قصة هجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنحو ما سبق[742] . مع زيادات في بعضها ضعف.

وروى ابن اسحاق: عن أسماء قالت: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر معه احتمل أبو بكر ماله كله معه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم فانطلق بها معه . قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة -وقد ذهب بصره – فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه قالت :قلت : كلا يا أبة ، إنه قد ترك لنا خيرا كثيرًا .قالت: وأخذت أحجارًا فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها ، ثم وضعت عليها ثوبا ، ثم أخذت بيده فقلت :يا أبة ضع يدك على هذا المال ، قالت: فوضع يده عليه ، فقال: لا بأس إذ كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن وفي هذا بلاغ لكم. ولا ، والله ما ترك لنا شيئا، ولكن أردتُ أن أسكن الشيخ بذلك.[743]

 

وروى أحمد عن البراء بن عازب قال: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ سَرْجًا بِثَلاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى مَنْزِلِي، فَقَالَ: لَا، حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ حِينَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتَ مَعَهُ؟

قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَرَجْنَا فَأَدْلَجْنَا، فَأَحْثَثْنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا، حَتَّى أَظْهَرْنَا، وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَضَرَبْتُ بِبَصَرِي: هَلْ أَرَى ظِلًّا نَأْوِي إِلَيْهِ؟ فَإِذَا أَنَا بِصَخْرَةٍ، فَأَهْوَيْتُ إِلَيْهَا فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلِّهَا، فَسَوَّيْتُهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَرَشْتُ لَهُ فَرْوَةً، وَقُلْتُ: اضْطَجِعْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَاضْطَجَعَ، ثُمَّ خَرَجْتُ أَنْظُرُ: هَلْ أَرَى أَحَدًا مِنَ الطَّلَبِ؟ فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلامُ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ. فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَمَرْتُهُ فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْهَا، ثُمَّ أَمَرْتُهُ فَنَفَضَ ضَرْعَهَا مِنَ الْغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ فَنَفَضَ كَفَّيْهِ مِنَ الْغُبَارِ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً مِنَ اللَّبَنِ، فَصَبَبْتُ  عَلَى الْقَدَحِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللهِ. فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ أَنَى الرَّحِيلُ  .

قَالَ: فَارْتَحَلْنَا، وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا. فَقَالَ: " لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا " حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَّا فَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَدْرُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا. وَبَكَيْتُ، قَالَ: " لِمَ تَبْكِي؟ " قَالَ: قُلْتُ: أَمَا وَاللهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَيْكَ. قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " اللهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ ". فَسَاخَتْ قَوَائِمُ فَرَسِهِ إِلَى بَطْنِهَا فِي أَرْضٍ صَلْدٍ، وَوَثَبَ عَنْهَا، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يُنْجِّيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ، فَوَاللهِ لَأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ، وَهَذِهِ كِنَانَتِي فَخُذْ مِنْهَا سَهْمًا، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ بِإِبِلِي وَغَنَمِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا ". قَالَ: وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُطْلِقَ، فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ.

وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ، فَخَرَجُوا فِي الطَّرِيقِ، وَعَلَى الْأَجَاجِيرِ، فَاشْتَدَّ الْخَدَمُ وَالصِّبْيَانُ فِي الطَّرِيقِ يَقُولُونَ: اللهُ أَكْبَرُ، جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَاءَ مُحَمَّدٌ. قَالَ: وَتَنَازَعَ الْقَوْمُ أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنْزِلُ اللَّيْلَةَ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ، أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لِأُكْرِمَهُمْ بِذَلِكَ " فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا حَيْثُ أُمِرَ.

قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: أَوَّلُ مَنْ كَانَ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى أَخُو بَنِي فِهْرٍ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ رَاكِبًا، فَقُلْنَا مَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: هُوَ عَلَى أَثَرِي، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ.

قَالَ الْبَرَاءُ: وَلَمْ يَقْدَمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَرَأْتُ سُوَرًا مِنَ الْمُفَصَّلِ. [744]

 

وروى البخاري عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الْغَارِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا فَقَالَ: مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا  [745].

 

وروى البخاري:عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :

أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَنَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَابٌّ لاَ يُعْرَفُ، قَالَ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ، قَالَ: فَيَحْسِبُ الحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الخَيْرِ، فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا، فَالْتَفَتَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ» . فَصَرَعَهُ الفَرَسُ، ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مُرْنِي بِمَا شِئْتَ، قَالَ: «فَقِفْ مَكَانَكَ، لاَ تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا» . قَالَ: " فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ آخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَانِبَ الحَرَّةِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الأَنْصَارِ فَجَاءُوا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا، وَقَالُوا: ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ. فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَحَفُّوا دُونَهُمَا بِالسِّلاَحِ، فَقِيلَ فِي المَدِينَةِ: جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشْرَفُوا يَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ جَانِبَ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ، فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ، وَهُوَ فِي نَخْلٍ لِأَهْلِهِ، يَخْتَرِفُ لَهُمْ، فَعَجِلَ أَنْ يَضَعَ الَّذِي يَخْتَرِفُ لَهُمْ فِيهَا، فَجَاءَ وَهِيَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ» . فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَذِهِ دَارِي وَهَذَا بَابِي، قَالَ: «فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا» ، قَالَ: قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ. فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ اليَهُودِ، وَيْلَكُمْ، اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ، فَأَسْلِمُوا» ، قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ، قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهَا ثَلاَثَ مِرَارٍ، قَالَ: «فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ؟» قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا، قَالَ: «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟» ، قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ: «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟» قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ: «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟» ، قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ: «يَا ابْنَ سَلاَمٍ اخْرُجْ عَلَيْهِمْ» ، فَخَرَجَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ اليَهُودِ اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ، فَقَالُوا: كَذَبْتَ، فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .[746].

وروى الحاكم عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ هِشَامِ بْنِ حُبَيْشِ بْنِ خُوَيْلِدٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَدَلِيلُهُمَا اللَّيْثِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ مَرُّوا عَلَى خَيْمَتِيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً بَرْزَةً جَلْدَةً تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْخَيْمَةِ، ثُمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ، فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا لِيَشْتَرُوا مِنْهَا، فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِتِينَ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَاةٍ فِي كَسْرِ الْخَيْمَةِ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟» قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ، قَالَ: «هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟» قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «أَتَأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلُبَهَا؟» قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبًا فَاحْلُبْهَا، فَدَعَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا، وَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى، وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِهَا، فَتَفَاجَّتْ عَلَيْهِ وَدَرَّتْ، فَاجْتَرَّتْ فَدَعَا بِإِنَاءٍ يَرْبِضُ الرَّهْطُ فَحَلَبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى عَلَاهُ الْبَهَاءُ، ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رَوِيَتْ وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوَوْا وَشَرِبَ آخِرَهُمْ حَتَّى أَرَاضُوا، ثُمَّ حَلَبَ فِيهِ الثَّانِيَةَ عَلَى هَدَّةٍ حَتَّى مَلَأَ الْإِنَاءَ، ثُمَّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا، ثُمَّ بَايَعَهَا وَارْتَحَلُوا عَنْهَا، فَقَلَّ مَا لَبِثَتْ حَتَّى جَاءَهَا زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ لِيَسُوقَ أَعْنُزًا عِجَافًا يَتَسَاوَكْنَ هُزَالًا مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ أَعْجَبَهُ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا يَا أُمَّ مَعْبَدٍ وَالشَّاءُ عَازِبٌ حَائِلٌ، وَلَا حلوبَ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ، قَالَتْ: رَأَيْتُ رَجُلًا ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ، أَبْلَجَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الْخَلْقِ، لَمْ تَعِبْهُ ثَجْلَةٌ، وَلَمْ تُزْرِيهِ صَعْلَةٌ، وَسِيمٌ قَسِيمٌ، فِي عَيْنَيْهِ دَعِجٌ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ، وَفِي صَوْتِهِ صَهَلٌ، وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ، أَزَجُّ أَقْرَنُ، إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَاهُ وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْسَنُهُ وَأَجْمَلُهُ مِنْ قَرِيبٍ، حُلْوُ الْمَنْطِقِ فَصْلًا، لَا نَزْرٌ وَلَا هَذْرٌ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ، يَتَحَدَّرْنَ رَبْعَةٌ لَا تَشْنَأَهُ مِنْ طُولٍ، وَلَا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلَاثَةِ مَنْظَرًا وَأَحْسَنُهُمْ، قَدْرًا لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِنْ قَالَ: سَمِعُوا لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ، مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ لَا عَابِسٌ وَلَا مُفَنَّدٌ، قَالَ أَبُو مَعْبَدٍ: هَذَا وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي ذُكِرَ لَنَا مِنْ أَمْرِهِ مَا ذُكِرَ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ، وَلَأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا، وَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَكَّةَ عَالِيًا يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ، وَلَا يَدْرُونَ مَنْ صَاحِبُهُ وَهُوَ يَقُولُ:

جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ حَلَّا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ

هُمَا نَزَلَاهَا بِالْهُدَى وَاهْتَدَتْ بِهِ ... فَقَدْ فَازَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ

فَيَا لَقُصَيٍّ مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمُ ... بِهِ مِنْ فَعَالٍ لَا تُجَازَى وَسُؤْدُدِ

لِيَهْنِ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةُ جَدِّهِ ... بِصُحْبَتِهِ مَنْ يُسْعِدُ اللَّهُ يَسْعَدِ

لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَقَامُ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ

سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا ... فَإِنَّكُمُ إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ

دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ ... عَلَيْهِ صَرِيحًا ضَرَّةَ الشَّاةِ مَزْبَدِ

فَغَادَرَهُ رَهْنًا لَدَيْهَا لِحَالِبٍ ... يُرَدِّدُهَا فِي مَصْدَرٍ بَعْدَ مَوْرِدِ [747]

 

وذكر البيهقي قصة تشبه هذه القصة في الدلائل:عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، يحدث عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فانتهينا إلى حي من أحياء العرب ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت منتحيا فقصد إليه ، فلما نزلنا لم يكن فيه إلا امرأة ، فقالت : يا عبد الله إنما أنا امرأة ، وليس معي أحد ، فعليكما بعظيم الحي إذا أردتم القرى قال : فلم يجبها وذلك عند المساء ، فجاء ابن لها بأعنز له يسوقها ، فقالت له : يا بني انطلق بهذه العنز والشفرة إلى هذين الرجلين فقل لهما : تقول لكما أمي : اذبحا هذه وكلا وأطعمانا ، فلما جاء قال له النبي صلى الله عليه وسلم : « انطلق بالشفرة وجئني بالقدح » قال : إنها قد عزبت وليس لها لبن قال : انطلق ، فانطلق فجاء بقدح فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ضرعها ، ثم حلب حتى ملأ القدح ، ثم قال : انطلق به إلى أمك ، فشربت حتى رويت ، ثم جاء به فقال : « انطلق بهذه وجئني بأخرى » ، ففعل بها كذلك ، ثم سقى أبا بكر ، ثم جاء بأخرى ففعل بها كذلك ، ثم شرب النبي صلى الله عليه وسلم قال : فبتنا ليلتنا ، ثم انطلقنا فكانت تسميه المبارك وكثرت غنمها حتى جلبت جلبا إلى المدينة ، فمر أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فرآه ابنها فعرفه ، فقال : يا أمه ، إن هذا الرجل الذي كان مع المبارك ، فقامت إليه ، فقالت : يا عبد الله ، من الرجل الذي كان معك ؟ قال : وما تدرين من هو ؟ قالت : لا قال : هو النبي صلى الله عليه وسلم قالت : فأدخلني عليه قال : فأدخلها عليه ، فأطعمها وأعطاها - زاد ابن عبدان في روايته - قالت : فدلني عليه فانطلقت معي وأهدت له شيئا من أقط ومتاع الأعراب قال : فكساها وأعطاها قال : ولا أعلمه إلا قال : أسلمت . قلت(البيهقي) : وهذه القصة وإن كانت تنقص عما روينا في قصة أم معبد ويزيد في بعضها فهي قريبة منها ، ويشبه أن يكونا واحدة ، وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار من قصة أم معبد شيئًا يدل على أنها وهذه واحدة ، والله أعلم[748]

وروى ابن اسحاق عن عبدالرحمن بن عويم بن ساعدة قال: حدثني رجال قومي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: لما سمعنا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وتوكفنا قدومه كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال فإذا لم نجد ظلا دخلنا بيوتنا وذلك في أيام حارة حتى إذا كان في اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا البيوت فكان أول من رآه رجل من اليهود وقد رأى ما كنا نصنع وإنا كنا ننتظر قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرخ بأعلى صوته يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء

قال فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ظل نخلة ومعه أبو بكر في مثل سنه وأكثرنا من لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك قال وركبه الناس وما نعرفه من أبي بكر حتى زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر فأظله بردائه فعرفناه عند ذلك فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون على كلثوم بن هدم أخي بني عمرو بن عوف ثم أخذ بني عبيد ويقال بل نزل على سعد بن خيثمة

ويقول من يذكر أنه نزل على كلثوم بن هدم إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من منزل كلثوم بن هدم جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة وذلك أنه كان عزبا لا أهل له وكان منازل العزاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين عنده فمن هنالك يقال نزل على سعد بن خيثمة وكان يقال لبيت سعد بن خيثمة بيت العزاب فالله أعلم أي ذلك كان كلاً قد سمعنا.

ونزل أبو بكر بن أبي قحافة على خبيب بن أساف أخي بني الحارث بن الخزرج بالسنح ويقول قائل كان منزله على خارجة بن زيد بن أبي زهير أخي بني الحارث بن الخزرج

وأقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده إلى الناس حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل معه على كلثوم بن هدم فكان علي يقول وإنما كانت إقامته بقباء على امرأة لا زوج لها مسلمة ليلة أو ليلتين وكان يقول كنت نزلت بقباء على امرأة لا زوج لها مسلمة، فرأيت إنسانًا يأتيها في جوف الليل فيضرب عليها بابها ، فتخرج إليه فيعطيها شيئًا معه، قال: فاستربت لشأنه . فقلت لها: يا أمة الله من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه فيعطيك شيئا ما أدري ما هو وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك؟ قالت: هذا سهل بن حنيف بن واهب قد عرف أني امرأة لا أحد لي فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ثم جاءني بها.

وقال: احتطبي بهذا فكان علي بن أبي طالب يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف حين هلك عنده بالعراق[749].

وَأقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ أَبِي أَيّوبَ حَتّى بُنِيَ لَهُ مَسْجِدُهُ وَمَسَاكِنُهُ، ثُمّ انْتَقَلَ إلَى مَسَاكِنِهِ مِنْ بَيْتِ أَبِي أَيّوبَ رَضي الله عنه.

روى مسلم عن أبي أيوب رضي الله عنه :

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ عَلَيْهِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّفْلِ، وَأَبُو أَيُّوبَ فِي الْعِلْوِ، قَالَ: فَانْتَبَهَ أَبُو أَيُّوبَ لَيْلَةً، فَقَالَ: نَمْشِي فَوْقَ رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَنَحَّوْا فَبَاتُوا فِي جَانِبٍ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السُّفْلُ أَرْفَقُ» ، فَقَالَ: لَا أَعْلُو سَقِيفَةً أَنْتَ تَحْتَهَا، فَتَحَوَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعُلُوِّ، وَأَبُو أَيُّوبَ فِي السُّفْلِ، فَكَانَ يَصْنَعُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فَإِذَا جِيءَ بِهِ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِهِ فَيَتَتَبَّعُ مَوْضِعَ أَصَابِعِهِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فِيهِ ثُومٌ، فَلَمَّا رُدَّ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: لَمْ يَأْكُلْ، فَفَزِعَ وَصَعِدَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا وَلَكِنِّي أَكْرَهُهُ» ، قَالَ: فَإِنِّي أَكْرَهُ مَا تَكْرَهُ - أَوْ مَا كَرِهْتَ -، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى ) [750].

وقد ذكره ابن إسحاق - وفيه زيادة - عن أَبُي أَيّوبَ قَالَ : لَمّا نَزَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِي ، نَزَلَ فِي السّفْلِ ، وَأَنَا وَأُمّ أَيّوبَ فِي الْعُلْوِ ، فَقُلْت لَهُ :يَا نَبِيّ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، إنّي لَأَكْرَهُ وَأُعْظِمُ أَنْ أَكُونَ فَوْقَك ، وَتَكُونَ تَحْتِي ، فَاظْهَرْ أَنْتَ فَكُنْ فِي الْعُلْوِ وَنَنْزِلَ نَحْنُ فَنَكُونَ فِي السّفْلِ. فَقَالَ: يَا أَبَا أَيّوبَ إنّ أَرْفَقَ بِنَا وَبِمَنْ يَغْشَانَا ، أَنْ نَكُونَ فِي سُفْلِ الْبَيْتِ. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سُفْلِهِ وَكُنّا فَوْقَهُ فِي الْمَسْكَنِ بِقَطِيفَةٍ لَنَا ، مَا لَنَا لِحَافٌ غَيْرَهَا ، نُنَشّفُ بِهَا الْمَاءَ تَخَوّفًا أَنْ يَقْطُرَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُ شَيْءٌ فَيُؤْذِيَهُ . قَالَ: وَكُنّا نَصْنَعُ لَهُ الْعَشَاءَ ثُمّ نَبْعَثُ بِهِ إلَيْهِ فَإِذَا رَدّ عَلَيْنَا فَضْلَهُ تَيَمّمْت أَنَا وَأُمّ أَيّوبَ مَوْضِعَ يَدِهِ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نَبْتَغِي بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ ، حَتّى بَعَثْنَا إلَيْهِ لَيْلَةً بِعَشَائِهِ وَقَدْ جَعَلْنَا لَهُ بَصَلًا أَوْ ثُومًا ، فَرَدّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ أَرَ لِيَدِهِ فِيهِ أَثَرًا . قَالَ فَجِئْتُهُ فَزِعًا ، فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، رَدَدْتَ عَشَاءَك ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ مَوْضِعَ يَدِك ، وَكُنْتَ إذَا رَدَدْته عَلَيْنَا ، تَيَمّمْت أَنَا وَأُمّ أَيّوبَ مَوْضِعَ يَدِك ، نَبْتَغِي بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ ؛ قَالَ: إنّي وَجَدْت فِيهِ رِيحَ هَذِهِ الشّجَرَةِ ، وَأَنَا رَجُلٌ أُنَاجِي ، فَأَمّا أَنْتُمْ فَكُلُوهُ . قَالَ: فَأَكَلْنَاهُ، وَلَمْ نَصْنَعْ لَهُ تِلْكَ الشّجَرَةَ بَعْدُ [751].

وبعد أن استقر صلى الله عليه وسلم بالمدينة أرسل إلى أهل بيته ليلحقوا به .

روى الحاكم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما قدم المدينة خرجت ابنته زينب من مكة مع كنانة أو ابن كنانة فخرجوا في أثرها أدركها هبار بن الأسود فلم يزل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها و ألقت ما في بطنها و اهريقت دما فاشتجر فيها بنو هاشم و بنو أمية فقالت بنو أمية : نحن أحق بها و كانت تحت ابن عمهم أبي العاص فكانت عند هند بنت عتبة بن ربيعة فكانت تقول لها هند : هذا بسبب أبيك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لزيد بن حارثة : ( ألا تنطلق تجيئني بزينب) قال : بلى يا رسول الله قال : ( فخذ خاتمي) فأعطاه إياه فانطلق زيد و برك بعيره فلم يزل يتلطف حتى لقي راعيا فقال : لمن ترعى ؟ فقال : لأبي العاص فقال : فلمن هذه الأغنام ؟ قال : لزينب بنت محمد فسار معه شيئا ثم قال له : هل لك أن أعطيك شيئا تعطيه إياها و لا تذكره لأحد ؟ قال : نعم فأعطاه الخاتم فانطلق الراعي فأدخل غنمه و أعطاها الخاتم فعرفته فقالت : من أعطاك هذا ؟ قال : رجل قالت : فأين تركته ؟ قال : بمكان كذا و كذا قال : فسكتت حتى إذا كان الليل خرجت إليه فلما جاءته قال لها : اركبي بين يدي على بعيره قالت : لا و لكن اركب أنت بين يدي فركب و ركبت وراءه حتى أتت فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( هي أفضل بناتي أصيبت فيَّ([752] ). فبلغ ذلك علي بن الحسين فانطلق إلى عروة فقال : ما حديثٌ بلغني عنك تحدثه تنتقض فيه حق فاطمة فقال : و الله ما أحب أن لي ما بين المشرق و المغرب و أني انتقض فاطمة حقا هو لها و أما بعد فلك أن لا أحدث به أبدا، قال عروة : و إنما كان هذا قبل نزول آية { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله }[753]

قال ابن كثير:قال الواقدي وابن جرير وغيرهما : ولما رجع عبد الله بن أريقط الدئلي إلى مكة بعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر زيد بن حارثة وأبا رافع موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتوا بأهاليهم من مكة ، وبعثا معهم بحملين وخمسمائة درهم ليشتروا بها إبلا من قديد ، فذهبوا فجاؤا ببنتي النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وأم كلثوم، وزوجتيه سودة وعائشة وأمها أم رومان ، وأهل النبي صلى الله عليه وسلم، وآل أبي بكر صحبة عبد الله بن أبي بكر، وقد شرد بعائشة وأمها أم رومان الجمل في أثناء الطريق فجعلت أم رومان تقول: واعروساه وابنتاه، قالت عائشة: فسمعت قائلا يقول: أرسلي خطامه،  فأرسلت خطامه، فوقف بإذن الله وسلمنا الله عز وجل. فتقدموا فنزلوا بالسنح، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة في شوال بعد ثمانية أشهر، كما سيأتي، وقدمت معهم أسماء بنت أبي بكر امرأة الزبير بن العوام وهي حامل متم بعبد الله بن الزبير .أهـ[754]

قلت: قد ولدت أسماء ابنها عبد الله بن الزبير في قباء وحنكه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له،وهو أول مولود للمهاجرين في المدينة بعد الهجرة .

ففي صحيح البخاري عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ .

وفي رواية: عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا هَاجَرَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حُبْلَى".[755]

وفي هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير من الدروس والعبر التي لا غنى عنها لأصحاب الدعوات[756].

ومما ورد من الروايات الضعيفة . قصة ضرب أبي جهل لأسماء وكذا قصة تغني الجن فقد ذكرها ابن إسحاق بلا سند فقال:

فَحُدّثْت عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنّهَا قَالَتْ لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَتَانَا نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فِيهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ ، فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ أَبِي بَكْرٍ فَخَرَجْتُ إلَيْهِمْ فَقَالُوا : أَيْنَ أَبُوك يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ ؟ قَالَتْ قُلْت : لَا أَدْرِي وَاَللّهِ أَيْنَ أَبِي ؟ قَالَتْ فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا ، فَلَطَمَ خَدّي لَطْمَةً طُرِحَ مِنْهَا قُرْطِي .

قَالَتْ ثُمّ انْصَرَفُوا . فَمَكَثْنَا ثَلَاثَ لَيَالٍ . وَمَا نَدْرِي أَيْنَ وَجْهُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ الْجِنّ مِنْ أَسْفَلِ مَكّةَ ، يَتَغَنّى بِأَبْيَاتٍ مِنْ شَعَرِ غِنَاءِ الْعَرَبِ ، وَإِنّ النّاسَ لَيَتْبَعُونَهُ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَمَا يَرَوْنَهُ حَتّى خَرَجَ مِنْ أَعَلَى مَكّةَ وَهُوَ يَقُولُ

جَزَى اللّهُ رَبّ النّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ حَلّا خَيْمَتَيْ أُمّ مَعْبَدِ

هُمَا نَزَلَا بِالْبَرّ ثُمّ تَرَوّحَا ... فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمّدٍ

لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَانُ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنَيْنِ بِمَرْصَدِ[757]

 

وقد حكى ابن جرير عن بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق الصديق في الذهاب الى غار ثور وأمر عليًا أن يدله على مسيره ليلحقه فلحقه في أثناء الطريق. وهذا غريب جدًا وخلاف المشهور من الأحاديث الصحيحة من أنهما خرجا معا.

 

وقال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم أن الحسن بن أبي الحسن البصري قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا فدخل أبو بكر قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه. وهذا الخبر فيه انقطاع من طرفيه ..

ومارواه البيهقي عن عمر وفيه.. أن أبا بكر جعل يمشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تارة وخلفه أخرى وعن يمينه وعن شماله وفيه أنه لما حفيت رجلا رسول الله صلى الله عليه وسلم حمله الصديق على كاهله وأنه لما دخل الغار سدد تلك الأجحرة كلها وبقي منها جحر واحد فألقمه كعبه فجعلت الأفاعي تنهشه ودموعه تسيل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحزن إن الله معنا[758]...قال ابن كثير:في هذا السياق غرابة ونكارة.

و كذلك ذكر الحمامة والشجرة والعنكبوت على  الغار فلا يثبت من ذلك شيء.

 

وروى الإمام أحمد عن ابن عباس في قوله تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك} قال تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم بل اقتلوه وقال بعضهم بل أخرجوه فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فبات عليٌّ على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم فلما أصبحوا ثاروا عليه فلما رأوا عليا رد الله عليهم مكرهم فقالوا أين صاحبك هذا؟ فقال: لاأدري فاقتفوا أثره فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخل هاهنا أحد لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال[759] .

وقد سبق ذكر تضعيف هذا الحديث-على الراجح-.ويؤيد ذلك أنه لو رأى أبو بكر نسيج العنكبوت لما قال:لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا

وقد نسج بعضهم في ذلك شعرًا .

فغمى عليه العنكبوت بنسجه ... وظل على الباب الحمام يبيض

وقال غيره:

نسج داود ما حمى صاحب الغا ... ر وكان الفخار للعنكبوت

والحديث بذلك رواه الحافظ ابن عساكر من طريق يحيى بن محمد بن صاعد حدثنا عمرو بن علي ثنا عون بن عمرو ابو عمرو القيسي - ويلقب عوين - حدثني أبو مصعب المكي قال: أدركت زيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة وأنس بن مالك يذكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر الله شجرة فخرجت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم تستره وأن الله بعث العنكبوت فنسجت ما بينهما فسترت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأمر الله حمامتين وحشيتين فأقبلتا يدفان حتى وقعتا بين العنكبوت وبين الشجرة وأقبلت فتيان قريش من كل بطنٍ منهم رجلٌ ، معهم عصيهم وقسيهم وهراواتهم حتى اذا كانوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر مائتي ذراع قال الدليل -وهو سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي- هذا الحجر ثم لا أدري أين وضع رجله [760]...الحديث.وكل هذا لا يصح.

وذكر بعض أهل السير أن أبا بكر لما قال ذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم: لو جاؤنا من ههنا لذهبنا من هنا فنظر الصديق إلى الغار قد انفرج من الجانب الآخر وإذا البحر قد اتصل به وسفينة مشدودة إلى جانبه . ولم يثبت ذلك. قال ابن كثير:وهذا ليس بمنكر من حيث القدرة العظيمة ولكن لم يرد ذلك بإسناد قوي ولا ضعيف ولسنا نثبت شيئًا من تلقاء أنفسنا ولكن ما صح أو حسن سنده قلنا به والله أعلم

وقال البيهقي : أخبرنا أبو عمروالأديب أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي سمعت أبا خليفة يقول سمعت ابن عائشة يقول: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جعل النساء والصبيان يقلن :

طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع [761]

وهذا إسناده معضل..

وروى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( اللهم إنك أخرجتني من أحب البلاد إلي فأسكني أحب البلاد إليك فأسكنه الله المدينة )([762])

وقال ابن كثير:هذا حديث غريب جدًا والمشهور عن الجمهور أن مكة أفضل من المدينة إلا المكان الذى ضم جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ[763]

قلت: وهذا  خبر باطل و مخالف لما ثبت من أن أحب البلاد إلى الله ورسوله هي مكة .وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بذلك عن عبد الله بن عدي وأبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم.

منها ما رواه أحمد عن عبد الله بن عدى بن الحمراء الزهري أخبره : انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بالحزورة في سوق مكة يقول:  ( والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله عز وجل ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت)[764]

وما رواه الطبراني في الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما : قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قد علمت أن أحب البلاد إلى الله عز وجل مكة ولولا أن قومي أخرجوني ماخرجت اللهم اجعل في قلوبنا من حب المدينة مثل ماجعلت في قلوبنا من حب مكة ، وما أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدنية قط إلا عرف في وجهه البشر والفرح )([765])

وما رواه النسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سوق الجزورة بمكة : ( والله إنك لخير أرض الله وأحب البلاد إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت ) ([766])

 

باب: وعد الله تعالى  للمهاجرين والثناء عليهم ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم ، والوعيد لمن تخلف عن الهجرة.

 

ذكر الله تعالى في القرآن آياتٍ كثيرة تبشر المهاجرين بالمغفرة و الرحمة و الرضوان والدرجات العالية في الجنة والخلود فيها والنعيم المقيم .

قال تعالى: { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ
مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إلى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا
رَّحِيمًا }[النساء: 100].

وقال تعالى: { فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ   
عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ
الثَّوَابِ }[آل عمران: 195].

 

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ` الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [النحل: 41،42]

وقال تعالى : {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } [الحشر: 8]

 

وقال تعالى { الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } [التوبة: 20].

 

وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }[البقرة: 218].

وقال تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آَوَوا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [الأنفال: 74].

 

وقال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ  `  يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ ` خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [التوبة: 20-22].

وقال تعالى:{ وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].

هذا بعض ما وعد الله به المهاجرين من الجزاء والثواب بسبب جهادهم المرير.

وروى البخاري عن عامر بن سعد أن أباه (سعد بن أبي وقاص) قال: (...قال صلى الله عليه وسلم : (اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِى هِجْرَتَهُمْ ، وَلاَ تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ يَرْثِى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُوُفِّىَ بِمَكَّةَ ) ([767]) .

إن المهاجرين بإيمانهم الراسخ ويقينهم الخالص لم يمكنوا الجاهلية في مكة من وأد الدعوة، وهي في مستهل حياتها، لقد استمسكوا بما أوحى إلى نبيهم ولم تزدهم حماقة قريش إلا اعتصامًا بما اهتدوا إليه وأمنوا به، فلما أسرفت الجاهلية في ذلك صاروا أهلا لما أسبغه الله عليهم من فضل في الدنيا، وما أعده لهم يوم القيامة من ثواب عظيم.

* وأيضًا جاءت آيات الوعيد للمتخلفين عن الهجرة :

فقد توعد الله عز وجل المتخلفين عن الهجرة بالعقاب وسوء المصير، قال تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [النساء: 97].

لقد وصف الله -سبحانه- المتخلفين عن الهجرة بأنهم ظالمو أنفسهم، والمراد بالظلم في هذه الآية، أن الذين أسلموا في دار الكفر وبقوا هناك، ولم يهاجروا إلى المدينة، ظلموا أنفسهم بتركهم الهجرة وهؤلاء قد استغلهم المشركون فأخرجوهم معهم يوم بدر فقُتل بعضهم.

 

روى البخاري عن ابن عباس : أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِى السَّهْمُ فَيُرْمَى بِهِ ، فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يُضْرَبُ فَيُقْتَلُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِى أَنْفُسِهِمْ.. الآيَةَ }

[النساء:97] .[768]

وروى الضياء وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه قال:

كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَدْ أَسْلَمُوا، وَكَانُوا يَسْتَخِفُّونَ بِإِسْلامِهِمْ، فَأَخْرَجَهُمُ الْمُشْرِكُونَ مَعَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: فَأُصِيبَ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: قَدْ كَانَ أَصْحَابُنَا هَؤُلاءِ مُسْلِمِينَ، وَأُكْرِهُوا فَاسْتَغْفِرُوا لَهُمْ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةُ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ..} [النِّسَاء: 97] إِلَى آخِرِهَا، فَكُتِبَ إِلَى مَنْ بَقِيَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ بِهَذِهِ الآيَةِ، فَإِنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُمْ، فَخَرَجُوا، فَلَحِقَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَأَعْطَوْهُمُ الْفِتْنَةَ، وَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت: 10] .

وَكُتِبَ إِلَيْهِمْ، فَحَزِنُوا وَأَيِسُوا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، ثُمَّ نَزَلَتْ فِيهِمْ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} [النَّحْل: 110] إِلَى آخِرِهَا،

فَكَتَبُوا إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ مَخْرَجًا فَاخْرُجُوا، فَأَدْرَكَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى نَجَا مَنْ نَجَا، وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ يُقَالُ لَهُ: ضَمْرَةُ، وَكَانَ مَرِيضًا، فَقَالَ لأَهْلِهِ: اخْرُجُوا بِي مِنْ مَكَّةَ، فَإِنِّي أَجِدُ الْحَرَّ، فَقَالُوا: إِلَى أَيْنَ نُخْرِجُكَ؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، فَخَرَجُوا بِهِ فَمَاتَ عَلَى مِيلَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} [النِّسَاء: 100]  ([769]).

وقد نفى الله تعالى الولاية عمن لم يهاجر فقال تعالى:{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[الأنفال: 72]

 

وبالتالي لما وجد الصحابة الذين تخلفوا عن الهجرة هذا الوعيد الشديد التزموا بأمر الله، وهاجروا وانضموا إلى المجتمع الإسلامي في المدينة تنفيذاً لأمر الله وخوفاً من عقابه،

وبعد أن ذكر الله عز وجل وعيده للمتخلفين عن الهجرة بسوء مصيرهم، استثنى في ذلك من لا حيلة لهم في البقاء في دار الكفر، والتعرض للفتنة في الدين، والحرمان من الحياة في دار الإسلام من الشيوخ والضعاف والنساء والأطفال، فيعلقهم بالرجاء في عفو الله ومغفرته، ورحمته بسبب عذرهم البين وعجزهم عن الفرار([770]) قال تعالى: ( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ` فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا ) [النساء: 98-99].

وروى البخاري عن ابن أبي مليكة : أن ابن عباس تلا : { إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ } . قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّى مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ)[771]

وقد جاء في بعض الروايات الضعيفة أن ضمرة بن جندب لما بلغه قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) وهو بمكة قال لبنيه: احملوني فإني لست من المستضعفين ، وإني لأهتدي الطريق، وإني لا أبيت الليلة بمكة، فحملوه على سرير متوجهاً إلى المدينة وكان شيخاً كبيراً، فمات بالتنعيم، ولما أدركه الموت أخذ يصفق بيمينه على شماله، ويقول: اللهم هذه لك وهذه لرسولك صلى الله عليه وسلم، أبايعك على ما بايع عليه رسولك، ولما بلغ خبر موته الصحابة رضي الله عنهم قالوا: ليته مات بالمدينة فنزل قوله تعالى: ( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ` فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا ) [النساء: 98-99] ([772]).

 

باب: الثناء على الأنصار

فرح الأنصار بمقدم رسول الله إليهم أعظم الفرح ووفوا بما عاهدوه عليه حتى أتم الله النعمة وأكمل الدين لذا كان لهم من الله ورسوله الثناء الحسن. ويكفيهم شرفًا أن سماهم الله ورسوله بهذا الاسم حين بايعوا على الإسلام، وقاموا بإيواء المؤمنين ونصرة دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا معروفين بذلك من قبل. ففي صحيح البخاري عن غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: قُلْتُ: لِأَنَسٍ ، أَرَأَيْتَ اسْمَ الْأَنْصَارِ كُنْتُمْ تُسَمَّوْنَ بِهِ، أَمْ سَمَّاكُمْ اللَّهُ ؟ قَالَ: بَلْ سَمَّانَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ [773].

وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة: 100].

ولنذكر بعض الأحاديث في مناقبهم وسأكتفي بما ذكره البخاري في صحيحه في باب: مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ{ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا }

ففي صحيح البخاري:عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ أَنَّ الْأَنْصَارَ سَلَكُوا وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ فِي وَادِي الْأَنْصَارِ وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا ظَلَمَ بِأَبِي وَأُمِّي آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ أَوْ كَلِمَةً أُخْرَى" [774]

و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "قَالَتْ الْأَنْصَارُ اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ النَّخْلَ قَالَ: لَا ، قَالَ: يَكْفُونَنَا الْمَئُونَةَ وَيُشْرِكُونَنَا فِي التَّمْرِ، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا " [775]

وعن الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" الْأَنْصَارُ لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ "[776]

و عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ "[777]

 

وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَكَلَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ مَرَّتَيْنِ "[778]

و عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ "فَقَالَ سَعْدٌ : مَا أَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا فَقِيلَ: قَدْ فَضَّلَكُمْ عَلَى كَثِيرٍ.[779]

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ فَأَصْلِحْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةَ" وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَقَالَ: فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ [780]

وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ مَا مَعَنَا إِلَّا الْمَاءُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا ؟" فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَار:ِ أَنَا فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي فَقَالَ هَيِّئِي طَعَامَكِ وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:" ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ أَوْ عَجِبَ مِنْ فَعَالِكُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ }[الحشر:9] [781]

و عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ مَرَّ أَبُو بَكْرٍ وَالْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ وَهُمْ يَبْكُونَ فَقَالَ مَا يُبْكِيكُمْ قَالُوا ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَّا فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَالَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ عَصَبَ عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ. قَالَ: فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَلَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أُوصِيكُمْ بِالْأَنْصَارِ فَإِنَّهُمْ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَقَدْ قَضَوْا الَّذِي عَلَيْهِمْ وَبَقِيَ الَّذِي لَهُمْ فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ . [782]

وعن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يقال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُتَعَطِّفًا بِهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَتَقِلُّ الْأَنْصَارُ حَتَّى يَكُونُوا كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ أَمْرًا يَضُرُّ فِيهِ أَحَدًا أَوْ يَنْفَعُهُ فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ . [783]

قلت: ويأتي عند تقسيم غنائم غزوة حنين كيف أثنى رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عليهم ودعا لهم .

قال ابن إسحاق:وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ أَيْضًا[784] ، يَذْكُرُ مَا أَكْرَمَهُمْ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَمَا خَصّهُمْ اللّهُ بِهِ مِنْ نُزُولِ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِمْ

ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ ... حِجّةً يُذَكّرُ لَوْ يَلْقَى صَدِيقًا مُوَاتِيَا

وَيَعْرِضُ فِي أَهْلِ الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ ... فَلَمْ يَرَ مَنْ يُئوِي وَلَمْ يَرَ دَاعِيَا

فَلَمّا أَتَانَا أَظْهَرَ اللّهُ دِينَهُ ... فَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بطِيبةَ رَاضِيَا

وَأَلْفَى صِدّيقًا وَاطْمَأَنّتْ بِهِ النّوَى ... وَكَانَ لَهُ عَوْنًا مِنْ اللّهِ بَادِيَا

يَقُصّ لَنَا مَا قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ ... وَمَا قَالَ مُوسَى إذْ أَجَابَ الْمُنَادِيَا

فَأَصْبَحَ لَا يَخْشَى مِنْ النّاسِ وَاحِدًا ... قَرِيبًا وَلَا يَخْشَى مِنْ النّاسِ نَائِيَا

بَذَلْنَا لَهُ الْأَمْوَالَ مِنْ حِلّ مَالِنَا ... وَأَنْفُسَنَا عِنْدَ الْوَغَى والتّآسِيا

وَنَعْلَمُ أَنّ اللّهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... وَنَعْلَمُ أَنّ اللّهَ أَفْضَلُ هَادِيَا

نُعَادِي الّذِي عَادَى مِنْ النّاسِ كلّهُم ... جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ الْحَبِيبَ الْمُصَافِيَا

أَقُولُ إذَا أَدْعُوك فِي كُلّ بَيْعَةٍ ... تَبَارَكْتَ قَدْ أَكْثَرْتُ لِاسْمِك دَاعِيَا

أَقُولُ إذَا جَاوَزْتُ أَرْضًا مَخُوفَةً ... حَنانَيْكَ لَا تُظْهِرْ عَلَيّ الْأَعَادِيَا

فَطَأْ مُعْرِضًا إنّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ ... وَإِنّك لَا تُبْقِي لِنَفْسِك بَاقِيَا

فَوَاَللّهِ مَا يَدْرِي الْفَتَى كَيْفَ يَتّقِي ... إذَا هُوَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اللّهُ وَاقِيَا

وَلَا تَحْفِلُ النّخْلُ الْمُعِيمَةُ رَبّهَا ... إذَا أَصْبَحَتْ رِيّا وَأَصْبَحَ ثَاوِيَا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْبَيْتُ الّذِي أَوّلُهُ فَطَأْ مُعْرِضًا إنّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ

وَالْبَيْتُ الّذِي يَلِيهِ فَوَاَللّهِ مَا يَدْرِي الْفَتَى كَيْفَ يَتّقِي

لِأَفْنُونَ التّغْلِبِيّ وَهُوَ صُرَيْمُ بْنُ مَعْشَرٍ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ

باب :إسلام عبد الله بن سلام

روى أَحْمَدُ والترمذي وابن ماجة: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْجَفَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَكُنْتُ فِيمَنِ انْجَفَلَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ "[785]

وجاء في حديث الهجرة  عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عبد الله بن سلام اجْتَمَعَ بِالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أناخ راحلته عند دار أبي أيوب عند ارْتِحَالِهِ مَنْ قُبَاءَ إِلَى دَارِ بَنِي النَّجَّارِ .رواه أحمد والبخاري مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ،وفيه".. فَقِيلَ بِالْمَدِينَةِ: جَاءَ نَبِيُّ اللهِ، فَاسْتَشْرَفُوا نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِيُّ اللهِ، فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ  إِلَى جَانِبِ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ ،إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ، وَهُوَ فِي نَخْلٍ لِأَهْلِهِ يَخْتَرِفُ لَهُمْ مِنْهُ، فَعَجِلَ أَنْ يَضَعَ  الَّذِي يَخْتَرِفُ فِيهَا، فَجَاءَ وَهِيَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟ " قَالَ: فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللهِ، هَذِهِ دَارِي، وَهَذَا بَابِي، قَالَ: " فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا "، قَالَ: فَذَهَبَ فَهَيَّأَ لَهُمَا مَقِيلًا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، قَدْ هَيَّأْتُ لَكُمَا مَقِيلًا، فَقُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ فَقِيلَا، فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْيَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ وَيْلَكُمْ، اتَّقُوا اللهَ فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ أَسْلِمُوا " قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ، ثَلَاثًا

وَعند الْبُخَارِيِّ بلفظ:"... فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ. فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ اليَهُودِ، وَيْلَكُمْ، اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ، فَأَسْلِمُوا»، قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ، قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهَا ثَلاَثَ مِرَارٍ، قَالَ: «فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ؟» قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا، قَالَ: «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟»، قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ: «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟» قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ: «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟»، قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ: «يَا ابْنَ سَلاَمٍ اخْرُجْ عَلَيْهِمْ»، فَخَرَجَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ اليَهُودِ اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ، فَقَالُوا: كَذَبْتَ، فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"[786]

وروى البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ فَأَتَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ قَالَ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ؟ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ؟ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ» قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلاَئِكَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الوَلَدِ: فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ المَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لَهَا " قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اليَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، إِنْ عَلِمُوا بِإِسْلاَمِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ بَهَتُونِي عِنْدَكَ، فَجَاءَتِ اليَهُودُ وَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ البَيْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ» قَالُوا أَعْلَمُنَا، وَابْنُ أَعْلَمِنَا، وَأَخْيَرُنَا، وَابْنُ أَخْيَرِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ» قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالُوا: شَرُّنَا، وَابْنُ شَرِّنَا، وَوَقَعُوا فِيهِ"[787].

باب: بناء المسجد النبوي

أسس النبي صلى الله عليه وسلم أولاً مسجد قباء عندما أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بها أيامًا، لأن المسجد هو الدعامة الأولى التي يبنى عليها المجتمع المسلم.ويذكر كثير من علماء التابعين أن هذا المسجد هو الذي نزل فيه قول الله تعالى:{ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }[التوبة:108]

ويؤيده ما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :نزلت هذه الآية في أهل قباء: { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا } قال : كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية. [788].

وقد ذكر النبي صلى الله عليه و سلم في فضله ما أخرجه  الترمذي وابن ماجة وغيرهما بسند صحيح. عن أبي  الأَبْرَدِ، مَوْلَى بَنِي خَطْمَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ الأَنْصَارِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ كَعُمْرَةٍ»)) [789]

 

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور مسجد قباء راكبًا وماشيًا ويصلي فيه كما ورد في الصحيحين .

ففي البخاري: عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ، مَاشِيًا وَرَاكِبًا» وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «يَفْعَلُهُ» [790]   وفي رواية نافع عن ابن عمر : « يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ» [791] .

فلما دخل النبي صلى الله عليه و سلم المدينة  واستقر بها شرع  في بناء المسجد النبوي كدعامة أولى في بناء دولة الإسلام بالمدينة .

وقد تقدم ما أخرجه البخاري عن عروة وفيه: (..فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأُسِّسَ المَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى[792] ، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ، لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: «هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ المَنْزِلُ». ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغُلاَمَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ، لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالاَ: لاَ، بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ...) [793]

وروى البخاري عن أنس قال :

قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة. فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ ، فِى حَىٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ . فَأَقَامَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ،

ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِى النَّجَّارِ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِى السُّيُوفِ ، كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ ، وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ ، وَمَلأُ بَنِى النَّجَّارِ حَوْلَهُ ، حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِى أَيُّوبَ ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّىَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ ، وَيُصَلِّى فِى مَرَابِضِ الْغَنَمِ ، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِى النَّجَّارِ فَقَالَ « يَا بَنِى النَّجَّارِ ثَامِنُونِى بِحَائِطِكُمْ هَذَا » . قَالُوا لاَ وَاللَّهِ ، لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ . فَقَالَ أَنَسٌ فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ ، قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ ، وَفِيهِ خَرِبٌ ، وَفِيهِ نَخْلٌ ، فَأَمَرَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ ، ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ ، وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ ، وَالنَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ:

« اللَّهُمَّ لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَهْ 00فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ "[794].

وكان طلق بن علي اليمامي هو الذي يخلط لهم الطين وهو يبنونه .

روى ابن حبان في صحيحه: عن قيس بن طلق  عن أبيه قال : بنيت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مسجد المدينة فكان يقول : ( قدموا اليماميَّ من الطين فإنه مِن أحسنكم له مسًّا )[795]

شرع الرسول صلى الله عليه وسلم في العمل مع أصحابه [796]، وضرب المعول في حفر الأساس الذي كان عمقه ثلاث أذرع ، ثم اندفع المسلمون في بناء هذا الأساس بالحجارة، والجدران، التي لم تزد عن قامة الرجل إلا قليلاً، باللبن الذي يعجن بالتراب ويسوى على شكل أحجار صالحة للبناء.

روى البخاري عن نافع أن عبد الله بن عمر أخبره : أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ ، وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا ، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ ، وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا ، ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ ، فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً ، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ ، وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ)[797].

وروى البخاري عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ لِى ابْنُ عَبَّاسٍ وَلاِبْنِهِ عَلِىٍّ: انْطَلِقَا إِلَى أَبِى سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ . فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا هُوَ فِى حَائِطٍ يُصْلِحُهُ ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى أَتَى ذِكْرُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً ، وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ ، فَرَآهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ وَيَقُولُ « وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ.. »[798]

وفي الناحية الشمالية من المسجد أقيمت ظلة من الجريد على قوائم من جذوع النخل، كانت تسمى «الصفة» أما باقي أجزاء المسجد فقد تركت مكشوفة بلا غطاء([799]).

أما أبواب المسجد فكانت ثلاثة: باب في مؤخرته من الجهة الجنوبية، وباب في الجهة الشرقية كان يدخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بإزاء باب بيت عائشة، وباب من الجهة الغربية يقال له باب الرحمة أو باب عاتكة([800]).

وبُني لرسول الله صلى الله عليه وسلم حُجَر حول مسجده الشريف، لتكون مساكن له ولأهله، ولم تكن الحجر كبيوت الملوك والأكاسرة والقياصرة، بل كانت بيوت من ترفع عن الدنيا وزخارفها، وابتغى الدار الآخرة، فقد كانت- كمسجده- مبنية من اللبن والطين وبعض الحجارة، وكانت سقوفها من جذوع النخل والجريد، وكانت صغيرة الفناء قصيرة البناء ينالها الغلام الفارع بيده، قال الحسن البصري- وكان غلامًا مع أمه خيرة مولاة أم سلمة-: «قد كنت أنال أول سقف في حجر النبي صلى الله عليه وسلم بيدي»([801])، وهكذا كانت بيوت النبي صلى الله عليه وسلم في غاية البساطة، بينما كانت المدينة تشتهر بالحصون العالية التي كان يتخذها علية القوم تباهيا بها في السلم واتقاءً بها في الحرب، وكانوا من تفاخرهم بها يضعون لها أسماء كما كان حصن عبد الله بن أبي ابن سلول اسمه مزاحماً، وكما كان حصن حسان بن ثابت t اسمه فارعاً.

ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بيوته بذلك الشكل المتواضع، وكان باستطاعته أن يبني لنفسه قصورًا شاهقة، ولو أنه أشار إلى رغبته بذلك- مجرد إشارة- لسارع الأنصار في بنائها له، كما كان بإمكانه أن يشيدها من أموال الدولة العامة كالفيء ونحوه، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ليضرب لأمته مثلاً رفيعاً وقدوة عالية في التواضع والزهد في الدنيا، وجمع الهمة والعزيمة للعمل لما بعد الموت.

ولم يكن في مسجد رسول الله أول ما بني منبر يخطب عليه وإنما كان يخطب على جذع نخلة ثم بعد ذلك صنعوا له منبرًا كما روى أحمد  عن جابر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع نخلة. قال: فقالت امرأة من الأنصار كان لها غلام نجار:  يا رسول الله إن لي غلامًا نجارًا أفآمره أن يتخذ لك منبرًا تخطب عليه ؟ قال: بلى . قال: فاتخذ له منبرًا.قال : فلما كان يوم الجمعة خطب على المنبر. قال: فأنَّ الجذعُ الذي كان يقوم عليه كما يَئِنُّ الصبي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:  ( إن هذا بكى لما فقد من الذكر )[802]

و لما تم تحويل القبلة - فيما بعد- من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة بأمر الله تعالى، وذلك بعد ستة عشر شهراً من هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة([803]) بقي حائط القبلة الأولى في مؤخر المسجد النبوي، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فظلل أو سقف وأطلق عليه اسم الصفة أو الظلة([804]) ولم يكن له ما يستر جوانبه ([805]).

قال القاضي عياض: الصفة ظلة في مؤخر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يأوي إليها المساكين وإليها ينسب أهل الصفة([806]).

وقال ابن تيمية: الصفة كانت في مؤخرة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في شمالي المسجد بالمدينة المنورة([807]) .

وقال ابن حجر: الصفة مكان في مؤخر المسجد النبوي مظلل أعد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل([808])

روى البخاري: عن مجاهد أن أبا هريرة كان يقول:

«  وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الإِسْلاَمِ ، لاَ يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلاَ مَالٍ ، وَلاَ عَلَى أَحَدٍ »([809]).

إن المهاجرين الأوائل الذين هاجروا قبل النبي صلى الله عليه وسلم أو معه أو بعده حتى نهاية الفترة الأولى قبل غزوة بدر، استطاع الأنصار أن يستضيفوهم في بيوتهم وأن يشاركوهم النفقة ولكن فيما بعد كبر حجم المهاجرين مما لم يعد هناك قدرة للأنصار على استيعابهم.

فقد صار المهاجرون يكثرون بعد ذلك شيئاً بعد شيء، فإن الإسلام صار ينتشر والناس يدخلون فيه.. ويكثر المهاجرون إلى المدينة من الفقراء والأغنياء، والآهلين والعُزَّاب، فكان من لم يتيسر له مكان يأوي إليه، يأوي إلى تلك الصُّفة في المسجد([810]).

وكان أهل الصفة يعتكفون في المسجد للعبادة، ويألفون الفقر والزهد فكانوا في خلواتهم يصلون ويقرأون القرأن ويتدارسون آياته ويذكرون الله تعالى، ويتعلم بعضهم الكتابة حتى أهدى أحدهم قوسه لعبادة بن الصامت t؛ لأنه كان يعلمهم القرآن والكتابة([811])، واشتهر بعضهم بالعلم وحفظ الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل أبي هريرة t أكثر الصحابة تحديثًا، وحذيفة بن اليمان الذي اهتم بأحاديث الفتن .

وكان عددهم يختلف باختلاف الأوقات، فهم يزيدون إذا قدمت الوفود إلى المدينة ويقلون إذا قل الطارقون من الغرباء على أن عدد المقيمين منهم في الظروف العادية كان في حدود السبعين رجلاً([812])، وقد يزيد عددهم كثيراً حتى أن سعد بن عبادة كان يستضيف وحده ثمانين منهم، فضلاً عن الآخرين الذين يتوزعهم الصحابة .  ومن أراد الوقوف على بعض أسمائهم فليرجع إلى كتب السيرة([813]).

ومما لا يثبت في هذا الباب:

مارواه البيهقي عن الحسن قال: ( لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد أعانه عليه أصحابه وهو معهم يتناول اللبن حتى أغبر صدره فقال: ابنوه عريشا كعريش موسى فقلت للحسن:ما عريش موسى؟ قال إذا رفع يديه بلغ العريش يعني السقف )[814]. وهذا حديث مرسل من مراسيل الحسن البصري .

و كذا ما رواه عن عبادة أن الأنصار جمعوا مالاً فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ابن هذا المسجد وزينه إلى متى نصلي تحت هذا الجريد؟ فقال:  ( ما بي رغبة عن أخي موسى عريش كعريش موسى )[815]

وأيضًا ما أخرجه الحافظ البيهقي في الدلائل عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جاء أبو بكر بحجر فوضعه ثم جاء عمر بحجر فوضعه ثم جاء عثمان بحجر فوضعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ( هؤلاء ولاة الأمر بعدي)[816] ثم رواه من حديث يحيى بن عبد الحميد الحماني عن حشرج عن سعيد عن سفينة قال : لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وضع حجرًا ثم قال: ليضع أبو بكر حجرًا إلى جنب حجري ثم ليضع عمر حجره إلى جنب حجر أبي بكر ثم ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هؤلاء الخلفاء من بعدي).

ذكره ابن كثير ثم قال : وهذا الحديث بهذا السياق غريب جدًا.أهـ [817]،و ذكر أن المعروف ما رواه الامام أحمد بسنده عن سعيد بن جمهان ، عَنْ سَفِينَةَ، مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ عَامًا، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُلْكُ " قَالَ سَفِينَةُ: " أَمْسِكْ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ سَنَتَيْنِ، وَخِلَافَةَ عُمَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَخِلَافَةَ عُثْمَانَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَخِلَافَةَ عَلِيٍّ سِتَّ سِنِينَ" [818]

* فضل المسجد النبوي والصلاة فيه :

روى البخاري ومسلم  عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى "[819]

ورويا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ»[820]

ورويا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ المَازِنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ»([821])

ورويا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» ([822])

وروى أحمد عن أبي هريرة يقول: انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :  (من دخل مسجدنا هذا يتعلم خيرا أو يعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ومن دخله لغير ذلك كان كالناظر إلى ما ليس له )[823]

وروى مسلم عن أبي سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: مَرَّ بِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ سَمِعْتَ أَبَاكَ يَذْكُرُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى؟ قَالَ: قَالَ أَبِي: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْمَسْجِدَيْنِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى؟ قَالَ: فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ، فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، ثُمَّ قَالَ: «هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا» لِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ أَبَاكَ هَكَذَا يَذْكُرُهُ ([824]) .

وقد اختلف العلماء في المراد بالمسجد  الذي أسس على التقوى في الآية الكريمة : { لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } [التوبة:108]

فقال بعضهم: هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مستدلين بحديث أبي سعيد الخدري السابق، وقال بعضهم:هو مسجد قباء. وقد ذكر ابن جرير الطبري في تفسيره أقوال الفريقين ثم قال: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال: هو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لصحة الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . اهـ([825])

ويمكن الجمع بين القولين بأن كلاً من المسجدين أسس على التقوى فلا تعارض.

قال ابن تيمية:... كلا المسجدين أسس على التقوى لكن مسجد المدينة أكمل فى هذا النعت فهو أحق بهذا الأسم ومسجد قباء كان سبب نزول الآية  أهـ([826])

قال ابن حجر: والحق أن كلاً منهما أسس على التقوى ..إلى أن قال: وعلى هذا فالسر في جوابه صلى الله عليه وسلم بأن المسجد الذي أسس على التقوى مسجده رفع توهم أن ذلك خاص بمسجد قباء .أهـ([827])

باب: بدء مشروعية الأذان للصلاة.

شرع الأذان للصلاة بالمدينة في السنة الأولى من الهجرة. وذلك بعد أن ظلوا يتشاورون فيما بينهم كيف يجتمعون للصلاة . وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة . روى البخاري في صحيحه:

عن نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَاةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ فَقَالَ عُمَرُ : أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ [828].

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قَالَ ذَكَرُوا أَنْ يَعْلَمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ فَذَكَرُوا أَنْ يُورُوا نَارًا، أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا ، فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ[829].

و أما ألفاظ الأذان والإقامة فقد جاءت بها رؤيا عبد الله بن زيد فقال له النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:إنها رؤيا حق إن شاء الله .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ هُمْ الّذِينَ تَبَوّءُوا الدّارَ وَالْإِيمَانَ . وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ قَدِمَهَا إنّمَا يَجْتَمِعُ النّاسُ إلَيْهِ لِلصّلَاةِ لِحِينِ مَوَاقِيتِهَا ، بِغَيْرِ دَعْوَةٍ فَهَمّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ قَدِمَهَا أَنْ يَجْعَلَ بُوقًا كَبُوقِ يَهُودَ الّذِينَ يَدْعُونَ بِهِ لِصَلَاتِهِمْ ثُمّ كَرِهَهُ ثُمّ أَمَرَ بِالنّاقُوسِ فَنُحِتَ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلْمُسْلِمَيْنِ لِلصّلَاةِ

فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إذْ رَأَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، النّدَاءَ فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ طَافَ بِي هَذِهِ اللّيْلَةَ طَائِفٌ مَرّ بِي رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ فَقُلْت لَهُ يَا عَبْدَ اللّهِ أَتَبِيعُ هَذَا النّاقُوسَ ؟ قَالَ وَمَا تَصْنَعُ بِهِ ؟ قَالَ قُلْت : نَدْعُو بِهِ إلَى الصّلَاةِ قَالَ أَفَلَا أَدُلّك عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالَ قُلْت : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ تَقُولُ اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ ، اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ ، أَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، أَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ حَيّ عَلَى الصّلَاةِ حَيّ عَلَى الصّلَاةِ حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ

 

فَلَمّا أَخْبَرَ بِهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ: إنّهَا لَرُؤْيَا حَقّ إنْ شَاءَ اللّهُ ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِهَا عَلَيْهِ فَلْيُؤَذّنْ بِهَا ، فَإِنّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك . فَلَمّا أَذّنَ بِهَا بِلَالٌ سَمِعَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يَجُرّ رِدَاءَهُ وَهُوَ يَقُولُ يَا نَبِيّ اللّهِ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ الّذِي رَأَى ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلِلّهِ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ ، عَنْ أَبِيهِ [830].

قلت :وقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم هذه الرؤيا بالأذان من طريق ابن إسحاق بسنده. وزادوا فيه لفظ الإقامة .

روى أبو داود في سننه: عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال:

لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى، قَالَ: فَقَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،

قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ، قَالَ: وَتَقُولُ: إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، بِمَا رَأَيْتُ .فَقَالَ: «إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ» فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ، فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ، وَيُؤَذِّنُ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وَيَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَكَذَا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَالَ: فِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَقَالَ مَعْمَرٌ، وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَمْ يُثَنِّيَا ) [831] .

ونال بلال رضي الله عنه شرف كونه مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسجد النبوي الشريف.

وروى ابْنُ إسْحَاقَ : عن عروة عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النّجّارِ ، قَالَتْ: كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ ، فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذّنُ عَلَيْهِ لِلْفَجْرِ كُلّ غَدَاةٍ فَيَأْتِي بِسَحَرٍ فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ يَنْتَظِرُ الْفَجْرَ فَإِذَا رَآهُ تَمَطّى ، ثُمّ قَالَ اللّهُمّ إنّي أَحَمْدُك وَأَسْتَعِينُك عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا عَلَى دِينِك . قَالَتْ وَاَللّهِ مَا عَلِمْته كَانَ يَتْرُكُهَا لَيْلَةً وَاحِدَةً "[832] ..

وقد علَّم النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أبا محذورة بعد ذلك – في السنة الثامنة من الهجرة

– كيفية أخرى للأذان وكان يؤذن بها في مكة . وهي تسع عشرة جملة أي بزيادة جملتين عن السابقة وهما الترجيع في الشهادتين روى أبو داود عن أبي محذورة ري الله عنه قال:

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ؟، قَالَ: فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِي، وَقَالَ: " تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، تَرْفَعُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَكَ بِالشَّهَادَةِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، فَإِنْ كَانَ صَلَاةُ الصُّبْحِ قُلْتَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) [833]..

وروى الترمذي عن أبي محذورة : أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة ".

قال أبو عيسى(الترمذي): وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا في الأذان وقد روى عن أبي محذورة أنه كان يفرد الإقامة" [834]

وهذا من التنوع في العبادات ويمكن الأخذ بأي منها فالكل صحيح.

وللأذان في الإسلام فضل عظيم.منه ما في الصحيحين. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :  ( إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ :اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا- لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ- حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى )([835])

وروى البخاري عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ " لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ([836])

وروى  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ) ([837])

وروى مسلم:عن طلحة بن يحيى عن عمه قال:

كنت عند معاوية بن أبي سفيان فجاءه المؤذن يدعوه إلى الصلاة فقال معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:  ( المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة ) ([838])

 

باب: المؤاخاة بين المهاجرين و الأنصار

كان من أهم الدعائم التي اعتمدها الرسول صلى الله عليه وسلم في بناء دولة الإسلام ، بعد بناء المسجد، هو تقرير المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وهي خطوة لا تقل أهمية عن الخطوة الأولى لكي يتلاحم المجتمع المسلم ويتآلف وتتضح معالم تكوينه الجديد  .

روى أحمد عن أنس بن مالك قال : ( حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك ) [839]

ورواه البخاري عن عَاصِمٌ قَالَ قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَبَلَغَكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ ؟ فَقَالَ: قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِي ) ([840])

لا شك أن مبدأ التآخي العام بين المسلمين قائمٌ منذ بداية الدعوة .فهو مبدأ عام من مبادئ الإسلام . وقد أكد القرآن الكريم الأخوة العامة بين أبناء الأمة في قوله تعالى:{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ
بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ }[آل عمران: 103].

وقوله تعالى: { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [الأنفال: 63].

ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن كل ما يؤدي إلى التباغض بين المسلمين كما في صحيح البخاري عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  (( لَا تَبَاغَضُوا ، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ )) ([841])

وروى البخاري عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ، وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »([842]).

أما بالنسبة للمؤاخاة الخاصة التي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار فقد ترتبت عليها حقوق وواجبات أخص من الحقوق والواجبات العامة بين المؤمنين كافة([843]).

 

وقد تحدث بعض العلماء عن وجود مؤاخاة كانت في مكة بين المهاجرين، فقد أشار البلاذري إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المسلمين في مكة قبل الهجرة على الحق والمواساة، فآخى بين حمزة وزيد بن حارثة، وبين أبي بكر وعمر، وبين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، وبين الزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود، وبين عبيدة بن الحارث وبلال الحبشي، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة، وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وطلحة بن عبيد الله، وبينه وبين علي بن أبي طالب([844]) ويعتبر البلاذري (ت276هـ) أقدم من أشار إلى المؤاخاة المكية، وقد تابعه في ذلك ابن عبد البر (ت463هـ) دون أن يصرح بالنقل عنه،كما تابعهما ابن سيد الناس دون التصريح بالنقل عن أحدهما([845]).

وروى الحاكم  عن ابن عباس قال : آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الزبير بن العوام و عبد الله بن مسعود ) ([846])

ثم روى عن ابن عمر رضي الله عنهما  قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم آخى بين أصحابه ، فآخى بين أبي بكر و عمر ، و بين طلحة و الزبير ، و بين عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف. فقال علي : يا رسول الله إنك قد آخيت بين أصحابك فمن أخي ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما ترضى يا علي أن أكون أخاك ؟ قال ابن عمر : و كان علي رضي الله عنه جلدًا شجاعًا فقال علي : بلى يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنت أخي في الدنيا و الآخرة ) ([847]).وهذا الحديث لا يصح.

 

لم تشر كتب السيرة الأولى المختصة إلى وقوع المؤاخاة بمكة ، والبلاذري ساق الخبر بلفظ (قالوا) دون إسناد مما يضعف الرواية ، كما أن البلاذري نفسه ضعفه النقاد، وعلى فرض صحة هذه المؤاخاة بمكة فإنها تقتصر على المؤازرة والنصيحة بين المتآخين دون أن تترتب عليها حقوق التوارث ([848]).

وذهب كل من ابن القيم وابن كثير إلى عدم وقوع المؤاخاة بمكة، فقال ابن القيم: «وقد قيل: إنه- أي النبي صلى الله عليه وسلم- آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض مؤاخاة ثانية، واتخذ فيها عليا أخا لنفسه، والثبت الأول([849]) ، والمهاجرون كانوا مستغنين بأخوة الإسلام، وأخوة الدار وقرابة النسب، عن عقد مؤاخاة بخلاف المهاجرين مع الأنصار»([850])  أما ابن كثير فقد ذكر أن من العلماء من ينكر هذه المؤاخاة لنفس العلة التي ذكرها ابن القيم([851]) .

ولكن يمكن أن يقال: إن من حكمة المؤاخاة  بين المهاجرين بعضهم مع بعض أن بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة   فآخى بين الأعلى والأدني ليرتفق الأدنى بالأعلى، ويستعين الأعلى بالأدنى ، وبهذا تظهر مؤاخاته صلى الله عليه وسلم لعلي لأنه هو الذي كان يقوم به من عهد الصبا من قبل البعثة واستمر ، وكذا مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة لأن زيدًا مولاهم فقد ثبت أخوتهما وهما من المهاجرين ويؤيده قول زيد بن حارثة إن بنت حمزة بنت أخي([852]) .

أما المؤاخاة في المدينة فقد ساهمت في ربط الأمة بعضها ببعض، إذ أقام الرسول صلى الله

عليه وسلم هذه الصلة على أساس الإخاء الكامل بينهم، هذا الإخاء الذي تذوب فيه عصبيات الجاهلية، فلا حمية إلا للإسلام وأن تسقط فوارق النسب واللون والوطن، فلا يتأخر أحد أو يتقدم إلا بمروءته وتقواه .

وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأخوة عقداً نافذاً لا لفظاً فارغاً، وعملا يرتبط بالدماء والأموال لا تحية تثرثر بها الألسنة ولا يقوم لها أثر. وقد قال الله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا}[النساء: 33)]

وكانت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوة بأروع الأمثال. كما يتضح ذلك جليًا من قول الله تعالى: { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر:8-9]

وما حدث بين سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف مما يعجز التاريخ عن الإتيان بمثله إلا مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  فقد روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أنه قال:

قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكَانَ كَثِيرَ المَالِ، فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ عَلِمَتِ الأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالًا، سَأَقْسِمُ مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ، وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُهَا، حَتَّى إِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ، فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَفْضَلَ شَيْئًا مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَعَلَيْهِ، وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْيَمْ» . قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ «مَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟» . قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: « أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ » ([853])

وأخرجه من طريق آخر عن سعد وفيه: . قال : بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِى أَهْلِكَ وَمَالِكَ ، أَيْنَ سُوقُكُمْ فَدَلُّوهُ عَلَى سُوقِ بَنِى قَيْنُقَاعَ ، فَمَا انْقَلَبَ إِلاَّ وَمَعَهُ فَضْلٌ مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ ، ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ ، ثُمَّ جَاءَ يَوْمًا وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( مَهْيَم ) . قال تزوجت قال: ( كم سقت إليها؟ ) . قال: نواة من ذهب - أو وزن نواة من ذهب . ( شك إبراهيم)  ([854])

وبقيت هذه الأخوة تؤتي ثمارها فلا يأتي خير إلا وشاركوا إخوانهم. روى البخاري عن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ خَرَجَ مَعَهُ إِلَى الْوَلِيدِ قَالَ : دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَارَ إِلَى أَنْ يُقْطِعَ لَهُمْ الْبَحْرَيْنِ ، فَقَالُوا : لَا، إِلَّا أَنْ تُقْطِعَ لِإِخْوَانِنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا قَالَ: إِمَّا لَا فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي فَإِنَّهُ سَيُصِيبُكُمْ بَعْدِي أَثَرَةٌ [855] .

والسبب الذي أدى إلى تقوية هذه الأخوة بين المهاجرين والأنصار هو أن أهل هذا المجتمع ممن التقوا على دين الله وحده، نشّأهم دينهم الذي اعتنقوه على أن يقولوا ويفعلوا، وعلّمهم الإيمان والعمل جميعًا،وكانوا على النحو الذي حكاه الله عنهم في قوله تعالى:{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إذا دُعُوا إلى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }[النور: 51].

وبذلك كفل البقاء والاستمرار لهذه الأخوة، التي شد الله بها أزر دينه ورسوله حتى آتت ثمارها في كل أطوار الدعوة طوال حياته صلى الله عليه وسلم، وامتد أثرها حتى وفاته صلى الله عليه وسلم، وبقيت هذه المؤاخاة عند مبايعة الصديق t ولم يحدث الأنصار صدعًا في شمل الأمة، مستجيبين في ذلك لشهوات السلطة وغريزة السيطرة، لذلك فإن سياسة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، نوع من السبق السياسي الذي اتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في تأصيل المودة وتمكينها في مشاعر المهاجرين والأنصار، الذين سهروا جميعا ًعلى رعاية هذه المودة وذلك الإخاء، بل كانوا يتسابقون في تنفيذ بنوده([856]). ولا سيما الأنصار الذين لا يجد الكتاب والباحثون مهما تساموا إلى ذروة البيان خيرًا من حديث الله عنهم([857]) في قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [الحشر: 9].

وقد أثنى المهاجرون على إخوانهم الأنصار كما روى أحمد: عن أنس قال: قَالَ الْمُهَاجِرُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قَوْمٍ قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ أَحْسَنَ مُوَاسَاةً فِي قَلِيلٍ، وَلَا أَحْسَنَ بَذْلًا مِنْ كَثِيرٍ، لَقَدْ كَفَوْنَا الْمَؤُونَةَ وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَأِ، حَتَّى لَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالْأَجْرِ كُلِّهِ.قَالَ: " لَا، مَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ وَدَعَوْتُمُ اللَّهَ لَهُمْ "[858]

وقد ذكر ابن إسحاق أسماء المهاجرين والأنصار ممن تآخوا في الله عز وجل([859])

والجدير بالذكر أنه بعد نزول آية الأنفال وهي قول الله تعالى: { وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[الأنفال: 75] قد بطل التوارث بالمؤاخاة والحِلف بينهم وأصبح التوارث على أساس القرابة في النسب لا الأخوة الإيمانية .

قال ابن كثير: الحق أن الآية عامة تشمل جميع القرابات كما نص عليه ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة وغير واحد على أنها ناسخة للإرث بالحلف والإخاء اللذين كانوا يتوارثون بهما أولاً.أهـ([860])

وروى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ}[النساء:33] قَالَ: وَرَثَةً {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَالَ:  كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الْمُهَاجِرُ الْأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ لِلْأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ :{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نَسَخَتْ ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } إِلَّا النَّصْرَ وَالرِّفَادَةَ وَالنَّصِيحَةَ وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ، وَيُوصِي لَهُ )([861])

وقال ابن كثير في تفسيره لسورة الأحزاب:وقوله تعالى : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } أي في حكم الله { من المؤمنين والمهاجرين } أي القرابات أولى بالتوارث من المهاجرين والأنصار وهذه ناسخة لما كان قبلها من التوارث بالحلف والمؤاخاة التي كانت بينهم كما قال ابن عباس وغيره : كان المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته وذوي رحمه للأخوة التي آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا قال سعيد بن جبير وغيره من السلف والخلف وقد أورد فيه ابن أبي حاتم حديثا عن الزبير بن العوام فقال : حدثنا أبي حدثنا أحمد بن أبي بكر المصعبي من ساكني بغداد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال : أنزل الله عز وجل فينا خاصة معشر قريش والأنصار { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض } وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا ولا أموال لنا فوجدنا الأنصار نعم الإخوان فواخيناهم وأورثناهم فآخى أبو بكر رضي الله عنه خارجة بن زيد وآخى عمر رضي الله عنه فلانا وآخى عثمان رضي الله عنه رجلا من بني زريق بن سعد الزرقي ويقول بعض الناس غيره قال الزبير رضي الله عنه : وواخيت أنا كعب بن مالك فجئته فابتعلته فوجدت السلاح قد ثقله فيما يرى والله يابني لو مات يومئذ عن الدنيا ما ورثه غيري حتى أنزل الله تعالى هذه الاية فينا معشر قريش والأنصار خاصة فرجعنا إلى مواريثنا .أهـ[862]

 

وقد بقيت هذه الأخوة ممتدة دون توارث .بل وظل النبي صلى الله عليه وسلم يؤاخي بين أصحابه مؤاخاة تناصر وتناصح ومواساة وهذا يفسر بعض الروايات التي تبين المؤاخاة بين بعض الصحابة الذين تأخروا عن المؤاخاة التي تمت في المدينة في السنة الأولى من الهجرة بسبب غياب هؤلاء الصحابة عن المدينة وقتها أو بسبب تأخر إسلامهم كالمؤاخاة التي تمت بين جعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل فإن جعفر قدم إلى المدينة في فتح خيبر .والمؤاخاة بين سلمان وأبي الدرداء فإن سلمان أسلم بين أحد والخندق ،والمؤاخاة بين الحتات ومعاوية بن أبي سفيان فإن معاوية أسلم بعد فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة، والحتات قدم إلى المدينة في وفد تميم في العام التاسع من الهجرة([863]) .

باب: كتابة المواثيق بين المهاجرين والأنصار واليهود:

ومن الدعائم الرئيسية التي قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم لتثبيت دعائم الدولة الجديدة على قواعد متينة، وأسس راسخة - بعد بناء المسجد الأعظم بالمدينة، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار- :كتابة الصحيفة ( أو إصدار الوثيقة ) التي تننظم العلاقات بين المسلمين واليهود ومشركي المدينة، وإعداد جيش لحماية الدولة، والسعي لتحقيق أهدافها، والعمل على حل مشاكل المجتمع الجديد .

فقد نظم النبي صلى الله عليه وسلم العلاقات بين سكان المدينة، وكتب في ذلك كتاباً أوردته المصادر التاريخية واستهدف هذا الكتاب أو الصحيفة توضيح التزامات جميع الأطراف داخل المدينة، وتحديد الحقوق والواجبات.

ولقد تعرض الدكتور أكرم ضياء العمري في كتابه السيرة النبوية الصحيحة لدراسة طرق ورود الوثيقة، وقال: «ترقى بمجموعها إلى مرتبة الأحاديث الصحيحة»([864]) وبيَّن أن أسلوب الوثيقة ينم عن أصالتها «فنصوصها مكونة من كلمات وتعابير كانت مألوفة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم » ثم قل استعمالها فيما بعد حتى أصبحت معلقة على غير المتعمقين في دراسة تلك الفترة

قلت: وقد صحت الأحاديث-كما سيأتي في كتاب المغازي- بمعاقبة الرسول صلى الله عليه وسلم ليهود المدينة عندما خانوا المواثيق معه ومع المؤمنين مما يؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عقد وثيقة بين المسلمين واليهود بالمدينة .

وروى مسلم عن جابر بن عبدالله يقول : كتب النبي صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله . ثم كتب أنه لا يحل لمسلم أن يتوالى مولى رجلٍ مسلم ٍ بغير  إذنه . ثم أخبرت أنه لعن في صحيفته من فعل ذلك([865]) .

و روى أحمد - بسند فيه ضعف- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتابًا بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم ، وأن يفدوا عانيهم بالمعروف والإصلاح بين المسلمين )[866]

وقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَادَعَ فِيهِ يَهُودَ وَعَاهَدَهُمْ وَأَقَرّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَشَرَطَ لَهُمْ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ :

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ.

هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَثْرِبَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ إنّهُمْ أُمّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النّاسِ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ .

وَبَنُو عَوْف ٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، كُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ

وَبَنُو سَاعِدَةَ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ

وَبَنُو الْحَارِثِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، وَكُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ

وَبَنُو جُشَمٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلِهِمْ الْأُولَى ، وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ

وَبَنُو النّجّارِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ

وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، وَكُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ

وَبَنُو النّبِيتِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، وَكُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.

وَبَنُو الْأَوْسِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ

وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتْرُكُونَ مُفْرَحًا[867] بَيْنَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي فِدَاءٍ أَوْ عَقْلٍ

وَأَنْ لَا يُحَالِفَ مُؤْمِنٌ مَوْلَى مُؤْمِنٍ دُونَهُ

وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتّقِينَ عَلَى مَنْ بَغَى مِنْهُمْ أَوْ ابْتَغَى دَسِيعَةَ [868]ظُلْمٍ أَوْ إثْمٍ أَوْ عُدْوَانٍ ، أَوْ فَسَادٍ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنّ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ جَمِيعًا ، وَلَوْ كَانَ وَلَدَ أَحَدِهِمْ

وَلَا يَقْتُلُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنًا فِي كَافِرٍ وَلَا يَنْصُرُ كَافِرًا عَلَى مُؤْمِنٍ

وَإِنّ ذِمّةَ اللّهِ وَاحِدَةٌ يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ

وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ دُونَ النّاسِ

وَإِنّهُ مَنْ تَبِعَنَا مِنْ يَهُودَ فَإِنّ لَهُ النّصْرَ وَالْأُسْوَةَ غَيْرَ مَظْلُومِينَ وَلَا مُتَنَاصَرِينَ عَلَيْهِمْ

وَإِنّ سِلْمَ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةٌ لَا يُسَالَمُ مُؤْمِنٌ دُونَ مُؤْمِنٍ فِي قِتَالٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ إلّا عَلَى سَوَاءٍ وَعَدْلٍ بَيْنَهُمْ

وَإِنّ كُلّ غَازِيَةٍ غَزَتْ مَعَنَا يُعْقِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا ،

وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ يُبِئْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَا نَالَ دِمَاءَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ

وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتّقِينَ عَلَى أَحْسَنِ هُدًى وَأَقْوَمِهِ

وَإِنّهُ لَا يُجِيرُ مُشْرِكٌ مَالًا لِقُرَيْشٍ وَلَا نَفْسَهَا ،

وَلَا يَحُولُ دُونَهُ عَلَى مُؤْمِنٍ

وَإِنّهُ مَنْ اعْتَبَطَ[869] مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيّنَةٍ فَإِنّهُ قَوَدٌ بِهِ إلّا أَنْ يَرْضَى وَلِيّ الْمَقْتُولِ وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ كَافّةٌ وَلَا يَحِلّ لَهُمْ إلّا قِيَامٌ عَلَيْهِ.

وَإِنّهُ لَا يَحِلّ لِمُؤْمِنٍ أَقَرّ بِمَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَآمَنَ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَنْصُرَ مُحْدِثًا وَلَا يُؤْوِيهِ وَأَنّهُ مَنْ نَصَرَهُ أَوْ آوَاهُ فَإِنّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللّهِ وَغَضَبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ . . وَإِنّكُمْ مَهْمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَإِنّ مَرَدّهُ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارَبِينَ .

وَإِنّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ.

لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسْلِمَيْنِ دِينُهُمْ مَوَالِيهِمْ وَأَنْفُسُهُمْ إلّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنّهُ لَا يُوتِغُ[870]  إلّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ.

وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي النّجّار ِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْف ٍ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي الْحَارِثِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ ؛ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي سَاعِدَةَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ ؛ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي جُشَمٍ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ ؛ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي الْأَوْسِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْف ٍ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ ، إلّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنّهُ لَا يُوتِغُ إلّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ.

وَإِنّ جَفْنَةَ بَطْنٌ مِنْ ثَعْلَبَةَ كَأَنْفُسِهِمْ وَإِنّ لِبَنِي الشّطِيبَةِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ ،

إِنّ الْبِرّ دُونَ الْإِثْمِ

وَإِنّ مَوَالِيَ ثَعْلَبَةَ كَأَنْفُسِهِمْ وَإِنّ بِطَانَةَ يَهُودَ كَأَنْفُسِهِمْ.

وَإِنّهُ لَا يَخْرَجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا بِإِذْنِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّهُ لَا يُنْحَجَزُ عَلَى ثَأْرٍ جُرْحٌ وَإِنّهُ مَنْ فَتَكَ فَبِنَفْسِهِ فَتَكَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ إلّا مِنْ ظَلَمَ وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَبَرّ هَذَا ؛

وَإِنّ عَلَى الْيَهُودِ نَفَقَتَهُمْ وَالنّصِيحَةَ وَالْبِرّ دُونَ الْإِثْمِ

وَإِنّهُ لَمْ يَأْثَمْ امْرُؤٌ بِحَلِيفِهِ وَإِنّ النّصْرَ لِلْمَظْلُومِ

وَإِنّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارَبِينَ .

وَإِنّ يَثْرِبَ حَرَامٌ جَوْفُهَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ .

وَإِنّ الْجَارَ كَالنّفْسِ غَيْرَ مُضَارّ وَلَا آثِمٌ وَإِنّهُ لَا تُجَارُ حُرْمَةٌ إلّا بِإِذْنِ أَهْلِهَا ،

وَإِنّهُ مَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ مِنْ حَدَثٍ أَوْ اشْتِجَارٍ يُخَافُ فَسَادُهُ فَإِنّ مَرَدّهُ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ

وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَتْقَى مَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَأَبَرّهِ

وَإِنّهُ لَا تُجَارُ قُرَيْشٌ وَلَا مَنْ نَصَرَهَا .

وَإِنّ بَيْنَهُمْ النّصْرَ عَلَى مَنْ دَهَمَ يَثْرِبَ ،

وَإِذَا دُعُوا إلَى صُلْحٍ يُصَالِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ فَإِنّهُمْ يُصَالِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ

وَإِنّهُمْ إذَا دُعُوا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنّهُ لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إلّا مَنْ حَارَبَ فِي الدّينِ عَلَى كُلّ أُنَاسٍ حِصّتُهُمْ مِنْ جَانِبِهِمْ الّذِي قِبَلَهُمْ

وَإِنّ يَهُودَ الْأَوْسِ ، مَوَالِيَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ عَلَى مِثْلِ مَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ . مَعَ الْبِرّ الْمَحْضِ ؟ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ . ( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ مَعَ الْبِرّ الْمُحْسِنُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ ). قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَإِنّ الْبِرّ دُونَ الْإِثْمِ لَا يَكْسِبُ كَاسِبٌ إلّا عَلَى نَفْسِهِ .

وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَصْدَقِ مَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَأَبَرّهِ

وَإِنّهُ لَا يَحُولُ هَذَا الْكِتَابُ دُونَ ظَالِمٍ وَآثِمٍ وَإِنّهُ مَنْ خَرَجَ آمِنٌ وَمَنْ قَعَدَ آمِنٌ بِالْمَدِينَةِ ، إلّا مَنْ ظَلَمَ أَوْ أَثِمَ.

وَإِنّ اللّهَ جَارٌ لِمَنْ بَرّ وَاتّقَى ، وَمُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .[871] .

باب:   تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ وَقُدُومِهَا الْمَدِينَةَ وَبِنَائِهِ بِهَا

وقد بنى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها في المدينة بعد الهجرة في شوال وهي بنت تسع سنين. كما جاء في صحيح مسلم عن عائشة قالت: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟» ، قَالَ: «وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ » ([872])

وروى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ فَوُعِكْتُ فَتَمَرَّقَ شَعَرِي فَوَفَى جُمَيْمَةً فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا لَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ وَإِنِّي لَأُنْهِجُ حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ فَقُلْنَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًى فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ ([873])

وروى مسلم عن عائشة «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، وَزُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَلُعَبُهَا مَعَهَا، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ» ([874])

وقد سبق أن بينا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوجها هي وسودة بنت زمعة بعد وفاة خديجة رضي الله عنها، وبنى بسودة في مكة، لكنه لم يبن بعائشة إلا في المدينة بعد الهجرة بعد أن صلحت للبناء بها، والحديث بذلك رواه أحمد و اسحاق بن راهويه في مسنديهما عن أَبُي سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، قَالَا: لَمَّا هَلَكَتْ خَدِيجَةُ جَاءَتْ  خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: أَلَا تَتَزَوَّجُ؟ فَقَالَ: وَمَنْ؟ قَالَتْ: إِنْ شِئْتَ بِكْرًا وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا فَقَالَ: مَنِ الْبِكْرُ؟ فَقَالَتْ: ابْنَةُ أَحَبِّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْكَ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: فَمَنِ الثَّيِّبِ؟ قَالَتْ: سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ وَقَدْ آمَنَتْ وَاتَّبَعَتِ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ قَالَ: فَاذْهَبِي فَاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ فَدَخَلَتْ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ: يَا أُمَّ رُومَانَ مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْكِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، فَقَالَتْ: وَمَا ذَاكَ فَقَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطُبُ عَلَيْهِ عَائِشَةَ ... .وذكر الحديث وقد سبق  وفيه قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ نَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ فِي السَّنْحِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَنَا فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَنِسَاءٌ قَالَ: وَجَاءَ أُمِّي وَأَنَا فِي أُرْجُوحَةٍ فِي عَذَقَيْنِ تَرْجَحُ بِي فَأَخَذَتْ تَقُودُنِي مِنَ الْأُرْجُوحَةِ فَأَنْزَلَتْنِي وَلِي حَمِيمَةٌ فَفَرَّقَتْهَا فَمَسَحَتْ وَجْهِي بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ جَعَلَتْ تَقُودُنِي حَتَّى جَاءَ بِي عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ وَإِنِّي لَأَنَهَجُ فَلَمَّا سَكَنَ بِي دَخَلَتْ بِي عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَنِسَاءٌ فَأَجْلَسَتْنِي فَقَالَتْ: هَؤُلَاءِ أَهْلُكِ فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا وَبَارَكَ لَهُمْ فِيكِ فَوَثَبَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَخَرَجُوا فَبَنَى بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِنَا مَا نَحَرَ لِي جَزُورًا وَلَا ذَبَحَ لِي شَاةً حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بِجَفْنَةٍ كَانَ يُرْسِلُ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَارَ فِي نِسَائِهِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنَةُ تِسْعِ سِنِينَ "[875].

وكانت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهاُ أحب نساء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه فعن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أنه قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ» ، قَالَ: إِنَّمَا أَقُولُ مِنَ الرِّجَالِ، قَالَ: «أَبُوهَا»[876]

و فضائلها كثيرة .نشير إليها فقط بما أخرجه البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :كَمَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ "[877].

وروى عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ نِسَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ حِزْبَيْنِ: فَحِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ. وَالْحِزْبُ الْآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ عَلِمُوا حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُهْدِيَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَهَا حَتَّى إِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ بَعَثَ صَاحِبُ الْهَدِيَّةِ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَكَلَّمَ حِزْبُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ لَهَا كَلِّمِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَيَقُولُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةً فَلْيُهْدِهِ إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ بُيُوتِ نِسَائِهِ فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِمَا قُلْنَ فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا فَسَأَلْنَهَا فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئًا فَقُلْنَ لَهَا فَكَلِّمِيهِ قَالَتْ :فَكَلَّمَتْهُ حِينَ دَارَ إِلَيْهَا أَيْضًا فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا فَسَأَلْنَهَا فَقَالَتْ مَا قَالَ لِي شَيْئًا فَقُلْنَ لَهَا كَلِّمِيهِ حَتَّى يُكَلِّمَكِ فَدَارَ إِلَيْهَا فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَ لَهَا: ( لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ فَإِنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ إِلَّا عَائِشَةَ ) قَالَتْ فَقَالَتْ: أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ أَذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّه "[878] ِ.

فصل: لماذا اختيرت المدينة كعاصمة للدولة الإسلامية؟

كان من حكمة الله تعالى في اختيار المدينة دارًا للهجرة ومركزًا للدعوة - هذا عدا ما أراده الله من إكرام أهلها وأسرار لا يعلمها إلا الله- إنها امتازت بتحصن طبيعي حربي، لا تزاحمها في ذلك مدينة قريبة في الجزيرة، فكانت حرة الوبرة مطبقة على المدينة من الناحية الغربية وحرة واقم، مطبقة على المدينة من الناحية الشرقية، وكانت المنطقة الشمالية من المدينة هي الناحية الوحيدة المكشوفة (وهي التي حصنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق سنة خمس في غزوة الأحزاب)، وكانت الجهة الأخرى من أطراف المدينة محاطة بأشجار النخيل الزروع الكثيفة لا يمر منها الجيش إلا في طرق ضيقة لا يتفق فيها النظام العسكري، وترتيب الصفوف.

وكانت خفارات عسكرية صغيرة كافية بإفساد النظام العسكري ومنعه من التقدم يقول ابن إسحاق: «كان أحد جانبي المدينة عورة ، وسائر جوانبها مشككة بالبنيان والنخيل، لا يتمكن العدو منها »[879]

ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قد أشار إلى هذه الحكمة الإلهية في اختيار المدينة بقوله لأصحابه قبل الهجرة: «إني رأيت دار هجرتكم، ذات نخيل بين لابتين وهما الحرتان». فهاجر من هاجر قِبَل المدينة.

وكان أهل المدينة من الأوس والخزرج أصحاب نخوة وإباء وفروسية وقوة وشكيمة، ألفوا الحرية، ولم يخضعوا لأحد، ولم يدفعوا إلى قبيلة أو حكومة إتاوة أو جباية، يقول ابن خلدون: ولم يزل هذان الحيان قد غلبوا على يثرب، وكان الاعتزاز والمنعة تعرف لهم في ذلك، ويدخل في ملتهم من جاورهم من قبائل مضر.

وكان بنو عدي بن النجار أخواله صلى الله عليه وسلم، فأم عبد المطلب بن هاشم إحدى نسائهم، فقد تزوج هاشم بسلمى بنت عمرو أحد بني عدي بن النجار، وولدت لهاشم عبد المطلب، وتركه هاشم عندها، حتى صار غلاماً دون المراهقة، ثم احتمله عمه المطلب، فجاء به إلى مكة، وكانت الأرحام يحسب لها حساب كبير في حياة العرب الاجتماعية، ومنهم أبو أيوب الأنصاري الذي نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره في المدينة .

وكان الأوس والخزرج من قحطان، والمهاجرون ومن سبق إلى الإسلام في مكة وما حولها من عدنان، ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقام الأنصار بنصره، اجتمعت بذلك عدنان وقحطان تحت لواء الإسلام، وكانوا كجسدٍ واحدِ، وكانت بينهما مفاضلة ومسابقة في الجاهلية، وبذلك لم يجد الشيطان سبيلاً إلى قلوبهم لإثارة الفتنة والتعزي بعزاء الجاهلية، باسم الحمية القحطانية أو العدنانية، فكانت لكل ذلك مدينة يثرب أصلح مكان لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه واتخاذهم لها داراً وقراراً، حتى يقوى الإسلام ويشق طريقه إلى الأمام، ويفتح الجزيرة ثم يفتح العالم المتمدن([880]).

باب: فضل المدينة

لقد عظُم شرف المدينة المنورة المباركة بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها، حتى فضلت على سائر بقاع الأرض حاشا مكة المكرمة، وفضائلها كثيرة منها:

1- محبته صلى الله عليه وسلم لها ودعاؤه لها:

قد مرض بعض الصحابة بالحمى بعدما هاجروا إلى المدينة منهم أبو بكر وبلال .فدعا النبي للمدينة لتنقية هوائها  وأن يحبب إليهم المدينة كحبّهم مكة أو أشد .

روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا قُلْتُ يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ ؟ وَيَا بِلَالُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟قَالَتْ:

وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ:

كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ *** وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ

وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أَقْلَعَتْ عَنْهُ يَقُولُ:

أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً *** بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ

وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَـاهَ مِجَنَّةٍ ***وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ

قَالَتْ عَائِشَةُ :فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ:   (( اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ. اللَّهُمَّ وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّهَا، وَصَاعِهَا. وَانْقُلْ حُمَّاهَا، فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ ))  ([881])

وروى البخاري عن حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:«كان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر، فأبصر إلى درجات المدينة([882])، أَوْضَع ناقته([883]) وإن كان على دابة حركها» قال أبو عبد الله: زاد الحارث بن عمير عن حميد «حركها من حبها»([884]).

2- دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها بضعفي ما في مكة من البركة:

روى البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم اجعل بالمدينة ضِعفي ما جعلت بمكة من البركة»([885])،

وروى مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جَاءُوا بِهِ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى ثَمَرِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِى مَدِينَتِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِى صَاعِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِى مُدِّنَا اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ وَإِنِّى عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَإِنِّى أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ ». قَالَ ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ لَهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ. ([886]).

3- عصمتها من الدجال والطاعون ببركته صلى الله عليه وسلم:

إن الله تعالى قيض لها ملائكة يحرسونها، فلا يستطيع الدجال إليها سبيلاً، بل يلقى إليه بإخوانه من الكفار والمنافقين، كما أن من لوازم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالصحة ورفع الوباء ألا ينزل بها الطاعون، كما أخبر بذلك المعصوم صلى الله عليه وسلم.

روى أحمد عن أَبَي هُرَيْرَةَ  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ ، لَا يَدْخُلُهَا الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ "[887]

4- فضيلة الصبر على شدتها:

فقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم من صبر على شدة المدينة وضيق عيشها بالشفاعة يوم القيامة        روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنِّى أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَىِ الْمَدِينَةِ أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا - وَقَالَ - الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ، لاَ يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلاَّ أَبْدَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ ، وَلاَ يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لأْوَائِهَا ([888]) وَجَهْدِهَا إِلاَّ كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ »([889]).

5- فضيلة الموت فيها:

روى أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَفْعَلْ فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ مَاتَ بِهَا »([890])،

ولذلك كان عمر بن الخطاب t يدعو بالموت فيها.فقد روى البخاري عَنْ عُمَرَ - رضى الله عنه – قَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِى شَهَادَةً فِى سَبِيلِكَ ، وَاجْعَلْ مَوْتِى فِى بَلَدِ رَسُولِكَ - صلى الله عليه وسلم -([891])

وقد استجاب الله للفاروق t فاستشهد في محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يؤم المسلمين في صلاة الفجر.

6- هي كهف الإيمان وتنفي الخبث عنها:

فالإيمان يلجأ إليها مهما ضاقت به البلاد، والأخباث والأشرار لا مقام لهم فيها
ولا استقرار، ولا يخرج منها أحد رغبة عنها إلا أبدلها الله خيراً منه من المؤمنين الصادقين

روى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ([892]) إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا »([893])،

وروى مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يَأْتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلاَّ أَخْلَفَ اللَّهُ فِيهَا خَيْرًا مِنْهُ أَلاَ إِنَّ الْمَدِينَةَ كَالْكِيرِ تُخْرِجُ الْخَبِيثَ. لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْفِىَ الْمَدِينَةُ شِرَارَهَا كَمَا يَنْفِى الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ »([894])..

7- تنفي الذنوب والأوزار:روى البخاري عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضى الله عنه - قَالَ صلى الله عليه وسلم « إِنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِى الذُّنُوبَ كَمَا تَنْفِى النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ  »([895]).

8- حفظ الله إياها ممن يريدها بسوء :

فقد تكفل الله بحفظها من كل قاصد إياها بسوء، وتوعد النبي صلى الله عليه وسلم من أحدث فيها حدثاً، أو آوى فيها محدثاً، أو أخاف أهلها، بلعنة الله وعذابه، وبالهلاك العاجل.

روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ سَعْدًا - رضى الله عنه – قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لاَ يَكِيدُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ إِلاَّ انْمَاعَ ([896])كَمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِى الْمَاءِ »[897]

وروى مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْمَدِينَةُ حَرَمٌ فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا([898]) أَوْ آوَى مُحْدِثًا ([899])فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ وَلاَ صَرْفٌ »([900]).

9- تحريمها:

فقد حرمها النبي صلى الله عليه وسلم –كما في الحديث السابق- بوحي من الله فلا يراق فيها دم، ولا يحمل فيها سلاح، ولا يروع فيها أحد، ولا يقطع فيها شجر، ولا تحل لُقَطَتها إلا لمنشد، وغير ذلك ما يدخل في تحريمها .

روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ ، وَدَعَا لَهَا ، وَحَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ ، وَدَعَوْتُ لَهَا فِى مُدِّهَا وَصَاعِهَا ، مِثْلَ مَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - لِمَكَّةَ »[901]

وروى أحمد عَنْ أَبِي حَسَّانَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْأَمْرِ فَيُؤْتَى فَيُقَالُ قَدْ فَعَلْنَا كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَقَالَ لَهُ الْأَشْتَرُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي تَقُولُ قَدْ تَفَشَّغَ فِي النَّاسِ أَفَشَيْءٌ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا خَاصَّةً دُونَ النَّاسِ إِلَّا شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْهُ فَهُوَ فِي صَحِيفَةٍ فِي قِرَابِ سَيْفِي قَالَ فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَخْرَجَ الصَّحِيفَةَ قَالَ: فَإِذَا فِيهَا مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ قَالَ وَإِذَا فِيهَا إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي أُحَرِّمُ الْمَدِينَةَ حَرَامٌ  مَا بَيْنَ حَرَّتَيْهَا ، وَحِمَاهَا كُلُّهُ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا ([902])وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا ([903])وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمَنْ أَشَارَ بِهَا ([904]) وَلَا تُقْطَعُ مِنْهَا شَجَرَةٌ إِلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ وَلَا يُحْمَلُ فِيهَا السِّلَاحُ لِقِتَالٍ ، قَالَ وَإِذَا فِيهَا الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، أَلَا لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ ([905]).

إن هذه الفضائل العظيمة جعلت الصحابة يتعلقون بها، ويحرصون على الهجرة إليها، والمقام فيها، وبذلك تجمعت طاقات الأمة فيها، ثم توجهت نحو القضاء على الشرك بأنواعه، وفتحوا مشارق الأرض ومغاربها.

فصل: في أحداث أخرى وقعت في السنة الأولى للهجرة:

 

فيها توفي كلثوم بن الهدم بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ الْأَوْسِيُّ وَهُوَ مِنْ بَنِي

عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا أَسْلَمَ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وَنَزَلَ بِقُبَاءَ نَزَلَ فِي مَنْزِلِ هَذَا فِي اللَّيل، وَكَانَ يَتَحَدَّثُ بِالنَّهَارِ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي مَنْزِلِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَى أَنِ ارْتَحَلَ إِلَى دَارِ بَنِي النَّجَّارِ كَمَا تَقَدَّمَ.  وَقَدْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَّارِيخِه: كَانَ أَوَّلَ مَنْ تُوَفِّي بَعْدَ مَقْدَمِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمَدِينَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ - فِيمَا ذُكِرَ - صَاحِبُ مَنْزِلِهِ كُلْثُومُ بْنُ الْهِدْمِ، لَمْ يَلْبَثْ بَعْدَ مَقْدَمِهِ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ،

ثُمَّ تُوُفِّيَ بَعْدَهُ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ مَقْدَمِهِ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ بِالذُّبْحَةِ أَوِ الشَّهْقَةِ. ([906])

وَروى الترمذي وابن حبان وابْنُ جَرِيرٍ :عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوَى أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ فِي الشَّوْكَةِ"([907]).

وفيها ولد أول مولود للمهاجرين بعد الهجرة وهو عبد الله بن الزبير- كما تقدم-

ثم بعده بستة أشهر ولد النعمان بن بشير بن سعد  أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ لِلْأَنْصَارِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.وقيل: أنه ولد بعد الهجرة بأربعة عشر شهرًا.

وفيها أصيب بعض المهاجرين بحمَّى المدينة .فقد روى مالك – في الموطأ-ومن طريقه

البخاري عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، - رحمة الله عليها - أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَنا المدينة، وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلاَلٌ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا، فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ وَيَا بِلاَلُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَتْ: فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى، يَقُولُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ

وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا قْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ، فَيَقُولُ:

أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ، وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ؟

وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجِنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ؟

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلى الله عَلَيه وَسَلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا لَنَا وَبَارِكْ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ([908]).

ورواه أحمد - بسياق أطول- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ اشْتَكَى أَصْحَابُهُ، وَاشْتَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَبِلَالٌ، فَاسْتَأْذَنَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِيَادَتِهِمْ، فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ لِأَبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ فَقَالَ:

كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ،

وَسَأَلَتْ عَامِرًا، فَقَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ... إِنَّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ،

وَسَأَلَتْ بِلَالًا، فَقَالَ: يَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِفَجٍّ  وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ،

فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ بِقَوْلِهِمْ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: اللهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ، كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ وَأَشَدَّ، اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا، وَفِي مُدِّهَا  ، وَانْقُلْ وَبَاءَهَا إِلَى مَهْيَعَةَ " وَهِيَ الْجُحْفَةُ كَمَا زَعَمُوا"([909])

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ  زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ - فِيمَا قِيلَ - رَكْعَتَانِ،

وَكَانَتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم الْمَدِينَةَ بِشَهْرٍ فِي ربيع الآخر لمضي ثنتي عشرة ليلة مضت، وَقَالَ: وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْحِجَازِ فِيهِ. ([910]) وقد ورد ذلك في الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم :عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: «الصَّلاَةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَأُتِمَّتْ صَلاَةُ الحَضَرِ»([911]) وفي رواية« وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الحَضَرِ»([912])

 

باب:إسلام سلمان الفارسي

روى ابن إسحاق رحمه الله حديث إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه عن عبد الله بن عباس قال: حدثني سلمان الفارسي – مِن فيه – قال:

كُنْتُ رَجُلًا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ مِنْهَا يُقَالُ لَهَا: (جَيٌّ) وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ، كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ.

وَأَجْهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَطَنَ النَّارِ الَّذِي يُوقِدُهَا لَا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً.

قَالَ: وَكَانَتْ لِأَبِي ضَيْعَةٌ عَظِيمَةٌ، فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي بُنْيَانٍ هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي فَاذْهَبْ فَاطَّلِعْهَا وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ، ثم قال لي: ولا تحتبس عني؛ فإنك إن احتسبت عني كنتم أهم إليّ من ضيعتي، وشغلتني عن كل شيء من أمري.

فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَكُنْتُ لَا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِمْ وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ، دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَنِي صَلَاتُهُمْ، وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِمْ، وَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدِّينِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ. فَوَاللَّهِ مَا تَرَكْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي فَلَمْ آتِهَا، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: بِالشَّامِ.

فرَجَعْتُ إلى أَبِي، وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي وَشَغَلْتُهُ عَنْ أَمْرِهِ كُلِّهِ.

فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ: أَيْ بُنَيَّّ! أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ؟ . قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَتِ مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ، فَوَاللَّهِ؛ مَازِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ.

قَالَ: أَيْ بُنَيَّ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ خَيْرٌ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ.

قَالَ: قُلْتُ: كَلَّا وَاللَّهِ؛ إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ دِينِنَا.

قَالَ: فَخَافَنِي، فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ قَيْدًا ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ.

قَالَ: وَبَعَثَتْ إِلَيَّ النَّصَارَى. فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنْ النَّصَارَى، فَأَخْبِرُونِي بِهِمْ، قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنْ النَّصَارَى، فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ. فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إلى بِلَادِهِمْ فَآذِنُونِي بِهِمْ.

قَالَ: فَلَمَّا أَرَادُوا الرَّجْعَةَ إلى بِلَادِهِمْ أَخْبَرُونِي بِهِمْ، فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلَيَّ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَلَمَّا قَدِمْتُهَا قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ عِلْمَاً؟ قَالُوا: الْأَسْقُفُّ فِي الْكَنِيسَةِ.

قَالَ: فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ له: إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّينِ. وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ. وأَخْدُمُكَ فِي كَنِيسَتِكَ، وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ، وَأُصَلِّي مَعَكَ، قَالَ: ادْخُلْ.

فَدَخَلْتُ مَعَهُ، قَالَ فَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ؛ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا؛ فَإِذَا جَمَعُوا إليه مِنْهَا أَشْيَاءَ كَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ الْمَسَاكِينَ، حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلَالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ.

قَالَ: وَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ.

ثُمَّ مَاتَ، فَاجْتَمَعَتْ إليه النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سَوْءٍ يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا، فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا كَنَزَهَا لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا.

قَالُوا: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُمْ: أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ. قَالُوا: فَدُلَّنَا. قَالَ: فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ، قَالَ فَاسْتَخْرَجُوا سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا، قَالَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَدْفِنُهُ أَبَدًا. قَاْلَ: فَصَلَبُوهُ ورَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ.

وجَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَوَضَعُوهُ مَكَان. قَالَ سَلْمَانُ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا، وَلَا أَرْغَبُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا أَدْأَبُ لَيْلًا وَنَهَارًا مِنْهُ.

قَالَ: فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لَمْ أُحِبَّ شيئاً قَبْلَهُ مِثْلَهُ.

قالَ: فَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي قَدْ كُنْتُ مَعَكَ وَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ شيئاً قَبْلَكَ ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تعالى ، فَإلى مَنْ تُوصِي بِي؟ وبَِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ أَحَداَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوا، وَتَرَكُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ؛ إِلَّا رَجُلًا بِـ(الْمَوْصِلِ)، وَهُوَ فُلَانٌ، فَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، فَالْحَقْ بِهِ.

قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ (الْمَوْصِلِ)، فَقُلْتُ: يَا فُلَانُ! إِنَّ فُلَانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ. فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي.

فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ! إِنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ، وَأَمَرَنِي بِاللُّحُوقِ بِكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ اللَّهِ مَا تَرَى، فَإلى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: يا بُنَيَّ! وَاللَّهِ؛ مَا أَعْلَمُ رَجُلًا عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ إِلَّا بِـ(نَصِيبِينَ)، وَهُوَ فُلَانٌ، فَالْحَقْ بِهِ.

فَلَمَّا مَاتَ وَغُيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ (نَصِيبِينَ) فَجِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبِي. فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي. فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى أَمْرِ صَاحِبَيْهِ، فَأَقَمْتُ مَعَ خَيْرِ رَجُلٍ فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ فَلَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ ! إِنَّ فُلَانًا كَانَ أَوْصَى بِي إلى فُلَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإلى مَنْ تُوصِي بِي؟ وبِمَ تَأْمُرُنِي؟

قَالَ: يا بُنَيَّ! وَاللَّهِ مَا أعْلَمُ أَحَدًا بَقِيَ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ إِلَّا رَجُلًا بِـ(عَمُّورِيَّةَ) فَإِنَّهُ بِمِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فائتِهِ؛ فَإِنَّهُ عَلَى أَمْرِنَا.

قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ (عَمُّورِيَّةَ)، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي. فَأَقَمْتُ عِنْدَ خير رجلٍ على هديِ أَصْحَابِهِ.

قَالَ: وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ.

قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ، فَلَمَّا حُضِرَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَان! إِنِّي كُنْتُ مَعَ فُلَانٍ فَأَوْصَى بِي إلى فُلَانٍ، ثُمّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إلى فُلَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإلى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي؟

قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَاللَّهِ؛ مَا أَعْلَمُ أَصْبَحَ أحدٌ عَلَى مثل مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنْ النَّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ هُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ. مُهَاجِره إلى أَرْضٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا نَخْلٌ، بِهِ عَلَامَاتٌ لَا تَخْفَى: يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ. فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلَادِ، فَافْعَلْ.

قَالَ: ثُمَّ مَاتَ، وَغَيَّبَ، ومَكَثْتُ بـِ(عَمُّورِيَّةَ) مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ.

ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّار، فَقُلْتُ لَهُمْ: احمِلُونِي إلى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ. قَالُوا: نَعَمْ. فَأَعْطَيْتُهُمُوهَا وَحَمَلُونِي معهم، حَتَّى إِذَا بلغوا وَادِي الْقُرَى ظَلَمُونِي؛ فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ عَبْدًا فَكُنْتُ عِنْدَهُ، وَرَأَيْتُ النَّخْلَ، فَرَجَوْتُ أَنْ يكُونَ الْبَلَدَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي وَلَمْ يَحِقْ فِي نَفْسِي.

فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ (الْمَدِينَةِ) فَابْتَاعَنِي مِنْهُ، فَاحْتَمَلَنِي إلى (الْمَدِينَةِ)، فَوَاللَّهِ؛ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا، فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي لها، فَأَقَمْتُ بِهَا.

وَبُعِثَ رَسُولَُ الله صلى الله عليه وسلم، فَأَقَامَ بـ(مكة) مَا أَقَامَ، لَا أَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ مِمََّا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرِّقِّ، ثُمَّ هَاجَرَ إلى (الْمَدِينَةِ).

فَوَاللَّهِ إِنِّي لَفِي رَأْسِ عَذْقٍ لِسَيِّدِي أَعْمَلُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ، وَسَيِّدِي جَالِسٌ تحتي، إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: يا فُلَانُ قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ، وَاللَّهِ؛ إِنَّهُمْ لَمُجْتَمِعُونَ الْآنَ بِـ(قُبَاءَ) عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ مِنْ (مَكَّةَ) الْيَوْمَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ.

قَالَ فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَخَذَتْنِي الرَّعْدَةُ، حَتَّى ظَنَنْتُ ساقِطٌ عَلَى سَيِّدِي، فَنَزَلْتُ عَنْ النَّخْلَةِ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِابْنِ عَمِّهِ: ذَلِكَ مَاذَا تَقُولُ؟ مَاذَا تَقُولُ؟

قَالَ:فَغَضِبَ سَيِّدِي، فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ وَلِهَذَا؟! أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ.

قَالَ: فقُلْتُ: لَا شَيْءَ؛ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَ عَمَّا قَالَ.

قالَ: وكَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْتُهُ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ، ثُمَّ ذَهَبْتُ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِـ(قُبَاءَ)، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَمَعَكَ أَصْحَابٌ لَكَ غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ، وَهَذَا شَيْءٌ كَانَ عِنْدِي لِلصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ.

قَالَ: فَقَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كلوا))، وَأَمْسَكَ يَدَهُ فَلَمْ يَأْكُلْ.

فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاحِدَةٌ.

ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ، فَجَمَعْتُ شَيْئًا، وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ جِئْتُه فَقُلْتُ له: إِنِّي رَأَيْتُكَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا. قَالَ: فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا مَعَهُ.

قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَاتَانِ اثْنَتَانِ.

قالَ: ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِـ(بَقِيعِ الْغَرْقَدِ) قَدْ تَبِعَ جَنَازَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، وعَلَيْهِ شَمْلَتَانِ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَدَبرْتُه أَنْظُرُ إلى ظَهْرِهِ ؛ هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي؟ فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَدبَرْتُهُ؛ عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي، فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إلى الْخَاتَمِ، فَعَرَفْتُهُ فَاكَبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تَحَوَّلْ))، فَتَحَوَّلْتُ بين يديه، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ.

ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَدْرٌ) وَ(أُحُدٌ).

قَالَ سلمان: ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ!)).

فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلَاثِ مِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقِيرِ، وأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ:  ((أَعِينُوا أَخَاكُمْ)).

فَأَعَانُونِي في النَّخْلِ: الرَّجُلُ بِثَلَاثِينَ وَدِيَّةً، وَالرَّجُلُ بِعِشْرِينَ ودية، وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ ودية، وَالرَّجُلُ بِعَشْرة، يعين الرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ حَتَّى اجْتَمَعَتْ لِي ثَلَاثُ مِائَةِ وَدِيَّةٍ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ! فَفَقِّرْ لَهَا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَأْتِنِي أَكُنُ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدَيَّ)).

قال: فَفَقَّرْتُ، وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي، حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعِي إِلَيْهَا، فَجَعَلْنَا نُقَرِّبُ لَهُ الْوَدِيَّ، وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، حتى إذا فرغنا، فَوَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ؛ مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ.

فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ وَبَقِيَ عَلَيَّ الْمَالُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ بَعْضِ المعادن، فَقَالَ:

((مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمُكَاتَبُ؟)).

قَالَ: فَدُعِيتُ لَهُ، قَالَ: ((خُذْ هَذِهِ فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ يَا سَلْمَان!)).

فَقُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِمَّا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:((خُذْهَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ)).

قَالَ: فَأَخَذْتُهَا فَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا - وَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ - أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَأَوْفَيْتُهُمْ حَقَّهُمْ.وَعُتِقَ سلمان. فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْخَنْدَقَ) ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ" [913].

وروى البخاري في ((صحيحه)) عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِىِّ أَنَّهُ تَدَاوَلَهُ بِضْعَةَ عَشَرَ ، مِنْ رَبٍّ إِلَى رَبٍّ "[914] .أي: من معلم إلى معلم، ومُرَبّ إلى مثله. والله أعلم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كتاب :المغازي وما تخللها من أحداث

 

باب : فرض الجهاد

لما استقر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة بين أظهر الأنصار و تكفلوا بنصره و منعه من الأسود و الأحمر رمتهم العرب قاطبة عن قوس واحدة و تعرضوا لهم من كل جانب و كان الله سبحانه قد أذن للمسلمين في الجهاد في سورة الحج و هي مكية في قوله تعالى : {إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ` أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ` الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ` الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ }[الحج: 38-41].

روى أحمد عن ابن عباس قال : لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون ليهلكن. فنزلت: { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير } قال: فعرف أنه سيكون قتال. قال ابن عباس: هي أول آية نزلت في القتال [915]

ثم لما صاروا في المدينة و صارت لهم شوكة و عضد كتبَ اللهُ عليهم الجهاد كما قال الله تعالى في سورة البقرة : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }[البقرة:216]

والمتتبع للقرآن والسنة يجد  تشريع القتال جاء على مراحل:

المرحلة الأولى: الحظر، وذلك عندما كان المسلمون في مكة، وكانوا يطالبون النبي صلى الله عليه وسلم بالإذن لهم في القتال فينهاهم عن القتال، لأنه لم يؤمر به، ويأمرهم بالصبر([916]).وروى النسائي: عن ابن عباس : أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقالوا يا رسول الله إنا كنا في عز ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة فقال إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا “ [917]

المرحلة الثانية: الإذن به من غير إيجاب، قال تعالى: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } [الحج: 39].

المرحلة الثالثة: وجوب قتال من قاتل المسلمين، قال تعالى: { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } [البقرة: 190].

المرحلة الرابعة: فرض قتال عموم الكفار على المسلمين، قال تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } [التوبة: 36].

إن هذا التدرج في حكم القتال كان يقتضيه وضع الدولة الإسلامية الناشئة، وحالة الجيش الإسلامي الذي كان يأخذ في التكوين من حيث العدد والعُدد والتدريب، وما إلى ذلك فكان لا بد من مضي فترة من الوقت يكون التعرض فيها لأعداء الدعوة الإسلامية من كفار قريش الذين آذوا المسلمين، واضطروهم إلى الخروج من ديارهم، يكون فيها ذلك التعرض لأعداء الدعوة، إنما هو على سبيل الاختيار، لا على سبيل الإجبار، وذلك إلى أن يصلب عود الدولة الإسلامية ويشتد بأس القوة الإسلامية، بحيث تستطيع الصمود أمام قوى الكفر في الجزيرة العربية فيما لو عملت قريش على تأليبها ضد المسلمين، كما وقع فيما بعد، وحينئذ يأتي وجوب القتال، في حالة تكون فيها أوضاع الدولة الإسلامية، والجيش الإسلامي على أهبة الاستعداد لمواجهة كافة الاحتمالات، هذا فيما يتصل بالقتال الذي يتعرض فيه المسلمون لكفار قريش، جاء النص بالإذن، أي بالإباحة لا بالوجوب أما في حالة ما لو تعرض فيه المسلمون وهم في دولتهم في المدينة لهجوم الأعداء عليهم، فالقتال هنا فرض لا مجال فيه للخيار، وليس مجرد أمر مأذون فيه، وذلك تطبيقاً لبيعة الحرب، بيعة العقبة الثانية التي أوجبت على الأنصار حرب الأحمر والأسود من الناس في سبيل الذود عن الدعوة الإسلامية، وصاحبها وأتباعها([918]).

ومع نزول الإذن بالقتال شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم في تدريب أصحابه على فنون القتال والحروب، واشترك معهم في التمارين والمناورات، والمعارك، وعد السعي في هذه الميادين من أجلِّ القربات وأقدس العبادات التي يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى فالجهاد ذروة سنام الإسلام، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بتطبيق قول الله تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } [الأنفال: 60] في تكوين المجاهد المسلم يعتمد على نهجين متوازنين، التوجيه المعنوي، والتدريب العملي [919].

1- التوجيه المعنوي:

فكان صلى الله عليه وسلم يسعى إلى رفع معنويات المجاهدين، يمنحهم أملاً يقينيا بالنصر أو الجنة، ومنذ تلك اللحظات وفيما بعد ظل هذا (الأمل) يحدو الجندي المسلم في ساحات القتال ويدفعه إلى بذل كل طاقته النفسية والجسدية والفنية من أجل كسب المعارك أو الموت تحت ظلال السيوف([920]) فمن أقواله صلى الله عليه وسلم في حث أصحابه على الجهاد:

روى البخاري: عن سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنَّ رِجَالاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّى ، وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ ، مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِى سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّى أُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ » »([921]).

و عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَىْءٍ ، إِلاَّ الشَّهِيدُ ، يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ ، لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ »([922])

2- الأسلوب العملي:

فقد سعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى اعتماد كل طاقات الأمة القادرة على البذل والعطاء، رجالاً ونساءً وصبياناً وشباباً وشيوخاً، وإلى التمرس على كل مهارة في القتال طعناً بالرمح وضرباً بالسيف، ورمياً بالنبل، ومناورة على ظهور الخيل، وكان صلى الله عليه وسلم يمزج خَطَّي التربية العسكرية المتوازنين: التوجيه والتدريب والأمل بالنصر أو الجنة وتقديم الجهد في ساحات القتال، ويحض المسلمين على إتقان ما تعلموا من فنون الرماية،

روى مسلم: عَنْ الحارث عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شَمَاسَةَ أَنَّ فُقَيْمًا اللَّخْمِىَّ قَالَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ تَخْتَلِفُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغَرَضَيْنِ وَأَنْتَ كَبِيرٌ يَشُقُّ عَلَيْكَ. قَالَ عُقْبَةُ لَوْلاَ كَلاَمٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ أُعَانِهِ. قَالَ الْحَارِثُ فَقُلْتُ لاِبْنِ شُمَاسَةَ وَمَا ذَاكَ قَالَ إِنَّهُ قَالَ « مَنْ عَلِمَ الرَّمْىَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا أَوْ قَدْ عَصَى ».([923])

فهي دعوة إلى عموم الأمة وحتى من دخلوا في سن الشيخوخة للتدريب علي إصابة الهدف ومهارة اليد، ونشاط الحركة. إن الإسلام يهتم بطاقات الأمة جميعها ويوجهها نحو المعالي وعلو الهمة.

وكان صلى الله عليه وسلم يهتم بالإعداد على حسب كل ظرف وحال، ويحث على كل وسيلة يستطيعها المسلمون،

روى مسلم: عَنْ أَبِى عَلِىٍّ ثُمَامَةَ بْنِ شُفَىٍّ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ « وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْىُ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْىُ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْىُ »([924])

 

باب: كم عدد الغزوات والسرايا؟

سبعة وعشرون غزوة على قول ابن اسحاق والواقدي وابن سعد،وثمانٍ وثلاثون سرية على قول ابن إسحاق رحمه الله في السيرة وعند غيره أكثر من ذلك حتى عدها البعض سبعين سرية وبعثاً أو أكثر بقليل. وليس لدينا حديثًا صحيحًا مسندًا يدل على هذا العدد  لكن قد ورد عن جابر رضي الله عنه بالسند الصحيح ما يدل على أن عدد الغزوات إحدى وعشرون ،وذلك فيما رواه أحمد ومسلم عن أَبُي الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: «غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً»، قَالَ جَابِرٌ: «لَمْ أَشْهَدْ بَدْرًا، وَلَا أُحُدًا ، مَنَعَنِي أَبِي، فَلَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللهِ يَوْمَ أُحُدٍ، لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ قَطُّ»[925]

وعَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: " غَزَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً , قَاتَلَ فِي ثَمَانٍ مِنْهُنَّ "[926] .

وقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَمْ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ، قُلْتُ: " كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ " [927]

قَالَ ابن حجر في الفتح: قوله( تسع عشرة )كذاقال، ومراده: الغزوات التي خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه سواء قاتل أو لم يقاتل . لكن روى أبو يعلى من طريق أبي الزبير عن جابر: أن عدد الغزوات إحدى وعشرون. وإسناده صحيح وأصله في مسلم ، فعلى هذا ففات زيد بن أرقم ذكر ثنتين منها ولعلهما الأبواء وبواط، وكأن ذلك خفي عليه لصغره، ويؤيد ما قلته: ما وقع عند مسلم بلفظ (قلت: ما أول غزوة  غزاها؟قال: ذات العشير أو العشيرة ) والعشيرة كما تقدم هي الثالثة. وأما قول ابن التين : يحمل قول زيد بن أرقم على أن العشيرة أول ما غزا هو- أي زيد بن أرقم – والتقدير: فقلت ما أول غزوة غزاها أي وأنت معه؟ قال :العشير فهو محتمل أيضا. ويكون قد خفي عليه اثنتان مما بعد ذلك، أو عد الغزوتين واحدة. فقد قال موسى بن عقبة : قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في ثمان: بدر ثم أحد ثم الأحزاب ثم المصطلق ثم خيبر ثم مكة ثم حنين ثم الطائف . وأهمل غزوة قريظة لأنه ضمها إلى الأحزاب لكونها كانت في أثرها، وأفردها غيره لوقوعها منفردة بعد هزيمة الأحزاب، وكذا وقع لغيره عدَّ الطائف وحنين واحدة، لتقاربهما، فيجتمع على هذا قول زيد بن أرقم وقول جابر. أهـ[928]

قال ابن إسحاق:وَكَانَ جَمِيعُ مَا غَزَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَفْسِهِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً . مِنْهَا غَزْوَةُ وَدّانَ ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ ، ثُمّ غَزْوَةُ بُوَاط ، مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى ، ثُمّ غَزْوَةُ الْعَشِيرَةِ ، مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى ، يَطْلُبُ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى ، الّتِي قَتَلَ اللّهُ فِيهَا صَنَادِيدَ قُرَيْشٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْمٍ ، حَتّى بَلَغَ الْكُدْرَ ، ثُمّ غَزْوَةُ السّوِيقِ ، يَطْلُبُ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ ثُمّ غَزْوَةُ غَطَفَانَ ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمِر َ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَحْرَانَ مَعْدِنٌ بِالْحِجَازِ ثُمّ غَزْوَةُ أُحُدٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي النّضِيرِ ، ثُمّ غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ ، ثُمّ غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ ، ثُمّ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ ، مِنْ هُذَيْلٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ ، ثُمّ غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ ، لا يريد قتالا ، فَصَدّهُ الْمُشْرِكُونَ ثُمّ غَزْوَةُ خَيْبَرَ ، ثُمّ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ ثُمّ غَزْوَةُ الْفَتْحِ ، ثُمّ غَزْوَةُ حُنَيْنٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ الطّائِفِ ، ثُمّ غَزْوَةُ تَبُوكَ . قَاتَلَ مِنْهَا فِي تِسْعِ غَزَوَاتٍ: بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ ، وَقُرَيْظَةَ وَالْمُصْطَلِقِ وَخَيْبَرَ ، وَالْفَتْحِ وَحُنَيْنٍ ، وَالطّائِفِ .

وَكَانَتْ بُعُوثُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَرَايَاهُ ثَمَانِيّا وَثَلَاثِينَ ، مِنْ بَيْنَ بَعْثٍ وَسَرِيّةٍ[929].

قال الحافظ في الفتح: قال موسى بن عقبة قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في ثمانٍ: بدر ثم أحد ثم الأحزاب ثم المصطلق ثم خيبر ثم مكة ثم حنين ثم الطائف .وأهمل غزوة قريظة لأنه ضمها إلى الأحزاب لكونها كانت في أثرها...وقال:وقد توسع ابن سعد فبلغ عدة المغازي التي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعًا وعشرين وتبع في ذلك الواقدي - وهو مطابق لما عده ابن إسحاق -إلا أنه لم يفرد وادي القرى من خيبر أشار إلى ذلك السهيلي وكأن الستة الزائدة من هذا القبيل ، وعلى هذا يحمل ما أخرجه عبد الرزاق -بإسناد صحيح- عن سعيد بن المسيب قال: " غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين" وأخرجه يعقوب بن سفيان عن سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق فزاد فيه أن سعيدا قال أولا :ثماني عشرة ثم قال: أربعا وعشرين. قال الزهري : فلا أدري أوهم أو كان شيئا سمعه بعد.

قلت: وحمله على ما ذكرته يدفع الوهم ويجمع الأقوال والله أعلم. وأما البعوث والسرايا فعد ابن إسحاق ستا وثلاثين وعد الواقدي ثمانيا وأربعين وحكى ابن الجوزي في التلقيح ستا وخمسين وعد المسعودي ستين وبلغها شيخنا في نظم السيرة زيادة على السبعين ، ووقع عند الحاكم في الإكليل أنها تزيد على مائة فلعله أراد ضم المغازي إليها .أهـ[930]

 

 

 

.

باب :  غزوة الأبواء ( أول المغازي و السرايا) :

و كانت أول غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه و سلم غزوة الأبواء([931])  وتعرف بغزوة ودَّان([932]) أيضاً، وهما موقعان متجاوران بينهما ستة أميال أو ثمانية و كانت في صفر سنة اثنتين من الهجرة [933]خرج بنفسه صلى الله عليه و سلم حتى بلغ ودان ، ولم يقع قتال في هذه الغزوة بل موادعة ، فوادع بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة مع سيدهم مخشي بن عمرو وكان عدد المسلمين مائتين بين راكب وراجل([934]).ثم رجع النبي إلى المدينة .

وكان استخلف عليها سعد بن عبادة رضي الله عنه

قال البخاري: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَوَّلُ مَا غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَبْوَاءَ ثُمَّ بُوَاطَ ثُمَّ الْعُشَيْرَةَ([935])

ومما لا يصح سندًا:

ما رواه الطبراني عن عمرو بن عوف المزني قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أول غزوة غزاها الأبواء حتى إذا كنا بالروحاء نزل بعرق الظبية، فصلى، ثم قال: هل تدرون ما اسم هذا الجبل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: هذا جبل من جبال الجنة اللهم بارك فيه وبارك لأهله فيه، وقال للروحاء: هذه سجاسج واد من أودية الجنة، لقد صلى في هذا المسجد قبلي سبعون نبيًا، ولقد مر بها موسى عليه عباءتان قطوانيتان على ناقة ورقاء في سبعين ألف من بني إسرائيل حاجين البيت العتيق ولا تمر الساعة حتى يمر بها عيسى بن مريم عبد الله ورسوله حاجا أو معتمرا أو يجمع الله له ذلك"[936]

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " بَيْنَا أَنَا صَادِرٌ عَنْ غَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ، إِذْ مَرَرْتُ بِقُبُورٍ فَخَرَجَ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْ قَبْرٍ يَلْتَهِبُ نَارًا ، وَفِي عُنُقِهِ سِلْسِلَةٌ يَجُرُّهَا، وَهُوَ يَقُولُ: يَا عَبْدُ اللَّهِ اسْقِنِي سَقَاكَ اللَّه،ُ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي، بِاسْمِي يَدْعُونِي أَوْ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِذْ خَرَجَ عَلَى أَثَرِهِ أَسْوَدُ بِيَدِهِ ضِغْثٌ مِنْ شَوْكٍ وَهُوَ يَقُولُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْقِهِ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ فَأَدْرَكَهُ فَأَخَذَ بِطَرَفِ السِّلْسِلَةِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ بِذَلِكَ الضِّغْثِ ثُمَّ اقْتَحَمَا فِي الْقَبْرِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، حَتَّى الْتَأَمَ عَلَيْهِمَا"[937]  .

 

باب: سرية حمزة بن عبد المطلب إلى سيف البحر

في تاريخ خليفة بن خياط : قال علي بن محمد: أول سرية بعثها رسول صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبدالمطلب في شهر ربيع الأول من سنة اثنتين إلى سيف البحر من ناحية العيص من أرض جهينة([938]).

قال ابن إسحاق: وبعث النبي صلى الله عليه وسلم في مقامه ذلك- أي لما وصل إلى المدينة بعد غزوة الأبواء- حمزة بن عبد المطلب إلى سِيف البحر من ناحية العيص في ثلاثين راكباً من المهاجرين ، فلقي أبا جهل بن هشام بذلك الساحل في ثلاثمائة راكب ([939])من أهل مكة، فحجر بين الفريقين مجدي بن عمرو الجهني، وكان موادعا للفريقين جميعاً، فانصرف القوم عن بعض ولم يكن بينهم قتال"([940]).

 

باب: سرية عبيدة بن الحارث بن المطلب

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مُقَامِهِ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ فِي سِتّينَ أَوْ ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ ، فَسَارَ حَتّى بَلَغَ مَاءً بِالْحِجَازِ بِأَسْفَلَ ثَنِيّةِ الْمُرّةِ ، فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ قُرَيْشٍ ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ إلّا أَنّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ قَدْ رُمِيَ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ فَكَانَ أَوّلَ سَهْمٍ رُمِيَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ .

ثُمّ  انصرف القوم عن القوم وللمسلمين حامية، وَفَرّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو الْبَهْرَانِيّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ الْمَازِنِيّ حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَكَانَا مُسْلِمَيْنِ وَلَكِنّهُمَا خَرَجَا لِيَتَوَصّلَا بِالْكُفّارِ . وَكَانَ عَلَى الْقَوْمِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيّ أَنّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ أَحَدُ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ [941].

وذكر ابن إسحاق بعد ذلك مباشرة شعرًا لأبي بكر في هذه السرية وأنكر ابن هشام نسبة هذا الشعر لأبي بكر وهو الصواب لما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كذب من أخبركم أن أبا بكر قال بيت شعر في الإسلام [942]".

فكان هذان البعثان أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه و سلم و لكن اختلف في أيهما كان أول ، و قيل : إنهما كانا في السنة الأولى من الهجرة و هو قول ابن جرير الطبري و الله تعالى أعلم[943]. ولم نجد في شأن هذين البعثين حديثا مسندًا يدل على ذلك

.

باب:   غزوة بواط

ثم غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم غزوة بواط فخرج بنفسه صلى الله عليه و سلم في ربيع الآخر من السنة الثانية و استعمل على االمدينة السائب بن عثمان بن مظعون فسار حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ثم رجع ولم يلق حربًا.

وقد أخرج مسلم في صحيحه عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال:

خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا فكان أول من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم...فذكر الحديث وقال: ثم مضينا حتى أتينا جابر بن عبدالله في مسجده وهو يصلي... فقال جابر: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى غَزْوَةِ بَطْنِ بُوَاطٍ وَهُوَ يَطْلُبُ الْمَجْدِىَّ بْنَ عَمْرٍو الْجُهَنِىَّ وَكَانَ النَّاضِحُ يَعْتَقِبُهُ مِنَّا الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ فَدَارَتْ عُقْبَةُ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى نَاضِحٍ لَهُ فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَهُ ثُمَّ بَعَثَهُ فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ فَقَالَ لَهُ شَأْ لَعَنَكَ اللَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ هَذَا اللاَّعِنُ بَعِيرَهُ ». قَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « انْزِلْ عَنْهُ فَلاَ تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ » [944]

 

باب:غزوة العُشَيرة([945]):

ثم كانت بعدها غزوة العُشيرة و يقال العشيراء خرج بنفسه صلى الله عليه و سلم في أثناء جمادى الأولى حتى بلغها و هي مكان ببطن ينبع و أقام هناك بقية الشهر و ليالي من جمادى الآخرة ، و صالح بني مدلج ، وحلفاءهم من بني ضَمرة،  ثم رجع و لم يلق كيدا وذلك أن العير التي خرجت لها الغزوة قد مضت قبل ذلك بأيام ذاهبة إلى الشام([946]) ، و قد كان استخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد .

وفي صحيح البخاري ُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ كُنْتُ إِلَى جَنْبِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَقِيلَ لَهُ: كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ مِنْ غَزْوَةٍ قَالَ تِسْعَ عَشْرَةَ قِيلَ: كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ قَالَ سَبْعَ عَشْرَةَ قُلْتُ فَأَيُّهُمْ كَانَتْ أَوَّلَ قَالَ: الْعُسَيْرَةُ أَوْ الْعُشَيْر .ُ فَذَكَرْتُ لِقَتَادَةَ فَقَالَ :الْعُشَيْر "ُ([947])

وكان طلحة بن عبيد الله ممن شارك في هذه الغزوة.روى الحاكم عن طلحة بن عبيد الله قال : سماني رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد طلحة الخير، و في غزوة العشيرة طلحة الفياض ، و يوم حنين طلحة الجواد" [948]

وكان علي وعمار رضي الله عنهما رفيقين في هذه الغزوة، فقد روى ابْنُ إسْحَاقَ : عَنْ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، قَالَ: كُنْت أَنَا وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَفِيقَيْنِ فِي غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ فَلَمّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقَامَ بِهَا ؛ رَأَيْنَا أُنَاسًا مِنْ بَنِي مُدْلِج ٍ يَعْمَلُونَ فِي عَيْنٍ لَهُمْ وَفِي نَخْلٍ ؛ فَقَالَ لِي عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : يَا أَبَا الْيَقْظَانِ هَلْ لَك فِي أَنْ تَأْتِيَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَنَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ ؟ قَالَ قُلْت : إنْ شِئْتَ. قَالَ: فَجِئْنَاهُمْ فَنَظَرْنَا إلَى عَمَلِهِمْ سَاعَةً ثُمّ غَشِيَنَا النّوْمُ . فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَعَلِيّ حَتّى اضْطَجَعْنَا فِي صُورٍ مِنْ النّخْلِ وَفِي دَقْعَاءَ مِنْ التّرَابِ فَنِمْنَا ، فَوَاَللّهِ مَا أَهَبّنَا إلّا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحَرّكُنَا بِرِجْلِهِ . وَقَدْ تَتَرّبْنَا مِنْ تِلْكَ الدّقْعَاءِ الّتِي نِمْنَا فِيهَا ، فَيَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَا لَكَ يَا أَبَا تُرَابٍ ؟ لِمَا يَرَى عَلَيْهِ مِنْ التّرَابِ ، ثُمّ قَالَ أَلَا أُحَدّثُكُمَا بِأَشْقَى النّاسِ رَجُلَيْنِ ؟ قُلْنَا : بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: أُحَيْمِرُ ثَمُودٍ الّذِي عَقَرَ النّاقَةَ وَاَلّذِي يَضْرِبُك يَا عَلِيّ عَلَى هَذِهِ - وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى قَرْنِهِ - حَتّى يَبُلّ مِنْهَا هَذِهِ . وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ"  [949].

قلت: الصحيح في تسمية علي أبا تراب ما في صحيح البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ :جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ: ( أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ ؟ ) قَالَتْ : كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي ، فَخَرَجَ ، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِنْسَانٍ:  (انْظُرْ أَيْنَ هُوَ ؟) فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ،  فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ:  ( قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ) [950]

 

باب:سرية سعد بن أبي وقاص:

 

وبعد غزوة العشيرة بعث النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص في سرية قوامها ثمانية رَهْط من المهاجرين فخرج حتى بلغ الخَرَّار([951]) من أرض الحجاز، ثم رجع ولم يلق كيداً.

 

قالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، فِي ثَمَانِيَةِ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَخَرَجَ حَتّى بَلَغَ الْخَرّارَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ ، ثُمّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ بَعْثَ سَعْدٍ هَذَا كَانَ بَعْدَ حَمْزَةَ([952]) .

وقد ذكر الواقدي أن بعث حمزة في رمضان وبعث عبيدة في شوال وبعث سعد في ذي القعدة كلها في السنة الاولى[953]

 

باب: غزوة سفوان (بدر الأولى)

ثم خرج بعدها بنحو من عشرة أيام إلى بدر الأولى و ذلك أن كرز بن جابر الفهري أغار على سرح المدينة ونهب بعض الإبل والمواشي فطلبه فبلغ واديا يقال له ( سفوان) في ناحية بدر ، ففاته كرز  ولم يدركه ، فرجع ، و كان قد استخلف على المدينة زيد بن حارثة رضي الله عنه

و بعث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في طلب كرز بن جابر فيما قيل و الله أعلم و قيل : بل بعثه لغير ذلك [954].

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمْ يَقُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ إلّا لَيَالِيَ قَلَائِلَ لَا تَبْلُغُ الْعَشْرَ حَتّى أَغَارَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيّ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَبِهِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ .

َقالَ ابْنُ إسْحَاقَ  حَتّى بَلَغَ وَادِيًا ، يُقَالُ لَهُ سَفْوَانُ ، مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ وَفَاتَهُ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى . ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ ([955]).

 

باب: سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة

وفيها  بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله جحش بن رئاب الأسدي-  و ثمانية من المهاجرين و كتب له كتابًا و أمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه و لا يكره أحدًا من أصحابه ففعل ولما فتح الكتاب وجد فيه : ( إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل ( نخلة ) بين مكة و الطائف و ترصد بها قريشًا و تعلم لنا من أخبارهم  فقال : سمعًا و طاعة و أخبر أصحابه بذلك و بأنه لا يستكرهم .فخرجوا كلهم معه .وأغاروا على عير لقريش في آخر يوم من أيام رجب بعد أن تشاوروا، فغنموا وأسروا وقتلوا، فكانت أول غنيمة في الإسلام وأول خمس في الإسلام و أول قتيل في الإسلام و أول أسير في الإسلام إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم ما فعلوه ،  و قد كانوا رضي الله عنهم مجتهدين فيما صنعوا ، وهذه السرية هي التي نزل فيها قول الله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ }[البقرة: 217].

والمعنى : هذا الذي وقع وإن كان خطأ لأن القتال في الشهر الحرام كبير عند الله إلا أن ما أنتم عليه أيها المشركون من الصد عن سبيل الله و الكفر به و بالمسجد الحرام و إخراج محمد صلى الله عليه وسلم و أصحابه -الذين هم أهل المسجد الحرام في الحقيقة- أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل الخمس من تلك الغنيمة و أخذ الفداء من ذينك الأسيرين .

 

روى الطبراني في الكبير: عن جندب بن عبد الله : عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بَعَثَ رَهْطًا وَبَعَثَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ أَوْ عُبَيْدَةَ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَنْطَلِقَ بَكَى صُبَابَةُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ مَكَانَهُ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَقْرَأَ الْكِتَابَ حَتَّى يَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ: «لَا تُكْرِهَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ عَلَى الْمَسِيرِ مَعَكَ» ، فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ اسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ: سَمْعٌ وَطَاعَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَخَبَّرَهُمُ الْخَبَرَ وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ، فَرَجَعَ رَجُلَانِ وَمَضَى بَقِيَّتُهُمْ، فَلَقُوا ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَتَلُوهُ، وَلَمْ يَدْرُوا أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَجَبٍ أَوْ جُمَادَى، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ قَتَلْتُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: 217] الْآيَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَصَابُوا وِزْرًا فَلَيْسَ لَهُمْ أَجْرٌ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[البقرة:218])[956]

وقال ابن اسحاق: وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيّ فِي رَجَبٍ مَقْفَلَهُ مِنْ بَدْرٍ الْأُولَى ، وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَنْظُرَ فِيهِ حَتّى يَسِيرَ يَوْمَيْنِ ثُمّ يَنْظُرَ فِيهِ فَيَمْضِيَ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَلَا يَسْتَكْرِهَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا ، وَكَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ . ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَمِنْ حَلْفَائِهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ ، وَهُوَ أَمِيرُ الْقَوْمِ وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ أَحَدُ بَنِي أَسَدِ  خُزَيْمَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ . وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ : سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَرِينِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ ، أَحَدُ بَنِي تَمِيمٍ حَلِيفٌ لَهُمْ وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ حَلِيفٌ لَهُمْ . وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ .

فَلَمّا سَارَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ يَوْمَيْنِ فَتَحَ الْكِتَابَ فَنَظَرَ فِيهِ فَإِذَا فِيهِ: إذَا نَظَرْت فِي كِتَابِي هَذَا فَامْضِ حَتّى تَنْزِلَ نَخْلَةَ ، بَيْنَ مَكّةَ وَالطّائِفِ ، فَتَرَصّدْ بِهَا قُرَيْشًا وَتَعَلّمْ لَنَا مِنْ أَخْبَارِهِمْ . فَلَمّا نَظَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ فِي الْكِتَابِ قَالَ: سَمْعًا وَطَاعَةً .ثُمّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: قَدْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَمْضِيَ إلَى نَخْلَةَ ، أَرْصُدَ بِهَا قُرَيْشًا ، حَتّى آتِيَهُ مِنْهُمْ بِخَبَرِ وَقَدْ نَهَانِي أَنْ أَسْتَكْرِهَ أَحَدًا مِنْكُمْ . فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الشّهَادَةَ وَيَرْغَبُ فِيهَا فَلْيَنْطَلِقْ وَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ فَأَمّا أَنَا فَمَاضٍ لِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَمَضَى وَمَضَى مَعَهُ أَصْحَابُهُ لَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ.

وَسَلَكَ عَلَى الْحِجَازِ ، حَتّى إذَا كَانَ بِمَعْدِنَ فَوْقَ الْفُرُعِ ، يُقَالُ لَهُ بَحْرَانُ ، أَضَلّ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرًا لَهُمَا ، كَانَا يَعْتَقِبَانِهِ . فَتَخَلّفَا عَلَيْهِ فِي طَلَبِهِ . وَمَضَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ وَبَقِيّةُ أَصْحَابِهِ حَتّى نَزَلَ بِنَخْلَةَ فَمَرّتْ بِهِ عِيرٌ لِقُرَيْشِ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَأَدَمًا ، وَتِجَارَةً مِنْ تِجَارَةِ قُرَيْشٍ ، فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ[957] .  وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَأَخُوهُ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْمَخْزُومِيّانِ وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ

فَلَمّا رَآهُمْ الْقَوْمُ هَابُوهُمْ وَقَدْ نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ فَأَشْرَفَ لَهُمْ عُكّاشَةُ بْنُ مُحْصَنٍ وَكَانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ فَلَمّا رَأَوْهُ أَمِنُوا ، وَقَالُوا عَمّارٌ لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ . وَتَشَاوَرَ الْقَوْمُ فِيهِمْ - وَذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ- فَقَالَ الْقَوْمُ: وَاَللّهِ لَئِنْ تَرَكْتُمْ الْقَوْمَ هَذِهِ اللّيْلَةَ لَيَدْخُلُنّ الْحَرَمَ ، فَلَيَمْتَنِعُنّ مِنْكُمْ بِهِ وَلَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَتَقْتُلُنّهُمْ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ، فَتَرَدّدَ الْقَوْمُ وَهَابُوا الْإِقْدَامَ عَلَيْهِمْ،  ثُمّ شَجّعُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَأَخْذِ مَا مَعَهُمْ . فَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِيّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيّ بِسَهْمِ فَقَتَلَهُ ، وَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ ، وَالْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ وَأَفْلَتَ الْقَوْمَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَأَعْجَزَهُمْ .

وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ وَأَصْحَابُهُ بِالْعِيرِ وَبِالْأَسِيرَيْنِ حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ . وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ : أَنّ عَبْدَ اللّهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إنّ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِمّا غَنِمْنَا الْخُمُسَ - وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ اللّهُ تَعَالَى الْخُمُسَ مِنْ الْمَغَانِمِ - فَعَزَلَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُمُسَ الْعِيرِ وَقَسّمَ سَائِرَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدمِوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، قَالَ مَا أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالٍ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ . فَوَقّفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ . وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُقِطَ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ وَقَالَتْ قُرَيْشٌ: قَدْ اسْتَحَلّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشّهْرَ الْحَرَامَ وَسَفَكُوا فِيهِ الدّمَ وَأَخَذُوا فِيهِ الْأَمْوَالَ وَأَسَرُوا فِيهِ الرّجَالَ، فَقَالَ مَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمّنْ كَانَ بِمَكّةَ: إنّمَا أَصَابُوا مَا أَصَابُوا فِي شَعْبَانَ .

وقال: فَلَمّا أَكْثَرَ النّاسُ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ }[البقرة: 217].

وقال: فَلَمّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَذَا مِنْ الْأَمْرِ وَفَرّجَ اللّهُ تَعَالَى عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الشّفَقِ قَبَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ وَبَعَثَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَالْحَكَمِ ابْنِ كَيْسَانَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: لَا نُفْدِيكُمُوهَا حَتّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا - يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ ، وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ - فَإِنّا نَخْشَاكُمْ عَلَيْهِمَا ، فَإِنْ تَقْتُلُوهُمَا ، نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ فَقَدِمَ سَعْدٌ وَعُتْبَةُ فَأُفْدَاهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ :الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قُتِل َ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا . وَأَمّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَلَحِقَ بِمَكّةَ فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا.

قال: فَلَمّا تَجَلّى عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ وَأَصْحَابِهِ مَا كَانُوا فِيهِ حِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ طَمِعُوا فِي الْأَجْرِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَطْمَعُ أَنْ تَكُونَ لَنَا غَزْوَةٌ نُعْطَى فِيهَا أَجْرَ الْمُجَاهِدِينَ ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ { إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[البقرة:218] فَوَضَعَهُمْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَعْظَمِ الرّجَاءِ .

وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا عَنْ الزّهْرِيّ وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ  ([958]).

وذكر ابن إسحاق في ذلك شعرًا ونسبه  لأبي بكر الصديق أو لعبد الله بن جحش ، وأنكر ابن هشام أن يكون ذلك لأبي بكر.وهو الصواب كما تقدم.

وقد روى عَبْد اللَّهِ بن الإمام أحمد عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ جَاءَتْهُ جُهَيْنَةُ فَقَالُوا: إِنَّكَ قَدْ نَزَلْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَأَوْثِقْ لَنَا حَتَّى نَأْتِيَكَ وَتُؤْمِنَّا فَأَوْثَقَ لَهُمْ فَأَسْلَمُوا قَالَ فَبَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجَبٍ وَلَا نَكُونُ مِائَةً وَأَمَرَنَا أَنْ نُغِيرَ عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ إِلَى جَنْبِ جُهَيْنَةَ فَأَغَرْنَا عَلَيْهِمْ وَكَانُوا كَثِيرًا فَلَجَأْنَا إِلَى جُهَيْنَةَ فَمَنَعُونَا وَقَالُوا لِمَ تُقَاتِلُونَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَقُلْنَا إِنَّمَا نُقَاتِلُ مَنْ أَخْرَجَنَا مِنْ الْبَلَدِ الْحَرَامِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ مَا تَرَوْنَ فَقَالَ بَعْضُنَا نَأْتِي نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخْبِرُهُ وَقَالَ قَوْمٌ لَا بَلْ نُقِيمُ هَاهُنَا وَقُلْتُ أَنَا فِي أُنَاسٍ مَعِي: لَا، بَلْ نَأْتِي عِيرَ قُرَيْشٍ فَنَقْتَطِعُهَا فَانْطَلَقْنَا إِلَى الْعِيرِ وَكَانَ الْفَيْءُ إِذْ ذَاكَ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ فَانْطَلَقْنَا إِلَى الْعِيرِ وَانْطَلَقَ أَصْحَابُنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَامَ غَضْبَانًا مُحْمَرَّ الْوَجْهِ فَقَالَ أَذَهَبْتُمْ مِنْ عِنْدِي جَمِيعًا وَجِئْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ .إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْفُرْقَةُ لَأَبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلًا لَيْسَ بِخَيْرِكُمْ أَصْبَرُكُمْ عَلَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ فَبَعَثَ عَلَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّ فَكَانَ أَوَّلَ أَمِيرٍ أُمِّرَ فِي الْإِسْلَامِ)([959])

قال ابن كثير: وهذا الحديث يقتضي أن أول السرايا عبد الله بن جحش الأسدي وهو خلاف ما ذكره ابن إسحاق أن أول الرايات عقدت لعبيدة بن الحارث بن المطلب وللواقدي حيث زعم أن أول الرايات عقدت لحمزة بن عبد المطلب والله أعلم [960] .

*  فصل: في بعض التشريعات في هذه السنة.

و في شعبان من هذه السنة – وهي الثانية من الهجرة- حولت القبلة من بيت المقدس إلى

الكعبة و ذلك على رأس ستة عشر شهرًا من مقدمه المدينة ، و قيل سبعة عشر شهرًا و هما في الصحيحين. عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ ، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}[البقرة:144]فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ. وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ وَهُمْ الْيَهُود:ُ{مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ والمغرب} [البقرة:142][961]  وكان أول من صلى إليها أبو سعيد بن المعلى و صاحب له كما رواه النسائي عن أبي سعيد بن المعلى قال : كُنَّا نَغْدُوا لِلْسُوقِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَمُرُّ عَلَى الْمَسْجِدِ فَنُصَلِّي فِيهِ، فَمَرَرْنَا يَوْمًا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقُلْتُ: لَقَدْ حَدَثَ أَمْرٌ فَجَلَسْتُ فَقَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ، قُلْتُ لِصَاحِبِي: تَعَالَ نَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَكُونَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى، فَتَوَارَينَا فَصَلَّيْنَا، ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى لِلنَّاسِ الظُّهْرَ يَوْمَئِذٍ ") [962] .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَيُقَالُ صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ  أهـ([963]).ولكن الصواب ما في الصحيحين عن البراء.ورجح الحافظ في الفتح أن تحويل القبلة كان في نصف رجب فقال: وَذَلِكَ أَنَّ الْقُدُوم- أي قدوم النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلى المدينة مهاجرًا- كَانَ فِي شَهْر رَبِيع الْأَوَّل بِلَا خِلَاف ، وَكَانَ التَّحْوِيل فِي نِصْف شَهْر رَجَب مِنْ السَّنَة الثَّانِيَة عَلَى الصَّحِيح ، وَبِهِ جَزَمَ الْجُمْهُور ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ اِبْن عَبَّاس "أهـ ([964])

 

وأيضًا في هذه السنة فرض صوم رمضان كما قال ابن جرير ،  وقيل: إنه فرض في شعبان

منها ، وفي ذلك تأكيد على أهمية هذه العبادة الجليلة ومكانتها. قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [البقرة: 183].

و فرضت لأجله زكاة الفطر في رمضان من نفس العام ،  وهي على كل حُر أو عبد،

وذكر أو أنثى، وصغير أو كبير من المسلمين، والحكمة من فرضية هذه الزكاة ظاهرة وجلية، فقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما « فرض رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم - زكاةَ الفِطْر طُهْرةً للصَائم مِن اللغو والرَّفثِ وطُعْمةً للمساكينَ، مَنْ أدَّاها قبلَ الصَّلاة، فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدَّاها بعدَ الصَّلاة، فهي صَدَقةٌ من الصَّدقات»([965])

وفي هذه السَنة شرعت صلاة العيد فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة عيد

الفطر، وخرج بالناس إلى المصلى يهللون الله، ويكبرونه، ويعظمونه شكراً لله على ما أفاء عليهم من النعم المتتالية.

 

وفرضت في هذه السنة أيضًا الزكاة ذات النصاب كما قال ابن كثير.[966] ،وهي ركن من

أركان الإسلام، وكان ذلك بعد شهر رمضان؛ لأن تشريع الزكاة العامة كان بعد زكاة الفطر، وزكاة الفطر كانت بعد فرض صيام رمضان قطعاً، يدل على هذا ما رواه الأئمة أحمد وابن خزيمة والنسائي وابن ماجة والحاكم من حديث قيس بن سعد بن عبادة قال: « " أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَنَا وَنَحْنُ نَفْعَلُهَا »([967]) قال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح([968]) وجمهور العلماء سلفاً وخلفاً على أن مشروعية الزكاة إنما كانت بالمدينة في السنة الثانية([969]).

وفيها وقعت غزوة بدر الكبرى - في شهر رمضان -كما سيأتي تفصيل ذلك.

 

 

أبواب: غزوة بدر الكبرى[970]

قال تعالى:{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[آل عمران: 123]وهي الغزوة التي أنزل بشأنها سورة الأنفال ، وسميت في القرآن بيوم الفرقان. إذ فرق الله فيها بين الحق و الباطل و أعز الإسلام وأذل الكفر و أهله

قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْأَنْفَالُ: الْغَنَائِمُ:ثم روى البخاري بسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ الْأَنْفَالِ؟ قَالَ نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ"[971] .

باب: تاريخها وسبب وقوعها.

بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم في رمضان من السنة الثانية بعد الهجرة([972])أن عيرًا مقبلة من الشام صحبة أبي سفيان صخر بن حرب في ثلاثين أو أربعين رجلاً من قريش و هي عير عظيمة تحمل أموالاً جزيلة لقريش فندب صلى الله عليه و سلم الناس للخروج إليها و أمر من كان ظهره حاضرًا بالنهوض و أنه خرج في ثلاثمائة و بضعة عشر رجلاً  وذلك يوم الثاني عشر من رمضان وقيل:لثمان خلون من رمضان، و استخلف ابن أم مكتوم على المدينة و على الصلاة .

روى ابْنُ إسْحَاقَ: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :مَا كَانَ بَيْنَ نُزُولِ { يَا أَيّهَا الْمُزّمّلُ } وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى فِيهَا : { وَذَرْنِي وَالْمُكَذّبِينَ أُولِي النّعْمَةِ وَمَهّلْهُمْ قَلِيلًا * إِنّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا }[سورة المزمل:11-13] إلّا يَسِيرٌ حَتّى أَصَابَ اللّهُ قُرَيْشًا بِالْوَقْعَةِ يَوْمَ بَدْرٍ"[973] .

 

باب: مشاورة النبي أصحابه

و لما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم نجاة قافلة أبي سفيان وخروج قريش وعزمهم على قتاله صلى الله عليه و سلم استشار أصحابه، وكان فريق منهم يريد العير ولم يكن يتوقع قتالاً، فلما حدث خلاف ذلك كرهوا أن يحدث قتال إذ لم يستعدوا لذلك ،وقد صور القرآن ذلك فقال تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ }[الأنفال:5-8]

وقد أجمع قادة المهاجرين على تأييد القتال وتكلم كثير من المهاجرين فأحسنوا ، وقال المقداد كلامًا حسنًا، رواه  البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود- قَالَ: قَالَ الْمِقْدَادُ يَوْمَ بَدْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لاَ نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ }[المائدة:24 ] وَلَكِنِ امْضِ وَنَحْنُ مَعَكَ . فَكَأَنَّهُ سُرِّىَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم"[974]

ثم استشارهم صلى الله عليه وسلم وهو يريد الأنصار بما يقول لا المهاجرين ، فبادر سعد رضي الله تعالى عنه فقال : يا رسول الله ! كأنك تعرض بنا فو الله يا رسول الله لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك فسر بنا يا رسول الله على بركة الله " .

ففي المسند وغيره عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ خَرَجَ فَاسْتَشَارَ النَّاسَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَسَكَتَ "، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: إِنَّمَا يُرِيدُكُمْ [975]، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ لَا نَكُونُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ، وَلَكِنْ وَاللهِ لَوْ ضَرَبْتَ أَكْبَادَهَا  حَتَّى تَبْلُغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَكُنَّا مَعَكَ "[976]ورواه مسلم من طريق آخر عن أنس : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاوَرَ حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْرَضَ  عَنْهُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ[977]، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لَأَخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا "[978].

فسُرَّ صلى الله عليه و سلم بذلك و قال : "سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين،

 

 

 

والله لكأني أرى مصارع القوم " [979]. وستأتي الأحاديث بذلك .

باب: نزول النبي صلى الله عليه و سلم ببدر وما حدث في القتال.

ثم رحل رسول الله صلى الله عليه و سلم و نزل قريبًا من بدر[980] ، و ركب صلى الله عليه و سلم مع رجل من أصحابه مستخبرًا ثم انصرف فلما أمسى بعث عليا و سعدا و الزبير إلى ماء بدر يلتمسون الخبر، فقدموا بعبدين لقريش و رسول الله صلى الله عليه و سلم قائم يصلي فسألهما أصحابه لمن أنتما ؟ فقالا : نحن سقاة لقريش فكره ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وودوا أن لو كانا لعير أبي سفيان و أنه منهم قريب ليفوزوا به لأنه أخف مؤونة من قتال النفير من قريش لشدة بأسهم و استعدادهم لذلك فجعلوا يضربونهما فإذا آذاهما الضرب قالا : نحن لأبي سفيان فإذا سكتوا عنهما قالا : نحن لقريش .

فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم من صلاته قال : والذي نفسي بيده إنكم لتضربونهما إذا صدقا و تتركونهما إذا كذبا ثم قال لهما : أخبراني أين قريش ؟ قالا : وراء هذا الكثيب قال : كم القوم ؟ قالا : لا علم لنا فقال : كم ينحرون كل يوم ؟ فقالا : يوما عشرا ويوما تسعا : فقال صلى الله عليه و سلم : "القوم ما بين التسعمائة إلى الألف"

وفي حديث أنس السابق-الذي رواه مسلم و سبق بعضه في مشورة سعد - قَالَ - فَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا، وَوَرَدَتْ عَلَيْهِمْ رَوَايَا قُرَيْشٍ وَفِيهِمْ غُلاَمٌ أَسْوَدُ لِبَنِى الْحَجَّاجِ فَأَخَذُوهُ فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَسْأَلُونَهُ عَنْ أَبِى سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ. فَيَقُولُ: مَا لِى عِلْمٌ بِأَبِى سُفْيَانَ وَلَكِنْ هَذَا أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ. فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ ، فَقَالَ: نَعَمْ أَنَا أُخْبِرُكُمْ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ. فَإِذَا تَرَكُوهُ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: مَا لِى بِأَبِى سُفْيَانَ عِلْمٌ،وَلَكِنْ هَذَا أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فِى النَّاسِ. فَإِذَا قَالَ هَذَا أَيْضًا ضَرَبُوهُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَائِمٌ يُصَلِّى فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ انْصَرَفَ قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَضْرِبُوهُ إِذَا صَدَقَكُمْ وَتَتْرُكُوهُ إِذَا كَذَبَكُمْ ». قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « هَذَا مَصْرَعُ فُلاَنٍ ». قَالَ وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الأَرْضِ هَا هُنَا وَهَا هُنَا قَالَ فَمَا مَاطَ أَحَدُهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-[981].

و أما بسبس بن عمرو، و عدي بن أبي الزغباء فإنهما وردا ماء بدر، فسمعا جارية تقول لصاحبتها : ألا تقضيني ديني ؟ فقالت الأخرى : إنما تقدم العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم و أقضيك فصدقها مجدي بن عمرو فانطلقا مقبلين لما سمعا و يعقبهما أبو سفيان فقال لمجدي بن عمرو : هل أحسست أحدا من أصحاب محمد ؟ فقال : لا، إلا أن راكبين نزلا عند تلك الأكمة فانطلق أبو سفيان إلى مكانهما و أخذ من بعر بعيرهما ففته، فوجد فيه النوى فقال : و الله هذه علائف يثرب فعدل بالعير إلى طريق الساحل فنجا، و بعث إلى قريش يعلمهم أنه قد نجا هو و العير و يأمرهم أن يرجعوا

و بلغ ذلك قريشا فأبى أبو جهل و قال : و الله لا نرجع حتى نرد ماء بدر ونقيم عليه ثلاثا ونشرب الخمر و تضرب على رؤوسنا القيان فتهابنا العرب أبدا فرجع الأخنس بن شريق بقومه بني زهرة قاطبة و قال : إنما خرجتم لتمنعوا عيركم و قد نجت، و لم يشهد بدرا زهري إلا عما مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله : والد الزهري فإنهما شهداها يومئذ و قتلا كافرين.

فبادر رسول الله صلى الله عليه و سلم قريشًا وأصحابه إلى ماء بدر ليحولوا بين المشركين وبين الماء. روى مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بُسَيْسَةَ عَيْنًا يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِى سُفْيَانَ فَجَاءَ وَمَا فِى الْبَيْتِ أَحَدٌ غَيْرِى وَغَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لاَ أَدْرِى مَا اسْتَثْنَى بَعْضَ نِسَائِهِ قَالَ فَحَدَّثَهُ الْحَدِيثَ[982]. قَالَ :فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَكَلَّمَ فَقَالَ « إِنَّ لَنَا طَلِبَةً فَمَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا فَلْيَرْكَبْ مَعَنَا » فَجَعَلَ رِجَالٌ يَسْتَأْذِنُونَهُ فِى ظُهْرَانِهِمْ فِى عُلْوِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ « لاَ، إِلاَّ مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا ». فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يُقَدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَىْءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ ». فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ ». قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِىُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ قَالَ « نَعَمْ ». قَالَ بَخٍ بَخٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ ». قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ « فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا ». فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرْنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِى هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ ، قَالَ : فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ. ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ.[983]

وحال الله بين قريش و بين الماء بمطر عظيم أرسله و كان نقمة على الكفار و نعمة على المسلمين مهد لهم الأرض و لبدها كما قال تعالى: { إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ } [الأنفال:11]

و بني لرسول الله صلى الله عليه و سلم عريشٌ يكون فيه. و مشى صلى الله عليه و سلم في موضع المعركة و جعل يريهم مصارع رؤوس القوم واحدًا واحدًا

و بات رسول الله صلى الله عليه و سلم تلك الليلة يصلي إلى جذع شجرة هناك وكانت ليلة الجمعة السابع عشر من رمضان، فلما أصبح و أقبلت قريش قال صلى الله عليه و سلم : [ اللهم هذه قريش قد أقبلت في فخرها و خيلائها تحادك و تحاد رسولك ]

و عدل رسول الله صلى الله عليه و سلم الصفوف، ثم رجع إلى العريش هو و أبو بكر وحده و قام سعد بن معاذ و قوم من الأنصار على باب العريش يحمون رسول الله صلى الله عليه و سلم و خرج عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة و الوليد بن عتبة ثلاثتهم جميعًا يطلبون المبارزة فخرج إليهم من المسلمين ثلاثة من الأنصار وهم : عوف و معوذ ابنا عفراء و عبد الله بن رواحة فقالوا لهم : من أنتم ؟ فقالوا : من الأنصار فقالوا : أكفاء كرام و إنما نريد بني عمنا فبرز لهم علي و عبيدة بن الحارث و حمزة رضي الله عنهم فقتل علي الوليد و قتل حمزة عتبة و قيل : شيبة و اختلف عبيدة و قرنه بضربتين فأجهد كل منهما صاحبه فكر حمزة و علي فتمما عليه و احتملا عبيدة و قد قطعت رجله فلم يزل طمثا حتى مات بالصفراء رحمه الله تعالى و رضي عنه و في الصحيح أن عليا رضي الله عنه كان يتأول قوله تعالى { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ   }[الحج: 19]في مبارزتهم يوم بدر.

ثم حمي الوطيس و اشتد القتال و نزل النصر و اجتهد رسول الله صلى الله عليه و سلم في الدعاء و ابتهل ابتهالا شديدًا حتى جعل رداؤه يسقط عن منكبيه و جعل أبو بكر يصلحه عليه و يقول : يا رسول الله بعض مناشدتك ربك فإنه منجز لك ما وعدك و رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ] فذلك قوله تعالى {  إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }[الأنفال:9-10] ثم أغفى رسول الله صلى الله عليه و سلم إغفاءة ثم رفع رأسه و هو يقول : " أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقع"  .

و كان الشيطان قد تبدى لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم زعيم مدلج فأجارهم و زين لهم الذهاب إلى ما هم فيه و ذلك أنهم خشوا بني مدلج أن يخلفوهم في أهاليهم و أموالهم فذلك قوله تعالى : {   وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ }[الأنفال:48] و ذلك أنه رأى الملائكة حين نزلت للقتال و رأى ما لا قبل له به ففر ، و قاتلت الملائكة كما أمرها الله وكان الرجل من المسلمين يطلب قرنه فإذا به قد سقط أمامه، و منح الله المسلمين أكتاف المشركين، فكان أول من فر منهم خالد بن الأعلم فأدرك فأسر، و تبعهم المسلمون في آثارهم يقتلون و يأسرون فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين، و أخذوا غنائمهم فكان من جملة من قتل من المشركين ممن سمى رسول الله صلى الله عليه و سلم موضعه بالأمس : أبو جهل و هو أبو الحكم عمرو بن هشام لعنه الله و عتبة و شيبة ابنا ربيعة و الوليد بن عتبة و أمية بن خلف فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فسحبوا إلى القليب ثم وقف عليهم ليلا فبكتهم و قرعهم  .وتوجه بقية المشركين مهزومين مذعورين صوب مكة لا يدرون كيف يدخلونها خجلاً، وكان أول من قدم بمصاب قريش الحيْسُمان بن عبد الله الخزاعي فأخبرهم بقتل زعمائهم وسادتهم.

ثم أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم-بعد النصر- بالعَرْصًة ثلاثًا.

ثم ارتحل بالأسارى و المغانم و قد جعل عليها عبد الله بن كعب بن عمرو النجاري، فلما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصفراء قسم المغانم كما أمره الله تعالى في سورة الأنفال،وأمر بالنضر بن الحارث فضربت عنقه صبرًا و ذلك لكثرة فساده و أذاه رسول الله صلى الله عليه و سلم ،فرثته أخته و قيل ابنته قتيلة بقصيدة مشهورة ذكرها ابن هشام.

و لما نزل عرق الظبية أمر بعقبة بن أبي معيط فضربت عنقه أيضًا صبرًا، ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم استشار أصحابه في الأسارى : ماذا يصنع بهم ؟ فأشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن يقتلوا وأشار أبو بكر رضي الله عنه بالفداء و هوي رسول الله صلى الله عليه و سلم ما قال أبو بكر ، فحلل لهم ذلك ، وجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم فداءهم أربعمائة ، وعاتبهم الله في ذلك بعض المعاتبة فقال تعالى : {  مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:67] وقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما حديثا طويلا فيه بيان هذا كله،.

و رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة مؤيدا منصورًا قد أعلى الله كلمته، و مكن له، و أعز نصره، فأسلم حينئذ بشرٌ كثير من أهل المدينة و من ثم دخل عبد الله بن أبي بن سلول و جماعته من المنافقين في الدين تقية [984].

* وهذه جملة من الأحاديث الدالة على ما سبق:

روى أحمد: عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَصَبْنَا مِنْ ثِمَارِهَا، فَاجْتَوَيْنَاهَا وَأَصَابَنَا بِهَا وَعْكٌ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَبَّرُ عَنْ بَدْرٍ، فَلَمَّا بَلَغَنَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَقْبَلُوا، سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ، وَبَدْرٌ بِئْرٌ، فَسَبَقْنَا الْمُشْرِكِينَ إِلَيْهَا، فَوَجَدْنَا فِيهَا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ، رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَمَوْلًى لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَأَمَّا الْقُرَشِيُّ فَانْفَلَتَ، وَأَمَّا مَوْلَى عُقْبَةَ فَأَخَذْنَاهُ، فَجَعَلْنَا نَقُولُ لَهُ: كَمِ الْقَوْمُ؟ فَيَقُولُ: هُمْ وَاللَّهِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ، شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ. فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ إِذْ قَالَ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ، حَتَّى انْتَهَوْا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: «كَمِ الْقَوْمُ؟» قَالَ: هُمْ وَاللَّهِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ، شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ فَجَهَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبِرَهُ كَمْ هُمْ، فَأَبَى ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ: «كَمْ يَنْحَرُونَ مِنَ الْجُزُرِ؟» فَقَالَ: عَشْرًا كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْقَوْمُ أَلْفٌ، كُلُّ جَزُورٍ لِمِائَةٍ وَتَبِعَهَا» ثُمَّ إِنَّهُ أَصَابَنَا مِنَ اللَّيْلِ طَشٌّ مِنْ مَطَرٍ، فَانْطَلَقْنَا تَحْتَ الشَّجَرِ وَالْحَجَفِ نَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا، مِنَ الْمَطَرِ، وَبَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْفِئَةَ لَا تُعْبَدْ» قَالَ: فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ نَادَى: «الصَّلاةَ عِبَادَ اللَّهِ» ، فَجَاءَ النَّاسُ مِنْ تَحْتِ الشَّجَرِ، وَالْحَجَفِ، فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَرَّضَ عَلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ جَمْعَ قُرَيْشٍ تَحْتَ هَذِهِ الضِّلَعِ الْحَمْرَاءِ مِنَ الْجَبَلِ» . فَلَمَّا دَنَا الْقَوْمُ مِنَّا وَصَافَفْنَاهُمْ إِذَا رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ يَسِيرُ فِي الْقَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَلِيُّ نَادِ لِي حَمْزَةَ - وَكَانَ أَقْرَبَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ -: مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، وَمَاذَا يَقُولُ لَهُمْ؟ " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ أَحَدٌ يَأْمُرُ بِخَيْرٍ، فَعَسَى أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ» فَجَاءَ حَمْزَةُ فَقَالَ: هُوَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَهُوَ يَنْهَى عَنِ الْقِتَالِ، وَيَقُولُ لَهُمْ: يَا قَوْمُ، إِنِّي أَرَى قَوْمًا مُسْتَمِيتِينَ لَا تَصِلُونَ إِلَيْهِمْ وَفِيكُمْ خَيْرٌ، يَا قَوْمُ اعْصِبُوهَا الْيَوْمَ بِرَأْسِي، وَقُولُوا: جَبُنَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي لَسْتُ بِأَجْبَنِكُمْ، قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: أَنْتَ تَقُولُ هَذَا؟ وَاللَّهِ لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُ هَذَا لَأَعْضَضْتُهُ، قَدْ مَلَأَتْ رِئَتُكَ جَوْفَكَ رُعْبًا، فَقَالَ عُتْبَةُ: إِيَّايَ تُعَيِّرُ يَا مُصَفِّرَ اسْتِهِ؟ سَتَعْلَمُ الْيَوْمَ أَيُّنَا الْجَبَانُ، قَالَ: فَبَرَزَ عُتْبَةُ وَأَخُوهُ شَيْبَةُ وَابْنُهُ الْوَلِيدُ حَمِيَّةً، فَقَالُوا: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَخَرَجَ فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ سِتَّةٌ، فَقَالَ عُتْبَةُ: لَا نُرِيدُ هَؤُلاءِ، وَلَكِنْ يُبَارِزُنَا مِنْ بَنِي عَمِّنَا، مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُمْ يَا عَلِيُّ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ، وَقُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ» فَقَتَلَ اللَّهُ تَعَالَى عُتْبَةَ، وَشَيْبَةَ، ابْنَيْ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ، وَجُرِحَ عُبَيْدَةُ، فَقَتَلْنَا مِنْهُمْ سَبْعِينَ، وَأَسَرْنَا سَبْعِينَ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَصِيرٌ بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَسِيرًا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا وَاللَّهِ مَا أَسَرَنِي، لَقَدْ أَسَرَنِي رَجُلٌ أَجْلَحُ، مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا، عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ، مَا أُرَاهُ فِي الْقَوْمِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَا أَسَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «اسْكُتْ، فَقَدْ أَيَّدَكَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَلَكٍ كَرِيمٍ» فَقَالَ عَلِيٌّ: " فَأَسَرْنَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: الْعَبَّاسَ، وعَقِيلًا، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ " ([985])

وروى مسلم عن أَبُي زُمَيْلٍ - هُوَ سِمَاكٌ الْحَنَفِىُّ - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَاسْتَقْبَلَ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ « اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِى مَا وَعَدْتَنِى اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِى اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِى الأَرْضِ ». فَمَازَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ ،فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ كَذَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ) فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلاَئِكَةِ. قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ فَحَدَّثَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ :بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِى أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ. فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ. فَجَاءَ الأَنْصَارِىُّ فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ ». فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ...الحديث[986] وسيأتي تمامه في الأسرى.

وروى الطبراني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45] ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ جَمْعٍ؟ - وَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ -، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَانْهَزَمَتْ قُرَيْشٌ، «نَظَرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آثَارِهِمْ مُصْلِتًا بِالسَّيْفِ، يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45] » ، وَكَانَتْ لِيَوْمِ بَدْرٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ} [المؤمنون: 64] الْآيَةُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28] الْآيَةُ، «وَرَمَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَسِعَتْهُمْ الرَّمْيَةُ وَمَلَأَتْ أَعْيُنَهُمْ وَأَفْوَاهَهُمْ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُقْتَلُ وَهُو يُقْذِي عَيْنَيْهِ رِمَاهُ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي إِبْلِيسَ {فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48] وَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَنَاسٌ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ: غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرِضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ} [الأنفال: 49]" [987]  .

وروى الطبراني بسنده عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ، أَنَّهُ، سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ: «إِنِّي أُخْبِرْتُ عَنْ عِيرِ  أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهَا مُقْبِلَةٌ، فَهَلْ لَكُمْ أَنْ نُخْرِجَ قِبَلَ هَذَا الْعِيرِ؟ لَعَلَّ اللهُ يُغْنِمُنَاهَا» ، فَقُلْنَا: نَعَمْ، فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا، فَلَمَّا سِرْنَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، قَالَ لَنَا: «مَا تَرَوْنَ فِي الْقَوْمِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أُخْبِرُوا بِمَخْرَجِكُمْ؟» ، فَقُلْنَا: لَا وَاللهِ مَالَنَا طَاقَةٌ بِقِتَالِ الْعَدُوِّ، وَلَكِنْ أَرَدْنَا الْعِيرَ، ثُمَّ قَالَ: «مَا تَرَوْنَ فِي قِتَالِ الْقَوْمِ؟» فَقُلْنَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو: إِذَنْ لَا نَقُولُ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] ، قَالَ: فَتَمَنَّيْنَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ لَوْ أَنَّا قُلْنَا كَمَا قَالَ الْمِقْدَادُ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ يَكُونَ لَنَا مَالٌ عَظِيمٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12] وَقَالَ: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال: 7] وَالشَّوْكَةُ الْقَوْمُ، وَغَيْرُ ذَاتِ الشَّوْكَةِ الْعِيرُ، فَلَمَّا وَعَدَنَا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْقَوْمُ وَإِمَّا الْعِيرُ طَابَتْ أَنْفُسُنَا، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا لِيَنْظُرَ مَا قِبَلَ الْقَوْمِ؟، فَقَالَ: رَأَيْتُ سَوَادًا وَلَا أَدْرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمْ هُمْ هَلُمُّوا أَنْ نَتَعَادَ» فَفَعَلْنَا، فَإِذَا نَحْنُ ثَلَاثَ مِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَأَخْبَرَنَا رَسُولَ اللهِ بِعِدَّتِنَا، فَسَّرَهُ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللهَ وَقَالَ: «عِدَّةُ أَصْحَابِ طَالُوتَ» ثُمَّ إِنَّا اجْتَمَعْنَا مَعَ الْقَوْمِ فَصَفَفْنَا، فَبَدَرَتْ مِنَّا بَادِرَةٌ أَمَامَ الصَّفِّ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «مَعِي مَعِي» ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ وَعْدَكَ» ، فَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُشِيرَ عَلَيْكَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مَنْ يُشِيرُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَنْشُدَهُ وَعْدَهُ، فَقَالَ: «يَا ابْنَ رَوَاحَةَ لَأَنْشُدَنَّ اللهَ وَعْدَهُ، فَإِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ» ، فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ فَرَمَى بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ، فَانْهَزَمُوا فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [الأنفال: 17] فَقَتَلْنَا وَأَسَرْنَا، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَرَى أَنْ يَكُونَ لَكَ أَسْرَى، فَإِنَّمَا نَحْنُ دَاعُونَ مُوَلِّفُونَ، فَقُلْنَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ: إِنَّمَا يَحْمِلُ عُمَرُ عَلَى مَا قَالَ حَسَدًا لَنَا، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ ثُمَّ قَالَ: «ادْعُوا لِي عُمَرَ» ، فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَنْزَلَ عَلَيَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 67] " ([988])

وكان أبو حهل قد استفتح بأن يهزم الأقطع للرحم فهزمه الله، وفيه وأمثاله نزل قول الله تعالى: { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ }[الأنفال:19]

روى أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ حِينَ الْتَقَى الْقَوْمُ: اللَّهُمَّ أَقْطَعَنَا الرَّحِمَ وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُهُ فَأَحْنِهِ الْغَدَاةَ، فَكَانَ الْمُسْتَفْتِحَ" ([989])

باب:شهود الملائكة بدرًا

سبق ذكر الآية الدالة على ذلك .وكذا الحديثين السابقين :عند أحمد وفيه" قَالَ صلى الله عليه وسلم: اسْكُتْ فَقَدْ أَيَّدَكَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَلَكٍ كَرِيمٍ" وعند مسلم وفيه" قَالَ صلى الله عليه وسلم « صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ ».

وقد روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ:" هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ"[990] .

و روى أحمد َعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ، وَلِأَبِي بَكْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ: مَعَ أَحَدِكُمَا جِبْرِيلُ، وَمَعَ الْآخَرِ مِيكَائِيلُ ، وَإِسْرَافِيلُ مَلَكٌ عَظِيمٌ يَشْهَدُ الْقِتَالَ - أَوْ قَالَ: يَشْهَدُ الصَّفَّ "[991]  .

، وروي عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْمَازِنِيِّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَ: " إِنِّي لَأَتْبَعُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِأَضْرِبَهُ، إِذْ وَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سَيْفِي، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ غَيْرِي "[992].

باب: قتل أبي جهل وصناديد الكفر وسحبهم إلى القليب.

قتله معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء أو معوذ أخوه، ثم مر عليه عبد الله بن مسعود وبه رمق فأجهز عليه.وأخذ سلبه معاذ بن عمرو بن الجموح وحده  لأن ابن عفراء قُتل في هذه المعركة .و لم يأخذ ابن مسعود سلبه لأنه لو ترك أبا جهل لمات من ضربة الغلامين .

روى البخاري عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ:

بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ قُلْتُ نَعَمْ مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، قُلْتُ: أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي ، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا قَتَلْتُهُ فَقَالَ هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا قَالَا لَا فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ كِلَاكُمَا قَتَلَهُ سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ "[993] .

ورواه من طريق  آخر عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قال: إِنِّي لَفِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ الْتَفَتُّ فَإِذَا عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَتَيَانِ حَدِيثَا السِّنِّ، فَكَأَنِّي لَمْ آمَنْ بِمَكَانِهِمَا، إِذْ قَالَ لِي أَحَدُهُمَا سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ: يَا عَمِّ أَرِنِي أَبَا جَهْلٍ فَقُلْتُ: يَا ابْنَ أَخِي وَمَا تَصْنَعُ بِهِ، قَالَ: عَاهَدْتُ اللَّهَ إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ أَقْتُلَهُ ، أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ، فَقَالَ لِي الْآخَرُ سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلَهُ، قَالَ: فَمَا سَرَّنِي أَنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكَانَهُمَا فَأَشَرْتُ لَهُمَا إِلَيْهِ ، فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرَبَاهُ ، وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ[994]

قلت: وقوله:(ابنا عفراء) تغليبًا فإن أحدهما ابن عفراء والآخر ابن عمرو بن الجموح .وقيل: إن أم معاذ بن عمرو أيضًا كانت تسمى عفراء.وقيل إن ابنا عفراء معاذ ومعوذ كلاهما ضربه .فضربه أحدهما ومضى ثم ضربه الآخر مع ابن عمرو بن الجموح.وبنحو هذا أجاب الحافظ في الفتح.

وروى البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ " فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ ،قَالَ :أَأَنْتَ أَبُو جَهْلٍ؟ قَالَ: فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، قَالَ :وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ، أَوْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ ؟"[995]

وروى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:  أَنَّهُ أَتَى أَبَا جَهْلٍ وَبِهِ رَمَقٌ يَوْمَ بَدْرٍ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ :هَلْ أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ ؟[996]

وروى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَعْبَةَ فَدَعَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ ، فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى قَدْ غَيَّرَتْهُمْ الشَّمْسُ وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا " [997]

وقتل الزبيرُ بن العوام رضي الله عنه أبا ذات الكرش وهو عُبَيْدَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ

فقد روى البخاري عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ :لَقِيتُ يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ،وَهُوَ مُدَجَّجٌ لَا يُرَى مِنْهُ إِلَّا عَيْنَاهُ، وَهُوَ يُكْنَى أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ فَقَالَ: أَنَا أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ بِالْعَنَزَةِ فَطَعَنْتُهُ فِي عَيْنِهِ فَمَاتَ، قَالَ هِشَامٌ :فَأُخْبِرْتُ أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ: لَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِي عَلَيْهِ ثُمَّ تَمَطَّأْتُ فَكَانَ الْجَهْدَ أَنْ نَزَعْتُهَا وَقَدْ انْثَنَى طَرَفَاهَا قَالَ عُرْوَةُ: فَسَأَلَهُ إِيَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَعْطَاهُ، فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ سَأَلَهَا إِيَّاهُ عُمَرُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُبِضَ عُمَرُ أَخَذَهَا ثُمَّ طَلَبَهَا عُثْمَانُ مِنْهُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَقَعَتْ عِنْدَ آلِ عَلِيٍّ فَطَلَبَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ"[998] .

وروى البخاري عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ، خَبِيثٍ مُخْبِثٍ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا: مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلَّا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ وَيَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا، قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ.

قَالَ قَتَادَةُ :أَحْيَاهُمْ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقِيمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا"[999].

باب: عدة أهل بدر

و جملة من حضر بدرًا من المسلمين ثلاثمائة و بضعة عشر رجلاً ، وسبق في حديث مسلم أنهم ثلاثمائة وتسعة عشر، وفي رواية ابن لهيعة أنهم ثلاثمائة وثلاثة عشر.

وروى البخاري  في بَاب" عِدَّةِ أَصْحَابِ بَدْر"ما يؤيد ذلك[1000]:

ٍ فروى عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ نَيِّفًا عَلَى سِتِّينَ وَالْأَنْصَارُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ"[1001] .

وعن الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:" حَدَّثَنِي أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا أَنَّهُمْ كَانُوا عِدَّةَ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَازُوا مَعَهُ النَّهَرَ بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَ مِائَةٍ" قَالَ الْبَرَاءُ: لَا وَاللَّهِ مَا جَاوَزَ مَعَهُ النَّهَرَ إِلَّا مُؤْمِنٌ "[1002] .

وذكر ابن كثير وغيره أن عدتهم : من المهاجرين ستة و ثمانون رجلاً و من الأوس أحد و ستون رجلاً و من الخزرج مائة وسبعون رجلاً [1003].

وقد ذكر ابن اسحاق أن َجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ- مَنْ شَهِدَهَا وَمَنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ- ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ، وَمِنَ الْأَوْسِ أَحَدٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا، وَمِنَ الْخَزْرَجِ مِائَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا   [1004] .

و إنما قل عدد رجال الأوس عن عدد الخزرج و إن كانوا أشد منهم و أصبر عند اللقاء لأن منازلهم كانت في عوالي المدينة، فلما ندبوا للخروج تيسر ذلك على الخزرج لقرب منازلهم .

* و بالجملة:قد اختلف أئمة المغازي و السير في أهل بدر : في عدتهم ، و في تسمية بعضهم ، و قد ذكرهم الزهري و موسى بن عقبة و محمد بن إسحق و محمد بن عمر الواقدي و سعيد بن يحيى الأموي في مغازيه و البخاري في صحيحه و غير واحد من المتقدمين وقد سردهم ابن حزم في كتاب السيرة له و زعم أن ثمانية منهم لم يشهدوا بدرًا بأنفسهم وإنما ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بأسهمهم فذكر منهم : عثمان و طلحة و سعيد بن زيد .

وقال الحافظ في الفتح:فجملة من ذكر من أهل بدر هنا – أي في صحيح البخاري-أربعة وأربعون رجلاً وقد سبق البخاري إلى ترتيب أهل بدر على حروف المعجم ، وهو أضبط لاستيعاب أسمائهم ولكنه اقتصر على ما وقع عنده منهم ، واستوعبهم الحافظ ضياء الدين المقدسي في كتاب " الاحكام"، وبين اختلاف أهل السير في بعضهم، وهو اختلاف غير فاحش ، وأورد ابن سيد الناس أسماءهم في "عيون الأثر" لكن على القبائل كما صنع ابن إسحاق وغيره ، واستوعب ما وقع له من ذلك فزادوا- على ثلاثمائة وثلاثة عشر- خمسين رجلاً. قال : وسببُ الزيادة الاختلافُ في بعض الأسماء . قلت: ولولا خشية التطويل لسردت أسماءهم مفصلاً مبينا للراجح لكن في هذه الإشارة كفاية والله المستعان .أهـ([1005])

وقد ذكرهم الهيثمي في المجمع من طريق ابن شهاب الزهري ورجاله رجال الصحيح ([1006]) وذكرهم ابن كثير في السيرة من تاريخه. مُرَتَّبِينَ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ .

و أما المشركون فكانت عدتهم كما قال صلى الله عليه و سلم ما بين التسعمائة إلى الألف .

و قُتل من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلاً : ستة من المهاجرين وستة من الخزرج و اثنان من الأوس و كان أول قتيل يومئذ مهجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه و قيل: رجل من الأنصار اسمه حارثة بن سراقة.

و قتل من المشركين سبعون على الراجح - و قيل : أقل- و أسر منهم مثل ذلك أيضًا.وقد سبق ذكر ما يدل على ذلك من حديث أبي زميل عن ابن عباس في صحيح مسلم[1007].

وكذا ما في صحيح البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال:

" جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابُوا مِنَ المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً، سَبْعِينَ أَسِيرًا، وَسَبْعِينَ قَتِيلًا ،قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالحَرْبُ سِجَالٌ" [1008].

 

باب: في الأنفال والأسرى وما وقع فيهما من الاختلاف.

اختلف الصحابة في قسمة غنائم "بدر" فسأَلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف تقسم، ولمن الحكم في قسمتها, للمهاجرين، أَم للأَنصار، أَم لهم جميعًا، فنزلت القرآن لبيان أَن الحكم في قسمتها بين المقاتلين يرجع إِلى الله ورسوله، وأمرهم بلزوم الطاعة.وجعل الله تعالى للرسول مطلق التصرف في الأنفال[1009] فقال تعالى:{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُلِ الأنفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } [الأنفال:1].

وبين تعالى كيفية  تقسيم الغنائم فقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [الأنفال: 41].

روى أبو داود في سننه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر :

« مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَلَهُ مِنَ النَّفَلِ كَذَا وَكَذَا» . قَالَ: فَتَقَدَّمَ الْفِتْيَانُ وَلَزِمَ الْمَشْيَخَةُ الرَّايَاتِ فَلَمْ يَبْرَحُوهَا، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَالَ الْمَشْيَخَةُ: كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ لَوِ انْهَزَمْتُمْ لَفِئْتُمْ إِلَيْنَا، فَلَا تَذْهَبُوا بِالْمَغْنَمِ وَنَبْقَى، فَأَبَى الْفِتْيَانُ وَقَالُوا: جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ، وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5] يَقُولُ:« فَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ، فَكَذَلِكَ أَيْضًا فَأَطِيعُونِي فَإِنِّي أَعْلَمُ بِعَاقِبَةِ هَذَا مِنْكُمْ »"[1010] .

وروى أحمد عن عبادة بن الصامت قال : خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدْتُ مَعَهُ بَدْرًا، فَالْتَقَى النَّاسُ فَهَزَمَ اللهُ الْعَدُوَّ، فَانْطَلَقَتْ طَائِفَةٌ فِي آثَارِهِمْ يَهْزِمُونَ وَيَقْتُلُونَ، وَأَكَبَّتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَسْكَرِ يَحْوُونَهُ وَيَجْمَعُونَهُ، وَأَحْدَقَتْ طَائِفَةٌ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصِيبُ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً ،حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ، وَفَاءَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالَ الَّذِينَ جَمَعُوا الْغَنَائِمَ: نَحْنُ حَوَيْنَاهَا وَجَمَعْنَاهَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا نَصِيبٌ. وَقَالَ الَّذِينَ خَرَجُوا فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ: لَسْتُمْ بِأَحَقَّ بِهَا مِنَّا نَحْنُ نَفَيْنَا عَنْهَا الْعَدُوَّ وَهَزَمْنَاهُمْ. وَقَالَ الَّذِينَ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَسْتُمْ بِأَحَقَّ بِهَا مِنَّا نَحْنُ أَحْدَقْنَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخِفْنَا أَنْ يُصِيبَ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً وَاشْتَغَلْنَا بِهِ، فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1] فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَوَاقٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَغَارَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ نَفَلَ الرُّبُعَ، وَإِذَا أَقْبَلَ رَاجِعًا وَكُلَّ النَّاسِ نَفَلَ الثُّلُثَ، وَكَانَ يَكْرَهُ الْأَنْفَالَ وَيَقُولُ: " لِيَرُدَّ قَوِيُّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى ضَعِيفِهِمْ ".[1011]

وروى مسلم عن مصعب بن سعد عن أبيه قال:

أخذ أبي من الخمس سيفًا فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال هب لي هذا فأبى، فأنزل الله عز وجل : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } [الأنفال : 1] [1012]

وروى مسلم - وسبق بعضه بسنده - عن أبي زميل: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: «مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا نَبِيَّ اللهِ، هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟» قُلْتُ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ، فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا، فَهَوِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمِ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ-  إِلَى قَوْلِهِ تعالى- فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا}[الأنفال:67- 69] فَأَحَلَّ اللهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ [1013] .

وروى أبو داود في سننه عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة" . .[1014]

وروى أحمد عن ابن عباس قال : كَانَ الَّذِي أَسَرَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَبُو الْيَسَرِ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو، أَحَدُ بَنِي سَلَمَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَيْفَ أَسَرْتَهُ يَا أَبَا الْيَسَرِ؟ " قَالَ: لَقَدْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ رَجُلٌ مَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ، وَلَا قَبْلُ، هَيْئَتُهُ كَذَا، هَيْئَتُهُ كَذَا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ أَعَانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ "، وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: " يَا عَبَّاسُ، افْدِ نَفْسَكَ، وَابْنَ أَخِيكَ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ، وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ جَحْدَمٍ " أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، قَالَ: فَأَبَى، وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ مُسْلِمًا قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اسْتَكْرَهُونِي، قَالَ: " اللهُ أَعْلَمُ بِشَأْنِكَ، إِنْ يَكُ مَا تَدَّعِي حَقًّا، فَاللهُ يَجْزِيكَ بِذَلِكَ، وَأَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ، فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا، فَافْدِ نَفْسَكَ " وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ عِشْرِينَ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، احْسُبْهَا لِي مِنْ فِدَايَ، قَالَ: " لَا، ذَاكَ شَيْءٌ أَعْطَانَاهُ اللهُ مِنْكَ " قَالَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ لِي مَالٌ، قَالَ: " فَأَيْنَ الْمَالُ الَّذِي وَضَعْتَهُ بِمَكَّةَ، حَيْثُ خَرَجْتَ، عِنْدَ أُمِّ الْفَضْلِ، وَلَيْسَ مَعَكُمَا أَحَدٌ غَيْرَكُمَا، فَقُلْتَ: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، فَلِلْفَضْلِ كَذَا، وَلِقُثَمَ كَذَا، وَلِعَبْدِ اللهِ كَذَا؟ "

قَالَ: فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عَلِمَ بِهَذَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ غَيْرِي وَغَيْرُهَا، وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ .[1015]

و عند أحمد عن أبي إسحاق عن البراء أو غيره قال: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِالْعَبَّاسِ قَدْ أَسَرَهُ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَيْسَ هَذَا أَسَرَنِي، أَسَرَنِي رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَنْزِعُ مِنْ هَيْئَتِهِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ: " لَقَدْ آزَرَكَ اللهُ بِمَلَكٍ كَرِيمٍ " .[1016]وله شاهد من حديث علي وقد سبق.

* وكان العباس أكثر الأسرى فداءً لكونه موسرًا .

روى البخاري عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رِجَالاً مِنَ الأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ فَلْنَتْرُكْ لاِبْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ . فَقَالَ « لاَ تَدَعُونَ مِنْهَا دِرْهَمًا »[1017]

وهذا من حسن أدب الأنصار رضي الله عنهم حيث قالوا : (ابن أختنا) ولم يقولوا(عمك)لتكون منتهم على العباس لا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروى أحمد وغيره عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قَالَتْ :لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ لِخَدِيجَةَ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا فَافْعَلُوا، فَقَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَطْلَقُوهُ وَرَدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا "[1018]

وأخرج أحمد- بسند ضعيف له شواهد تقويه- عَنْ عَبْدِ اللَّه ِبن مسعود قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ الْأَسْرَى قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْمُكَ وَأَهْلُكَ اسْتَبْقِهِمْ وَاسْتَأْنِ بِهِمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ .

قَالَ وَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْرَجُوكَ وَكَذَّبُوكَ قَرِّبْهُمْ فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، قَالَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْظُرْ وَادِيًا كَثِيرَ الْحَطَبِ فَأَدْخِلْهُمْ فِيهِ ثُمَّ أَضْرِمْ عَلَيْهِمْ نَارًا .

قَالَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: قَطَعْتَ رَحِمَكَ، قَالَ: فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا قَالَ فَقَالَ نَاسٌ يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَقَالَ نَاسٌ يَأْخُذُ بِقَوْلِ عُمَرَ وَقَالَ نَاسٌ يَأْخُذُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ قَالَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيُلِينُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنْ اللَّبَنِ وَإِنَّ اللَّهَ لَيَشُدُّ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ مِنْ الْحِجَارَةِ وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ { مَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } وَمَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ عِيسَى قَالَ { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ  نُوحٍ قَالَ { رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } وَإِنَّ مِثْلَكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ مُوسَى قَالَ رَبِّ { اشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } أَنْتُمْ عَالَةٌ فَلَا يَنْفَلِتَنَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا سُهَيْلُ ابْنُ بَيْضَاءَ فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ قَالَ فَسَكَتَ،قَالَ: فَمَا رَأَيْتُنِي فِي يَوْمٍ أَخْوَفَ أَنْ تَقَعَ عَلَيَّ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى قَالَ إِلَّا سُهَيْلُ ابْنُ بَيْضَاءَ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ إِلَى قَوْلِهِ لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }.[1019]

وروى الحاكم عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن جده قال :

قُدِمَ بِالْأُسَارَى حِينَ قُدِمَ بِهِمُ الْمَدِينَةُ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ آلِ عَفْرَاءَ فِي مُنَاخِِهِمْ عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوِّذٍ ابْنَيْ عَفْرَاءَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِمُ الْحِجَابُ، قَالَتْ سَوْدَةُ: فَوَاللهِ إِنِّي لَعِنْدَهُمْ إِذْ أُتِينَا، فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى قَدْ أُتِيَ بِهِمْ، فَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، وَإِذَا أَبُو يَزِيدَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ يَدَاهُ مَجْمُوعَتَانِ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ، فَوَاللهِ مَا مَلَكْتُ حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ كَذَلِكَ أَنْ قُلْتُ: أَيْ أَبَا يَزِيدَ أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَّا مِتُّمْ كِرَامًا، فَمَا انْتَهَيْتُ إِلَّا  بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَيْتِ: " يَا سَوْدَةُ أَعَلَى اللهِ وَعَلَى رَسُولِهِ؟ ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا مَلَكْتُ حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ بِالْحَبْلِ أَنْ قُلْتُ مَا قُلْتُ  " .[1020]

* وقد أوصى النبي بحسن معاملة الأسرى تحقيقًا لقول الله تعالى: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } [الإنسان: 8 ].

– روى الطبراني في الكبير والصغير عَنْ أَبِي عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرِ ابْنِ أَخِي مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ ، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرًا» ، وَكُنْتُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ , فَكَانُوا إِذَا قَدِمُوا غَدَاءَهُمْ أَوْ عَشَاءَهُمْ أَكَلُوا التَّمْرَ وَأَطْعَمُونِي الْخُبْزَ بِوَصِيَّةِ وَآلِهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".[1021]

 

وكان لهذا الخلق الرحيم  أثره في إسراع مجموعة من أشراف الأسرى وأفاضلهم إلى الإسلام فأسلم أبو عزيز عقيب بدر, بُعيد وصول الأسرى إلى المدينة, وتنفيذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأسلم معه السائب بن عبيد بعد أن فدى نفسه.

روى أحمد عن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما – قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ الْأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِدَاءٌ , " فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَ الْأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ " , قَالَ: فَجَاءَ يَوْمًا غُلَامٌ يَبْكِي إِلَى أَبِيهِ , فَقَالَ: مَا شَأنُكَ؟ , قَالَ: ضَرَبَنِي مُعَلِّمِي ، قَالَ: الْخَبِيثُ ، يَطْلُبُ بِذَحْلِ[1022]  بَدْرٍ، وَاللهِ لَا تَأتِيهِ أَبَدًا. "  .[1023]

وقبول النبي صلى الله عليه وسلم تعليم القراءة والكتابة بدل الفداء في ذلك الوقت الذي كانوا فيه بأشد الحاجة إلى المال يرينا سمو الإسلام في نظرته إلى العلم والمعرفة، وإزالة الأمية، وليس هذا بعجيب من دين كان أول ما نزل من كتابه الكريم:{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *  اقْرَأْ

وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ } [العلق: 1-4]. واستفاضت فيه نصوص القرآن والسنة في الترغيب في العلم وبيان منزلة العلماء، وبهذا العمل الجليل يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم أول من وضع حجر الأساس في إزالة الأمية وإشاعة القراءة والكتابة، وأن السبق في هذا للإسلام.

وأنزل الله عز وجل في هؤلاء الأسرى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَنْ فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأسْرَى إِن يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُّؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ  * وَإِن يُّرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) [الأنفال: 70، 71].

وضرب الرسول صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الوفاء والاعتراف بالجميل. كما يدل عليه الحديث الآتي:

روى أبو داود  عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه :

أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَأَطْلَقْتُهُمْ لَهُ». [1024]

ومع ذلك كان لابد من الحزم مع مجرمي الحرب ورؤوس الفتنة وعدم العفو عنهم أو أخذ الفدية منهم ، ومنهم: عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث ، فقد كانا من أكبر دعاة الحرب ضد الإسلام، والمتربصين بالمسلمين الدوائر، فبقاؤهما يُعد مصدر خطرٍ كبير على الإسلام، ولا سيما في تلك الظروف الحاسمة التي تمر بها الدعوة الإسلامية، فلو أطلق سراحهما لما تورعا على سلوك أي طريق فيه كيد للإسلام وأهله، فقتْلهما في هذا الظرف ضرورة تقتضيها المصلحة العامة لدعوة الإسلام الفتية، ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهما عندما وصل إلى الصفراء ([1025]), أثناء رجوعه للمدينة، فلما سمع عقبة بن معيط بأمر قتله صرخ و قال: علام أُقتل من بين من هاهنا؟

وعن ابن عباس قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :لأقتلن اليوم رجلاً من قريش صبرًا قال فنادى عقبة بن أبى معيط بأعلى صوته يا معشر قريش مالى أقتل من بينكم صبرًا قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بكفرك بالله وافترائك على رسول الله صلى الله عليه وسلم " ([1026]) .

وفي سنده ضعف و لكن  له متابعات وشواهد تقويه.

فقد روى الطبراني عن ابن عباس قال: فَادَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَارَى بَدْرٍ وَكَانَ فِدَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَقَتَلَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، قَتَلَهُ قَبْلَ الْفِدَاءِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَتَلَهُ صَبْرًا، فَقَالَ: مَنْ لِلصِّبْيَةِ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «النَّارُ » ". ([1027])

وروى أبو داود عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَرَادَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَسْرُوقًا فَقَالَ لَهُ عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ أَتَسْتَعْمِلُ رَجُلاً مِنْ بَقَايَا قَتَلَةِ عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ مَسْرُوقٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - وَكَانَ فِى أَنْفُسِنَا مَوْثُوقَ الْحَدِيثِ - أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا أَرَادَ قَتْلَ أَبِيكَ قَالَ: مَنْ لِلصِّبْيَةِ؟ قَالَ: « النَّارُ ». فَقَدْ رَضِيتُ لَكَ مَا رَضِىَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-([1028]).

وعن ابن عباس قال:" قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَةً صَبْرًا، قَتَلَ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَقَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيٍّ مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ، وَقَتَلَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ »([1029])

وفي السنن الكبرى للبيهقي فيما رواه عن ابن إسحاق مرسلاً(6/323) وكذا في طريق آخر موصولا (9/64-65)وفي سنده الواقدي -وهو متروك-أن الذي قتل عقبة هو عاصم بن ثابت والصحيح أنه علي بن أبي طالب.

وأما النضر بن الحارث، فقد كان من شياطين قريش، وممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصب له العداوة، وكان قد قدم الحيرة، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رستم وإسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسًا فذكَّر فيه بالله، وحذر قومه ما أصاب قبلهم من الأمم من نقمة الله، خلفه في مجلسه إذا قام, ثم قال: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثًا منه، فهلم إليَّ فأنا أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم وإسفنديار، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثًا مني؟.([1030]).

قكان لا بد أن يُثأر لله ولرسوله منه، ومن أجل هذا لم يدخله رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمن نطاق الاستشارة، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله، فقتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه([1031])

وبمقتل هذين المجرمين تعلم المسلمون أن بعض الطغاة العتاة المعادين لا مجال للتساهل معهم، فهم زعماء الشر وقادة الضلال، فلا هوادة معهم؛ لأنهم تجاوزوا حد العفو والصفح بأعمالهم الشنيعة، فقد كان هذان الرجلان من شر عباد الله وأكثرهم كفرًا وعنادًا وبغيًا وحسدًا وهجاء للإسلام وأهله.

وذكر أهل السير أن أبا عزة عمرو بن عبد الله الجمحي أسر في الغزوة  وعفا عنه الرسول لأنه كان محتاجًا ذا بنات – وفي القصة ضعف- وفيها أنه قال: يا رسول الله، لقد عرفتَ ما لي من مال، وإني لذو حاجة، وذو عيال فامنن عليَّ، فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ عليه ألا يظاهر عليه أحدًا فقال أبو عزة يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك:

بأنك حق والمليك حمـيدُ

    

 
    

مَنْ مبلغ عني الرسول محمدًا

لها درجات سهلة وصعودُ

    

 
    

وأنت امرؤ بُوِّئت فينا مباءة

شقيٌّ ومن سالمته لسـعيدُ

    

 
    

فإنك من حاربته لمحاربٌ

تأوَّّبُ ما بي، حسرة وقعود

    

 
    

ولكن إذا ذكرت بدرًا وأهله

قال ابن كثير: ثم إن أبا عزة هذا نقض ما كان عاهد الرسول عليه، ولعب المشركون بعقله فرجع إليهم، فلما كان يوم أحد أُسر أيضا، فسأل من النبي صلى الله عليه وسلم أن يمن عليه أيضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا أدعك تمسح عارضيك، وتقول: خدعت محمدا مرتين»، ثم أمر به فضربت عنقه([1032]).

فكان النبي صلى الله عليه وسلم به رحيمًا فقد عفا عنه، وأطلق سراحه بدون فداء لما ذكر أبو عزة فقره وما لديه من بنات يعولهن، ولكنه لم يف لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما عاهده من لزوم السلم وعدم إثارة الحرب ضده، فوقع أسيرًا في معركة أحد، فكان موقف النبي صلى الله عليه وسلم منه الحزم فأمر بضرب عنقه[1033].

وروى أحمد وغيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغَ مِنْ بَدْرٍ: عَلَيْكَ الْعِيرَ، لَيْسَ دُونَهَا شَيْءٌ. قَالَ: فَنَادَاهُ الْعَبَّاسُ وَهُوَ أَسِيرٌ فِي وَثَاقِهِ: لَا يَصْلُحُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِمَ؟ " قَالَ: لِأَنَّ اللهَ قَدْ  وَعَدَكَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَقَدْ أَعْطَاكَ مَا وَعَدَكَ "([1034]) .

و قد فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من شأن بدر و الأسرى في شوال من السنة الثانية .

باب : دخول عبد الله بن أبي بن سلول وأمثاله الإسلام تقية بعد النصر في بدر.

من الآثار والنتائج التي ترتبت على نصر الله تعالى للمؤمنين في غزوة بدر أن خسرت قريش خسارة مادية بمقتل سادتها ومعنويةً بضياع هيبنها وضعف شوكتها ،واقتصاديةً بتهديد تجاراتها، وأيضًا قويت شوكة المسلمين في المدينة وما حولها  فأصبح يخشاهم من كان يعاديهم قبل ذلك من اليهود ومشركي المدينة والقبائل المجاورة لها ،فأسرع بعض هؤلاء المشركين في الدخول في الإسلام ظاهرًا ليأمن جانب المؤمنين وهو في الباطن يوالي الكافرين ويعادي المؤمنين وكان من أبرز هؤلاء رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول. روى البخاري  عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ، عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأُسَامَةُ وَرَاءَهُ، يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي حَارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ، قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَسَارَا حَتَّى  مَرَّا بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَإِذَا فِي المَجْلِسِ أَخْلاَطٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وَالمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَاليَهُودِ، وَفِي المُسْلِمِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ المَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ، خَمَّرَ ابْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ وَقَالَ: لاَ تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ وَقَفَ، فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَيُّهَا المَرْءُ، لاَ أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ إِنْ كَانَ حَقًّا، فَلاَ تُؤْذِنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا، فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاغْشَنَا فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، فَاسْتَبَّ المُسْلِمُونَ وَالمُشْرِكُونَ وَاليَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَابَّتَهُ، فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْ سَعْدُ، أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ - يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ - قَالَ كَذَا وَكَذَا» فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ، اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ، فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ، لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ، وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ البَحْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ وَيُعَصِّبُوهُ بِالعِصَابَةِ، فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ. فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ المُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الأَذَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ} [آل عمران: 186] الآيَةَ. وَقَالَ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ} [البقرة: 109] فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَوَّلُ فِي العَفْوِ عَنْهُمْ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ حَتَّى أَذِنَ لَهُ فِيهِمْ، فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا، فَقَتَلَ اللَّهُ بِهَا مَنْ قَتَلَ مِنْ صَنَادِيدِ الكُفَّارِ وَسَادَةِ قُرَيْشٍ، فَقَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مَنْصُورِينَ غَانِمِينَ ، مَعَهُمْ أُسَارَى مِنْ صَنَادِيدِ الكُفَّارِ، وَسَادَةِ قُرَيْشٍ، قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ: هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ، فَبَايِعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الإِسْلاَمِ، فَأَسْلَمُوا." [1035]

باب: فضل من شهد بدرًا

روى البخاري عن علي رضي الله عنه قال-وذكر قصة حاطب بن أبي بلتعة- فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ ، فَدَعْنِى فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ . فَقَالَ « أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ » . فَقَالَ « لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ ، أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ » . فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ[1036]

وروى عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِىِّ عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ - قَالَ جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ قَالَ : مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - قَالَ وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ » [1037].

وروى أحمد عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لن يدخل النار رجلٌ شهد بدرًا والحديبية) [1038]

وَعَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إِنِّي لَأَرْجُو إِلَّا يَدْخُلَ النَّارَ أَحَدٌ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ "  فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللهُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا؟} [مريم:71] قَالَ: " أَلَمْ تَسْمَعِيهِ يَقُولُ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا  وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}[مريم:72] "[1039]

وروى البخاري عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ حَارِثَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ هَلَكَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ ، أَصَابَهُ غَرْبُ سَهْمٍ . فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَ مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبِى ، فَإِنْ كَانَ فِى الْجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ ، وَإِلاَّ سَوْفَ تَرَى مَا أَصْنَعُ . فَقَالَ لَهَا « هَبِلْتِ [1040] ، أَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِىَ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ ، وَإِنَّهُ فِى الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى »[1041]

باب: بيان ما جاء في سورة الأنفال في شأن غزوة بدر :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ[1042] : فَلَمّا انْقَضَى أَمْرُ بَدْرٍ أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ الْأَنْفَالَ بِأَسْرِهَا ، فَكَانَ مِمّا نَزَلَ مِنْهَا فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي النّفَلِ حِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ فَاتّقُوا اللّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } ..

-قال: ثُمّ ذَكَرَ الْقَوْمَ وَمَسِيرَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ عَرَفَ الْقَوْمُ أَنّ قُرَيْشًا قَدْ سَارُوا إلَيْهِمْ وَإِنّمَا خَرَجُوا يُرِيدُونَ الْعِيرَ طَمَعًا فِي الْغَنِيمَةِ فَقَالَ { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقّ وَإِنّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقّ بَعْدَمَا تَبَيّنَ كَأَنّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ } أَيْ كَرَاهِيَةً لِلِقَاءِ الْقَوْمِ وَإِنْكَارًا لِمَسِيرِ قُرَيْشٍ ، حِين ذُكِرُوا لَهُمْ { وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أَنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أَنّ غَيْرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } أَيْ الْغَنِيمَةَ دُونَ الْحَرْبِ { وَيُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُحِقّ الْحَقّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ } أَيّ بِالْوَقْعَةِ الّتِي أَوْقَعَ بِصَنَادِيدِ قُرَيْشٍ وَقَادَتِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ } أَيْ لِدُعَائِهِمْ حِينَ نَظَرُوا إلَى كَثْرَةِ عَدُوّهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِهِمْ { فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } بِدُعَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدُعَائِكُمْ { أَنّي مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ }

-{ إِذْ يُغَشّيكُمُ النّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ } أَيْ أَنْزَلْت عَلَيْكُمْ الْأَمَنَةَ حِينَ نِمْتُمْ لَا تَخَافُونَ { وَيُنَزّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السّمَاءِ مَاءً } لِلْمَطَرِ الّذِي أَصَابَهُمْ تِلْكَ اللّيْلَةَ فَحَبَسَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَسْبِقُوا إلَى الْمَاءِ وَخَلّى سَبِيلَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ { لِيُطَهّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ } أَيّ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ شَكّ الشّيْطَانِ لِتَخْوِيفِهِ إيّاهُمْ عَدُوّهُمْ وَاسْتِجْلَادِ الْأَرْضِ لَهُمْ حَتّى انْتَهَوْا إلَى مَنْزِلِهِمْ الّذِي سَبَقُوا إلَيْهِ عَدُوّهُمْ .

- ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { إِذْ يُوحِي رَبّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُوا الّذِينَ آمَنُوا  سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَانٍ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ شَاقّوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } ثُمّ قَالَ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّا مُتَحَرّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } أَيْ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى عَدُوّهِمْ لِئَلّا يَنْكُلُوا عَنْهُمْ إذَا لَقُوهُمْ وَقَدْ وَعَدَهُمْ اللّهُ فِيهِمْ مَا وَعَدَهُمْ .

- ثُمّ قَالَ تَعَالَى فِي رَمْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهُمْ بِالْحَصْبَاءِ مِنْ يَدِهِ حِينَ رَمَاهُمْ { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمَى } أَيْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِرَمْيَتِك ، لَوْلَا الّذِي جَعَلَ اللّهُ فِيهَا مِنْ نَصْرِك ، وَمَا أَلْقَى فِي صُدُورِ عَدُوّك مِنْهَا حِينَ هَزَمَهُمْ اللّهُ { وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا } أَيْ لِيُعَرّفَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ فِي إظْهَارِهِمْ عَلَى عَدُوّهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِهِمْ لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ حَقّهُ وَيَشْكُرُوا بِذَلِكَ نِعْمَتَهُ .

- ثُمّ قَالَ { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ } أَيْ لِقَوْلِ أَبِي جَهْلٍ : اللّهُمّ أَقْطَعَنَا لِلرّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا يُعْرَفُ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ . وَالِاسْتِفْتَاحُ الْإِنْصَافُ فِي الدّعَاءِ . يَقُولُ اللّهُ جَلّ ثَنَاؤُهُ { وَإِنْ تَنْتَهُوا } أَيْ لِقُرَيْشِ { فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ } أَيْ بِمِثْلِ الْوَقْعَةِ الّتِي أَصَبْنَاكُمْ بِهَا يَوْمَ بَدْرٍ { وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ أَنّ عَدَدَكُمْ وَكَثْرَتَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ شَيْئًا ، وَإِنّي مَعَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْصُرهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ ....

.قال: ثُمّ قَالَ تَعَالَى { وَقَاتِلُوهُمْ حَتّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ } أَيْ حَتّى لَا يُفْتَنَ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ وَيَكُونَ التّوْحِيدُ لِلّهِ خَالِصًا لَيْسَ لَهُ فِيهِ شَرِيكٌ وَيُخْلَعَ مَا دُونَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ { فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَإِنْ تَوَلّوْا } عَنْ أَمْرِك إلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ { فَاعْلَمُوا أَنّ اللّهَ مَوْلَاكُمْ } الّذِي أَعَزّكُمْ وَنَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فِي كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِكُمْ { نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النّصِيرُ }

- ثُمّ أَعْلَمَهُمْ مَقَاسِمَ الْفَيْءِ وَحُكْمَهُ فِيهِ حِينَ أَحَلّهُ لَهُمْ فَقَالَ { وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أَيْ يَوْمَ فَرّقْتُ فِيهِ بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ بِقُدْرَتِي يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدّنْيَا } مِنْ الْوَادِي { وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى } مِنْ الْوَادِي إلَى مَكّةَ { وَالرّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ } أَيْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ الّتِي خَرَجْتُمْ لِتَأْخُذُوهَا وَخَرَجُوا لِيَمْنَعُوهَا عَنْ غَيْرِ مِيعَادٍ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ { وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ } أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ مِيعَادٍ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ ثُمّ بَلَغَكُمْ كَثْرَةُ عَدَدِهِمْ وَقِلّةُ عَدَدِكُمْ مَا لَقِيتُمُوهُمْ { وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } أَيْ لِيَقْضِيَ مَا أَرَادَ بِقُدْرَتِهِ مِنْ إعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَإِذْلَالِ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ عَنْ غَيْرِ بَلَاءٍ مِنْكُمْ فَفَعَلَ مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ بِلُطْفِهِ ثُمّ قَالَ { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ وَإِنّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } كَفَرَ بَعْدَ الْحُجّةِ لِمَا رَأَى مِنْ الْآيَةِ وَالْعِبْرَةِ وَيُؤْمِنُ مَنْ آمَنَ عَلَى مِثْلِ ذلك .

- ثُمّ ذَكَرَ لُطْفَهُ بِهِ وَكَيْدَهُ لَهُ ثُمّ قَالَ { إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنّ اللّهَ سَلّمَ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } فَكَانَ مَا أَرَاك مِنْ ذَلِكَ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ شَجّعَهُمْ بِهَا عَلَى عَدُوّهِمْ وَكَفّ بِهَا عَنْهُمْ مَا تُخُوّفَ عَلَيْهِمْ مِنْ ضَعْفِهِمْ لِعِلْمِهِ بِمَا فِيهِمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تُخُوّفَ مُبَدّلَةٌ مِنْ كَلِمَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ وَلَمْ أَذْكُرْهَا { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } أَيْ لِيُؤَلّفَ بَيْنَهُمْ عَلَى الْحَرْبِ لِلنّقْمَةِ مِمّنْ أَرَادَ الِانْتِقَامَ مِنْهُ وَالْإِنْعَامَ عَلَى مَنْ أَرَادَ إتْمَامَ النّعْمَةِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ

- ثُمّ وَعَظَهُمْ وَفَهّمَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ الّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسِيرُوا بِهِ فِي حَرْبِهِمْ [1043]فَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً } تُقَاتِلُونَهُمْ فِي سَبِيل اللّهِ عَزّ وَجَلّ { فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيرًا } الّذِي لَهُ بَذَلْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَالْوَفَاءَ لَهُ بِمَا أَعْطَيْتُمُوهُ مِنْ بَيْعَتِكُمْ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ . { وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا } أَيْ لَا تَخْتَلِفُوا فَيَتَفَرّقَ أَمْرُكُمْ { وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } أَيْ وَتَذْهَبَ حِدّتُكُمْ { وَاصْبِرُوا إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ } أَيْ إنّي مَعَكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ { وَلَا تَكُونُوا كَالّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النّاسِ } أَيْ لَا تَكُونُوا كَأَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ الّذِينَ قَالُوا : لَا نَرْجِعُ حَتّى نَأْتِيَ بَدْرًا فَنَنْحَرَ بِهَاوتسمع بنا الْعَرَبُ : أَيْ لَا يَكُونُ أَمْرُكُمْ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً وَلَا الْتِمَاسَ مَا عِنْدَ النّاسِ وَأَخْلِصُوا لِلّهِ النّيّةَ وَالْحِسْبَةَ فِي نَصْرِ دِينِكُمْ وَمُوَازَرَةِ نَبِيّكُمْ لَا تَعْمَلُوا إلّا لِذَلِك وَلَا تَطْلُبُوا غَيْرَهُ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَكُمْ } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ ذَكَرَ اللّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْكُفْرِ وَمَا يَلْقَوْنَ عِنْدَ مَوْتِهِمْ وَوَصَفَهُمْ بِصِفَتِهِمْ وَأَخْبَرَ نَبِيّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُمْ حَتّى انْتَهَى إلَى أَنْ قَالَ { فَإِمّا تَثْقَفَنّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ } أَيْ فَنَكّلْ بِهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ لَعَلّهُمْ يَعْقِلُونَ { وَأَعِدّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللّهِ وَعَدُوّكُمْ } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } أَيْ لَا يَضِيعُ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَجْرُهُ فِي الْآخِرَةِ وَعَاجِلٌ خِلَفَهُ فِي الدّنْيَا ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } أَيْ إنْ دَعَوْك إلَى السّلْمِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَصَالِحْهُمْ عَلَيْهِ { وَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ } إنّ اللّهَ كَافِيك { إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ }

{ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنّ حَسْبَكَ اللّهُ } هُوَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ . { هُوَ الّذِي أَيّدَكَ بِنَصْرِهِ } بَعْدَ الضّعْفِ { وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } عَلَى الْهُدَى الّذِي بَعَثَك اللّهُ بِهِ إلَيْهِمْ { لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنّ اللّهَ أَلّفَ بَيْنَهُمْ } بِدِينِهِ الّذِي جَمَعَهُمْ عَلَيْهِ { إِنّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النّبِيّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَيّهَا النّبِيّ حَرّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ } أَيْ لَا يُقَاتِلُونَ عَلَى نِيّةٍ وَلَا حَقّ وَلَا مَعْرِفَةٍ بِخَيْرٍ وَلَا شَرّ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذّ الْآيَةُ اشْتَدّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَعْظَمُوا أَنْ يُقَاتِلَ عِشْرُونَ مِئَتَيْنِ وَمِئَةٌ أَلْفًا ، فَخَفّفَ اللّهُ عَنْهُمْ فَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى ، فَقَالَ { الْآنَ خَفّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ } قَالَ فَكَانُوا إذَا كَانُوا عَلَى الشّطْرِ مِنْ عَدُوّهِمْ لَمْ يَنْبَغِ لَهُمْ أَنْ يَفِرّوا مِنْهُمْ وَإِذَا كَانُوا دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ قِتَالُهُمْ وَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَتَحَوّزُوا عَنْهُمْ"[1044]

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ عَاتَبَهُ اللّهُ تَعَالَى فِي الْأُسَارَى ، وَأَخْذِ الْمَغَانِمِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَأْكُلُ مَغْنَمًا ، مِنْ عَدُوّ لَهُ .

قَالَ: فَقَالَ { مَا كَانَ لِنَبِيّ } أَيْ قَبْلَك أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى مِنْ عَدُوّهِ حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ أَيْ يُثْخِنَ عَدُوّهُ حَتّى يَنْفِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا } أَيْ الْمَتَاعَ: الْفِدَاءَ بِأَخْذِ الرّجَالِ { وَاللّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ } أَيْ قَتْلَهُمْ لِظُهُورِ الدّينِ الّذِي يُرِيدُ إظْهَارَهُ وَاَلّذِي تُدْرَكُ بِهِ الْآخِرَةُ { لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ } أَيْ مِنْ الْأُسَارَى وَالْمَغَانِمِ { عَذَابٌ عَظِيمٌ } أَيْ لَوْلَا أَنّهُ سَبَقَ مِنّي أَنّي لَا أُعَذّبُ إلّا بَعْدَ النّهْيِ- وَلَمْ يَكُ نَهَاهُمْ - لَعَذّبْتُكُمْ فِيمَا صَنَعْتُمْ، ثُمّ أَحَلّهَا لَهُ وَلَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ وَعَائِدَةٌ مِنْ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ فَقَالَ { فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيّبًا وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } { يَا أَيّهَا النّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }أهـ[1045].

وقد ذكر ابن إسحاق بعض ما ورد من الأشعار في غزوة بدر في سيرته[1046].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

باب: غزوة بني سليم

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةِ لَمْ يَقُمْ بِهَا إلّا سَبْعَ لَيَالٍ ، حَتّى  غَزَا بِنَفْسِهِ يُرِيدُ بَنِي سُلَيْمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيّ أَوْ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَبَلَغَ مَاءً مِنْ مِيَاهِهِمْ يُقَالُ لَهُ الْكُدْرُ ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ شَوّالٍ وَذَا الْقَعَدَةِ وَأَفْدَى فِي إقَامَتِهِ تِلْكَ جُلّ الْأُسَارَى مِنْ قُرَيْشٍ ([1047]) .

 

باب:غزوة السويق

ولما رجع أبو سفيان إلى مكة و أوقع الله في أصحابه ببدر بأسه نذر أبو سفيان ألا يمس رأسه بماء حتى يغزو رسول الله صلى الله عليه و سلم .

قال ابْنِ إسْحَاقَ: ثُمّ غَزَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ غَزْوَةَ السّوِيقِ فِي ذِي الْحَجّةِ وَوَلّى تِلْكَ الْحَجّةَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ تِلْكَ السّنَةِ فَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، وَمَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْأَنْصَارِ ، حِينَ رَجَعَ إلَى مَكّةَ ، وَرَجَعَ فَلّ قُرَيْشٍ مِنْ بَدْرٍ ، نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسّ رَأْسَهُ مَاءٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتّى يَغْزُوَ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ فِي مِائَتَيْ رَاكِبٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، لِيَبَرّ يَمِينَهُ فَسَلَكَ النّجْدِيّة ، حَتّى نَزَلَ بِصَدْرِ قَنَاةٍ إلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ ثَيْب ، مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى بَرِيدٍ أَوْ نَحْوِهِ ثُمّ خَرَجَ مِنْ اللّيْلِ حَتّى أَتَى بَنِي النّضِيرِ تَحْتَ اللّيْلِ فَأَتَى حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ بَابَهُ وَخَافَهُ فَانْصَرَفَ عَنْهُ إلَى سَلّامِ بْنِ مِشْكَمٍ ، وَكَانَ سَيّدَ بَنِي النّضِير ِ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ وَصَاحِبَ كَنْزِهِمْ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ فَقَرّاهُ وَسَقَاهُ وَبَطَنَ لَهُ مِنْ خَبَرِ النّاسِ ثُمّ خَرَجَ فِي عَقِبِ لَيْلَتِهِ حَتّى أَتَى أَصْحَابَهُ فَبَعَثَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَأَتَوْا نَاحِيَةً يُقَالُ لَهَا : الْعَرِيضُ ، فَحَرَقُوا فِي أَصْوَارٍ مِنْ نَخْلٍ بِهَا ، وَوَجَدُوا بِهَا رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَحَلِيفًا لَهُ فِي حَرْثٍ لَهُمَا ، فَقَتَلُوهُمَا ، ثُمّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ وَنَذِرَ بِهِمْ النّاسُ . فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَبِهِمْ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَبُو لُبَابَةَ -فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- ، حَتّى بَلَغَ قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ ، ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا ، وَقَدْ فَاتَهُ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ وَقَدْ رَأَوْا أَزْوَادًا مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ قَدْ طَرَحُوهَا فِي الْحَرْثِ يَتَخَفّفُونَ مِنْهَا لِلنّجَاءِ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ حَيْنَ رَجَعَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَطْمَعُ لَنَا أَنْ تَكُونَ غَزْوَةً ؟ قَالَ نَعَمْ"([1048]) .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا سُمّيَتْ غَزْوَةَ السّوِيقِ ، فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ أَكْثَرَ مَا طَرَحَ الْقَوْمُ مِنْ أَزْوَادِهِمْ السّوِيقُ ، فَهَجَمَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى سَوِيقٍ كَثِيرٍ فَسُمّيَتْ غَزْوَةَ السّوِيقِ([1049])

 

باب:غزوة ذي أمر

 

فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ غَزْوَةِ السّوِيقِ ، أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ ذِي الْحَجّةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا ، ثُمّ غَزَا نَجْدًا ، يُرِيدُ غَطَفَانَ ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمَرَ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ بِنَجْدٍ صَفَرًا كُلّهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا . فَلَبِثَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوّلَ كُلّهُ أَوْ إلّا قَلِيلًا مِنْهُ ([1050]).

باب:غزوة بحران

ثُمّ غَزَا ( رَسُولُ اللّهِ ) صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُ قُرَيْشًا ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى بَلَغَ بُحْرَانَ ، مَعْدِنًا بِالْحِجَازِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرُعِ ، فَأَقَامَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ وَجُمَادَى الْأُولَى ، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ([1051]).

 

بابـــــ : غزوة بني قينقاع

و نقض بنو قينقاع ـ أحد طوائف اليهود بالمدينة ـ العهد و كانوا تجارًا و صاغة و كانوا نحو السبعمائة مقاتل فخرج النبي صلى الله عليه و سلم لحصارهم واستخلف على المدينة أبو لبابة :بشير بن عبد المنذر، فحاصرهم صلى الله عليه و سلم خمس عشرة ليلة ، و نزلوا على حكمه صلى الله عليه و سلم وألح عبد الله بن أبي بن سلول على رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يشفعه فيهم لأنهم كانوا حلفاء الخزرج و هو سيد الخزرج فشفعه فيهم [1052].

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ بَنِي قَيْنُقَاعَ كَانُوا أَوّلَ يَهُودَ نَقَضُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَارَبُوا فِيمَا بَيْنَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ[1053] .

وقد ذكر ابن هشام كيف نقضوا العهد فقَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: كَانَ مِنْ أَمْرِ بَنِي قَيْنُقَاع َ أَنّ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ قَدِمَتْ بِجَلَبٍ لَهَا ، فَبَاعَتْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ ، وَجَلَسَتْ إلَى صَائِغٍ بِهَا ، فَجَعَلُوا يُرِيدُونَهَا عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا ، فَأَبَتْ فَعَمِدَ الصّائِغُ إلَى طَرَفِ ثَوْبِهَا فَعَقَدَهُ إلَى ظَهْرِهَا ، فَلَمّا قَامَتْ انْكَشَفَتْ سَوْأَتُهَا ، فَضَحِكُوا بِهَا ، فَصَاحَتْ . فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصّائِغِ فَقَتَلَهُ وَكَانَ يَهُودِيّا ، وَشَدّتْ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَتَلُوهُ فَاسْتَصْرَخَ أَهْلُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ ، فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ فَوَقَعَ الشّرّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي قَيْنُقَاعَ [1054].وهذا الخبر منقطع من طرفيه  .

ومما يؤكد نقضهم للعهد أيضًا أنهم كانوا يهددون ويتوعدون المسلمين بعد غزوة بدر فقد روى أبو داود في سننه عن ابن عباس قال: لَمَّا أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ جَمَعَ الْيَهُودَ فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، أَسْلِمُوا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قُرَيْشًا» ، قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، لَا يَغُرَّنَّكَ مِنْ نَفْسِكَ أَنَّكَ قَتَلْتَ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا أَغْمَارًا، لَا يَعْرِفُونَ الْقِتَالَ، إِنَّكَ لَوْ قَاتَلْتَنَا لَعَرَفْتَ أَنَّا نَحْنُ النَّاسُ، وَأَنَّكَ لَمْ تَلْقَ مِثْلَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} [آل عمران: 12] بِبَدْرٍ {وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} [آل عمران: 13] [1055].

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ: فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَقَامَ إلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ حِينَ أَمْكَنَهُ اللّهُ مِنْهُمْ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مَوَالِيّ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ ، قَالَ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مُوَالِيّ قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ . فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ يُقَالُ لَهَا : ذَاتَ الْفُضُولِ -.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : أَرْسِلْنِي ، وَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظُلَلًا ، ثُمّ قَالَ : وَيْحَك أَرْسِلْنِي ، قَالَ : لَا وَاَللّهِ لَا أُرْسِلْك حَتّى تُحْسِنَ فِي مُوَالِيّ أَرْبَعَ مِئَةِ حَاسِرٍ وَثَلَاثُ مِئَةِ دَارِعٍ قَدْ مَنَعُونِي مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ إنّي وَاَللّهِ امْرُؤٌ أَخْشَى الدّوَائِرَ قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: ( هُمْ لَك )[1056] .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي- إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ- ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، قَالَ: لَمّا حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاع َ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَشَبّثَ بِأَمْرِهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ وَقَامَ دُونَهُمْ، قَالَ: وَمَشَى عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -وَكَانَ أَحَدَ بَنِي عَوْفٍ لَهُمْ مِنْ حِلْفِهِ مِثْلُ الّذِي لَهُمْ مِنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ - فَخَلَعَهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَبَرّأَ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ حِلْفِهِمْ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَوَلّى اللّهَ وَرَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَأَبْرَأُ مِنْ حِلْفِ هَؤُلَاءِ الْكُفّارِ وَوِلَايَتِهِمْ . قَالَ: فَفِيهِ وَفِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصّةُ مِنْ الْمَائِدَةِ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ إِنّ اللّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ فَتَرَى الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أَيْ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ وَقَوْلُهُ إنّي أَخْشَى الدّوَائِرَ { يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } ثُمّ الْقِصّةُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } وَذَكَرَ لِتُوَلّي عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَاَلّذِينَ آمَنُوا ، وَتَبَرّئِهِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاع { وَمَنْ يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } [الآيات:51-56][1057]

وقد أجلاهم النبي من المدينة .فيما أخرجه أحمد ومسلم- واللفظ له- وغيرهما،

عن ابن عمر: «أَنَّ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ، وَقُرَيْظَةَ، حَارَبُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجْلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِيرِ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ، وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا، وَأَجْلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ، بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَهُمْ قَوْمُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ، وَكُلَّ يَهُودِيٍّ كَانَ بِالْمَدِينَةِ» " [1058].

وهكذا خرج بنو قينقاع من المدينة صاغرين قد ألقوا سلاحهم وتركوا أموالهم غنيمة للمسلمين ، وهم كانوا من أشجع يهود المدينة، وأشدهم بأسًا، وأكثرهم عددًا وعدة؛ وكان في ذلك درس لسائر القبائل اليهودية الذين يتربصون بالمؤمنين[1059]  .

 

باب: سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الْقَرَدَةِ

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ([1060]): وَسَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الّتِي بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهَا ، حَيْنَ أَصَابَ عِيرَ قُرَيْشٍ ، وَفِيهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ عَلَى الْقَرَدَةِ [1061]، مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ نَجْدٍ . وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا : أَنّ قُرَيْشًا خَافُوا طَرِيقَهُمْ الّذِي كَانُوا يَسْلُكُونَ إلَى الشّأْمِ حِينَ كَانَ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ مَا كَانَ فَسَلَكُوا طَرِيقَ الْعِرَاقِ ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ تُجّارٌ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَمَعَهُ فِضّةٌ كَثِيرَةٌ وَهِيَ عُظْمُ تِجَارَتِهِمْ وَاسْتَأْجَرُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، يُقَال لَهُ فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ يَدُلّهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى الطّرِيقِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ ، مِنْ بَنِي عِجْلٍ حَلِيفٌ لِبَنِي سَهْمٍ .

وقال أبو نعيم: بعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي مِائَةِ رَاكِبٍ لِيَعْتَرِضُوا لِعِيرِ قُرَيْشٍ، وَكَانَ دَلِيلَهُمْ فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ،  فَأَصَابُوا الْعِيرَ، وَأَسَرُوا فُرَاتًا، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسِيرًا، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأَطْلَقَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ، فَلَمْ يَزَلْ يَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ قُبِضَ ، فَتَحَوَّلَ، فَنَزَلَ الْكُوفَةَ وَابْتَنَى بِهَا دَارًا فِي بَنِي عِجْلٍ، وَعَقِبُهُ بِهَا..ثم ذكر أبو نعيم  بسنده عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنِ الْفُرَاتِ بْنِ حَيَّانَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَكَانَ عَيْنًا لِأَبِي سُفْيَانَ وَحَلِيفًا، فَمَرَّ عَلَى حَلْقَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَقُولُ: إِنِّي مُسْلِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْكُمْ رِجَالًا نَكِلُهُمْ إِلَى أَعْمَالِهِمْ، مِنْهُمُ الْفُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ» ِ[1062]

ورواه البخاري في الكبير بلفظ:" إِنَّ مِنكُم رِجالاً أَكِلُهُم إِلَى إِيمانِهِم، مِنهُم فُراتُ بنُ حَيّانَ"[1063]

باب: قتل كعب بن الأشرف

و أما كعب بن الأشرف اليهودي فإنه كان رجلا من طيء و كانت أمه من بني النضير و كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه و سلم [1064]و المؤمنين و يشبب في أشعاره بنساء المؤمنين و ذهب بعد وقعة بدر إلى مكة و ألب على رسول الله صلى الله عليه و سلم و على المؤمنين.وأنشد في ذلك أشعارًا، فندب رسول الله صلى الله عليه و سلم المسلمين إلى قتله فخرج لذلك نفر من الأوس سيأتي ذكرهم.ومشى النبي صلى الله عليه وسلم مع من انتدبهم  إلى بقيع الغرقد ودعا لهم.كما أخرجه أحمد وابن راهويه والطبراني وغيرهم.

روى أحمد عن ابن عباس قال: ( مَشَى مَعَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، ثُمَّ وَجَّهَهُمْ وَقَالَ: " انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللهِ "، وَقَالَ: " اللهُمَّ أَعِنْهُمْ - يَعْنِي النَّفَرَ الَّذِينَ وَجَّهَهُمْ إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ -) [1065].

وقد ذكر البخاري في صحيحه قصة قتل كعب بن الأشرف الذي آذى الله ورسوله.

روى البخاري عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ؟) فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ قَالَ: ( نَعَمْ ) قَالَ فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا قَالَ: ( قُلْ). فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ قَالَ : وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ !قَالَ: إِنَّا قَدْ اتَّبَعْنَاهُ فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ- و حَدَّثَنَا عَمْرٌو غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَذْكُرْ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ أَوْ فَقُلْتُ لَهُ فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ أُرَى فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ- فَقَالَ: نَعَمِ ارْهَنُونِي! قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ ؟ قَالَ: ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ ؟ قَالُوا :كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ ؟ قَالَ: فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا،  وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ -قَالَ سُفْيَانُ :يَعْنِي السِّلَاحَ- فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَجَاءَهُ لَيْلًا وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ- وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ- فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحِصْنِ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ : أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ فَقَالَ : إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ- وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: قَالَتْ: أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لَأَجَابَ- قَالَ: وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ. قِيلَ: لِسُفْيَانَ سَمَّاهُمْ عَمْرٌو ؟ قَالَ سَمَّى بَعْضَهُمْ. قَالَ عَمْرٌو: جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ - وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ - قَالَ عَمْرٌو: جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ فَقَالَ: إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ . وَقَالَ مَرَّةً ثُمَّ أُشِمُّكُمْ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا وَهُوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ فَقَالَ : مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا أَيْ أَطْيَبَ.- وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو قَالَ عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَأَكْمَلُ الْعَرَبِ - قَالَ عَمْرٌو: فَقَالَ :أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ رَأْسَكَ قَالَ نَعَمْ ، فَشَمَّهُ،  ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَأْذَنُ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ قَالَ : دُونَكُمْ ، فَقَتَلُوهُ .ثُمَّ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ ([1066]).

وقد ذكر كعب بن مالك طرفًا من جرائم كعب بن  الأشرف في حق المسلمين فيما رواه أبو داود وأحمد. عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ يَهْجُو النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُحَرِّضُ عَلَيْهِ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَأَهْلُهَا أَخْلَاطٌ، مِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَالْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَالْيَهُودُ وَكَانُوا يُؤْذُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ بِالصَّبْرِ وَالْعَفْوِ، فَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } [آل عمران: 186] الْآيَةَ، فَلَمَّا أَبَى كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ أَنْ يَنْزِعَ عَنْ أَذَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ أَنْ يَبْعَثَ رَهْطًا يَقْتُلُونَهُ، فَبَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، وَذَكَرَ قِصَّةَ قَتْلِهِ، فَلَمَّا قَتَلُوهُ، فَزَعَتِ الْيَهُودُ وَالْمُشْرِكُونَ فَغَدَوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: طُرِقَ صَاحِبُنَا فَقُتِلَ، «فَذَكَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ يَقُولُ، وَدَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ كِتَابًا، يَنْتَهُونَ إِلَى مَا فِيهِ فَكَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً صَحِيفَةً» " [1067].

 

وقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ : أَنّهُ لَمّا أُصِيبَ أَصْحَابُ بَدْرٍ ، وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إلَى أَهْلِ السّافِلَةِ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ بَشِيرَيْنِ بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِفَتْحِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ عَلَيْهِ وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الظّفَرِيّ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، وَصَالِحُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ حَدِيثِهِ قَالُوا : قَالَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَكَانَ رَجُلًا مِنْ طَيّئٍ ثُمّ أَحَدَ بَنِي نَبْهَانَ وَكَانَتْ أُمّهُ مِنْ بَنِي النّضِيرِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ : أَحَقّ هَذَا ؟ أَتَرَوْنَ مُحَمّدًا قَتَلَ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُسَمّى هَذَانِ الرّجُلَانِ - يَعْنِي زَيْدًا وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ - فَهَؤُلَاءِ أَشْرَافُ الْعَرَبِ وَمُلُوكُ النّاسِ وَاَللّهِ لَئِنْ كَانَ مُحَمّدٌ أَصَابَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا .

فَلَمّا تَيَقّنَ عَدُوّ اللّهِ الْخَبَرَ ، خَرَجَ حَتّى قَدِمَ مَكّةَ ، فَنَزَلَ عَلَى الْمُطّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَة السّهْمِيّ وَعِنْدَهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَأَنْزَلَتْهُ وَأَكْرَمَتْهُ وَجَعَلَ يُحَرّضُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيُنْشِدُ الْأَشْعَارَ وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ ، الّذِينَ أُصِيبُوا بِبَدْرِ .

ثُمّ رَجَعَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ إلَى الْمَدِينَةِ فَشَبّبَ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَتّى آذَاهُمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ مَنْ لِي بِابْنِ الْأَشْرَفِ ؟ فَقَالَ لَهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَنَا لَك بِهِ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا أَقْتُلُهُ قَالَ فَافْعَلْ إنْ قَدَرْتَ عَلَى ذَلِكَ . فَرَجَعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَمَكَثَ ثَلَاثًا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ إلّا مَا يُعْلِقُ بِهِ نَفْسَهُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ لِمَ تَرَكْتَ الطّعَامَ وَالشّرَابَ ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قُلْت لَك قَوْلًا لَا أَدْرِي هَلْ أَفِيَنّ لَك بِهِ أَمْ لَا ؟ فَقَالَ إنّمَا عَلَيْك الْجَهْدُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ لَا بُدّ لَنَا مِنْ أَنْ نَقُولَ قَالَ: قُولُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَأَنْتُمْ فِي حِلّ مِنْ ذَلِكَ فَاجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، وَسِلْكَانُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ وَهُوَ أَبُو نَائِلَةَ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، وَكَانَ أَخَا كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ مِنْ الرّضَاعَةِ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَأَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ ؛ ثُمّ قَدّمُوا إلَى عَدُوّ اللّهِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ سِلْكَانَ بْنَ سَلَامَةَ أَبَا نَائِلَةَ فَجَاءَهُ فَتَحَدّثَ مَعَهُ سَاعَةً وَتَنَاشَدُوا شِعْرًا ، وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ يَقُولُ الشّعْرَ ثُمّ قَالَ وَيْحَك يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ إنّي قَدْ جِئْتُك لِحَاجَةِ أُرِيدُ ذِكْرَهَا لَك ، فَاكْتُمْ عَنّي ؛ قَالَ أَفْعَلُ قَالَ كَانَ قُدُومُ هَذَا الرّجُلِ عَلَيْنَا بَلَاءً مِنْ الْبَلَاءِ عَادَتْنَا بِهِ الْعَرَبُ ، وَرَمَتْنَا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَقَطَعَتْ عَنّا السّبُلَ حَتّى ضَاعَ الْعِيَالُ وَجُهِدَتْ الْأَنْفُسُ وَأَصْبَحْنَا قَدْ جُهِدْنَا وَجُهِدَ عِيَالُنَا . فَقَالَ كَعْبٌ أَنَا ابْنُ الْأَشْرَفِ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْتُ أُخْبِرُك يَا ابْنَ سَلَامَةَ أَنّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَى مَا أَقُولُ فَقَالَ لَهُ سِلْكَانُ إنّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ تَبِيعَنَا طَعَامًا وَنَرْهَنَك وَنُوثِقَ لَك ، وَنُحْسِنُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَتَرْهَنُونَنِي أَبْنَاءَكُمْ ؟ قَالَ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَفْضَحَنَا إنّ مَعِي أَصْحَابًا لِي عَلَى مِثْلِ رَأْيِي ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ آتِيَك بِهِمْ فَتَبِيعُهُمْ وَتُحْسِنُ فِي ذَلِكَ وَنَرْهَنُك مِنْ الْحَلْقَةِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ وَأَرَادَ سِلْكَانُ أَنْ لَا يُنْكِرَ السّلَاحَ إذَا جَاءُوا بِهَا ؛ قَالَ إنّ فِي الْحَلْقَةِ لَوَفَاءً قَالَ فَرَجَعَ سِلْكَانُ إلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا السّلَاحَ ثُمّ يَنْطَلِقُوا فَيَجْتَمِعُوا إلَيْهِ فَاجْتَمَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَتَرْهَنُونَنِي نِسَاءَكُمْ ؟ قَالَ كَيْفَ نَرْهَنُك نِسَاءَنَا ، وَأَنْتَ أَشَبّ أَهْلِ يَثْرِبَ وَأَعْطَوْهُمْ قَالَ أَتَرْهَنُونَنِي أَبْنَاءَكُمْ ؟([1068])

قلت:وقد سبق ما يشهد لهذا في الصحيح.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ . قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ، ثُمّ وَجّهَهُمْ فَقَالَ انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللّهِ ؛ اللّهُمّ أَعِنْهُمْ ، ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِهِ وَهُوَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ وَأَقْبَلُوا حَتّى انْتَهَوْا إلَى حِصْنِهِ فَهَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ وَكَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَوَثَبَ فِي مِلْحَفَتِهِ فَأَخَذَتْ امْرَأَتُهُ بِنَاحِيَتِهَا ، وَقَالَتْ إنّك امْرُؤٌ مُحَارِبٌ وَإِنّ أَصْحَابَ الْحَرْبِ لَا يَنْزِلُونَ فِي هَذِهِ السّاعَةِ قَالَ إنّهُ أَبُو نَائِلَةَ لَوْ وَجَدَنِي نَائِمًا لَمَا أَيْقَظَنِي ؛ فَقَالَتْ وَاَللّهِ إنّي لَأَعْرِفُ فِي صَوْتِهِ الشّرّ قَالَ يَقُولُ لَهَا كَعْبٌ لَوْ يُدْعَى الْفَتَى لِطَعْنَةٍ لَأَجَابَ . فَنَزَلَ فَتَحَدّثَ مَعَهُمْ سَاعَةً وَتَحَدّثُوا مَعَهُ ثُمّ قَالَ هَلْ لَك يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ أَنْ تَتَمَاشَى إلَى شِعْبِ الْعَجُوزِ ، فَنَتَحَدّثَ بِهِ بَقِيّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ ؟ قَالَ إنْ شِئْتُمْ . فَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ فَمَشَوْا سَاعَةً ثُمّ إنّ أَبَا نَائِلَةَ شَامَ يَدَهُ فِي فَوْدِ رَأْسِهِ ثُمّ شَمّ يَدَهُ فَقَالَ مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ طِيبًا أَعْطَرَ قَطّ ، ثُمّ مَشَى سَاعَةً ثُمّ عَادَ لِمِثْلِهَا حَتّى اطْمَأَنّ ثُمّ مَشَى سَاعَةً ثُمّ عَادَ لِمِثْلِهَا ، فَأَخَذَ بِفَوْدِ رَأْسِهِ ثُمّ قَالَ اضْرِبُوا عَدُوّ اللّهِ فَضَرَبُوهُ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُهُمْ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا . قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَذَكَرْتُ مِغْوَلًا فِي سَيْفِي ، حِينَ رَأَيْتُ أَسْيَافَنَا لَا تُغْنِي شَيْئًا ، فَأَخَذْتُهُ وَقَدْ صَاحَ عَدُوّ اللّهِ صَيْحَةً لَمْ يَبْقَ حَوْلَنَا حِصْنٌ إلّا وَقَدْ أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ قَالَ فَوَضَعْته فِي ثُنّتِهِ ثُمّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ حَتّى بَلَغْتُ عَانَتَهُ فَوَقَعَ عَدُوّ اللّهِ وَقَدْ أُصِيبَ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ فَجُرِحَ فِي رَأْسِهِ أَوْ فِي رِجْلِهِ أَصَابَهُ بَعْضُ أَسْيَافِنَا . قَالَ فَخَرَجْنَا حَتّى سَلَكْنَا عَلَى بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ بَنِي قُرَيْظَة ، ثُمّ عَلَى بُعَاثٍ حَتّى أَسْنَدْنَا فِي حَرّةِ الْعَرِيضِ ، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْنَا صَاحِبُنَا الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ ، وَنَزَفَهُ الدّمُ فَوَقَفْنَا لَهُ سَاعَةً ثُمّ أَتَانَا يَتْبَعُ آثَارَنَا . قَالَ فَاحْتَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آخِرَ اللّيْلِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي ، فَسَلّمْنَا عَلَيْهِ فَخَرَجَ إلَيْنَا . فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوّ اللّهِ وَتَفَلَ عَلَى جُرْحِ صَاحِبِنَا ، فَرَجَعَ وَرَجَعْنَا إلَى أَهْلِنَا، فَأَصْبَحْنَا وَقَدْ خَافَتْ يَهُودُ لِوَقْعَتِنَا بِعَدُوّ اللّهِ، فَلَيْسَ بِهَا يَهُودِيّ إلّا وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ([1069]) .

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَزَعْمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُمْ جَاءُوا بِرَأْسِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  ([1070]).

قلت: الروايات الصحيحة ليس فيها ما يؤكد زعمه .

وبقتل هذا اليهودي الخبيث الذي كان أشد اليهود تحريضًا على الإسلام وأهله.طويت صفحة من صفحات الغدر اليهودي [1071].

.>>

>

>

>

>

>

>

>

>

>

 

أبواب: غزوة أحد

باب: متى وقعت غزوة أحد ؟

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ([1072]) : وَكَانَتْ إقَامَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ قُدُومِهِ مِنْ نَجْرَانَ ، جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ وَغَزَتْهُ قُرَيْشٌ غَزْوَةَ أُحُدٍ فِي شَوّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ .

وعن ابن إسحاق قال : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة حين صلى الجمعة فأصبح بالشعب من أحد فالتقوا يوم السبت في النصف من شوال [1073]

قال ابن كثير:وكانت هذه الغزوة في شوال سنة ثلاث قاله الزهري وقتادة وموسى بن عقبة ومحمد بن اسحاق ومالك ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يَوْمَ السَّبْتِ الْحَادِي عَشَرَ مِنْهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ. أهـ[1074].

 

وغزوة أحد هي الوقعة التي امتحن الله عز وجل فيها عباده المؤمنين و ميز فيها بين المؤمنين و المنافقين و ذلك أن قريشًا حين قتل الله سراتهم ببدر و أصيبوا بمصيبة لم تكن لهم في حساب، و صار أبو سفيان بن حرب رأسهم بعد موت أكابرهم - و جاء كما ذكرنا إلى أطراف المدينة في غزوة السويق و لم ينل ما في نفسه - فشرع يجمع قريشًا و يؤلب على رسول الله صلى الله عليه و سلم و على المسلمين فجمع قريبًا من ثلاثة آلاف من قريش و الحلفاء و الأحابيش و جاؤوا بنسائهم لئلا يفروا ثم أقبل بهم نحو المدينة فنزل قريبًا من جبل أحد بمكان يقال له : عينين .

* باب:مشاورة النبي لأصحابه وذكر رؤياه .

و استشار رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه : أيخرج إليهم أم يمكث في المدينة ؟ أم يخرج لملاقاتهم خارج المدينة وكان رسول الله يرى المقام بالمدينة فإن دخلوا عليهم قاتلوهم و أشار عبد الله بن أبي بن سلول بالمقام بالمدينة و تابعه على ذلك بعض الصحابة وبادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر إلى الإشارة بالخروج إليهم و ألحوا عليه صلى الله عليه و سلم في ذلك ، فنهض و دخل بيته و لبس لأمته و خرج عليهم و قد انثنى عزم أولئك فقالوا : يا رسول الله إن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل فقال : "ما ينبغي لنبيٍّ إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل " وكان النبي قد رأى في نومه بقرًا تذبح - وأُوِلت بقتل بعض أصحابه-ورأى أن في سيفه ثلة-وأُوِلت بقتل رجل من أهل بيته وهو حمزة- و أتي عليه الصلاة و السلام برجل من بني النجار فصلى عليه و ذلك يوم الجمعة و استخلف على المدينة ابن أم مكتوم

فقد روى أحمد عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ، وَرَأَيْتُ بَقَرًا مُنَحَّرَةً، فَأَوَّلْتُ أَنَّ الدِّرْعَ الْحَصِينَةَ الْمَدِينَةُ، وَأَنَّ الْبَقَرَ نَفَرٌ، وَاللهِ خَيْرٌ "، (2) قَالَ: فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: " لَوْ أَنَّا أَقَمْنَا بِالْمَدِينَةِ فَإِنْ دَخَلُوا عَلَيْنَا فِيهَا قَاتَلْنَاهُمْ "، فَقَالَوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ مَا دُخِلَ عَلَيْنَا فِيهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَيْفَ يُدْخَلُ عَلَيْنَا فِيهَا فِي الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ: " شَأْنَكُمْ إِذًا " - قَالَ: فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ، قَالَ: فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: رَدَدْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْيَهُ، فَجَاءُوا، فَقَالَوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، شَأْنَكَ إِذًا، فَقَالَ: " إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ)[1075]

 

وروى البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُرَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : رَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ بِهِ اللَّهُ مِنْ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللَّهُ خَيْرٌ فَإِذَا هُمْ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ )[1076]

باب:خروج النبي إلى أحد ووضع الخطة للقتال:

و خرج إلى أحد في ألف فلما كان ببعض الطريق رجع عبد الله بن أبي بن سلول بنحو ثلاثمائة إلى المدينة فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله عنهما يوبخهم و يحضهم على الرجوع فقالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون لاتبعناكم ولم نرجع ، وحكى الله عنهم ذلك في القرآن فقال تعالى :{ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ{[آل عمران:167]

فلما أبوا عليه ولم يطيعوه رجع عنهم عبد الله بن حرام و سبهم . وكادت طائفتان-وهما بنو حارثة وبنو سلمة- أن تفشلا بسبب صنيع هؤلاء المنافقين ولكن الله ثبتهم .وفيهم قال تعالى:{ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[آل عمران:122]

روى البخاري عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ} [آل عمران: 122] بَنِي سَلِمَةَ، وَبَنِي حَارِثَةَ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ، وَاللَّهُ يَقُولُ: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122] ([1077]) .

واختلف أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شأن هؤلاء المنافقين فنزل قول الله تعالى:{ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء:88]

روى البخاري عن زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: نَقْتُلُهُمْ ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لَا نَقْتُلُهُمْ. فَنَزَلَتْ {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه ُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّهَا تَنْفِي الرِّجَالَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ" ([1078])

وروى البيهقي في الدلائل عن مجاهد ، في قوله عز وجل : {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ }[آل عمران:179] ، قال : ميزهم يوم أحد : المنافق عن المؤمن([1079])

و استقل رسول الله صلى الله عليه و سلم بمن بقي معه – وهم نحو سبعمائة- حتى نزل شعب أحد في عدوة الوادي إلى الجبل فجعل ظهره إلى أحد و نهى الناس عن القتال حتى يأمرهم فلما أصبح تعبأ عليه الصلاة و السلام للقتال في أصحابه و كان فيهم خمسون فارسا و استعمل على الرماة ـ و كانوا خمسين ـ عبد الله بن جبير الأوسي و أمره و أصحابه أن لا يتغيروا من مكانهم و أن يحفظوا ظهور المسلمين فلا يؤتوا من قبلهم قائلا: "انْضَحُوا الخَيْلَ عَنَّا، وَلا نُؤْتَيَنَّ مِنْ قِبَلِكُمْ. والْزَمُوا مَكَانَكُمْ إنْ كَانَتِ النَّوْبَةُ لَنَا أوْعَلَيْنَا، وإنْ رَأيْتُمُونَا تَخَطَّفُنا الطَّيْرُ فَلا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ"

 

و ظاهر صلى الله عليه و سلم يومئذ بين درعين-أي: لبس درعًا فوق درع- كما روى ابن ماجة عن السائب بن يزيد إن شاء الله تعالى " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ أَخَذَ دِرْعَيْنِ، كَأَنَّهُ ظَاهَرَ بَيْنَهُمَا"[1080])

و أعطى اللواء مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار و جعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام و على المجنبة الأخرى المنذر بن عمرو المعنق ليموت

وَقَدْ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَاعَةً مِنَ الْغِلْمَانِ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ يُمَكِّنْهُمْ مِنْ حُضُورِ الْحَرْبِ لِصِغَرِهِمْ؛ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " قَالَ: عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ فِلَمْ يُجِزْنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَأَجَازَنِي.وسيأتي بعد . وَكَذَلِكَ رَدَّ يَوْمَئِذٍ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، وَأُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ، وَعَرَابَةَ بْنَ أَوْسِ بْنِ قَيْظِيٍّ، ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ، وَأَوْرَدَهُ السُّهَيْلِيُّ. قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ الشَّمَّاخُ

إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدِ ... تَلْقَاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ([1081])

وَمِنْهُمْ سَعْدُ ابْنُ حَبْتَةَ، ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ أَيْضًا[1082]، وَأَجَازَهُمْ كُلَّهُمْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ.

وَكَانَ قَدْ رَدَّ يَوْمَئِذٍ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ، وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، وَهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ رَافِعًا رَامٍ. فَأَجَازَهُ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ سَمُرَةَ يَصْرَعُ رَافِعًا فَأَجَازَهُ[1083].

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَعَبَّأَتْ قُرَيْشٌ وَهْمُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ قَدْ جَنَبُوهَا، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ الْخَيْلِ: خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَعَلَى مَيْسَرَتِهَا عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهِلِ بْنِ هِشَامٍ[1084]

باب: القتال بين المسلمين والمشركين في أحد

و كان أول من برز من المشركين يومئذ أبو عامر الراهب و اسمه عبد عمرو بن صيفي و كان رأس الأوس في الجاهلية و كان مترهبًا فلما جاء الإسلام خُذل فلم يدخل فيه، و جاهر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعداوة فدعا عليه صلى الله عليه و سلم فخرج من المدينة و ذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله صلى الله عليه و سلم  و يحضهم على قتاله- مع ما هم منطوون على رسول الله  و أصحابه من الحنق - ووعد المشركين أنه يستميل لهم قومه من الأوس يوم اللقاء حتى يرجعوا إليهن فلما أقبل في عبدان أهل مكة و الأحابيش تعرف إلى قومه فقالوا له : لا أنعم الله لك عينا يا فاسق فقال : لقد أصاب قومي بعدي شر  ثم قاتل المسلمين قتالاً شديدًا .

و كان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ في القتال (أمت أمت ) و أبلى يومئذ بلاءً حسناً أبو دجانة سماك بن خرشة الذي أعطاه الرسول السيف على أن يفلق به هام المشركين .

وفقَدْ روى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسٍ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذَ هَذَا السَّيْفَ ؟ فَأَخَذَهُ قَوْمٌ فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ ؟ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ، فَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكٌ: أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ. فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ.}([1085]).

و أبلى أيضًا بلاءً حسناً حمزة عم رسول الله صلى الله عليه و سلم - أسد الله و أسد رسوله رضي الله عنه و أرضاه - و كذا علي بن أبي طالب و جماعة من الأنصار منهم : النضر بن أنس و سعد بن الربيع رضي الله عنهم أجمعين و كان النصر والغلبة  أول النهار للمسلمين على الكفار فانهزموا راجعين حتى وصلوا إلى نسائهم .

فلما رأى ذلك الرماة -أصحاب عبد الله بن جبير- قالوا : يا قوم الغنيمة الغنيمة! فذكرهم عبد الله بن جبير بوصية رسول الله صلى الله عليه و سلم إليهم في ذلك ، فظنوا أن ليس للمشركين رجعة و أنهم لا تقوم لهم قائمة بعد ذلك، فذهبوا في طلب الغنيمة .
 و كرّ الفرسان من المشركين فوجدوا تلك الفرجة قد خلت من الرماة فجاوزوها و تمكنوا و أقبل آخرهم فكان ما أراد الله تعالى كونه فاستشهد من أكرمهم الله بالشهادة من المؤمنين فقتل جماعة من أفاضل الصحابة و تولى أكثرهم و خلص المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فجرح في وجهه الكريم و كسرت رباعيته اليمنى السفلى بحجر و هشمت البيضة على رأسه الشريف و رشقه المشركون بالحجارة حتى وقع لشقه و سقط في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق حفرها يكيد بها المسلمين فأخذ علي بيده و احتضنه طلحة بن عبيد الله وكان الذي تولى أذى رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرو بن قمئة و عتبة بن أبي وقاص و قيل : إن عبد الله بن شهاب الزهري ([1086])هو الذي شجه صلى الله عليه و سلم.

و قتل مصعب بن عمير رضي الله عنه بين يديه فدفع صلى الله عليه و سلم اللواء إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه و نشبت حلقتان من حلق المغفر في وجهه صلى الله عليه و سلم فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه و عض عليهما حتى سقطت ثنيتاه فكان الهتم يزينه و امتص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من جرحه صلى الله عليه و سلم

و أدرك المشركون النبي صلى الله عليه و سلم فحال دونه نفر من المسلمين نحو من عشرة فقتلوا ثم جالدهم طلحة حتى أجهضهم عنه صلى الله عليه و سلم و ترس أبو دجانة سماك بن خرشة عليه صلى الله عليه و سلم بظهره و النبل يقع فيه و هو لا يتحرك رضي الله عنه و رمى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يومئذ رميا مسددا منكئا فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ارم فداك أبي و أمي) ، و أصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان الظفري فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فردها عليه الصلاة والسلام بيده الكريمة فكانت أصح عينيه و أحسنهما، وأصبحت لا ترمد إذا رمدت الأخرى([1087]).

و صرخ الشيطان ـ لعنه الله ـ بأعلى صوته : إن محمدًا قد قتل ، ووقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين ، وتولى أكثرهم -وكان أمر الله- و مر أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا ما بأيديهم فقال : ما تنتظرون ؟ فقالوا قُتل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ما تصنعون في الحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم استقبل الناس ولقي سعد بن معاذ فقال : يا سعد و الله إني لأجد ريح الجنة من قبل أحد فقاتل حتى قتل رضي الله عنه ووجدت به سبعون ضربة

و جرح يومئذ عبد الرحمن بن عوف نحوا من عشرين جراحة بعضها في رجله فعرج منها حتى مات رضي الله عنه.

و أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم نحو المسلمين فكان أول من عرفه تحت المغفر كعب بن مالك رضي الله عنه فصاح بأعلى صوته : يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم ! فأشار إليه صلى الله عليه و سلم أن اسكت، و اجتمع إليه المسلمون و نهضوا معه إلى الشعب الذي نزل فيه فيهم أبو بكر و عمر و علي و الحارث بن الصمة الأنصاري و غيرهم

فلما أسندوا في الجبل أدركه أبيُّ بن خلف على جواد يقال له العود - زعم الخبيث أنه يقتل رسول الله صلى الله عليه و سلم- فلما اقترب تناول رسول الله صلى الله عليه و سلم الحربة من يد  الحارث بن الصمة فطعنه بها فجاءت في ترقوته وكر عدو الله منهزمًا فقال له المشركون : و الله ما بك من بأس فقال : و الله لو كان ما بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون إنه قال لي : إنه قاتلي ولم يزل به ذلك حتى مات بسرف مرجعه إلى مكة لعنه الله

و جاء علي رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بماء ليغسل عنه الدم فوجده آجنا فرده و أراد صلى الله عليه و سلم أن يعلو صخرة هناك فلم يستطع لما به صلى الله عليه و سلم و لأنه ظاهر يومئذ بين درعين فجلس طلحة تحته حتى صعد وحانت الصلاة فصلى جالسًا ثم مال المشركون إلى رحالهم ثم استقبلوا طريق مكة منصرفين إليها و كان هذا كله يوم السبت

و استشهد يومئذ من المسلمين نحو السبعين منهم حمزة عم رسول الله صلى الله عليه و سلم قتله وحشي - مولى بني نوفل- و أعتق لذلك و قد أسلم بعد ذلك  ، و عبد الله بن جحش حليف بني أمية و مصعب بن عمير و عثمان بن عثمان و هو شماس بن عثمان المخزومي سمي بشماس لحسن وجهه فهؤلاء أربعة من المهاجرين و الباقون من الأنصار رضي الله عنهم جميعهم فدفنهم في دمائهم و كلومهم ولم يصل عليهم يومئذ.

و فر يومئذ من المسلمين جماعة من الأعيان منهم عثمان بن عفان رضي الله عنه و قد نص الله سبحانه على العفو عنهم فقال عز وجل : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}[آل عمران:155]

وقتل يومئذ من المشركين اثنان و عشرون .

و قد ذكر سبحانه هذه الوقعة في سورة آل عمران -من الآية 121 إلى الآية 171- من قوله تعالى: {  وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} إلى قوله تعالى -في فضل الشهداء-:{ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ  }

** الأثار الواردة في ذلك.

روى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا نَصَرَ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ كَمَا نَصَرَ يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ: فَأَنْكَرْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ أَنْكَرَ ذَاكَ كِتَابُ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي يَوْمِ أُحُدٍ: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }[آل عمران (152] يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَالْحَسُّ: الْقَتْلُ ، وَإِنَّمَا عَنَى بِهَذَا الرُّمَاةَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَامَهُمْ فِي مَوْضِعٍ، ثُمَّ قَالَ: {احْمُوا ظُهُورَنَا، فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلَا تَنْصُرُونَا، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نَغْنَمُ فَلَا تُشْرِكُونَا}. فَلَمَّا غَنِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَاحُوا عَسْكَرَ الْمُشْرِكِينَ، أَكَبَّ الرُّمَاةُ جَمِيعًا، فَدَخَلُوا فِي الْعَسْكَرِ يَنْهَبُونَ، وَقَدِ الْتَقَتْ صُفُوفُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم فَهُمْ هَكَذَا - وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ- وَالْتَبَسُوا، فَلَمَّا أَخَلَّ الرُّمَاةُ تِلْكَ الْخَلَّةَ الَّتِي كَانُوا فِيهَا، دَخَلَتِ الْخَيْلُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَضَرَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَالْتَبَسُوا، وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَقَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ وَأَصْحَابِهِ أَوَّلُ النَّهَارِ، حَتَّى قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ سَبْعَةٌ أَوْ تِسْعَةٌ، وَجَالَ الْمُسْلِمُونَ جَوْلَةً نَحْوَ الْجَبَلِ، وَلَمْ يَبْلُغُوا -حَيْثُ يَقُولُ النَّاسُ- الْغَارَ، إِنَّمَا كَانَ تَحْتَ الْمِهْرَاسِ، وَصَاحَ الشَّيْطَانُ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ. فَلَمْ يَشُكَّ فِيهِ أَنَّهُ حَقٌّ، فَمَا زِلْنَا كَذَلِكَ مَا نَشُكُّ أَنَّهُ حَقٌّ، حَتَّى طَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ السَّعْدَيْنِ، نَعْرِفُهُ بِتَكَفُّئِهِ إِذَا مَشَى. قَالَ: فَفَرِحْنَا كَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْنَا مَا أَصَابَنَا. قَالَ: فَرَقِيَ نَحْوَنَا وَهُوَ يَقُولُ: {اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ}وَيَقُولُ مَرَّةً أُخْرَى: {اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا}حَتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا فَمَكَثَ سَاعَةً، فَإِذَا أَبُو سُفْيَانَ يَصِيحُ فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ: اعْلُ هُبْلُ - مَرَّتَيْنِ؛ يَعْنِي آلِهَتَهُ - أَيْنَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ ؟ أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ؟ أَيْنَ ابْنُ الْخَطَّابِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَلَا أُجِيبُهُ ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ فَلَمَّا قَالَ: اعْلُ هُبَلَ. قَالَ: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، قَدْ أَنْعَمَتْ عَيْنُهَا، فَعَادِ عَنْهَا. أَوْ: فَعَالِ عَنْهَا. فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ ؟ أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ؟ أَيْنَ ابْنُ الْخَطَّابِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ وَهَا أَنَا ذَا عُمَرُ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، الْأَيَّامُ دُوَلٌ، وَإِنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ. قَالَ: فَقَالَ: عُمَرُ: لَا سَوَاءَ، قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ. قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَزْعُمُونَ ذَلِكَ، لَقَدْ خِبْنَا إِذَنْ وَخَسِرْنَا. ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَمَا إِنَّكُمْ سَوْفَ تَجِدُونَ فِي قَتْلَاكُمْ مَثْلًا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ رَأْيِ سَرَاتِنَا. قَالَ: ثُمَّ أَدْرَكَتْهُ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ . فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ نَكْرَهْهُ". ([1088])

وروى الْبُخَارِيُّ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَقِيَنَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَيْشًا مِنَ الرُّمَاةِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَالَ: لَا تَبْرَحُوا؛ إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلَا تَبْرَحُوا، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلَا تُعَيِّنُونَا فَلَّمَا لَقِينَاهُمْ هَرَبُوا، حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ، رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ قَدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ فَأَخَذُوا يَقُولُونَ: الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا تَبْرَحُوا. فَأَبَوْا، فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ، فَأُصِيبُ سَبْعُونَ قَتِيلًا، وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ ؟. فَقَالَ: لَا تُجِيبُوهُ. فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ؟ فَقَالَ: لَا تُجِيبُوهُ. فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ قُتِلُوا، فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَأَجَابُوا. فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُحْزِنُكَ. فَقَالَ: أَبُو سُفْيَانَ اعْلُ هُبَلُ. فَقَالَ النَّبِيُّ  صلى الله عليه وسلم أَجِيبُوهُ. قَالُوا: مَا نَقُولُ ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَجِيبُوهُ. قَالُوا: مَا نَقُولُ ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، وَتَجِدُونَ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي "[1089].

وروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا رَهِقُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَهُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ ؟ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَلَمَّا رَهِقُوهُ أَيْضًا قَالَ: مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَهُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ ؟ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبَيْهِ: مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا ) ([1090])

وَروى الْبُخَارِيُّ عَنْ قَيْسٍ قَالَ رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شَلاَّءَ ، وَقَى بِهَا النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ"[1091]

وروى مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَىِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ - قَالَ - وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلاً رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ وَكَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا - قَالَ - فَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الْجَعْبَةُ مِنَ النَّبْلِ فَيَقُولُ انْثُرْهَا لأَبِى طَلْحَةَ. قَالَ وَيُشْرِفُ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى لاَ تُشْرِفْ لاَ يُصِبْكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ نَحْرِى دُونَ نَحْرِكَ قَالَ وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تَنْقُلاَنِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِى أَفْوَاهِهِمْ ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلآنِهَا ثُمَّ تَجِيئَانِ تُفْرِغَانِهِ فِى أَفْوَاهِ الْقَوْمِ وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَىْ أَبِى طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلاَثًا مِنَ النُّعَاسِ"[1092].

وروى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ تَغَشَّاهُ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى سَقَطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي مِرَارًا، يَسْقُطُ وَآخُذُهُ، وَيَسْقُطُ فَآخُذُهُ. وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ }[آل عمران:154] [1093]

وروى الحاكم في المستدرك عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: " كَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يُقَاتِلُ يَوْمَ أُحُدٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ: أَنَا أَسَدُ اللَّهِ "[1094]

 

وروى البخاري عن سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ قالُ: نَثَلَ لِى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - كِنَانَتَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ « ارْمِ فِدَاكَ أَبِى وَأُمِّى »[1095]

وروى عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - قَالَ مَا سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - جَمَعَ أَبَوَيْهِ لأَحَدٍ إِلاَّ لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ ، فَإِنِّى سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ « يَا سَعْدُ ارْمِ ، فِدَاكَ أَبِى وَأُمِّى »[1096]

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ بَعْضِ آلِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ {أَنَّهُ رَمَى يَوْمَ أُحُدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ سَعْدٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنَاوِلُنِي النَّبْلَ، وَيَقُولُ: ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي. حَتَّى إِنَّهُ لَيُنَاوِلُنِي السَّهْمَ لَيْسَ لَهُ نَصْلٌ فَأَرْمِي بِهِ}([1097]).وفي سنده مجهول ويشهد لشطره الأول ما قبله.

وروى الْبُخَارِيُّ عن عُثْمَانُ - هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ – قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ مِصْرَ حَجَّ الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا ، فَقَالَ مَنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ قَالَ هَؤُلاَءِ قُرَيْشٌ . قَالَ فَمَنِ الشَّيْخُ فِيهِمْ قَالُوا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ . قَالَ يَا ابْنَ عُمَرَ إِنِّى سَائِلُكَ عَنْ شَىْءٍ فَحَدِّثْنِى هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ نَعَمْ . قَالَ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْ قَالَ نَعَمْ . قَالَ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا قَالَ نَعَمْ . قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ . قَالَ ابْنُ عُمَرَ تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ ، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ ، فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ مَرِيضَةً ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ » . وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عُثْمَانَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرُّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ الْيُمْنَى « هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ » . فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ ، فَقَالَ « هَذِهِ لِعُثْمَانَ » . فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: اذْهَبْ بِهَا الآنَ مَعَكَ"[1098]

روى الترمذي عَنْ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ دِرْعَانِ فَنَهَضَ إِلَى صَخْرَةٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَأَقْعَدَ تَحْتَهُ طَلْحَةَ، فَصَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الصَّخْرَةِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَوْجَبَ طَلْحَةُ»  [1099]

 

وروى ابْنُ إسْحَاقَ  عَنْ الزّبَيْرِ أَنّهُ قَالَ :وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْتنِي أَنْظُرُ إلَى خَدَمِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة وَصَوَاحِبُهَا مُشَمّرَاتٌ هَوَارِبُ مَا دُونِ أَخْذِهِنّ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إذْ مَالَتْ الرّمَاةُ إلَى الْعَسْكَرِ حِين كَشَفْنَا الْقَوْمَ عَنْهُ وَخَلّوْا ظُهُورَنَا لِلْخَيْلِ فَأُتِينَا مِنْ خَلْفِنَا ، وَصَرَخَ صَارِخٌ أَلَا إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ ؛ فَانْكَفَأْنَا وَانْكَفَأَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ أَصَبْنَا أَصْحَابَ اللّوَاءِ حَتّى مَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ-قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الصّارِخُ أَزَبّ الْعَقَبَةِ ، يَعْنِي الشّيْطَانَ[1100]

 

** قال ابن كثير:وَقَالَ قَتَادَةُ: عَنْ أَنَسٍ قُتِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ.

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يَا رَبَّ السَّبْعِينَ يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَيَوْمَ مُؤْتَةَ وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ. [1101]

وَقَالَ مَالِكٌ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: قُتِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ جِسْرِ أَبِي عُبَيْدٍ سَبْعُونَ. وَهَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَعُرْوَةُ وَ الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ. وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  [آلِ عِمْرَانَ: 165] يَعْنِي أَنَّهُمْ قَتَلُوا يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ. أهـ([1102])

قلت:قَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِد الْبُخَارِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه أَنَّهُمْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ في أحد سَبْعِينَ رَجُلًا. وقد تقدم الحديث بتمامه في غزوة بدر.

وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ،: قُتِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ يَوْمَ أُحُدٍ خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ. وَكَلَامُهُ فِي " السِّيرَةِ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ؛ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ؛ حَمْزَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَشَمَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ وَالْبَاقُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ وَسَرَدَ أَسْمَاءَهُمْ عَلَى قَبَائِلِهِمْ. وَقَدِ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ ابْنُ هِشَامٍ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ خَمْسَةً آخَرِينَ، فَصَارُوا سَبْعِينَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ هِشَامٍ، وَسَرَدَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَسْمَاءَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَهُمُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ رَجُلًا.

وقَالَ مُوسَى بن عقبة: وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا. وَقَالَ عُرْوَةُ: تِسْعَةَ عَشَرَ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: اثْنَانِ وَعِشْرُونَ. ([1103])

وَقَالَ الرَّبِيعُ، عَنِ الشَّافِعِيِّ: وَلَمْ يُؤْسَرْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ سِوَى أَبِي عَزَّةَ الْجُمَحِيِّ يوم أحد وَقَدْ كَانَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ فَمَنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَا فِدْيَةٍ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَلَّا يُقَاتِلَهُ، فَلَمَّا أُسِرَ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، امْنُنْ عَلَيَّ لِبَنَاتِي، وَأُعَاهِدُ أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا أَدْعُكَ تَمَسَحُ عَارِضَيْكَ بِمَكَّةَ وَتَقُولُ: خَدَعْتُ مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم {لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ}([1104]) وكون قصة أبي عزة سبب ورود هذا الحديث لا يثبت.

 

وقد وَقَعَ فِي غزوة أحد أَشْيَاءُ مِمَّا وَقَعَت فِي بَدْرٍ: مِنْهَا؛ حُصُولُ النُّعَاسِ حَالَ الْتِحَامِ

الْحَرْبِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى طُمَأْنِينَةِ الْقُلُوبِ بِنَصْرِ اللَّهِ وَتَأْيِيدِهِ وَتَمَامِ تَوَكُّلِهَا عَلَى خَالِقِهَا وَبَارِئِهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ: { إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ الْآيَةَ  [الْأَنْفَالِ: 11 ] وَقَالَ هَاهُنَا: { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ }[آل عمران:154] يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ الْكُمَّلَ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ: النُّعَاسُ فِي الْحَرْبِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالنُّعَاسُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ النِّفَاقِ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ هَذَا: { وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [ آلِ عِمْرَانَ: 154 ]

ومنها نزول بعض الملائكة لتدافع عن رسول الله كما ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: {رَأَيْتُ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ يَسَارِهِ  رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، يُقَاتِلَانِ عَنْهُ كَأَشَدِّ الْقِتَالِ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ » يَعْنِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ}[1105].

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَنْصَرَ يَوْمَ أُحُدٍ كَمَا اسْتَنْصَرَ يَوْمَ بِدْرٍ بِقَوْلِهِ: {إِنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ}كَمَا روى مسلم عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {كَانَ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ }([1106]).

وروى الْبُخَارِيُّ عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: {قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا ؟ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ}([1107])

وَهَذَا شَبِيهٌ بِقِصَّةِ عُمَيْرِ بْنِ الْحُمَامِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَرْضَاهُمَا

باب: هل شارك النساء في الغزو؟

كانت غزوة أحد أول معركة في الإسلام تشارك فيها نساء المسلمين، وكان لهذا أثر بالغ في سقي المحاربين وتضميد الجرحى، وقد ظهرت بطولات النساء وصدق إيمانهن في هذه المعركة، وممن شاركن في غزوة أحد أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق، وأم عمارة، وحمنة بنت جحش الأسدية، وأم سليط، وأم سليم، ونسوة من الأنصار

وقد خرجن لكي يسقين العطشى ويداوين الجرحى،ولم يشاركن في القتال إلا ما كان من أم عمارة فقد ورد أنها قامت برد ضربات المشركين الموجهة للرسول صلى الله عليه وسلم حينما انكشف عنه المسلمون .

روى مسلم:أنس بن مالك قال  : «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مَعَهُ إِذَا غَزَا، فَيَسْقِينَ الْمَاءَ، وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى» [1108]

وروى مسلم عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: «غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ، أَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ، فَأَصْنَعُ لَهُمُ الطَّعَامَ، وَأُدَاوِي الْجَرْحَى، وَأَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى» [1109]

وقد تقدم حديث أنس – في الصحيحين- : قال: (لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تَنْقُزَانِ القِرَبَ([1110])، وَقَالَ غَيْرُهُ: تَنْقُلاَنِ القِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا، ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلَآَنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهَا فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ "([1111])

وروى البخاري:عن ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِى مَالِكٍ قال:  إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، فَبَقِىَ مِنْهَا مِرْطٌ جَيِّدٌ ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطِ هَذَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِى عِنْدَكَ . يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِىٍّ . فَقَالَ عُمَرُ : أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ بِهِ . وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ عُمَرُ: فَإِنَّهَا كَانَتْ تُزْفِرُ([1112]) لَنَا الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ))([1113]).

وروى البخاري عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَنَسْقِى الْقَوْمَ وَنَخْدُمُهُمْ ، وَنَرُدُّ الْجَرْحَى وَالْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ  ([1114]).

وسيأتي أن التي كانت تغسل جرح رسول الله وتداويه هي ابنته فاطمة. ([1115]).

 

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَاتَلَتْ أُمُّ عُمَارَةَ نَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ الْمَازِنِيَّةُ قِتَالَهَا يَوْمَ غَزْوَةِ أُحُدٍ يَوْمَ أُحُدٍ، فَذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ كَانَتْ تَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ عُمَارَةَ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا خَالَةُ، أَخْبِرِينِي خَبَرَكِ. فَقَالَتْ: خَرَجْتُ أَوَّلَ النَّهَارِ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ وَمَعِي سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ، وَالدَّوْلَةُ وَالرِّيحُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَّمَا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ انْحَزْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُمْتُ أُبَاشِرُ الْقِتَالَ، وَأَذُبُّ عَنْهُ بِالسَّيْفِ، وَأَرْمِي عَنِ الْقَوْسِ، حَتَّى خَلَصَتِ الْجِرَاحُ إِلَيَّ. قَالَتْ: فَرَأَيْتُ عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا أَجْوَفَ لَهُ غَوْرٌ، فَقُلْتُ لَهَا: مَنْ أَصَابَكِ بِهَذَا ؟ قَالَتْ: ابْنُ قَمِئَةَ أَقْمَأَهُ اللَّهُ، لَمَّا وَلَّى النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلُ يَقُولُ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ، لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا. فَاعْتَرَضْتُ لَهُ أَنَا وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأُنَاسٌ مِمَّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَرَبَنِي هَذِهِ الضَّرْبَةَ، وَلَقَدْ ضَرَبْتُهُ عَلَى ذَلِكَ ضَرَبَاتٍ، وَلَكِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ كَانَتْ عَلَيْهِ دِرْعَانِ([1116]).

وقد علق الأستاذ حسين الباكري عن مشاركة أم عمارة:نسيبة بنت كعب في القتال فقال: وخروج المرأة للقتال مع الرجل لم يثبت في ذلك منه شيء غير قصة نسيبة، وقتال نسيبة إنما كان اضطراريًا حين رأت أن رسول الله أصبح في خطر حين انكشف عنه الناس، فأم عمارة كانت في موقف أصبح حمل السلاح واجبًا على من يقدر على حمله رجلا كان أو امرأة([1117]).

وَقد روى الْوَاقِدِيُّ -بسند مظلم- عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يَقُولُ: شَهِدْتُ أُحُدًا فَنَظَرْتُ إِلَى النَّبْلِ تَأْتِي مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسْطَهَا، كُلُّ ذَلِكَ يَصْرِفُ عَنْهُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا. وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِهِ مَا مَعَهُ أَحَدٌ ثُمَّ جَاوَزَهُ، فَعَاتَبَهُ فِي ذَلِكَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ، أَحْلِفُ بِاللَّهِ إِنَّهُ مِنَّا مَمْنُوعٌ، خَرَجْنَا أَرْبَعَةٌ، فَتَعَاهَدْنَا وَتَعَاقَدْنَا عَلَى قَتْلِهِ، فَلَمْ نَخْلُصْ إِلَيْهِ"([1118]).

 

باب: فيما لقي النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ من المشركين قبحهم الله

روى الْبُخَارِيُّ:بسنده  - في باب مَا أَصَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  مِنَ الْجِرَاحِ يَوْمَ أُحُدٍ-: عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوًا بِنَبِيِّهِ -يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ- اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" [1119]

وروى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ النَّبِيُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "[1120].

وَروى مسلم عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَشُجَّ فِى رَأْسِهِ فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْهُ وَيَقُولُ « كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ ». فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ}[ آلِ عِمْرَانَ: 128 ] [1121]

وَروى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ وَهُوَ يَسْأَلُ عَنْ جُرْحِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ :" أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ، وَبِمَا دُووِيَ. قَالَ: كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم تَغْسِلُهُ، وَعَلَيٌّ يَسْكُبُ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ، فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يُزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ للتداوي ، فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا، فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَئِذٍ وَجُرِحَ وَجْهُهُ، وَكُسِرَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ" [1122]

وَروىَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ "عن عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا ذُكِرَ يَوْمُ أُحُدٍ بَكَى ثُمَّ قَالَ: ذَاكَ يَوْمٌ كُلُّهُ لِطَلْحَةَ يوم أحد . ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ. قَالَ: كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَاءَ يَوْمَ أُحُدٍ فَرَأَيْتُ رَجُلًا يُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم دُونَهُ. وَأَرَاهُ قَالَ: يَحْمِيهِ. قَالَ: فَقُلْتُ: كُنْ طَلْحَةَ. حَيْثُ فَاتَنِي مَا فَاتَنِي، فَقُلْتُ: يَكُونُ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي أَحَبَّ إِلَيَّ، وَبَيْنِي وَبَيْنَ الْمَشْرِقِ رَجُلٌ لَا أَعْرِفُهُ، وَأَنَا أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم مِنْهُ، وَهُوَ يَخْطِفُ الْمَشْيَ خَطْفًا لَا أَخْطِفُهُ، فَإِذَا هُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجِرَاحِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ، وَقَدْ دَخَلَ فِي وَجْنَتَيْهِ حَلْقَتَانِ مِنْ حَلَقِ الْمِغْفَرِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْكُمَا صَاحَبَكُمَا يُرِيدُ طَلْحَةَ وَقَدْ نَزَفَ فَلَمْ نَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِهِ، قَالَ: وَذَهَبَتْ لِأَنْزِعَ ذَاكَ مِنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِحَقِّي لَمَا تَرَكْتَنِي فَتَرَكْتُهُ، فَكَرِهَ أَنْ يَتَنَاوَلَهَا بِيَدِهِ، فَيُؤْذَى رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم فَأَزَمَ عَلَيْهِمَا بِفِيهِ، فَاسْتَخْرَجَ إِحْدَى الْحَلْقَتَيْنِ، وَوَقَعَتْ ثَنِيَّتُهُ مَعَ الْحَلْقَةِ، وَذَهَبْتُ لِأَصْنَعَ مَا صَنَعَ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِحَقِّي لَمَا تَرَكْتَنِي. قَالَ: فَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتُهُ الْأُخْرَى مَعَ الْحَلْقَةِ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ هَتْمًا، فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَتَيْنَا طَلْحَةَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْجِفَارِ، فَإِذَا بِهِ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ مِنْ بَيْنِ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ وَضَرْبَةٍ، وَإِذَا قَدْ قُطِعَتْ أُصْبُعُهُ، فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِهِ" ([1123]).

َقالَ ابْنُ إِسْحَاقَ([1124]): وَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: مَا حَرَصْتُ عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ قَطُّ مَا حَرَصْتُ عَلَى قَتْلِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ لِسَيِّءَ الْخُلُقِ، مُبَغَّضًا فِي قَوْمِهِ، وَلَقَدْ كَفَانِي فِيهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهَ رَسُولِهِ.".وفي سنده مجهول ولكن المرفوع منه صحيح فقد سبق نحوه عن ابن عباس في الصحيح.

وأخرج البيهقي من طريق عبد الرزاق بسنده  عَنْ مِقْسَمٍ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَا عَلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ كَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ، وَدَمَّى وَجْهَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُحِلْ عَلَيْهِ الْحَوْلَ حَتَّى يَمُوتَ كَافِرًا."فَمَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ حَتَّى مَاتَ كَافِرًا إِلَى النَّارِ. [1125]  وهذا صحيح الإسناد ولكنه مرسل .

وَروى أَبُو سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيُّ خبرًا غريبًا: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أسعد بن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَاوَى وَجْهَهُ يَوْمَ أُحُدٍ بِعَظْمٍ بَالٍ"([1126]).

باب: مقتل حمزة

روى ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمّيّةَ الضّمْرِيّ قَالَ : خُرِجْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ ، أَخُو بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، فَأَدْرَبْنَا مَعَ النّاسِ فَلَمّا قَفَلْنَا مَرَرْنَا بِحِمْصَ - وَكَانَ وَحْشِيّ ، مَوْلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، قَدْ سَكَنَهَا ، وَأَقَامَ بِهَا - فَلَمّا قَدِمْنَاهَا ، قَالَ لِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَدِيّ هَلْ لَك فِي أَنْ نَأْتِيَ وَحْشِيّا فَنَسْأَلَهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلَهُ ؟ قَالَ قُلْت لَهُ إنْ شِئْتَ . فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْهُ بِحِمْصَ فَقَالَ لَنَا رَجُلٌ وَنَحْنُ نَسْأَلُ عَنْهُ إنّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِفِنَاءِ دَارِهِ وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْخَمْرُ فَإِنْ تَجِدَاهُ صَاحِيًا تَجِدَا رَجُلًا عَرَبِيّا ، وَتَجِدَا عِنْدَهُ بَعْضَ مَا تُرِيدَانِ وَتُصِيبَا عِنْدَهُ مَا شِئْتُمَا مِنْ حَدِيثٍ تَسْأَلَانِهِ عَنْهُ وَإِنْ تَجِدَاهُ وَبَهْ بَعْضُ مَا يَكُونُ بِهِ فَانْصَرَفَا وَدَعَاهُ قَالَ فَخَرَجْنَا نَمْشِي حَتّى جِئْنَاهُ فَإِذَا هُوَ بِفِنَاءِ دَارِهِ عَلَى طَنْفَسَةٍ لَهُ فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ مِثْلُ الْبُغَاثِ . - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْبُغَاثُ ضَرْبٌ مِنْ الطّيْرِ إلَى السّوَادِ - فَإِذَا هُوَ صَاحٍ لَا بَأْسَ بِهِ . قَالَ فَلَمّا انْتَهَيْنَا إلَيْهِ سَلّمْنَا عَلَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَدِيّ فَقَالَ ابْنٌ لِعَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ أَنْتَ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَمَا وَاَللّهِ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ نَاوَلْتُك أُمّك السّعْدِيّةَ الّتِي أَرْضَعَتْك بِذِي طُوًى ، فَإِنّي نَاوَلْتُكهَا وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا ، فَأَخَذَتْك بِعُرْضَيْك ، فَلَمَعَتْ لِي قَدَمَاك حِينَ رَفَعْتُك إلَيْهَا ، فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ وَقَفْتَ عَلَيّ فَعَرَفْتُهُمَا . قَالَ فَجَلَسْنَا إلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ جِئْنَاك لِتُحَدّثَنَا عَنْ قَتْلِك حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلْتَهُ ؟ فَقَالَ أَمَا إنّي سَأُحَدّثُكُمَا كَمَا حَدّثْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ سَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ كُنْتُ غُلَامًا لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَكَانَ عَمّهُ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيّ قَدْ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمّا سَارَتْ قُرَيْشٌ إلَى أُحُدٍ ، قَالَ لِي جُبَيْرٌ إنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ عَمّ مُحَمّدٍ بِعَمّي فَأَنْتَ عَتِيقٌ قَالَ فَخَرَجْتُ مَعَ النّاسِ وَكُنْتُ رَجُلًا حَبَشِيّا أَقْذِفُ بِالْحَرْبَةِ قَذْفَ الْحَبَشَةِ ، قَلّمَا أُخْطِئُ بِهَا شَيْئًا ؛ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ خَرَجْتُ أَنْظُرُ حَمْزَةَ وَأَتَبَصّرُهُ حَتّى رَأَيْته فِي عُرْضِ النّاسِ مِثْلَ الْجَمْلِ الْأَوْرَقِ يَهُدّ النّاسَ بِسَيْفِهِ هَدّا ، مَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَتَهَيّأُ لَهُ أُرِيدُهُ وَأَسْتَتِرُ مِنْهُ بِشَجَرَةِ أَوْ حَجَرٍ لِيَدْنُوَ مِنّي إذْ تَقَدّمَنِي إلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى ، فَلَمّا رَآهُ حَمْزَةُ قَالَ لَهُ هَلُمّ إلَيّ يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ . قَالَ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً كَأَنّ مَا أَخَطَأ رَأْسَهُ . قَالَ وَهَزّزَتْ وَذَهَبَ لِيَنُوءَ نَحْوِي ، فَغُلِبَ وَتَرَكْتُهُ وَإِيّاهَا حَتّى مَاتَ ثُمّ أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي ، ثُمّ رَجَعْت إلَى الْعَسْكَرِ فَقَعَدْتُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِي بِغَيْرِهِ حَاجَةٌ وَإِنّمَا قَتَلْتُهُ لِأُعْتَقَ . فَلَمّا قَدِمْت مَكّةَ أُعْتِقْت ، ثُمّ أَقَمْتُ حَتّى إذَا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ هَرَبْتُ إلَى الطّائِفِ ، فَمَكَثْت بِهَا ، فَلَمّا خَرَجَ وَفْدُ الطّائِفِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُسْلِمُوا تَعَيّتْ عَلَيّ الْمَذَاهِبُ فَقُلْت : أَلْحَقُ بِالشّأْم ِ أَوْ الْيَمَنِ ، أَوْ بِبَعْضِ الْبِلَادِ فَوَاَللّهِ إنّي لَفِي ذَلِكَ مِنْ هَمّي ، إذْ قَالَ لِي رَجُلٌ وَيْحَك إنّهُ وَاَللّهِ مَا يَقْتُلُ أَحَدًا مِنْ النّاسِ دَخَلَ فِي دِينِهِ وَتَشَهّدَ شَهَادَتَهُ

فَلَمّا قَالَ لِي ذَلِكَ خَرَجْتُ حَتّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَلَمْ يَرُعْهُ إلّا بِي قَائِمًا عَلَى رَأْسِهِ أَتَشَهّدُ بِشَهَادَةِ الْحَقّ فَلَمّا رَآنِي قَالَ أَوَحْشِيّ ؟ قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ اُقْعُدْ فَحَدّثْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ قَالَ فَحَدّثْته كَمَا حَدّثْتُكُمَا ، فَلَمّا فَرَغْتُ مِنْ حَدِيثِي قَالَ وَيْحَك غَيّبْ عَنّي وَجْهَك ، فَلَا أُرَيَنّك . قَالَ فَكُنْتُ أَتَنَكّبُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْثُ كَانَ لِئَلّا يَرَانِي ، حَتّى قَبَضَهُ اللّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ

فَلَمّا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ خَرَجْت مَعَهُمْ وَأَخَذْت حَرْبَتِي الّتِي قَتَلْتُ بِهَا حَمْزَةَ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ رَأَيْت مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابَ قَائِمًا فِي يَدِهِ السّيْفَ وَمَا أَعْرِفُهُ فَتَهَيّأْتُ لَهُ وَتَهَيّأَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ النّاحِيَةِ الْأُخْرَى ، كِلَانَا يُرِيدُهُ فَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتّى إذَا رَضِيت مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِيهِ وَشَدّ عَلَيْهِ الْأَنْصَارِيّ فَضَرَبَهُ بِالسّيْفِ فَرَبّك أَعْلَمُ أَيّنَا قَتَلَهُ، فإن كُنْت قَتَلْته ، فَقَدْ قَتَلْت خَيْرَ النّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ قَتَلْت شَرّ النّاسِ)) ([1127]) .

روى ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ الْيَمَامَةَ ، قَالَ سَمِعْت يَوْمئِذٍ صَارِخًا يَقُولُ : قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ ([1128]).

وروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عُرْوَةَ بن الزبير قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي الزُّبَيْرُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ تَسْعَى، حَتَّى إِذَا كَادَتْ أَنْ تُشْرِفَ عَلَى الْقَتْلَى. قَالَ: فَكَرِهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَرَاهُمْ، فَقَالَ: " الْمَرْأَةَ الْمَرْأَةَ ". قَالَ الزُّبَيْرُ: فَتَوَسَّمْتُ أَنَّهَا أُمِّي صَفِيَّةُ، قَالَ: فَخَرَجْتُ أَسْعَى إِلَيْهَا، فَأَدْرَكْتُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى الْقَتْلَى. قَالَ: فَلَدَمَتْ فِي صَدْرِي، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَلْدَةً، قَالَتْ: إِلَيْكَ، لَا أَرْضَ لَكَ. قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم عَزَمَ عَلَيْكِ. قَالَ: فَوَقَفَتْ، وَأَخْرَجَتْ ثَوْبَيْنِ مَعَهَا، فَقَالَتْ: هَذَانِ ثَوْبَانِ جِئْتُ بِهِمَا لِأَخِي حَمْزَةَ، فَقَدْ بَلَغَنِي مَقْتَلُهُ، فَكَفِّنُوهُ فِيهِمَا. قَالَ: فَجِئْنَا بِالثَّوْبَيْنِ لِنُكَفِّنَ فِيهِمَا حَمْزَةَ، فَإِذَا إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَتِيلٌ، قَدْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِحَمْزَةَ. قَالَ: فَوَجَدْنَا غَضَاضَةً وَحَيَاءً أَنْ نُكَفِّنَ حَمْزَةَ فِي ثَوْبَيْنِ وَالْأَنْصَارِيُّ لَا كَفَنَ لَهُ، فَقُلْنَا: لِحَمْزَةَ ثَوْبٌ وَلِلْأَنْصَارِيِّ ثَوْبٌ. فَقَدَّرْنَاهُمَا فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ، فَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا، فَكَفَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الثَّوْبِ الَّذِي طَارَ لَهُ.([1129])

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَوَقَعَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة ، كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، وَالنّسْوَةُ اللّاتِي مَعَهَا ، يُمَثّلْنَ بِالْقَتْلَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَجْدَعْنَ الْآذَانَ وَالْأُنُفَ حَتّى اتّخَذَتْ هِنْدُ مِنْ آذَانِ الرّجَالِ وَآنُفِهِمْ خَدَمًا وَقَلَائِدَ وَأَعْطَتْ خَدَمَهَا وَقَلَائِدَهَا وَقِرَطَتَهَا وَحْشِيّا - غُلَامَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - وَبَقَرَتْ عَنْ كَبِدِ حَمْزَةَ ، فَلَاكَتْهَا ، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُسِيغَهَا ، فَلَفَظَتْهَا ، ثُمّ عَلَتْ عَلَى صَخْرَةٍ مُشْرِفَةٍ فَصَرَخَتْ بِأَعْلَى صَوْتِهَا فَقَالَتْ

نَحْنُ جَزَيْنَاكُمْ بِيَوْمِ بَــدْرٍ ... وَالْحَرْبُ بَعْدَ الْحَرْبِ ذَاتِ سُعْرِ

مَا كَانَ عَنْ عُتْبَة لِي مِنْ صَبْرِ ... وَلَا أَخِي وَعَمّــهِ وَبَكْـرِي

شَفَيْتُ نَفْسِي وَقَضَيْتُ نَذْرِي ... شَفَيْتَ وَحْشِيّ غَلِيلَ صَـدْرِي

فَشُكْرُ وَحْشِيّ عَلَيّ عُمْرِي ... حَتّى تَرُمّ أَعْظُمِي فِي قَبْـرِي([1130])

وهذا الخبر مرسل ، ولا يصح في شيء من الروايات أن هند بنت عتبة حاولت أكل كبد حمزة رضي الله عنه.

باب: مقتل سعد بن الربيع

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَفَرَغَ النَّاسُ لِقَتْلَاهُمْ، فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيُّ، أَخُو بَنِي النَّجَّارِ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ ؟ أَفِي الْأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا، فَنَظَرَ فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى وَبِهِ رَمَقٌ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ، أَفِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ. فَقَالَ: إِنَّا فِي الْأَمْوَاتِ، فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَكَ: جَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ. وَأَبْلِغْ قَوْمَكَ عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إِنْ خُلِصَ إِلَى نَبِيِّكُمْ، وَمِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ. قَالَ: ثُمَّ لَمْ أَبْرَحْ حَتَّى مَاتَ. قَالَ: فَجِئْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَهُ}([1131]). وهذا مرسل يشهد له الآتي:

روى الحاكم عن مخرمة بن بكير عن أبيه قال : بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ لِطَلَبِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَقَالَ لِي: " إِنْ رَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ " قَالَ: فَجَعَلْتُ أَطُوفُ بَيْنَ الْقَتْلَى فَأَصَبْتُهُ وَهُوَ فِي آخِرِ رَمَقٍ وَبِهِ سَبْعُونَ ضَرْبَةً مَا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ وَضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَعْدُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ: «خَبِّرْنِي كَيْفَ تَجِدُكَ؟» قَالَ: عَلَى رَسُولِ اللَّهِ السَّلَامُ، وَعَلَيْكَ السَّلَامُ قُلْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجِدُنِي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَقُلْ لِقَوْمِي الْأَنْصَارِ: لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يَخْلُصَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيكُمْ شُفْرٌ يَطْرِفُ، قَالَ: وَفَاضَتْ نَفْسُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ) ([1132])

قال ابن كثير:كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي الْتَمَسَ سَعْدًا فِي الْقَتْلَى مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، وَذَكَرَ أَنَّهُ نَادَاهُ مَرَّتَيْنِ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ خَبَرَكَ. أَجَابَهُ بِصَوْتٍ ضَعِيفٍ، وَذَكَرَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ فِي " الِاسْتِيعَابِ ": كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي الْتَمَسَ سَعْدًا أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَانَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ مِنَ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ  وَهُوَ الَّذِي آخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ([1133]).

باب: مقتل أنس بن النضر

روىَ مسلم عَنْ ثَابِتٍ قَالَ قَالَ أَنَسٌ عَمِّىَ الَّذِى سُمِّيتُ بِهِ لَمْ يَشْهَدْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَدْرًا - قَالَ - فَشَقَّ عَلَيْهِ قَالَ أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غُيِّبْتُ عَنْهُ وَإِنْ أَرَانِىَ اللَّهُ مَشْهَدًا فِيمَا بَعْدُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيَرَانِىَ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ - قَالَ - فَهَابَ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا - قَالَ - فَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ أُحُدٍ - قَالَ - فَاسْتَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ يَا أَبَا عَمْرٍو أَيْنَ فَقَالَ وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ - قَالَ - فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ - قَالَ - فَوُجِدَ فِى جَسَدِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ بَيْنِ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ - قَالَ - فَقَالَتْ أُخْتُهُ عَمَّتِىَ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْرِ فَمَا عَرَفْتُ أَخِى إِلاَّ بِبَنَانِهِ.

وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الْأَحْزَابِ: 23]. قَالَ فَكَانُوا يُرَوْنَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ وَفِى أَصْحَابِهِ[1134]..

باب:مقتل والد حذيفة بن اليمان،وثابت بن وقش.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ، قَالَ :لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ ، رَفَعَ حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ وَهُوَ الْيَمَانُ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ الْيَمَانِ ، وَثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فِي الْآطَامِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ - وَهُمَا شَيْخَانِ كَبِيرَانِ- مَا أَبَا لَك ، مَا تَنْتَظِرُ ؟ فَوَاَللّهِ لَا بَقِيَ لِوَاحِدِ مِنّا مِنْ عُمْرِهِ إلّا ظِمْءُ حِمَارٍ ، إنّمَا نَحْنُ هَامَةُ الْيَوْمِ أَوْ غَد ، أَفَلَا نَأْخُذُ أَسْيَافَنَا ، ثُمّ نَلْحَقُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَعَلّ اللّهَ يَرْزُقُنَا شَهَادَةً مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ فَأَخَذَا أَسْيَافَهُمَا ثُمّ خَرَجَا ، حَتّى دَخَلَا فِي النّاسِ وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِمَا ، فَأَمّا ثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ وَأَمّا حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلُوهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَبِي ؛ فَقَالُوا : وَاَللّهِ إنْ عَرَفْنَاهُ وَصَدَقُوا، قَالَ حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَدِيَهُ فَتَصَدّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَزَادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا"([1135]).

باب: مَقْتَلُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَنّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ كَانَ رَجُلًا أَعْرَجَ شَدِيدَ الْعَرَجِ ، وَكَانَ لَهُ بَنُونَ أَرْبَعَةٌ مِثْلَ الْأُسْدِ يَشْهَدُونَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَشَاهِدَ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُد ٍ أَرَادُوا حَبْسَهُ وَقَالُوا لَهُ: إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ عَذَرَك ، فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ: إنّ بَنِيّ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْبِسُونِي عَنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْخُرُوجِ مَعَك فِيهِ . فَوَاَللّهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ أَطَأَ بِعَرْجَتِي هَذِهِ فِي الْجَنّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمّا أَنْتَ فَقَدْ عَذَرَك اللّهُ فَلَا جِهَادَ عَلَيْك ، وَقَالَ لِبَنِيه:ِ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَمْنَعُوهُ لَعَلّ اللّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ الشّهَادَةَ فَخَرَجَ مَعَهُ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ ([1136]) .ويشهد لهذا الخبر ما بعده:

روى أحمد عَنْ أَبِى قَتَادَةَ أَنَّهُ حَضَر ذَلِكَ قَالَ أَتَى عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلْتُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أُقْتَلَ أَمْشِى بِرِجْلِى هَذِهِ صَحِيحَةً فِى الْجَنَّةِ -وَكَانَتْ رِجْلُهُ عَرْجَاءَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « نَعَمْ ». فَقُتِلُوا يَوْمَ أُحُدٍ هُوَ وَابْنُ أَخِيهِ وَمَوْلًى لَهُمْ ، فَمَرَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَيْكَ تَمْشِى بِرِجْلِكَ هَذِهِ صَحِيحَةً فِى الْجَنَّةِ ». فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِهِمَا وَبِمَوْلاَهُمَا فَجُعِلُوا فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ ) ([1137]).

وقالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمَئِذٍ حِينَ أَمَرَ بِدَفْنِ الْقَتْلَى :" اُنْظُرُوا إلَى عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ فَإِنّهُمَا كَانَا مُتَصَافِيَيْنِ فِي الدّنْيَا ، فَاجْعَلُوهُمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ"([1138]) .وهذه الرواية لم يسم إسحاق بن يسار أشياخه .ويشهد لها ما قبلها  .

باب :مقتل حامل اللواء مصعب بن عمير[1139]

َقتل مُصعب يَوْم أحد شَهِيدا، قَتله ابْن قميئة اللَّيْثِيّ، وَلم يخْتَلف أهل السّير فِي أَن راية رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَت مَعَ مُصعب يَوْم بدر و يوم َأحد، ثمَّ إِنَّه لما قتل يَوْم أحد أَخذهَا على بن أَبى طَالب.

روى البخاري عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُتِىَ بِطَعَامٍ ، وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، وَهْوَ خَيْرٌ مِنِّى ، كُفِّنَ فِى بُرْدَةٍ ، إِنْ غُطِّىَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ ، وَإِنْ غُطِّىَ رِجْلاَهُ بَدَا رَأْسُهُ - وَأُرَاهُ قَالَ - وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهْوَ خَيْرٌ مِنِّى ، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ ، أَوْ قَالَ أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا . ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِى حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ ([1140]).

وروى  عَنْ خَبَّابٍ - رضى الله عنه - قَالَ هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَبْتَغِى وَجْهَ اللَّهِ ، فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ ، وَمِنَّا مَنْ مَضَى أَوْ ذَهَبَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا ، كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ ، لَمْ يَتْرُكْ إِلاَّ نَمِرَةً ، كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ ، وَإِذَا غُطِّىَ بِهَا رِجْلاَهُ خَرَجَ رَأْسُهُ ، فَقَالَ لَنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلِهِ الإِذْخِرَ - أَوْ قَالَ أَلْقُوا عَلَى رِجْلِهِ مِنَ الإِذْخِرِ » . وَمِنَّا مَنْ قَدْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدُبُهَا ([1141]).

وروى الحاكم في المستدرك عن إبراهيم بن محمد العبدري عن أبيه قال : كَانَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ فَتَى مَكَّةَ شَبَابًا وَجَمَالًا، وَكَانَ أَبَوَاهُ يُحِبَّانِهِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ تَكْسُوهُ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الثِّيَابِ وَأَرَقَّهُ، وَكَانَ أَعْطَرِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُهُ وَيَقُولُ: «مَا رَأَيْتُ بِمَكَّةَ أَحْسَنَ لِمَّةً، وَلَا أَرَقَّ حُلَّةً، وَلَا أَنْعَمَ نِعْمَةً مِنْ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ» ([1142])

ثم روى عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ مَرَّ عَلَى مُصْعَبٍ الْأَنْصَارِيِّ مَقْتُولًا عَلَى طَرِيقِهِ، فَقَرَأَ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] ([1143])

باب: مقتل عبد الله بن حرام والد جابر

روى البخاري عَنْ جَابِرٍ - رضى الله عنه - قَالَ لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ دَعَانِى أَبِى مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: مَا أُرَانِى إِلاَّ مَقْتُولاً فِى أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَإِنِّى لاَ أَتْرُكُ بَعْدِى أَعَزَّ عَلَىَّ مِنْكَ ، غَيْرَ نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَإِنَّ عَلَىَّ دَيْنًا فَاقْضِ ، وَاسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ خَيْرًا . فَأَصْبَحْنَا فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ ، وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِى قَبْرٍ ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِى أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الآخَرِ فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً غَيْرَ أُذُنِهِ([1144]) .

وروى ابن ماجة عن طَلْحَةَ بْنَ خِرَاشٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ يَوْمَ أُحُدٍ لَقِيَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: « يَا جَابِرُ مَالِى أَرَاكَ مُنْكَسِرًا ». قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِى وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا. قَالَ « أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِىَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ ». قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.

قَالَ « مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا. فَقَالَ: يَا عَبْدِى تَمَنَّ عَلَىَّ أُعْطِكَ. قَالَ يَا رَبِّ تُحْيِينِى فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً. فَقَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّى أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لاَ يَرْجِعُونَ. قَالَ يَا رَبِّ فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِى. قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى" {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}[آل عمران:169] »([1145]).

باب: مقتل جليبيب وما كان من أمره.

روى مسلم  عَنْ أَبِى بَرْزَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ فِى مَغْزًى لَهُ فَأَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ « هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ ». قَالُوا نَعَمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا. ثُمَّ قَالَ « هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ ». قَالُوا نَعَمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا. ثُمَّ قَالَ « هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ ». قَالُوا لاَ. قَالَ « لَكِنِّى أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا فَاطْلُبُوهُ ». فَطُلِبَ فِى الْقَتْلَى فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ فَأَتَى النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ « قَتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ هَذَا مِنِّى وَأَنَا مِنْهُ هَذَا مِنِّى وَأَنَا مِنْهُ ». قَالَ فَوَضَعَهُ عَلَى سَاعِدَيْهِ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ سَاعِدَا النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ فَحُفِرَ لَهُ وَوُضِعَ فِى قَبْرِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلاً ([1146]).

وروى أحمد عَنْ ثَابِتٍ عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ الْعَدَوِيِّ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ: أَنَّ جُلَيْبِيبًا كَانَ امْرَأً يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ يَمُرُّ بِهِنَّ وَيُلَاعِبُهُنَّ ، فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ جُلَيْبِيبٌ فَإِنَّهُ إِنْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ لَأَفْعَلَنَّ وَلَأَفْعَلَنَّ قَالَ: وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ أَيِّمٌ لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى يَعْلَمَ هَلْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا حَاجَةٌ أَمْ لَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ فَقَالَ: نِعِمَّ وَكَرَامَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَنُعْمَ عَيْنِي، فَقَالَ :إِنِّي لَسْتُ أُرِيدُهَا لِنَفْسِي ، قَالَ: فَلِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟قَالَ لِجُلَيْبِيبٍ ، قَالَ فَقَالَ :يَا رَسُولَ اللَّهِ أُشَاوِرُ أُمَّهَا فَأَتَى أُمَّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ابْنَتَكِ فَقَالَتْ: نِعِمَّ وَنُعْمَةُ عَيْنِي، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ إِنَّمَا يَخْطُبُهَا لِجُلَيْبِيبٍ ،فَقَالَتْ: أَجُلَيْبِيبٌ ابْنَهْ أَجُلَيْبِيبٌ ابْنَهْ أَجُلَيْبِيبٌ ابْنَهْ لَا لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تُزَوَّجُهُ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ لِيَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَهُ بِمَا قَالَتْ أُمُّهَا ، قَالَتْ الْجَارِيَةُ: مَنْ خَطَبَنِي إِلَيْكُمْ فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّهَا فَقَالَتْ أَتَرُدُّونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ ادْفَعُونِي فَإِنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْنِي ، فَانْطَلَقَ أَبُوهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ قَالَ: شَأْنَكَ بِهَا فَزَوَّجَهَا جُلَيْبِيبًا ، قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ لَهُ قَالَ فَلَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ لِأَصْحَابِه:ِ هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ قَالُوا نَفْقِدُ فُلَانًا وَنَفْقِدُ فُلَانًا قَالَ انْظُرُوا هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ قَالُوا لَا ، قَالَ : لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا قَالَ فَاطْلُبُوهُ فِي الْقَتْلَى قَالَ: فَطَلَبُوهُ فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ ،فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَا هُوَ ذَا إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَيْهِ فَقَالَ: قَتَلَ سَبْعَةً وَقَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَاعِدَيْهِ وَحُفِرَ لَهُ مَا لَهُ سَرِيرٌ إِلَّا سَاعِدَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ غَسَّلَهُ.

قَالَ ثَابِتٌ : فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا. وَحَدَّثَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ثَابِتًا قَالَ : هَلْ تَعْلَمْ مَا دَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اللَّهُمَّ صُبَّ عَلَيْهَا الْخَيْرَ صَبًّا وَلَا تَجْعَلْ عَيْشَهَا كَدًّا كَدًّا) . قَالَ: فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا.([1147])

 

باب: مقتل حنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة

أخرج ابن حبان والحاكم في " المستدرك " ، والبيهقي من طريق ابن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : وقد كان الناس انهزموا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى انتهى بعضهم إلى دون الأعراض إلى جبل بناحية المدينة ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد كان حنظلة بن أبي عامر التقى هو وأبو سفيان بن حرب فلما استعلاه حنظلة رآه شداد بن الأسود فعلاه شداد بالسيف حتى قتله وقد كاد يقتل أبا سفيان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن صاحبكم حنظلة تغسله الملائكة فسلوا صاحبته ) فقالت : خرج وهو جنب لما سمع الهائعة ([1148]) فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( فذاك قد غسلته الملائكة ) "[1149] .

وَقَدْ ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ أَبَاهُ ضَرَبَ بِرِجْلِهِ فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ: ذَنْبَانِ أَصَبْتَهُمَا، وَلَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ مَصْرَعِكَ هَذَا، وَلَقَدْ وَاللَّهِ كُنْتَ وُصُولًا لِلرَّحِمِ، بَرًّا بِالْوَالِدِ[1150].

وذكر الْوَاقِدِيُّ أن زوجته هِيَ: جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، وَكَانَتْ عَرُوسًا عَلَيْهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ[1151]

باب: ما كان من أمر أصيرم (واسمه عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ)، ومقتله.

روى ابْنُ إسْحَاقَ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ يَقُولُ: حَدّثُونِي عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْجَنّةَ لَمْ يُصَلّ قَطّ ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ النّاسُ سَأَلُوهُ مَنْ هُوَ ؟ فَيَقُولُ أُصَيْرِم ، بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ قَالَ الْحُصَيْنُ :َقُلْت لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ: كَيْفَ كَانَ شَأْنُ الْأُصَيْرِمِ ؟ قَالَ كَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ عَلَى قَوْمِهِ . فَلَمّا كَانَ يَوْمُ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ بَدَا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَعَدَا حَتّى دَخَلَ فِي عُرْضِ النّاسِ فَقَاتَلَ حَتّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ . قَالَ فَبَيْنَا رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ قَتَلَاهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ إذَا هُمْ بِهِ فَقَالُوا : وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَلْأُصَيْرِمُ مَا جَاءَ بِهِ ؟ لَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَإِنّهُ لِمُنْكِرٍ لِهَذَا الْحَدِيثَ فَسَأَلُوهُ مَا جَاءَ بِهِ فَقَالُوا : مَا جَاءَ بِك يَا عَمْرُو ؟ أَحَدَبٌ عَلَى قَوْمِك أَمْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ ؟ قَالَ بَلْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ آمَنْت بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَسْلَمْتُ ثُمّ أَخَذْت سَيْفِي ، فَغَدَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَاتَلْت حَتّى أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي ، ثُمّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فِي أَيْدِيهِمْ . فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ:إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنّة ِ([1152]).

روى البخاري عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيدِ فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ أَوْ أُسْلِمُ؟قَالَ :َأسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ.فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ فَقُتِلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا[1153]

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِم مِنْ طَرِيق مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُقَيْشٍ كَانَ لَهُ رِبًا فِى الْجَاهِلِيَّةِ فَكَرِهَ أَنْ يُسْلِمَ حَتَّى يَأْخُذَهُ فَجَاءَ يَوْمَ أُحُدٍ. فَقَالَ : أَيْنَ بَنُو عَمِّى قَالُوا : بِأُحُدٍ. قَالَ : أَيْنَ فُلاَنٌ قَالُوا : بِأُحُدٍ. قَالَ : أَيْنَ فُلاَنٌ قَالُوا : بِأُحُدٍ. فَلَبِسَ لأْمَتَهُ وَرَكِبَ فَرَسَهُ ثُمَّ تَوَجَّهَ قِبَلَهُمْ فَلَمَّا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ قَالُوا : إِلَيْكَ عَنَّا يَا عَمْرُو. قَالَ : إِنِّى قَدْ آمَنْتُ. فَقَاتَلَ حَتَّى جُرِحَ، فَحُمِلَ إِلَى أَهْلِهِ جَرِيحًا فَجَاءَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ لأُخْتِهِ : سَلِيهِ ،حَمِيَّةً لِقَوْمِكَ أَوْ غَضَبًا لَهُمْ أَمْ غَضَبًا لِلَّهِ؟ فَقَالَ : بَلْ غَضَبًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَمَاتَ. فَدَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَا صَلَّى لِلَّهِ صَلاَةً. " [1154].

قال الحافظ في الفتح: فَيُجْمَع بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ الَّذِينَ رَأَوْهُ وَقَالُوا لَهُ : إِلَيْك عَنَّا ، نَاس غَيْر قَوْمه ، وَأَمَّا قَوْمه فَمَا شَعَرُوا بِمَجِيئِهِ حَتَّى وَجَدُوهُ فِي الْمَعْرَكَة . وَيُجْمَع بَيْنهمَا وَبَيْن حَدِيث الْبَاب-أي حديث البراء- بِأَنَّهُ جَاءَ أَوَّلًا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَشَارَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ ، فَرَآهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَالُوا لَهُ إِلَيْك عَنَّا . وَيُؤَيِّد هَذَا الْجَمْع قَوْله لَهُمْ " قَاتَلْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَكَأَنَّ قَوْمه وَجَدُوهُ بَعْد ذَلِكَ فَقَالُوا لَهُ مَا قَالُوا . وَيُؤَيِّد الْجَمْع أَيْضًا مَا وَقَعَ فِي سِيَاق حَدِيث الْبَرَاء عِنْد النَّسَائِيِّ ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَة زُهَيْر بْن مُعَاوِيَة عَنْ أَبِي إِسْحَاق نَحْو رِوَايَة إِسْرَائِيل وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَوْ أَنِّي حَمَلْت عَلَى الْقَوْم فَقَاتَلْت حَتَّى أُقْتَلَ أَكَانَ خَيْرًا لِي وَلَمْ أُصَلِّ صَلَاة ؟ قَالَ نَعَمْ " وَنَحْوه لِسَعِيدِ بْن مَنْصُور مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي إِسْحَاق وَزَادَ فِي أَوَّله أَنَّهُ قَالَ " أَخَيْر لِي أَنْ أُسْلِم ؟ قَالَ نَعَمْ : فَأَسْلَمَ " فَإِنَّهُ مُوَافِق لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَة " إِنَّهُ دَخَلَ الْجَنَّة وَمَا صَلَّى لِلَّهِ صَلَاة " وَأَمَّا كَوْنه مِنْ بَنِي عَبْد الْأَشْهَل وَنُسِبَ فِي رِوَايَة مُسْلِم إِلَى بَنِي النَّبِيتِ فَيُمْكِن أَنْ يُحْمَل عَلَى أَنَّ لَهُ فِي بَنِي النَّبِيتِ نِسْبَة مَا ، فَإِنَّهُمْ إِخْوَة بَنِي عَبْد الْأَشْهَل يَجْمَعهُمْ الِانْتِسَاب إِلَى الْأَوْس "أهـ[1155].

باب: مقَتْلُ مُخَيْرِيقٍ

لا يصح في خبره حديث مرفوع لكن ورد في ذلك روايات مرسلة يشد بعضها بعضًا.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّنْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ مُخَيْرِيق ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ الْفِطْيُونِ قَالَ لَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ ، قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ :وَاَللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنّ نَصْرَ مُحَمّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقّ ، قَالُوا : إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ السّبْتِ ، قَالَ: لَا سَبْتَ لَكُمْ . فَأَخَذَ سَيْفَهُ وَعُدّتَهُ وَقَالَ: إنْ أُصِبْتُ فَمَالِي لِمُحَمّدٍ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ ثُمّ غَدَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَاتَلَ مَعَهُ حَتّى قُتِلَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنَا –" مُخَيْرِيق خَيْرُ يَهُود"[1156].

وقد اختُلف في إسلام مخيريق .وذكر السهيلي في الروض الأنف أنه مسلم، وذلك حين قال معقبًا على رواية ابن إسحاق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مخيريق خير يهود» قال: ومخيريق مسلم، ولا يجوز أن يقال في مسلم هو خير النصارى، ولا خير اليهود؛ لأن أفعل من كذا، إذا أضيف فهو بعض ما أضيف إليه، فإن قيل: وكيف جاز هذا؟ قلنا: لأنه قال: خير يهود، ولم يقل خير اليهود، ويهود اسم علم كثمود، يقال: إنهم نسبوا إلى يهوذا بن يعقوب ثم عربت الذال دالا".أهـ. [1157]

ونقل الذهبي في التجريد وابن حجر في الإصابة عن الواقدي أن مخيريق مات مسلمًا [1158]

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: وَكَانَتْ أَوَّلَ وَقْفٍ بِالْمَدِينَةِ حوائط مخيريق التي أوصى بها لرسول الله صلى الله عليه وسلم [1159] .

وروي ابن شبة في تاريخ المدينة بسنده عن ابن شهاب قال: كانت صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم أموالا لمخيريق اليهودي- قال عبد العزيز(أحد الرواة): بلغني أنه كان من بقايا بني قينقاع- ثم رجع حديث ابن شهاب قال: وأوصى مخيريق بأمواله للنبي صلى الله عليه وسلم وشهد أحدا فقتل به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مخيريق سابق يهود وسلمان سابق فارس وبلال سابق الحبشة قال: وأسماء أموال مخيريق التي صارت للنبي صلى الله عليه وسلم:  الدلال وبرقة والأعواف والصافية والميثب وحسنى ومشربة أم إبراهيم "[1160]

وروى أيضًا - من طريق الواقدي- عن  عبد الله بن كعب بن مالك قال: قال مخيريق يوم أحد إن أصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله فهي عامة صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم[1161]

وروى ابن سعد - من طريق الواقدي- عن بشر بن حميد قال سمعت عمر بن عبد العزيز يقول في خلافته بخناصرة: سمعت بالمدينة -والناس يومئذ بها كثير من مشيخة المهاجرين والأنصار- أن حوائط النبي صلى الله عليه وسلم يعني السبعة التي وقف من أموال مخيريق وقال إن أصبت فأموالي لمحمد صلى الله عليه وسلم يضعها حيث أراه الله وقتل يوم أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مخيريق خير يهود[1162] .

وروى أيضا عن عثمان بن وثاب قال: (ما هذه الحوائط إلا من أموال بني النضير، لقد رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحد ففرق أموال مخيريق ) [1163]

باب:مَقْتَلُ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ لعنه الله

قَالَ ابن إسحاق: فَلَمّا أُسْنِدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الشّعْبِ أَدْرَكَهُ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ وَهُوَ يَقُولُ: أَيْ مُحَمّدُ لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَوْتَ ، فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَيَعْطِفُ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنّا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ : دَعُوهُ فَلَمّا دَنَا ، تَنَاوَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَرْبَةَ مِنْ الْحَارِثِ بْنِ الصّمّةِ يَقُولُ بَعْضُ الْقَوْمِ فِيمَا ذُكِرَ لِي : فَلَمّا أَخَذَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُ انْتَفَضَ بِهَا انْتِفَاضَةً تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُرَ الشّعْرَاءِ عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ إذَا انْتَفَضَ بِهَا - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الشّعْرَاءُ ذُبَابٌ لَهُ لَدْغٌ - ثُمّ اسْتَقْبَلَهُ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ طَعْنَةً تَدَأْدَأَ مِنْهَا عَنْ فَرَسِهِ مِرَارًا . -قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَدَأْدَأَ يَقُولُ تَقَلّبَ عَنْ فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَتَدَحْرَجُ- ...

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ ، كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، يَلْقَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَيَقُولُ يَا مُحَمّدُ إنّ عِنْدِي الْعَوْذَ - فَرَسًا -أَعْلِفُهُ كُلّ يَوْمٍ فَرَقًا مِنْ ذُرَةٍ أَقْتُلُك عَلَيْهِ، فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : بَلْ أَنَا أَقْتُلُك إنْ شَاءَ اللّهُ . فَلَمّا رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ وَقَدْ خَدَشَهُ فِي عُنُقِهِ خَدْشًا غَيْرَ كَبِيرٍ فَاحْتَقَنَ الدّمُ قَالَ: قَتَلَنِي وَاَللّهِ مُحَمّدٌ قَالُوا لَهُ: ذَهَبَ وَاَللّهِ فُؤَادُك وَاَللّهِ إنْ بِك مِنْ بَأْسٍ قَالَ: إنّهُ قَدْ كَانَ قَالَ لِي بِمَكّةَ أَنَا أَقْتُلُك ، فَوَاَللّهِ لَوْ بَصَقَ عَلَيّ لَقَتَلَنِي . فَمَاتَ عَدُوّ اللّهِ بِِسَرِف وَهُمْ قَافِلُونَ بِهِ إلَى مَكّة َ([1164])

ويشهد لذلك ما أخرجه البيهقي من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: وَكَانَ أبي بن خلف قَالَ- حِين افتدى - :وَالله إِن عِنْدِي لفرسا أعلفها كل يَوْم فرقا من ذرة ولأقتلن عَلَيْهَا مُحَمَّدًا فبلغت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ:" بل أَنا اقتله إِن شَاءَ الله" فَأقبل أبيّ مقنعًا فِي الْحَدِيد على فرسه تِلْكَ يَقُول: لَا نجوت إِن نجا مُحَمَّد، فَحمل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيد قَتله .

قَالَ مُوسَى بن عقبَة قَالَ سعيد بن الْمسيب: فَاعْترضَ لَهُ رجال من الْمُؤمنِينَ فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخلوا طَرِيقه وَأبْصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترقوة أبي بن خلف من فُرْجَة بَين سابغة الْبَيْضَة والدرع فطعنه بحربته فَوَقع أبي عَن فرسه وَلم يخرج من طعنته دم

قَالَ سعيد :فَكسر ضلع من أضلاعه فَفِي ذَلِك نزل {وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى } فَأَتَاهُ أَصْحَابه وَهُوَ يخور خوار الثور، فَقَالُوا: مَا جزعك إِنَّمَا هُوَ خدش فَذكر لَهُم قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم" أَنا أقتل أَبَيَا " ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو كَانَ هَذَا الَّذِي بِي بِأَهْل ذِي المجار لماتوا أَجْمَعُونَ فَمَاتَ أبي قبل أن يقدم مَكَّة"[1165] .

وروى نحوه عَبْدُ الرَّزَّاقِ-بسند صحيح- عَنْ مِقْسَمٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.. وفيه:..وَأَمَّا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ مُحَمَّدًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» قَالَ: فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِمَّنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ فَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا قِيلَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قُلْتَ؟ قَالَ: «بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَأَفْزَعَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ أُنْشِدُكَ بِاللَّهِ أَسَمِعْتَهُ يَقُولُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَوَقَعَتْ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَوْلًا إِلَّا كَانَ حَقًّا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ خَرَجَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَجَعَلَ يَلْتَمِسُ غَفَلَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ، فَيَحُولُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «خَلُّوا عَنْهُ» فَأَخَذَ الْحَرْبَةَ فَجَزَلَهُ بِهَا يَقُولُ: رَمَاهُ بِهَا، فَيَقَعُ فِي  تَرْقُوَتِهِ تَحْتَ تَسْبِغَةِ الْبَيْضَةِ، وَفَوْقَ الدِّرْعِ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ كَبِيرُ دَمٍ، وَاحْتَقَنَ الدَّمُ فِي جَوْفِهِ، فَجَعَلَ يَخُورُ كَمَا يَخُورُ الثَّوْرُ، فَأَقْبَلَ أَصْحَابُهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ وَهُوَ يَخُورُ وَقَالُوا: مَا هَذَا فَوَاللَّهِ مَا بِكَ إِلَّا خَدْشٌ، فَقَالَ: " وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يُصِبْنِي إِلَّا بِرِيقِهِ لَقَتَلَنِي، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ: أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَاللَّهِ لَوْ كَانَ الَّذِي بِي بِأَهْلِ ذِي الْمَجَازِ لَقَتَلَهُمْ. قَالَ: فَمَا لَبِثَ إِلَّا يَوْمًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ إِلَى النَّارِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان: 27] إِلَى قَوْلِهِ: {الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 29] "[1166]

باب:مَقْتَلُ قُزْمَانَ مُنَافِقًا كَمَا حَدّثَ الرّسُولُ بِذَلِكَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ كَانَ فِينَا رَجُلٌ أَتَى لَا يُدْرَى مِمّنْ هُوَ يُقَالُ لَهُ قُزْمَانُ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ إذَا ذُكِرَ لَهُ: إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ النّارِ ، قَالَ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا ، فَقَتَلَ وَحْدَهُ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ ذَا بَأْسٍ فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ فَاحْتُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ ، قَالَ فَجَعَلَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ لَهُ: وَاَللّهِ لَقَدْ أَبْلَيْتَ الْيَوْمَ يَا قُزْمَانُ ، فَأَبْشِرْ قَالَ بِمَاذَا أَبْشِرُ ؟ فَوَاَللّهِ إنْ قَاتَلْتُ إلّا عَنْ أَحْسَابِ قَوْمِي ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا قَاتَلْتُ . قَالَ: فَلَمّا اشْتَدّتْ عَلَيْهِ جِرَاحَتُهُ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَقَتَلَ بِهِ نَفْسَه[1167]

وَقَدْ وَرَدَ مِثْلُ قِصَّةِ هَذَا فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ فقد روى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ: (هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ ). فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالًا شَدِيدًا، فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ الَّذِي قُلْتَ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. قَاتَلَ الْيَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَقَدْ مَاتَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( إِلَى النَّارِ ) . فَكَادَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَرْتَابُ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، إِذْ قِيلَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنْ بِهِ جِرَاحٌ شَدِيدَةٌ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْجِرَاحِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَقَالَ: ( اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاسِ: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةُ، وَأَنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ)([1168])  .

وروى ابن أبي عاصم عن خالد بن مغيث -وهو من الصحابة رضي الله عنهم - أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : رأيت قزمان متلفعا في خميلة في النار يريد أسود غلََّ يوم خبير"([1169]) وهذا الخبر يبين أنه قتل يوم خيبر.

باب: أَمْرُ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ .

وهو المذكور فيما رواه أحمد وغيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلامِ، وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} [آل عمران: 86] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَبَعَثَ بِهَا قَوْمُهُ، فَرَجَعَ تَائِبًا، فَقَبِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَلِكَ مِنْهُ، وَخَلَّى عَنْهُ "([1170]).

ويشهد لذلك  ما  رواه عبد الرزاق بسنده عن مجاهد قال:جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه، فأنزل الله فيه القرآن: (كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم) إلى (إلا الذين تابوا..) الآية، قال: فحملها إليه رجلٌ من قومه فقرأها عليه، فقال الحارث: إنك- والله! ما علمتُ- لصدوق، وإن رسول الله لأصدق منك، وإن الله لأصدق الثلاثة، قال: فرجع الحارث فأسلم وحسن إسلامه "([1171]). وهذا يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل من الحارث وتجاوز عنه.

و  يذكر أهل السير أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتله لأنه قتل الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ .و لكن  ما ورد بشأن ذلك من الأخبار لا يثبت سندًا.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد بْنِ صَامَتْ مُنَافِقًا ، فَخَرَجَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ عَدَا عَلَى الْمُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ وَقَيْسِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدِ بَنِي ضُبَيْعَةَ ، فَقَتَلَهُمَا ، ثُمّ لَحِقَ بِمَكّةَ بِقُرَيْشٍ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا يَذْكُرُونَ - قَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بِقَتْلِهِ إنْ هُوَ ظَفِرَ بِهِ، فَفَاتَهُ، فَكَانَ بِمَكّةَ ثُمّ بَعَثَ إلَى أَخِيهِ الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْد يَطْلُبُ التّوْبَةَ لِيَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ- فِيمَا بَلَغَنِي- عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : { كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنّ الرّسُولَ حَقّ وَجَاءَهُمُ الْبَيّنَاتُ وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ }[آل عمران:86] إلَى آخِرِ الْقِصّةِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد قَتَلَ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ وَلَمْ يَقْتُلْ قِيسَ بْنَ زَيْدٍ وَالدّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ ؛ وَإِنّمَا قَتَلَ الْمُجَذّرَ لِأَنّ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ كَانَ قَتَلَ أَبَاهُ سُوَيْدًا فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ

([1172])

هكذا ذكر ابن اسحاق القصة مرسلة عن بعض التابعين([1173])

وروى أبو نعيم في المعرفة - بسند تالف - عَن ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ رَجَعَ عَنِ الْإِسْلَامِ، فِي عَشْرَةِ رَهْطٍ ، فَلَحِقُوا بِمَكَّةَ، فَنَدِمَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ، فَرَجَعَ حَتَّى إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ أَرْسَلَ إِلَى أَخِيهِ الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْدٍ، أَنِّي نَدِمْتُ عَلَى مَا صَنَعْتُ، فَسَلْ لِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ إِنْ رَجَعْتُ ؟ وَإِلَّا ذَهَبْتُ فِي الْأَرْضِ، فَأَتَى الْجُلَاسُ بْنُ سُوَيْدٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ بِخَبَرِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، وَنَدَامَتِهِ، وَقَدْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ: { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا } [آل عمران: 89] فَأَرْسَلَ الْجُلَاسُ إِلَى أَخِيهِ، أَنَّ اللهَ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكَ التَّوْبَةَ . فَأَقْبَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَاعْتَذَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَابَ إِلَى اللهِ مِنْ صَنِيعِهِ، وَقَبِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ "([1174])

وذكر الواقدي في مغازيه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عُوَيْمَ بْنَ سَاعِدَةَ فَقَالَ لَهُ: قَدِمَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ- أي مسجد قباء- فَاضْرِبْ عُنُقَهُ بِمُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ، فَإِنّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ أُحُدٍ.فضرب عويمٌ عنقه[1175].

باب: ما جاء في فضل شهداء أحد والشهداء عامة .

قال تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران:169-171]

وقال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ }

[البقرة:154]

روى مسلم عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ-هو ابن مسعود- عَنْ هَذِهِ الآيَةِ (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ « أَرْوَاحُهُمْ فِى جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِى إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلاَعَةً فَقَالَ هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا قَالُوا أَىَّ شَىْءٍ نَشْتَهِى وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِى أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِى سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى. فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا »[1176].

روى أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَرْوَاحَهُمْ فِى أَجَوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِى إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِى ظِلِّ الْعَرْشِ فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَشَْربِهِمْ وَمَأْكَلِهِمْ وَحُسْنَ مُنْقَلَبِهِمْ قَالُوا يَا لَيْتَ إِخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ بِمَا صَنَعَ اللَّهُ لَنَا لِئَلاَّ يَزْهَدُوا فِى الْجِهَادِ وَلاَ يَنْكُلُوا عَنِ الْحَرْبِ. فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلاَءِ الآيَاتِ عَلَى رَسُولِهِ (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ ) ([1177])

وقال ابْنُ إِسْحَاقَ، حدثني الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ رضي الله عنه-حليف بني زهرة- {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْقَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ، إِنَّهُ مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللَّهِ، إِلَّا وَاللَّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى جُرْحُهُ، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ} ([1178])

قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَمِّي مُوسَى بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ  صلى الله عليه وسلم {: مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللَّهِ، إِلَّا وَاللَّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَدْمَى، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ.}([1179])

باب: دفن قتلى أحد وهل غسَّلهم الرسول و صلَّى عليهم ؟

قتلى المسلمين في  أحد لم يغسلوا ولم يُصل عليهم- في حينها- لأنهم شهداء.وهذا حكم من قتل من المسلمين في أي قتال مع الكفار.وإنما صلى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في أواخر حياته كالمودع للدنيا. رَوَى الْبُخَارِيُّ في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:{ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ» ، فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: «أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ القِيَامَةِ» ، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ }([1180]).

وَإِنَّمَا أَرْخَصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ؛ لِمَا بِالْمُسْلِمِينَ مِنَ الْجِرَاحِ الَّتِي يَشُقُّ مَعَهَا أَنْ يَحْفِرُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدًا، وَيُقَدِّمَ فِي اللَّحْدِ أَكْثَرَهُمَا أَخْذًا لِلْقُرْآنِ، وَكَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ الْمُتَصَاحِبَيْنِ فِي اللَّحْدِ الْوَاحِدِ، كَمَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَالِدِ جَابِرٍ وَبَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا مُتَصَاحِبَيْنِ.

وَروى أَحْمَدُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ: فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ أَوْ كُلَّ دَمٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ"([1181]) .

و قد َثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِسِنِينَ عَدِيدَةٍ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِيَسِيرٍ، كَمَا في صحيح الْبُخَارِيُّ: عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: {صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ، كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، ثُمَّ طَلَعَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: إِنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ، وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْحَوْضُ، وَإِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هَذَا، وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوهَا قَالَ: فَكَانَ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظْرَتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ }([1182]) .

أما ما ورد في بعض الروايات في كتب السيرة وغيرها أنه صلى على قتلى أحد في حينها  وأنه زاد في الصلاة على حمزة فلم يثبت ذلك بسند صحيح بل ترده الأحاديث الصحيحة السابقة .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَمْزَةَ فَسُجِّيَ بِبُرْدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ فَكَبَّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ أَتَى بِالْقَتْلَى يُوضَعُونَ إِلَى حَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ مَعَهُمْ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ صَلَاةً.}وَهَذَا غَرِيبٌ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ.

قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ ، وَلَا الْأَوْزَاعِيّ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا ضَعْفُ إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنّ ابْنَ إسْحَاقَ قَالَ حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ يَعْنِي : الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ - فِيمَا ذَكَرُوا - وَلَا خِلَافَ فِي ضَعْفِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَرَوْنَهُ شَيْئًا ، وَإِنْ كَانَ الّذِي قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ غَيْرَ الْحَسَنِ فَهُوَ مَجْهُولٌ وَالْجَهْلُ يُوبِقُهُ . وَالْوَجْهُ الثّانِي : أَنّهُ حَدِيثٌ لَمْ يَصْحَبْهُ الْعَمَلُ وَلَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنّهُ صَلّى عَلَى شَهِيدٍ فِي شَيْءٍ مِنْ مَغَازِيهِ إلّا هَذِهِ الرّوَايَةَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ([1183])

وَروىَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وابن أبي شيبة: عَنِ الشعبي عن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَوْمَ أُحُدٍ خَلْفَ الْمُسْلِمِينَ يُجْهِزْنَ عَلَى جَرْحَى الْمُشْرِكِينَ، فَلَوْ حَلَفْتُ يَوْمَئِذٍ رَجَوْتُ أَنْ أَبَرَّ: إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا يُرِيدُ الدُّنْيَا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } [آلِ عِمْرَانَ: 152 ]فَلَمَّا خَالَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم وَعَصَوْا مَا أُمِرُوا بِهِ، أُفْرِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي تِسْعَةٍ؛ سَبْعَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَاثْنَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ عَاشِرُهُمْ، فَلَمَّا رَهِقُوهُ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا رَدَّهُمْ عَنَّا قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَاتَلَ سَاعَةً حَتَّى قُتِلَ، فَلَمَّا رَهِقُوهُ أَيْضًا قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا رَدَّهُمْ عَنَّا. فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَا حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبَيْهِ: مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا. فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: اعْلُ هُبَلَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ. فَقَالُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم قُولُوا: اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ. ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ يَوْمٌ لَنَا وَيَوْمٌ عَلَيْنَا، وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرُّ، حَنْظَلَةُ بِحَنْظَلَةَ وَفُلَانٌ بِفُلَانٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا سَوَاءَ، أَمَّا قَتْلَانَا فَأَحْيَاءٌ يُرْزَقُونَ، وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قَدْ كَانَتْ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ لَعَنْ غَيْرِ مَلَأٍ مِنَّا، مَا أَمَرْتُ وَلَا نَهَيْتُ، وَلَا أَحْبَبْتُ وَلَا كَرِهْتُ، وَلَا سَاءَنِي وَلَا سَرَّنِي. قَالَ: فَنَظَرُوا، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ، وَأَخَذَتْ هِنْدُ كَبِدَهُ فَلَاكَتْهَا، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَأْكُلَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَأَكَلَتْ مِنْهُ شَيْئًا ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُدْخِلَ شَيْئًا مِنْ حَمْزَةَ فِي النَّارِ. قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَجِيءَ بِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَوُضِعَ إِلَى جَنْبِهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَرُفِعَ الْأَنْصَارِيُّ، وَتُرِكَ حَمْزَةُ ثُمَّ جِيءَ بِآخِرَ فَوَضَعَهُ إِلَى جَنْبِ حَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ رُفِعَ وَتُرِكَ حَمْزَةُ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ صَلَاةً . ([1184]) .

باب: ما نزل من القرآن بشأن غزوة أحد في سورة آل عمران([1185]).

ذكر اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في سورة آلِ عِمْرَانَ كثيرًا من أحداث غزوة أُحُدٍ . قال مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ : فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ مِنْ الْقُرْآنِ سِتُّونَ آيَةً مِنْ آلِ عِمْرَانَ، فِيهَا صِفَةُ مَا كَانَ فِي يَوْمِهِمْ ذَلِكَ، وَمُعَاتَبَةُ مَنْ عَاتَبَ مِنْهُمْ أهـ([1186])

بدأت الأيات بقول الله تعالى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)}أي : تَتَّخِذُ لَهُمْ مَقَاعِدَ وَمَنَازِلَ للقتال وتجعلهم مَيْمَنة ومَيْسَرة وَحَيْثُ أَمَرْتَهُمْ. وكَانَ ذلك يَوْمَ السَّبْتِ أَوَّلَ النَّهَارِ.

- ثم قال {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)}والطائفتان هما َبنُو سَلَمَةَ بْنِ جُشَمِ من الْخَزْرَجِ، وَبَنُو حَارِثَةَ بْنِ النَّبِيتُ مِنْ الْأَوْسِ ، هَمَّتَا بالفشل والتخاذل ، وَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَنْ ضَعْفٍ وَوَهَنٍ أَصَابَهُمَا غَيْرَ شَكٍّ فِي دِينِهِمَا، فَتَوَلَّى الله دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمَا بِرَحْمَتِهِ وفضله ، وَلَحِقَتَا بِنَبِيِّهِمَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

- ثم ذكر الله تعالى المؤمنين بفضله عليهم ونصره لهم في بدر مع قلة عددهم وعدتهم، فقال تعالى: { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)}

- ثم قال تعالى:{ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)}وهذا الوعد إما متعلق بالآية السابقة التي تتحدث عن غزوة بدر  وإما متَعَلق  بِقَوْلِهِ: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} وَذَلِكَ يَوْمُ أحُد. وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وعِكْرِمة، والضَّحَّاك، وَالزُّهْرِيِّ، وَمُوسَى بْنِ عُقبة وَابن إسحاق وغَيْرِهِمْ. لَكِنْ لَمْ يَحْصُلِ الْإِمْدَادُ بِالْخَمْسَةِ الْآلَافِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ فَرُّوا يَوْمَئِذٍ ولم يصبروا كما اشترط عليهم في الآية.

- ثم قال تعالى {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)} أي: وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ وَأَعْلَمَكُمْ بِإِنْزَالِهَا إِلَّا بِشَارَةً لَكُمْ وَتَطْيِيبًا لِقُلُوبِكُمْ وَتَطْمِينًا، وَإِلَّا فَإِنَّمَا النَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، الَّذِي لَوْ شَاءَ لَانْتَصَرَ مِنْ أَعْدَائِهِ بِدُونِكُمْ، وَمِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى قِتَالِكُمْ لَهُمْ

- ثم قال تعالى { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)} أَيْ: أَمَرَكُمْ بِالْجِهَادِ لِيُهْلِكَ طائفة مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، أَوْ يَكْبِتَهُمْ ، أَيْ: يُخْزِيَهُمْ وَيَرُدَّهُمْ بِغَيْظِهِمْ خَائِبِينَ لَمْ يَنَالُوا مِنْكُمْ مَا أَرَادُوا.

- و قال تعالى مُخَاطِبًا عِبَادَهُ  الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أُصِيبوا يومَ أُحُد، وقُتِل مِنْهُمْ سَبْعُونَ {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) } أَيْ: قَدْ جَرَى نَحْوَ هَذَا عَلَى الْأُمَمِ الَّذِينَ كَانُوا مَنْ قَبْلِكُمْ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ كَانَتِ الْعَاقِبَةُ لَهُمْ وَالدَّائِرَةُ عَلَى الْكَافِرِينَ .

- ثُمَّ قَالَ مُسَلِّيًا لِلْمُؤْمِنِينَ { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)  وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)} أَيْ: إِنْ كُنْتُمْ قَدْ أَصَابَتْكُمْ جراحٌ وقُتل مِنْكُمْ طائفةٌ، فَقَدْ أَصَابَ أَعْدَاءَكُمْ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ قَتْلٍ وَجِرَاحٍ، والأيَّامُ دُوَل،لكم وعليكم،.وذلك ليُظهِر الله الذين آمنوا و يَرى مَنْ يَصبر عَلَى مُنَاجَزَةِ الْأَعْدَاءِ ،وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ يُقْتَلُون فِي سَبِيلِهِ.

- ثم قال تعالى { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)} أَيْ: أَحَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمْ تُبْتَلوا بِالْقِتَالِ وَالشَّدَائِدِ، وَيَرَى اللَّهُ مِنْكُمُ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مُقَارَعةِ الْأَعْدَاءِ.

- ثم قال تعالى { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) } أَيْ: قَدْ كُنْتُمْ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ تَتَمَنَّوْنَ لِقَاءَ الْعَدُوِّ ، وَتَوَدُّونَ مُنَاجَزَتَهُمْ وَمُصَابَرَتَهُمْ، فَهَا قَدْ حَصَلَ لَكُمُ الَّذِي تَمَنَّيْتُمُوهُ وَطَلَبْتُمُوهُ، وشاهدتم الْمَوْتَ  فِي لَمَعان السُّيُوفِ وَحَدِّ الأسِنّة وَاشْتِبَاكِ الرِّماح، وَصُفُوفِ الرِّجَالِ لِلْقِتَالِ.فدونَكم فَقَاتِلُوا وَصَابِرُوا.

- وعندما أشيع كذبًا أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قُتِل ، حَصَلَ للمسلمين وهَن وَضَعْفٌ وتَأخر كثيرٌ منهم عَنِ الْقِتَالِ ، فأنكر الله عليهم ذلك ، مبينًا أن من ينقلب على عقبيه ويرجع القهقرى لن يضر إلا نفسه، وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ  الَّذِينَ قَامُوا بِطَاعَتِهِ وَقَاتَلُوا عَنْ دِينِهِ، وَاتَّبَعُوا رَسُولَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا. فقال تعالى: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)}

- ثم علَّمهم أن يتأسوا بما حدث لمن قبلهم من المؤمنين في الأمم السابقة وكيف صبروا ودعوا الله بالمغفرة والتثبيت والنصر ففازوا بثواب الدنيا والآخرة فقال تعالى:{ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)}

- وقال تعالى { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)}أي: صدقكم اللَّهُ وعده بالنَّصْر حيث كَانَ الظَّفَرُ وَالنَّصْرُ أَوَّلَ النَّهَارِ لِلْمسلمين،فقتلوا كثيرًا من المشركين بإذن الله، فَلَمَّا حَصَلَ مَا حَصَلَ مِنْ فَشَلِ بَعْضِ الْمُقَاتِلَةِ وعِصْيَانِ الرُّماة وتنازعهم لحرصهم على الغنيمة وعرض الدنيا، تَأَخَّرَ الْوَعْدُ الَّذِي كَانَ مَشْرُوطًا بِالثَّبَاتِ وَالطَّاعَةِ.

- ثم قال تعالى { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) } أي:تُصْعِدُونَ فِي الْجَبَلِ هَارِبِينَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ. لَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الدَّهَش وَالْخَوْفِ وَالرُّعْبِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ إِلَى تَرْك الْفِرَارِ مِنَ الْأَعْدَاءِ، وَإِلَى الرَّجْعَةِ وَالْعَوْدَةِ وَالْكَرَّةِ. فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ : الْغَمُّ الْأَوَّلُ: بِسَبَبِ الْهَزِيمَةِ، وَالثَّانِي: حِينَ قِيلَ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَعْظَمَ مِنَ الْهَزِيمَةِ.كما قال عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه.

- ثم امتن الله تعالى عَلَى عِبَادِهِ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّكِينَةِ والأمَنَة، وَهُوَ النُّعَاسُ الَّذِي غَشِيَهُمْ وَهُمْ مسْتَلْئمو السِّلَاحِ فِي حَالِ هَمِّهم وغَمِّهم، وَالنُّعَاسُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ دَلِيلٌ عَلَى الْأَمَانِ، وهناك َطَائِفَةٌ أخرى قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ لَا يَغْشَاهُمُ النُّعَاسُ مِنَ الْقَلَقِ وَالْجَزَعِ وَالْخَوْفِ فهم يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ،يظنون أن الله خاذلٌ دينه وأن المشركين سيقضون على الإسلام ،فقال تعالى { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)}

- ثم بين الله تعالى أنه قد عفا و تجاوز عن الذين فرُّوا في هذه الغزوة فقال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) }

- ثم يَنْهَى الله تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُشَابَهَةِ الْكُفَّارِ فِي اعْتِقَادِهِمُ الْفَاسِدِ، الدَّالِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ عَنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا فِي الْأَسْفَارِ أوَفِي الْحُرُوبِ: لَوْ كَانُوا تَرَكُوا ذَلِكَ لَمَا أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ ، ثم بيَّن أَنَّ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمَوْتَ أَيْضًا، وَسِيلَةٌ إِلَى نَيْلِ رَحْمَةِ اللَّهِ وعَفوه وَرِضْوَانِهِ، وَذَلِكَ خَيْرٌ مِنَ الْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا وَجَمْعِ حُطَامِهَا الْفَانِي. ثُمَّ أَخْبَرَ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَمَصِيرُهُ وَمَرْجِعُهُ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَيَجْزِيهِ بِعَمَلِهِ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، فقال تعالى{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)}

-  وقال تعالى{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) }أيَ: مَا أُصِيبَ مِنْكمْ يَوْمَ أُحد مِنْ قَتْلِ السَّبْعِينَ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا يَوْمَ بَدْر، فَإِنَّكمْ قَتَلُتم مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ ، وَأَسَرُتم سَبْعِينَ،قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ أَيْ: بِسَبَبِ عِصْيَانِكُمْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمَرَكُمْ أَنْ لَا تَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِكُمْ فَعَصَيْتُمْ

-  ثم بين أن ما أصاب المؤمنين من عدوهم كَانَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ.وَلِيرى الْمُؤْمِنِينَ الذين صبروا وثبتوا ولم يتزلزلوا.وليرى ويُظهر المنافقين عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ وأَصْحَابَه الَّذِينَ رَجَعُوا مَعَهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ  وتعلَّلوا بأنهم لم يعلموا أن قتالاً سيقع وكذبوا فهم يقولون خلاف ما يبطنون، فقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) }

-  ثم قال تعالى{الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)} أَيْ: لَوْ أطاعونا فِي الْقُعُودِ وَعَدَمِ الْخُرُوجِ مَا قُتِلُوا مَعَ مَنْ قُتِلَ ،فهم يزعمون أن القُعود ينجي مِنَ الْقَتْلِ وَالْمَوْتِ، فردّ الله عليهم بأن يدفعوا عن أنفسهمم الموت إِنْ كُانوا صَادِقِينَ في زعمهم.

- ثم بين الله تعالى فضل الشهادة في سبيل الله ومكانة الشهداء وأَنَّهُمْ وَإِنْ قُتِلُوا فِي هَذِهِ الدَّارِ فَإِنَّ أرواحَهم حَيَّةٌ مَرْزُوقَةٌ فِي دَارِ الْقَرَارِ. فقال تعالى { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)} ثم تأتي بعدها الآيات التي تتحدث عن غزوة حمراء الأسد .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ بَلَاءٍ وَمُصِيبَةٍ وَتَمْحِيصٍ، اخْتَبَرَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَحَنَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ، مِمَّنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ بِلِسَانِهِ، وَهُوَ مُسْتَخْفٍ بِالْكُفْرِ فِي قَلْبِهِ، وَيَوْمًا أَكْرَمَ اللَّهُ فِيهِ مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِالشَّهَادَةِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ.اهـ([1187])

.

باب : غزوة حمراء الأسد

وكانت "حمراء الأسد"، يوم الأحد في اليوم التالي لغزوة أحد، وذلك أن المشركين لما أصابوا ما أصابوا من المسلمين-في أحد- كرُّوا راجعين إلى بلادهم، فلما استمروا  في سيرهم تَنَدّمُوا لم لا تَمَّموا على أهل المدينة وجعلوها الفيصلة. فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :حسبنا الله ونعم الوكيل ، وندب المسلمين إلى الذهاب وراءهم ليُرْعِبَهم ويريهم أن بهم قُوّةً وجَلدًا، ولم يأذنْ لأحد بالخروج معه إلا لمن حضر الوقعة يوم أحد، سوى جابر بن عبد الله رضي الله عنه -لما سنذكره-فانتدب المسلمون على ما بهم من الجراح والإثخان طاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ حمراء الأسد وهي على ثمانية أميال من المدينة.هكذا ذكر أصحاب السير كموسى بن عقبة وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ[1188].

وقال محمد بن إسحاق: كان يوم أحد يوم السبت النصف من شوال، فلما كان الغد من يوم الأحد لستّ عشرةَ ليلة مضت من شوال، أذَّنَ مؤذنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو، وأذن مؤذنه ألا يخرج  معنا أحد إلا أحد حضر يومنا بالأمس. فكلمه جابر بن عبد الله بن عَمْرو بن حرام فقال: يا رسول الله، إن أبي كان خَلَّفني على أخوات لي سَبْع وقال: يا بَنَيّ، إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النّسوةَ لا رجلَ فيهن، ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي، فتخلّف على أخواتك، فتخلفت عليهن، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج معه. وإنما خرج رسول الله مُرْهبا للعدو، وليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوةً، وأن الذي أصابهم لم يُوهنْهم عن عدوهم [1189].

 

وهذه الغزوة نزل فيها قول الله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }[آل عمران:172-175]

روى النسائي والطبراني وغيرهما عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ أُحُدٍ وَبَلَغُوا الرَّوْحَاءَ، قَالُوا: لَا مُحَمَّدًا قَتَلْتُمُوهُ، وَلَا الْكَوَاعِبَ أَرْدَفْتُمْ، وَبِئْسَ مَا صَنَعْتُمُ ،ارْجِعُوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَدَبَ النَّاسَ فَانْتَدَبُوا حَتَّى بَلَغُوا حَمْرَاءَ الْأَسْدِ ، أوَبِئْرَ أَبِي عِنَبَةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [آل عمران: 172]" [1190]

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ عُثْمَانَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ: شَهِدْتُ أُحُدًا أَنَا وَأَخٌ لِي فَرَجَعْنَا جَرِيحَيْنِ، فَلَمَّا أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ، قُلْتُ لِأَخِي وَقَالَ لِي: أَتَفُوتُنَا غَزْوَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ وَاللَّهِ مَا لَنَا مِنْ دَابَّةٍ نَرْكَبُهَا، وَمَا مَنَّا إِلَّا جَرِيحٌ ثَقِيلٌ فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكُنْتُ أَيْسَرَ جُرْحًا مِنْهُ، فَكَانَ إِذَا غُلِبَ حَمَلْتُهُ عُقْبَةً وَمَشَى عُقْبَةً، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى مَا انْتَهَى إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ" [1191].

وأخرجه أبو نعيم من طريق ابن اسحق وزاد فيه: فَخَرَجَ  رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، وَهِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ)[1192]

 

وَقَدْ روىَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالُوا: { إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ  }{ آلِ عِمْرَانَ: 173 }([1193])

وَقَدْ روى الْبُخَارِيُّ:عَنْ عروة، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: { الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ }[ آلِ عِمْرَانَ: 172 ] قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي، كَانَ أَبَوَاكَ مِنْهُمُ : الزُّبَيْرُ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ، خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا، فَقَالَ: مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ ). ([1194])

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ تَعَالَى : { الّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ } أَيْ الْجِرَاحُ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ سَارُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ أَلَمِ الْجِرَاحِ .

{ لِلّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } وَالنّاسُ الّذِينَ قَالُوا لَهُمْ مَا قَالُوا ، النّفَرُ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ ، الّذِينَ قَالَ لَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ مَا قَالَ ؟ قَالُوا : إنّ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ رَاجِعُونَ إلَيْكُمْ

يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ:{ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتّبَعُوا رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } لِمَا صَرَفَ اللّهُ عَنْهُمْ مِنْ لِقَاءِ عَدُوّهِمْ { إِنّمَا ذَلِكُمُ الشّيْطَانُ } أَيْ لِأُولَئِكَ الرّهْطِ وَمَا أَلْقَى الشّيْطَانُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ { يُخَوّفُ أَوْلِيَاءَهُ } أَيْ يُرْهِبُكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ { فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَلَا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ } أَيْ الْمُنَافِقُونَ { إِنّهُمْ لَنْ يَضُرّوا اللّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللّهُ أَلّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِنّ الّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرّوا اللّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَا يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُوا أَنّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ } أَيْ الْمُنَافِقِينَ { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ } أَيْ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يَبْتَلِيَكُمْ بِهِ لِتَحْذَرُوا مَا يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ فِيهِ وَلَكِنّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ أَيْ يُعَلّمُهُ ذَلِكَ { فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتّقُوا } أَيْ تَرْجِعُوا وَتَتُوبُوا { فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }[1195]

وروى ابن جرير عن ابن عباس قال: إن الله قَذَفَ في قَلْب أبي سفيان الرُّعْب يوم أحد بعد ما  كان منه ما كان، فرجع إلى مكة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أبَا سُفْيَانَ قَدْ أَصَابَ مِنْكُمْ طَرَفًا، وَقَدْ رَجَعَ، وَقَذَفَ اللهُ فِي قَلْبِهِ الرُّعْبَ " [1196].

 

والْمَشْهُورَ عِنْدَ أَصْحَابِ الْمَغَازِي أَنَّ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ كُلُّ مَنْ شَهِدَ أُحُدًا وَكَانُوا سَبْعَمِائَةٍ، كَمَا تَقَدَّمَ، قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ، وَبَقِيَ الْبَاقُونَ.

وقيل: إن معبد بن أبي معبد الخزاعي مر على رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه بحمراء الأسد فأجاره حتى بلغ أبا سفيان و المشركين بالروحاء وقد أجمعوا على الرجوع لقتال المسلمين فثبطهم وفأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه قد خرجوا في طلبهم في جمع كبير ففت ذلك في عضد المشركين واستمروا راجعين إلى مكة . و أنه َمَرَّ بِأبي سفيان رَكْبٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فأوصاهم أن يبلغوا محمدًا صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان وجيشه َأجْمَعْوا السَّيْرَ إلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ لِيسْتَأْصِلَوا بَقِيَّتَهُمْ، فَمَرَّ الرَّكْبُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ، فَأَخْبَرُوهُ بِاَلَّذِي قَالَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ،روى ذلك ابن اسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم مرسلاً [1197].

فصل: فيما وَقَعَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ الْحَوَادِثِ:

َفِيهَا عَقَدَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى أُمِّ كثلوم بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بَعْدَ وَفَاةِ أُخْتِهَا رُقْيَةَ وَكَانَ عَقْدُهُ عَلَيْهَا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا وَبَنَى بِهَا فِي جمادى الآخرة منها ، ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ.

وَفِيهَا وُلِدَ لِفَاطِمَةَ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ

، وفيها علقت بالحسين رضي الله عنهم. قَالَه ابْنُ جَرِيرٍ

وَفِيهَا تُوفِّيَ شَهِيدًا - فِي أُحُدٍ- أَسَدِ اللَّهِ وَأَسَدِ رَسُولِهِ: حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمُّ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَأخوه  في الرضاعة هُوَ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ حيث أَرْضَعَتْهُمْ ثُوَيْبَةُ مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبٍ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ جَاوَزَ حَمْزَةُ الْخَمْسِينَ مِنَ السِّنِينَ يوم قتل رضي الله عنهم فإنَّه كَانَ مِنَ الشُّجْعَانِ الْأَبْطَالِ وَمِنَ الصَّدِّيقَيْنِ الْكِبَارِ وَقُتِلَ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ تَمَامُ السَّبْعِينَ رَضِيَ الله عنهم أجمعين[1198].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

باب: بعث الرجيع

بعث صلى الله عليه و سلم بعد غزوة أُحُد بعث الرجيع وذلك في صفر من السنة الرابعة و ذلك أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى عضل و القارة بسؤالهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك حين قدموا عليه و ذكروا أن فيهم إسلامًا ، فبعث ستة نفر - في قول ابن إسحاق- أو عشرة - كما في صحيح البخاري - و هذا هو الصحيح، و أمر عليهم عاصم بن ثابت – على الراجح كما في صحيح البخاري- أو مرثد بن أبي مرثد الغنوي - في قول ابن اسحاق - فذهبوا معهم، فلما كانوا بالرجيع - و هو ماء لهذيل بناحية الحجاز بالهدأة- غدروا بهم واستصرخوا عليهم هُزيلاً فجاؤوا فأحاطوا بهم فقتلوا عامتهم و نزل منهم أسيرًا خبيب بن عدي و زيد بن الدثنة و رجل ثالث-وهو عبد الله بن طارق - فلما أحس الثالث بالغدر قاتل حتى قتل، فذهبوا بخبيب وزيد فباعوهما بمكة وذلك بسبب ما كانا قتلا من كفار قريش من يوم بدر فأما خبيب رضي الله عنه فمكث عندهم مسجونًا ثم أجمعوا لقتله فخرجوا به إلى التنعيم ليصلبوه فاستأذنهم أن يصلي ركعتين فأذنوا له : فصلاهما ثم قال : و الله لولا أن تقولوا أن ما بي جزع لزدت. ثم قتلوه رضي الله عنه.ثم وكلوا به من يحرسه فجاء عمرو بن أمية فاحتمله بخدعة ليلا فذهب به فدفنه .

و أما زيد بن الدثنة رضي الله عنه فابتاعه صفوان بن أمية فقتله بأبيه .

 

َروى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ  صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ، وَهُوَ جَدُّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو لِحْيَانَ. فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، حَتَّى أَتَوْا مَنْزِلًا نَزَلُوهُ فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ. فَتَبِعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى لَحِقُوهُمْ، فَلَمَّا انْتَهَى عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ، وَجَاءَ الْقَوْمُ فَأَحَاطُوا بِهِمْ، فَقَالُوا: لَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ إِنْ نَزَلْتُمْ إِلَيْنَا؛ أَلَّا نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلًا. فَقَالَ عَاصِمٌ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا رَسُولَكَ. فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى قَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ بِالنَّبْلِ، وَبَقِيَ خُبَيْبٌ، وَزَيْدٌ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَأَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، فَلَمَّا أَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، نَزَلُوا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ، حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي مَعَهُمَا: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ. فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ، فَجَرُّوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقَتَلُوهُ، وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ، وَزَيْدٍ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ فَاشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا قَتْلَهُ، اسْتَعَارَ مُوسًى مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ لِيَسْتَحِدَّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ. قَالَتْ: فَغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي، فَدَرَجَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ، فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ فَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَ ذَلِكَ مِنِّي، وَفِي يَدِهِ الْمُوسَى، فَقَالَ أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ ؟ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَكَانَتْ تَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قَطْفِ عِنَبٍ، وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ مِنْ ثَمَرِهِ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ، وَمَا كَانَ إِلَّا رِزْقًا رَزَقَهُ اللَّهُ. فَخَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ: دَعَونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ تَرَوْا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنَ الْمَوْتِ لَزِدْتُ. فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ هُوَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بِدَدًا. ثُمَّ قَالَ:

وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنَّ يَشَأْ

    



    

عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ فِي اللَّهِ مَصْرَعِي
يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمـَزَّعِ

قَالَ: ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى عَاصِمٍ ؛ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ، وَكَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبَعْثَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ ) ([1199]) .

ثُمَّ روى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: الَّذِي قَتَلَ خُبَيْبًا هُوَ أَبُو سِرْوَعَةَ" ([1200]).

وأبو سروعة هو عقبة بن الحارث كما صرحت به طرق أخرى لحديث أبي هريرة السابق عند البخاري وأحمد والنسائي ([1201]) .

وَفِي لَفْظٍ  لِلْبُخَارِيِّ ذكر أن الرهط كانوا عشرة: فعن أَبَي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه – قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِىَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَأَةِ وَهْوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ،وَسَاقَ نَحْوَهُ ([1202]).

وقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أُحُدٍ رَهْطٌ مِنْ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فِينَا إِسْلَامًا، فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِكَ يُفَقِّهُونَنَا فِي الدِّينِ، وَيُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ، وَيُعَلِّمُونَنَا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ. فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ نَفَرًا سِتَّةً مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُمْ: مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ حَلِيفُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَهُوَ أَمِيرُ الْقَوْمِ - وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ اللَّيْثِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَخَبِيبُ بْنُ عَدِيٍّ أَخُو بَنِي جَحْجَبَى بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ أَخُو بَنِي بَيَاضَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقٍ حَلِيفُ بَنِي ظَفَرٍ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ"[1203] هكذا ذكره مرسلا .وأخرجه أيضًا ابن سعد من طريق ابن اسحاق مرسلاً  ومن طريق آخر عن الزهري عَنْ عُمَرَ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ الْعَلاءِ بْنِ جَارِيَةَ. وَكَانَ مِنْ جُلَسَاءِ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: عَنْ عُمَرَ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ الْعَلاءِ بْنِ جَارِيَةَ. وَكَانَ مِنْ جُلَسَاءِ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَهْطٌ مِنْ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ وَهُمْ إِلَى الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فِينَا إِسْلامًا فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِكَ يُفَقِّهُونَا وَيُقْرِئُونَا الْقُرْآنَ وَيُعَلِّمُونَا شَرَائِعَ الإِسْلامِ. فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُمْ عَشَرَةَ رَهْطٍ:عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الأَقْلَحِ وَمَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَارِقٍ وَخُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ وَزَيْدَ بْنَ الدِّثِنَّةِ وَخَالِدَ بْنَ أَبِي الْبُكَيْرِ وَمُعَتِّبَ بْنَ عُبَيْدٍ. وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَارِقٍ لأُمِّهِ وَهُمَا مِنْ بَلِيٍّ حَلِيفَانِ فِي بَنِي ظَفَرٍ. وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ. وَقَالَ قَائِلٌ: مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ. فَخَرَجُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا عَلَى الرَّجِيعِ. وهو ماء الهذيل بِصُدُورِ الْهَدَةِ. وَالْهَدَةُ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْهَا. وَالْهَدَةُ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ عُسْفَانَ. فَغَدَرُوا بِالْقَوْمِ وَاسْتَصْرَخُوا عَلَيْهِمْ هُذَيْلا. فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ بَنُو لِحْيَانَ فَلَمْ يُرَعِ الْقَوْمَ إِلا الرِّجَالُ بِأَيْدِيهِمُ السُّيُوفُ قَدْ غَشَوْهُمْ. فَأَخَذَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُيُوفَهُمْ فَقَالُوا لَهُمْ: أنا والله ما نريدُ قِتَالَكُمْ إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ نُصِيبَ بِكُمْ ثَمَنًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أَلا نَقْتُلَكُمْ.

فَأَمَّا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَمَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ وَخَالِدُ بْنُ أَبِي الْبُكَيْرِ وَمُعَتِّبُ بْنُ عُبَيْدٍ فَقَالُوا:

وَاللَّهِ لا نَقْبَلُ مِنْ مُشْرِكٍ عَهْدًا وَلا عَقْدًا أَبَدًا. فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى قُتِلُوا. وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ الدَّثِنَّةِ وَخُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقٍ فَاسْتَأْسَرُوا وَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ. وَأَرَادُوا رَأْسَ عَاصِمٍ لِيَبِيعُوهُ مِنْ سُلافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شَهِيدٍ. وَكَانَتْ نَذَرَتْ لَتَشْرَبَنَّ فِي قِحْفِ عَاصِمٍ الْخَمْرَ. وَكَانَ قَتَلَ ابْنَيْهَا مُسَافِعًا وَجُلاسًا يَوْمَ أُحُدٍ. فَحَمَتْهُ الدَّبْرُ فَقَالُوا: أَمْهِلُوهُ حَتَّى تُمْسِيَ. فَإِنَّهَا لَوْ قَدْ أَمْسَتْ ذَهَبَتْ عَنْهُ. فَبَعَثَ اللَّهُ الْوَادِيَ فَاحْتَمَلَهُ وَخَرَجُوا بِالنَّفَرِ الثَّلاثَةِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ انْتَزَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقٍ يَدَهُ مِنَ الْقِرَانِ وَأَخَذَ سَيْفَهُ وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُ الْقَوْمُ فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى قَتَلُوهُ. فَقَبْرُهُ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ. وَقَدِمُوا بِخُبَيْبٍ وَزَيْدٍ مَكَّةَ.فَأَمَّا زَيْدٌ فَابْتَاعَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فَقَتَلَهُ بِأَبِيهِ. وَابْتَاعَ حُجَيْرُ بْنُ أَبِي إِهَابٍ خُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ لابْنِ أُخْتِهِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ فَحَبَسُوهُمَا حَتَّى خَرَجَتِ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ ثُمَّ أَخْرَجُوهُمَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَقَتَلُوهُمَا. وَكَانَا صَلَّيَا ركعتين رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلا. فَخُبَيْبٌ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ"([1204]).

ثم قال ابن سعد: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ. حَدَّثَنِي عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ مَوْهَبٌ: قَالَ لِي خُبَيْبٌ وَكَانُوا جَعَلُوهُ عِنْدِي: يَا مَوْهَبُ أَطْلُبُ إِلَيْكَ ثَلاثًا: أَنْ تَسْقِيَنِي الْعَذْبَ وَأَنْ تُجَنِّبَنِي مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ، وَأَنْ تُؤْذِنِّي([1205]) إِذَا أَرَادُوا قَتْلِي " ([1206]).

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:.وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ فَابْتَاعَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ،؛ لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ، فَبَعَثَهُ مَعَ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ: نِسْطَاسٌ. إِلَى التَّنْعِيمِ، وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلَهُ، وَاجْتَمَعَ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا زَيْدُ، أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا عِنْدَنَا الْآنَ مَكَانَكَ نَضْرِبُ عُنُقَهُ، وَأَنَّكَ فِي أَهْلِكَ ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا الْآنَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ وَإِنِّي جَالِسٌ فِي أَهْلِي. قَالَ: يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا يُحِبُّ أَحَدًا كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا. قَالَ: ثُمَّ قَتَلَهُ نِسْطَاسٌ"[1207]  .

وقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ عَاصِمٌ: ثُمَّ خَرَجُوا بِخُبَيْبٍ حَتَّى جَاءُوا بِهِ إِلَى التَّنْعِيمِ لِيَصْلُبُوهُ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تَدَعُونِي حَتَّى أَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ فَافْعَلُوا. قَالُوا: دُونَكَ فَارْكَعْ. فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ أَتَمَّهُمَا وَأَحْسَنَهُمَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ ، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إِنَّمَا طَوَّلْتُ جَزَعًا مِنَ الْقَتْلِ، لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الصَّلَاةِ. قَالَ: فَكَانَ خُبَيْبٌ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ لِلْمُسْلِمِينَ.

قَالَ: ثُمَّ رَفَعُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ، فَلَمَّا أَوْثَقُوهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا قَدْ بَلَّغْنَا رِسَالَةَ رَسُولِكَ، فَبِلِّغْهُ الْغَدَاةَ مَا يُصْنَعُ بِنَا. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ احْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بِدَدًا، وَلَا تُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا. ثُمَّ قَتَلُوهُ. وَكَانَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ يَقُولُ: حَضَرْتُهُ يَوْمَئِذٍ فِيمَنْ حَضَرَهُ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُلْقِينِي إِلَى الْأَرْضِ فَرَقًا مِنْ دَعْوَةِ خُبَيْبٍ وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا دُعِيَ عَلَيْهِ فَاضْطَجَعَ لِجَنْبِهِ، زَلَّتْ عَنْهُ ([1208]).

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي تِلْكَ السّرِيّةِ كَمَا حَدّثَنِي مَوْلًى لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ . قَالَ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : لَمّا أُصِيبَتْ السّرِيّةُ الّتِي كَانَ فِيهَا مَرْثَدٌ وَعَاصِمٌ بِالرّجِيعِ قَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ: يَا وَيْحَ هَؤُلَاءِ الْمَفْتُونِينَ الّذِينَ هَلَكُوا ( هَكَذَا ) ، لَا هُمْ قَعَدُوا فِي أَهْلِيهِمْ وَلَا هُمْ أَدّوْا رِسَالَةَ صَاحِبِهِمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ وَمَا أَصَابَ أُولَئِكَ النّفَرُ مِنْ الْخَيْرِ بِاَلّذِي أَصَابَهُمْ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ :{ وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا } أَيْ لِمَا يُظْهِرُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِلِسَانِهِ {وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ} وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا يَقُولُ بِلِسَانِهِ { وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَامِ }[ الْبَقَرَةِ: 204].   أَيْ: ذُو جِدَالٍ إذَا كَلّمَك وَرَاجَعَك.

قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا تَوَلّى } أَيْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِك سَعَى فِي الْأَرْضِ :{ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنّسْلَ وَاللّهُ لَا يُحِبّ الْفَسَادَ }[ الْبَقَرَةِ: 205] أَيْ لَا يُحِبّ عَمَلَهُ وَلَا يَرْضَاهُ . { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّهِ وَاللّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [ الْبَقَرَةِ: 206-207] أَيْ قَدْ شَرَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْ اللّهِ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ وَالْقِيَامِ بِحَقّهِ حَتّى هَلَكُوا عَلَى ذَلِكَ يَعْنِي تِلْكَ السّرِيّةَ([1209]) .

. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ بَعَثَهُ عَيْنًا وَحْدَهُ ، قَالَ: جِئْتُ إِلَى خَشَبَةِ خُبَيْبٍ فَرَقَيْتُ فِيهَا وَأَنَا أَتَخَوَّفُ الْعُيُونَ، فَأَطْلَقْتُهُ فَوَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ اقْتَحَمْتُ فَانْتَبَذْتُ قَلِيلًا، ثُمَّ الْتَفَّتُّ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، فَكَأَنَّمَا ابْتَلَعَتْهُ الْأَرْضُ، فَلَمْ تُذْكَرْ لِخُبَيْبٍ رِمَّةٌ حَتَّى السَّاعَةِ ) ([1210] ). وهذا حديث ضعيف

 

باب : بعث بئر معونة

و كانت في صفر من نفس العام ،و ذلك أن أبا براء عامر بن مالك - المدعو ملاعب الأسنة- قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فدعاه إلى الإسلام فلم يسلم و لم يبعد من الإسلام فقال : يا رسول الله لو بعثت أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى دينك لرجوت أن يجيبوهم فقال : إني أخاف عليهم أهل نجد فقال أبو براء : أنا جارٌ لهم

فبعث صلى الله عليه و سلم - فيما قاله ابن إسحاق- أربعين رجلاً من الصحابة و عند ابن سعد وغيره سبعين رجلا -وهذا هو الصحيح- لأنه الوارد في الصحيحين و أمر عليهم المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة و لقبه "المعْنِق ليموت" رضي الله عنهم أجمعين و كانوا من فضلاء المسليمن و سادتهم و قرائهم فنهضوا فنزلوا بئر معونة -وهي بين أرض بني عامر و حرة بني سليم- ثم غُدر بهم[1211]  كما سيأتي:

قال موسى بن عقبة في المغازي : أنبأنا ابن شهاب الزهري  حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ورجال من أهل العلم أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو مشرك فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم الإسلام . فأبى أن يسلم وأهدى لرسول الله صلى الله عليه و سلم هدية . فقال : إني لا أقبل هدية مشرك . فقال : ابعث معي من شئ من رسلك فأنا لهم جار . فبعث رهطا فيهم المنذر بن عمرو الساعدي ؛ وهو الذي يقال له: أعنق ليموت بعثه عينًا له في أهل نجد . فسمع بهم عامر بن الطفيل فاستنفر بني عامر فأبوا أن يطيعوه . فاستنفر بني سليم فنفروا معه . فقتلوهم ببئر معونة غير عمرو بن أمية الضمري فإنه أطلقه عامر بن الطفيل . فقدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم [1212]

وروى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبْعِينَ رَجُلًا لِحَاجَةٍ ، يُقَالُ لَهُمُ: الْقُرَّاءُ. فَعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ - رِعْلٌ وَذَكْوَانَ - عِنْدَ بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ مَعُونَةَ. فَقَالَ الْقَوْمُ: وَاللَّهِ مَا إِيَّاكُمْ أَرَدْنَا، وَإِنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِي حَاجَةٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقَتَلُوهُمْ، فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ شَهْرًا فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ، وَذَاكَ بَدْءُ الْقُنُوتِ، وَمَا كُنَّا نَقْنُتُ"([1213]).

ثُمَّ روى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ "أَنَّ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لِحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  عَلَى عَدُوٍّ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ، كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ، وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ؛ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لِحْيَانَ. قَالَ أَنَسٌ: فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ:{ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا}([1214])

ثُمَّ روى الْبُخَارِيُّ:عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ "أَنَّ النَّبِيَّ  صلى الله عليه وسلم بَعَثَ خَالَهُ - أَخًا لِأُمِّ سُلَيْمٍ - فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا، وَكَانَ رَئِيسَ الْمُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ خَيَّرَ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ؛ فَقَالَ: يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ وَلِي أَهْلُ الْمَدَرِ أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ، أَوْ أَغْزُوكَ بِأَهْلِ غَطَفَانَ بِأَلْفٍ وَأَلْفٍ. فَطُعِنَ عَامِرٌ فِي بَيْتِ أُمِّ فُلَانٍ فَقَالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَكْرِ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ آلِ فُلَانٍ، ائْتُونِي بِفَرَسِي. فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ، فَانْطَلَقَ حَرَامٌ أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ وَهُوَ رَجُلٌ أَعْرَجُ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، فَقَالَ: كُونَا قَرِيبًا حَتَّى آتِيهِمْ، فَإِنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ قَرِيبًا، وَإِنْ قَتَلُونِي أَتَيْتُمْ أَصْحَابَكُمْ. فَقَالَ: أَتُؤَمِّنُونِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ وَأَوْمَئُوا إِلَى رَجُلٍ فَأَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ. قَالَ هَمَّامٌ: أَحْسَبُهُ قَالَ: حَتَّى أَنْفَذَهُ بِالرُّمْحِ. فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَلَحِقَ الرَّجُلُ، فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ غَيْرَ الْأَعْرَجِ، وَكَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْنَا، ثُمَّ كَانَ مِنَ الْمَنْسُوخِ: " إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا ". فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثِينَ صَبَاحًا؛ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ وَعُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ."([1215])

وَروى الْبُخَارِيُّ عن ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ- وَكَانَ خَالَهُ - يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ قَالَ بِالدَّمِ هَكَذَا؛ فَنَضَحَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ([1216]).

 

وقال ابن إسحاق([1217]):ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ أُحُدٍ .

وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ كَمَا حَدّثَنِي أَبِي -إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ- عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا : قَدِمَ أَبُو بَرَاءٍ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ - مُلَاعِبُ الْأَسِنّةِ- عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْإِسْلَامَ ، وَدَعَاهُ إلَيْهِ فَلَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَبْعُدْ مِنْ الْإِسْلَامِ ، وَقَالَ: يَا مُحَمّدُ لَوْ بَعَثْتَ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِك إلَى أَهْلِ نَجْدٍ ، فَدَعَوْهُمْ إلَى أَمْرِك ، رَجَوْتُ أَنْ يَسْتَجِيبُوا لَك ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي أَخْشَى عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ ، قَالَ أَبُو بَرَاءٍ . أَنَا لَهُمْ جَارٍ فَابْعَثْهُمْ فَلْيَدْعُوا النّاسَ إلَى أَمْرِك .

فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو ، أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ -الْمُعْنِقَ لِيَمُوتَ- فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ،مِنْهُمْ: الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ ، وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ، وَعُرْوَةُ بْنُ أَسْمَاءَ بْنِ الصّلْتِ السّلَمِيّ ، وَنَافِعُ بْنُ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيّ ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ فِي رِجَالٍ مُسَمّيْنَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ . فَسَارُوا حَتّى نَزَلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ وَهِيَ بَيْنَ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ وَحَرّةِ بَنِي سُلَيْمٍ ، كِلَا الْبَلَدَيْنِ مِنْهَا قَرِيبٌ وَهِيَ إلَى حَرّةِ بَنِي سُلَيْمٍ أَقْرَبُ .

فَلَمّا نَزَلُوهَا بَعَثُوا حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى عَدُوّ اللّهِ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ ؛ فَلَمّا أَتَاهُ لَمْ يَنْظُرْ فِي كِتَابِهِ حَتّى عَدَا عَلَى الرّجُلِ فَقَتَلَهُ ثم استصرخ عليهم بَنِي عَامِرٍ فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوهُ إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ وَقَالُوا : لَنْ نَخْفِرَ أَبَا بَرَاءٍ ، وَقَدْ عَقَدَ لَهُمْ عَقْدًا وَجِوَارًا ؛ فَاسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ قَبَائِلَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ ( مِنْ ) عُصَيّةَ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ ، فَأَجَابُوهُ إلَى ذَلِكَ فَخَرَجُوا حَتّى غَشُوا الْقَوْمَ فَأَحَاطُوا بِهِمْ فِي رِحَالِهِمْ فَلَمّا رَأَوْهُمْ أَخَذُوا سُيُوفَهُمْ ثُمّ قَاتَلُوهُمْ حَتّى قُتِلُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ يَرْحَمُهُمْ اللّهُ إلّا كَعْبَ بْنَ زَيْدٍ أَخَا بَنِي دِينَارِ بْنِ النّجّارِ فَإِنّهُمْ تَرَكُوهُ وَبِهِ رَمَقٌ فَارْتُثّ مِنْ بَيْنِ الْقَتْلَى ، فَعَاشَ حَتّى قُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَهِيدًا ، رَحِمَهُ اللّهُ

وَكَانَ فِي سَرْحِ الْقَوْمِ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ ، وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ . - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ-. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمْ يُنْبِئْهُمَا بِمُصَابِ أَصْحَابِهِمَا إلّا الطّيْرُ تَحُومُ عَلَى الْعَسْكَرِ فَقَالَ وَاَللّهِ إنّ لِهَذِهِ الطّيْرِ لَشَأْنًا ، فَأَقْبَلَا لِيَنْظُرَا ، فَإِذَا الْقَوْمُ فِي دِمَائِهِمْ وَإِذَا الْخَيْلُ الّتِي أَصَابَتْهُمْ وَاقِفَةٌ . فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ مَا تَرَى ؟ قَالَ أَرَى أَنْ نَلْحَقَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنُخْبِرَهُ الْخَبَرَ ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ : لَكِنّي مَا كُنْتُ لِأَرْغَبَ بِنَفْسِي عَنْ مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو ، وَمَا كُنْتُ لِتُخْبِرَنِي عَنْهُ الرّجَالُ ثُمّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ وَأَخَذُوا عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ أَسِيرًا ؛ فَلَمّا أَخْبَرَهُمْ أَنّهُ مِنْ مُضَرَ ، أَطْلَقَهُ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ ، وَجَزّ نَاصِيَتَهُ وَأَعْتَقَهُ عَنْ رَقَبَةٍ زَعَمَ أَنّهَا كَانَتْ عَلَى أُمّهِ .

فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ حَتّى إذَا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ مِنْ صَدْرِ قَنَاةٍ ، أَقْبَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ

حَتّى نَزَلَا مَعَهُ فِي ظِلّ هُوَ فِيهِ . وَكَانَ مَعَ الْعَامِرِيّيْنِ عَقْدٌ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجِوَارٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ وَقَدْ سَأَلَهُمَا حِينَ نَزَلَا ، مِمّنْ أَنْتُمَا ؟ فَقَالَا : مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَأَمْهَلَهُمَا ، حَتّى إذَا نَامَا ، عَدَا عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا ، وَهُوَ يَرَى أَنّهُ قَدْ أَصَابَ بِهِمَا ثُؤْرَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ فِيمَا أَصَابُوا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : ( لَقَدْ قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ لَأَدِيَنّهُمَا )

ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ ، قَدْ كُنْت لِهَذَا كَارِهًا مُتَخَوّفًا . فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَرَاءٍ فَشَقّ عَلَيْهِ إخْفَارُ عَامِرٍ إيّاهُ وَمَا أَصَابَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَبَبِهِ وَجِوَارِهِ وَكَانَ فِيمَنْ أُصِيبَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ كَانَ يَقُولُ مَنْ رَجُلٌ مِنْهُمْ لَمّا قُتِلَ رَأَيْته رُفِعَ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتّى رَأَيْت السّمَاءَ مِنْ دُونِهِ ؟ قَالُوا : هُوَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ ([1218])

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَمَلَ رَبِيعَةُ  بْنُ عَامِرِ  بْنِ مَالِكِ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ ، فَطَعَنَهُ بِالرّمْحِ فَوَقَعَ فِي فَخِذِهِ فَأَشْوَاهُ وَوَقَعَ عَنْ فَرَسِهِ فَقَالَ هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ ، إنْ أَمُتْ فَدَمِي لِعَمّي ، فَلَا يُتْبَعَنّ بِهِ وَإِنْ أَعِشْ فَسَأَرَى رَأْيِي فِيمَا أُتِيَ إلَيّ ([1219])

وبعض ما ذكره ابن اسحاق له ما يؤيده في الصحيح،وبعضه لا عاضد له مما اتصل سنده .

وروى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها - قَالَتِ اسْتَأْذَنَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَبُو بَكْرٍ فِى الْخُرُوجِ حِينَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الأَذَى ، وذكرت حديث الهجرة .. ،وفيه: فَقُتِلَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ . وَعَنْ أَبِى أُسَامَةَ قَالَ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ فَأَخْبَرَنِى أَبِى قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِىُّ قَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ مَنْ هَذَا فَأَشَارَ إِلَى قَتِيلٍ ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ: هَذَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ . فَقَالَ لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَ مَا قُتِلَ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى إِنِّى لأَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ ، ثُمَّ وُضِعَ . فَأَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - خَبَرُهُمْ فَنَعَاهُمْ فَقَالَ « إِنَّ أَصْحَابَكُمْ قَدْ أُصِيبُوا ، وَإِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا رَبَّهُمْ ، فَقَالُوا رَبَّنَا أَخْبِرْ عَنَّا إِخْوَانَنَا بِمَا رَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا . فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهُمْ » . وَأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ فِيهِمْ عُرْوَةُ بْنُ أَسْمَاءَ بْنِ الصَّلْتِ ، فَسُمِّىَ عُرْوَةُ بِهِ ، وَمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو سُمِّىَ بِهِ مُنْذِرًا" ([1220]).

 

وَفِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يُوجَدْ جَسَدُ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ يَرَوْنَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ وَارَتْهُ. ([1221])

وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَشَأْنَ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ وَإِخْبَارَ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ أَنَّهُ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ، وَذَكَرَ أَنَّ الَّذِي قَتَلَهُ جَبَّارُ بْنُ سُلْمَى الْكِلَابِيُّ قَالَ: وَلَمَّا طَعَنَهُ بِالرُّمْحِ قَالَ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. ثُمَّ سَأَلَ جَبَّارٌ بَعْدَ ذَلِكَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: فُزْتُ ؟ قَالُوا: يَعْنِي بِالْجَنَّةِ. فَقَالَ: صَدَقَ وَاللَّهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ جَبَّارٌ بَعْدَ ذَلِكَ لِذَلِكَ. ([1222])  وهذا نحو ما ذكره ابن اسحاق حيث قال : وقد حدثني بعض بَنِي جَبّارِ بْنِ سَلْمَى بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ - وَكَانَ جَبّارٌ فِيمَنْ حَضَرَهَا يَوْمَئِذٍ مَعَ عَامِرٍ ثُمّ أَسْلَمَ - ( قَالَ ) فَكَانَ يَقُولُ إنّ مِمّا دَعَانِي إلَى الْإِسْلَامِ أَنّي طَعَنْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ بِالرّمْحِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَنَظَرْتُ إلَى سِنَانِ الرّمْحِ حِينَ خَرَجَ مِنْ صَدْرِهِ فَسَمِعْته يَقُولُ فُزْتُ وَاَللّهِ فَقُلْت فِي نَفْسِي : مَا فَازَ أَلَسْتُ قَدْ قَتَلْتُ الرّجُلَ قَالَ حَتّى سَأَلْت بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ فَقَالُوا : لِلشّهَادَةِ فَقُلْت : فَازَ لَعَمْرِو اللّه" ِ([1223])

وروى ابن سعد عن أنس بن مالك قال: ما رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وجد على أحد ما وجد على أصحاب بئر معونة "([1224]).

وعندما أراد الرسول أن يجمع المال لدفع دية الرجلين من بني عامر الذين قنلهما عمرو ذهب إلى يهود بني النضير ليعينوه في ذلك – للعهد الذي بينهم- فأرادوا الغدر به وكان ذلك سبب غزوة بني النضير كما ورد هذا في الصحيح.

 

باب: غزوة بني النضير

 

وكانت في ربيع الأول سنة أربع وَهِيَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا سُورَةَ " الْحَشْرِ ففي الصَحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُسَمِّيهَا سُورَةَ بَنِي النَّضِيرِ.

وذهب الزهري إلى أنها كانت قبل أحد وَحَكَى الْبُخَارِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ بَنُو النَّضِيرِ بَعْدَ بَدْرٍ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ قَبْلَ أُحُدٍ . وذَكَرَ الْبُخَارِيُّ و الْبَيْهَقِيُّ،  خَبَرَ بَنِي النَّضِيرِ قُبَلَ وَقْعَةِ أُحُدٍ، وَالصَّوَابُ إِيرَادُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَغَازِي، وَدليله أَنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ لَيَالِيَ حِصَارِ بَنِي النَّضِيرِ وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهُ اصْطَبَحَ الْخَمْرَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ كَانَتْ إِذْ ذَاكَ حَلَالًا، وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَتَبَيَّنَ أن قِصَّةَ بَنِي النَّضِيرِ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وسبب هذه الغزوة خيانة بني النضير حيث هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غيلة فنقضوا بذلك العهد ،وخاب سعيهم.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَنِي النّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ ذَيْنِك الْقَتِيلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ اللّذَيْنِ قَتَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ ، لِلْجِوَارِ الّذِي كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَقَدَ لَهُمَا ، كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، وَكَانَ بَيْنَ بَنِي النّضِير ِ وَبَيْنَ بَنِي عَامِر ٍ عَقْدٌ وَحِلْفٌ . فَلَمّا أَتَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ ذَيْنِك الْقَتِيلَيْنِ قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ نُعِينُك عَلَى مَا أَحْبَبْت ، مِمّا اسْتَعَنْت بِنَا عَلَيْهِ ، ثُمّ خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ فَقَالُوا : إنّكُمْ لَنْ تَجِدُوا الرّجُلَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ هَذِهِ - وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى جَنْبِ جِدَارٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ قَاعِدٌ - فَمَنْ رَجُلٌ يَعْلُو عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَيُلْقِي عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيُرِيحُنَا مِنْهُ ؟

فَانْتَدَبَ لِذَلِكَ عَمْرُو بْنُ جَحّاشِ بْنِ كَعْبٍ ، أَحَدَهُمْ ، فَقَالَ: أَنَا لِذَلِكَ فَصَعِدَ لِيُلْقِيَ عَلَيْهِ صَخْرَةً كَمَا قَالَ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيّ ، رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ .  فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ مِنْ السّمَاءِ بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ فَقَامَ وَخَرَجَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ .

فَلَمّا اسْتَلْبَثَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابُهُ قَامُوا فِي طَلَبِهِ فَلَقُوا رَجُلًا مُقْبِلًا مِنْ الْمَدِينَةِ ، فَسَأَلُوهُ عَنْهُ فَقَالَ رَأَيْته دَاخِلًا الْمَدِينَةَ . فَأَقْبَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَهَوْا إلَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ ، بِمَا كَانَتْ الْيَهُودُ أَرَادَتْ مِنْ الْغَدْرِ بِهِ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالتّهَيّؤِ لِحَرْبِهِمْ وَالسّيْرِ إلَيْهِمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ سَارَ بِالنّاسِ حَتّى نَزَلَ بِهِمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ فَحَاصَرَهُمْ سِتّ لَيَالٍ وَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَتَحَصّنُوا مِنْهُ فِي الْحُصُونِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَطْعِ النّخِيلِ وَالتّحْرِيقِ فِيهَا ، فَنَادَوْهُ أَنْ يَا مُحَمّدُ قَدْ كُنْتَ تَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ ، وَتَعِيبُهُ عَلَى مَنْ صَنَعَهُ فَمَا بَالُ قَطْعِ النّخْلِ وَتَحْرِيقِهَا ؟

وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، مِنْهُمْ  عَدُوّ اللّهِ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ و  وَدِيعَةُ وَمَالِكُ بْنُ أَبِي قَوْقَلٍ وَسُوَيْدُ وَدَاعِسٌ قَدْ بَعَثُوا إلَى بَنِي النّضِيرِ : أَنْ اُثْبُتُوا وَتَمَنّعُوا ، فَإِنّا لَنْ نُسَلّمَكُمْ إنْ قُوتِلْتُمْ قَاتَلْنَا مَعَكُمْ وَإِنْ أُخْرِجْتُمْ خَرَجْنَا مَعَكُمْ فَتَرَبّصُوا ذَلِكَ مِنْ نَصْرِهِمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا ، وَقَذَفَ اللّهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ وَسَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ وَيَكُفّ عَنْ دِمَائِهِمْ عَلَى أَنّ لَهُمْ مَا حَمَلَتْ الْإِبِلُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلّا الْحَلْقَةَ فَفَعَلَ . فَاحْتَمَلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا اسْتَقَلّتْ بِهِ الْإِبِلُ ، فَكَانَ الرّجُلُ مِنْهُمْ يَهْدِمُ بَيْتَهُ عَنْ نِجَافِ بَابِهِ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ فَيَنْطَلِقُ بِهِ . فَخَرَجُوا إلَى خَيْبَرَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَارَ إلَى الشّامِ([1225]) .

روى الْبُخَارِيُّ ومسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَرَّقَ نَخْلَ بَنِى النَّضِيرِ وَقَطَعَ ، وَهْىَ الْبُوَيْرَةُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِىَ الْفَاسِقِينَ } [الحشر:5]" ([1226])

وقد ورد في سنن أبي داود سبب آخر لغزوة بني النضير.غير ما ذكره ابن اسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أصحاب السير .

روى أبو داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ كَتَبُوا إِلَى ابْنِ أُبَىٍّ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مَعَهُ الأَوْثَانَ مِنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ: إِنَّكُمْ آوَيْتُمْ صَاحِبَنَا وَإِنَّا نُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتُقَاتِلُنَّهُ أَوْ لَتُخْرِجُنَّهُ أَوْ لَنَسِيرَنَّ إِلَيْكُمْ بِأَجْمَعِنَا حَتَّى نَقْتُلَ مُقَاتِلَتَكُمْ وَنَسْتَبِيحَ نِسَاءَكُمْ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ اجْتَمَعُوا لِقِتَالِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- لَقِيَهُمْ فَقَالَ: « لَقَدْ بَلَغَ وَعِيدُ قُرَيْشٍ مِنْكُمُ الْمَبَالِغَ مَا كَانَتْ تَكِيدُكُمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا تُرِيدُونَ أَنْ تَكِيدُوا بِهِ أَنْفُسَكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا أَبْنَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ ». فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- تَفَرَّقُوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَكَتَبَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ إِلَى الْيَهُودِ إِنَّكُمْ أَهْلُ الْحَلْقَةِ وَالْحُصُونِ وَإِنَّكُمْ لَتُقَاتِلُنَّ صَاحِبَنَا أَوْ لَنَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا وَلاَ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَدَمِ نِسَائِكُمْ شَىْءٌ - وَهِىَ الْخَلاَخِيلُ - فَلَمَّا بَلَغَ كِتَابُهُمُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- أَجْمَعَتْ بَنُو النَّضِيرِ بِالْغَدْرِ فَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اخْرُجْ إِلَيْنَا فِى ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِكَ وَلْيَخْرُجْ مِنَّا ثَلاَثُونَ حَبْرًا حَتَّى نَلْتَقِىَ بِمَكَانِ الْمَنْصَفِ فَيَسْمَعُوا مِنْكَ. فَإِنْ صَدَّقُوكَ وَآمَنُوا بِكَ آمَنَّا بِكَ فَقَصَّ خَبَرَهُمْ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ غَدَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْكَتَائِبِ فَحَصَرَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ « إِنَّكُمْ وَاللَّهِ لاَ تَأْمَنُونَ عِنْدِى إِلاَّ بِعَهْدٍ تُعَاهِدُونِى عَلَيْهِ ». فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُ عَهْدًا فَقَاتَلَهُمْ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ، ثُمَّ غَدَا الْغَدُ عَلَى بَنِى قُرَيْظَةَ بِالْكَتَائِبِ وَتَرَكَ بَنِى النَّضِيرِ وَدَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يُعَاهِدُوهُ، فَعَاهَدُوهُ فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ ، وَغَدَا عَلَى بَنِى النَّضِيرِ بِالْكَتَائِبِ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْجَلاَءِ فَجَلَتْ بَنُو النَّضِيرِ وَاحْتَمَلُوا مَا أَقَلَّتِ الإِبِلُ مِنْ أَمْتِعَتِهِمْ وَأَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ وَخَشَبِهَا فَكَانَ نَخْلُ بَنِى النَّضِيرِ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَاصَّةً أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا وَخَصَّهُ بِهَا فَقَالَ تعالى: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ) يَقُولُ: بِغَيْرِ قِتَالٍ فَأَعْطَى النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- أَكْثَرَهَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ وَقَسَمَ مِنْهَا لِرَجُلَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ([1227])، وَكَانَا ذَوِى حَاجَةٍ لَمْ يَقْسِمْ لأَحَدٍ مِنَ الأَنْصَارِ غَيْرَهُمَا، وَبَقِىَ مِنْهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الَّتِى فِى أَيْدِى بَنِى فَاطِمَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا([1228]).

وقد قص الله تعالى علينا نبأ إجلاء بني النضير وما حدث لهم  في سورة الحشر فقال تعالى:

{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ * وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ }[الْحَشْرِ: 1-5] .فبين الله أنهم كانوا يُخَرِّبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ، ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصِبْهُمُ الْجَلَاءُ، وَهُوَ النَّفْيُ مِنْ جِوَارِ الرَّسُولِ مِنَ الْمَدِينَةِ لَأَصَابَهُمْ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ مِنَ الْعَذَابِ الدُّنْيَوِيِّ، وَهُوَ الْقَتْلُ مَعَ مَا ادُّخِرَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ الْمُقَدَّرِ لَهُمْ. ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى حِكْمَةَ مَا وَقَعَ مِنْ تَحْرِيقِ نَخْلِهِمْ، وَتَرْكِ مَا بَقِيَ مِنْهُ لَهُمْ، وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ سَائِغٌ، وقَدْ أُذِنَ فِيهِ شَرْعًا وَقَدَرًا، فَلَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ فِيهِ ، وَلَيْسَ هُوَ بِفَسَادٍ، كَمَا قَالَهُ شِرَارُ الْعِبَادِ، إِنَّمَا هُوَ إِظْهَارٌ لِلْقُوَّةِ، وَإِخْزَاءٌ لِلْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ .

ثُمَّ ذَكَرَ الله تَعَالَى حُكْمَ الْفَيْءِ، وَأَنَّهُ حَكَمَ بِأَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ لِرَسُولِ اللَّهِ r وَمَلَّكَهَا لَهُ، فَوَضَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ r حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، قال تعالى:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ }[الحشر:6 ،7].

وكَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ وغيرهما  عَنْ عُمَرَ - رضى الله عنه - قَالَ كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِى النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّةً ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِىَ فِى السِّلاَحِ وَالْكُرَاعِ ، عُدَّةً فِى سَبِيلِ اللَّهِ" ([1229]).

ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى حُكْمَ الْفَيْءِ، وَأَنَّهُ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ عَلَى مِنْوَالِهِمْ وذلك في بقية الآية السابعة وما بعدها فقال:{وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [الحشر: 7-10].

روى مسلم  عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً - أو أَنَّ الرَّجُلَ - كَانَ يَجْعَلُ لِلنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- النَّخَلاَتِ مِنْ أَرْضِهِ. حَتَّى فُتِحَتْ عَلَيْهِ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ فَجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا كَانَ أَعْطَاهُ. قَالَ أَنَسٌ: وَإِنَّ أَهْلِى أَمَرُونِى أَنْ آتِىَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَسْأَلَهُ مَا كَانَ أَهْلُهُ أَعْطَوْهُ أَوْ بَعْضَهُ وَكَانَ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ أَعْطَاهُ أُمَّ أَيْمَنَ فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَعْطَانِيهِنَّ فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَجَعَلَتِ الثَّوْبَ فِى عُنُقِى وَقَالَتْ وَاللَّهِ لاَ نُعْطِيكَاهُنَّ وَقَدْ أَعْطَانِيهِنَّ. فَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا أُمَّ أَيْمَنَ اتْرُكِيهِ وَلَكِ كَذَا وَكَذَا ». وَتَقُولُ كَلاَّ وَالَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ. فَجَعَلَ يَقُولُ كَذَا حَتَّى أَعْطَاهَا عَشْرَةَ أَمْثَالِهِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ عَشْرَةِ أَمْثَالِهِ([1230]).

ثُمَّ ذَمّ الله تعالى الِْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ مَالُوا لِبَنِي النَّضِيرِ فِي الْبَاطِنِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَوَعَدُوهُمُ النَّصْرَ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، بَلْ خَذَلُوهُمْ أَحْوَجَ مَا كَانُوا إِلَيْهِمْ، وَغَرُّوهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ * لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ * كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ } [الْحَشْرِ: 11، 17 ] ([1231]) .

 

باب: غزوة ذات الرقاع

و قنت رسول الله صلى الله عليه و سلم شهرًا يدعو على الذين قتلوا القراء أصحاب بئر معونة ثم غزا صلى الله عليه و سلم غزوة ذات الرقاع - و هي  غزوة نجد-  فخرج في جمادى الأولى من هذه السنة الرابعة يريد بني محارب و بني ثعلبة بن سعد من غطفان و استعمل على المدينة أبا ذر الغفاري فسار حتى بلغ نخلاً فلقي جمعًا من غطفان فتوقفوا ولم يكن بينهم قتال إلا أنه صلى يومئذ صلاة الخوف فيما ذكره ابن إسحاق و غيره من أهل السير.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِي النّضِيرِ شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَبَعْضَ جُمَادَى ، ثُمّ غَزَا نَجْدًا يُرِيدُ بَنِي مُحَارِب ٍ وَبَنِيّ ثَعْلَبَة َ مِنْ غَطَفَانَ ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا ذَرّ الْغِفَارِيّ - وَيُقَالُ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ _ حتى نَزَلَ نَخْلًا ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ، فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ غَطَفَانَ ، فَتَقَارَبَ النّاسُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ وَقَدْ خَافَ النّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، - حَتّى صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّاسِ صَلَاةَ الْخَوْفِ ، ثُمّ انْصَرَفَ بِالنّاسِ ([1232])  .

 

وقد استشكل ذلك  لأنه قد جاء في رواية الشافعي و أحمد و النسائي عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه و سلم حبسه المشركون يوم الخندق عن الظهر و العصر و المغرب والعشاء فصلاهن جميعًا وذلك قبل نزول صلاة الخوف قالوا: و إنما نزلت صلاة الخوف بعسفان كما رواه أبو عياش الزرقي قال : كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم بعسفان فصلى بنا الظهر و على المشركين يومئذ خالد بن الوليد فقالوا : لقد أصبنا منهم غفلة ثم قالوا : إن لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أموالهم و أبنائهم فنزلت ـ يعني صلاة الخوف ـ بين الظهر و العصر فصلى بنا العصر ففرقنا فريقين و ذكر الحديث أخرجه الإمام أحمد و أبو داود و النسائي

و قد علم بلا خلاف أن غزوة عسفان كانت بعد الخندق فاقتضى هذا أن ذات الرقاع بعدها بل بعد خبير –كما ذهب إليه البخاري- و يؤيد ذلك أن أبا موسى الأشعري و أبا هريرة رضي الله عنهما شهداها.  قال البخاري:وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَخْلٍ فَصَلَّى الْخَوْفَ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ نَجْدٍ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَإِنَّمَا جَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ خَيْبَرَ.أهـ([1233])

وروى البخاري عَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه – قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى غَزَاةٍ ، وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ ، فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا وَنَقِبَتْ قَدَمَاىَ وَسَقَطَتْ أَظْفَارِى ، وَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ ، لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الْخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا"([1234]) .

 

ولذلك اختلف أهل المغازي والسير في تاريخ هذه الغزوة، وقد ذهب البخاري إلى أنها كانت بعد خيبر، وذهب ابن إسحاق إلى أنها بعد غزوة بني النضير،-كما بيّنا- وقيل بعد الخندق سنة أربع، وعند الواقدي([1235]) وابن سعد([1236]) أنها كانت في المحرم سنة خمس.

 

وقد قيل: إن غزوة ذات الرقاع وقعت أكثر من مرة: واحدة كانت قبل الخندق و أخرى بعدها ، ويتجه هذا القول إذا كانت صلاة الخوف في الثانية . وقد يؤكد ذلك أيضًا أن عدد الذين  خرجوا في ذات الرقاع التي كان فيها أبو موسى ستة نفر فقط ، وغزوة ذات الرقاع التي نتحدث عنها كان العدد أكثر من ذلك .

 

و قد ذكروا أنه كانت من الحوادث في هذه الغزوة :حديث غورث بن الحارث الذي همَّ برسول الله صلى الله عليه و سلم و هو قائل تحت الشجرة فاستل سيفه و أراد ضربه فصده الله عنه و حبست يده و استيقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم من نومه فدعا أصحابه فاجتمعوا إليه فأخبرهم عنه و ما هم به غورث من قتله و مع هذا كله أطلقه و عفا عنه صلى الله عليه و سلم .

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ : أَنّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُحَارِب ٍ يُقَالُ لَهُ غُوْرَثُ قَالَ لِقَوْمِهِ مِنْ غَطَفَانَ وَمُحَارِبٍ أَلَا أَقْتُلُ لَكُمْ مُحَمّدًا ؟ قَالُوا : بَلَى ، وَكَيْفَ تَقْتُلُهُ ؟ قَالَ أَفْتِكُ بِهِ . قَالَ: فَأَقْبَلَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ جَالِسٌ وَسَيْفُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حِجْرِهِ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَنْظُرُ إلَى سَيْفِك هَذَا ؟ قَالَ نَعَمْ - وَكَانَ مُحَلّى بِفِضّةِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - قَالَ فَأَخَذَهُ فَاسْتَلّهُ ثُمّ جَعَلَ يَهُزّهُ وَيَهُمّ فَيَكْبِتُهُ اللّهُ ثُمّ قَالَ يَا مُحَمّدُ أَمَا تَخَافَنِي ؟ قَالَ لَا ، وَمَا أَخَافُ مِنْك ؟ قَالَ أَمَا تَخَافَنِي وَفِي يَدِي السّيْفُ ؟ قَالَ لَا ، يَمْنَعُنِي ( اللّهُ ) مِنْك . ثُمّ عَمَدَ إلَى سَيْفِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَدّهُ عَلَيْهِ قَالَ فَأَنْزَلَ اللّهُ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتّقُوا اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ }([1237])

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ : أَنّهَا إنّمَا أُنْزِلَتْ فِي عَمْرِو بْنِ جِحَاشٍ ، أَخِي بَنِي النّضِير ِ وَمَا هَمّ بِهِ فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ ([1238]) .

وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ وَكُنَّا إِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَسَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ، فَأَخَذَ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم فَاخْتَرَطَهُ، وَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم: تَخَافُنِي ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ قَالَ: اللَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ. قَالَ: فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَغْمَدَ السَّيْفَ وَعَلَّقَهُ. قَالَ: وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ([1239]).

وروى أحمد عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَارِبَ خَصَفَةَ بِنَخْلٍ فَرَأَوْا مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِرَّةً فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ : اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ: لَا ، وَلَكِنِّي أُعَاهِدُكَ أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ وَلَا أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ فَخَلَّى سَبِيلَهُ، قَالَ: فَذَهَبَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ: قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ . فَلَمَّا كَانَ الظُّهْرُ أَوْ الْعَصْرُ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَكَانَ النَّاسُ طَائِفَتَيْنِ: طَائِفَةً بِإِزَاءِ عَدُوِّهِمْ وَطَائِفَةً صَلَّوْا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَكَانُوا مَكَانَ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا بِإِزَاءِ عَدُوِّهِمْ وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ فَكَانَ لِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ)([1240])

وروى البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ فَأَدْرَكَتْهُمْ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ قَالَ جَابِرٌ فَنِمْنَا نَوْمَةً ثُمَّ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَا فَجِئْنَاهُ فَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ جَالِسٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا فَقَالَ لِي مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قُلْتُ اللَّهُ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ، ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)([1241])

و مما حدث في هذه الغزوة: حديث جابر أيضًا في الرجل الذي سبوا امرأته فحلف ليهريقن دمًا في أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم فجاء ليلاً ـ و قد أرصد رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلين ربيئة للمسلمين من العدو وهما عباد بن بشر و عمار بن ياسر رضي الله عنهما ـ فضرب عباد بن بشر بسهم و هو قائم يصلي فنزعه و لم يبطل صلاته – وكره أن يقطع صلاته- حتى رشقه الرجل بثلاثة أسهم فلم ينصرف منها حتى سلم و أنبه صاحبه .

 

روى ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْأَنْصَارِيّ ، قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ ، فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَافِلًا ، أَتَى زَوْجُهَا وَكَانَ غَائِبًا ؛ فَلَمّا أُخْبِرَ الْخَبَرَ حَلَفَ لَا يَنْتَهِي حَتّى يُهْرِيقَ فِي أَصْحَابِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَمًا ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْزِلًا ، فَقَالَ مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا لَيْلَتَنَا ( هَذِهِ ) ؟ قَالَ فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ ، وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَا : نَحْنُ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ فَكُونَا بِفَمِ الشّعْبِ . قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ قَدْ نَزَلُوا إلَى شِعْبٍ مِنْ الْوَادِي ، -وَهُمَا عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ-. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا خَرَجَ الرّجُلَانِ إلَى فَمِ الشّعْبِ ، قَالَ الْأَنْصَارِيّ لِلْمُهَاجِرِيّ أَيّ اللّيْلِ تُحِبّ أَنْ أَكْفِيكَهُ : أَوّلَهُ أَمْ آخِرَهُ ؟ قَالَ بَلْ اكْفِنِي أَوّلَهُ قَالَ فَاضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيّ فَنَامَ وَقَامَ الْأَنْصَارِيّ يُصَلّي ؛ قَالَ وَأَتَى الرّجُلُ فَلَمّا رَأَى شَخْصَ الرّجُلِ عَرَفَ أَنّهُ رَبِيئَةُ الْقَوْمِ . قَالَ فَرَمَى بِسَهْمِ فَوَضَعَهُ فِيهِ قَالَ فَنَزَعَهُ وَوَضَعَهُ فَثَبَتَ قَائِمًا ؛ قَالَ ثُمّ رَمَاهُ بِسَهْمِ آخَرَ فَوَضَعَهُ فِيهِ . قَالَ فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ وَثَبَتَ قَائِمًا ؛ ثُمّ عَادَ لَهُ بِالثّالِثِ فَوَضَعَهُ فِيهِ قَالَ فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ ثُمّ رَكَعَ وَسَجَدَ ثُمّ أَهَبّ صَاحِبَهُ فَقَالَ اجْلِسْ فَقَدْ أَثْبَتّ ، قَالَ فَوَثَبَ ،فلما رَآهُمَا الرّجُلُ عَرَفَ أَنْ قَدْ نَذِرَا بِهِ فَهَرَبَ . قَالَ وَلَمّا رَأَى الْمُهَاجِرِيّ مَا بِالْأَنْصَارِيّ مِنْ الدّمَاءِ قَالَ سُبْحَانَ اللّهِ أَفَلَا أَهْبَبْتَنِي أَوّلَ مَا رَمَاك ؟ قَالَ كُنْت فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبّ أَنْ أَقْطَعَهَا حَتّى أُنْفِدَهَا ، فَلَمّا تَابَعَ عَلَيّ الرّمْيَ رَكَعْتُ فَأَذِنْتُك ، وَأَيْمُ اللّهِ لَوْلَا أَنْ أُضَيّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِحِفْظِهِ لَقَطَعَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَقْطَعَهَا أَوْ أُنْفِدَها ([1242])

ومن الحوادث فيها:قصة جمل جابر و بيعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم ،وقد جاء أن ذلك كان في غزوة تبوك، إلا أنه هنا أنسب لأنه كان قد قتل أبوه في أحد و ترك الأخوات فاحتاج أن يتزوج سريعًا من يكفلهن له .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :حَدّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى غَزْوَةِ ذَاتِ الرّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ ، عَلَى جَمَلٍ لِي ضَعِيفٍ، فَلَمّا قَفَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ، جَعَلَتْ الرّفَاقُ تَمْضِي ، وَجَعَلْت أَتَخَلّفُ حَتّى أَدْرَكَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَا لَك يَا جَابِرُ ؟ قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ أَبْطَأَ بِي جَمَلِي هَذَا ، قَالَ أَنِخْهُ قَالَ فَأَنَخْته ، وَأَنَاخَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ أَعْطِنِي هَذِهِ الْعَصَا مِنْ يَدِك ، أَوْ اقْطَعْ لِي عَصًا مِنْ شَجَرَةٍ قَالَ فَفَعَلْت . قَالَ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَخَسَهُ بِهَا نَخَسَاتٍ ثُمّ قَالَ ارْكَبْ فَرَكِبْتُ فَخَرَجَ وَاَلّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقّ يُوَاهِقُ نَاقَتَهُ مُوَاهَقَةً . قَالَ وَتَحَدّثْت مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لِي : أَتَبِيعُنِي جَمَلَك هَذَا يَا جَابِرُ ؟ قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ أَهَبُهُ لَك ، قَالَ لَا ، وَلَكِنْ بِعْنِيهِ قَالَ قُلْت : فَسُمْنِيهِ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ قَدْ أَخَذْته بِدِرْهَمِ قَالَ قُلْت : لَا . إذَنْ تَغْبِنُنِي يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ فَبِدِرْهَمَيْنِ قَالَ قُلْت : لَا . قَالَ فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ثَمَنِهِ حَتّى بَلَغَ الْأُوقِيّةَ . قَالَ فَقُلْت : أَفَقَدْ رَضِيتَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت : فَهُوَ لَك ؛ قَالَ قَدْ أَخَذْته . قَالَ ثُمّ قَالَ يَا جَابِرُ هَلْ تَزَوّجْتَ بَعْدُ ؟ قَالَ قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ أَثَيّبًا أَمْ بِكْرًا ؟ قَالَ قُلْت : لَا ، بَلْ ثَيّبًا ؛ قَالَ أَفَلَا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُك قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبِي أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ بَنَاتٍ لَهُ سَبْعًا ، فَنَكَحْت امْرَأَةً جَامِعَةً تَجْمَعُ رُءُوسَهُنّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنّ قَالَ أَصَبْتَ إنْ شَاءَ اللّهُ أَمَا إنّا لَوْ قَدْ جِئْنَا صِرَارًا أَمَرْنَا بِجَزُورٍ فَنُحِرَتْ وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا يَوْمَنَا ذَاكَ وَسَمِعَتْ بِنَا ، فَنَفَضَتْ نَمَارِقَهَا . قَالَ قُلْت : وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا لَنَا مِنْ نَمَارِقَ قَالَ إنّهَا سَتَكُونُ فَإِذَا أَنْتَ قَدِمْت فَاعْمَلْ عَمَلًا كَيّسًا . قَالَ: فَلَمّا جِئْنَا صِرَارًا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجَزُورٍ فَنُحِرَتْ وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَخَلَ وَدَخَلْنَا ، قَالَ فَحَدّثْتُ الْمَرْأَةَ الْحَدِيثَ وَمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ فَدُونَك ، فَسَمْعٌ وَطَاعَةٌ . قَالَ فَلَمّا أَصْبَحْتُ أَخَذْتُ بِرَأْسِ الْجَمَلِ فَأَقْبَلْتُ بِهِ حَتّى أَنَخْته عَلَى بَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ ثُمّ جَلَسْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَرِيبًا مِنْهُ قَالَ وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَأَى الْجَمَلَ فَقَالَ مَا هَذَا ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا جَمَلٌ جَاءَ بِهِ جَابِرٌ قَالَ فَأَيْنَ جَابِرٌ ؟ قَالَ فَدُعِيتُ لَهُ قَالَ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي خُذْ بِرَأْسِ جَمَلِك ، فَهُوَ لَك ، وَدَعَا بِلَالًا ، فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ بِجَابِرِ فَأَعْطِهِ أُوقِيّةً . قَالَ فَذَهَبْت مَعَهُ فَأَعْطَانِي أُوقِيّةً وَزَادَنِي شَيْئًا يَسِيرًا . قَالَ فَوَاَللّهِ مَا زَالَ يَنْمِى عِنْدِي ، وَيَرَى مَكَانَهُ مِنْ بَيْتِنَا ، حَتّى أُصِيبَ أَمْسِ فِيمَا أُصِيبَ لَنَا يَعْنِي يَوْمَ الْحَرّةِ)([1243]) .

 

باب: غزوة بدر الآخرة. أو :بدر الموعد.

وكانت في شعبان من السنة الرابعة من الهجرة . وقد كان أبو سفيان يوم أحد عند منصرفه نادى : موعدكم و إيانا بدر العام المقبل، فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بعض أصحابه أن يجيبه بنعم، فلما كان شعبان من هذه السنة نهض رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى بدرا للموعد ، و استخلف على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول ، فأقام صلى الله عليه و سلم هناك ثماني ليال ثم رجع و لم يلق كيدًا .

وفي حديث عكرمة عن ابن عباس- وقد سبق بعضه في غزوة حمراء الأسد –: قالَ: كانَ أبوسفيانَ قالَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِهِ: مَوعدُكم مَوسمَ بدرٍ حينَ قَتلتُم أصحابَنا، فأمَّا الجبانُ فرجَعَ، وأمَّا الشجاعُ فأخذَ هُبَةَ  القتالِ والتجارةِ، فأَتوهُ فلم يَجدوا به أحداً فتَسوَّقوا، فأَنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}[1244] [آل عمران: 174]

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ مِنْ غَزْوَةِ الرّقَاعِ أَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ جُمَادَى الْأُولَى وَجُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا . ثُمّ خَرَجَ فِي شَعْبَانَ إلَى بَدْرٍ ، لِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ حَتّى نَزَلَه.  فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَمَانِي لَيَالٍ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ فِي أَهْلِ مَكّةَ حَتّى نَزَلَ مَجِنّةَ ، مِنْ نَاحِيَةِ الظّهْرَانِ ؛ وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ: قَدْ بَلَغَ عُسْفَانَ ، ثُمّ بَدَا لَهُ فِي الرّجُوعِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّهُ لَا يُصْلِحُكُمْ إلّا عَامٌ خَصِيبٌ تَرْعَوْنَ فِيهِ الشّجَرَ وَتَشْرَبُونَ فِيهِ اللّبَنَ وَإِنّ عَامَكُمْ هَذَا عَامُ جَدْبٍ، فَسَمّاهُمْ أَهْلُ مَكّةَ جَيْشَ السّوِيقِ ، يَقُولُونَ إنّمَا خَرَجْتُمْ تَشْرَبُونَ السّوِيقَ . وَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَدْرٍ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ لِمِيعَادِهِ فَأَتَاهُ مَخْشِيّ بْنُ عَمْرٍو الضّمْرِيّ ، وَهُوَ الّذِي كَانَ وَادَعَهُ عَلَى بَنِي ضَمْرَةَ فِي غَزْوَةِ وَدّانَ ، فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَجِئْتَ لِلِقَاءِ قُرَيْشٍ عَلَى هَذَا الْمَاءِ ؟ قَالَ نَعَمْ يَا أَخَا بَنِي ضَمْرَةَ ، وَإِنْ شِئْتَ مَعَ ذَلِكَ رَدَدْنَا إلَيْك مَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَك ، ثُمّ جَالَدْنَاك حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَك ، قَالَ لَا وَاَللّهِ يَا مُحَمّدُ مَا لَنَا بِذَلِكَ مِنْك مِنْ حَاجَةٍ

فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ فَمَرّ بِهِ مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ ، فَقَالَ وَقَدْ رَأَى مَكَانَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَاقَتُهُ تَهْوَى بِهِ

قَدْ نَفَرَتْ مِنْ رُفْقَتَيْ مُحَمّدِ ... وَعَجْوَةٍ مِنْ يَثْرِبَ كالعَنْجَدِ

تَهْوَى عَلَى دِينِ أَبِيهَا الْأَتْلَدِ ... قَدْ جَعَلَتْ مَاءَ قُدَيْدٍ مَوْعِدِي

وَمَاءَ ضَجْنان لَهَا ضُحَى الْغَدِ

وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي ذَلِكَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِيهَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ .

وَعَدْنَا أَبَا سُفْيَانَ بَدْرًا فَلَمْ نَجِدْ ...  لِمِيعَادِهِ صِدْقًا وَمَا كَانَ وَافِيَا

فَأُقْسِمُ لَوْ وَافَيْتَنــَا فَلَقِيتنـَا ...  لَأُبْتَ ذَمِيمًا وَافْتَقَدْتَ الْمَوَالِيَا

تَرَكْنَا بِهِ أَوْصَالَ عُتْبَـةَ وَابْنَـهُ ... وَعَمْرًا أَبَا جَهْلٍ تَرَكْنَاهُ ثَاوِيَا

عَصَيْتُمْ رَسُولَ اللّهِ أُفّ لِدِينِكُمْ ...وَأَمْرِكُمْ السّيْءِ الّذِي كَانَ غَاوِيَا

فَإِنّي وَإِنْ عَنّفْتُمُـونِي لَقَائِـلٌ ...  فِدًى لِرَسُولِ اللّهِ أَهْلِي وَمَالِيَا

أَطَعْنَاهُ لَمْ نَعْدِلْـهُ فِينَا بِغَيْـرِهِ ...  شِهَابًا لَنَا فِي ظُلْمَةِ اللّيْلِ هَادِيَا[1245] .

فصل:أحداث أخرى وقعت في السنة الرابعة .

1 – فيها توفي أَبو سلمة بْن عَبْد الأسد المخزومي، صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، اسمه: عَبد اللَّه. ، أمه برة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم و كان أخًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة. وكان إسلام أبي سلمة وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَالْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ قَدِيمًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ هَاجَرَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ثُمَّ عَادَ إِلَى مَكَّةَ وَقَدْ وُلِدَ لَهُمَا بِالْحَبَشَةِ أَوْلَادٌ، ثُمَّ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَتَبِعَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَشَهِدَ بَدْرًا وأُحداً وَمَاتَ مِنْ آثَارِ جُرْحٍ جُرِحَهُ بِأُحُدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي الِاسْتِرْجَاعِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ

2- وفيها مات عبد الله بن عثمان بن عفان وابن رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَهُوَ ابْنُ سِتِّ سِنِينَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ وَالِدُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

3- وَفِي لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ مِنْهَا وُلِدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قَالَه ابْنُ جَرِيرٍ.

4- وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ تزوَّج رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بزينب بنت خزيمة الهلالية العامرية، أم المساكين .قَالَه ابْنُ جَرِيرٍ ،  وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لم تلبث عنده كثيرًا وماتت في حياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. وقيل: بل تزوجها في السنة الثالثة من الهجرة .

5- وفيها زواجه صلى الله عليه وسلم  بأم سلمة (واسمها هند بِنْت أبي أمية) بعد انقضاء عدتها من زوجها الأول أبي سلمة[1246] .

باب:غزوة دومة الجندل

 

و خرج صلى الله عليه و سلم إلى دومة الجندل في ربيع الأول من سنة خمس ثم رجع في أثناء الطريق و لم يلق حربًا وكان استعمل على المدينة سباع بن عرفطة[1247].

وعاد المسلمون إلى المدينة، وفي أثناء عودتهم وادع الرسول عيينة بن حصن الفزاري واستأذن عيينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن ترعى إبله وغنمه في أرض قريبة من المدينة على ستة وثلاثين ميلا منها[1248].

وتوفيت أم سعد بن عبادة وسعد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بدومة الجندل فلما رجع جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم قبرها وصلى عليها فقال سعد يا رسول الله إن أمى أفتلتت نفسها ولم توص أفأقضى عنها قال نعم ، فقد روى ابن حزيمة في صحيحه عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؛ أَنَّهُ قَالَ:

خَرَجَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَحَضَرَتْ أُمَّ سَعْدٍ الْوَفَاةُ، فَقِيلَ لَهَا: أُوصِي. فَقَالَتْ: فِيمَا أُوصِي؟ إِنَّمَا الْمَالُ مَالُ سَعْدٍ.

فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ سَعْدٌ. فَلَمَّا قَدِمَ سَعْدٌ ذُكِرَ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ سَعْدٌ: حَائِطُ كَذَا وَكَذَا صَدَقَةٌ عَنْهَا، لِحَائِطٍ قَدْ سَمَّاهُ.[1249].

ورواه عن ابن عباس: أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ -أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ- قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ، فَهَلْ يَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا بِشَيْءٍ؟ قَالَ:"نَعَمْ". قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِي الَّذِي بِالْمِخْرَافِ  صَدَقَةٌ عَنْهَا. [1250].

باب: غزوة بني المصطلق (غزوة المريسيع)

 

و غزا صلى الله عليه و سلم بني المصطلق -وهم بطن([1251]) من خزاعة، والمُصْطَلِق: جدهم وهو جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر ماء السماء([1252]).

قال البخاري :بَاب غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ : سَنَةَ أَرْبَعٍ ، َقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: كَانَ حَدِيثُ الْإِفْكِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ([1253])

 

واختلف أهل السير في تعيين تاريخها وانحصرت أقوالهم فيها في ثلاثة أقوال،

فمنهم من قال :إنها في شعبان من العام الرابع للهجرة، كموسى بن عقبة- فيما حكاه

البخاري عنه- وهو قول المسعودي وأبي بكر بن العربي المالكي.ولكن ذكر زينب بنت جحش-في حديث الإفك- وكانت زوجة للنبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وقتها قد يضعف هذا القول.

ومنهم من قال: إنها في شعبان سنة ست، كابن إسحاق وخليفة بن خياط، وابن جرير

الطبري.ويؤيده أن عائشة كان مضروب عليها الحجاب وأن زينب كانت من زوجات النبي وقتها وقد تزوجها النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ في العام الخامس بعد غزوة الأحزاب وفرض الحجاب بعدها .

وذهبت طائفة إلى أنها كانت في شعبان من السنة الخامسة، منهم عروة وموسى بن

عقبة- فيما حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُما - وابن سعد، والواقدي، وابن قتيبة، والبلاذري، واختاره الذهبي، وابن القيم، وابن حجر العسقلاني، -رحمهم الله-.ويؤيد قولهم أن سعد بن معاذ له ذكر في هذه الغزوة وقد كانت وفاته في أعقاب غزوة بني قريظة، وغزوة بني قريظة كانت في ذي القعدة من السنة الخامسة على القول الراجح، فيتعين أن تكون غزوة بني المصطلق قبلها([1254]) .

وهذه الغزوة كان فيها زواج رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ من جويرية بنت الحارث رضي الله عنها.

وكان من أهم أسباب هذه الغزوة :

أ- تأييد هذه القبيلة لقريش واشتراكها معها في معركة أحُد ضد المسلمين، ضمن كتلة الأحابيش التي اشتركت في المعركة تأييدًا لقريش.

ب- سيطرة هذه القبيلة على الخط الرئيسي المؤدي إلى مكة، فكانت حاجزًا منيعًا من نفوذ المسلمين إلى مكة([1255]).

ج- أن الرسول صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بلغه أن بني المصطلق يجمعون له، وكان قائدهم الحارث بن أبي ضرار ينظم جموعهم، فلما سمع بهم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له: المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل فهزمهم شر هزيمة([1256]).

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ ، كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ حَدِيثِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ ، قَالُوا : بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ يَجْمَعُونَ لَهُ وَقَائِدُهُمْ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ- أَبُو جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ، زَوْجِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَلَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهِمْ خَرَجَ إلَيْهِمْ حَتّى لَقِيَهُمْ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ الْمُرَيْسِيعُ ، مِنْ نَاحِيَةِ قَدِيدٍ إلَى السّاحِل، ِ فَتَزَاحَفَ النّاسُ وَاقْتَتَلُوا ، فَهَزَمَ اللّهُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ وَنَفّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَأْفَاءَهُمْ عَلَيْهِ([1257]) .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا ذَرّ الْغِفَارِيّ وَيُقَالُ نُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ اللّيْثِيّ ([1258]).

وَقد ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وغيرهما أن النبي أغار عليهم ففي البخاري عن ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ فَكَتَبَ إِلَىَّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَغَارَ عَلَى بَنِى الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ ، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ ، وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ .حَدَّثَنِى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ،وَكَانَ فِى ذَلِكَ الْجَيْشِ  ([1259]).

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ: يَا مَنْصُورُ، أَمِتْ أَمِتْ ([1260]). .

 

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ أُصِيبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي كَلْبِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرٍ يُقَالُ لَهُ هِشَامُ بْنُ صُبَابَةَ ، أَصَابَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ رَهْطِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، وَهُوَ يَرَى أَنّهُ مِنْ الْعَدُوّ فَقَتَلَهُ خَطَأٍ . ([1261]).

وقَالَ: وَقَدِمَ مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ مِنْ مَكّةَ مُسْلِمًا ، فِيمَا يَظْهَرُ، فَقَالَ :يَا رَسُولَ اللّهِ جِئْتُك مُسْلِمًا ، وَجِئْتُك أَطُلُبُ دِيَةَ أَخِي ، قُتِلَ خَطَأً . فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِدِيَةِ أَخِيهِ هِشَامِ بْنِ صُبَابَةَ ؛ فَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَيْرَ كَثِيرٍ ثُمّ عَدَا عَلَى قَاتِلِ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ ثُمّ خَرَجَ إلَى مَكّةَ مُرْتَدّا ([1262]).

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأُصِيبَ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ يَوْمَئِذٍ نَاسٌ ، وَقَتَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ مَالِكًا وَابْنَهُ وَقَتَلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَجُلًا مِنْ فُرْسَانِهِمْ يُقَالُ لَهُ أَحْمَرُ أَوْ أُحَيْمِرٌ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَصَابَ مِنْهُمْ سَبْيًا كَثِيرًا ، فَشَا قَسْمُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ فِيمَنْ أُصِيبَ يَوْمَئِذٍ مِنْ السّبَايَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ ، زَوْجُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ([1263]) ..

ووقعت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ملك بني المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس فكاتبها فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم و تزوجها فصارت أم المؤمنين فأعتق المسلمون بسبب ذلك مائة بيت من بني المصطلق قد أسلموا.

فقد روى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : لَمّا قَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي السّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ أَوْ لِابْنِ عَمّ لَهُ فَكَاتَبَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا ، وَكَانَتْ امْرَأَةً حُلْوَةً مُلّاحَةً لَا يَرَاهَا أَحَدٌ إلّا أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ فَأَتَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا ؛ قَالَتْ عَائِشَةُ فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَكَرِهْتُهَا ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَرَى مِنْهَا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا رَأَيْتُ ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَتْ :يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ ، سَيّدِ قَوْمِهِ وَقَدْ أَصَابَنِي مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْك ، فَوَقَعْت فِي السّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ أَوْ لِابْنِ عَمّ لَهُ فَكَاتَبْتُهُ عَلَى نَفْسِي ، فَجِئْتُك أَسْتَعِينُك عَلَى كِتَابَتِي ، قَالَ فَهَلْ لَك فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالَتْ وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ أَقْضِي عَنْك كِتَابَتك وَأَتَزَوّجُك ؛ قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ قَدْ فَعَلْت . قَالَتْ: وَخَرَجَ الْخَبَرُ إلَى النّاسِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تَزَوّجَ جُوَيْرِيَةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَار  ، فَقَالَ النّاسُ أَصْهَارُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَرْسَلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ قَالَتْ فَلَقَدْ أُعْتِقَ بِتَزْوِيجِهِ إيّاهَا مِئَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَمَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ عَلَى قَوْمِهَا بَرَكَةً مِنْهَا  ([1264])

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ لَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَمَعَهُ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ ، وَكَانَ بِذَاتِ الْجَيْشِ دَفَعَ جُوَيْرِيَةَ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَدِيعَةً وَأَمَرَهُ بِالِاحْتِفَاظِ بِهَا ، وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ؛ فَأَقْبَلَ أَبُوهَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ بِفِدَاءِ ابْنَتِهِ فَلَمّا كَانَ بِالْعَقِيقِ نَظَرَ إلَى الْإِبِلِ الّتِي جَاءَ بِهَا لِلْفِدَاءِ فَرَغِبَ فِي بَعِيرَيْنِ مِنْهَا ، فَغَيّبَهُمَا فِي شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ الْعَقِيقِ ، ثُمّ أَتَى إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَصَبْتُمْ ابْنَتِي ، وَهَذَا فِدَاؤُهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ،فَأَيْنَ الْبَعِيرَانِ اللّذَانِ غَيّبْتهمَا بِالْعَقِيقِ ، فِي شِعْبِ كَذَا وَكَذَا ؟ فَقَالَ الْحَارِثُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، وَأَنّك مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ فَوَاَللّهِ مَا اطّلَعَ عَلَى ذَلِكَ إلّا اللّهُ فَأَسْلَمَ الْحَارِثُ وَأَسْلَمَ مَعَهُ ابْنَانِ لَهُ وَنَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ وَأَرْسَلَ إلَى الْبَعِيرَيْنِ فَجَاءَ بِهِمَا ، فَدَفَعَ الْإِبِلَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدُفِعَتْ إلَيْهِ ابْنَتُهُ جُوَيْرِيَةُ فَأَسْلَمَتْ وَحَسُنَ إسْلَامُهَا ؛ فَخَطَبَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَبِيهَا ، فَزَوّجَهُ إيّاهَا ، وَأَصْدَقَهَا أَرْبَعَ مِئَةِ دِرْهَمٍ ([1265]).

وهذا منقطع لا يصح، فالثابت الصحيح أن النبي قضى عنها كتابتها وتزوجها وكان ذلك مهرها.

ومما حدث في هذه الغزوة أنهم سألوه عن العزل .

روى البخاري عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْعَزْلِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ، وَقُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ:مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ)([1266]).

ومما حدث في مرجعه صلى الله عليه و سلم من هذه الغزوة

ما قاله المنافق الخبيث عبد الله بن أبي ابن سلول : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل يعرض برسول الله صلى الله عليه و سلم فبلغها زيد بن أرقم رسول الله صلى الله عليه و سلم و جاء عبد الله بن أبي معتذرًا و يحلف ما قال فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أنزل الله عز و جل تصديق زيد بن أرقم في قول الله تعالى:{ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ *  يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [المنافقون:7-8]

وقد جاء في المسند والصحيحين وغيرهما ما يبين ذلك ويفسره.

روى البخاري عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَمِّي فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ يَقُولُ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا، وَقَالَ أَيْضًا : لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي فَذَكَرَ عَمِّي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا مَا قَالُوا فَصَدَّقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبَنِي فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ ، فَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} إِلَى قَوْلِهِ {هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ } فَأَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهَا عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ) ([1267]).

ورواه من طريق آخر:عن أبي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ أَصَابَ النَّاسَ فِيهِ شِدَّةٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ : لِأَصْحَابِهِ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ وَقَالَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَسَأَلَهُ فَاجْتَهَدَ يَمِينَهُ مَا فَعَلَ قَالُوا كَذَبَ زَيْدٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِمَّا قَالُوا شِدَّةٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيقِي فِي { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ } فَدَعَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ فَلَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَقَوْلُهُ { خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ } قَالَ: كَانُوا رِجَالًا أَجْمَلَ شَيْءٍ) ([1268]).

وروى البخاري عن عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا وَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا وَقَالَ: الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ : يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:  مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: مَا شَأْنُهُمْ؟ فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ) وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا؟ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلّ ([1269]). َ

طريق أخرى عن زيد رواها الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مَعَنَا أُنَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ  فَكُنَّا نَبْتَدِرُ المَاءَ، وَكَانَ الأَعْرَابُ يَسْبِقُونَا إِلَيْهِ، فَسَبَقَ أَعْرَابِيٌّ أَصْحَابَهُ، فَيَسْبِقُ الأَعْرَابِيُّ فَيَمْلَأُ الحَوْضَ وَيَجْعَلُ حَوْلَهُ حِجَارَةً وَيَجْعَلُ النِّطْعَ عَلَيْهِ حَتَّى يَجِيءَ أَصْحَابُهُ. قَالَ: فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ أَعْرَابِيًّا فَأَرْخَى زِمَامَ نَاقَتِهِ لِتَشْرَبَ فَأَبَى أَنْ يَدَعَهُ فَانْتَزَعَ قِبَاضَ المَاءِ، فَرَفَعَ الأَعْرَابِيُّ خَشَبَةً فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَ الأَنْصَارِيِّ فَشَجَّهُ، فَأَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ رَأْسَ المُنَافِقِينَ فَأَخْبَرَهُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، ثُمَّ قَالَ: {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون: 7]- يَعْنِي الْأَعْرَابَ - وَكَانُوا يَحْضُرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الطَّعَامِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِذَا انْفَضُّوا مِنْ عِنْدِ مُحَمَّدٍ فَأْتُوا مُحَمَّدًا بِالطَّعَامِ، فَلْيَأْكُلْ هُوَ وَمَنْ عِنْدَهُ، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: لَئِنْ رَجَعْتُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ زَيْدٌ: وَأَنَا رِدْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ، فَأَخْبَرْتُ عَمِّي، فَانْطَلَقَ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فَحَلَفَ وَجَحَدَ، قَالَ: «فَصَدَّقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبَنِي» ، قَالَ: فَجَاءَ عَمِّي إِلَيَّ، فَقَالَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا أَنْ مَقَتَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبَكَ وَالمُسْلِمُونَ. قَالَ: فَوَقَعَ عَلَيَّ مِنَ الهَمِّ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَى  أَحَدٍ. قَالَ: «فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ قَدْ خَفَقْتُ بِرَأْسِي مِنَ الهَمِّ، إِذْ أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَكَ أُذُنِي وَضَحِكَ فِي وَجْهِي، فَمَا كَانَ يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الخُلْدَ فِي الدُّنْيَا» ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَحِقَنِي فَقَالَ: مَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: «مَا قَالَ لِي شَيْئًا، إِلَّا أَنَّهُ عَرَكَ أُذُنِي وَضَحِكَ فِي وَجْهِي » . فَقَالَ: أَبْشِرْ، ثُمَّ لَحِقَنِي عُمَرُ، فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ قَوْلِي لِأَبِي بَكْرٍ « فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ المُنَافِقِينَ »([1270]). .

 

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فِيمَا بَلَغَكَ عَنْهُ، فَإِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَمُرْنِي بِهِ، فَأَنَا أَحْمِلُ إِلَيْكَ رَأْسَهُ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَتِ الْخَزْرَجُ؛ مَا كَانَ بِهَا مِنْ رَجُلٍ أَبَرَّ بِوَالِدِهِ مِنِّي، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ تَأْمُرَ بِهِ غَيْرِي فَيَقْتُلَهُ، فَلَا تَدَعُنِي نَفْسِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى قَاتِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَمْشِي فِي النَّاسِ، فَأَقْتُلَهُ، فَأَقْتُلَ مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ، فَأَدْخُلَ النَّارَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : بَلْ نَتَرَفَّقُ بِهِ وَنُحْسِنُ صُحْبَتَهُ مَا بَقِيَ مَعَنَا. وَجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَحْدَثَ الْحَدَثَ؛ كَانَ قَوْمُهُ هُمُ الَّذِينَ يُعَاتِبُونَهُ وَيَأْخُذُونَهُ،وَيُعَنِّفُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ: " كَيْفَ تَرَى يَا عُمَرُ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ قَتَلْتُهُ يَوْمَ قُلْتَ لِيَ: اقْتُلْهُ، لَأَرْعَدَتْ لَهُ آنُفٌ، لَوْ أَمَرْتُهَا الْيَوْمَ بِقَتْلِهِ لَقَتَلَتْهُ ". فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ وَاللَّهِ عَلِمْتُ؛ لَأَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ أَمْرِي ([1271]).

وَقَدْ ذَكَرَ عِكْرِمَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا، أَنَّ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،وَقَفَ لِأَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ عِنْدَ مَضِيقِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: قِفْ، فَوَاللَّهِ لَا تَدْخُلْهَا حَتَّى يَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ. فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم اسْتَأْذَنَهُ فِي ذَلِكَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَأَرْسَلَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةِ([1272])  .

وبهذا يتحقق في هذا المنافق أنه الأذل وأن رسول الله هو الأعز.وليس كما زعم هو.

ومما حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بموت أحد عظماء الكفر بالمدينة عندما هبت ريح شديدة

قال ابن اسحاق:ثُمَّ مَشَى رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى أَمْسَى، وَلَيْلَتَهُمْ حَتَّى أَصْبَحَ، وَصَدْرَ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ حَتَّى آذَتْهُمُ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَزَلَ بِالنَّاسِ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ وَجَدُوا مَسَّ الْأَرْضِ، فَوَقَعُوا نِيَامًا، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَشْغَلَ النَّاسَ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ؛ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، ثُمَّ رَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ، وَسَلَكَ الْحِجَازَ، حَتَّى نَزَلَ عَلَى مَاءٍ بِالْحِجَازِ فُوَيْقَ النَّقِيعِ، يُقَالُ لَهُ: بَقْعَاءُ. فَلَمَّا رَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَبَّتْ عَلَى النَّاسِ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَآذَتْهُمْ وَتَخَوَّفُوهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا تَخَافُوهَا؛ فَإِنَّمَا هَبَّتْ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْكُفَّارِ ". فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَجَدُوا رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ، أَحَدَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، - وَكَانَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَاءِ يَهُودَ، وَكَهْفًا لِلْمُنَافِقِينَ - مَاتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ ([1273]) .وهذا مرسل ويشهد له ما رواه مسلم في صحيحه-إلا أنه لم يذكر اسم المنافق-  عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَلَمَّا كَانَ قُرْبَ الْمَدِينَةِ هَاجَتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ تَكَادُ أَنْ تَدْفِنَ الرَّاكِبَ فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بُعِثَتْ هَذِهِ الرِّيحُ لِمَوْتِ مُنَافِقٍ ». فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَإِذَا مُنَافِقٌ عَظِيمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَدْ مَاتَ ([1274]) .

حادثة الإفك

و كان أيضًا في هذه الغزوة من الحوادث قصة الإفك الذي افتراه كبير المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول و أصحابه و ذلك أن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنها كانت قد خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذه السفرة وكانت تحمل في هودج فنزلوا بعض المنازل ثم أرادوا أن يرتحلوا أول النهار فذهبت إلى المتبرز، ثم رجعت فإذا هي فقدت عقدًا لأختها أسماء كانت أعارتها إياه ، فرجعت تلتمسه في الموضع الذي كانت فيه، فجاء النفر الذين كانوا يرحلون بها فحملوا الهودج حملة رجل واحد- و ليس فيه أحد- فرحلوه على البعير و لم يستنكروا خفته لتساعدهم عليه و لأن عائشة رضي الله عنها كانت في ذلك الوقت لم تحمل اللحم بل كانت طفلة في سن أربع عشرة سنة فلما رجعت وقد أصابت العقد لم تر بالمنزل أحدًا فجلست في المنزل و على أنهم سيفقدونها فيرجعون إليها و الله غالب على أمره و له الحكم فيما يشاء و أخذتها سنة من النوم فلم تستيقظ إلا بترجيع صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني و كان قد عرس في أخريات القوم لأنه كان شديد النوم كما جاء ذلك عنه في رواية أبي داود فلما رأى أم المؤمنين قال : إنا لله و إنا إليه راجعون زوجة رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ ! ثم أناخ بعيره فقربه إليها فركبته ولم يكلمها كلمة واحدة ولم تسمع منه إلا ترجيعه ثم سار بها يقودها حتى قدم بها وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة .

فلما رأى ذلك الناس تكلم المنافقون بما الله مجازيهم به و جعل المنافق الخبيث عبد الله بن أبي بن سلول- مع ما تقدم له من الخزي في هذه الغزوة -يتكلم في ذلك و يستحكيه و يظهره و يشيعه و يبديه و كان الأمر في ذلك كما هو مطول في الصحيحين وغيرهما ونزل فيهم قول الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [النور:11-26] فلما أنزل الله تعالى ذلك ، وبرأ عائشة ،وبين أنها عفيفة طيبة والطيبات للطيبين ،ونهى المؤمنين أن يخوضوا في مثل هذا الإفك ، وبين أن من تكلم بمثل هذا يقام عليه حد القذف ، فكان بعد قدومهم من هذه الغزوة بأكثر من شهر جُلد الذين تكلموا في الإفك و كان ممن جُلد مسطح بن أثاثة و حمنة بنت جحش كما ذكر ذلك أبو داود في سننه .

روى البخاري: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ -قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتُ لَهُ اقْتِصَاصًا وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا زَعَمُوا أَنَّ عَائِشَةَ - قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَهُ، بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجٍ وَأُنْزَلُ فِيهِ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ قَدْ انْقَطَعَ فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ ، فَأَقْبَلَ الَّذِينَ يَرْحَلُونَ لِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَثْقُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ وَإِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنْ الطَّعَامِ فَلَمْ يَسْتَنْكِرْ الْقَوْمُ حِينَ رَفَعُوهُ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ، فَاحْتَمَلُوهُ وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنْزِلَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونَنِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَأَتَانِي، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ يَدَهَا فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُعَرِّسِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الْإِفْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ بِهَا شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِفْكِ وَيَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَرَى مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ إِنَّمَا يَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ كَيْفَ تِيكُمْ لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى نَقَهْتُ فَخَرَجْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ مُتَبَرَّزُنَا لَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي الْبَرِّيَّةِ أَوْ فِي التَّنَزُّهِ فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ بِنْتُ أَبِي رُهْمٍ نَمْشِي فَعَثَرَتْ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ لَهَا بِئْسَ مَا قُلْتِ أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَتْ يَا هَنْتَاهْ أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالُوا فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ فَقَالَ كَيْفَ تِيكُمْ فَقُلْتُ ائْذَنْ لِي إِلَى أَبَوَيَّ قَالَتْ وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لِأُمِّي مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ فَقَالَتْ يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَى نَفْسِكِ الشَّأْنَ فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَلَقَدْ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهَذَا قَالَتْ: فَبِتُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْوُدِّ لَهُمْ فَقَالَ أُسَامَةُ: أَهْلُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا نَعْلَمُ وَاللَّهِ إِلَّا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقْ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ وَسَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ فَقَالَ يَا بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ فِيهَا شَيْئًا يَرِيبُكِ فَقَالَتْ بَرِيرَةُ : لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ مِنْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ الْعَجِينِ فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا ، وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا ، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا وَاللَّهِ أَعْذُرُكَ مِنْهُ إِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنْ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَكَ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ - وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ- وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنْ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ : كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ،  فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ : كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ وَاللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ ،  فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَلَ فَخَفَّضَهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، وَبَكَيْتُ يَوْمِي لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، فَأَصْبَحَ عِنْدِي أَبَوَايَ وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا حَتَّى أَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي قَالَتْ فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي إِذْ اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مِنْ يَوْمِ قِيلَ فِيَّ مَا قِيلَ قَبْلَهَا وَقَدْ مَكَثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شَيْءٌ قَالَتْ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً وَقُلْتُ لِأَبِي أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لِأُمِّي أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ فَقُلْتُ إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ وَوَقَرَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَبَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا أَبَا يُوسُفَ إِذْ قَالَ {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ثُمَّ تَحَوَّلْتُ عَلَى فِرَاشِي وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي اللَّهُ وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيًا وَلَأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فِي أَمْرِي وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ فَوَاللَّهِ مَا رَامَ مَجْلِسَهُ وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْبُرَحَاءِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنْ الْعَرَقِ فِي يَوْمٍ شَاتٍ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ لِي يَا عَائِشَةُ احْمَدِي اللَّهَ فَقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ فَقَالَتْ لِي أُمِّي قُومِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَا وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الْآيَاتِ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ مَا قَالَ لِعَائِشَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا إِلَى قَوْلِهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ الَّذِي كَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي فَقَالَ يَا زَيْنَبُ مَا عَلِمْتِ مَا رَأَيْتِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا خَيْرًا قَالَتْ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ ) ([1275]).

هكذا وقع في الصحيحين ذكر سعد بن معاذ أما ابن إسحاق  في سيرته ذكر حديث الإفك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة نحو ما تقدم  إلا أنه قال : فقام أسيد بن الحضير فقال : يا رسول الله إن يكونوا من الأوس نكفهم ، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج فمرنا بأمرك.و لم يذكر سعد بن معاذ ([1276])، ورجح ذلك ابن حزم واعتبر ذكر سعد بن معاذ في الحديث وهمًا من بعض الرواة مع اعترافه بأن ذكر سعد جاء من طرق صحاح. ولا يخفى ما في توهيم الرواة الثقات- بدون مستند قوي- من الفساد  .

 

وقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ([1277]): ثُمَّ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، يَعْتَذِرُ مِنَ الَّذِي كَانَ قَالَ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ:

حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ
عَقِيلَةُ حَيٍّ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ
مُهَذَّبَةٌ قَدْ طَيَّبَ اللَّهُ خِيمَهَا
فَإِنْ كُنْتُ قَدْ قُلْتُ الَّذِي قَدْ زَعَمْتُمُ
وَكَيْفَ وَوُدِّي مَا حَيِيتُ وَنُصْرَتِي
لَهُ رَتَبٌ عَالٍ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ
فَإِنَّ الَّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ بِلَائِطٍ

    








    

وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ([1278])
كِرَامِ الْمَسَاعِي مَجْدُهُمْ غَيْرُ زَائِلِ
وَطَهَّرَهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَبَاطِلِ
فَلَا رَفَعَتْ سَوْطِي إِلَيَّ أَنَامِلِي
لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ زَيْنِ الْمَحَافِلِ
تَقَاصَرُ عَنْهُ سَوْرَةُ الْمُتَطَاوِلِ
وَلَكِنَّهُ قَوْلُ امْرِئٍ بِيَ مَاحِلِ

و آية التيمم نزلت-على الراجح- في هذه الغزوة،

تنويهًا بشأن الصلاة ، وتنبيهًا على عظيم شأنها، وأنه لا يحول دون أدائها فقد الماء، وهو وسيلة الطهارة التي هي أعظم شروطها، كما لا يحول الخوف وفقد الأمن من إقامتها .

روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلَا يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَه ([1279]).ُ

 

وروى أحمد عن عائشة " أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً، فَهَلَكَتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالًا فِي طَلَبِهَا، فَوَجَدُوهَا، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ التَّيَمُّمَ " فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لِعَائِشَةَ: جَزَاكِ اللهُ خَيْرًا، فَوَاللهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ، إِلَّا جَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا" ([1280])    وفي بعض ألفاظِ "الصحيحِ": أنه ضاع عقدها في غزوةِ المريسيع  ([1281]).وقال أبو عبيد البكري: وفي حديث الإفك: فاأنقطع عقدٌ لها من جزع ظفار، فحبسَ الناسَ ابتغاؤه([1282]).

وقد استحقت أن تسمى هذه الغزوة بغزوة العجائب لكثرة ما حدث فيها من الأحداث المثيرة ، وكم فيها من دروس وفوائد([1283]).

باب: غزوة الخندق (الأحزاب)

ذهب جمهور أهل السير والمغازي إلى أن غزوة الأحزاب كانت في شهر شوال من السنة الخامسة ([1284]),و الدليل على ذلك أنه لا خلاف أن أُحُدًا كانت في شوال من سنة ثلاث و قد تقدم ما ذكره أهل العلم بالمغازي أن أبا سفيان واعدهم العام المقبل بدرًا و أنه صلى الله عليه و سلم خرج إليهم فأخلفوه لأجل جدب تلك السنة في بلادهم فتأخروا إلى هذا العام.

وقال الواقدي([1285]): إنها وقعت في يوم الثلاثاء الثامن من ذي القعدة في العام الخامس الهجري، وقال ابن سعد([1286]): إن الله استجاب لدعاء الرسول فهزم الأحزاب يوم الأربعاء من شهر ذي القعدة سنة خمس من مهاجره صلى الله عليه وسلم، ونقل عن الزهري، ومالك بن أنس، وموسى بن عقبة، أنها وقعت سنة أربع هجرية([1287]).

قال ابن حزم الأندلسي في مغازيه ([1288]): و الصحيح الذي لا شك فيه أنها في سنة أربع وهو قول موسى بن عقبة، و احتج ابن حزم بحديث ابن عمر وهو في صحيح البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:  أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْهُ وَعَرَضَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُ ) ([1289]) واستدل بذلك أنه لم يكن بين أحد والخندق إلا سنة واحدة ، وكانت غزوة أحد في سنة ثلاث باتفاق فتكون الخندق في السنة الرابعة.

ولكن البيهقي([1290])، وابن حجر([1291]) وغيرهما فسَّروا ذلك بأن ابن عمر كان يوم أحد في بداية الرابعة عشرة ويوم الخندق في نهاية الخامسة عشرة وهو الموافق لقول الجمهور.

 

وهذه الغزوة قد تحدثت عنها سورة الأحزاب وقد ابتلى الله فيها عباده المؤمنين و زلزلهم ،حتى بلغت القلوب الحناجر ،كما قال تعالى:  { إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا } [الأحزاب: 10، 11].

و أظهر الله ما كان يبطنه أهل النفاق و فضحهم و قرعهم  فقال تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20){[الأحزاب:12-20]

 

و ثبت الله تعالى الإيمان في قلوب أوليائه فقال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)  مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} (24) [الأحزاب:22-24]

ثم أنزل نصره و نصر عبده وهزم الأحزاب وحده و أعز جنده ورد الكفرة بغيظهم ووقى المؤمنين شر كيدهم كما قال تعالى:{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا } [الأحزاب:25]  و ذلك بفضله و منه، وحرم على هؤلاء الكفرة شرعًا و قدرًا أن يغزوا المؤمنين بعدها بل جعلهم  المغلوبين و جعل حزبه هم الغالبين  والحمد لله رب العالمين. وقد امتن الله على عباده المؤمنين بذلك فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}]الأحزاب:21]

و كان سبب غزوة الخندق –كما ذكر ابن اسحاق وغيره([1292]) –:

أن نفرًا من يهود بني النضير الذين أجلاهم صلى الله عليه و سلم من المدينة إلى خيبر و هم أشرافهم : كسلام بن أبي الحقيق وسلام بن مشكم و كنانة بن الربيع و غيرهم خرجوا إلى قريش بمكة فألبوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم و وعدوهم من أنفسهم النصر، فأجابوهم، ثم خرجوا إلى غطفان فدعوهم فأجابوهم أيضًا و خرجت قريش و قائدهم أبو سفيان بن حرب و على غطفان :عيينة بن حصن كلهم في نحو عشرة آلاف رجل.

فلما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بمسيرهم إليه أمر المسلمين بحفر خندق يحول بين المشركين و بين المدينة و كان ذلك بإشارة سلمان الفارسي رضي الله عنه فعمل المسلمون فيه مبتغين الأجر ومبادرين هجوم الكفار عليهم وكانت في حفره آيات مفصلة ، و أعلام نبوة سنذكر خبرها إن شاء الله.

 

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وما أجمعوا له من الأمر ضَرَبَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ ، فَعَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَرْغِيبًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْأَجْرِ وَعَمِلَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ فَدَأَبَ فِيهِ وَدَأَبُوا . وَأَبْطَأَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي عَمَلِهِمْ ذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَجَعَلُوا يُوَرّونَ بِالضّعِيفِ مِنْ الْعَمَلِ وَيَتَسَلّلُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا إذْنٍ . وَجَعَلَ الرّجُلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا نَابَتْهُ النّائِبَةُ مِنْ الْحَاجَةِ الّتِي لَا بُدّ لَهُ مِنْهَا ، يَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَسْتَأْذِنُهُ فِي اللّحُوقِ بِحَاجَتِهِ فَيَأْذَنُ لَهُ فَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ رَجَعَ إلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ عَمَلِهِ رَغْبَةً فِي الْخَيْرِ وَاحْتِسَابًا لَهُ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي أُولَئِكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ { إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنّ الّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُاللّهَ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[النور:62] فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيمَنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْحِسْبَةِ وَالرّغْبَةِ فِي الْخَيْرِ وَالطّاعَةِ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى ، يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ الّذِينَ كَانُوا يَتَسَلّلُونَ مِنْ الْعَمَلِ وَيَذْهَبُونَ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النور:63]([1293])

 

وَروى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ، وَيَقُولُونَ:

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا

    

 
    

عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا

قَالَ: يَقُولُ النَّبِيُّ  صلى الله عليه وسلم يُجِيبُهُمْ: {اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَةِ، فَبَارِكْ فِي الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ}قَالَ: يُؤْتَوْنَ بِمِلْءِ كَفِّي مِنَ الشَّعِيرِ، فَيُصْنَعُ لَهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ الْقَوْمِ وَالْقَوْمُ جِيَاعٌ، وَهِيَ بَشِعَةٌ فِي الْحَلْقِ، وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ ([1294]).

وَروى الْبُخَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ، سَمِعْتُ أَنَسًا، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْخَنْدَقِ، فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ: " اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ:

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا

    

 
    

عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا  ([1295])

وَروىَ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: {كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم فِي الْخَنْدَقِ، وَهُمْ يَحْفِرُونَ، وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَادِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ}([1296])

روى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ يُحَدِّثُ قَالَ: {لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ وَخَنْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  رَأَيْتُهُ يَنْقُلُ مِنْ تُرَابِ الْخَنْدَقِ حَتَّى وَارَى عَنِّي التُّرَابُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الشِّعْرِ، فَسَمِعْتُهُ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَاتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، وَهُوَ يَنْقُلُ مِنَ التُّرَابِ يَقُولُ:

اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا
فَأَنْزِلَـنْ سَكِينـَةً عَلَيْنَا
إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَـا

    




    

وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنـَا

ثُمَّ يُمَدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا}([1297])

 

وروى النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي سُكَيْنَةَ - رَجُلٍ مِنَ الْمُحَرَّرِينَ - عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ، عَرَضَتْ لَهُمْ صَخْرَةٌ حَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَفْرِ، فَقَامَ النَّبِيُّ  صلى الله عليه وسلم وَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، وَوَضَعَ رِدَاءَهُ نَاحِيَةَ الْخَنْدَقِ، وَقَالَ: {تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا، لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}  [الْأَنْعَامِ:115] فَنَدَرَ ثُلُثُ الْحَجَرِ، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قَائِمٌ يَنْظُرُ، فَبَرَقَ مَعَ ضَرْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بُرْقَةٌ ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ، وَقَالَ: {تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا، لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }  فَنَدَرَ الثُّلُثُ الْآخَرُ، وَبَرَقَتْ بُرْقَةٌ فَرَآهَا سَلْمَانُ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ، وَقَالَ: {تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا، لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }فَنَدَرَ الثُّلُثُ الْبَاقِي، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ رِدَاءَهُ وَجَلَسَ، فَقَالَ سَلْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُكَ حِينَ ضَرَبْتَ لَا تَضْرِبُ إِلَّا كَانَتْ مَعَهَا بُرْقَةٌ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم " يَا سَلْمَانُ، رَأَيْتَ ذَلِكَ ؟ ". قَالَ: إِي وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " فَإِنِّي حِينَ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الْأُولَى رُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ كِسْرَى وَمَا حَوْلَهَا وَمَدَائِنُ كَثِيرَةٌ، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنِي " فَقَالَ لَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا وَيُغَنِّمَنَا ذَرَارِيَّهُمْ، وَنُخَرِّبَ بِأَيْدِينَا بِلَادَهُمْ، فَدَعَا بِذَلِكَ، قَالَ: " ثُمَّ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الثَّانِيَةَ، فُرِفَعَتْ لِي مَدَائِنُ قَيْصَرَ وَمَا حَوْلَهَا، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنِي " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا وَيُغَنِّمَنَا ذَرَارِيَّهُمْ، وَنُخَرِّبَ بِأَيْدِينَا بِلَادَهُمْ. فَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: " ثُمَّ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الثَّالِثَةَ، فَرُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ الْحَبَشَةِ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنِي " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " دَعُوُا الْحَبَشَةَ مَا وَدَعُوكُمْ، وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ "}([1298])

وَروى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْخَنْدَقِ فَخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا وَجَدْنَا صَفَاةً لَا نَسْتَطِيعُ حَفْرَهَا، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقُمْنَا مَعَهُ فَلَمَّا أَتَاهَا أَخَذَ الْمِعْوَلَ، فَضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً وَكَبَّرَ، فَسَمِعْتُ هَدَّةً لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهَا قَطُّ، فَقَالَ: " فُتِحَتْ فَارِسُ " ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى فَكَبَّرَ، فَسَمِعْتُ هَدَّةً لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهَا قَطُّ، فَقَالَ: " فُتِحَتِ الرُّومُ " ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى فَكَبَّرَ، فَسَمِعْتُ هَدَّةً لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهَا قَطُّ، فَقَالَ: " جَاءَ اللَّهُ بِحِمْيَرَ أَعْوَانًا وَأَنْصَارًا )[1299]

وروى الطبراني عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: احْتَفَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَقَ، وَأَصْحَابُهُ قَدْ شَدُّوا الْحِجَارَةَ عَلَى بُطُونِهِمْ مِنَ الْجُوعِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هَلْ دَلَلْتُمْ عَلَى رَجُلٍ يُطْعِمُنَا أَكْلَةً؟ قَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ.

قَالَ: إِمَّا لَا فَتَقَدَّمْ فَدُلَّنَا عَلَيْهِ.

فَانْطَلَقُوا إِلَى بَيْتِ الرَّجُلِ، فَإِذَا هُوَ فِي الْخَنْدَقِ يُعَالِجُ نَصِيبَهُ مِنْهُ، فَأَرْسَلَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ جِئْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَتَانَا.

فَجَاءَ الرَّجُلُ يَسْعَى وَقَالَ: بِأَبِي وأمى. وَمَعَهَا جَدْيُهَا فَوَثَبَ إِلَيْهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْجَدْيُ مِنْ وَرَائِهَا فَذَبَحَ الْجَدْيَ، وَعَمَدَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى طَحِينَةٍ لَهَا فَعَجَنَتْهَا وَخَبَزَتْ فَأَدْرَكَتِ الْقِدْرَ فَثَرَدَتْ قَصْعَتَهَا فَقَرَّبَتْهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُصْبُعَهُ فِيهَا

وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهَا اطْعَمُوا.

فَأَكَلُوا مِنْهَا حَتَّى صَدَرُوا وَلَمْ يَأْكُلُوا مِنْهَا إِلَّا ثُلُثَهَا وَبَقِيَ ثُلُثَاهَا.

فَسَرَّحَ أُولَئِكَ الْعَشَرَةَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ أَنِ اذْهَبُوا وَسَرِّحُوا إِلَيْنَا بِعِدَّتِكُمْ.

فَذَهَبُوا فَجَاءَ أُولَئِكَ الْعَشَرَةُ فَأَكَلُوا مِنْهَا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَامَ وَدَعَا لِرَبَّةِ الْبَيْتِ وَسَمَّتَ (1) عَلَيْهَا وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهَا، ثُمَّ مَشَوْا إِلَى الْخَنْدَقِ فَقَالَ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى سَلْمَانَ، وَإِذَا صَخْرَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ قَدْ ضَعُفَ عَنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُونِي فَأَكُونَ أَوَّلَ مَنْ ضَرَبَهَا.

فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ.

فَضَرَبَهَا فَوَقَعَتْ فِلْقَةٌ ثُلُثُهَا فَقَالَ: الله أكبر قُصُور الشَّام وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى فَوَقَعَتْ فِلْقَةٌ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ قُصُورُ فَارِسَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.

فَقَالَ عِنْدَهَا الْمُنَافِقُونَ: نَحْنُ نُخَنْدِقُ عَلَى أَنْفُسِنَا وَهُوَ يَعِدُنَا قُصُورَ فَارِسَ وَالرُّومِ ) [1300]  .

وروى أحمد وابن أبي شيبة وغيرهما عن الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ , قَالَ: لَمَّا كَانَ حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَحْفِرَ الْخَنْدَقَ عَرَضَ لَنَا فِي بَعْضِ الْجَبَلِ صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ شَدِيدَةٌ , لَا تَدْخُلُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ , فَاشْتَكَيْنَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهَا أَخَذَ الْمِعْوَلَ وَأَلْقَى ثَوْبَهُ , وَقَالَ: «بِاسْمِ اللَّهِ» , ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَهَا , وَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ , أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ , وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ السَّاعَةَ» , ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ فَقَطَعَ ثُلُثًا آخَرَ فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ , أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ , وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ الْأَبْيَضَ» , ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: «بِاسْمِ اللَّهِ» , فَقَطَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ , وَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ , أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ , وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ» وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي السَّاعَةَ. ([1301])

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مِينَا أَنّهُ حُدّثَ أَنّ ابْنَةً لِبَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ أُخْتِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَتْ: دَعَتْنِي أُمّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ ، فَأَعْطَتْنِي حَفْنَةً مِنْ تَمْرٍ فِي ثَوْبِي ، ثُمّ قَالَتْ أَيْ بُنَيّةُ . اذْهَبِي إلَى أَبِيك وَخَالِك عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِغَدَائِهِمَا ، قَالَتْ فَأَخَذْتهَا ، فَانْطَلَقْت بِهَا ، فَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا أَلْتَمِسُ أَبِي وَخَالِي ، فَقَالَ تَعَالَيْ يَا بُنَيّةُ مَا هَذَا مَعَك ؟ قَالَتْ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا تَمْرٌ بَعَثَتْنِي بِهِ أُمّي إلَى أَبِي بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ وَخَالِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَتَغَدّيَانِهِ قَالَ هَاتِيهِ قَالَتْ فَصَبَبْته فِي كَفّيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَمَا مَلَأَتْهُمَا ، ثُمّ أَمَرَ بِثَوْبِ فَبُسِطَ لَهُ ثُمّ دَحَا بِالتّمْرِ عَلَيْهِ فَتَبَدّدَ فَوْقَ الثّوْبِ ثُمّ قَالَ لِإِنْسَانِ عِنْدَهُ اُصْرُخْ فِي أَهْلِ الْخَنْدَقِ : أَنْ هَلُمّ إلَى الْغَدَاءِ . فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَجَعَلَ يَزِيدُ حَتّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْهُ وَإِنّهُ لَيَسْقُطُ مِنْ أَطْرَافِ الثّوْبِ([1302]) .

وبلغ الجهد والجوع بالمسلمين مبلغًا عظيما حتى كان الرجل منهم يضع على بطنه الحجر من شدة الجوع ووضع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بطنه حجرين.

ولما وجد جابر ما أصاب الرسول من الجهد والجوع ذهب إلى امرأته لتصنع لرسول الله طعامًا.

فقد روى البخاري عن جَابِر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ فَجَاءُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ فَقَالَ أَنَا نَازِلٌ ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ وَلَبِثْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقًا فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِعْوَلَ فَضَرَبَ فَعَادَ كَثِيبًا أَهْيَلَ أَوْ أَهْيَمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي إِلَى الْبَيْتِ فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَبْرٌ فَعِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: عِنْدِي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ فَذَبَحَتْ الْعَنَاقَ وَطَحَنَتْ الشَّعِيرَ حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ فِي الْبُرْمَةِ ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَجِينُ قَدْ انْكَسَرَ وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ الْأَثَافِيِّ قَدْ كَادَتْ أَنْ تَنْضَجَ فَقُلْتُ: طُعَيِّمٌ لِي فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ قَالَ: كَمْ هُوَ ؟ فَذَكَرْتُ لَهُ قَالَ: كَثِيرٌ طَيِّبٌ ، قَالَ :قُلْ لَهَا لَا تَنْزِعْ الْبُرْمَةَ وَلَا الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ حَتَّى آتِيَ فَقَالَ: قُومُوا ، فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ:وَيْحَكِ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ قَالَتْ:هَلْ سَأَلَكَ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ . فَقَالَ ادْخُلُوا وَلَا تَضَاغَطُوا فَجَعَلَ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ وَيُخَمِّرُ الْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَغْرِفُ ، حَتَّى شَبِعُوا، وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ قَالَ: كُلِي هَذَا وَأَهْدِي فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَة. ٌ([1303])

فلما كمل حفر الخندق قدم المشركون فنزلوا حول المدينة كما قال تعالى : { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم   }

و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فتحصن بالخندق و هو في ثلاثة آلاف على الصحيح من أهل المدينة ، فجعلوا ظهورهم إلى سلع و أمر صلى الله عليه و سلم بالنساء و الذراري فجعلوا في آطام المدينة و استخلف عليها ابن أم مكتوم رضي الله عنه

و انطلق حيي بن أخطب النضري إلى بني قريظة فاجتمع برئيسهم كعب بن أسد وطلب

منه أن ينقض العهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يزل به حتى نقض العهد و وافق كعب بن أسد المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم فسروا بذلك .

و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم سعد معاذ و سعد بن عبادة ، و خوات بن جبير وعبد الله بن رواحة ليعرفوا له هل نقض بنو قريظة العهد أو لا فلما قربوا منهم و جدوهم مجاهرين بالعداوة و الغدر فتسابوا و نال اليهود ـ لعنهم الله ـ من رسول الله صلى الله عليه و سلم فسبهم سعد بن معاذ وانصرفوا عنهم و قد أمرهم صلى الله عليه و سلم إن كانوا نقضوا أن لا يفتوا بذلك في أعضاد المسلمين لئلا يورث وهنًا و أن يلحنوا إليه لحنا ـ أي لغزًا ـ فلما قدموا عليه قال : ما وراءكم ؟ قالوا : عضل و القارة – يعنون أنهم غدروا كما غدر عضل و القارة  بأصحاب الرجيع - فعظم ذلك على المسلمين واشتد الأمر وعظم الخطر وَعَظُمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْبَلَاءُ وَاشْتَدّ الْخَوْفُ وَأَتَاهُمْ عَدُوّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ حَتّى ظَنّ الْمُؤْمِنُونَ كُلّ ظَنّ وكانوا كما قال الله تعالى : { هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا} وَنَجَمَ النّفَاقُ مِنْ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ حَتّى قال بعضهم: كَانَ مُحَمّدٌ يَعِدُنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ ، وَأَحَدُنَا الْيَوْمَ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْغَائِطِ .

وفي الصحيح أن الزبير ذهب إلى بني قريظة وجاء بخبرها . ففي البخاري عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ أَنَا ثُمَّ قَالَ مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا. ثُمَّ قَالَ :مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيَّ وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ ) ([1304])

وفي البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كُنْتُ يَوْمَ الْأَحْزَابِ جُعِلْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي النِّسَاءِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِالزُّبَيْرِ عَلَى فَرَسِهِ يَخْتَلِفُ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَلَمَّا رَجَعْتُ قُلْتُ: يَا أَبَتِ رَأَيْتُكَ تَخْتَلِفُ قَالَ أَوَهَلْ رَأَيْتَنِي يَا بُنَيَّ؟ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ يَأْتِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَيَأْتِينِي بِخَبَرِهِمْ ، فَانْطَلَقْتُ فَلَمَّا رَجَعْتُ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ، فَقَالَ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ) ([1305])

واستأذن بعض بني حارثة رسول الله صلى الله عليه و سلم في الذهاب إلى المدينة لأجل

بيوتهم قالوا : إنها عورة و ليس بينها و بين العدو حائل، وهَمَّ بنو سلمة بالفشل ، ثم ثبت الله كلتا الطائفتين .

وثبت المشركون محاصرين رسول الله صلى الله عليه و سلم شهرًا. و لما طال هذا الحال

على المسلمين أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يكسر هذا الحصار وأن يشتت هذه الأحزاب ويفرق بينهم بالتفاوض مع قائدي غطفان .

قال ابن اسحاق: فَلَمّا اشْتَدّ عَلَى النّاسِ الْبَلَاءُ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَمَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ - إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ ، وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرّيّ ، وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ ، فَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا الصّلْحُ حَتّى كَتَبُوا الْكِتَابَ وَلَمْ تَقَعْ الشّهَادَةُ وَلَا عَزِيمَةُ الصّلْحِ إلّا الْمُرَاوَضَةُ فِي ذَلِكَ . فَلَمّا أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَفْعَلَ بَعَثَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمَا ، وَاسْتَشَارَهُمَا فِيهِ فَقَالَا لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَمْرًا نُحِبّهُ فَنَصْنَعُهُ أَمْ شَيْئًا أَمَرَك اللّهُ بِهِ لَا بُدّ لَنَا مِنْ الْعَمَلِ بِهِ أَمْ شَيْئًا تَصْنَعُهُ لَنَا ؟ قَالَ بَلْ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ ، وَاَللّهِ مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إلّا لِأَنّنِي رَأَيْت الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلّ جَانِبٍ فَأَرَدْت أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ مِنْ شَوْكَتِهِمْ إلَى أَمْرٍ مَا ، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ كُنّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى الشّرْكِ بِاَللّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ لَا نَعْبُدُ اللّهَ وَلَا نَعْرِفُهُ وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا تَمْرَةً إلّا قِرًى أَوْ بَيْعًا ، أَفَحِينَ أَكْرَمْنَا اللّهُ بِالْإِسْلَامِ وَهَدَانَا لَهُ وَأَعَزّنَا بِك وَبِهِ نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا ( وَاَللّهِ ) مَا لَنَا بِهَذَا مِنْ حَاجَةٍ وَاَللّهِ لَا نُعْطِيهِمْ إلّا السّيْفَ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنْتَ وَذَاكَ . فَتَنَاوَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الصّحِيفَةَ فَمَحَا مَا فِيهَا مِنْ الْكِتَابِ ثُمّ قَالَ لِيَجْهَدُوا عَلَيْنَا"([1306])

واستمروا على الحصار ولم يكن بينهم قتال لأجل ما حال الله به من الخندق بينه و بينهم إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود العامري و جماعة معه أقبلوا نحو الخندق فلما و قفوا عليه قالوا : إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تعرفها ثم قصدوا مكانا ضيقا من الخندق فاقتحموه و جازوه و جالت بهم خيلهم في السبخة بين الخندق و سلع و دعوا للمبارزة فانتدب علي بن أبي طالب رضي الله عنه لعمرو بن عبد ود فبارزه فقتله الله على يديه و كان عمرو لا يجاري في الجاهلية شجاعة وكان شيخًا قد جاوز المائة يومئذٍ، وأما الباقون فينطلقون راجعين إلى قومهم من حيث جاؤوا وكان هذا أول ما فتح الله .

روى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما : قال : قتل رجل من المشركين يوم الخندق فطلبوا أن يواروه فأبى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أعطوه الدية، و قتل من بني عامر بن لؤي: عمرو بن عبد ود قتله علي بن أبي طالب مبارزة" ([1307])

 

وقد أخرج الحاكم في ذلك حديثًا مكذوبًا- من وضع الرافضة- عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده : قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة([1308]) .

 

ومن شدة ما كان فيه المسلمون من كربٍ و شغلٍ لم يجدوا وقتًا يأمنون فيه للصلاة .فشغلوا عن الصلاة حتى غربت الشمس.

روى البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ جَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ،  قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا فَنَزَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ([1309])  .

وروى عن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ : ( مَلَأَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا ، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ ) ([1310])

وكان شعار المسلمين في تلك الغزوة والتي تليها-كما قال ابن هشام ([1311]) - ( حم لا ينصرون )

وفي هذه الغزوة أصيب سيد الأوس-وصدِّيق الأنصار- سعد بن معاذ رضي الله عنه.

َقالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبُو لَيْلَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيّ ، أَخُو بَنِي حَارِثَةَ : أَنّ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ فِي حِصْنِ بَنِي حَارِثَةَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، وَكَانَ مِنْ أَحْرَزِ حُصُونِ الْمَدِينَةِ . قَالَ وَكَانَتْ أُمّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مَعَهَا فِي الْحِصْنِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَذَلِك قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ فَمَرّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ لَهُ مُقَلّصَةٌ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا ذِرَاعُهُ كُلّهَا ، وَفِي يَدِهِ حَرْبَتُهُ يَرْقُدُ بِهَا وَيَقُولُ :

لَبّثْ قَلِيلًا يَشْهَدْ الهيجا جمل** لَا بَأْسَ بِالْمَوْتِ إذَا حَانَ الأجل

قَالَ : فَقَالَتْ لَهُ أُمّهُ الْحَقّ : أَيْ بني ، فَقَدْ وَاَللّهِ أَخّرْت ؛ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْت لَهَا : يَا أُمّ سَعْدٍ وَاَللّهِ لَوَدِدْت أَنّ دِرْعَ سَعْدٍ كَانَتْ أَسْبَغَ مِمّا هِيَ قَالَتْ وَخِفْتِ عَلَيْهِ حَيْثُ أَصَابَ السّهْمُ مِنْهُ فَرُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ بِسَهْمِ فَقَطَعَ مِنْهُ الْأَكْحَلَ رَمَاهُ -كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قتادة - حِبّانُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْعَرِقَةِ أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، فَلَمّا أَصَابَهُ قَالَ خُذْهَا مِنّي وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ ؛ فَقَالَ لَهُ سَعْدُ عَرّقَ اللّهُ وَجْهَك فِي النّارِ اللّهُمّ إنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا ، فَإِنّهُ لَا قَوْمَ أَحَبّ إلَيّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ مِنْ قَوْمٍ آذَوْا رَسُولَك وَكَذّبُوهُ وَأَخْرَجُوهُ اللّهُمّ وَإِنْ كُنْت قَدْ وَضَعْت الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْعَلْهُ لِي شَهَادَةً وَلَا تُمِتْنِي حَتّى تُقِرّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ([1312]) .

وقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ مَا أَصَابَ سَعْدًا يَوْمَئِذٍ إلّا أَبُو أُسَامَةَ الجشمي ، حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ ([1313])

قلت: ما ذكره ابن اسحاق في الرواية الأولى – أن الذي رماه هو حِبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ - هو الموافق لما في صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة وسيأتي الحديث في غزوة بني قريظة . وفيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد ضرب لسعد خيمة في المسجد النبوي ليطبب فيها، وليعوده صلى الله عليه و سلم من قريب .

وكان النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قد وضع النساء والأطفال في حصن فارع ،وهو حصن

قوي، حماية لهم لأن المسلمين في شغل عن حمايتهم لمواجهتهم جيوش الأحزاب، وقيل إنه عندما نقض يهود بني القريظة العهد أرسلوا يهوديًا يستطلع وضع الحصن فقتلته صفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم  .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : َحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ: كَانَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي فَارِعٍ ، حِصْنُ حَسّانِ بْنِ ثَابِتٍ ؛ قَالَتْ: وَكَانَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ مَعَنَا فِيهِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ . قَالَتْ صَفِيّةُ: فَمَرّ بِنَا رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ فَجَعَلَ يُطِيفُ بِالْحِصْنِ وَقَدْ حَارَبَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ ، وَقَطَعَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَحَدٌ يَدْفَعُ عَنّا ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فِي نُحُورِ عَدُوّهِمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْصَرِفُوا عَنْهُمْ إلَيْنَا إنْ أَتَانَا آتٍ . قَالَتْ فَقُلْت : يَا حَسّانُ إنّ هَذَا الْيَهُودِيّ كَمَا تَرَى يُطِيفُ بِالْحِصْنِ وَإِنّي وَاَللّهِ مَا آمنه أَنْ يَدُلّ عَلَى عَوْرَتِنَا مَنْ وَرَاءَنَا مِنْ يَهُودَ وَقَدْ شُغِلَ عَنّا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ فَانْزِلْ إلَيْهِ فَاقْتُلْهُ ، قَالَ: يَغْفِرُ اللّهُ لَك يَا بنة عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَاَللّهِ لَقَدْ عَرَفْت مَا أَنَا بِصَاحِبِ هَذَا : قَالَتْ : فَلَمّا قَالَ لِي ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ عِنْدَهُ شَيْئًا ، احْتَجَزْت ثُمّ أَخَذْت عَمُودًا ، ثُمّ نَزَلْت مِنْ الْحِصْنِ إلَيْهِ فَضَرَبْتُهُ بِالْعَمُودِ حَتّى قَتَلْته . قَالَتْ: فَلَمّا فَرَغْت مِنْهُ رَجَعْتُ إلَى الْحِصْنِ فَقُلْت : يَا حَسّانُ انْزِلْ إلَيْهِ فَاسْلُبْهُ فَإِنّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ سَلَبِهِ إلّا أَنّهُ رَجُلٌ. قَالَ: مَا لِي بِسَلَبِهِ مِنْ حَاجَةٍ يَا بنة عَبْدِ الْمُطّلِبِ .

وهذا خبر فيه ضعف لأنه مرسل([1314]) ، وفيه ما يسيء إلى حسان بن ثابت رضي الله عنه، فلا يحتج به ، ولو كان حسان جبانًا لهجاه المشركون بذلك كما كان يهجوهم بالشعر.

 

ثم إن الله عز وجل قدّر بفضله ما خذل به بين المشركين و فرق جمعهم و ذلك أن نعيم

بن مسعود بن عامر الغطفاني رضي الله عنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : يا رسول الله إني قد أسلمت فمرني بما شئت فقال صلى الله عليه و سلم : " إنما أنت رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة "([1315]) فذهب من حينه ذلك إلى بني قريظة ـ و كان عشيرًا لهم في الجاهلية ـ فدخل عليهم وهم لا يعلمون بإسلامه فقال يا بني قريظة ! إنكم قد حاربتم محمدا و إن قريشا إن أصابوا فرصة انتهزوها و إلا شمروا إلى بلادهم و تركوكم و محمدا فانتقم منكم قالوا : فما العمل يا نعيم ؟ قال : لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن قالوا لقد أشرت بالرأي .

ثم نهض إلى قريش فقال لأبي سفيان و لهم : تعلمون ودي و نصحي لكم ؟ قالوا نعم قال : إن يهود ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد و أصحابه و إنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه ثم يمالئونه عليكم ثم ذهب إلى قومه غطفان فقال لهم مثل ذلك

فلما كان ليلة السبت في شوال بعثوا إلى يهود : إنا لسنا بأرض مقام فانهضوا بنا غدا نناجز هذا الرجل فأرسل إليهم اليهود : إن اليوم يوم السبت و مع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهنا فلما جاءهم الرسل بذلك قالت قريش : صدقنا و الله نعيم بن مسعود و بعثوا إلى يهود : إنا و الله لا نرسل لكم أحدا فاخرجوا معنا فقالت قريظة : صدق و الله نعيم ، و أبوا أن يقاتلوا معهم .

وقام النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء على هؤلاء الأحزاب

روى البخاري عن إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: ( اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اللَّهُمَّ اهْزِمْ الْأَحْزَابَ اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ ) ([1316])  .

واستجاب الله تعالى دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم فأرسل الله عز وجل على قريش ومن معهم الخور و الريح تزلزلهم فجعلوا لا يقر لهم قرار و لا تثبت لهم خيمة و لا طنب ولا قدر و لا شيء فلما رأوا ذلك ترحلوا من ليلتهم تلك و أرسل صلى الله عليه و سلم حديفة بن اليمان يخبر له خبرهم فوجدهم كما وصفنا و رأى أبا سفيان يصلي ظهره بنار و لو شاء حذيفة لقتله ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلا فأخبره برحيلهم

روى مسلم  عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَقَالَ رَجُلٌ لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةَ الأَحْزَابِ وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَلاَ رَجُلٌ يَأْتِينِى بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ « أَلاَ رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ « أَلاَ رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ فَقَالَ « قُمْ يَا حُذَيْفَةُ فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ ». فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِى بِاسْمِى أَنْ أَقُومَ قَالَ « اذْهَبْ فَأْتِنِى بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلاَ تَذْعَرْهُمْ عَلَىَّ ». فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِى فِى حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِى ظَهْرَهُ بِالنَّارِ فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِى كَبِدِ الْقَوْسِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَلاَ تَذْعَرْهُمْ عَلَىَّ ». وَلَوْ رَمَيْتُهُ لأَصَبْتُهُ فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِى فِى مِثْلِ الْحَمَّامِ فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ فَأَلْبَسَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّى فِيهَا فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ « قُمْ يَا نَوْمَانُ » ([1317]) .

 

وقَدْ جاء ذلك من وجه آخر مبسوطًا رَوَاه الْحَاكِمُ وَعنه الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ " عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَخِي حُذَيْفَةَ قَالَ: ذَكَرَ حُذَيْفَةُ مَشَاهِدَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ جُلَسَاؤُهُ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا شَهِدْنَا ذَلِكَ لَكُنَّا فَعَلْنَا وَفَعَلْنَا. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَا تَمَنَّوْا ، لَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ وَنَحْنُ صَافُّونَ قُعُودٌ ، وَأَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَحْزَابِ فَوْقَنَا، وَقُرَيْظَةُ الْيَهُودُ أَسْفَلَ مِنَّا، نَخَافُهُمْ عَلَى ذَرَارِيِّنَا، وَمَا أَتَتْ عَلَيْنَا لَيْلَةٌ قَطُّ أَشَدُّ ظُلْمَةً وَلَا أَشَدُّ رِيحًا مِنْهَا، فِي أَصْوَاتِ رِيحِهَا أَمْثَالُ الصَّوَاعِقِ، وَهِيَ ظُلْمَةٌ مَا يَرَى أَحَدُنَا أُصْبُعَهُ، فَجَعَلَ الْمُنَافِقُونَ يَسْتَأْذِنُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُونَ: إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ . وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ فَمَا يَسْتَأْذِنُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا أَذِنَ لَهُ، وَيَأْذَنُ لَهُمْ وَيَتَسَلَّلُونَ، وَنَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ إِذِ اسْتَقْبَلَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا رَجُلًا، حَتَّى أَتَى عَلَيَّ، وَمَا عَلَيَّ جُنَّةٌ مِنَ الْعَدُوِّ وَلَا مِنَ الْبَرْدِ إِلَّا مِرْطٌ لِامْرَأَتِي مَا يُجَاوِزُ رُكْبَتِي. قَالَ: فَأَتَانِي وَأَنَا جَاثٍ عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ: " مَنْ هَذَا ؟ " فَقُلْتُ: حُذَيْفَةُ. فَقَالَ: " حُذَيْفَةُ ! " فَتَقَاصَرْتُ بِالْأَرْضِ، فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. كَرَاهِيَةَ أَنْ أَقُومَ. قَالَ: " قُمْ ". فَقُمْتُ، فَقَالَ: " إِنَّهُ كَائِنٌ فِي الْقَوْمِ خَبَرٌ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ " قَالَ: وَأَنَا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ فَزَعًا وَأَشَدِّهِمْ قُرًّا. قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم " اللَّهُمَّ احْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ " قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا خَلَقَ اللَّهُ فَزَعًا وَلَا قُرًّا فِي جَوْفِي إِلَّا خَرَجَ مِنْ جَوْفِي، فَمَا أَجِدُ فِيهِ شَيْئًا. قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ قَالَ: " يَا حُذَيْفَةُ، لَا تُحْدِثَنَّ فِي الْقَوْمِ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي ".

قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْ عَسْكَرِ الْقَوْمِ نَظَرْتُ فِي ضَوْءِ نَارٍ لَهُمْ تَوَقَّدُ، وَإِذَا رَجُلٌ أَدْهَمُ ضَخْمٌ يَقُولُ بِيَدَيْهِ عَلَى النَّارِ، وَيَمْسَحُ خَاصِرَتَهُ ، وَيَقُولُ: الرَّحِيلَ الرَّحِيلَ. وَلَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ أَبَا سُفْيَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَانْتَزَعْتُ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي أَبْيَضَ الرِّيشِ، فَأَضَعُهُ عَلَى كَبِدِ قَوْسِي لِأَرْمِيَهُ بِهِ فِي ضَوْءِ النَّارِ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم " لَا تُحْدِثَنّ فِيهِمْ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي " فَأَمْسَكْتُ وَرَدَدْتُ سَهْمِي إِلَى كِنَانَتِي، ثُمَّ إِنِّي شَجَّعْتُ نَفْسِي حَتَّى دَخَلْتُ الْعَسْكَرَ فَإِذَا أَدْنَى النَّاسِ مِنِّي بَنُو عَامِرٍ، يَقُولُونَ: يَا آلَ عَامِرٍ، الرَّحِيلَ الرَّحِيلَ، لَا مُقَامَ لَكُمْ. وَإِذَا الرِّيحُ فِي عَسْكَرِهِمْ مَا تُجَاوِزَ عَسْكَرُهُمْ شِبْرًا، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْمَعُ صَوْتَ الْحِجَارَةِ فِي رِحَالِهِمْ وَفُرُشِهِمْ، الرِّيحُ تَضْرِبُهُمْ بِهَا، ثُمَّ خَرَجْتُ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فَلَمَّا انْتَصَفَتْ بِيَ الطَّرِيقُ أَوْ نَحْوٌ مِنْ ذَلِكَ، إِذَا أَنَا بِنَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ فَارِسًا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مُعْتَمِّينَ، فَقَالُوا: أَخْبِرْ صَاحِبكَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَاهُ قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُشْتَمِلٌ فِي شَمْلَةٍ يُصَلِّي، فَوَاللَّهِ مَا عَدَا أَنْ رَجَعْتُ؛ رَاجَعَنِي الْقُرُّ وَجَعَلْتُ أُقَرْقِفُ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ، وَهُوَ يُصَلِّي، فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَأَسْبَلَ عَلَيَّ شَمْلَتَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَ الْقَوْمِ؛ أَخْبَرْتُهُ أَنِّي تَرَكْتُهُمْ يَرْحَلُونَ. قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا}الآية [الأحزاب: 9]  ([1318])

.أَيْ صَرَفَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَدُوَّهُمْ بِالرِّيحِ الَّتِي أَرْسَلَهَا عَلَيْهِمْ وَالْجُنُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمُ الَّتِي بَعَثَهَا اللَّهُ إِلَيْهِمْ بحوله وقوته .

وأخرج الحاكم من طريق آخر عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما : أن الناس تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة الأحزاب فلم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا فأتاني رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا جاثي من البرد و قال : و قال : يا ابن اليمان قم فانطلق إلى عسكر الأحزاب فانظر إلى حالهم قلت يا رسول الله و الذي بعثك بالحق ما قمت إليك إلا حياء منك من البرد قال : فابرز الحرة و برد الصبح . انطلق يا ابن اليمان و لا بأس عليك من حر و لا برد حتى ترجع إلي.

قال : فانطلقت إلى عسكرهم فوجدت أبا سفيان يوقد النار في عصبة حوله قد تفرق الأحزاب عنه قال : حتى إذا جلست فيهم قال : فحسب أبو سفيان أنه دخل فيهم من غيرهم قال : ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه قال : فضربت بيدي على الذي عن يميني و أخذت بيده ثم ضربت بيدي على الذي عن يساري فأخذت بيده فلبثت فيهم هنية ثم قمت فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو قائم يصلي فأومأ إلي بيده أن ادن فدنوت ثم أومأ إلي أيضا أن أدن فدنوت حتى أسبل علي من الثوب الذي كان عليه و هو يصلي فلما فرغ من صلاته قال : ابن اليمان اقعد ما الخبر ؟ قلت : يا رسول الله تفرق الناس عن أبي سفيان فلم يبق إلا عصبة توقد النار قد صب الله عليه من البرد مثل الذي صب علينا و لكنا نرجو من الله ما لا يرجو  " ([1319])

 

ونصر الله عز وجل المؤمنين بفضله ومنه، وهزم الأحزاب وحده، ففِي " الصَّحِيحَيْنِ " عن

أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ  يَقُولُ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَعَزَّ جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، فَلَا شَيْءَ بَعْدَهُ " ([1320]).

وقد ذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسم الريح التي أرسلها الله تعالى على الأحزاب ففرقتهم. كما في البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ ) ([1321])

 

َلَمْ تَرْجِعْ قُرَيْشٌ بَعْدَ هَذه الغزوة إِلَى حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ ،وقد بشر النبي أصحابه بذلك

كما روى البخاري عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: ( نَغْزُوهُمْ ، وَلَا يَغْزُونَنَا ) ([1322])وَقَدْ أخرجه الْإِمَامُ أَحْمَدُ بلفظ: ( الْآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَا )([1323]) والحمد لله الذي أعز الإسلام وأهله وأذل الكفر وأهله([1324]).

..

باب:غزوة بني قريظة

 

فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم- بعد هزيمة الأحزاب- غدا إلى المدينة

و قد وضع الناس السلاح،  فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأمره أن ينهض إلى بني قريظة .كما روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ،  أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ؟ وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَاهُ ، فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ قَالَ: فَإِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: هَا هُنَا، وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ ([1325])

وَفي مسند أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْأَحْزَابِ دَخَلَ الْمُغْتَسَلَ يَغْتَسِلُ، وَجَاءَ جِبْرِيلُ فَرَأَيْتُهُ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ الْغُبَارُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَوَضَعْتُمْ أَسْلِحَتَكُمْ ؟ فَقَالَ: مَا وَضَعْنَا أَسْلِحَتَنَا بَعْدُ، انْهَدْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ"([1326]) .

وكان ذلك سبب غزوة بني قريظة جزاء خيانتهم وتآمرهم مع المشركين للقضاء على المسلمين.

ونهض صلى الله عليه و سلم من وقته إلى بني قريظة، كما أمره جبريل و أمر المسلمين أن

لا يصلي أحد صلاة العصر ـ وقد كان دخل وقتها ـ إلا في بني قريظة فراح المسلمون أرسالاً و كان منهم من صلى العصر في الطريق و قالوا : لم يرد رسول الله ترك الصلاة إنما أراد تعجيل السير و كان منهم من لم يصل حتى غربت الشمس ووصل إلى بني قريظة و لم يعنف صلى الله عليه و سلم واحدًا من الفريقين ([1327])

روى البخاري ومسلم عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنْ الْأَحْزَابِ: ( لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ) فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمْ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيقِ،فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ" ([1328])   .

 

وروى البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْغُبَارِ سَاطِعًا فِي زُقَاقِ بَنِي غَنْمٍ ، مَوْكِبَ جِبْرِيلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ حِينَ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَة" ([1329])

وروى الحاكم عَنْ عَائِشَةَ" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهَا، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ وَنَحْنُ فِي الْبَيْتِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا، وَقُمْتُ فِي أَثَرِهِ فَإِذَا بِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، فَقَالَ: " هَذَا جِبْرِيلُ أَمَرَنِي أَنْ أَذْهَبَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَالَ: قَدْ وَضَعْتُمُ السِّلَاحَ، لَكِنَّا لَمْ نَضَعْ، طَلَبْنَا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى بَلَغْنَا حَمْرَاءَ الْأَسَدِ " وَذَلِكَ حِينَ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخَنْدَقِ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: " عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تُصَلُّوا صَلَاةَ الْعَصْرِ حَتَّى تَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ ". فَغَرَبَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُمْ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ أَنْ تَدَعُوا الصَّلَاةَ، فَصَلَّوْا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: وَاللَّهِ إِنَّا لَفِي عَزِيمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا عَلَيْنَا مِنْ إِثْمٍ فَصَلَّتْ طَائِفَةٌ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَتَرَكَتْ طَائِفَةٌ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَلَمْ يُعَنِّفْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِمَجَالِسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ: " هَلْ مَرَّ بِكُمْ أَحَدٌ ؟ " فَقَالُوا: مَرَّ عَلَيْنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ، تَحْتَهُ قَطِيفَةُ دِيبَاجٍ. فَقَالَ: " ذَلِكَ جِبْرِيلُ أُرْسِلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ لِيُزَلْزِلَهُمْ وَيَقْذِفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ " فَحَاصَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْتُرُوهُ بِالْجَحَفِ حَتَّى يُسْمِعَهُمْ كَلَامَهُ، فَنَادَاهُمْ: " يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ ". فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، لَمْ تَكُنْ فَحَّاشًا. فَحَاصَرَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْد بْنِ مُعَاذٍ، وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ، فَحَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ" ([1330]).

 

وروى البخاري عن الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ:" اهْجُهُمْ أَوْ هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ"([1331]) و زاد في رواية :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ : "اهْجُ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ مَعَكَ" ([1332])

 

وكان النبي صلى الله عليه و سلم قد أعطى  الراية علي بن أبي طالب رضي الله عنه و استخلف على المدينة ابن أم مكتوم .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ولما أتى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي قُرَيْظَةَ نزل عَلَى بِئْرٍ مِنْ آبَارِها مِنْ نَاحِيَةِ أَمْوَالِهِمْ يُقَالُ لَهَا: بِئْرُ أَنَّا. فَحَاصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، حَتَّى جَهَدَهُمُ الْحِصَارُ، وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، وَقَدْ كَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ دَخَلَ مَعَهُمْ حِصْنَهُمْ، حِينَ رَجَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ؛ وَفَاءً لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ بِمَا كَانَ عَاهَدَهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَيْقَنُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَنْهُمْ حَتَّى يُنَاجِزَهُمْ، قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الْأَمْرِ مَا تَرَوْنَ، وَإِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا، فَخُذُوا بِمَا شِئْتُمْ مِنْهَا. قَالُوا: وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ: نُتَابِعُ هَذَا الرَّجُلَ وَنُصَدِّقُهُ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ أَنَّهُ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَأَنَّهُ لَلَّذِي تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ، فَتَأْمَنُونَ بِهِ عَلَى دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَنِسَائِكُمْ. قَالُوا: لَا نُفَارِقُ حُكْمَ التَّوْرَاةِ أَبَدًا، وَلَا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ. قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ عَلَيَّ هَذِهِ، فَهَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، ثُمَّ نَخْرُجْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ رِجَالًا مُصْلِتِينَ بِالسُّيُوفِ، لَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا ثَقَلًا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، فَإِنْ نَهْلِكْ نَهْلِكْ وَلَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا نَسْلًا نَخْشَى عَلَيْهِ، وَإِنْ نَظْهَرْ فَلَعَمْرِي لَنَجِدَنَّ النِّسَاءَ وَالْأَبْنَاءَ قَالُوا: أَنَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينَ ؟! فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ ! قَالَ: فَإِنْ أَبَيْتُمْ عَلَيَّ هَذِهِ، فَاللَّيْلَةُ لَيْلَةُ السَّبْتِ، وَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَمِنُونَا فِيهَا، فَانْزِلُوا لَعَلَّنَا نُصِيبُ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ غِرَّةً. قَالُوا: أَنُفْسِدُ سَبْتَنَا وَنُحْدِثُ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ مَنْ كَانَ قَبْلنَا إِلَّا مَنْ قَدْ عَلِمْتَ، فَأَصَابَهُ مَا لَمْ يَخْفَ عَنْكَ مِنَ الْمَسْخِ. فَقَالَ: مَا بَاتَ رَجُلٌ مِنْكُمْ مُنْذُ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنَ الدَّهْرِ حَازِمًا. ثُمَّ إِنَّهُمْ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ - وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَوْسِ - نَسْتَشِيرُهُ فِي أَمْرِنَا. فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ، قَامَ إِلَيْهِ الرِّجَالُ، وَجَهَشَ إِلَيْهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَبْكُونَ فِي وَجْهِهِ، فَرَقَّ لَهُمْ وَقَالُوا: يَا أَبَا لُبَابَةَ، أَتَرَى أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ أَنَّهُ الذَّبْحُ. قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ قَدَمَايَ مِنْ مَكَانِهِمَا، حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي قَدْ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ عَلَى وَجْهِهِ، وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِهِ، وَقَالَ: لَا أَبْرَحُ مَكَانِي حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ مَا صَنَعْتُ. وَعَاهَدَ اللَّهَ أَنْ لَا أَطَأَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا، وَلَا أُرَى فِي بَلَدٍ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ أَبَدًا.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ، فِيمَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ:{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }[الْأَنْفَالِ: 27 ]قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَقَامَ مُرْتَبِطًا سِتَّ لَيَالٍ، تَأْتِيهِ امْرَأَتُهُ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ فَتَحُلُّهُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ ثُمَّ يَرْتَبِطُ، حَتَّى نَزَلَتْ تَوْبَتُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}([1333]) [ التَّوْبَةِ: 12 ]

فلما أشار إليهم أبو لبابة  بالذبح لم ينزلوا على حكم رسول الله ورضوا بالنزول على

حكم سعد بن معاذ لأنه من الأوس وكانوا حلفاءهم .فحكم عليهم بأن تقتل مقاتلتهم وتسبى زراريهم.

روى البخاري عن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدٍ فَأَتَى عَلَى حِمَارٍ فَلَمَّا دَنَا مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَار:ِ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ أَوْ خَيْرِكُمْ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ فَقَالَ: تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ وَتَسْبِي ذَرَارِيَّهُمْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ -وَرُبَّمَا قَالَ-: بِحُكْمِ الْمَلِكِ "  ([1334])

وروى عن هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ(عروة) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ حِبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ وَهُوَ حِبَّانُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ رَمَاهُ فِي الْأَكْحَلِ فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنْ الْغُبَارِ فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ اخْرُجْ إِلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَيْنَ فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَرَدَّ الْحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ قَالَ فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ . قَالَ هِشَامٌ فَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَعْدًا قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجُوهُ ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْءٌ فَأَبْقِنِي لَهُ حَتَّى أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ ، وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتَتِي فِيهَا، فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ فَلَمْ يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ ،فقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا فَمَاتَ مِنْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ([1335]) .ُ

 

وَروى أحمد عن عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ قَالَتْ: خَرَجْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَقْفُو النَّاسَ فَسَمِعْتُ وَئِيدَ الْأَرْضِ وَرَائِي، فَإِذَا أَنَا بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ يَحْمِلُ مِجَنَّهُ. قَالَتْ: فَجَلَسْتُ إِلَى الْأَرْضِ فَمَرَّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ مِنْ حَدِيدٍ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا أَطْرَافُهُ، فَأَنَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أَطْرَافِ سَعْدٍ قَالَتْ: وَكَانَ سَعْدٌ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلِهِمْ، فَمَرَّ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:

لَبِّثْ قَلِيلًا يُدْرِكِ الْهَيْجَا حَمَلْ *** مَا أَحْسَنَ الْمَوْتَ إِذَا حَانَ الْأَجَلْ

قَالَتْ: فَقُمْتُ فَاقْتَحَمْتُ حَدِيقَةً، فَإِذَا نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ تَسْبِغَةٌ لَهُ؛ تَعْنِي الْمِغْفَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا جَاءَ بِكِ، وَاللَّهِ إِنَّكِ لَجَرِيئَةٌ، وَمَا يُؤْمِنُكِ أَنْ يَكُونَ بَلَاءٌ أَوْ يَكُونَ تَحَوُّزٌ. فَمَا زَالَ يَلُومُنِي حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنَّ الْأَرْضَ انْشَقَّتْ لِي سَاعَتَئِذٍ فَدَخَلْتُ فِيهَا فَرَفَعَ الرَّجُلُ التَّسْبِغَةَ عَنْ وَجْهِهِ، فَإِذَا هُوَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: يَا عُمَرُ، وَيْحَكَ، إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ مُنْذُ الْيَوْمِ، وَأَيْنَ التَّحَوُّزُ أَوِ الْفِرَارُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَتْ: وَيَرْمِي سَعْدًا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْعَرِقَةِ وَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ، فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ فَقَطَعَهُ، فَدَعَا اللَّهَ سَعْدٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ. قَالَتْ: وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ وَمَوَالِيَهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَتْ: فَرَقَأَ كَلْمُهُ، وَبَعَثَ اللَّهُ الرِّيحَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ، وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا. فَلَحِقَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ بِتِهَامَةَ، وَلَحِقَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ وَمَنْ مَعَهُ بِنَجْدٍ، وَرَجَعَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ فَتَحَصَّنُوا فِي صَيَاصِيهِمْ، وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَضُرِبَتْ عَلَى سَعْدٍ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَتْ: فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ وَإِنَّ عَلَى ثَنَايَاهُ لَنَقْعُ الْغُبَارِ، فَقَالَ: أَقَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ ؟ لَا وَاللَّهِ مَا وَضَعَتِ الْمَلَائِكَةُ السِّلَاحَ بَعْدُ، اخْرُجْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَاتِلْهُمْ. قَالَتْ: فَلَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأْمَتَهُ، وَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ أَنْ يَخْرُجُوا، فَمَرَّ عَلَى بَنِي غَنْمٍ، وَهُمْ جِيرَانُ الْمَسْجِدِ حَوْلَهُ فَقَالَ: " مَنْ مَرَّ بِكُمْ ؟ ". قَالُوا: مَرَّ بِنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ تُشْبِهُ لِحْيَتُهُ وَسِنُّهُ وَوَجْهُهُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَاصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَلَمَّا اشْتَدَّ حَصْرُهُمْ وَاشْتَدَّ الْبَلَاءُ، قِيلَ لَهُمُ: انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَاسْتَشَارُوا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ الذَّبْحُ، قَالُوا: نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ". فَأُتِيَ بِهِ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ إِكَافٌ مِنْ لِيفٍ، قَدْ حُمِلَ عَلَيْهِ وَحَفَّ بِهِ قَوْمُهُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَمْرٍو، حُلَفَاؤُكَ وَمَوَالِيكَ وَأَهْلُ النِّكَايَةِ وَمَنْ قَدْ عَلِمْتَ قَالَتْ: وَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ، حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ دُورِهِمُ الْتَفَتَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: قَدْ آنَ لِي أَنْ لَا أُبَالِيَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ -

قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمَّا طَلَعَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ فَأَنْزِلُوهُ ". قَالَ عُمَرُ: سَيِّدُنَا اللَّهُ - قَالَ: " أَنْزِلُوهُ ". فَأَنْزَلُوهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْكُمْ فِيهِمْ ". فَقَالَ سَعْدٌ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ ".

ثُمَّ دَعَا سَعْدٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا، وَإِنْ كُنْتَ قَطَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ. قَالَتْ: فَانْفَجَرَ كَلْمُهُ، وَكَانَ قَدْ بَرِئَ حَتَّى لَا يُرَى مِنْهُ إِلَّا مِثْلُ الْخُرْصِ، وَرَجَعَ إِلَى قُبَّتِهِ الَّتِي ضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. قَالَتْ: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ بُكَاءَ عُمَرَ مِنْ بُكَاءِ أَبِي بَكْرٍ وَأَنَا فِي حُجْرَتِي، وَكَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }[ الْفَتْحِ: 29 ] قَالَ عَلْقَمَةُ: فَقُلْتُ: يَا أُمَّهْ، فَكَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ؟ قَالَتْ: كَانَتْ عَيْنُهُ لَا تَدْمَعُ عَلَى أَحَدٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ، فَإِنَّمَا هُوَ آخِذٌ بِلِحْيَتِهِ"([1336])  .

وَفِي هذا الحديث  التَّصْرِيحُ بِدُعَاءِ سَعْدٍ مَرَّتَيْنِ؛ مَرَّةً قَبْلَ حُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَمَرَّةً بَعْدَ ذَلِكَ

فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد حكم سعد فيهم  أن يُقتل من أنبت منهم و من لم يكن أنبت تُرك ، فضرب أعناقهم في خنادق حفرت في سوق المدينة ، و كانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة و قيل : ما بين السبعمائة إلى الثمانمائة .

روى ابْنُ إسْحَاقَ : عَنْ عَطِيّةَ الْقُرَظِيّ ،قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمَرَ أَنْ يُقْتَلَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ كُلّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ ، وَكُنْت غُلَامًا ، فَوَجَدُونِي لَمْ أُنْبِتْ فَخَلّوْا سَبِيلِي" ([1337]) .

وأخرجه الحاكم وغيره عن عطية القرظي قال : عُرضنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم زمن قريظة فمَنْ كان منا محتلمًا أو نبتت عانته قُتِل، فنظروا إليَّ فلم تكن نبَتَتْ عانتي فتُرِكتُ ([1338]) .

و لم يقتل من النساء أحدًا سوى امرأة واحدة .

روى ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَائِشَة َ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَنّهَا قَالَتْ : لَمْ يُقْتَلْ مِنْ نِسَائِهِمْ إلّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ . قَالَتْ: وَاَللّهِ إنّهَا لِعِنْدِي تَحَدّتُ مَعِي ، وَتَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْتُلُ رِجَالَهَا فِي السّوقِ إذْ هَتَفَ هَاتِفٌ بِاسْمِهَا : أَيْنَ فُلَانَةُ ؟ قَالَتْ أَنَا وَاَللّهِ قَالَتْ :قُلْت لَهَا : وَيْلَك ؛ مَا لَك ؟ قَالَتْ أُقْتَلُ . قُلْت : وَلِمَ ؟ قَالَتْ: لِحَدَثِ أَحْدَثْته ؛ قَالَتْ: فَانْطَلَقَ بِهَا ، فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا ؛ فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ فَوَاَللّهِ مَا أَنْسَى عَجَبًا مِنْهَا ، طِيبَ نَفْسِهَا ، وَكَثْرَةَ ضَحِكِهَا ، وَقَدْ عَرَفَتْ أَنّهَا تُقْتَلُ ([1339]).

و قسم صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أموال بني قريظة على المسلمين للراجل سهم و للفارس ثلاثة أسهم و كان في المسلمين يومئذ ستة و ثلاثون فارسًا.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى في هذه الغزوة - مبينًا ما حدث لبني قريظة الذين ظاهروا المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم-.: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}[الأحزاب:25-27]

قَال َابن اسحاق: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اصْطَفَى لِنَفْسِهِ مِنْ نِسَائِهِمْ رَيْحَانَةَ بِنْتَ عَمْرِو بْنِ خُنَافَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ فَكَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى تُوُفّيَ عَنْهَا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرَضَ عَلَيْهَا أَنْ يَتَزَوّجَهَا ، وَيَضْرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ تَتْرُكُنِي فِي مِلْكِك ، فَهُوَ أَخَفّ عَلَيّ وَعَلَيْك ، فَتَرَكَهَا . وَقَدْ كَانَتْ حِينَ سَبَاهَا قَدْ تَعَصّتْ بِالْإِسْلَامِ وَأَبَتْ إلّا الْيَهُودِيّةَ فَعَزَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ لِذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا . فَبَيْنَا هُوَ مَعَ أَصْحَابِهِ إذْ سَمِعَ وَقْعَ نَعْلَيْنِ خَلْفَهُ فَقَالَ إنّ هَذَا لِثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ يُبَشّرُنِي بِإِسْلَامِ رَيْحَانَةَ فَجَاءَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ أَسْلَمَتْ رَيْحَانَةُ فَسَرّهُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا ([1340]).

و لما فرغ منهم استجاب الله دعوة العبد الصالح سعد بن معاذ ، فانفجر جرحه عليه

فمات منه رضي الله عنه كما سبق بيانه في الأحاديث السابقة ، و شيعه رسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمون وهو الذي اهتز له عرش الرحمن فرحًا بقدوم روحه رضي الله عنه ،و قد استشهد يوم الخندق و يوم قريظة نحو العشرة رضي الله عنهم أجمعين ([1341]).

 

فصل: زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها

مع استمرار حركة السرايا والغزوات، وبناء الدولة، وبسط هيبتها في الجزيرة العربية، كانت حركة البناء التشريعي والاجتماعي للأمة الإسلامية تتكامل، فنظام التبني يهدم، والحجاب يفرض، وأدب الولائم يقرر، وضرورة الالتزام بطاعة الله ورسوله يؤكد على وجوبها، وتحارب الأعراف التي تعارض شرع الله تعالى،ففي زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيدة زينب بنت جحش حِكَمٌ ودروسٌ وعبرٌ بقت خالدة على مر العصور وكر الدهور وتوالي الأزمان، حيث كانت متزوجة قبله من مولاه زيد بن حارثة ، وكان زيد قد تبناه الرسول قبل ذلك وكان يدعى زيد بن محمد ثم أبطل الله تعالى التبني في هذه الآونة وحرم الانتساب إلى غير الأب.وذلك في قول الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } [الأحزاب4: 5]. وقال تعالى{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}[ الأحزاب: 40 ] و قال صلى الله عليه وسلم: « فَقَالاَ: سَمِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» ([1342]).

والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حث زينب بنت جحش -وهي ابنة أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم- على الزواج بزيد، وكان في نفسها شيء من ذلك لأنها شريفة قرشية وهو مولى ولكنها وافقت طاعة لرسول الله  لقول الله تعالى:{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا{[الأحزاب (36)] وشاء الله تعالى أن لا يتوافق زيدٌ وزينبُ في زواجهما، وأصبحت حياة الزوجين لا تطاق، وصمم زيد على فراق زوجه زينب، وكان قبل ذلك يشتكي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من عدم استطاعته البقاء مع زينب، ورسول الله يأمره بإمساك زوجه وأن يتقي الله في شأنها، حتى أذن الله بالطلاق فطلقها زيد، وانفصمت العلاقة بينهما بعد أن قضى زيد وطره، وبعد أن مكث معها ما يقرب من سنة([1343])، فأمر الله تعالى نبيه بالزواج من زينب ، قال تعالى:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا * مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا}[الأحزاب:37-38] وقد كانت عادة التبني مستحكمة في نفوس الناس، و أخذت أبعادها مع مرور الزمن فكان زواج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة زينب إلغاءً عمليًّا وليس إلغاء ذهنيًّا فحسب، فالحكمة في زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من السيدة زينب حكمة واضحة وظاهرة، وقد بينها الله تعالى بقوله عز وجل: { لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً } [الأحزاب: 37].

ولما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد: اذهب فاذكرها عليَّ فانطلق قال: فلما رأيتها عظمت في صدري فقلت: يا زينب أبشري أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أؤامر ربي، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن, وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليها بغير إذن([1344]), وأصدقها أربعمائة درهم، وكان زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب في السنة الخامسة على المشهور, وقال الحافظ البيهقي: تزوجها بعد بني قريظة. ([1345])

وفي هذا الزواج شرف عظيم ومنقبة جليلة لزينب رضي الله عنها، كانت تفاخر بها وحق لها ذلك، فعن أنس t قال: فكانت زيْنب تَفْخَرُ على أَزْواجِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، تَقُولُ:زوّجكُنَّ أهاليكُنَّ، وَزَوَّجَني اللهُ تعالى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سماواتٍ.) ([1346])،

ونالت ذلك الشرف جزاءً لها حين أذعنت وخضعت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرها بالزواج من مولاه زيد بن حارثة.

وقد صُنع للنبي صلى الله عليه وسلم وليمة في زواجه بزينب وكانت فيها  علامة من

علامات نبوته ودلالة من دلائلها, وهي تكثير الطعام بدعوته، وفي هذه الوليمة أيضا كان نزول آية حجاب نساء النبي صلى الله عليه وسلم وما شرع من آداب الضيافة. ففي صحيح البخاري عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: " نَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَأَطْعَمَ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَكَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ "([1347])

وروى مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ، قَالَ: فَصَنَعَتْ أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ حَيْسًا، فَجَعَلَتْهُ فِي تَوْرٍ، فَقَالَتْ: يَا أَنَسُ، اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْ: بَعَثَتْ بِهَذَا إِلَيْكَ أُمِّي وَهِيَ تُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَتَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي تُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَتَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «ضَعْهُ»، ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ، فَادْعُ لِي فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا، وَمَنْ لَقِيتَ»، وَسَمَّى رِجَالًا، قَالَ: فَدَعَوْتُ مَنْ سَمَّى، وَمَنْ لَقِيتُ، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: عَدَدَ كَمْ كَانُوا؟ قَالَ: زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ، وَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَنَسُ، هَاتِ التَّوْرَ»، قَالَ: فَدَخَلُوا حَتَّى امْتَلَأَتِ الصُّفَّةُ وَالْحُجْرَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيَتَحَلَّقْ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ، وَلْيَأْكُلْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِمَّا يَلِيهِ»، قَالَ: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، قَالَ: فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ، وَدَخَلَتْ طَائِفَةٌ، حَتَّى أَكَلُوا كُلُّهُمْ، فَقَالَ لِي: «يَا أَنَسُ، ارْفَعْ»، قَالَ: فَرَفَعْتُ، فَمَا أَدْرِي حِينَ وَضَعْتُ كَانَ أَكْثَرَ، أَمْ حِينَ رَفَعْتُ، قَالَ: وَجَلَسَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ يَتَحَدَّثُونَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَزَوْجَتُهُ مُوَلِّيَةٌ وَجْهَهَا إِلَى الْحَائِطِ، فَثَقُلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ رَجَعَ، فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَعَ، ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ثَقُلُوا عَلَيْهِ، قَالَ: فَابْتَدَرُوا الْبَابَ، فَخَرَجُوا كُلُّهُمْ، وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَرْخَى السِّتْرَ، وَدَخَلَ وَأَنَا جَالِسٌ فِي الْحُجْرَةِ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى خَرَجَ عَلَيَّ، وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب: 53] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. قَالَ الْجَعْدُ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَا أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِهَذِهِ الْآيَاتِ. وَحُجِبْنَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"([1348])

وقد حجب رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه لنزول آية الحجاب التي قال المولى عز وجل فيها: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ... }.

وقد كان نزول آية الحجاب من موافقات عمر t، روى أحمد والبخاري في صحيحه عن أنس قال: قال عمر t: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الْحِجَابِ" ([1349]).

وبنزول هذه الآية كان تشريع الحجاب في الإسلام بالنسبة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد عدم إبداء شيء من أجسامهن للأجانب عنهن، وعدم محادثتهن أو طلب شيء منهم إلا من وراء حجاب، أي ستر يكون بينهن وبين غيرهن، ولما نزلت قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب؟. فأنزل الله قوله: { لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَائِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا } [الأحزاب: 55].

ونزل أيضا في شأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم في أدب الخطاب والإقامة في البيوت

قوله تعالى: { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب:32، 33].

وقد فصل سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ما يتعلق بالنساء المسلمات: من غض البصر، وحفظ الفرج، وعدم إبداء مواضع الزينة من عنق وساق وعضد وساعد وشعر، ونحوها من العورة الظاهرة إلا للمحارم([1350]). وقد جاء ذلك في سورة النور، وقد بينت السنة النبوية كل ما يتعلق بالنساء من احتجاب وتصون وتعفف، وعدم السفور والخلاعة والابتذال بما لا مزيد عليه([1351]).

هذه بعض الدروس والعبر استخرجت من قصة زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش, وما واكب ذلك الزواج من نزول آيات بينات في أحكام الحجاب، وما شرع من آداب الضيافة.

باب : بعث عبد الله بن عتيك  إلى قتل أبي رافع :

كان أبو رافع سلام بن أبي الحقيق من يهود بني النضير كثير التحريض على الدولة الإسلامية،حتى إنه جعل لغطفان ومن حولها من قبائل مشركي العرب الجعل العظيم إن هي قامت لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاع أمر أبي رافع وانتشر، وكان ممن ألب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصبح تحريضه على دولة الإسلام من الأخطار التي يجب أن يوضع لها الحد

ورغبت الخزرج في قتله طلبًا لمساواة الأوس -الذين قتلوا كعب بن الأشرف- في الأجر .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، عن عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: وَكَانَ مِمّا صَنَعَ اللّهُ بِهِ لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ هَذَيْنِ الْحَيّيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَالْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، كَانَا يَتَصَاوَلَانِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ لَا تَصْنَعُ الْأَوْسُ شَيْئًا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَنَاءً إلّا قَالَتْ الْخَزْرَجُ : وَاَللّهِ لَا تَذْهَبُونَ بِهَذِهِ فَضْلًا عَلَيْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفِي الْإِسْلَامِ . قَالَ: فَلَا يَنْتَهُونَ حَتّى يُوقِعُوا مِثْلَهَا ؛ وَإِذَا فَعَلَتْ الْخَزْرَجُ شَيْئًا قَالَتْ الْأَوْسُ مِثْلَ ذَلِكَ . وَلَمّا أَصَابَتْ الْأَوْسَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ فِي عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ الْخَزْرَجُ : وَاَللّهِ لَا تَذْهَبُونَ بِهَا فَضْلًا عَلَيْنَا أَبَدًا ، قَالَ فَتَذَاكَرُوا : مَنْ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَدَاوَةِ كَابْنِ الْأَشْرَفِ ؟ فَذَكَرُوا ابْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ ، وَهُوَ بِخَيْبَرِ فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَتْلِهِ فَأَذِنَ لَهُمْ .فَخَرَجَ إلَيْهِ مِنْ الْخَزْرَجِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ خَمْسَةُ نَفَرٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَتِيكٍ ، وَمَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ ، وَأَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيّ ، وَخُزَاعِيّ بْنُ أَسْوَدَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَسْلَمَ . فَخَرَجُوا، وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَتِيكٍ ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَقْتُلُوا وَلِيدًا أَوْ امْرَأَةً ، فَخَرَجُوا حَتّى إذَا قَدِمُوا خَيْبَرَ ، أَتَوْا دَارَ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ لَيْلًا ، فَلَمْ يَدْعُوَا بَيْتًا فِي الدّارِ إلّا أَغْلَقُوهُ عَلَى أَهْلِهِ . قَالَ وَكَانَ فِي عِلّيّةٍ لَهُ إلَيْهَا عَجَلَةٌ قَالَ فَأَسْنَدُوا فِيهَا ، حَتّى قَامُوا عَلَى بَابِهِ فَاسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِ فَخَرَجَتْ إلَيْهِمْ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ مَنْ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا : نَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ نَلْتَمِسُ الْمِيرَةَ . قَالَتْ ذَاكُمْ صَاحِبكُمْ فَادْخُلُوا عَلَيْهِ قَالَ فَلَمّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ أَغْلَقْنَا عَلَيْنَا وَعَلَيْهَا الْحُجْرَةَ تَخَوّفًا أَنْ تَكُونَ دُونَهُ مُجَاوَلَةٌ تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَالَتْ : فَصَاحَتْ امْرَأَتُهُ فَنَوّهَتْ بِنَا وَابْتَدَرْنَاهُ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِهِ بِأَسْيَافِنَا ، فَوَاَللّهِ مَا يَدُلّنَا عَلَيْهِ فِي سَوَادِ اللّيْلِ إلّا بَيَاضُهُ كَأَنّهُ قُبْطِيّةٌ مُلْقَاةٌ . قَالَ: وَلَمّا صَاحَتْ بِنَا امْرَأَتُهُ جَعَلَ الرّجُلُ مِنّا يَرْفَعُ عَلَيْهَا سَيْفَهُ ثُمّ يَذْكُرُ نَهْيَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَكُفّ يَدَهُ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَرَغْنَا مِنْهَا بِلَيْلٍ . قَالَ : فَلَمّا ضَرَبْنَاهُ بِأَسْيَافِنَا تَحَامَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ فِي بَطْنِهِ حَتّى أَنْفَذَهُ وَهُوَ يَقُولُ قَطْنِي قَطْنِي : أَيْ حَسْبِي حَسْبِي . قَالَ وَخَرَجْنَا ، وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَتِيكٍ رَجُلًا سَيّئَ الْبَصَرِ قَالَ: فَوَقَعَ مِنْ الدّرَجَةِ فَوُثِئَتْ يَدُهُ وَثْئًا شَدِيدًا - وَيُقَالُ رِجْلُهُ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَحَمَلْنَاهُ حَتّى نَأْتِيَ بِهِ مَنْهَرًا مِنْ عُيُونِهِمْ فَنَدْخُلَ فِيهِ . قَالَ فَأَوْقَدُوا النّيرَانَ وَاشْتَدّوا فِي كُلّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَنَا ، قَالَ: حَتّى إذَا يَئِسُوا رَجَعُوا إلَى صَاحِبِهِمْ فَاكْتَنَفُوهُ وَهُوَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ . قَالَ فَقُلْنَا : كَيْفَ لَنَا بِأَنْ نَعْلَمَ بِأَنّ عَدُوّ اللّهِ قَدْ مَاتَ ؟ قَالَ : فَقَالَ رَجُلٌ مِنّا : أَنَا أَذْهَبُ فَأَنْظُرُ لَكُمْ فَانْطَلَقَ حَتّى دَخَلَ فِي النّاسِ . قَالَ: فَوَجَدْت امْرَأَتَهُ وَرِجَالَ يَهُودَ حَوْلَهُ وَفِي يَدِهَا الْمِصْبَاحُ تَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ وَتُحَدّثُهُمْ وَتَقُولُ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ ابْنِ عَتِيكٍ ثُمّ أَكْذَبْتُ نَفْسِي وَقُلْت : أَنّى ابْنُ عَتِيكٍ بِهَذِهِ الْبِلَادِ ؟ ثُمّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ تَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ ، ثُمّ قَالَتْ: فَاظَ وَإِلَهِ يَهُودَ ، فَمَا سَمِعْتُ مِنْ كَلِمَةٍ كَانَتْ أَلَذّ إلَى نَفْسِي مِنْهَا . قَالَ : ثُمّ جَاءَنَا الْخَبَرُ فَاحْتَمَلْنَا صَاحِبَنَا فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوّ اللّهِ ، وَاخْتَلَفْنَا عِنْدَهُ فِي قَتْلِهِ كُلّنَا يَدّعِيهِ . قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : هَاتُوا أَسْيَافَكُمْ قَالَ فَجِئْنَاهُ بِهَا ، فَنَظَرَ إلَيْهَا فَقَالَ لَسَيْفُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ : هَذَا قَتَلَهُ أَرَى فِيهِ أَثَرَ الطّعَامِ [1352] .

وقد ورد من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري به[1353] .والخبر وإن كان صحيح الإسناد إلا أنه مرسل . و هو مرجوح بما جاء متصلاً في الصحيح أن الذي قتله هو عبد الله بن عتيك وليس عبد الله بن أنيس .

قال البخاري :بَاب قَتْلِ أَبِي رَافِعٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَيُقَالُ: سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ كَانَ بِخَيْبَرَ وَيُقَالُ: فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: هُوَ بَعْدَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ [1354]

ثم روى البخاري عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا إِلَى أَبِي رَافِعٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلًا وَهُوَ نَائِمٌ فَقَتَلَهُ [1355]  .

ثم رواه مطولاً عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعِينُ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ وَقَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَرَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَصْحَابِهِ: اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ وَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنْ الْبَابِ ، ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ:   يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ فَادْخُلْ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ، فَدَخَلْتُ فَكَمَنْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ أَغْلَقَ الْبَابَ ثُمَّ عَلَّقَ الْأَغَالِيقَ عَلَى وَتَدٍ، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَى الْأَقَالِيدِ فَأَخَذْتُهَا، فَفَتَحْتُ الْبَابَ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ ، وَكَانَ فِي عَلَالِيَّ لَهُ ، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ صَعِدْتُ إِلَيْهِ فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا أَغْلَقْتُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ، قُلْتُ: إِنْ الْقَوْمُ نَذِرُوا بِي لَمْ يَخْلُصُوا إِلَيَّ حَتَّى أَقْتُلَهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيَالِهِ لَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِنْ الْبَيْتِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ قَالَ: مَنْ هَذَا ؟ فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ وَأَنَا دَهِشٌ ، فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا ، وَصَاحَ، فَخَرَجْتُ مِنْ الْبَيْتِ فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ ؟ فَقَالَ: لِأُمِّكَ الْوَيْلُ إِنَّ رَجُلًا فِي الْبَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ بِالسَّيْفِ ، قَالَ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ وَلَمْ أَقْتُلْهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ ظِبَةَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ ، فَعَرَفْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الْأَبْوَابَ بَابًا بَابًا، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ فَوَضَعْتُ رِجْلِي وَأَنَا أُرَى أَنِّي قَدْ انْتَهَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ فَوَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ ، فَانْكَسَرَتْ سَاقِي فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى الْبَابِ فَقُلْتُ: لَا أَخْرُجُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ أَقَتَلْتُهُ؟ فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ قَامَ النَّاعِي عَلَى السُّورِ فَقَالَ : أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ النَّجَاءَ ،  فَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ أَبَا رَافِعٍ ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ : ابْسُطْ رِجْلَكَ فَبَسَطْتُ رِجْلِي فَمَسَحَهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتَكِهَا قَطّ ُ" [1356] .

وفي روية أخرى له عن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ فِي نَاسٍ مَعَهُمْ فَانْطَلَقُوا حَتَّى دَنَوْا مِنْ الْحِصْنِ فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ امْكُثُوا أَنْتُمْ حَتَّى أَنْطَلِقَ أَنَا فَأَنْظُرَ، قَالَ: فَتَلَطَّفْتُ أَنْ أَدْخُلَ الْحِصْنَ فَفَقَدُوا حِمَارًا لَهُمْ قَالَ فَخَرَجُوا بِقَبَسٍ يَطْلُبُونَهُ قَالَ فَخَشِيتُ أَنْ أُعْرَفَ قَالَ فَغَطَّيْتُ رَأْسِي وَجَلَسْتُ كَأَنِّي أَقْضِي حَاجَةً ثُمَّ نَادَى صَاحِبُ الْبَابِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ فَلْيَدْخُلْ قَبْلَ أَنْ أُغْلِقَهُ فَدَخَلْتُ ثُمَّ اخْتَبَأْتُ فِي مَرْبِطِ حِمَارٍ عِنْدَ بَابِ الْحِصْنِ ، فَتَعَشَّوْا عِنْدَ أَبِي رَافِعٍ وَتَحَدَّثُوا حَتَّى ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ ، فَلَمَّا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ وَلَا أَسْمَعُ حَرَكَةً خَرَجْتُ قَالَ : وَرَأَيْتُ صَاحِبَ الْبَابِ حَيْثُ وَضَعَ مِفْتَاحَ الْحِصْنِ فِي كَوَّةٍ ، فَأَخَذْتُهُ فَفَتَحْتُ بِهِ بَابَ الْحِصْنِ قَالَ قُلْتُ: إِنْ نَذِرَ بِي الْقَوْمُ انْطَلَقْتُ عَلَى مَهَلٍ ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ فَغَلَّقْتُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ ظَاهِرٍ  ، ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى أَبِي رَافِعٍ فِي سُلَّمٍ فَإِذَا الْبَيْتُ مُظْلِمٌ قَدْ طَفِئَ سِرَاجُهُ فَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ الرَّجُلُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ قَالَ : مَنْ هَذَا  ؟ قَالَ :فَعَمَدْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ وَصَاحَ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ كَأَنِّي أُغِيثُهُ فَقُلْتُ : مَا لَكَ يَا أَبَا رَافِعٍ ، وَغَيَّرْتُ صَوْتِي ، فَقَالَ : أَلَا أُعْجِبُكَ لِأُمِّكَ الْوَيْلُ دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ ، قَالَ : فَعَمَدْتُ لَهُ أَيْضًا فَأَضْرِبُهُ أُخْرَى فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا فَصَاحَ وَقَامَ أَهْلُهُ قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ ، وَغَيَّرْتُ صَوْتِي كَهَيْئَةِ الْمُغِيثِ، فَإِذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَأَضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ أَنْكَفِئُ عَلَيْهِ حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَ الْعَظْمِ ، ثُمَّ خَرَجْتُ دَهِشًا حَتَّى أَتَيْتُ السُّلَّمَ أُرِيدُ أَنْ أَنْزِلَ فَأَسْقُطُ مِنْهُ ، فَانْخَلَعَتْ رِجْلِي فَعَصَبْتُهَا ثُمَّ أَتَيْتُ أَصْحَابِي أَحْجُلُ فَقُلْتُ انْطَلِقُوا فَبَشِّرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ ، فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ صَعِدَ النَّاعِيَةُ فَقَالَ: أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ ، قَالَ: فَقُمْتُ أَمْشِي مَا بِي قَلَبَةٌ فَأَدْرَكْتُ أَصْحَابِي قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَشَّرْتُه " [1357].

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [1358]: فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ يَذْكُرُ قَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَقَتْلَ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ

لِلّهِ دَرّ عِصَـابَـةٍ لَاقَيْتَهُــمْ ... يَا بْنَ الْحُقَيْقِ وَأَنْتَ يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ

يَسْرُونَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ إلَيْكُمْ ... مَرَحًــا كَأُسْـدٍ فِي عَرِينٍ مُغْرِفِ

حَتّى أَتَوْكُمْ فِي مَحِلّ بِلَادِكُـمْ ... فَسَـقَوْكُمْ حَتْفــًا بِبِيضِ ذُفّـفِ

مُسْتَبْصِرِينَ لِنَصْرِ دِيـنِ نَبِيّهِمْ ... مُسْتَصْغـِرِيـنَ لِكُلّ أَمـْرٍ مُجْحِفٍ[1359]

 

باب: غزوة بني لحيان

ثم خرج صلى الله عليه و سلم بعد قريظة بستة أشهر و ذلك في جمادى الأولى من السنة السادسة على الصحيح قاصدًا بني لحيان ليأخذ ثأر أصحاب الرجيع المتقدم ذكرهم . وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ[1360]: .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَسَلَكَ عَلَى غُرَابٍ ، جَبَلٍ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِهِ إلَى الشّامِ ، ثُمّ عَلَى مَحِيصٍ ، ثُمّ عَلَى الْبَتْرَاءِ ، ثُمّ صَفّقَ ذَاتَ الْيَسَارِ فَخَرَجَ عَلَى بَيْنٍ ثُمّ عَلَى صُخَيْرَاتِ الْيَمَامِ ، ثُمّ اسْتَقَامَ بِهِ الطّرِيقُ عَلَى الْمَحَجّةِ مِنْ طَرِيقِ مَكّةَ ، فَأَغَذّ السّيْرَ سريعًا حتى نَزَلَ عَلَى غُرَانَ ، وَهِيَ مَنَازِلُ بَنِي لِحْيَانٍ ، وَغُرَانُ وَادٍ بَيْنَ أَمَجّ وَعُسْفَانَ ، إلَى بَلَدٍ يُقَالُ لَهُ سَايَةُ ، فَوَجَدَهُمْ قَدْ حَذِرُوا وَتَمَنّعُوا فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ . فَلَمّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَخْطَأَهُ مِنْ غِرّتِهِمْ مَا أَرَادَ قَالَ لَوْ أَنّا هَبَطْنَا عُسْفَانَ لَرَأَى أَهْلُ مَكّةَ أَنّا قَدْ جِئْنَا مَكّةَ ، فَخَرَجَ فِي مِئَتَيْ رَاكِبٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتّى نَزَلَ عُسْفَانَ ، ثُمّ بَعَثَ فَارِسَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتّى بَلَغَا كُرَاعَ الْغَمِيمِ ، ثُمّ كَرّ وَرَاحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَافِلًا .

فَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ حِينَ وَجّهَ رَاجِعًا : آيِبُونَ تَائِبُونَ إنْ شَاءَ اللّهُ لِرَبّنَا حَامِدُونَ أَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ

قال ابن إسحاق:فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ :

لَوْ أَنّ بَنِي لِحْيَانَ كَانُوا تَنَاظَرُوا ... لَقُوا عُصَبًا فِي دَارِهِمْ ذَاتَ مَصْدَقِ

لَقُوا سَرَعَانًا يَمْلَأُ السّرْبَ رَوْعُهُ ... أَمَامَ طَحُونٍ كَالْمَجَرّةِ فَيْلَقِ

وَلَكِنّهُمْ كَانُوا وِبَارًا تَتَبّعَتْ ... شِعَابَ حِجَازٍ غَيْرِ ذِي مُتَنَفّقِ [1361] .

باب: سرية محمد بن مسلمة إلى بني القرطاء

 

كانت العشائر النجدية من أجرأ العناصر البدوية الوثنية على المسلمين؛ وكانوا أهل قوة وبأس وعدد غامر، وقد رأينا كيف أن العمود الفقري لقوات الأحزاب كان من هذه القبائل النجدية، من غطفان وأشجع وأسلم وفزارة وأسد.

وهذه السرية أول حملة عسكرية وجهها النبي صلى الله عليه وسلم لتأديب خصومه بعد غزوة الأحزاب ، جردها على القبائل النجدية من بني بكر بن كلاب الذين كانوا يقطنون القرطاء بناحية ضربة([1362]), على مسافة سبع ليالٍ من المدينة.

فبعد الانتهاء مباشرة من القضاء على يهود بني قريظة وجه صلى الله عليه وسلم في العاشر من محرم من السنة السادسة للهجرة([1363]) سرية من ثلاثين من أصحابه عليهم محمد بن مسلمة لشن الغارة على بني القرطاء من قبيلة بكر بن كلاب، وذلك وقد داهموهم على حين غرة فقتلوا منهم عشرة وفر الباقون, وغنم المسلمون إبلهم وماشيتهم. وفي طريق عودتهم أسروا ثمامة بن أثال الحنفي سيد بني حنيفة، وهم لا يعرفونه فقدموا به المدينة وربطوه بسارية من سواري المسجد، روى أحمد والبخاري ومسلم عن سَعِيدٌ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: " مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " قَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ، قَالَ لَهُ: " مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ([1364])، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: " مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْطَلِقُوا بِثُمَامَةَ "، فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ  أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، يَا مُحَمَّدُ، وَاللهِ  مَا كَانَ عَلَى وَجْهٌ الْأَرْضِ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وْوَاللهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ  إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَأْتَ، فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا وَاللهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "([1365])

وقد أبر ثمامة بقسمه مما دفع وجوه مكة إلى أن يكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة ليخلي لهم حمل الطعام,كما تبينه رواية أخرى- في المسند- لهذا الحديث وفيها زيادة"... فَأَتَى الْيَمَامَةَ، حَبَسَ عَنْهُمْ، فَضَجُّوا وَضَجِرُوا، فَكَتَبُوا: تَأْمُرُ بِالصِّلَةِ  ؟ قَالَ: وَكَتَبَ إِلَيْهِ "([1366]) أي استجاب النبي صلى الله عليه وسلم لرجاء قومه بالرغم أنه في حالة حرب معهم، وكتب إلى ثمامة سيد بني حنيفة: أن خَلِّ بينهم وبين ميرتهم، فامتثل ثمامة أمر نبيه، وسمح لبني حنيفة باستئناف إرسال المحاصيل إلى مكة, فارتفع عن أهلها كابوس المجاعة.([1367]).

 

بَاب :سرية أبي عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ إلى ُسِيفِ الْبَحْرِ

يذكرها بعض أهل المغازي قبل فتح مكة والمناسب أن تكون قبل صلح الحديبية لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثهم بقيادة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ليَتَلَقَّوْنَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ . فلا يصلح أن تكون في وقت الهدنة المشروطة في الحديبية.

روى البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ:

بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلَاثُ مِائَةٍ فَخَرَجْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ الْجَيْشِ فَجُمِعَ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ فَكَانَ يَقُوتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلٌ قَلِيلٌ حَتَّى فَنِيَ فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلَّا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ فَقُلْتُ مَا تُغْنِي عَنْكُمْ تَمْرَةٌ فَقَالَ لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ، ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ فَأَكَلَ مِنْهَا الْقَوْمُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَا ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا" [1368]

ورواه أيضًا عنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِائَةِ رَاكِبٍ أَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ نَرْصُدُ عِيرَ قُرَيْشٍ فَأَقَمْنَا بِالسَّاحِلِ نِصْفَ شَهْرٍ فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْجَيْشُ جَيْشَ الْخَبَطِ فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ ، وَادَّهَنَّا مِنْ وَدَكِهِ حَتَّى ثَابَتْ إِلَيْنَا أَجْسَامُنَا، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنَصَبَهُ فَعَمَدَ إِلَى أَطْوَلِ رَجُلٍ مَعَهُ - قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنَصَبَهُ وَأَخَذَ رَجُلًا وَبَعِيرًا فَمَرَّ تَحْتَهُ- قَالَ جَابِرٌ :وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ وَكَانَ عَمْرٌو يَقُولُ أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ لِأَبِيهِ كُنْتُ فِي الْجَيْشِ فَجَاعُوا قَالَ: انْحَرْ قَالَ نَحَرْتُ قَالَ ثُمَّ جَاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نَحَرْتُ قَالَ ثُمَّ جَاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نَحَرْتُ ثُمَّ جَاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ: نُهِيتُ" [1369]

ورواه من طريق آخر عن عَمْرٌو أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: غَزَوْنَا جَيْشَ الْخَبَطِ وَأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا، فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ نَرَ مِثْلَهُ يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ فَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ :كُلُوا ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ فَأَكَلَهُ". [1370]

*                   *                     *

.

أبواب : غزوة الحديبية

باب تاريخ خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية  وسببه

و لما كان ذو القعدة من السنة السادسة خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من المدينة بأصحابه متوجهًا إلى مكة لأداء العمرة ، قال البيهقي:وإليه ذهب الزهري وقتادة ، وموسى بن عقبة ، ومحمد بن إسحاق بن يسار ، وغيرهم واختلف فيه على عروة بن الزبير

فروى البيهقي  عن عروة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية في رمضان ، وكانت الحديبية في شوال[1371]. وروى من طريق آخر عن عروة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تجهز يريد العمرة وتجهز معه ناس كثير ، وذلك في ذي القعدة من سنة ست[1372] .

ولاشك أنها في ذي القعدة كما جاء في الصحيحين .وذُكر أن خروجه من المدينة كان في يوم الإثنين الأول من ذي القعدة .

روى البخاري ومسلم عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ قَالَ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلَّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَّا الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ، وَعُمْرَةً مِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِه"[1373] .

ِوكان سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا في منامه وهو في المدينة، وملخصها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أنه قد دخل مكة مع أصحابه المسلمين محرمًا مؤديًا للعمرة، وقد ساق الهدي معظمًا للبيت مقدسًا له، فبشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ففرحوا بها فرحًا عظيمًا, فقد طال عهدهم بمكة ، وقد تاقت نفوسهم إلى الطواف حولها، وتطلعت إليها تطلعًا شديدًا، وكان المهاجرون أشدهم حنينًا إلى مكة، فقد ولدوا ونشأوا فيها وأحبوها حبًّا شديدًا، وقد حيل بينهم وبينها، فلما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، تهيأوا لتلك الزيارة العظيمة، وهذه الرؤيا هي المذكورة في قول الله تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا}[الفتح:27]

واستنفر صلى الله عليه وسلم أهل البوادي والأعراب ليخرجوا معه .وانتشر خبر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وكان هدف النبي صلى الله عليه وسلم معلنًا ألا وهو زيارة بيت الله الحرام لأداء العمرة، وأنه لا يريد حربًا ،فتجرد هو وأصحابه من المخيط، ولبسوا ثياب الإحرام، وأحرم بالعمرة من ذي الحليفة بعد أن قلد الهدي وأشعره([1374]).

روى البخاري عن أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ ، وَلَمْ أُحْرِم ْ([1375])

 

باب: عدد مَن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية

كان عددهم ألف و خمسمائة و قيل : و أربعمائة ، و قيل : و ثلاثمائة و قيل : غير ذلك مما يزيد على الألف ، فأما ما جاء من أنه خرج في سبعمائة فقط ْ([1376]) فهو غلط .ومردود بالروايات الثابتة في الصحيح .

روى البخاري عَنْ قَتَادَةَ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ بَلَغَنِي أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ: كَانُوا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً فَقَالَ لِي سَعِيدٌ حَدَّثَنِي جَابِرٌ :كَانُوا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً ، الَّذِينَ بَايَعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ"[1377] .

وروى البخاري عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وَثَلَاثَ مِائَةٍ وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمْنَ الْمُهَاجِرِينَ"[1378] .ُ

 

باب: محاولة كفار مكة صد رسول الله عن دخولها، وقد جاء محرمًا .

لما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه إلى عسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي الخزاعي، فقال: يا رسول الله، هذه قريش قد سمعت بمسيرك ومعها العوذ المطافيل([1379])، قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله ألا تدخلها عليهم عنوة أبدًا([1380])  .

ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشًا جمعوا الأحابيش وقد خرجت تعترض طريقه وتنصب كمينًا له ولأصحابه بقيادة خالد بن الوليد، فاستشار صلى الله عليه وسلم أصحابه في هذا الأمر ،  فأشار عليه أبو بكر ،أن يمضي لما جاء له ،فإن صدونا قاتلناهم ، عندئذٍ لم يقرر صلى الله عليه وسلم المصادمة، ورأى أن يغير طريقه تفاديًا للصدام مع المشركين، فخالف الطريق وانتهى صلى الله عليه و سلم إلى الحديبية

روى البخاري عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَا: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ ، وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ أَتَاهُ عَيْنُهُ قَالَ إِنَّ قُرَيْشًا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنْ الْبَيْتِ وَمَانِعُوكَ .

فَقَالَ : أَشِيرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ ، أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إِلَى عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنْ الْبَيْتِ، فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، وَإِلَّا تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا الْبَيْتِ لَا تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ وَلَا حَرْبَ أَحَدٍ فَتَوَجَّهْ لَهُ ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ ، قَالَ: امْضُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ"[1381]

 

وروى البخاري عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةٌ فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ فَوَاللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُمْ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَقَالَ النَّاسُ حَلْ حَلْ فَأَلَحَّتْ فَقَالُوا خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ ، قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ حَتَّى نَزَحُوهُ وَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَطَشُ فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ - وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ- فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَعَهُمْ الْعُوذُ"[1382]

وقد نفد الماء من بئر الحديبية فأظهر الله لهم معجزة على يد نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الغزوة .

روى البخاري: عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ تَعُدُّونَ أَنْتُمْ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا فَلَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهَا فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ مَضْمَضَ وَدَعَا ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا فَتَرَكْنَاهَا غَيْرَ بَعِيدٍ ، ثُمَّ إِنَّهَا أَصْدَرَتْنَا مَا شِئْنَا، نَحْنُ وَرِكَابَنَا"[1383]

ثم روى عن الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَنَزَلُوا عَلَى بِئْرٍ فَنَزَحُوهَا فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى الْبِئْرَ وَقَعَدَ عَلَى شَفِيرِهَا ثُمَّ قَالَ ائْتُونِي بِدَلْوٍ مِنْ مَائِهَا فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ فَدَعَا ثُمَّ قَالَ دَعُوهَا سَاعَةً فَأَرْوَوْا أَنْفُسَهُمْ وَرِكَابَهُمْ حَتَّى ارْتَحَلُوا "[1384] .

ثم روى عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا ثُمَّ أَقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكُمْ ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا نَشْرَبُ إِلَّا مَا فِي رَكْوَتِكَ قَالَ فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ قَالَ فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا فَقُلْتُ لِجَابِرٍ : كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ ؟قَالَ : لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا ،كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً " [1385] .

ومما حدث في أثناء هذه الغزوة أن أصابهم مطر فأخبرهم النبي بما قاله الله تعالى لعباده على إثر ذلك.

كما في الصحيح عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ : أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي"[1386]

باب: بعث عثمان إلى أهل مكة

و قد كان صلى الله عليه و سلم  بعث عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أهل مكة يعلمهم أنه لم يأتِ لقتال أحد و إنما جاء معتمرًا فكان من سيادة عثمان رضي الله عنه أنه عرض عليه المشركون الطواف بالبيت فأبى عليهم و قال : لا أطوف بها قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم .واحتبسته قريش عندها، و لم يرجع رضي الله عنه حتى بلغ النبي صلى الله عليه و سلم والمسلمين أنه قد قُتل عثمان  فحمي لذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم دعا أصحابه إلى البيعة([1387])  فبايعوه على الموت وفي رواية على الصبر وفي أخرى على عدم الفرار ،ولا تعارض فمن بايع على الموت فقد بايع على الصبر وعدم الفرار فبايعوه تحت شجرة هناك- و كانت سمرة -.

روى البخاري عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ"[1388]

وكان عدة من بايعه هناك جملة من قدمنا أنه خرج معه إلى الحديبية ، كلهم بايع إلا الجد بن قيس-صاحب الجمل الأحمر- فإنه كان قد استتر ببعير له نفاقًا منه و خذلانًا و إلا أبا سريحة حذيفة بن أسيد فإنه شهد الحديبية و قيل : إنه لم يبايع و قيل : بل بايع

إن أول من بايع([1389]) يومئذ أبو سنان الأسدي : و هب بن محصن -أخو عكاشة بن محصن- و قيل : ابنه سنان بن أبي سنان ، و بايع سلمة بن الأكوع رضي الله عنه يومئذ ثلاث مرات- مرة في أول الناس ومرة في وسطهم ومرة في آخرهم - وذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم له- كما رواه مسلم عنه وسيأتي بعد- ، وبايع  صلى الله عليه وسلم لعثمان فضرب بإحدى يديه الكريمتين على الأخرى وقال: هذه عن عثمان. فكان ذلك أجل من شهود عثمان تلك البيعة . وهذه البيعة هي التي تسمى بيعة الرضوان لأن الله تعالى رضي عن الذين بايعوا هذه البيعة كما حكاه القرآن ،وهذه منقبة عظيمة لهم .ويدل عليه الآتي:

باب: فضل من بايع تحت الشجرة

قال تعالى في شأنهم: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[الفتح:10] وقال { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا }[ الفتح:18]

وروى أحمد عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) [1390]

وروى مسلم عن أَبُي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِى أُمُّ مُبَشِّرٍ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ « لاَ يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ. الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا ». قَالَتْ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَانْتَهَرَهَا فَقَالَتْ حَفْصَةُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [مريم : 71 ]  فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:{ ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا }[مريم : 72 ] [1391]

وروى البخاري عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ: ( أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ ) وَكُنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ وَلَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ الْيَوْمَ لَأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَةِ "[1392]

وروى الترمذي عن جابر : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ( ليدخلن الجنة من بايع تحت الشجرة إلا صاحب الجمل الأحمر ) [1393]

وقد قيل أن الشجرة التي تمت عندها البيعة قُطِعت في عهد أمير المؤمنين عمر- حتى لا يُفتن الناس بها_ ولكن قد جاء في الصحيح ما يرد ذلك ويبين أنها قد عُمّيت على الصحابة ولم يستطيعوا معرفتها.وبذلك أيضًا تؤمن الفتنة .

فقد روى البخاري عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: انْطَلَقْتُ حَاجًّا فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ قُلْتُ: مَا هَذَا الْمَسْجِدُ ؟ قَالُوا : هَذِهِ الشَّجَرَةُ حَيْثُ بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ . فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ سَعِيدٌ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ قَالَ :فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ نَسِينَاهَا فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهَا فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمُوهَا وَعَلِمْتُمُوهَا أَنْتُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ [1394] .

باب: السفراء بين الرسول وقريش

بذل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وسعه لإفهام قريش أنه لا يريد حربًا معهم، وإنما يريد زيارة البيت الحرام وتعظيمه وهو حق للمسلمين، كما هو حق لغيرهم، وعندما تأكدت قريش من ذلك أرسلت إليه من يفاوضه، ويتعرف على قوة المسلمين ومدى عزمهم على القتال إذا أُلجئوا إليه، وطمعًا في صد المسلمين عن البيت بالطرق السلمية من جهة ثالثة .

فجاءه بديل بن ورقاء الخزاعي كما في حديث البخاري،وقد مضى وسيأتي بتمامه، فأخبره الرسول بما خرج له ، فأخبرقريشًا بذلك ، ولكنها لم تقنع  فأرسلت بعده عروة بن مسعود الثقفي ،ورأى عروة كيف يحب الصحابة رسول الله وعظمونه فعادإليهم وأخبرهم بأن النبي يريد العمرة وقد جاءكم بخطة رشد فاقبلوها.ثم أرسلوا الحلس بن علقمة  ثم مكرز بن حفص ثم سهيل بن عمرو،وهو الذي أبرم الصلح مع رسول الله .

فصالحه سهيل على:

1- أن يرجع عنهم عامهم هذا و أن يعتمر من العام المقبل - على أن لا يدخل مكة ألا في جلبان السلاح وأن لا يقيم عندهم أكثر من ثلاثة أيام- ووضعوا شروط الصلح،

2- و على أن يأمن الناس بينهم و بينه عشر سنين . وكانت هذه الهدنة من أكبر الفتوحات للمسلمين

3- وعلى أنه من شاء دخل في عقد رسول الله صلى الله عليه و سلم و من شاء دخل في عقد قريش

4- و على أنه لا يأتيه أحد منهم وإن كان مسلمًا إلا رده إليهم و إن ذهب أحد من المسلمين إليهم لا يردونه إليه .

فأجابه صلى الله عليه و سلم إلى ما سأل لما جعل الله عز وجل في ذلك من المصلحة و البركة ، وأمر النبي علي بن أبي طالب أن يكتب ما تصالحا عليه فكتب ، وحدثت بعض الاعتراضات أثناء الكتابة كما سيأتي في الحديث، وكره هذه الشروط جماعة من الصحابة رضي الله عنهم – ظنًا منهم أن فيها ظلمًا للمسلمين - وكان منهم : عمر بن الخطاب رضي الله عنه فراجع النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك فكان جوابه صلى الله عليه و سلم أنه عبد الله و رسوله و ليس يضيعه وهو ناصره، وراجع أبا بكر فأجابه الصديق رضي الله عنه بنفس الجواب،

وقد استقصى البخاري حديث صلح الحديبية في صحيحه .عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةٌ فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ فَوَاللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُمْ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَقَالَ النَّاسُ حَلْ حَلْ فَأَلَحَّتْ فَقَالُوا: خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ قَالَ فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ حَتَّى نَزَحُوهُ وَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَطَشُ فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ - وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ - فَقَالَ إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَعَهُمْ الْعُوذ  الْمَطَافِيلُ وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنْ الْبَيْتِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمْ الْحَرْبُ وَأَضَرَّتْ بِهِمْ فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ فَإِنْ أَظْهَرْ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي وَلَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ فَقَالَ بُدَيْلٌ سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ قَالَ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا قَالَ إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ لَا حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ وَقَالَ ذَوُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ أَيْ قَوْمِ أَلَسْتُمْ بِالْوَالِدِ قَالُوا بَلَى قَالَ أَوَلَسْتُ بِالْوَلَدِ قَالُوا بَلَى قَالَ فَهَلْ تَتَّهِمُونِي قَالُوا لَا قَالَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظَ فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي قَالُوا بَلَى قَالَ فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ لَكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ اقْبَلُوهَا وَدَعُونِي آتِيهِ قَالُوا ائْتِهِ فَأَتَاهُ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ أَيْ مُحَمَّدُ أَرَأَيْتَ إِنْ اسْتَأْصَلْتَ أَمْرَ قَوْمِكَ هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَهْلَهُ قَبْلَكَ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى فَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى وُجُوهًا وَإِنِّي لَأَرَى أَوْشَابًا مِنْ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ امْصُصْ بِبَظْرِ اللَّاتِ أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ فَقَالَ مَنْ ذَا قَالُوا أَبُو بَكْرٍ قَالَ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ قَالَ وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُلَّمَا تَكَلَّمَ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ وَقَالَ لَهُ أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا؟ قَالُوا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَقَالَ أَيْ غُدَرُ أَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ ، وَكَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنَيْهِ قَالَ فَوَاللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيْ قَوْمِ وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ دَعُونِي آتِيهِ فَقَالُوا ائْتِهِ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا فُلَانٌ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ فَبُعِثَتْ لَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنْ الْبَيْتِ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنْ الْبَيْتِ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَالَ دَعُونِي آتِيهِ فَقَالُوا ائْتِهِ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا مِكْرَزٌ وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ.

قَالَ مَعْمَرٌ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَاتِبَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ: سُهَيْلٌ أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِنْ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ ثُمَّ قَالَ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ سُهَيْلٌ وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنْ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ وَلَكِنْ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا- فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ فَقَالَ سُهَيْل :وَاللَّهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَكَتَبَ ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا ، قَالَ الْمُسْلِمُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ سُهَيْلٌ : هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ، قَالَ فَوَاللَّهِ إِذًا لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجِزْهُ لِي قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ قَالَ بَلَى فَافْعَلْ قَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ قَالَ مِكْرَزٌ بَلْ قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ أَيْ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللَّهِ قَالَ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا قَالَ بَلَى قُلْتُ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ بَلَى قُلْتُ فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا قَالَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَسْتُ أَعْصِيهِ وَهُوَ نَاصِرِي قُلْتُ أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ قَالَ بَلَى فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا قَالَ بَلَى قُلْتُ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ بَلَى قُلْتُ فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا قَالَ أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ وَهُوَ نَاصِرُهُ فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قُلْتُ أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ قَالَ: بَلَى أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ ؟ قُلْتُ لَا قَالَ فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ.-  قَالَ الزُّهْرِيُّ قَالَ عُمَر :ُ فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا- قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا قَالَ فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ حَتَّى بَلَغَ{ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ

فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ فَقَالُوا الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ فَقَالَ أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ وَفَرَّ الْآخَرُ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قُتِلَ وَاللَّهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ ، فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ ، قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ الْبَحْرِ قَالَ: وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّأْمِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُنَاشِدُهُ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ لَمَّا أَرْسَلَ فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ حَتَّى بَلَغَ{ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ } وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ وَلَمْ يُقِرُّوا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ.([1395])

ثم قال: وَقَالَ عُقَيْلٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ وَبَلَغْنَا أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَرُدُّوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ مَا أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ وَحَكَمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ أَنَّ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ قَرِيبَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ وَابْنَةَ جَرْوَلٍ الْخُزَاعِيِّ فَتَزَوَّجَ قَرِيبَةَ مُعَاوِيَةُ وَتَزَوَّجَ الْأُخْرَى أَبُو جَهْمٍ فَلَمَّا أَبَى الْكُفَّارُ أَنْ يُقِرُّوا بِأَدَاءِ مَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ } وَالْعَقْبُ مَا يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ إِلَى مَنْ هَاجَرَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ الْكُفَّارِ فَأَمَرَ أَنْ يُعْطَى مَنْ ذَهَبَ لَهُ زَوْجٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا أَنْفَقَ مِنْ صَدَاقِ نِسَاءِ الْكُفَّارِ اللَّائِي هَاجَرْنَ وَمَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ ارْتَدَّتْ بَعْدَ إِيمَانِهَا، وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَصِيرِ بْنَ أَسِيدٍ الثَّقَفِيَّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا فِي الْمُدَّةِ فَكَتَبَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ أَبَا بَصِيرٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ([1396])

* و من هذا الحديث يتبين ما فعله أبو بصير وأبو جندل بن سهيل بن عمرو ومن انضم إليهم ممن أسلم بعد هذا الصلح حتى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ فمَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّأْمِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا فَقَتَلُوهُمْ ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُنَاشِدُهُ بِاللَّهِ وَالرَّحِم أن يضمهم إليه هم وكل من يسلم بعد ذلكِ .وهذا من بركة هذا الصلح الذي قد رآه البعض مجحفًا بالمسلمين ، لذا تعلم الصحابة منه درسًا غاليًا-وهو اتهام الرأي في مقابل النص- يذكره الصحابي الجليل سهل بن حنيف.

ففي البخاري: قَالَ أَبُو وَائِلٍ: لَمَّا قَدِمَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ مِنْ صِفِّينَ أَتَيْنَاهُ نَسْتَخْبِرُهُ فَقَالَ: اتَّهِمُوا الرَّأْيَ ،  فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، وَمَا وَضَعْنَا أَسْيَافَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا لِأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلَّا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ قَبْلَ هَذَا الْأَمْرِ ،  مَا نَسُدُّ مِنْهَا خُصْمًا إِلَّا انْفَجَرَ عَلَيْنَا خُصْمٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَأْتِي لَهُ ([1397]).

 

باب: عدم رد النساء المؤمنات إذا جئن مهاجرات

وأقر الله سبحانه ذلك الصلح ، إلا ما استثنى من المهاجرات المؤمنات من النساء : فإنه عز وجل نهى عن ردهن إلى الكفار و حرمهن على الكفار يومئذٍ .فقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *   وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ}[الممتحنة:10-11]

وقد طلق عمر رضي الله عنه زوجتين مشركتين لما نزلت هذه الآيات ،كما سبق به الحديث .

وقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :حَدّثَنِي الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَكْتُبُ كِتَابًا إلَى ابْنِ أَبِي هُنَيْدَةَ ، صَاحِبِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَكَتَبَ إلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنّ إِلَى الْكُفّارِ لَا هُنّ حِلّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلّونَ لَهُنّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنّ أُجُورَهُنّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ }[الممتحنة:10] .

قَالَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ : إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهِ فَلَمّا هَاجَرَ النّسَاءُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِلَى الْإِسْلَامِ أَبَى اللّهُ أَنْ يُرْدَدْنَ إلَى الْمُشْرِكِينَ إذَا هُنّ اُمْتُحِنّ بِمِحْنَةِ الْإِسْلَامِ فَعَرَفُوا أَنّهُنّ إنّمَا جِئْنَ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ وَأَمَرَ بِرَدّ صَدُقَاتِهِنّ إلَيْهِمْ إنْ احْتَبَسْنَ عَنْهُمْ إنْ هُمْ رَدّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ صَدَاقَ مَنْ حُبِسُوا عَنْهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاَللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّسَاءَ وَرَدّ الرّجَالَ وَسَأَلَ الّذِي أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ أَنْ يَسْأَلَ مِنْ صَدُقَاتِ نِسَاءِ مَنْ حُبِسُوا مِنْهُنّ وَأَنْ يَرُدّوا عَلَيْهِمْ مِثْلَ الّذِي يَرُدّونَ عَلَيْهِمْ إنْ هُمْ فَعَلُوا ، وَلَوْلَا الّذِي حَكَمَ اللّهُ بِهِ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ لَرَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّسَاءَ كَمَا رَدّ الرّجَالَ وَلَوْلَا الْهُدْنَةُ وَالْعَهْدُ الّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ لَأَمْسَكَ النّسَاءَ وَلَمْ يَرْدُدْ لَهُنّ صَدَاقًا ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ بِمَنْ جَاءَهُ مِنْ الْمُسْلِمَاتِ قَبْلَ الْعَهْدِ ([1398]).

 

وقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ  : وَهَاجَرَتْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعِيطٍ فِي تِلْكَ الْمُدّةِ فَخَرَجَ أَخَوَاهَا عِمَارَةُ وَالْوَلِيدُ ابْنَا عُقْبَةَ حتى قدما على رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْأَلَانِهِ أَنْ يَرُدّهَا عَلَيْهِمَا بِالْعَهْدِ الّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فِي الْحُدَيْبِيَةِ ، فَلَمْ يَفْعَلْ ، أَبَى اللّهُ ذَلِكَ ([1399])  .

ويؤيد ذلك ما أخرجه البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب ، أنه قال : بلغنا أنه قاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركي قريش على المدة التي جعل بينه وبينهم يوم الحديبية ، أنزل الله عز وجل فيما قضى به بينهم([1400])  ، فأخبرني عروة بن الزبير أنه سمع مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ ، كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا ، فخليت بيننا وبينه . فكره المؤمنون ذلك ، وأبى سهيل إلا ذلك ، فكاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو ، ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلما ، وجاء المؤمنات ، وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وهي عاتق ([1401]) ، فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم ، فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهم : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ  اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنّ إِلَى الْكُفّارِ لَا هُنّ حِلّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلّونَ لَهُنّ }[الممتحنة:10] . قال عروة : فأخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحنهن بهذه الآية : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الممتحنة: 12] . قال عروة : قالت عائشة : فمن أقر بهذا الشرط منهن ، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قد بايعتك([1402])» كلامًا  يكلمها به ، والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ، ما بايعهن إلا بقوله" ([1403]).

باب: التحلل من العمرة .

و لما فرغ النبي صلى الله عليه و سلم من مقاضاة المشركين ، وتم الصلح كما قدمنا ، شرع في التحلل من عمرته - كما في الحديث الطويل السابق- وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا فشق ذلك عليهم و توقفوا في تنفيذ الأمر رجاء نسخه ، فغضب النبي صلى الله عليه و سلم من ذلك فدخل على أم سلمة فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ، نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا ، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا ، لأنهم يرون المشركين قد ألزموهم بشروط كما أحبوا و أجابهم صلى الله عليه و سلم إليها و هذا من فرط شجاعتهم رضي الله عنهم و حرصهم على نصر الإسلام و لكن الله عز و جل أعلم بحقائق الأمور و مصالحها منهم .

روى ابن أبي شيبة عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ الْهَدْيُ دُونَ الْجِبَالِ الَّتِي تَطْلُعُ عَلَى وَادِي الثَّنِيَّةِ ، عَرَضَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ ، فَرَدُّوا وُجُوهَ بُدْنِهِ ، فَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ حَبَسُوهُ وَهِيَ الْحُدَيْبِيَةُ ، وَحَلَقَ وَائْتَسَى بِهِ نَاسٌ فَحَلَقُوا ، وَتَرَبَّصَ آخَرُونَ ، قَالُوا : لَعَلَّنَا نَطُوفُ بِالْبَيْتِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ ، قِيلَ : وَالْمُقَصِّرِينَ ، قَالَ : رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ ثَلاَثًا([1404]).

وقال ابْنَ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَلَقَ رِجَالٌ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَصَّرَ آخَرُونَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ قَالَ: ( يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِين ) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ قَالَ: ( يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ ) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ قَالَ: ( وَالْمُقَصِّرِينَ ) قَالُوا :فَمَا بَالُ الْمُحَلِّقِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ظَاهَرْتَ لَهُمْ الرَّحْمَةَ؟ قَالَ: لَمْ يَشُكُّوا، قَالَ: فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"([1405])

وكان كعب بن عجرة رضي الله عنه محرمًا معهم وكانت تؤذيه هوامه فنزل قول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }[البقرة:196]

فقد روى البخاري عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ قَالَ: نَعَمْ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْلِقَ ، وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا، وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ أَوْ يُهْدِيَ شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ([1406]) .

وأورده من طريق آخر عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ وَقَدْ حَصَرَنَا الْمُشْرِكُونَ قَالَ: وَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ فَجَعَلَتْ الْهَوَامُّ تَسَّاقَطُ عَلَى وَجْهِي فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ }  ([1407])

باب:نزول سورة الفتح وبيان أن صلح الحديبية كان فتحًا مبينًا.

ولما انصرف صلى الله عليه و سلم راجعًا إلى المدينة أنزل الله عز وجل عليه سورة الفتح في ذلك.

قال ابن اسحاق:قَالَ الزّهْرِيّ فِي حَدِيثِهِ : ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ قَافِلًا ، حَتّى إذَا كَانَ بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ ، نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ { إِنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخّرَ وَيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } ثُمّ كَانَتْ الْقِصّةُ فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ حَتّى انْتَهَى إلَى ذِكْرِ الْبَيْعَةِ ([1408]).

وروى البخاري عن شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] . قَالَ: الحُدَيْبِيَةُ قَالَ أَصْحَابُهُ: هَنِيئًا مَرِيئًا، فَمَا لَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [الفتح: 5] قَالَ شُعْبَةُ: فَقَدِمْتُ الكُوفَةَ، فَحَدَّثْتُ بِهَذَا كُلِّهِ عَنْ قَتَادَةَ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ أَمَّا: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} [الفتح: 1] . فَعَنْ أَنَسٍ وَأَمَّا" هَنِيئًا مَرِيئًا"، فَعَنْ عِكْرِمَةَ ([1409])

وقد مضى أن الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: تَعُدُّونَ أَنْتُمْ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ : بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ .

وقد ورد نحو ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه  و صدقوا رضي الله عنهم فإن الله سبحانه و تعالى جعل هذه هي السبب في فتح مكة كما سنذكره بعد أن شاء الله تعالى

قال الزّهْرِيّ : فَمَا فُتِحَ فِي الْإِسْلَامِ فَتْحٌ قَبْلَهُ كَانَ أَعْظَمَ مِنْهُ ، إنّمَا كَانَ الْقِتَالُ حَيْثُ الْتَقَى النّاسُ ، فَلَمّا كَانَتْ الْهُدْنَةُ وَوُضِعَتْ الْحَرْبُ وَآمَنَ النّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَالْتَقَوْا فَتَفَاوَضُوا فِي الْحَدِيثِ وَالْمُنَازَعَةِ فَلَمْ يُكَلّمْ أَحَدٌ بِالْإِسْلَامِ - يَعْقِلُ شَيْئًا- إلّا دَخَلَ فِيهِ ، وَلَقَدْ دَخَلَ فِي تِينِك السّنَتَيْنِ مِثْلُ مَنْ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ([1410]) . ثم قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَالدّلِيلُ عَلَى قَوْلِ الزّهْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ إلَى الْحُدَيْبِبّةِ فِي أَلْفٍ وَأَرْبَعِ مِئَةٍ فِي قَوْلِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، ثُمّ خَرَجَ عَامَ فَتْحِ مَكّةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَتَيْنِ فِي عَشَرَةِ ([1411])  .

*                        *                           *

باب: غَزْوَةَ ذِي قَرَدٍ(غزوة الغابة)

ذكر ابن اسحاق أنها كانت بعد قدوم النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ إلى المدينة من غزوة بني لحيان بأيام قلائل حيث قال. ثُمّ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَلَمْ يُقِمْ بِهَا إلّا لَيَالِيَ قَلَائِلَ حَتّى أَغَارَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيّ ، فِي خَيْلٍ مِنْ غَطَفَانَ عَلَى لِقَاحٍ[1412] لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْغَابَةِ وَفِيهَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ وَامْرَأَةٌ لَهُ فَقَتَلُوا الرّجُلَ وَاحْتَمَلُوا الْمَرْأَةَ فِي اللّقَاحِ ([1413])

ولكن الثابت في صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع أنها كانت بعد صلح الحديبية وقبل خيبر بثلاث .

وبعد أن قتلوا الرجل الغفاري الذي كان يحرس اللقاح وأسروا زوجته كان أول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي رضي الله عنه ثم انبعث في طلبهم ماشيًا و كان لا يسبق فجعل يرميهم بالنبل و يقول : خذها وأنا ابن الأكوع و اليوم يوم الرضع - يعني اللئام- واسترجع عامة ما كان في أيديهم .

و لما وقع الصريخ في المدينة خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في جماعة من الفرسان فلحقوا سلمة بن الأكوع و استرجعوا اللقاح و بلغ النبي صلى الله عليه و سلم ماء يقال له ذو قَرَد فنحر لقحة مما استرجع و أقام هناك يوما و ليلة ثم رجع إلى المدينة .

و قتل في هذه الغزوة الأخرم- و هو محرز بن نضلة رضي الله عنه- قتله عبد الرحمن بن عيينة .

و تحول على فرسه فحمل على عبد الرحمن أبو قتادة فقتله، و استرجع الفرس ،و كانت لمحمود بن مسلمة و أقبلت المرأة المأسورة على ناقة لرسول الله صلى الله عليه و سلم و قد نذرت : إن أنجاها الله عليها لتنحرنها ،  فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( بئس ما جزتها لا نذر لابن آدم فيما لا يملك و لا في معصية )، و أخذ ناقته .

روى البخاري عَنْ سَلَمَةَ بن الأكوع قَالَ: خَرَجْتُ مِنْ الْمَدِينَةِ ذَاهِبًا نَحْوَ الْغَابَةِ حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةِ الْغَابَةِ لَقِيَنِي غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قُلْتُ وَيْحَكَ مَا بِكَ قَالَ أُخِذَتْ لِقَاحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ مَنْ أَخَذَهَا قَالَ غَطَفَانُ وَفَزَارَةُ فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ ، أَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، يَا صَبَاحَاهْ ، يَا صَبَاحَاهْ .

ثُمَّ انْدَفَعْتُ حَتَّى أَلْقَاهُمْ وَقَدْ أَخَذُوهَا فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَقُولُ أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ فَاسْتَنْقَذْتُهَا مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبُوا فَأَقْبَلْتُ بِهَا أَسُوقُهَا فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْقَوْمَ عِطَاشٌ وَإِنِّي أَعْجَلْتُهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا سِقْيَهُمْ فَابْعَثْ فِي إِثْرِهِمْ فَقَالَ: ( يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ إِنَّ الْقَوْمَ يُقْرَوْنَ فِي قَوْمِهِمْ ) ([1414]) .

وروى البخاري و مسلم عن سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ قال: خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ بِالأُولَى وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَرْعَى بِذِى قَرَدٍ - قَالَ - فَلَقِيَنِى غُلاَمٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ مَنْ أَخَذَهَا قَالَ غَطَفَانُ قَالَ فَصَرَخْتُ ثَلاَثَ صَرَخَاتٍ يَا صَبَاحَاهْ. قَالَ فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَىِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِى حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ بِذِى قَرَدٍ وَقَدْ أَخَذُوا يَسْقُونَ مِنَ الْمَاءِ فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِى وَكُنْتُ رَامِيًا وَأَقُولُ أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ فَأَرْتَجِزُ حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلاَثِينَ بُرْدَةً - قَالَ - وَجَاءَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- وَالنَّاسُ فَقُلْتُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ إِنِّى قَدْ حَمَيْتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ وَهُمْ عِطَاشٌ فَابْعَثْ إِلَيْهِمُ السَّاعَةَ فَقَالَ « يَا ابْنَ الأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ ». - قَالَ - ثُمَّ رَجَعْنَا وَيُرْدِفُنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ ([1415]).

ثم روى مسلم عن إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ: قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاةً لاَ تُرْوِيهَا - قَالَ - فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى جَبَا الرَّكِيَّةِ فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَسَقَ فِيهَا - قَالَ - فَجَاشَتْ فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا. قَالَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- دَعَانَا لِلْبَيْعَةِ فِى أَصْلِ الشَّجَرَةِ. قَالَ فَبَايَعْتُهُ أَوَّلَ النَّاسِ ثُمَّ بَايَعَ وَبَايَعَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِى وَسَطٍ مِنَ النَّاسِ قَالَ « بَايِعْ يَا سَلَمَةُ ». قَالَ قُلْتُ قَدْ بَايَعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِى أَوَّلِ النَّاسِ قَالَ « وَأَيْضًا ». قَالَ وَرَآنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَزِلاً - يَعْنِى لَيْسَ مَعَهُ سِلاَحٌ - قَالَ فَأَعْطَانِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَجَفَةً أَوْ دَرَقَةً ثُمَّ بَايَعَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِى آخِرِ النَّاسِ قَالَ « أَلاَ تُبَايِعُنِى يَا سَلَمَةُ ».

قَالَ قُلْتُ قَدْ بَايَعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِى أَوَّلِ النَّاسِ وَفِى أَوْسَطِ النَّاسِ قَالَ « وَأَيْضًا ». قَالَ فَبَايَعْتُهُ الثَّالِثَةَ ثُمَّ قَالَ لِى « يَا سَلَمَةُ أَيْنَ حَجَفَتُكَ أَوْ دَرَقَتُكَ الَّتِى أَعْطَيْتُكَ ». قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقِيَنِى عَمِّى عَامِرٌ عَزِلاً فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا - قَالَ - فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ « إِنَّكَ كَالَّذِى قَالَ الأَوَّلُ اللَّهُمَّ أَبْغِنِى حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِى ». ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ رَاسَلُونَا الصُّلْحَ حَتَّى مَشَى بَعْضُنَا فِى بَعْضٍ وَاصْطَلَحْنَا. قَالَ وَكُنْتُ تَبِيعًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَسْقِى فَرَسَهُ وَأَحُسُّهُ وَأَخْدُمُهُ وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ وَتَرَكْتُ أَهْلِى وَمَالِى مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ مَكَّةَ وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ أَتَيْتُ شَجَرَةً فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا فَاضْطَجَعْتُ فِى أَصْلِهَا - قَالَ - فَأَتَانِى أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَجَعَلُوا يَقَعُونَ فِى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَبْغَضْتُهُمْ فَتَحَوَّلْتُ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى وَعَلَّقُوا سِلاَحَهُمْ وَاضْطَجَعُوا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِى يَا لَلْمُهَاجِرِينَ قُتِلَ ابْنُ زُنَيْمٍ. قَالَ فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِى ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَى أُولَئِكَ الأَرْبَعَةِ وَهُمْ رُقُودٌ فَأَخَذْتُ سِلاَحَهُمْ. فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا فِى يَدِى قَالَ ثُمَّ قُلْتُ وَالَّذِى كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ لاَ يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأْسَهُ إِلاَّ ضَرَبْتُ الَّذِى فِيهِ عَيْنَاهُ.

قَالَ ثُمَّ جِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- - قَالَ - وَجَاءَ عَمِّى عَامِرٌ بِرَجُلٍ مِنَ الْعَبَلاَتِ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزٌ. يَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى فَرَسٍ مُجَفَّفٍ فِى سَبْعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « دَعُوهُمْ يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ » فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنْزَلَ اللَّهُ (وَهُوَ الَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) الآيَةَ كُلَّهَا. قَالَ ثُمَّ خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَنِى لَحْيَانَ جَبَلٌ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَاسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمَنْ رَقِىَ هَذَا الْجَبَلَ اللَّيْلَةَ كَأَنَّهُ طَلِيعَةٌ لِلنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابِهِ - قَالَ سَلَمَةُ - فَرَقِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِظَهْرِهِ مَعَ رَبَاحٍ غُلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا مَعَهُ وَخَرَجْتُ مَعَهُ بِفَرَسِ طَلْحَةَ أُنَدِّيهِ مَعَ الظَّهْرِ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْفَزَارِىُّ قَدْ أَغَارَ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَاسْتَاقَهُ أَجْمَعَ وَقَتَلَ رَاعِيَهُ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَبَاحُ خُذْ هَذَا الْفَرَسَ فَأَبْلِغْهُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَغَارُوا عَلَى سَرْحِهِ - قَالَ - ثُمَّ قُمْتُ عَلَى أَكَمَةٍ فَاسْتَقْبَلْتُ الْمَدِينَةَ فَنَادَيْتُ ثَلاَثًا يَا صَبَاحَاهْ. ثُمَّ خَرَجْتُ فِى آثَارِ الْقَوْمِ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ وَأَرْتَجِزُ أَقُولُ:

أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ ** وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ

فَأَلْحَقُ رَجُلاً مِنْهُمْ فَأَصُكُّ سَهْمًا فِى رَحْلِهِ حَتَّى خَلَصَ نَصْلُ السَّهْمِ إِلَى كَتِفِهِ - قَالَ - قُلْتُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ

قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ فَإِذَا رَجَعَ إِلَىَّ فَارِسٌ أَتَيْتُ شَجَرَةً فَجَلَسْتُ فِى أَصْلِهَا ثُمَّ رَمَيْتُهُ فَعَقَرْتُ بِهِ حَتَّى إِذَا تَضَايَقَ الْجَبَلُ فَدَخَلُوا فِى تَضَايُقِهِ عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَجَعَلْتُ أُرَدِّيهِمْ بِالْحِجَارَةِ - قَالَ - فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ أَتْبَعُهُمْ حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ بَعِيرٍ مِنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلاَّ خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِى وَخَلَّوْا بَيْنِى وَبَيْنَهُ ثُمَّ اتَّبَعْتُهُمْ أَرْمِيهِمْ حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِينَ بُرْدَةً وَثَلاَثِينَ رُمْحًا يَسْتَخِفُّونَ وَلاَ يَطْرَحُونَ شَيْئًا إِلاَّ جَعَلْتُ عَلَيْهِ آرَامًا مِنَ الْحِجَارَةِ يَعْرِفُهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ حَتَّى أَتَوْا مُتَضَايِقًا مِنْ ثَنِيَّةٍ فَإِذَا هُمْ قَدْ أَتَاهُمْ فُلاَنُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِىُّ فَجَلَسُوا يَتَضَحَّوْنَ - يَعْنِى يَتَغَدَّوْنَ - وَجَلَسْتُ عَلَى رَأْسِ قَرْنٍ قَالَ الْفَزَارِىُّ مَا هَذَا الَّذِى أَرَى قَالُوا لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبَرْحَ وَاللَّهِ مَا فَارَقَنَا مُنْذُ غَلَسٍ يَرْمِينَا حَتَّى انْتَزَعَ كُلَّ شَىْءٍ فِى أَيْدِينَا.

قَالَ فَلْيَقُمْ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ أَرْبَعَةٌ. قَالَ فَصَعِدَ إِلَىَّ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ فِى الْجَبَلِ - قَالَ - فَلَمَّا أَمْكَنُونِى مِنَ الْكَلاَمِ - قَالَ - قُلْتُ هَلْ تَعْرِفُونِى ؟  قَالُوا: لاَ وَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ قُلْتُ أَنَا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ وَالَّذِى كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- لاَ أَطْلُبُ رَجُلاً مِنْكُمْ إِلاَّ أَدْرَكْتُهُ وَلاَ يَطْلُبُنِى رَجُلٌ مِنْكُمْ. فَيُدْرِكَنِى قَالَ أَحَدُهُمْ أَنَا أَظُنُّ. قَالَ فَرَجَعُوا فَمَا بَرِحْتُ مَكَانِى حَتَّى رَأَيْتُ فَوَارِسَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ - قَالَ - فَإِذَا أَوَّلُهُمُ الأَخْرَمُ الأَسَدِىُّ عَلَى إِثْرِهِ أَبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِىُّ وَعَلَى إِثْرِهِ الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ الْكِنْدِىُّ - قَالَ - فَأَخَذْتُ بِعِنَانِ الأَخْرَمِ - قَالَ - فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ قُلْتُ يَا أَخْرَمُ احْذَرْهُمْ لاَ يَقْتَطِعُوكَ حَتَّى يَلْحَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ. قَالَ : يَا سَلَمَةُ إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ فَلاَ تَحُلْ بَيْنِى وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ. قَالَ فَخَلَّيْتُهُ فَالْتَقَى هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ - قَالَ - فَعَقَرَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرَسَهُ وَطَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ ، وَتَحَوَّلَ عَلَى فَرَسِهِ ، وَلَحِقَ أَبُو قَتَادَةَ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ فَوَالَّذِى كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- لَتَبِعْتُهُمْ أَعْدُو عَلَى رِجْلَىَّ حَتَّى مَا أَرَى وَرَائِى مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وَلاَ غُبَارِهِمْ شَيْئًا حَتَّى يَعْدِلُوا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ مَاءٌ يُقَالُ: لَهُ ذُو قَرَدٍ لِيَشْرَبُوا مِنْهُ وَهُمْ عِطَاشٌ - قَالَ - فَنَظَرُوا إِلَىَّ أَعْدُو وَرَاءَهُمْ فَحَلَّيْتُهُمْ عَنْهُ - يَعْنِى أَجْلَيْتُهُمْ عَنْهُ - فَمَا ذَاقُوا مِنْهُ قَطْرَةً - قَالَ - وَيَخْرُجُونَ فَيَشْتَدُّونَ فِى ثَنِيَّةٍ - قَالَ - فَأَعْدُو فَأَلْحَقُ رَجُلاً مِنْهُمْ فَأَصُكُّهُ بِسَهْمٍ فِى نُغْضِ كَتِفِهِ. قَالَ: قُلْتُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ .

قَالَ: يَا ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ أَكْوَعُهُ بُكْرَةَ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ أَكْوَعُكَ بُكْرَةَ - قَالَ - وَأَرْدَوْا فَرَسَيْنِ عَلَى ثَنِيَّةٍ قَالَ فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- - قَالَ - وَلَحِقَنِى عَامِرٌ بِسَطِيحَةٍ فِيهَا مَذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ وَسَطِيحَةٍ فِيهَا مَاءٌ ، فَتَوَضَّأْتُ وَشَرِبْتُ ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِى حَلَّيْتُهُمْ عَنْهُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ أَخَذَ تِلْكَ الإِبِلَ وَكُلَّ شَىْءٍ اسْتَنْقَذْتُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَكُلَّ رُمْحٍ وَبُرْدَةٍ وَإِذَا بِلاَلٌ نَحَرَ نَاقَةً مِنَ الإِبِلِ الَّذِى اسْتَنْقَذْتُ مِنَ الْقَوْمِ ، وَإِذَا هُوَ يَشْوِى لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا - قَالَ – قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَلِّنِى فَأَنْتَخِبُ مِنَ الْقَوْمِ مِائَةَ رَجُلٍ فَأَتَّبِعُ الْقَوْمَ فَلاَ يَبْقَى مِنْهُمْ مُخْبِرٌ إِلاَّ قَتَلْتُهُ - قَالَ - فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فِى ضَوْءِ النَّارِ فَقَالَ « يَا سَلَمَةُ أَتُرَاكَ كُنْتَ فَاعِلاً ». قُلْتُ :نَعَمْ وَالَّذِى أَكْرَمَكَ. فَقَالَ « إِنَّهُمُ الآنَ لَيُقْرَوْنَ فِى أَرْضِ غَطَفَانَ ». قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ فَقَالَ نَحَرَ لَهُمْ فُلاَنٌ جَزُورًا فَلَمَّا كَشَفُوا جِلْدَهَا رَأَوْا غُبَارًا فَقَالُوا: أَتَاكُمُ الْقَوْمُ فَخَرَجُوا هَارِبِينَ. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَانَ خَيْرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ ، وَخَيْرَ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ ». قَالَ ثُمَّ أَعْطَانِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَهْمَيْنِ سَهْمُ الْفَارِسِ وَسَهْمُ الرَّاجِلِ فَجَمَعَهُمَا لِى جَمِيعًا ثُمَّ أَرْدَفَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ - قَالَ - فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ قَالَ وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ لاَ يُسْبَقُ شَدًّا - قَالَ - فَجَعَلَ يَقُولُ: أَلاَ مُسَابِقٌ إِلَى الْمَدِينَةِ هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ فَجَعَلَ يُعِيدُ ذَلِكَ - قَالَ - فَلَمَّا سَمِعْتُ كَلاَمَهُ قُلْتُ أَمَا تُكْرِمُ كَرِيمًا وَلاَ تَهَابُ شَرِيفًا ؟ قَالَ: لاَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى وَأُمِّى ذَرْنِى فَلأُسَابِقَ الرَّجُلَ قَالَ « إِنْ شِئْتَ ». قَالَ قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَيْكَ وَثَنَيْتُ رِجْلَىَّ فَطَفَرْتُ فَعَدَوْتُ - قَالَ - فَرَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ أَسْتَبْقِى نَفَسِى ، ثُمَّ عَدَوْتُ فِى إِثْرِهِ فَرَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ ، ثُمَّ إِنِّى رَفَعْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ - قَالَ - فَأَصُكُّهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ - قَالَ – قُلْتُ: قَدْ سُبِقْتَ وَاللَّهِ قَالَ أَنَا أَظُنُّ. قَالَ فَسَبَقْتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا لَبِثْنَا إِلاَّ ثَلاَثَ لَيَالٍ حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-([1416]).وسيأتي تمام الحديث في خيبر.

وَروى مسلم عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: كَانَتْ ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِى عُقَيْلٍ ، فَأَسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً مِنْ بَنِى عُقَيْلٍ ، وَأَصَابُوا مَعَهُ الْعَضْبَاءَ فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهْوَ فِى الْوَثَاقِ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ. فَأَتَاهُ فَقَالَ « مَا شَأْنُكَ ». فَقَالَ: بِمَ أَخَذْتَنِى وَبِمَ أَخَذْتَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ ؟ فَقَالَ إِعْظَامًا لِذَلِكَ « أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ ». ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَحِيمًا رَقِيقًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ « مَا شَأْنُكَ ؟ ». قَالَ إِنِّى مُسْلِمٌ. قَالَ « لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلاَحِ ». ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ.

فَأَتَاهُ فَقَالَ « مَا شَأْنُكَ ؟ ». قَالَ إِنِّى جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِى وَظَمْآنُ فَأَسْقِنِى. قَالَ « هَذِهِ حَاجَتُكَ ». فَفُدِىَ بِالرَّجُلَيْنِ - قَالَ - وَأُسِرَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَأُصِيبَتِ الْعَضْبَاءُ ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ فِى الْوَثَاقِ وَكَانَ الْقَوْمُ يُرِيحُونَ نَعَمَهُمْ بَيْنَ يَدَىْ بُيُوتِهِمْ فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنَ الْوَثَاقِ فَأَتَتِ الإِبِلَ فَجَعَلَتْ إِذَا دَنَتْ مِنَ الْبَعِيرِ رَغَا فَتَتْرُكُهُ حَتَّى تَنْتَهِىَ إِلَى الْعَضْبَاءِ فَلَمْ تَرْغُ قَالَ وَنَاقَةٌ مُنَوَّقَةٌ فَقَعَدَتْ فِى عَجُزِهَا ثُمَّ زَجَرَتْهَا فَانْطَلَقَتْ وَنَذِرُوا بِهَا فَطَلَبُوهَا فَأَعْجَزَتْهُمْ - قَالَ - وَنَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا فَلَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ رَآهَا النَّاسُ. فَقَالُوا الْعَضْبَاءُ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَتْ : إِنَّهَا نَذَرَتْ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا. فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ « سُبْحَانَ اللَّهِ بِئْسَمَا جَزَتْهَا نَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِى مَعْصِيَةٍ وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ الْعَبْدُ ». وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ « لاَ نَذْرَ فِى مَعْصِيَةِ اللَّهِ »([1417]).

فصل فيما وقع من الحوادث في هذه السنة السادسة

فِيهَا نَزَلَ فَرْضُ الْحَجِّ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ زَمَنَ

الْحُدَيْبِيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الحج والعمرة لله) [الْبَقَرَةِ: 196] وَلِهَذَا ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي لَا عَلَى الْفَوْرِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحُجَّ إِلَّا فِي سَنَةِ عَشْرٍ.وَخَالَفَهُ الثَّلَاثَةُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ، فَعِنْدَهُمْ: أَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنِ اسْتَطَاعَهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَمَنَعُوا أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ مُسْتَفَادًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله) وَإِنَّمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْإِتْمَامِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَقَطْ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَدِلَّةٍ أخرى .

فيها نزلت براءة عائشة رضي الله عنها في القرآن الكريم على قول من رجح أن غزوة

بني المصطلق كانت في سنة ست بعد غزوة الأحزاب .

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ حُرِّمَتِ الْمُسْلِمَاتُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بعد صلح الحديبية ونَزَلَ قَوْلُهُ

تَعَالَى (فلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الْآيَةَ [الْمُمْتَحَنَةِ 10]

وفيها ابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم بعث الرسل إلى  ملوك الأرص لدعوتهم إلى

الإسلام قَالَ الْوَاقِدِيُّ وفِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ مُصْطَحِبِينَ : حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِسِ صَاحِبِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وشجاع بن وهب بن أسد بن جذيمة إِلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الغسَّاني- يعني ملك عرب النصارى-، وَدِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ إِلَى قَيْصَرَ وَهُوَ هِرَقْلُ مَلِكُ الرُّومِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ إِلَى كِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ، وَسَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو الْعَامِرِيَّ إِلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ، وَعَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إِلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ النصارى بالحبشة. أهـ. ([1418])وسيأتي بيان وتفصيل ذلك فيما بعد  ، وازدهرت الدعوة إلى الإسلام  بعد أن  أمن الناس بعد عقد الهدنة مع مشركي مكة في الحديبية.

وفيها - فِي شَوَّالٍ على قَول الْوَاقِدِيُّ أو في ذي القعدة على قول ابن إسحاق-:

كَانَتْ سَرِيَّةُ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ الْفِهْرِيِّ  إِلَى الْعُرَنِيِّينَ الَّذِينَ قَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آثَارِهِمْ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ فِي عِشْرِينَ فارساً فردوهم([1419])  .وكان مِنْ أَمْرِهِمْ مَا أَخْرَجَهُ أحمد والْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: عَنْ قَتَادَةَ عَنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ أَتَوْا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كنّا أَهْلُ ضَرْعٍ، وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ فَاسْتَوْخَمْنَا  الْمَدِينَةَ.فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَوْدٍ وَرَاعٍ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فيه فيشربوا من ألبانها وأبوالها فانطلقوا حتَّى إذا كانوا بناحية الْحَرَّةِ قَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وسمَّر أعينهم، وتركهم في الحَّرة حَتَّى مَاتُوا ([1420])".قَالَ قَتَادَةُ  " فَبَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ ": {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خلاف } [المائدة: 33] ([1421])

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ، ثَمَانِيَةً، قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاجْتَوَوْا المَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْغِنَا رِسْلًا، قَالَ: «مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلَّا أَنْ تَلْحَقُوا بِالذَّوْدِ»، فَانْطَلَقُوا، فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا، وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ، فَأَتَى الصَّرِيخُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ الطَّلَبَ، فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ بِهَا، وَطَرَحَهُمْ بِالحَرَّةِ، يَسْتَسْقُونَ فَمَا يُسْقَوْنَ، حَتَّى مَاتُوا"، قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: قَتَلُوا وَسَرَقُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَعَوْا فِي الأَرْضِ فَسَادًا" ([1422]).

وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ فِي آثَارِهِمْ قَالَ " اللَّهُمَّ عمِ عَلَيْهِمُ الطَّرِيقَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ أَضْيَقَ مِنْ مَسْكِ جَمَلٍ، قَالَ: فعمَّى الله عليهم السبيل فأُدرِكوا ، فأُتي بهم ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهِمْ وَأَرْجُلَهُمْ وسمَّل أَعْيُنَهُمْ"([1423]).

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ  من طريق سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ «إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ أُولَئِكَ، لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ» "([1424]) .

 

*                  *                       *

>

>

باب: غزوة خيبر

ولما رجع صلى الله عليه و سلم - من غزوة ذي قرد- إلى المدينة أقام بها، ثم خرج في آخر المحرم من السنة السابعة إلى خيبر كما ذكر ابن اسحاق وغيره - وذكر ابن سعد أنها كانت في جمادى الأولى من نفس السنة([1425]) - ونقل عن الزهري ومالك بن أنس رحمه الله([1426]) : أن فتح خيبر كان في المحرم في سنة ست، وذكر ابن حزم([1427]) أنها في سنة ست و ذلك بناء على  اصطلاحه ([1428]) و الجمهور على أنها في سنة سبع . ورجح ابن حجر قول ابن اسحاق.

قالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ نُمَيْلَةَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ اللّيْثَيّ ، وَدَفَعَ الرّايَةَ إلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَكَانَتْ بَيْضَاء([1429])  .َ

وذكر ابن سعد والبيهقي في الدلائل أنه استخلف سباع بن عرفطة الغفاري . وهذا هو الصحيح.

قال البيهقي: باب استخلافه على المدينة حين خرج إلى خيبر سباع بن عرفطة ثم روى عن

خثيم بن عراك ، عن أبيه ، عَنْ نَفَرٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، قَالُوا: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَقَدْ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ يُقَالُ لَهُ سِبَاعُ بْنُ عُرْفُطَةَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَوَجَدْنَاهُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى كهيعص وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَقُولُ: وَيْلٌ فِي صَلَاتِي، وَيْلٌ لِأَبِي فُلَانٍ لَهُ مِكْيَالَانِ إِذَا اكْتَالَ اكْتَالَ بِالْوَافِي، وَإِذَا كَالَ كَالَ بِالنَّاقِصِ، قَالَ: فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنْ صَلَاتِنَا أَتَيْنَا سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ فَزَوَّدَنَا شَيْئًا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ فَتَحَ خَيْبَرَ فَكَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فَأَشْرَكُونَا فِي سُهْمَانِهِمْ "  ([1430]).

و أخرجه الحاكم وصححه بسنده إلى خثيم بن عراك عن أبيه عن أبي هريرة : قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى خيبر استعمل سباع بن عرفطة الغفاري بالمدينة" ([1431])

وقال ابن سعد: فخرج صلى الله عليه و سلم واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري وأخرج معه أم سلمة زوجته ، فلما نزل بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ، ولم يَصحْ لهم ديكٌ حتى طلعت الشمس، وأصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم ، وغدوا إلى أعمالهم معهم المساحي والكرازين والمكاتل فلما نظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد والخميس - يعنون بالخميس الجيش- فولوا هاربين إلى حصونهم ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ، ووعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وفرق بينهم الرايات - ولم يكن الرايات إلا يوم خيبر، إنما كانت الألوية - فكانت راية النبي صلى الله عليه وسلم السوداء من برد لعائشة تدعى العقاب ، ولواءه أبيض ودفعه إلى علي بن أبي طالب ، وراية إلى الحباب بن المنذر ،وراية إلى سعد بن عبادة وكان شعارهم يا منصور أمت، فقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين ، قاتلوه أشد القتال ، وقتلوا من أصحابه عدة وقتل منهم جماعة كثيرة، وفتحها حصنًا حصنًا، وهي حصون ذوات عدد منها النطاة ، ومنها حصن الصعب بن معاذ، وحصن ناعم ،وحصن قلعة الزبير. والشق وبه حصون: منها حصن أبي، وحصن النزار ، وحصون الكتيبة: منها القموص والوطيح وسلالم وهو حصن بني أبي الحقيق ، وأخذ كنز آل أبي الحقيق الذي كان في مسك الجمل ، وكانوا قد غيبوه في خربة ، فدل الله رسوله عليه فاستخرجه ([1432]) .

وروى ابن سعد  عن صالح بن كيسان قال: كان مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر مائتا فارس ([1433]).

قالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى خَيْبَرَ سَلَكَ عَلَى عَصْرٍ ، فَبَنَى لَهُ فِيهَا مَسْجِدٌ ثُمّ عَلَى الصّهْبَاءِ ، ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجَيْشِهِ حَتّى نَزَلَ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ الرّجِيعُ ، فَنَزَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَطَفَانَ ، لِيَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يُمِدّوا أَهْلَ خَيْبَرَ ، وَكَانُوا لَهُمْ مُظَاهِرِينَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ([1434]).

دُعَاءُ الرّسُولِ لَمّا أَشْرَفَ عَلَى خَيْبَرَ

روى ابْنُ إسْحَاقَ ِ عَنْ أَبِي مُعَتّبِ بْنِ عَمْرٍو : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا أَشْرَفَ عَلَى خَيْبَرَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ وَأَنَا فِيهِمْ : قِفُوا ، ثُمّ قَالَ اللّهُمّ رَبّ السّمَوَاتِ وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبّ الْأَرَضِينَ وَمَا أَقَلَلْنَ وَرَبّ الشّيَاطِينِ وَمَا أَضَلَلْنَ وَرَبّ الرّيَاحِ وَمَا أَذْرَيْنَ فَإِنّا نَسْأَلُك خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا ، وَنَعُوذُ بِك مِنْ شَرّهَا وَشَرّ أَهْلِهَا وَشَرّ مَا فِيهَا ، أَقَدِمُوا بِسْمِ اللّهِ . قَالَ وَكَانَ يَقُولُهَا عَلَيْهِ السّلَامُ لِكُلّ قَرْيَةٍ دَخَلَهَا([1435])

وأخرجه الحاكم وصححه وعنه البيهقي عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ كَعْبًا حَدَّثَهُ أَنَّ صُهَيْبًا صَاحِبَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَرَ قَرْيَةً يُرِيدُ دُخُولَهَا إِلاَّ قَالَ حِينَ يَرَاهَا :« اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبَّ الأَرَضِينِ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَيْنَ فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا ».[1436])وقال البيهقي: وَرُوِىَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِى مَرْوَانَ الأَسْلَمِىِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى خَيْبَرَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.

وبالصهباء من أدنى خيبر صلى العصر ثم دعا بالأزواد فلم يؤت إلا بالسويق فأمر به فثري فأكل وأكل الناس .

روى البخاري عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ - وَهِيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ- صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ،فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ([1437])

 

ووصل النبي خيبر ليلًا فانتظر حتى الصباح إذ كان لا يغير على أحد ليلاً .بل كان ينتظر حتى يصبح فإن سمع أذانًا أمسك وإن لم يسمع أغار.

روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ قَالَ: فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ فَلَمَّا رَأَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ قَالَ فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ{فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ }([1438])

وفي رواية: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهَا لَيْلًا وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَوْمًا بِلَيْلٍ لَا يُغِيرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ يَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ .."([1439])

قال ابن اسحاق:وَتَدَنّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَمْوَالَ يَأْخُذُهَا مَالًا مَالًا ، وَيَفْتَتِحُهَا حِصْنًا حِصْنًا ، فَكَانَ أَوّلُ حُصُونِهِمْ اُفْتُتِحَ حِصْنُ نَاعِمٍ ، وَعِنْدَهُ قُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ ،ألقيت عليه منه رحا فقتلته، ثم الْقَمُوصُ ، حِصْنُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَصَابَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ سَبَايَا ، مِنْهُنّ صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ ، وَكَانَتْ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ ، وَبِنْتَيْ عَمّ لَهَا ؛ فَاصْطَفَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفِيّةَ لِنَفْسِهِ . وَكَانَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ قَدْ سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفِيّةَ فَلَمّا أَصْفَاهَا لِنَفْسِهِ أَعْطَاهُ ابْنَتَيْ عَمّهَا ، وَفَشَتْ السّبَايَا من خَيْبَرَ في الْمُسْلِمِينَ . ([1440])

وروى مسلم عن ثابت عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ أَبِى طَلْحَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَقَدَمِى تَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- - قَالَ - فَأَتَيْنَاهُمْ حِينَ بَزَغَتِ الشَّمْسُ وَقَدْ أَخْرَجُوا مَوَاشِيَهُمَ وَخَرَجُوا بِفُئُوسِهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ وَمُرُورِهِمْ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ - قَالَ - وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ». قَالَ وَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَوَقَعَتْ فِى سَهْمِ دَحْيَةَ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تُصَنِّعُهَا لَهُ وَتُهَيِّئُهَا - قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ - وَتَعْتَدُّ فِى بَيْتِهَا وَهِىَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ - قَالَ - وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ فُحِصَتِ الأَرْضُ أَفَاحِيصَ وَجِىءَ بِالأَنْطَاعِ فَوُضِعَتْ فِيهَا وَجِىءَ بِالأَقِطِ وَالسَّمْنِ فَشَبِعَ النَّاسُ - قَالَ - وَقَالَ النَّاسُ لاَ نَدْرِى أَتَزَوَّجَهَا أَمِ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ. قَالُوا إِنْ حَجَبَهَا فَهْىَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهْىَ أُمُّ وَلَدٍ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ حَجَبَهَا فَقَعَدَتْ عَلَى عَجُزِ الْبَعِيرِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا. فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَدَفَعْنَا - قَالَ - فَعَثَرَتِ النَّاقَةُ الْعَضْبَاءُ وَنَدَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَدَرَتْ فَقَامَ فَسَتَرَهَا وَقَدْ أَشْرَفَتِ النِّسَاءُ فَقُلْنَ أَبْعَدَ اللَّهُ الْيَهُودِيَّةَ. قَالَ قُلْتُ يَا أَبَا حَمْزَةَ أَوَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ إِى وَاللَّهِ لَقَدْ وَقَعَ". ([1441])

 

وروى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ{فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} قَالَهَا ثَلَاثًا . قَالَ : وَخَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ -قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - وَالْخَمِيسُ -يَعْنِي الْجَيْشَ- قَالَ فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً فَجُمِعَ السَّبْيُ فَجَاءَ دِحْيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ قَالَ اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ ، لَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ قَالَ : ادْعُوهُ بِهَا فَجَاءَ بِهَا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خُذْ جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ غَيْرَهَا قَالَ فَأَعْتَقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَهَا.

فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا أَصْدَقَهَا قَالَ نَفْسَهَا أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ ، فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنْ اللَّيْلِ فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا فَقَالَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ وَبَسَطَ نِطَعًا فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ قَالَ فَحَاسُوا حَيْسًا فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([1442])

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ حُصُونِهِمْ مَا افْتَتَحَ وَحَازَ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا حَازَ، انْتَهَوْا إلَى حِصْنَيْهِمْ: الْوَطِيحِ وَالسّلَالِمِ ، وَكَانَ آخِرَ حُصُونِ أَهْلِ خَيْبَرَ افْتِتَاحًا ، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً([1443]) .

 

و لما استعصت بعض هذه الحصون قال النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي قد أرسل

أبا بكر ثم عمر فاجتهدا ولم يفتح لهما وكان عليًا قد تغيب لرمدٍ بعينيه فقال: لأعطين الراية غدًا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه فتطلع الصحابة لذلك كلهم يريد أن ينال هذا الشرف حتى تطلع لها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولكنها كانت من نصيب علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفتح الله على يديه وقتل عليٌّ قائدهم مرحبًا كما جاء في صحيح مسلم  ، وتذكر بعض الروايات عند أهل المغازي أن الذي قتله محمد بن مسلمة ولكن ما ورد في الصحيح أولى.

. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْأَنْصَارِيّ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : مَنْ لِهَذَا ؟ قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا وَاَللّهِ الْمَوْتُورُ الثّائِرُ قُتِلَ أَخِي بِالْأَمْسِ فَقَالَ فَقُمْ إلَيْهِ اللّهُمّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ ،قَالَ فَلَمّا دَنَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ دَخَلَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ عُمْرِيّةٌ مِنْ شَجَرِ الْعُشَرِ فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا يَلُوذُ بِهَا مِنْ صَاحِبِهِ كَلّمَا لَاذَ بِهَا مِنْهُ اقْتَطَعَ صَاحِبُهُ بِسَيْفِهِ مَا دُونَهُ مِنْهَا ، حَتّى بَرَزَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَصَارَتْ بَيْنَهُمَا كَالرّجُلِ الْقَائِمِ مَا فِيهَا فَنَنٌ ثُمّ حَمَلَ مَرْحَبٌ عَلَى مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَضَرَبَهُ فَاتّقَاهُ بِالدّرَقَةِ فَوَقَعَ سَيْفُهُ فِيهَا ، فَعَضّتْ بِهِ فَأَمْسَكَتْهُ وَضَرَبَهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَتّى قَتَلَه"([1444]).

 

روى البخاري عَنْ سَلَمَةَ قَالَ :كَانَ عَلِيٌّ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ وَكَانَ بِهِ رَمَدٌ فَقَالَ أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا اللَّهُ فِي صَبَاحِهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ قَالَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ ، فَقَالُوا : هَذَا عَلِيٌّ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَةَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ"([1445])

روى البخاري عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا ، فَقَالَ: أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟  فَقِيلَ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ قَالَ فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ فَقَالَ: انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ ،وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ"([1446])

وقد ذكر سلمة بن الأكوع رضي الله عنه  أن عليًا قتل مرحبا وذكر قصة خروج الرسول وأصحابه إلى خيبر -فيما رواه مسلم بسنده-وقد تقدم بعضه في غزوة ذي قرد – وفيه :

قَالَ سلمة: فَوَاللَّهِ مَا لَبِثْنَا إِلاَّ ثَلاَثَ لَيَالٍ حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم . قال:فَجَعَلَ عَمِّى عَامِرٌ يَرْتَجِزُ بِالْقَوْمِ

تَاللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنــا ** وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا

وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا ** فَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا

وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا .

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ هَذَا ؟». قَالَ أَنَا عَامِرٌ. قَالَ « غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ ». قَالَ وَمَا اسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لإِنْسَانٍ يَخُصُّهُ إِلاَّ اسْتُشْهِدَ. قَالَ فَنَادَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ : يَا نَبِىَّ اللَّهِ لَوْلاَ مَا مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ. قَالَ فَلَمَّا قَدِمْنَا خَيْبَرَ قَالَ خَرَجَ مَلِكُهُمْ مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ وَيَقُولُ:

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّى مَرْحَبُ * شَاكِى السِّلاَحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ * إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ

قَالَ: وَبَرَزَ لَهُ عَمِّى عَامِرٌ فَقَالَ:

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّى عَامِرٌ * شَاكِى السِّلاَحِ بَطَلٌ مُغَامِرٌ

قَالَ : فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِى تُرْسِ عَامِرٍ وَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ فَرَجَعَ سَيْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ فَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ.

قَالَ سَلَمَةُ : فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُونَ بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ قَتَلَ نَفْسَهُ ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا أَبْكِى فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ قَالَ ذَلِكَ ؟ ». قَالَ قُلْتُ: نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِكَ. قَالَ « كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ بَلْ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ ».

ثُمَّ أَرْسَلَنِى إِلَى عَلِىٍّ وَهُوَ أَرْمَدُ فَقَالَ « لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَوْ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ». قَالَ : فَأَتَيْتُ عَلِيًّا فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ وَهُوَ أَرْمَدُ حَتَّى أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبَسَقَ فِى عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ .

وَخَرَجَ مَرْحَبٌ فَقَالَ:

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّى مَرْحَبُ *شَاكِى السِّلاَحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ *إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ

فَقَالَ عَلِىٌّ:

أَنَا الَّذِى سَمَّتْنِى أُمِّى حَيْدَرَهْ *كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَه *  أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ .

قَالَ: فَضَرَبَ رَأْسَ مَرْحَبٍ فَقَتَلَهُ ثُمَّ كَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ" [1447].

ومن المواقف الزكية في هذه الغزوة ما حدث من أحد الأعراب الذين حفظت لنا

الروايات بطولته ولم تذكر اسمه. فقد روى النسائي: عن شداد بن الهاد أن رجلا من الأْعرابِ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فآمن به وَاتَّبَعَهُ ، ثم قال : أُهاجِرُ معك ، فأوْصى به النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعضَ أَصْحابِه ، فلما كانت غَزاة ، غَنِم النبيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئا ، فَقَسَمَ وقَسَمَ له ، فأعْطَى أصحابَهُ ما قَسَمَ له ، وكان يَرْعى ظَهْرَهم ، فلمَّا جاء دَفَعُوهُ إليه ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : قِسْمٌ قَسَمَ لَكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، فأخَذَهُ ، فجاء به إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما هذا ؟ قال : «قَسمْتُهُ لَكَ» ، قال : ما على هذا اتَّبَعْتُكَ ، ولكن اتَّبَعْتُكَ على أنْ أُرْمى إلى هَا هُنا - وأشارَ إلى حَلْقِهِ - بِسَهْمٍ فأموتَ ، فأَدْخلَ الْجنَّةَ ، فقال : « إنْ تَصْدُقِ اللّهَ يَصْدُقْكَ»، فلَبِثُوا قليلا ، ثم نهَضُوا في قتال العَدُوِّ ، فأُتِى به النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُحْمَلُ قد أصَابهُ سَهْمٌ حيثُ أشار ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : « أَهُوَ هُوَ » قالوا نعم ، قال : « صَدَقَ الله فَصَدقَهُ » ، ثم كفَّنَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في جُبَّتِهِ ، ثم قدَّمهُ فَصَلَّى عليْه ، فكانَ ممَّا ظَهَرَ مِنْ صلاتِهِ : «اللَّهُمَّ هذا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهاجِرا في سبيلك ، فَقُتِل شَهيدا ، أنا شهيدٌ على ذَلك».[1448]

وكذلك ما ذكروه عن العبد الأسود الذي جاء بغنم سيده فأرسل الغنم لتذهب لصاحبها وأسلم ثم قاتل حتى قتل ولكن في سنده ضعف.

و غنموا غنائم كثيرة .وهي التي وعدهم الله إياها بقوله {وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً

تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ}[الفتح:20] وخمَّس النبي صلى الله عليه و سلم الغنائم و قسم نصفها بين المسلمين و أرصد النصف الآخر لمصالحه ولما ينوبه من أمر المسلمين .

روى ابن سعد عن بشير بن يسار: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما أفاء الله عليه خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهما، جمع كل سهم مائة سهم، وجعل نصفها لنوائبه وما ينزل به. وعزل النصف الآخر فقسمه بين المسلمين وسهم النبي، صلى الله عليه وسلم، فيما قسم بين المسلمين الشق ونطاة وما حيز معهما، وكان فيما وقف الوطيحة والكتيبة وسلالم وما حيز معهن، فلما صارت الأموال في يد النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه لم يكن لهم من العمال ما يكفون عمل الأرض فدفعها النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى اليهود يعملونها على نصف ما يخرج منها، فلم يزالوا على ذلك حتى كان عمر بن الخطاب وكثر في يدي المسلمين العمال وقووا على عمل الأرض، فأجلى عمر اليهود إلى الشام وقسم الأموال بين المسلمين إلى اليوم ([1449]) .

ويشهد لذلك ما خرجه أبو داود بسند صحيح عن سهل بن أبي حثمة قال : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين نصفًا لنوائبه وحاجته ونصفًا بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما ([1450])

وقد أعطى العبيد من الغنائم ولم يسهم لهم. وكذا النساء وأعطاهن من التمر .

روى أبو داود عن عمير مولى آبي اللحم قال :

شهدت خيبر مع سادتي فكلموا فيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بي فقلدت سيفًا فإذا أنا أجره ، فأُخبر أني مملوك فأمر لي بشىء من خرثي المتاع ( خرثي المتاع أي أثاث البيت )

قال أبو داود معناه: أنه لم يسهم له ([1451])  .

وروى الطبراني في الكبير عن ثابت بن الحارث الأنصاري : قال : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر لسهلة بنت عاصم بن عدي و لابنة لها ولدت ([1452])  .

وروى في الكبير عن زينب امرأة عبد الله الثقفية : أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها بخيبر خمسين وسقا تمرًا وعشرين وسقا شعيرا بالمدينة " ([1453])

روى البخاري عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا الْآنَ نَشْبَعُ مِنْ التَّمْرِ" ([1454])

وروى عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا شَبِعْنَا حَتَّى فَتَحْنَا خَيْبَرَ"([1455])

 

و استعمل النبي صلى الله عليه و سلم اليهود الذين كانوا فيها بعد ما سألوا ذلك عوضًا

عما كان صالحهم عليه من الجلاء على أن يعملوها و لرسول الله صلى الله عليه و سلم النصف مما يخرج منها من ثمر أو زرع وقد اصطفى صلى الله عليه و سلم من غنائمها صفية بنت حيي بن أخطب لنفسه فأسلمت فأعتقها و تزوجها – وكان عتقها مهرها- و بنى بها في طريق المدينة بعدما حلت .

روى البخاري  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا"([1456])

وروى ابن سعد عن ابن عمر، قال: أتى رسول الله، عليه السلام، أهل خيبر عند الفجر فقاتلهم حتى ألجأهم إلى قصرهم وغلبهم على الأرض والنخل، فصالحهم على أن يحقن دماءهم ولهم ما حملت ركابهم وللنبي صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والحلقة، وهو السلاح، ويخرجهم، وشرطوا للنبي، صلى الله عليه وسلم، أن لا يكتموه شيئا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد، فلما وجد المال الذي غيبوه في مسك الجمل سبى نساءهم وغلب على الأرض والنخل ودفعها إليهم على الشطر، فكان ابن رواحة يخرصها عليهم ويضمنهم الشطر"([1457]) .

وروى ابن سعد  عن ابن عباس قال: لما ظهر النبي، صلى الله عليه وسلم، على خيبر صالحهم على أن يخرجوا بأنفسهم وأهليهم ليس لهم بيضاء ولا صفراء، فأتي بكنانة والربيع، وكان كنانة زوج صفية والربيع أخوه وابن عمه، فقال لهما رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أين آنيتكما التي كنتما تعيرانها أهل مكة؟ قالا: هربنا فلم تزل تضعنا أرض وترفعنا أخرى فذهبنا فأنفقنا كل شيء؛ فقال لهما: إنكما إن كتمتماني شيئا فاطلعت عليه استحللت به دماءكما وذراريكما؛ فقالا: نعم! فدعا رجلا من الأنصار فقال: اذهب إلى قراح كذا وكذا ثم ائت النخل فانظر نخلة عن يمينك أو عن يسارك فانظر نخلة مرفوعة فأتني بما فيها. قال: فانطلق فجاءه بالآنية والأموال فضرب أعناقهما وسبى أهليهما، وأرسل رجلاً فجاء بصفية فمر بها على مصرعهما فقال له نبي الله، صلى الله عليه وسلم: لم فعلت؟ فقال: أحببت يا رسول الله أن أغيظها. قال: فدفعها إلى بلال وإلى رجل من الأنصار فكانت عنده ([1458]) .

 

و قد أهدت إليه امرأة من يهود خيبر ـ و هي زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم

ـ شاة مصلية مسمومة فلما انتهش من ذراعها أخبره الذراع أنه مسموم فترك الأكل و دعا باليهودية فاستخبرها : أسممت هذه الشاة؟ فقالت : نعم فقال : ما أردت إلى ذلك  ؟ فقالت : أردت إن كنت نبيًا لم يضرك وإن كنت غيره استرحنا منك، فعفا عنها صلى الله عليه و سلم و قيل : إن بشر بن البراء بن معرور كان ممن أكل منها فمات فقتلها به ،وقيل :بل عفا عنها،كما ذكر أهل المغازي وقد روى ذلك أبو داود مرسلا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . و قد ثبت في الصحيح  أن اليهود أرادوا سمه اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوضع السم في الشاة فيبدوا أن المرأة صنعت ذلك بأمرهم .وقد أحس النبي بأثر هذا السم بعد ذلك في مرض موته  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ فِيهَا سَمٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْمَعُوا لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ الْيَهُودِ فَجُمِعُوا لَهُ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ فَقَالُوا نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَبُوكُمْ قَالُوا أَبُونَا فُلَانٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَبْتُمْ بَلْ أَبُوكُمْ فُلَانٌ فَقَالُوا صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ فَقَالَ هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ فَقَالُوا نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَهْلُ النَّارِ فَقَالُوا نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْسَئُوا فِيهَا وَاللَّهِ لَا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا ثُمَّ قَالَ لَهُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ قَالُوا نَعَمْ فَقَالَ هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سَمًّا فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالُوا أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا نَسْتَرِيحُ مِنْكَ وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ ([1459])

وقال البخاري :قَالَ يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ ([1460])

و قدم على النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة خيبر بعد فراغهم من القتال جعفر بن

أبي طالب و أصحابه ممن بقي مهاجرا بأرض الحبشة و صحبتهم أبو موسى الأشعري في جماعة من الأشعريين يزيدون على السبعين ،(وتقدم ذكرالحديث الصحيح في ذلك في الهجرة إلى الحبشة) و قدم عليه أبو هريرة و آخرون رضي الله عنهم أجمعين فأعطاهم صلى الله عليه و سلم من المغانم كما أراه الله عز وجل  و قد فرح النبي صلى الله عليه و سلم  بقدوم جعفر وقال:لا أدري بأيهما أنا أسر أبفتح خيبر أم بقدوم جعفر  ؟ و لما قدم عليه قام و قبل ما بين عينيه

روى الحاكم عن جابر بن عبد الله قال : لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما أدري بأيهما أنا أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر([1461])

وفي هذه الغزوة كان تحريم الحمر الأهلية و كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير وتحريم نكاح المتعة .

روى البخاري عن محمد بن الحنفية أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ([1462])

وروى عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: صَبَّحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَلَجَئُوا إِلَى الْحِصْنِ فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} وَأَصَبْنَا حُمُرًا فَطَبَخْنَاهَا فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ"([1463])

وروى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ أُكِلَتْ الْحُمُرُ ثُمَّ جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ أُكِلَتْ الْحُمُرُ ثُمَّ جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ أُفْنِيَتْ الْحُمُرُ فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ"([1464])

وروى ابن سعد عن جابر بن عبد الله قال: لما كان يوم خيبر أصاب الناس مجاعة، فأخذوا الحمر الإنسية فذبحوها وملؤوا منها القدور فبلغ ذلك نبي الله، صلوات الله عليه؛ قال جابر: فأمرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكفأنا القدور وهي تغلي، فحرم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الحمر الإنسية ولحوم البغال وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وحرم المجثمة والخلسة والنهبة"([1465])

وروى عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر وأذن في لحوم الخيل". ([1466])

وفي طريق عودته عثرت ناقته صلى الله عليه وسلم فوقع من عليها ثم ركبها فلما قرب

من المدينة دعا الله عز وجلّ دعاء الرجوع من السفر كعادته – روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْفَلَهُ مِنْ عُسْفَانَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلّى الله  عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَقَدْ أَرْدَفَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، فَعَثَرَتْ نَاقَتُهُ، فَصُرِعَا جَمِيعًا، فَاقْتَحَمَ أَبُو طَلْحَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: «عَلَيْكَ المَرْأَةَ»، فَقَلَبَ ثَوْبًا عَلَى وَجْهِهِ، وَأَتَاهَا، فَأَلْقَاهُ عَلَيْهَا، وَأَصْلَحَ لَهُمَا مَرْكَبَهُمَا، فَرَكِبَا وَاكْتَنَفْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَى المَدِينَةِ قَالَ: «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى دَخَلَ المَدِينَةَ »([1467])

وقال ابن سعد : وقتل منهم ثلاثة وتسعين رجلا من يهود منهم الحارث أبو زينب

ومرحب وأسير وياسر وعامر وكنانة بن أبي الحقيق وأخوه وإنما ذكرنا هؤلاء وسميناهم لشرفهم واستشهد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر ربيعة بن أكثم وثقف بن عمرو بن سميط ورفاعة بن مسروح وعبد الله بن أمية بن وهب حليف لبني أسد بن عبد العزى ومحمود بن مسلمة وأبو ضياح بن النعمان من أهل بدر والحارث بن حاطب من أهل بدر وعدي بن مرة بن سراقة وأوس بن حبيب وأنيف بن وائل ومسعود بن سعد بن قيس وبشر بن البراء بن معرور مات من الشاة المسمومة وفضيل بن النعمان وعامر بن الأكوع أصاب نفسه فدفن هو ومحمود بن مسلمة في غار واحد بالرجيع بخيبر وعمارة بن عقبة بن عباد بن مليل ويسار العبد الأسود ورجل من أشجع فجميعهم خمسة عشر رجلا ً([1468]) .

باب: فتح فدك

ولما بلغ أهل فدك ما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم بأهل خيبر بعثوا إليه يطلبون الصلح فأجابهم فكانت مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل و لا ركاب فوضعها صلى الله عليه و سلم حيث أراه الله عز وجل ولم يقسمها

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ قَذَفَ اللّهُ الرّعْبَ فِي قُلُوبِ أَهْلِ فَدَكِ ، حِينَ بَلَغَهُمْ مَا أَوْقَعَ اللّهُ تَعَالَى بِأَهْلِ خَيْبَرَ ، فَبَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَالِحُونَهُ عَلَى النّصْفِ مِنْ فَدَكِ ، فَقَامَتْ عَلَيْهِ رُسُلُهُمْ بِخَيْبَرِ أَوْ بِالطّائِفِ أَوْ بَعْدَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَكَانَتْ فَدَكُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِصَةً لِأَنّهُ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلِ وَلَا رِكَابٍ([1469]) .

باب: فتح وادي القرى

و هو عائد في طريقه من خيبر إلى المدينة نزل على وادي القرى ففتحه و قيل : إنه قاتل فيه، فالله أعلم، و في الصحيحين أن غلاما لرسول الله صلى الله عليه و سلم يدعى مدعمًا بينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ جاءه سهم غرب فقتله ، فقال الناس : هنيئا له الشهادة ،فأخبرهم بأن الشملة التي غلها تشتعل عليه نارا .

روى البخاري عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ و عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً إِنَّمَا غَنِمْنَا الْبَقَرَ وَالْإِبِلَ وَالْمَتَاعَ وَالْحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ، أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" بَلْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا "، فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ"([1470]) .

باب:سرية أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، إلى بني كلاب بنجد .

وكانت إلى بني كلاب بنجد ناحية ضرية، في شعبان سنة سبع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

روى ابن سعد عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: غزوت مع أبي بكر إذ بعثه النبي، صلى الله عليه وسلم، علينا فسبى ناسا من المشركين فقتلناهم، فكان شعارنا: أمت أمت! قال: فقتلت بيدي سبعة أهل أبيات من المشركين". ([1471])

وروى ابن سعد ومسلم عن سلمة بن الأكوع قال: غَزَوْنَا فَزَارَةَ وَعَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ، أَمَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَاءِ سَاعَةٌ، أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ فَعَرَّسْنَا، ثُمَّ شَنَّ الْغَارَةَ، فَوَرَدَ الْمَاءَ، فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ عَلَيْهِ، وَسَبَى، وَأَنْظُرُ إِلَى عُنُقٍ مِنَ النَّاسِ فِيهِمُ الذَّرَارِيُّ، فَخَشِيتُ أَنْ يَسْبِقُونِي إِلَى الْجَبَلِ، فَرَمَيْتُ بِسَهْمٍ بَيْنهُمْ وَبَيْنَ الْجَبَلِ، فَلَمَّا رَأَوُا السَّهْمَ وَقَفُوا، فَجِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ وَفِيهِمِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ عَلَيْهَا قَشْعٌ مِنْ أَدَمٍ - قَالَ: الْقَشْعُ: النِّطْعُ - مَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَبِ، فَسُقْتُهُمْ حَتَّى أَتَيْتُ بِهِمْ أَبَا بَكْرٍ، فَنَفَّلَنِي أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّوقِ، فَقَالَ: «يَا سَلَمَةُ، هَبْ لِي الْمَرْأَةَ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ لَقَدْ أَعْجَبَتْنِي وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، ثُمَّ لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغَدِ فِي السُّوقِ، فَقَالَ لِي: «يَا سَلَمَةُ، هَبْ لِي الْمَرْأَةَ لِلَّهِ أَبُوكَ» ، فَقُلْتُ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَوَاللهِ مَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَفَدَى بِهَا نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ  . ([1472])

 

باب:سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة

قال ابن سعد:سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة في شهر رمضان سنة سبع  من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، غالب بن عبد الله إلى بني عوال وبني عبد بن ثعلبة، وهم بالميفعة، وهي وراء بطن نخل إلى النقرة قليلا بناحية نجد، وبينها وبين المدينة ثمانية برد، بعثه في مائة وثلاثين رجلا ودليلهم يسار مولى رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، فهجموا عليهم جميعًا ووقعوا وسط محالهم، فقتلوا من أشرف لهم واستاقوا نعمًا وشاء فحدروه إلى المدينة ولم يأسروا أحدًا، وفي هذه السرية قتل أسامة بن زيد الرجل الذي قال: لا إله إلا الله، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: ألا شققت قلبه فتعلم صادق هو أم كاذب؟ فقال أسامة: لا أقاتل أحدا يشهد أن لا إله إلا الله([1473]).

قلت : قال أسامة ذلك  عندما بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحُرُقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ

فقد روى البخاري عن أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَكَفَّ الْأَنْصَارِيُّ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أُسَامَةُ: أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ([1474])

 

باب:عمرة القضاء

ولما رجع صلى الله عليه و سلم إلى المدينة أقام بها إلى شهر ذي القعدة فخرج فيه معتمرًا عمرة القضاء التي قاضى قريشا عليها ، و منهم من يجعلها قضاء عن عمرة الحديبية حيث صُد ، و منهم من يقول عمرة القصاص، و الكل صحيح ([1475]).

فسار حتى بلغ مكة فاعتمر وطاف بالبيت و تحلل من عمرته و تزوج بعد إحلاله بميمونة بنت الحارث أم المؤمنين و تمت الثلاثة أيام التي اتفقوا عليها، فبعث إليه المشركون يقولون له : اخرج من بلدنا و قد كانوا خرجوا من مكة حين قدمها صلى الله عليه و سلم عداوة و بغضًا له

فخرج عليه الصلاة والسلام فبنى بميمونة بسرف و رجع إلى المدينة مؤيدًا منصورًا.

 

قال ابن سعد : عمرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، القضية في ذي القعدة سنة سبع من مهاجره. قالوا: لما دخل هلال ذي القعدة أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه أن يعتمروا قضاء لعمرتهم التي صدهم المشركون عنها بالحديبية، وأن لا يتخلف أحد ممن شهد الحديبية، فلم يتخلف منهم أحد إلا رجال استشهدوا منهم بخيبر ورجال ماتوا. وخرج مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قوم من المسلمين عمارًا فكانوا في عمرة القضية ألفين، واستخلف على المدينة أبا رهم الغفاري وساق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ستين بدنة وجعل على هديه ناجية بن جندب الأسلمي، وحمل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، السلاح البيض والدروع والرماح وقاد مائة فرس، .... وخرجت قريش من مكة إلى رؤوس الجبال وخلوا مكة، فقدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الهدي أمامه فحبس بذي طوى، وخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على راحلته القصواء والمسلمون متوشحون السيوف محدقون برسول الله، صلى الله عليه وسلم، يلبون فدخل من الثنية التي تطلعه على الحجون وعبد الله بن رواحة آخذ بزمام راحلته، فلم يزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يلبي حتى استلم الركن بمحجنه مضطبعا بثوبه، وطاف على راحلته والمسلمون يطوفون معه قد اضطبعوا بثيابهم، وعبد الله بن رواحة يقول:

خلوا بني الكفار عن سبيله ... خلوا فكل الخير مع رسوله

نحن ضربناكم على تأويله ... كما ضربناكم على تنزيله([1476])

ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله

يا رب إني مؤمن بقيله ...

فقال عمر: يا ابن رواحة إيها! فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:

يا عمر إني أسمع! فأسكت عمر وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إيها يا بن رواحة! قال: قل لا إله إلا الله وحده نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب؛ وحده قال فقالها بن رواحة فقالها الناس كما قال. ثم طاف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن الصفا والمروة على راحلته، فلما كان الطواف السابع عند فراغه وقد وقف الهدي عند المروة قال: هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر؛ فنحر عند المروة وحلق هناك وكذلك فعل المسلمون فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ناسا منهم يذهبوا إلى أصحابهم ببطن يأجج فيقيموا على السلاح ويأتي الآخرون فيقضوا نسكهم ففعلوا، ثم دخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الكعبة فلم يزل فيها إلى الظهر ثم أمر بلالا فأذن على ظهر الكعبة وأقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمكة ثلاثا وتزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية، فلما كان عند ظهر من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى فقالا: قد انقضى أجلك فاخرج عنا! وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم ينزل بيتا بل ضربت له قبة من أدم بالأبطح، فكان هناك حتى خرج منها وأمر أبا رافع فنادى بالرحيل وقال: لا يمسين بها أحد من المسلمين، وأخرج عمارة بنت حمزة بن عبد المطلب من مكة وأم عمارة سلمى بنت عميس، وهي أم عبد الله بن شداد بن الهاد، فاختصم فيها علي وجعفر وزيد بن حارثة أيهم تكون عنده فقضى بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لجعفر من أجل أن خالتها عنده أسماء بنت عميس، وركب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى نزل سرف وتتام الناس إليه. وأقام أبو رافع بمكة حتى أمسى فحمل إليه ميمونة بنت الحارث فبنى عليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بسرف ثم أدلج فسار حتى قدم المدينة([1477]) .

وهذه بعض الأحاديث الصحيحة التي تبين ما وقع في هذه العمرة من أحداث وتؤيد ما ذكره ابن سعد رحمه الله.

وروى الترمذي عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ مَكَّةَ فِى عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَمْشِى وَهُوَ يَقُولُ:

خَلُّوا بَنِى الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ * الْيَوْمَ نَضْرِبْكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ

ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ * وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَفِى حَرَمِ اللَّهِ تَقُولُ الشِّعْرَ فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ فَلَهِىَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ »([1478]).

وروى أحمد والبخاري ومسلم  عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ-  مكة- وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، قَالَ: فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمْ الْحُمَّى. قَالَ: " فَأَطْلَعَ اللهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْمُلُوا، وَقَعَدَ الْمُشْرِكُونَ نَاحِيَةَ الْحِجْرِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ، فَرَمَلُوا وَمَشَوْا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، قَالَ: فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ تَزْعُمُونَ أَنَّ الْحُمَّى وَهَنَتْهُمْ؟ ‍ هَؤُلاءِ أَقْوَى مِنْ كَذَا وَكَذَا. ذَكَرُوا قَوْلَهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " فَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلا إِبْقَاءٌ عَلَيْهِمْ " ([1479]) .

وروى أحمد عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا خَرَجْنَا مِنْ مَكَّةَ اتَّبَعَتْنَا ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِي: يَا عَمِّ، يَا عَمِّ. قَالَ: فَتَنَاوَلْتُهَا بِيَدِهَا، فَدَفَعْتُهَا إِلَى فَاطِمَةَ، فَقُلْتُ: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ اخْتَصَمْنَا فِيهَا أَنَا وَجَعْفَرٌ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا عِنْدِي - يَعْنِي أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ - وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي. وَقُلْتُ: أَنَا أَخَذْتُهَا وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا أَنْتَ يَا جَعْفَرُ، فَأَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي، وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَلِيُّ، فَمِنِّي وَأَنَا مِنْكَ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا زَيْدُ، فَأَخُونَا وَمَوْلَانَا، وَالْجَارِيَةُ عِنْدَ خَالَتِهَا، فَإِنَّ الْخَالَةَ وَالِدَةٌ" وفي لفظ "الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ"  ([1480])

وروى ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَزَوّجَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ وَهُوَ حَرَامٌ ، وَكَانَ الّذِي زَوّجَهُ إيّاهَا الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ([1481])

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَتْ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَى أُخْتِهَا أُمّ الْفَضْل ِ وَكَانَتْ أُمّ الْفَضْلِ تَحْتَ الْعَبّاسِ ، فَجَعَلَتْ أُمّ الْفَضْلِ أَمْرَهَا إلَى الْعَبّاسِ ، فَزَوّجَهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ وَأَصْدَقَهَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعَ مِئَةِ دِرْهَمٍ"([1482])  .

ورجح أكثر العلماء  أنه تزوجها وهي حلال لأن ميمونة أخبرت بذلك فهي أعلم بشأنها من ابن عباس رضي الله عنه.ففي الكبير للطبراني عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ مَيْمُونَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَزَوَّجَهَا وَهِيَ حَلَالٌ»[1483] وكذا ورد عن أبي رافع مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[1484] .

باب:إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد

رَوى ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ الثّقَفِيّ قَالَ :حَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ فِيهِ قَالَ: لَمّا انْصَرَفْنَا مَعَ الْأَحْزَابِ عَنْ الْخَنْدَقِ ، جَمَعْتُ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ ، كَانُوا يَرَوْنَ رَأْيِي ، وَيَسْمَعُونَ مِنّي ، فَقُلْت لَهُمْ تَعْلَمُونَ وَاَللّهِ أَنّي أَرَى أَمْرَ مُحَمّدٍ يَعْلُو الْأُمُورَ عُلُوّا مُنْكَرًا ، وَإِنّي قَدْ رَأَيْت أَمْرًا ، فَمَا تَرَوْنَ فِيهِ ؟ قَالُوا : وَمَاذَا رَأَيْت ؟ قَالَ رَأَيْت أَنْ نَلْحَقَ بِالنّجَاشِيّ فَنَكُونَ عِنْدَهُ فَإِنْ ظَهَرَ مُحَمّدٌ عَلَى قَوْمِنَا كُنّا عِنْدَ النّجَاشِيّ ، فَإِنّا أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْهِ أَحَبّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ تَحْت يَدَيْ مُحَمّدٍ وَإِنْ ظَهَرَ قَوْمُنَا فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا ، فَلَنْ يَأْتِيَنَا مِنْهُمْ إلّا خَيْرٌ ، قَالُوا : إنّ هَذَا الرّأْيُ .قلت:فاجمعوا لنا ما نهديه له ، وَكَانَ أَحَبّ مَا يُهْدَى إلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الْأَدَمَ . فَجَمَعْنَا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا ، ثُمّ خَرَجْنَا حَتّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ.

فَوَاَللّهِ إنّا لَعِنْدَهُ إذْ جَاءَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ بَعَثَهُ إلَيْهِ فِي شَأْنِ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ . قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثُمّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ . قَالَ فَقُلْت لِأَصْحَابِي : هَذَا عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ ، لَوْ قَدْ دَخَلْتُ عَلَى النّجَاشِيّ وَسَأَلْته إيّاهُ فَأَعْطَانِيهِ فَضَرَبْت عُنُقَهُ فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنّي قَدْ أَجْزَأْت عَنْهَا حِينَ قَتَلْت رَسُولَ مُحَمّدٍ . قَالَ: فَدَخَلْت عَلَيْهِ فَسَجَدْت لَهُ كَمَا كُنْت أَصْنَعُ . فَقَالَ: مَرْحَبًا بِصَدِيقِي ، أَهْدَيْتَ إلَيّ مِنْ بِلَادِك شَيْئًا ؟ قَالَ قُلْت : نَعَمْ أَيّهَا الْمَلِكُ قَدْ أَهْدَيْت إلَيْك أَدَمًا كَثِيرًا ؛ قَالَ ثُمّ قَرّبْته إلَيْهِ فَأَعْجَبَهُ وَاشْتَهَاهُ ثُمّ قُلْت لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ إنّي قَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا خَرَجَ مِنْ عِنْدِك ، وَهُوَ رَسُولُ رَجُلٍ عَدُوّ لَنَا ، فَأَعْطِنِيهِ لِأَقْتُلَهُ فَإِنّهُ قَدْ أَصَابَ مِنْ أَشْرَافِنَا وَخِيَارِنَا ؛ قَالَ: فَغَضِبَ ثُمّ مَدّ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنّهُ قَدْ كَسَرَهُ فَلَوْ انْشَقّتْ لِي الْأَرْضُ لَدَخَلْت فِيهَا فَرَقًا مِنْهُ ثُمّ قُلْت لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ وَاَللّهِ لَوْ ظَنَنْت أَنّك تَكْرَهُ هَذَا مَا سَأَلْتُكَهُ قَالَ أَتَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَك رَسُولَ رَجُلٍ يَأْتِيهِ النّامُوسُ الْأَكْبَرُ الّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى لِتَقْتُلَهُ قَالَ قُلْت : أَيّهَا الْمَلِكُ أَكَذَاك هُوَ ؟ قَالَ: وَيْحَك يَا عَمْرُو أَطِعْنِي وَاتّبِعْهُ فَإِنّهُ وَاَللّهِ لَعَلَى الْحَقّ وَلَيَظْهَرَنّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ قَالَ قُلْت : أَفَتُبَايِعُنِي لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ؟ قَالَ: نَعَمْ فَبَسَطَ يَدَهُ ، فَبَايَعْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ثُمّ خَرَجْت إلَى أَصْحَابِي وَقَدْ حَالَ رَأْيِي عَمّا كَانَ عَلَيْهِ وَكَتَمْتُ أَصْحَابِي إسْلَامِي .

ثُمّ خَرَجْت عَامِدًا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأُسْلِمَ فَلَقِيتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، وَذَلِكَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكّةَ ، فَقُلْت : أَيْنَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ ؟ قَالَ :وَاَللّهِ لَقَدْ اسْتَقَامَ الْمَنْسِمُ وَإِنّ الرّجُلَ لَنَبِيّ ، أَذْهَبُ وَاَللّهِ فَأُسْلِمَ فَحَتّى مَتَى ؛ قَالَ قُلْت : وَاَللّهِ مَا جِئْتُ إلّا لِأُسْلِمَ . قَالَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتَقَدّمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَسْلَمَ وَبَايَعَ ثُمّ دَنَوْتُ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أُبَايِعُك عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لِي مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِي ، وَلَا أَذْكُرُ مَا تَأَخّرَ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا عَمْرُو ، بَايِعْ فَإِنّ الْإِسْلَامَ يَجُبّ مَا كَانَ قَبْلَهُ ، وَإِنّ الْهِجْرَةَ تَجُبّ مَا كَانَ قَبْلَهَا قَالَ فَبَايَعْته ، ثُمّ انْصَرَفْت"([1485]) .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ، وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ أَنّ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، كَانَ مَعَهُمَا ، حِينَ أَسْلَمَا([1486]) .

وروى مسلم عَنِ ابْنِ شَمَاسَةَ الْمَهْرِىِّ قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِى سِيَاقَةِ الْمَوْتِ..وذكر الحديث وفيه: فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلاَمَ فِى قَلْبِى أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ. فَبَسَطَ يَمِينَهُ - قَالَ - فَقَبَضْتُ يَدِى. قَالَ « مَا لَكَ يَا عَمْرُو ». قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ.

قَالَ « تَشْتَرِطُ بِمَاذَا ». قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لِى. قَالَ « أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ »[1487].وهذا الحديث يدل على حسن إسلامه وحرصه على طلب المغفرة. وقد روى أحمد عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَسْلَمَ النَّاسُ، وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ "[1488]

ورواية ابن اسحاق تفيد أن عمرو بن العاص أسلم على يد النجاشي ثم بعد عودته من الحبشة ذهب ليبايع رسول الله على الإسلام مع خالد بن الوليد. وفيها لطيفة وهي أن صحابيًا(وهو عمرو)  أسلم على يد تابعي( وهو النجاشي)

وقد ذكرنا قصة إسلام خالد بن الوليد قبل مؤته لأن أول ذكر له في الجيش الإسلامي إنما كان في مؤتة.فتعين أن يكون إسلامه قبلها .

ولقد كان إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد رضي الله عنهما قوة للإسلام وضعفًا للشرك، وكتب الله على أيديهما صفحات مشرقة من تاريخ المسلمين الجهادي أصبحت باقية في ذاكرة الأمة وتاريخها المجيد على مر الدهور وكر العصور[1489].

.

.

.

..

باب: بعث مؤتة([1490])

و لما كان في جمادى الأولى من سنة ثمان بعث صلى الله عليه و سلم الأمراء إلى مؤتة وهي قرية من أرض الشام ليأخذوا بثأر من قتل هناك من المسلمين ،فقد قام نصارى الشام بزعامة الإمبراطورية الرومانية بالاعتداءات على من يعتنق الإسلام أو يفكر بذلك، وقتلوا والي مَعَانَ حين أسلم، و بَعَثَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحارث بن عمير الأزدي - أَحَدَ بَنِي لِهْبٍ - بِكِتَابِهِ إِلَى الشَّامِ، إِلَى عظيم بُصْرَى، فَعَرَضَ لَهُ شرحبيل بن عمرو الغساني-وكان عاملاً على البلقاء من قِبَل قيصر- فَأَوْثَقَهُ رِبَاطًا، ثُمَّ قَدَّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، ولم تجر العادة بقتل الرسل والسفراء ،وَلَمْ يُقْتَلْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولٌ غَيْرُهُ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ، فَبَعَثَ الْبُعُوثَ، وأمَّر عليهم زيد بن حارثة مولاه صلى الله عليه و سلم و قال : إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة .

روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ " . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنْتُ فِيهِمْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَوَجَدْنَاهُ فِي الْقَتْلَى وَوَجَدْنَا مَا فِي جَسَدِهِ بِضْعًا وَتِسْعِينَ مِنْ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ )([1491])

 

وخرج معهم النبي يشيعهم ويودعهم ويوصيهم حتى بلغ ثنية الوداع فعَنْ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ،

قَالَ: خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشَيِّعًا لِأَهْلِ مُؤْتَةَ حَتَّى بَلَغَ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ، فَوَقَفَ وَوَقَفُوا حَوْلَهُ، فَقَالَ: " اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فَقَاتِلُوا عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ بِالشَّامِ،  وَسَتَجِدُونَ فِيهِمْ رِجَالًا فِي الصَّوَامِعِ مُعْتَزِلِينَ مِنَ النَّاسِ فَلَا تَعَرَّضُوا لَهُمْ، وَسَتَجِدُونَ آخَرِينَ لِلشَّيْطَانِ فِي رُءُوسِهِمْ مَفَاحِصُ فَافْلِقُوهَا بِالسُّيُوفِ، وَلَا تَقْتُلُوا امْرَأَةً، وَلَا صَغِيرًا ضَرَعًا، وَلَا كَبِيرًا فَانِيًا، وَلَا تَقْطَعُنَّ شَجَرَةً، وَلَا تَعْقِرُنَّ نَخْلًا، وَلَا تَهْدِمُوا بَيْتًا "([1492]).وإن كان في سنده مقال إلا أنه قد ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من طرق صحيحة أنه كان يوصي بذلك كلما أرسل جيشًا أوسرية([1493]) .

قال ابن إسحاق:ثُمّ خَرَجَ الْقَوْمُ وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا وَدّعَهُمْ وَانْصَرَفَ عَنْهُمْ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ :

خَلَفَ السّلَامُ عَلَى امْرِئٍ وَدّعْته ... فِي النّخْلِ خَيْرَ مُشَيّعٍ وَخَلِيلِ"([1494])

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْثَةَ إلَى مُؤْتَةَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَقَالَ إنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى النّاسِ . فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ عَلَى النّاسِ . فَتَجَهّزَ النّاسُ ثُمّ تَهَيّئُوا لِلْخُرُوجِ . وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ فَلَمّا حَضَرَ خُرُوجَهُمْ ، وَدّعَ النّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَلّمُوا عَلَيْهِمْ . فَلَمّا وَدّعَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مَنْ وَدّعَ مِنْ أُمَرَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَكَى ، فَقَالُوا : مَا يُبْكِيك يَا ابْنَ رَوَاحَةَ ؟ فَقَالَ . أَمَا وَاَللّهِ مَا بِي حُبّ الدّنْيَا وَلَا صَبَابَةٌ بِكُمْ ، وَلَكِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ . يَذْكُرُ فِيهَا النّارَ { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبّكَ حَتْمًا مَقْضِيّا } [ مريم:71] فلست أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصّدَرِ بَعْدَ الْوُرُودِ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمْ اللّهُ وَدَفَعَ عَنْكُمْ وَرَدّكُمْ إلَيْنَا صَالِحِينَ .فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ :

لَكِنّنِي أَسْأَلُ الرّحْمَنَ مَغْفِـرَةً ... وَضَرْبَةً ذَاتَ فَزْعٍ تَقْذِفُ الزّبَدا

أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرّانَ مُجْهِـزَةً ... بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الْأَحْشَـاءَ وَالْكَبِدَا

حَتّى يُقَالَ إذَا مَرّوا عَلَى جَدَثِي ... أَرْشَدَهُ اللّهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا

قَالَ: ثُمّ مَضَوْا حتى نزلوا مَعَانَ ، مِنْ أَرْضِ الشّامِ ، فَبَلَغَ النّاسَ أَنّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ مَآبَ ، مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ ، فِي مِئَةِ أَلْفٍ مِنْ الرّومِ ، وَانْضَمّ إلَيْهِمْ مِنْ لَخْم ٍ وَجُذَامٍ وَالْقَيْنِ وَبَهْرَاءَ وَبَلِي ّ مِئَةُ أَلْفٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ بَلِيّ ثُمّ أَحَدُ إرَاشَةَ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ زَافِلَةَ . فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ أَقَامُوا عَلَى مَعَانَ لَيْلَتَيْنِ يُفَكّرُونَ فِي أَمْرِهِمْ وَقَالُوا : نَكْتُبُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنُخْبِرُهُ بِعَدَدِ عَدُوّنَا ، فَإِمّا أَنْ يُمِدّنَا بِالرّجَالِ وَإِمّا أَنْ يَأْمُرَنَا بِأَمْرِهِ فَنَمْضِيَ لَهُ .

قَالَ: فَشَجّعَ النّاسَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، وَقَالَ يَا قَوْمِ وَاَللّهِ إنّ الّتِي تَكْرَهُونَ لَلّتِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ : الشّهَادَةُ . وَمَا نُقَاتِلُ النّاسَ بِعَدَدِ وَلَا قُوّةٍ وَلَا كَثْرَةٍ مَا نُقَاتِلُهُمْ إلّا بِهَذَا الدّينِ الّذِي أَكْرَمَنَا اللّهُ بِهِ فَانْطَلِقُوا فَإِنّمَا هِيَ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمّا ظُهُورٌ وَإِمّا شَهَادَةٌ . قَالَ فَقَالَ النّاسُ قَدْ وَاَللّهِ صَدَقَ ابْنُ رَوَاحَةَ . قال:فَمَضَى النّاسُ  حَتّى إذَا كَانُوا بِتُخُومِ الْبَلْقَاءِ لَقِيَتْهُمْ جَمُوعُ هِرَقْلَ مِنْ الرّوم ِ وَالْعَرَبِ ، بِقَرْيَةِ مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ يُقَالُ لَهَا مَشَارِفُ ، ثُمّ دَنَا الْعَدُوّ ، وَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا مُؤْتَةُ . فَالْتَقَى النّاسُ عِنْدَهَا فَتَعَبّأَ لَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ رَجُلًا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ يُقَالُ لَهُ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ وَعَلَى مَيْسَرَتِهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عُبَايَةُ بْنُ مَالِكٍ .- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عُبَادَةُ بْنُ مَالِكٍ-

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : تَمّ الْتَقَى النّاسُ وَاقْتَتَلُوا ، فَقَاتَلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِرَايَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى شَاطَ فِي رِمَاحِ الْقَوْمِ .

ثُمّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا ، حَتّى إذَا أَلْحَمَهُ الْقِتَالُ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ ، فَعَقَرَهَا ، ثُمّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ . فَكَانَ جَعْفَرٌ أَوّلَ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَقَرَ فِي الْإِسْلَامِ ([1495]).

وروى ابن إسحاق عن عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ حَدّثَنِي أَبِي الّذِي أَرْضَعَنِي -وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ- قَالَ: وَاَللّهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى جَعْفَرٍ حِينَ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ ثُمّ عَقَرَهَا ثُمّ قَاتَلَ حَتّى قُتِلَ وَهُوَ يَقُولُ

يَا حَبّذَا الْجَنّةُ وَاقْتِرَابُهَا ... طَيّبَةً وَبَارِدًا شَرَابُهَا

وَالرّومُ رُومٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا ... كَافِرَةٌ بَعِيدَةٌ أَنْسَابُهَا

عَلَيّ إذْ لَاقَيْتُهَا ضِرَابُهَا

قَالَ : فَلَمّا قُتِلَ جَعْفَرٌ أَخَذَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ الرّايَةَ ثُمّ تَقَدّمَ بِهَا ، وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ وَيَتَرَدّدُ بَعْضَ التّرَدّدِ ثُمّ قَالَ

أَقْسَمْتُ يَــا نَفْسُ لَتَنْزِلِنـّهْ ... لَتَنْزِلِـنّ أَوْ لَتُكْرَهِنـّهْ

إنْ أَجْلَبَ النّاسُ وَشَدّوا الرّنّهْ ... مَالِي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنّهْ

قَدْ طَالَ مَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنّهْ ... هَلْ أَنْتِ إلّا نُطْفَةٌ فِي شَنّهْ

وَقَالَ أَيْضًا :

يَا نَفْسُ إلّا تُقْتَلِي تَمُوتِي * هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلِيَتْ

وَمَا تَمَنّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيت * إنْ تَفـْعَلِي فِعْلَهُمـَا هُدِيت

يريد صاحبيه :زَيْدًا وَجَعْفَرًا ؛ ثُمّ نَزَلَ فَلَمّا نَزَلَ أَتَاهُ ابْنُ عَمّ لَهُ بِعَرْقٍ مِنْ لَحْمٍ فَقَالَ شُدّ بِهَذَا صُلْبَك ، فَإِنّك قَدْ لَقِيت فِي أَيّامِك هَذِهِ مَا لَقِيت ، فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ ثُمّ انْتَهَسَ مِنْهُ نَهْسَةً ثُمّ سَمِعَ الْحَطْمَةَ فِي نَاحِيَةِ النّاسِ فَقَالَ وَأَنْتَ فِي الدّنْيَا ثُمّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَتَقَدّمَ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ .

تَمّ أَخَذَ الرّايَةَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ قَالُوا : أَنْتَ قَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلِ . فَاصْطَلَحَ النّاسُ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، فَلَمّا أَخَذَ الرّايَةَ دَافَعَ الْقَوْمَ . وَحَاشَى بِهِمْ ثُمّ انْحَازَ ، وَانْحِيزَ عَنْهُ ، حَتّى انْصَرَفَ بِالنّاسِ([1496]).

 

وما صنعه خالد  سماه الرسول فتحًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه حافظ على سلامة الجيش

وقد قاتل بمن معه، وثبتوا ثبوت الجبال،مع أنه لا مقارنة بين عدد الجيشين.،ثم صنع حيلة وخدعة عسكرية أوهمت الروم أنه قد جاءه المدد ، ثم عاد بجيشه ،وانحاز الروم عنه وخافوا اتباعه.

روى أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا، اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ " فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ - أَوِ اسْتُشْهِدَ - فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ - أَوِ اسْتُشْهِدَ - فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ " فَلَقُوا الْعَدُوَّ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَتَى خَبَرُهُمِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: " إِنَّ إِخْوَانَكُمْ لَقُوا الْعَدُوَّ، وَإِنَّ زَيْدًا أَخَذَ الرَّايَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ - أَوِ اسْتُشْهِدَ - ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ - أَوِ اسْتُشْهِدَ -، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ - أَوِ اسْتُشْهِدَ - ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ " فَأَمْهَلَ، ثُمَّ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ - ثَلاثًا - أَنْ يَأْتِيَهُمْ، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: " لَا تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ ادْعُوا إلِي ابْنَيِ أخِي " قَالَ: فَجِيءَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ، فَقَالَ: ادْعُوا إِلَيَّ الْحَلاقَ، فَجِيءَ بِالْحَلاقِ فَحَلَقَ رُءُوسَنَا، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا مُحَمَّدٌ فَشَبِيهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ فَشَبِيهُ خَلْقِي وَخُلُقِي " ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَشَالَهَا، فَقَالَ: " اللهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَرًا فِي أَهْلِهِ، وَبَارِكْ لِعَبْدِ اللهِ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ "، قَالَهَا ثَلاثَ مِرَارٍ، قَالَ: فَجَاءَتِ أمُّنَا فَذَكَرَتْ لَهُ يُتْمَنَا، وَجَعَلَتْ تُفْرِحُ لَهُ، فَقَالَ: " الْعَيْلَةَ تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟! "([1497])

وروى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ،  ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ ، وَقَالَ مَا يَسُرُّنَا أَنَّهُمْ عِنْدَنَا- قَالَ أَيُّوبُ: أَوْ قَالَ: مَا يَسُرُّهُمْ أَنَّهُمْ عِنْدَنَا- وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ" ([1498])

وروى الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت جعفرًا يطير في الجنة مع الملائكة"([1499])

روى ابْنُ إسْحَاقَ  عَنْ أَسَمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ ، قَالَتْ: لَمّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ دَخَلَ عَلَيّ

رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ دَبَغْت أَرْبَعِينَ مَنًا ،وَعَجَنْت عَجِينِي ، وَغَسَلْت بَنِيّ ، وَدَهَنْتهمْ وَنَظّفْتهمْ . قَالَتْ:فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: ائْتِينِي بِبَنِي جَعْفَرٍ ؟ قَالَتْ: فَأَتَيْته بِهِمْ فَتَشَمّمَهُمْ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ. فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ . بِأَبِي أَنْت وَأُمّي مَا يُبْكِيك ؟ أَبَلَغَك عَنْ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ أُصِيبُوا هَذَا الْيَوْمَ . قَالَتْ : فَقُمْت أَصِيحُ ، وَاجْتَمَعَتْ إلَيّ النّسَاءُ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهِ . فَقَالَ: لَا تُغْفِلُوا آلَ جَعْفَرٍ مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا ، فَإِنّهُمْ قَدْ شُغِلُوا بِأَمْرِ صَاحِبِهِمْ"([1500])

وروى أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ حِينَ قُتِلَ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا ، فَقَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ يَشْغَلُهُمْ أَوْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ"  ِ([1501]).

 

روى ابن اسحاق عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ: لَمّا أَتَى نَعْيُ جَعْفَرٍ عَرَفْنَا فِي وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحُزْنَ قَالَتْ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ النّسَاءَ عَنّيْنَنَا وَفَتَنّنَا ؟ قَالَ فَارْجِعْ إلَيْهِنّ فَأَسْكِتْهُنّ . قَالَتْ فَذَهَبَ ثُمّ رَجَعَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ: تَقُولُ وَرُبّمَا ضَرّ التّكَلّفُ أَهْلَهُ ، قَالَتْ قَالَ: فَاذْهَبْ فَأَسْكِتْهُنّ فَإِنْ أَبَيْنَ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنّ التّرَابَ . قَالَتْ وَقُلْت فِي نَفْسِي : أَبْعَدَك اللّهُ فَوَاَللّهِ مَا تَرَكْتَ نَفْسَك وَمَا أَنْتَ بِمُطِيعٍ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَتْ: وَعَرَفْت أَنّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَحْثِيَ فِي أَفْوَاهِهِنّ التّرَابَ"([1502])

وقد أخرجه البخاري من طريق آخر عن عَمْرَةُ قَالَتْ :سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَابْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ - شَقِّ الْبَابِ - فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ لَمْ يُطِعْنَهُ فَقَالَ انْهَهُنَّ فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ قَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَزَعَمَتْ أَنَّهُ قَالَ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ ، فَقُلْتُ: أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تَتْرُكْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَنَاء ِ"([1503])

ومما يدل على شدة ما لاقاه المسلمون في القتال ويدل أيضًا على شدة بأس خالد رضي الله عنه  ما رواه البخاري عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ، يَقُولُ: «لَقَدِ انْقَطَعَتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ فَمَا بَقِيَ فِي يَدِي إِلَّا صَفِيحَةٌ يَمَانِيَةٌ»([1504])

وذكر ابن إسحاق أنه عندما اقترب الجيش من المدينة عائدًا قابلهم الصبيان يعيِّرونهم  وَيَقُولُونَ لهم: يَا فُرّارُ

قالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ . قَالَ لَمّا دَنَوْا مِنْ حَوْلِ الْمَدِينَةِ تَلَقّاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ . قَالَ وَلَقِيَهُمْ الصّبْيَانُ يَشْتَدّونَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقْبِلٌ مَعَ الْقَوْمِ عَلَى دَابّةٍ فَقَالَ: خُذُوا الصّبْيَانَ فَاحْمِلُوهُمْ ، وَأَعْطُونِي ابْنَ جَعْفَرٍ . فَأَتَى بِعَبْدِ اللّهِ فَأَخَذَهُ فَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ . قَالَ: وَجَعَلَ النّاسُ يَحْثُونَ عَلَى الْجَيْشِ التّرَابَ وَيَقُولُونَ يَا فُرّارُ فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : لَيْسُوا بِالْفُرّارِ وَلَكِنّهُمْ الْكُرّارُ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى"([1505]).

وهذا مرسل ،واستغربه ابن كثير ثم قال: : لَعَلَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ فَرُّوا لَمَّا عَايَنُوا كَثْرَةَ جُمُوعِ الروم وكانوا على أكثر من أضعاف الأضعاف فإنهم كَانُوا ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَكَانَ الْعَدُوُّ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ مِائَتَيْ أَلْفٍ، وَمِثْلُ هَذَا يُسَوِّغُ الْفِرَارَ عَلَى مَا قَدْ تَقَرَّرَ، فَلَمَّا فَرَّ هَؤُلَاءِ ثَبَتَ بَاقِيهُمْ ، وَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَتَخَلَّصُوا مِنْ أَيْدِي أُولَئِكَ وَقَتَّلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، كَمَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ مِنْ قَبْلِهِ. أهـ ([1506])

وقد اختلف أهل السير في نتيجة هذه المعركة :قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ

الْمَغَازِي فِي فِرَارِهِمْ وَانْحِيَازِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ ظَهَرُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ انْهَزَمُوا.قَالَ: وَحَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدٌ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ " يَدُلُّ عَلَى ظُهُورِهِمْ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ" ([1507])

و ممن قال بانتصار المسلمين: مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَالْوَاقِدِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ هِشَامٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ.

أما ابْنُ إِسْحَاقَ فذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا الْمُخَاشَاةُ وَالتَّخَلُّصُ مِنْ أَيْدِي الرُّومِ وَسَمَّى هَذَا نَصْرًا وَفَتْحًا  بِاعْتِبَارِ مَا كَانُوا فِيهِ من إحاطة العدو بهم وتكاثرهم وتكاتفهم عليهم،فَلَمَّا تَخَلَّصُوا مِنْهُمْ وَانْحَازُوا عَنْهُمْ كَانَ هَذَا غَايَةَ الْمُرَامِ فِي هَذَا الْمُقَامِ .

قال ابن كثير:وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَبَيْنِ قَوْلِ الْبَاقِينَ وَهُوَ أَنَّ خالد لما أخذ الراية حاش بِالْقَوْمِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى خَلَّصَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْكَافِرِينَ مِنَ الرُّومِ وَالْمُسْتَعْرِبَةِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ وحوَّل الْجَيْشَ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَمُقَدِّمَةً وَسَاقَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ تَوَهَّمَ الرُّومُ أَنَّ ذَلِكَ عَنْ مَدَدٍ جَاءَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا حَمَلَ عَلَيْهِمْ خَالِدٌ هَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ أعلم. أهـ([1508]).

ومما يؤيد أنه كان فتحًا للمسلمين الحديث التالي:

عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ،  قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلًا مِنَ الْعَدُوِّ،

فَأَرَادَ سَلَبَهُ، فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لِخَالِدٍ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ؟» قَالَ: اسْتَكْثَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «ادْفَعْهُ إِلَيْهِ»، فَمَرَّ خَالِدٌ بِعَوْفٍ، فَجَرَّ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتُغْضِبَ، فَقَالَ: «لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي؟ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتُرْعِيَ إِبِلًا، أَوْ غَنَمًا، فَرَعَاهَا، ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقْيَهَا، فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا، فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ، وَتَرَكَتْ كَدْرَهُ، فَصَفْوُهُ لَكُمْ، وَكَدْرُهُ عَلَيْهِمْ»([1509])،وكان ذلك في مؤتة كما رواه أحمد و مسلم من طريق آخر  عن عوف بن مالك الأشجعي t: قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ مَنْ خَرَجَ مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَرَافَقَنِي مَدَدِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ([1510])، لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُ سَيْفِهِ، فَنَحَرَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جَزُورًا، فَسَأَلَهُ الْمَدَدِيُّ طَائِفَةً مِنْ جِلْدِهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَاتَّخَذَهُ كَهَيْئَةِ الدَّرَقِ، وَمَضَيْنَا، فَلَقِينَا جُمُوعَ الرُّومِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ لَهُ أَشْقَرَ عَلَيْهِ سَرْجٌ مُذَهَّبٌ، وَسِلَاحٌ مُذَهَّبٌ، فَجَعَلَ الرُّومِيُّ يُغْرِي بِالْمُسْلِمِينَ، وَقَعَدَ لَهُ الْمَدَدِيُّ خَلْفَ صَخْرَةٍ، فَمَرَّ بِهِ الرُّومِيُّ فَعَرْقَبَ فَرَسَهُ، فَخَرَّ وَعَلَاهُ فَقَتَلَهُ، وَحَازَ فَرَسَهُ وَسِلَاحَهُ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ لِلْمُسْلِمِينَ، بَعَثَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَأَخَذَ مِنْهُ السَّلَبَ، قَالَ عَوْفٌ: فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا خَالِدُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ. قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي اسْتَكْثَرْتُهُ، قُلْتُ: لَتَرُدَّنَّهُ إِلَيْهِ أَوْ لَأُعَرِّفَنَّكَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ. قَالَ عَوْفٌ: فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ قِصَّةَ الْمَدَدِيِّ، وَمَا فَعَلَهُ خَالِدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا خَالِدُ، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسْتَكْثَرْتُهُ،وَسَاقَ الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ ما سبق([1511]).وَهَذَا الحديث يَقْتَضِي أَنَّهُمْ غَنِمُوا مِنْهُمْ وَسَلَبُوا مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَقَتَلُوا مِنْ أُمَرَائِهِمْ.

وفي هذا الحديث موقف عظيم من النبي صلى الله عليه وسلم في حماية القادة والأمراء من أن يتعرضوا للإهانة بسبب الأخطاء التي قد تقع منهم، فهم بشر معرضون للخطأ، فينبغي السعي في إصلاح خطئهم من غير تنقص ولا إهانة .

 

وقد ورد حَدِيثٌ فِيهِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لِأُمَرَاءِ هَذِهِ السَّرِيَّةِ وَهُمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرُ بْنُ

أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. رواه ابن خزيمة عن أَبُي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:

"بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلانِ، فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ، فَأَتَيَا بِي جَبَلًا وَعْرًا، فَقَالَا: اصْعَدْ. فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أُطِيقُهُ. فَقَالَا: إِنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَكَ. فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ إِذَا بِأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ، قُلْتُ: مَا هَذِهِ الْأَصْوَاتُ؟ قَالُوا: هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ. ثُمَّ انْطُلِقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ، مُشَقَّقَةٍ أَشْدَاقُهُمْ تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ. فَقَالَ: خَابَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى! " -فَقَالَ سُلَيْم: مَا أَدْرِي أَسَمِعَهُ أَبُو أُمَامَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَمْ شَيْءٌ مِنْ رَأْيِهِ،- "ثُمَّ انْطَلَقَ فَإِذَا بِقَوْمٍ أَشَدَّ شَيْءٍ انْتِفَاخًا، وَأَنْتَنِهِ رِيحًا، وَأَسْوأِهِ مَنْظَرًا، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ قَتْلَى الْكُفَّارِ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي فَإِذَا بِقَوْمٍ أَشَدَّ انْتِفَاخًا وَأَنْتَنِهِ رِيحًا كَأَنَّ رِيحَهُمُ الْمَرَاحِيضُ. قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الزَّانُونَ وَالزَّوَانِي. ثُمَّ انْطَلَقَ بِي، فَإِذَا أَنَا بِنِسَاءٍ تَنْهَشُ ثُدِيَّهُنَّ الْحَيَّاتُ. قُلْتُ: مَا بَالُ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ يَمْنَعْنَ أَوْلَادَهُنَّ أَلْبَانَهُنَّ. ثُمَّ انْطَلَقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِغِلْمَانٍ يَلْعَبُونَ بَيْنَ نَهْرَيْنِ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ ذَرَارِي الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ شَرَفَ شَرَفًا فَإِذَا أَنَا بِنَفَرٍ ثَلَاثَةٍ يَشْرَبُونَ مِنْ خَمْرٍ لَهُمْ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ جَعْفَرٌ، وَزِيدٌ، وَابْنُ رَوَاحَةَ. ثُمَّ شَرَفَنِي شَرَفًا آخَرَ، فَإِذَا أَنَا بِنَفَرٍ ثَلَاثَةٍ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ: قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَهُمْ يَنْظُرُونِي"([1512]).

وقد روي في مؤتة  أشعار كثيرة  منها شعر كعب بن مالك في رثاء قتلى مؤتة حيث قال:

طورًا أحن([1513]) وتارة أتململ([1514])

    

 
    

في ليلة وردت عليَّ همومها

ببنات نعشٍ والسماك موكَّل([1515])

    

 
    

واعتادني حزن فبت كأنني

مما تأوبني شهاب مدخل([1516])

    

 
    

وكأنما بين الجوانح والحشى

يومًا بمؤتة أسندوا لم ينقلوا

    

 
    

وجدا على النفر الذين تتابعوا

وسقى عظامهم الغمام المسبل([1517])

    

 
    

صلى الإله عليهم من فتية

حذر الردى ومخافة أن ينكلوا([1518])

    

 
    

صبروا بمؤتة للإله نفوسهم

فُنُق([1519]) عليهن الحديد المرفل([1520])

    

 
    

فمضوا أمام المسلمين كأنهم

قدام أولهم فنعم الأول

    

 
    

إذ يهتدون بجعفر ولوائه

حيث التقى وعث الصفوف مجدل

    

 
    

حتى تفرجت الصفوف وجعفر

والشمس قد كسفت وكادت تأفل([1521]) تأفل([1522])

    

 
    

فتغير القمر المنير لفقده

هذه بعض الأبيات التي رثى بها كعب بن مالك شهداء مؤتة، ولم يتغيب حسان بن ثابت t عن نظم القصائد في بكاء قتلى مؤتة، وبكاء جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة، وذكر بطولاتهم ، فقد كان الشعراء والخطباء هم المؤسسة الإعلامية في هذا العصر ويؤدون دورهم بتفوق وجدارة ابنغاء مرضاة الله عز وجلّ.وقد سجل جيش المسلمين في مؤتة بطولات يندر أن يأتي الزمان بمثلها وحسبك أن تعلم أنه قتل من النصارى الكثير ولم يقتل من المسلمين إلا اثنا عشر شهيدًا([1523])،ألا يعد ذلك نصرًا عظيما إذا علمت أن جيش المسلمين ثلاثة آلاف في مواجهة مائتي ألف من النصارى ([1524]).

?.

?.

?.

?.

?..

?.

/

?

?

?

?

/

?

?

?

>

?

 

?.

?.

?.

/.

ز..

ز.......

?باب: سرية ذات السلاسل

قال البخاري:باب غَزْوَةُ ذَاتِ السُّلَاسِلِ وَهِيَ غَزْوَةُ لَخْمٍ وَجُذَامَ قَالَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عُرْوَةَ :هِيَ بِلَادُ بَلِيٍّ وَعُذْرَةَ وَبَنِي الْقَيْنِ([1525])

وقال ابن سعد:وكانت في جمادي الآخرة سنة ثمان من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قالوا: بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن جمعًا من قضاعة قد تجمعوا يريدون أن يدنوا إلى أطراف رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فدعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عمرو بن العاص ([1526])فعقد له لواء أبيض، وجعل معه راية سوداء، وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار ومعه ثلاثون فرسًا، وأمره أن يستعين بمن يمر به من بلي وعذرة وبلقين، فسار الليل وكمن النهار ، فلما قرب من القوم بلغه أن لهم جمعًا كثيرًا فبعث رافع بن مكيث الجهني إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يستمده فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مائتين وعقد له لواء وبعث معه سراة المهاجرين والأنصار، وفيهم أبو بكر وعمر، وأمره أن يلحق بعمرو وأن يكونا جميعًا ولا يختلفا، فلحق بعمرو فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس فقال عمرو: إنما قدمت علي مددًا وأنا الأمير، فأطاع له بذلك أبو عبيدة وكان عمرو يصلي بالناس وسار حتى وطىء بلاد بلي ودوخها حتى أتى إلى أقصى بلادهم وبلاد عذرة وبلقين، ولقي في آخر ذلك جمعًا فحمل عليهم المسلمون فهربوا في البلاد وتفرقوا، ثم قفل وبعث عوف بن مالك الأشجعي بريدًا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره بقفولهم وسلامتهم وما كان في غزاتهم ([1527])

وَذكر ابن اسحاق أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ عَمْرًا يَسْتَنْفِرُ الْعَرَبَ إلَى الإسلام  . وَذَلِكَ أَنّ أُمّ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ كَانَتْ امْرَأَةً مِنْ بَلِيّ ، فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ يَسْتَأْلِفُهُمْ لِذَلِكَ حَتّى إذَا كَانَ عَلَى مَاءٍ بِأَرْضِ جُذَامَ ، يُقَالُ لَهُ السّلْسَلُ ، وَبِذَلِكَ سُمّيَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ غَزْوَةَ ذَاتِ السّلَاسِلِ ؛ فَلَمّا كَانَ عَلَيْهِ خَافَ فَبَعَثَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَمِدّهُ فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ فِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوّلِينَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَقَالَ لِأَبِي عُبَيْدَةَ حِينَ وَجّهَهُ لَا تَخْتَلِفَا..([1528]).

وقد روى أحمد  ما يشهد لذلك لكنه مرسل فعَنْ عَامِرٍ الشعبي، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشَ ذَاتِ السَّلاسِلِ، فَاسْتَعْمَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، وَاسْتَعْمَلَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى الْأَعْرَابِ، فَقَالَ لَهُمَا: تَطَاوَعَا، قَالَ: وَكَانُوا يُؤْمَرُونَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَى بَكْرٍ، فَانْطَلَقَ عَمْرٌو، فَأَغَارَ عَلَى قُضَاعَةَ لِأَنَّ بَكْرًا أَخْوَالُهُ. فَانْطَلَقَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَكَ عَلَيْنَا، وَإِنَّ ابْنَ فُلانٍ قَدِ ارْتَبَعَ أَمْرَ الْقَوْمِ، وَلَيْسَ لَكَ مَعَهُ أَمْرٌ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: " إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَنَا أَنْ نَتَطَاوَعَ "، فَأَنَا أُطِيعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ عَصَاهُ عَمْرٌو"([1529])

* وهذه بعض الأحاديث المتصلة الصحيحة التي تذكر هذه الغزوة و ما حدث فيها:

روى الحاكم في المستدرك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ بريدة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى مَكَانِ الْحَرْبِ أَمَرَهُمْ عَمْرٌو أَنْ لَا يُنَوِّرُوا نَارًا، فَغَضِبَ عُمَرُ وَهَمَّ أَنْ يَنَالَ مِنْهُ، فَنَهَاهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكَ إِلَّا لِعِلْمِهِ بِالْحَرْبِ، فَهَدَأَ عَنْهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ»([1530])

وروى ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُوقِدُوا بِلَيْلٍ نَارًا، فَكَلَّمُوا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالُوا: كَلِّمْهُ لَنَا، فَأَتَاهُ فَقَالَ: زَمَلُوكَ إِلَيَّ لَا يُوقِدُ أَحَدٌ مِنْهُمْ نَارًا إِلَّا أُلْقِيهِ فِيهَا، ثُمَّ لَقِيَ الْعَدُوَّ فَهَزَمَهُمْ، وَلَمْ يَدَعْهُمْ يَطْلُبُونَ الْعَدُوَّ، فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ بِالْخَبْرِ، وَشَكَوْا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «كَانُوا قَلِيلًا، فَكَرِهْتُ أَنْ يُوقِدُوا فَيَسْتَبِينَ لِلْعَدُوِّ قِلَّتُهُمْ، وَكَرِهْتُ أَنْ يَتَّبِعُوا الْعَدُوَّ، وَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مَادَّةٌ فَيَعْطِفُوا عَلَى النَّاسِ» ، فَحَمِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «لِمَ؟» ، قَالَ: لِأُحِبَّ مِنْ تُحِبُّ، قَالَ: «عَائِشَةُ» ، قَالَ: لَيْسَ عَنِ النِّسَاءِ أَسْأَلُكَ، قَالَ: «فَأَبُو بَكْرٍ» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ([1531]) .

ولعل عمرو بن العاص عندما رأى حسن معاملة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له وأنه قد أمَّره في هذه الغزوة على مَن معه من الصحابة-وفيهم أبو بكر وعمر– ظن أنه أحب إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم ، فسأله من أحب الناس إليك ؟ فكان الجواب كما قي الحديث الذي رواه البخاري وغيره عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ عَائِشَةُ قُلْتُ مِنْ الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبُوهَا قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ ؟قَالَ: عُمَرُ ، فَعَدَّ رِجَالًا ، فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ" ([1532])

 

وروى أبو داود عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: احْتَلَمْتُ فِى لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِى غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِى الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ ». فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِى مَنَعَنِى مِنَ الاِغْتِسَالِ وَقُلْتُ إِنِّى سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}[النساء: 29]  فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا"([1533]).

وروى الطبراني في الكبير عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الطَّائِيِّ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِّ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، وَبَعَثَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْجَيْشَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وسَرَاةَ أَصْحَابِهِ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا جَبَلَ طَيِّئٍ، فَقَالَ عَمْرٌو: انْظُرُوا إِلَى رَجُلٍ دَلِيلٍ بِالطَّرِيقِ، فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إِلَّا رَافِعَ بْنَ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ رَبَيلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ - فَسَأَلْتُ طَارِقًا: مَا الرَّبِيلُ؟ قَالَ: اللِّصُّ الَّذِي يَغْزُو الْقَوْمَ وَحْدَهُ فَيَسْرِقُ - قَالَ رَافِعُ: فَلَمَّا قَضَيْنَا غَزَاتِنَا وَانْتَهَيْتُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كُنَّا خَرَجْنَا مِنْهُ، تَوَسَّمْتُ أَبَا بَكْرٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا صَاحِبَ الْخَلَّالِ إِنِّي تَوَسَّمْتُكَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِكَ، فَائْتِنِي بِشَيْءٍ إِذَا حَفِظْتُهُ كُنْتُ مِثْلَكُمُ فَقَالَ: «أَتَحْفَظُ أَصَابِعَكَ الْخَمْسَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «تَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَتُقِيمُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ إِنْ كَانَ لَكَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، حَفِظْتُ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «وَأُخْرَى لَا تَؤَمَرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ» قُلْتُ: هَلْ تَكُونُ الْإِمْرَةُ إِلَّا فِيكُمْ أَهْلَ بَدْرٍ؟ قَالَ: «يُوشِكَ أَنْ تَفْشُوَ حَتَّى تَبْلُغَكَ وَمَنْ هُوَ دُونَكَ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا بَعَثَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ النَّاسُ فِي الْإِسْلَامِ، فَمِنْهُمْ مَنْ دَخَلَ فَهَدَاهُ اللهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَكْرَهَهُ السَّيْفُ، فَهُوَ عَوَّادُ اللهِ وَجِيرَانُ اللهِ فِي خِفَارَةِ اللهِ، إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ أَمِيرًا، فَتَظَالَمَ النَّاسُ بَيْنَهُمْ، فَلَمْ يَأْخُذْ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، انْتَقَمَ اللهُ مِنْهُ، إِنَّ الرَّجُلَ لَتُؤْخَذُ شَاةُ جَارِهِ فَيَظَلُّ نَاتِئَ عَضَلَتِهِ غَضَبًا لِجَارِهِ، وَاللهُ مِنْ وَرَاءِ جَارِهِ» قَالَ رَافِعٌ: فَمَكَثْتُ سَنَةً، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتُخْلِفَ، فَرَكِبْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: أَنَا رَافِعُ، كُنْتُ لَقِيتُكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «عَرَفْتُ» ، قُلْتُ: كُنْتَ نَهَيْتَنِي عَنِ الْإِمارةِ، ثُمَّ رَكِبْتَ بِأَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «نَعَمْ، فَمَنْ لَمْ يَقُمْ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللهِ فَعَلَيْهِ بَهْلَةُ اللهِ» يَعْنِي لَعْنَةَ اللهِ"([1534]) .

وروى البخاري في التاريخ الكبير بسنده  عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَسَّانَ بْنِ كَلَدَةَ الْبَكْرِيِّ، قَالَ: " دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ وَفُلَانٌ قَائِمٌ مُتَقَلِّدٌ السَّيْفَ، فَإِذَا رَايَاتٌ سُودٌ تَخْفِقُ. قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَدِمَ مِنْ جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ"([1535])

وقد روى ابن إسحاق - بسندٍ فيه مجهول- عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيّ ، قَالَ: كُنْت

فِي  الْغَزَاةِ الّتِي بَعَثَ فِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إلَى ذَاتِ السّلَاسِلِ ، قَالَ فَصَحِبْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَمَرَرْتُ بِقَوْمِ عَلَى جَزُورٍ لَهُمْ قَدْ نَحَرُوهَا ، وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُعْضُوهَا ، قَالَ وَكُنْت امْرَأً لَبِقًا جَازِرًا ، قَالَ فَقُلْت : أَتُعْطُونَنِي مِنْهَا عَشِيرًا عَلَى أَنْ أَقَسَمَهَا بَيْنَكُمْ ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ فَأَخَذْت الشّفْرَتَيْنِ فَجَزّأْتهَا مَكَانِي ، وَأَخَذْت مِنْهَا جُزْءًا ، فَحَمَلْته إلَى أَصْحَابِي ، فَاطّبَخْنَاهُ فَأَكَلْنَاهُ . فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا : أَنّى لَك هَذَا اللّحْمُ يَا عَوْفُ ؟ قَالَ فَأَخْبَرْتهمَا خَبَرَهُ فَقَالَا : وَاَللّهِ مَا أَحْسَنْت حِينَ أطعمتنا هذا،ثم قاما يتقيآن ما في بطونهما من ذلك،قَالَ فَلَمّا قَفَلَ النّاسُ مِنْ ذَلِكَ السّفَرِ كُنْت أَوّلَ قَادِمٍ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فَجِئْته وَهُوَ يُصَلّي فِي بَيْتِهِ قَالَ فَقُلْت : السّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللّهِ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ قَالَ أَعَوْفُ بْنُ مَالِكٍ ؟ قَالَ قُلْت : نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ؛ قَالَ أَصَاحِبُ الْجَزُورِ ؟ وَلَمْ يَزِدْنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا" ([1536])

 

. الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (2/ 103)

804 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، نا أَبِي، ثن.ا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا. بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُوقِدُوا بِلَيْلٍ نَارًا،. فَكَلَّمُوا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالُوا: كَلِّمْهُ لَنَا، فَأَتَاهُ فَقَالَ: زَمَلُوكَ إِلَيَّ لَا يُوقِدُ أَحَدٌ مِنْهُمْ نَارًا إِلَّا أُلْقِيهِ فِيهَا، ثُمَّ لَقِيَ الْعَدُوَّ فَهَزَمَهُمْ، وَلَمْ يَدَعْهُمْ يَطْلُبُونَ الْعَدُوَّ، فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ بِالْخَبْرِ، وَشَكَوْا

 

الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (2/ 103)

804 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، نا أَبِي، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُوقِدُوا بِلَيْلٍ نَارًا، فَكَلَّمُوا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالُوا: كَلِّمْهُ لَنَا، فَأَتَاهُ فَقَالَ: زَمَلُوكَ إِلَيَّ لَا يُوقِدُ أَحَدٌ مِنْهُمْ نَارًا إِلَّا أُلْقِيهِ فِيهَا، ثُمَّ لَقِيَ الْعَدُوَّ فَهَزَمَهُمْ، وَلَمْ يَدَعْهُمْ يَطْلُبُونَ الْعَدُوَّ، فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ بِالْخَبْرِ، وَشَكَوْا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «كَانُوا قَلِيلًا، فَكَرِهْتُ أَنْ يُوقِدُوا فَيَسْتَبِينَ لِلْعَدُوِّ قِلَّتُهُمْ، وَكَرِهْتُ أَنْ يَتَّبِعُوا الْعَدُوَّ، وَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مَادَّةٌ فَيَعْطِفُوا عَلَى النَّاسِ» ، فَحَمِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «لِمَ؟» ، قَالَ: لِأُحِبَّ مِنْ تُحِبُّ، قَالَ: «عَائِشَةُ» ، قَالَ: لَيْسَ عَنِ النِّسَاءِ أَسْأَلُكَ، قَالَ: «فَأَبُو بَكْرٍ» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

..

ا..لآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (2/ 103)

80..4 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى اللهُ ..

.

.

.

 

أبواب: فتح مكة(غزوة الفتح الأعظم)

باب: تاريخها وسببها.

كانت في شهر رمضان من السنة الثامنة من الهجرة النبوية المباركة .

وَقَدْ ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، فَقَالَ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى } [الْحَدِيدِ: 10 ]. وَقَالَ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [سورة النَّصْرِ ]

روى ابن أبي شيبة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ لِعَشْرٍ مَضَتْ مِنْ رمضان" ([1537]) وهو الراجح.

ورواه أيضًا الحاكم في المستدرك عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:«كَانَ الْفَتْحُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ" ([1538])

وكان سبب الغزوة أن بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ عَدَتْ عَلَى خُزَاعَةَ ، وَهُمْ عَلَى مَاءٍ

لَهُمْ بِأَسْفَلِ مَكّةَ يُقَالُ لَهُ الْوَتِيرُ ، وكان بنو بكر في حلف قريش ،وخزاعة في حلف الرسول صلى الله عليه وسلم فكان ذلك نقضًا لصلح الحديبة.إذ كان من شروطها كما روى ابن اسحاق: عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ،وفيه: أَنّهُ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِهِ فَلْيَدْخُلْ فِيهِ وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ فَلْيَدْخُلْ فِيهِ فَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ وَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِهِ"([1539])

وروى ابن أبي شيبة  عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ ، قَالاَ : كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ هُدْنَةٌ ، فَكَانَ بَيْنَ بَنِي كَعْبٍ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ قِتَالٌ بِمَكَّةَ ، فَقَدِمَ صَرِيخٌ لِبَنِي كَعْبٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ :

اللهُمَّ إِنِّي نَاشِــدٌ مُحَمَّـدًا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيـهِ الأَتْلَدَا

فَانْصُرْ هَدَاك اللَّهُ نَصْرًا أَعْتَدَا ... وَادْعُ عِبَادَ اللهِ يَأْتُوا مَدَدَا.

فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ فَرَعَدَتْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ هَذِهِ لَتَرْعَدُ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ ، ثُمَّ قَالَ لِعَائِشَةَ : جَهِّزِينِي ، وَلاَ تُعْلِمَنَّ بِذَلِكَ أَحَدًا ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَنْكَرَ بَعْضَ شَأْنِهَا ، فَقَالَ : مَا هَذَا ، قَالَتْ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أُجَهِّزَهُ ، قَالَ : إلَى أَيْنَ ، قَالَتْ : إلَى مَكَّةَ ، قَالَ : فَوَاللهِ مَا انْقَضَتِ الْهُدْنَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بَعْدُ ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ لَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : إنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ غَدَرَ ، ثُمَّ أَمَرَ بِالطَّرِيقِ فَحُبِسَتْ... ([1540])

وروى ابن أبي شيبة عَنْ عِكْرِمَةَ ، قَالَ : لَمَّا وَادَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ مَكَّةَ ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ حُلَفَاءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَتْ بَنُو بَكْرٍ حُلَفَاءَ قُرَيْشٍ ، فَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي صُلْحِ قُرَيْشٍ ، فَكَانَ بَيْنَ خُزَاعَةَ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ قِتَالٌ ، فَأَمَدَّتْهُمْ قُرَيْشٌ بِسِلاَحٍ وَطَعَامٍ ، وَظَلَّلُوا عَلَيْهِمْ ، فَظَهَرَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ ، وَقَتَلُوا فِيهُمْ ، فَخَافَتْ قُرَيْشٌ أَنْ يَكُونُوا قَدْ نَقَضُوا ، فَقَالُوا لأَبِي سُفْيَانَ : اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَأَجِزْ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ.

فَانْطَلَقَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : قَدْ جَاءَكُمْ أَبُو سُفْيَانَ ، وَسَيَرْجِعُ رَاضِيًا بِغَيْرِ حَاجَتِهِ ، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ ، فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، أَجِزْ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ ، أَوَ قَالَ : بَيْنَ قَوْمِكَ ، قَالَ : لَيْسَ الأَمْرُ إِلَيَّ ، الأَمْرُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ ، قَالَ : وَقَدْ قَالَ لَهُ فِيمَا قَالَ : لَيْسَ مِنْ قَوْمٍ ظَلَّلُوا عَلَى قَوْمٍ وَأَمَدُّوهُمْ بِسِلاَحٍ وَطَعَامٍ ، أَنْ يَكُونُوا نَقَضُوا ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : الأَمْرُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ.

ثُمَّ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَا قَالَ لأَبِي بَكْرٍ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَنَقَضْتُمْ ؟ فَمَا كَانَ مِنْهُ جَدِيدًا فَأَبْلاَهُ اللَّهُ ، وَمَا كَانَ مِنْهُ شَدِيدًا ، أَوْ مَتِينًا فَقَطَعَهُ اللَّهُ ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ شَاهِدَ عَشِيرَةٍ ، ثُمَّ أَتَى فَاطِمَةَ ، فَقَالَ : يَا فَاطِمَةُ ، هَلْ لَك فِي أَمْرٍ تَسُودِينَ فِيهِ نِسَاءَ قَوْمِكَ ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهَا نَحْوًا مِمَاْ ذَكَرَ لأَبِي بَكْرٍ ، فَقَالَتْ : لَيْسَ الأَمْرُ إِلَي ، الأَمْرُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ ، ثُمَّ أَتَى عَلِيًّا ، فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَا قَالَ لأَبِي بَكْرٍ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رَجُلاً أَضَلَّ ، أَنْتَ سَيِّدُ النَّاسِ ، فَأَجِزْ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ ، قَالَ : فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى ، وَقَالَ : قَدْ أَجْرَتُ النَّاسَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.

ثُمَّ ذَهَبَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى مَكَّةَ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا صَنَعَ ، فَقَالُوا : وَاللهِ مَا رَأَيْنَا كَالْيَوْمِ وَافِدَ قَوْمٍ ، وَاللهِ مَا أَتَيْتَنَا بِحَرْبٍ فَنَحْذَرَ ، وَلاَ أَتَيْتَنَا بِصُلْحٍ فَنَأْمَنَ ، ارْجِعْ.

قَالَ : وَقَدِمَ وَافِدُ خُزَاعَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ الْقَوْمُ ، وَدَعَا إِلَى النُّصْرَةِ ، وَأَنْشَدَهُ فِي ذَلِكَ شِعْرًا :

لاَهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّــدًا ...   حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الأَتْلَدَا.

وَوَالِدًا كُنْتَ وَكُنَّا وَلَــدًا ... إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا.

وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُؤَكَّـدَا ...  وَجَعَلُوا لِي بِكَدَاءٍ رُصَّدَا.

وَزَعَمْتْ أَنْ لَسْتُ أَدْعُو أَحَدًا ... فَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَــدَدَا.

وَهُمْ أَتَوْنَـا بِالْوَتِيرِ هُجَّـدًا ... نَتْلُو الْقُرْآنَ رُكَّعًا وَسُجَّدًا.

ثُمَّتَ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعْ يَدًا ... فَانْصُرْ رَسُولَ اللهِ نَصْرًا أَعْتَدَا.

وَابْعَثْ جُنُودَ اللهِ تَأْتِي مَدَدًا ... فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَأْتِي مُزْبِدَا

فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ قَدْ تَجَرَّدَا ... إِنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا.

قالَ حَمَّادٌ : هَذَا الشِّعْرُ بَعْضُهُ عَنْ أَيُّوبَ ، وَبَعْضُهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَازِمٍ ، وَأَكْثَرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اسْحَاقَ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَيُّوبَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ.

قَالَ : قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ :

أَتَانِي وَلَمْ أَشْهَدْ بِبَطْحَــاءِ مَكَّة ..... رِجَالُ بَنِي كَعْبٍ تُحَزَّ رِقَابُهَا.

وَصَفْوَانُ عُودٌ حُزَّ مِنْ وَدَقٍ اسْتِهِ..... فَذَاكَ أَوَانُ الْحَرْبِ شُدَّ عِصَابُهَا.

فَلاَ تَجْزَعَـنْ يَابْنَ أَمِّ مُجَــالِدٍ ... فَقَدْ صَرَّحَتْ صِرْفًا وأََعَصل نَابهَا.

فَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ يَنَالَنَّ مَـرَّةً ... سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو حَوْبَهَا وَعِقَابَهَا.

قالَ : فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالرَّحِيلِ ... ([1541])

وَ قال ابن اسحاق:ثُمّ خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ فَلَمّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَوَتْهُ عَنْهُ فَقَالَ : يَا بُنَيّةُ ؟ مَا أَدْرِي أَرَغِبْت بِي عَنْ هَذَا الْفِرَاشِ أَمْ رَغِبْت بِهِ عَنّي ؟ قَالَتْ: بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ، وَأَنْتَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ نَجَسٌ ، وَلَمْ أُحِبّ أَنْ تَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ، قَالَ: وَاَللّهِ لَقَدْ أَصَابَك يَا بُنَيّةُ بَعْدِي شَرّ ([1542])

باب: كتاب حاطب بن أبي بلتعة

وَ لما علم حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ بعزم الرسول على الخروج إلى مكة كَتَبَ إِلَى قُرَيْشٍ، وَأَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكِتَابِ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَائِنَا ، قَالُوا : لَمّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسِيرَ إلَى مَكّةَ ، كَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ كِتَابًا إلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ بِاَلّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْأَمْرِ فِي السّيْرِ إلَيْهِمْ ثُمّ أَعْطَاهُ امْرَأَةً زَعَمَ مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنّهَا مِنْ مُزَيْنَةَ وَزَعَمَ لِي غَيْرُهُ أَنّهَا سَارَةُ مَوْلَاةٌ لِبَعْضِ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَجَعَلَ لَهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ تُبَلّغَهُ قُرَيْشًا ، فَجَعَلَتْهُ فِي رَأْسِهَا ، ثُمّ فَتَلَتْ عَلَيْهِ قُرُونَهَا ، ثُمّ خَرَجَتْ بِهِ وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ مِنْ السّمَاءِ بِمَا صَنَعَ حَاطِبٌ فَبَعَثَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا . فَقَالَ أَدْرِكَا امْرَأَةً قَدْ كَتَبَ مَعَهَا حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ بِكِتَابِ إلَى قُرَيْشٍ ، يُحَذّرُهُمْ مَا قَدْ أَجْمَعْنَا لَهُ فِي أَمْرِهِمْ ([1543])

هكذا أخرجه ابن اسحاق مرسلاً وقد جاء موصولاً من طرق صحيحة منها:

ما أخرجه الْإِمَامُ أَحْمَد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ غَزْوَهُمْ، فَدُلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي مَعَهَا الْكِتَابُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَأَخَذَ كِتَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا، وَقَالَ: " يَا حَاطِبُ أَفَعَلْتَ ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نِفَاقًا، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ، وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ عَرِيرًا بَيْنَ ظَهْرَيْهِمْ، وَكَانَتْ وَالِدَتِي مَعَهُمْ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَّخِذَ هَذَا عِنْدَهُمْ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَلَا أَضْرِبُ رَأْسَ هَذَا ؟ فَقَالَ: " أَتَقْتُلُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ". ([1544])  .

وَ روىَ الْبُخَارِيُّ عن عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ، سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرُ وَالْمِقْدَادُ فَقَالَ: " انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا ". فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ. فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ. فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ. قَالَ: فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ. إِلَى نَاسٍ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا حَاطِبُ، مَا هَذَا ؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ - يَقُولُ: كُنْتُ حَلِيفًا وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا - وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي، وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ ". فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ". فَأَنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ }[الممتحنة: 1]. ([1545])
باب: خُرُوجُ الرّسُولِ إلى مكة وَاسْتِخْلَافُهُ أَبَا رُهْمٍ

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ النَّاسَ أَنَّهُ سَائِرٌ إِلَى مَكَّةَ، وَأَمَرَ بِالْجِدِّ وَالتَّهَيُّؤِ، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ خُذِ الْعُيُونَ وَالْأَخْبَارَ، عَنْ قُرَيْشٍ، حَتَّى نَبْغَتَهَا فِي بِلَادِهَا فَتَجَهَّزَ النَّاسُ أهـ ([1546]) وقد استجاب الله دعوته لذلك كشف كتاب حاطب قبل أن يصل إلى المشركين

وروى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، وَهِيَ تُغَرْبِلُ حِنْطَةً، فَقَالَ: مَا هَذَا ؟ أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِهَازِ ؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَتَجَهَّزْ، قَالَ: وَإِلَى أَيْنَ ؟ قَالَتْ: مَا سَمَّى لَنَا شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَنَا بِالْجِهَازِ"([1547])

وخرج رسول الله في عشرة آلاف مِنَ الْمُسْلِمِينَ – على الراجح- واستخلف على المدينة أبا رهم الغفاري واسمه كُلثوم بن حصين .

وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: كَانَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا. وَكَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ([1548])

روى ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ قَالَ: ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِسَفَرِهِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا رُهْمٍ كُلْثُومَ بْنَ حُصَيْنِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ خَلَفٍ الْغِفَارِيّ وَخَرَجَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَصَامَ النّاسُ مَعَهُ حَتّى إذَا كَانَ بِالْكُدَيْدِ ، بَيْنَ عُسْفَانَ وَأَمَجٍ أَفْطَرَ .ثُمَّ مَضَى حَتَّى نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرَانِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَسَبَّعَتْ سُلَيْمٌ- وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: أَلَّفَتْ سُلَيْمٌ - وَأَلَّفَتْ مُزَيْنَةُ، وَفِي كُلِّ الْقَبَائِلِ عَدَدٌ وَإِسْلَامٌ، وَأَوْعَبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ". ([1549])

وقد رَوَاه أيضًا الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي رَمَضَانَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ فَسَارَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ وَهُوَ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ أَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا"([1550])وفي رواية أخرى زاد" فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْر"([1551])

وروى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِى رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ « أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ »([1552])..

باب:إسْلَامُ العباس عم النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ

وذكر أهل المغازي والسير أن في هذه الأثناء خرج من مكة ثلاثةٌ مهاجرين إلى النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:عم النبي وابن عمه وصهره .وهم:العباس، و أَبو سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بن عبد المطلب وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ أبي أُمَيّةَ-  أخو أم سلمة-  فَوَجَدُوهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ .

وقد لقيه العباس بذي الحليفة، وقيل: بالجحفة فأسلم.ورجع معه صلى الله عليه وسلم، وبعث ثقله إلى المدينة.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لَقِيَهُ بِالْجَحْفَةِ مُهَاجِرًا بِعِيَالِهِ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ عَلَى سِقَايَتِهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ رَاضٍ، فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ([1553]) .

ولما انتهى صلى الله عليه وسلم إلى نيق العقاب جاءه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبي أمية مسلمين، فطردهما، فشفعت فيهما أم سلمة، فقبلهما، فأسلما أتم إسلام رضي الله عنهما، بعد ما كانا أشد الناس عليه صلى الله عليه وسلم.

 

روى الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ عَامَ الْفَتْحِ حَتَّى نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرَانِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَسَبَّعَتْ سُلَيْمٌ وَأَلَّفَتْ مُزَيْنَةُ وَفِي كُلِّ الْقَبَائِلِ عَدَدٌ وَإِسْلَامٌ وَأَوْعَبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، فَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَقَدْ عَمِيَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى قُرَيْشٍ، فَلَا يَأْتِيَهُمْ خَبَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ صَانِعٌ، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانُ بْنُ الْحَارِثِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَدْ لَقِيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَنِيَّةَ الْعِقَابِ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَالْتَمَسَا الدُّخُولَ عَلَيْهِ، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ عَمِّكَ، وَابْنُ عَمَّتِكَ، وَصِهْرُكِ، فَقَالَ: «لَا حَاجَةَ لِي فِيهِمَا، أَمَّا ابْنُ عَمِّي فَهَتَكَ عِرْضِي، وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الَّذِي، قَالَ لِي بِمَكَّةَ مَا قَالَ» فَلَمَّا خَرَجَ الْخَبَرُ إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ وَمَعَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ ابْنٌ لَهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَيَأَذْنَنَّ رَسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَآخُذَنَّ بِيَدِ ابْنِي هَذَا، ثُمَّ لَنَذْهَبَنَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى نَمُوتَ عَطَشًا أَوْ جُوعًا، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهُمَا فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَأَنْشَدَهُ أَبُو سُفْيَانَ قَوْلَهُ فِي إِسْلَامِهِ، وَاعْتِذَارِهِ مِمَّا كَانَ مَضَى فِيهِ، فَقَالَ:

لَعَمْرُكَ إِنِّي يَـوْمَ أَحْمِــلُ رَايَـةً ... لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللَّاتِ خَيْـلَ مُحَمَّدِ

لَكَا لِمُدْلِجِ الْحَيْـرَانُ أَظْلَمَ لَيْلـَةً ... فَهَذَا أَوَانُ الْحَـقِّ أَهْدِي وَأَهْتَدِي

فَقُـلْ لِثَقِيفٍ لَا أُرِيدـُ قِتَالَكُـمْ ... وَقُـلْ لِثَقِيفٍ تِلْكَ عِنْدِي فَاوْعَدِي

هَدَانِي هَــادٍ غَيْـرَ نَفْسِي وَدَلَّنِي ... إِلَى اللَّهِ مَنْ طَرَدْتُ كُـلَّ مَطْرَدِ

أَفِرُّ سَرِيعًــا جَاهِـدًا عَنْ مُحَمَّدٍ ... وَأَدَّعِي وَلَوْ لَمْ أَنْتَسِبْ لِمُحَمَّـدِ

هُمْ عُصْبَـةُ مَنْ لَمْ يَقُـلْ بِهَواهُـمْ ... وَإِنْ كَـانَ ذَا رَأْيٍ يُلِـمْ وَيُفَنَّدِ

أُرِيـدُ لِأَرِضِيَهُـمْ وَلَسْتُ بِلَافِـظٍ ... مَعَ الْقَوْمِ مَا لَمْ أُهْدَ فِي كُلِّ مَقْعَدِ

فَمَا كُنْتُ فِي الْجَيْشِ الَّذِي نَالَ عَامِرًا ...وَلَا كَلَّ عَنْ خَيْرٍ لِسَانِي وَلَا يَدِي

قَبَـائِلُ جَـاءَتْ مِنْ بِـلَادٍ بَعِيـدَةٍ ... تَوَابِعُ جَـاءَتْ مِنْ سِهَامٍ وَسُرْدَدِ

وَإِنَّ الَّذِي أَخَـرَجْتُـمْ وَشَـتَمْتُمْ ... سَيَسْعَى لَكُمْ سَعْيَ امْرِئٍ غَيْرِ قَعْدَدِ

قَالَ: فَلَمَّا أَنْشَدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِلَى اللَّهِ مَنْ طُرِدْتُ كُلَّ مَطْرَدِ، ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِهِ، فَقَالَ: «أَنْتَ طَرَدْتَنِي كُلَّ مَطْرَدِ» ([1554])

بَاب : نزول النبي بمَرِّ الظَّهران وإسلام أبي سفيان بن حرب

وَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ، نَزَلَ فِيهِ فَأَقَامَ، كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ  عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ نَجْتَنِي الْكَبَاثَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ مِنْهُ فَإِنَّهُ أَطْيَبُ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَاهَا ؟"([1555]).

و روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:أَنَفَجْنَا أَرْنَبًا وَنَحْنُ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغِبُوا، فَأَدْرَكْتُهَا فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا، وَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَرِكِهَا أَوْ فَخِذَيْهَا فَقَبِلَهُ". ([1556]).

وقد روى الطبراني في الكبير حديث ابن عباس السابق مطولا وفيه:".. ، فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، وَقَدْ عَمِيَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَأْتِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ خَبَرٌ، وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ فَاعِلٌ، خَرَجَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ يَتَحَسَّسُونَ وَيَنْتَظِرُونَ هَلْ يَجِدُونَ خَبَرًا، أَوْ يَسْمَعُونَ بِهِ، وَقَدْ كَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، وَقَدْ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَدْ لَقِيَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَالْتَمَسَا الدُّخُولَ عَلَيْهِ، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فِيهِمَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْنُ عَمِّكَ وَابْنُ عَمَّتِكَ وَصِهْرُكَ. قَالَ: «لَا حَاجَةَ لِي بِهِمَا، أَمَّا ابْنُ عَمِّي فَهَتَكَ عِرْضِي، وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي وَصِهْرِي، فَهُوَ الَّذِي قَالَ لِي بِمَكَّةَ مَا قَالَ» . فَلَمَّا أَخْرَجَ إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ، وَمَعَ أَبِي سُفْيَانَ بُنَيٌّ لَهُ، فَقَالَ: وَاللهِ لَيَأْذَنَنَّ لِي أَوْ لَآخُذَنَّ بِيَدِ ابْنَيَّ هَذَا، ثُمَّ لَنَذْهَبَنَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى نَمُوتَ عَطَشًا وَجُوعًا، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ رَقَّ لَهُمْا، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْا فَدَخَلَا وَأَسْلَمَا، فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ قَالَ الْعَبَّاسُ: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ، وَاللهِ لَئِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ مَكَّةَ عَنْوَةً قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْمِنُوهُ، إِنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ قَالَ: فَجَلَسْتُ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمِ الْبَيْضَاءِ، فَخَرَجْتُ عَلَيْهَا حَتَّى جِئْتُ الْأَرَاكَ فَقُلْتُ: لَعَلِّي أَلْقَى بَعْضَ الْحَطَّابَةِ، أَوْ صَاحِبَ لَبِنٍ، أَوْ ذَا حَاجَةٍ يَأْتِي مَكَّةَ، فَيُخْبِرُهُمْ بِمَكَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ لِيَخْرُجُوا إِلَيْهِ، فَيَسْتَأْمِنُوهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً. قَالَ: فَوَاللهِ، إِنِّي لَأَسِيرُ عَلَيْهَا، وأَلْتَمِسُ مَا خَرَجْتُ لَهُ إِذْ سَمِعْتُ كَلَامَ أَبِي سُفْيَانَ، وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ، وَأَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ نِيرَانًا وَلَا عَسْكَرًا قَالَ: يَقُولُ بُدَيْلٌ: هَذِهِ وَاللهِ نِيرَانُ خُزَاعَةَ حَمَشَتْهَا الْحَرْبُ. قَالَ: يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ: خُزَاعَةُ، وَاللهِ أَذَلُّ وأَلْأَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ نِيرَانُهَا وَعَسْكَرُهَا. قَالَ: فَعَرَفْتُ صَوْتَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَنْظَلَةَ، فَعَرَفَ صَوْتِي، فَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مَالَكَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي. فَقُلْتُ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ فِي النَّاسِ وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ وَاللهِ قَالَ: فَمَا الْحِيلَةُ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي؟ قَالَ: قُلْتُ: وَاللهِ لَئِنْ ظَفَرَ بِكَ لَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، فَارْكَبْ مَعِي هَذِهِ الْبَغْلَةَ حَتَّى آتِيَ بِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أَسْتَأْمِنَهُ لَكَ، قَالَ: فَرَكِبَ خَلْفِي وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ، فَحَرَّكْتُ بِهِ كُلَّمَا مَرَرْتُ بِنَارٍ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَإِذَا رَأَوْا بَغْلَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالُوا: عَمُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى مَرَرْتُ بِنَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ وَقَامَ إِلَيَّ، فَلَمَّا رَأَى أَبَا سُفْيَانَ عَلَى عَجُزِ الْبَغْلَةِ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ عَدُوُّ اللهِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمْكَنَ مِنْكَ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ، ثُمَّ خَرَجَ يَشْتَدُّ نَحْوَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وَرَكَضَتِ الْبَغْلَةُ، فَسَبَقَتْهُ بِمَا تَسْبِقُ الدَّابَّةُ الْبَطِيءُ الرَّجُلَ الْبَطِيءَ، فَاقْتَحَمْتُ عَنِ الْبَغْلَةِ، فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ وَدَخَلَ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا أَبُو سُفْيَانَ قَدْ أَمْكَنَ اللهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ، فَدَعْنِي فَلْأَضْرِبَ عُنُقَهُ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَجَرْتُهُ، ثُمَّ جَلَسْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ فَقُلْتُ: لَا وَاللهِ لَا يُنَاجِيهِ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ دُونِي، فَلَمَّا أَكْثَرَ عُمَرُ فِي شَأْنِهِ قُلْتُ: مَهْلًا يَا عُمَرُ، أَمَا وَاللهِ لَوْ كَانَ مِنْ رِجَالِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْتُ هَذَا، وَلَكِنَّكَ عَرَفْتَ أَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ رِجَالِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ قَالَ: مَهْلًا يَا عَبَّاسُ، فَوَاللهِ لَإِسِلَامُكَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ، وَمَا بِي إِلَّا أَنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ إِسْلَامَكَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ ،

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: «اذْهَبْ بِهِ إِلَى رَحْلِكَ يَا عَبَّاسُ، فَإِذَا أَصْبَحَ فَائْتِنِي بِهِ» . فَذَهَبْتُ بِهِ إِلَى رَحْلِي فَبَاتَ عِنْدِي، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَوْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: «وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟» قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا أَكْرَمَكَ وَأَوْصَلَكَ، وَاللهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللهِ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى عَنِّي شَيْئًا قَالَ: «وَيْحَكَ يَا أَبَا  سُفْيَانَ، أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟» قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا أحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ وَأَوْصَلَكَ هَذِهِ، وَاللهِ كَانَ فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءُ حَتَّى الْآنَ. قَالَ الْعَبَّاسُ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ أَسْلِمْ، وَاشْهَدْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ قَبْلَ أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُكَ، قَالَ: فَشَهِدَ بِشَهَادَةِ الْحَقِّ وَأَسْلَمَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ هَذَا الْفَخْرَ، فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا قَالَ: «نَعَمْ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ»([1557])

فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَنْصَرِفَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: «يَا عَبَّاسُ، احْبِسْهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ، حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللهِ فَيَرَاهَا» . قَالَ: فَخَرَجْتُ بِهِ حَتَّى حَبَسْتَهُ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أَنْ أَحْبِسَهُ قَالَ: وَمَرَّتْ بِهِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا كُلَّمَا مَرَّتْ قَبِيلَةٌ قَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَأَقُولُ: سُلَيْمٌ. فَيَقُولُ: مَالِي وَلِسُلَيْمٍ؟ قَالَ: ثُمَّ تَمُرُّ الْقَبِيلَةُ قَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَأَقُولُ: مُزَيْنَةُ. فَيَقُولُ: مَا لِي وَلِمُزَيْن‍َةَ؟ حَتَّى تَعَدَّتِ الْقَبَائِلُ لَا تَمُرُّ قَبِيلَةٌ إِلَّا قَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَأَقُولُ: بَنُو فُلَانٍ. فَيَقُولُ: مَالِي وَلِبَنِي فُلَانٍ. حَتَّى مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ فِي الْخَضْرَاءِ كَتِيبَةٌ فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ لَا يَرَى مِنْهُمْ إِلَّا الْحَدَقَ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، مَنْ هَؤُلَاءِ يَا عَبَّاسُ؟ قُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. قَالَ: مَا لِأَحَدٍ بِهَؤُلَاءِ قِبَلٌ وَلَا طَاقَةٌ، وَاللهِ يَا أَبَا الْفَضْلِ، لَقَدْ أَصْبَحَ مِلْكَ ابْنِ أَخِيكَ الْغَدَاةَ عَظِيمًا. قُلْتُ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، إِنَّهَا النُّبُوَّةُ. قَالَ: فَنَعَمْ إِذَنْ، قُلْتُ: النَّجَاءُ إِلَى قَوْمِكَ. قَالَ: فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا جَاءَهُمْ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ بِمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، فَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَأَخَذَتْ بِشَارِبِهِ، فَقَالَتْ: اقْتُلُوا الدَّسَمَ الْأَحْمَسَ، فَبِئْسَ مِنْ طَلِيعَةِ قَوْمٍ. قَالَ: وَيْحَكُمْ، لَا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ مَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ، فَهُوَ آمِنٌ قَالُوا: وَيْلَكَ وَمَا تُغْنِي عَنَّا دَارُكَ. قَالَ: وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ إِلَى دُورِهِمْ وَإِلَى الْمَسْجِدِ"([1558])

وروى البخاري نحوه عن عروة بن الزبير قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ فَإِذَا هُمْ بِنِيرَانٍ كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : مَا هَذِهِ لَكَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاء:َ نِيرَانُ بَنِي عَمْرٍو، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : عَمْرٌو أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْرَكُوهُمْ فَأَخَذُوهُمْ ، فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ، فَلَمَّا سَارَ قَالَ لِلْعَبَّاسِ: احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ حَطْمِ الْخَيْلِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ فَجَعَلَتْ الْقَبَائِلُ تَمُرُّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمُرُّ كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أَبِي سُفْيَانَ ، فَمَرَّتْ كَتِيبَةٌ قَالَ: يَا عَبَّاسُ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَذِهِ غِفَارُ، قَالَ: مَا لِي وَلِغِفَارَ، ثُمَّ مَرَّتْ جُهَيْنَةُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ مَرَّتْ سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ فَقَالَ :مِثْلَ ذَلِكَ، وَمَرَّتْ سُلَيْمُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَالَ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَهُ الرَّايَةُ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ .فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا عَبَّاسُ حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ.

ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ وَهِيَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ، فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وَرَايَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟ قَالَ :مَا قَالَ ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا .فَقَالَ :"كَذَبَ سَعْدٌ وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ". قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالْحَجُونِ . قَالَ عُرْوَةُ : وَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ :سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَا هُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُدَا ، فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ رَجُلَانِ: حُبَيْشُ بْنُ الْأَشْعَرِ وَكُرْزُ بْنُ جابِرٍ الْفِهْرِيُّ" ([1559]).

باب:دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة .

جعل النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه على المقدمة، وخالد بن الوليد رضي الله عنه على الميمنة، والزبير بن العوام رضي الله عنه على الميسرة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في القلب، وكان أعطى الراية سعد بن عبادة رضي الله عنه، فعندما بلغه أنه قال لأبي سفيان حين مر عليه: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة ـ والحرمة هي الكعبة ـ وشكا أبو سفيان ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بل هذا يوم تعظم فيه الكعبة» .. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخذ الراية من سعد وأن تُدفع إلى الزبير بن العوام ،وهو الصحيح، وقيل: إلى على بن أبى طالب، وقيل: إلى قيس بن سعد بن عبادة.

وأمر صلى الله عليه وسلم الزبير أن يدخل من كداء من أعلى مكة، وأن تنصب رايته بالحجون، وأمر خالداً أن يدخل من كدى من أسفل مكة، وأمرهم بقتال من قاتلهم.

ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وهو راكب على ناقته وعلى رأسه المغفر، ورأسه يكاد يمس مقدمة الرحل من تواضعه لربه عز وجل.

وفي حديث عكرمة السابق ّذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر خالدًا أن يدخل مكة من كداء وهي بأعلى مكة. بينما دخلها صلى الله عليه وسلم من أسفلها بكدى. ولكن جاء في أحاديث أخرى متصلة صحيحة  أنه دخلها من كداء التي بأعلى مكة .

فقد روى البخاري مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ أَعْلَى مَكَّةَ"([1560]).

ورواه أحمد عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءَ، وَدَخَلَ فِي الْعُمْرَةِ  مِنْ كُدًى "([1561])

روى البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ وَخَرَجَ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى"([1562]).

وَروى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ مِنْ غَيْرِ إِحْرَامٍ" ([1563]).
وَرَوَى مُسْلِمٌ عن عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ:  «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، قَدْ أَرْخَى طَرَفَيْهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ» "([1564]). .

وروى البخاري  عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ : اقْتُلْهُ".قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا "([1565]).

وَرَوَى أبو داود عَنْ جَابِرٍ، يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «كَانَ لِوَاؤُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ دَخَلَ مَكَّةَ أَبْيَضَ »  [1566]
وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:

كَانَ لِوَاءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَبْيَضَ وَرَايَتُهُ سَوْدَاءَ قِطْعَةَ مِرْطٍ مُرَجَّلٍ ، وَكَانَتِ الرَّايَةُ تُسَمَّى الْعُقَابُ. ([1567]).

وروى ابن أبي شيبة عَنْ عَمْرَةَ قَالَتْ: كَانَ لِوَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ([1568])..

وروى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ[1569]- مرسلاً - عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا انْتَهَى إِلَى ذِي طُوًى، وَقَفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُعْتَجِرًا بِشُقَّةِ بُرْدٍ حِبَرَةٍ حَمْرَاءَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَضَعُ رَأْسَهُ تَوَاضُعًا لِلَّهِ، حِينَ رَأَى مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ، حَتَّى إِنَّ عُثْنُونَهُ لَيَكَادُ يَمَسُّ وَاسِطَةَ الرَّحْلِ".

وأخرج الحاكم نحوه-وصححه- عن أنس قَالَ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَذَقْنُهُ عَلَى رَحْلِهِ مُتَخَشِّعًا» ([1570]).فعل ذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تواضعًا لله تعالى واعترافًا بفضله فما النصر إلا من عند الله عز وجل .

وروى البخاري  عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى نَاقَتِهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ يُرَجِّعُ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ حَوْلِي لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ" ([1571]).

وروى البخاري عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ زَمَنَ الْفَتْحِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ ثُمَّ قَالَ: لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ" قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ: وَمَنْ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ ؟قَالَ: وَرِثَهُ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ ([1572]).

وروى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْزِلُنَا -إِنْ شَاءَ اللَّهُ -إِذَا فَتَحَ اللَّهُ الْخَيْفُ. حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ"([1573]).

وَرواه مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال: ننزل غدًا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر" ([1574]).

وروى ابْنُ إِسْحَاقَ:عن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: لَمَّا وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي طُوًى، قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لِابْنَةٍ لَهُ مِنْ أَصْغَرِ وَلَدِهِ: أَيْ بُنَيَّةُ، اظْهَرِي بِي عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ. قَالَتْ: وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ. قَالَتْ: فَأَشْرَفَتْ بِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ، مَاذَا تَرَيْنَ ؟ قَالَتْ: أَرَى سَوَادًا مُجْتَمِعًا. قَالَ: تِلْكَ الْخَيْلُ. قَالَتْ: وَأَرَى رَجُلًا يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ السَّوَادِ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا. قَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ ذَلِكَ الْوَازِعُ. يَعْنِي الَّذِي يَأْمُرُ الْخَيْلَ وَيَتَقَدَّمُ إِلَيْهَا. ثُمَّ قَالَتْ: قَدْ وَاللَّهِ انْتَشَرَ السَّوَادُ . فَقَالَ: قَدْ وَاللَّهِ إِذَنْ دَفَعَتِ الْخَيْلُ، فَأَسْرِعِي بِي إِلَى بَيْتِي. فَانْحَطَّتْ بِهِ، وَتَلَقَّاهُ الْخَيْلُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ بَيْتَهُ. قَالَتْ: وَفِي عُنُقِ الْجَارِيَةِ طَوْقٌ مِنْ وَرَقٍ، فَتَلَقَّاهَا رَجُلٌ فَيَقْتَطِعُهُ مِنْ عُنُقِهَا. قَالَتْ: فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، أَتَى أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ يَقُودُهُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ ؟ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِي إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ أَنْتَ إِلَيْهِ. قَالَ: فَقَالَتْ: فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ صَدْرَهُ، ثُمَّ قَالَ: " أَسْلِمْ ". فَأَسْلَمَ. قَالَتْ: وَدَخَلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ رَأْسُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غَيِّرُوا هَذَا مِنْ شَعْرِهِ "[1575]

وروى أحمد نحوه عن أنس قَالَ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ أَبِي قُحَافَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَحْمِلُهُ حَتَّى وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: " لَوْ أَقْرَرْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ، لَأَتَيْنَاهُ تَكْرُمَةً لِأَبِي بَكْرٍ ". فَأَسْلَمَ وَلِحْيَتُهُ وَرَأْسُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غَيِّرُوهُمَا، وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ "[1576]

 

وروى الحاكم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه:" أَنَّ رَجُلًا كَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَأَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ»([1577]) وهذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم ورحمته به.

وروى ابن أبي شيبة في مصنفه  عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَتْ : لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ ، فَرَّ إِلَيَّ رَجُلاَنِ مِنْ أَحْمَائِي مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ ، قَالَتْ : فَخَبَّأْتُهُمَا فِي بَيْتِي ، فَدَخَلَ عَلَيَّ أَخِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ : لأَقْتُلَنَّهُمَا ، قَالَتْ : فَأَغْلَقْت الْبَابَ عَلَيْهِمَا ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَعْلَى مَكَّةَ ، وَهُوَ يَغْتَسِلُ فِي جَفْنَةٍ ، إِنَّ فِيهَا أَثَرَ الْعَجِينِ ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ.

فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غُسْلِهِ ، أَخَذَ ثَوْبًا فَتَوَشَّحَ بِهِ ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مِنَ الضُّحَى ، ثُمَّ أَقْبَلَ ، فَقَالَ : مَرْحَبًا وَأَهْلاً بِأُمِّ هَانِئٍ ، مَا جَاءَ بِكَ ؟ قَالَتْ : قُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، فَرَّ إِلَيَّ رَجُلاَنِ مِنْ أَحْمَائِي ، فَدَخَلَ عَلَيَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ قَاتِلُهُمَا ، فَقَالَ : لاَ ، قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ ، وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ. ([1578]).

باب: هل حدث قتال ؟

ذكر أهل السير والمغازي أنه لم يحصل قتال وإنما حدثت بعض المناوشات مع جيش خالد فقتل على آثارها بعض الأفراد. إذ جمع عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو  جمعاً بالخندمة، فمر بهم خالد بن الوليد فقاتلهم، فقتل من المسلمين ثلاثة وهم: كرز بن جابر من بني محارب بن فهر، وخُنَيْسُ بن خالد بن ربيعة بن أصرم الخزاعي([1579])، وسلمة بن الميلاء الجهني، رضي الله عنهم.وقتل من المشركين ثلاثة عشر رجلاً، وفر بقيتهم.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي  بَكْرٍ، أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، وَسُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو كَانُوا قَدْ جَمَعُوا نَاسًا بِالْخَنْدَمَةِ لِيُقَاتِلُوا، وَكَانَ حِمَاسُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدٍ، أَخُو بَنِي بَكْرٍ يُعِدُّ سِلَاحًا قَبْلَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُصْلِحُ مِنْهُ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: لِمَاذَا تُعِدُّ مَا أَرَى ؟ قَالَ: لِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ. فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَرَى يَقُومُ لِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ. قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أُخْدِمَكِ بَعْضَهُمْ. ثُمَّ قَالَ:
إِنْ يُقْبِلُوا الْيَوْمَ فَمَا لِي عِلَّهْ * هَذَا سِلَاحٌ كَامِلٌ وَأَلَّهْ * وَذُو غِرَارَيْنِ سَرِيعُ السَّلَّهْ
قَالَ: ثُمَّ شَهِدَ الْخَنْدَمَةَ مَعَ صَفْوَانَ وَعِكْرِمَةَ وَسُهَيْلٍ، فَلَمَّا لَقِيَهُمُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ خَالِدٍ، نَاوَشُوهُمْ شَيْئًا مِنْ قِتَالِ، فَقُتِلَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ، أَحَدُ بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ، وَخُنَيْسُ بْنُ خَالِدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَصْرَمَ، حَلِيفُ بَنِي مُنْقِذٍ، وَكَانَا فِي جَيْشِ خَالِدٍ فَشَذَّا عَنْهُ، فَسَلَكَا غَيْرَ طَرِيقِهِ، فَقُتِلَا جَمِيعًا، وَكَانَ قَبْلَ كُرْزٍ قُتِلَ خُنَيْسٌ. قَالَا: وَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدٍ أَيْضًا  سَلَمَةُ بْنُ الْمَيْلَاءِ الْجُهَنِيُّ، وَأُصِيبَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَرِيبٌ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، ثُمَّ انْهَزَمُوا، فَخَرَجَ حِمَاسٌ مُنْهَزِمًا حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ، ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَغْلِقِي عَلَيَّ بَابِي. قَالَتْ: فَأَيْنَ مَا كُنْتَ تَقُولُ ؟ فَقَالَ:
إِنَّكِ لَوْ شَهِدْتِ يَوْمَ الْخَنْدَمَهْ *إِذْ فَرَّ صَفْوَانُ وَفَرَّ عِكْرِمَهْ
وَأَبُو يَزِيدَ قَائِمٌ كَالْمُوتَمَهْ *وَاسْتَقْبَلَتْهُمْ بِالسُّيُوفِ الْمُسْلِمَهْ
يَقْطَعْنَ كُلَّ سَاعِدٍ وَجُمْجُمَهْ *ضَرْبًا فَلَا يُسْمَعُ إِلَّا غَمْغَمَهْ
لَهُمْ نَهِيتٌ خَلَفَنَا وَهَمْهَمَهْ *لَمْ تَنْطِقِي فِي اللَّوْمِ أَدْنَى كَلِمَهْ
(قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى هَذِهِ الْأَبْيَاتُ لِلرَّعَّاشِ الْهُذَلِيِّ.
وَكَانَ شِعَارُ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ: يَا بَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَشِعَارُ الْخَزْرَجِ: يَا بَنِي عَبْدِ اللَّهِ. وَشِعَارُ الْأَوْسِ: يَا بَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ.) ([1580]) .

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَهِدَ إِلَى أُمَرَائِهِ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ ،وقد أمَّن صلى الله عليه وسلم الناس إلا نفر من المشركين منهم عبد العزى بن خطل، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعكرمة بن أبي جهل، ومقيس بن صبابة، والحويرث بن نقيذ، وقينتين لابن خطل ، فإنه صلى الله عليه وسلم أهدر دمائهم، وأمر بقتلهم حيث وجدوا، حتى ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة.

قَالَ ابن إسحاق: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَى أُمَرَائِهِ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ أَهْدَرَ دَمَ نَفَرٍ سَمَّاهُمْ، وَإِنْ وُجِدُوا تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَكَتَبَ الْوَحْيَ ثُمَّ ارْتَدَّ، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، وَقَدْ أَهْدَرَ دَمَهُ فَرَّ إِلَى عُثْمَانَ، وَكَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَلَمَّا جَاءَ بِهِ لِيَسْتَأْمِنَ لَهُ، صَمَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: " نَعَمْ ". فَلَمَّا انْصَرَفَ مَعَ عُثْمَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ حَوْلَهُ: " أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حِينَ رَآنِي قَدْ صَمَتُّ فَيَقْتُلَهُ ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَّا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا ؟ " فَقَالَ: " إِنَّ النَّبِيَّ لَا يَقْتُلُ  بِالْإِشَارَةِ.
قَالَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ غَالِبٍ - قُلْتُ: وَيُقَالُ: إِنَّ اسْمَهُ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ خَطَلٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ، ثُمَّ لَمَّا أَسْلَمَ سُمِّيَ عَبْدَ اللَّهِ - وَلَمَّا أَسْلَمَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ مَعَهُ مَوْلًى لَهُ فَغَضِبَ عَلَيْهِ غَضْبَةً فَقَتَلَهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ مُشْرِكًا وَكَانَ لَهُ قَيْنَتَانِ، فَرْتَنَى وَصَاحِبَتُهَا، فَكَانَتَا تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ، فَلِهَذَا أَهْدَرَ دَمَهُ وَدَمَ قَيْنَتَيْهِ، فَقُتِلَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، اشْتَرَكَ فِي قَتْلِهِ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيُّ، وَقُتِلَتْ إِحْدَى قَيْنَتَيْهِ وَاسْتُؤْمِنَ لِلْأُخْرَى.

قَالَ: وَالْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ بْنِ  قَصَيٍّ، وَكَانَ مِمَنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، وَلَمَّا تَحَمَّلَ الْعَبَّاسُ بِفَاطِمَةَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ لِيَذْهَبَ بِهِمَا إِلَى الْمَدِينَةِ يُلْحِقُهُمَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ الْهِجْرَةِ، نَخَسَ بِهِمَا الْحُوَيْرِثُ هَذَا، الْجَمَلَ الَّذِي هُمَا عَلَيْهِ، فَسَقَطَتَا إِلَى الْأَرْضِ، فَلَمَّا أُهْدِرَ دَمُهُ قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.

قَالَ: وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ، لِأَنَّهُ قَتَلَ قَاتِلَ أَخِيهِ خَطَأً بَعْدَمَا أَخَذَ الدِّيَةَ، ثُمَّ ارْتَدَّ مُشْرِكًا، قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ: نُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: وَسَارَةُ مَوْلَاةٌ لِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلِعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، لِأَنَّهَا كَانَتْ تُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِمَكَّةَ.
قَالَ: وَأَمَّا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، فَهَرَبَ إِلَى الْيَمَنِ، وَأَسْلَمَتِ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَاسْتَأْمَنَتْ لَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّنَهُ، فَذَهَبَتْ فِي طَلَبِهِ، حَتَّى أَتَتْ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ". [1581].

وهو مرسل، ويؤيد  أكثره ما رواه متصلا ابن أبي شيبة عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ ، أَمَّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلاَّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، وَقَالَ : اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ : عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ خَطَلٍ ، وَمِقْيَسَ بْنَ صُبَابَةَ ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ.

فَأَمَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ خَطَلٍ فَأُدْرِكَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ وَعَمَّارٌ ، فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا ، وَكَانَ أَشَبَّ الرَّجُلَيْنِ فَقَتَلَهُ ، وَأَمَّا مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ فِي السُّوقِ فَقَتَلُوهُ.

وَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَرَكِبَ الْبَحْرَ فَأَصَابَتْهُمْ عَاصِفٌ ، فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ لأَهْلِ السَّفِينَةِ : أَخْلِصُوا ، فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لاَ تُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا هَاهُنَا ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ : وَاللهِ لَئِنْ لَمْ يُنْجِينِي فِي الْبَحْرِ إِلاَّ الإِخْلاَصُ مَا يُنْجِينِي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ ، اللَّهُمَّ إِنَّ لَك عَهْدًا إِنْ أَنْتَ عَافَيْتنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ ، أَنْ آتِي مُحَمَّدًا حَتَّى أَضَعَ يَدَيْ فِي يَدِهِ ، فَلأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا ، قَالَ : فَجَاءَ فَأَسْلَمَ.

وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عَنْدَ عُثْمَانَ ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ لِلْبَيْعَةِ ، جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، بَايِعْ عَبْدَ اللهِ ، قَالَ : فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلاَثًا ، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى فَبَايَعَهُ بَعْدَ الثَّلاَثِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْت يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ ؟ قَالَوا : وَمَا يُدْرِينَا يَا رَسُولَ اللهِ مَا فِي نَفْسِكَ ، أَلاَ أَوْمَأْت إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ ؟ قَالَ : إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ أَعْيُنٍ." ([1582]).

روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ فَقَالَ «اقْتُلُوهُ»([1583])

وروى الْبَيْهَقِيُّ – بسند فيه ضعف- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ إِلَّا أَرْبَعَةً، عَبْدَ الْعُزَّى بْنَ خَطَلٍ، وَمَقْيَسَ بْنَ صُبَابَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَأُمَّ سَارَةَ، فَأَمَّا عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ خَطَلٍ فَإِنَّهُ قُتِلَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. قَالَ:وَنَذَرَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَقْتُلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ إِذَا رَآهُ، وَكَانَ أَخَا عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَأَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَشْفَعَ لَهُ، فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ الْأَنْصَارِيُّ اشْتَمَلَ عَلَى السَّيْفِ، ثُمَّ أَتَاهُ فَوَجَدَهُ فِي حَلْقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يَتَرَدَّدُ وَيَكْرَهُ أَنْ يُقَدِمَ عَلَيْهِ، فَبَسَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَبَايَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلْأَنْصَارِيِّ: " قَدِ انْتَظَرْتُكَ أَنْ تُوفِيَ بِنَذْرِكَ ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هِبْتُكَ، أَفَلَا أَوْمَأتَ إِلَيَّ ؟ قَالَ: " إِنَّهُ لَيْسَ لِلنَّبِيِّ أن يومِيء .

قَالَ: وَأَمَّا مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ أَخٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُتِلَ خطأ فبعث رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي فِهْرٍ لِيَأْخُذَ عَقْلَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ فَلَمَّا جَمَعَ لَهُ الْعَقْلَ، وَرَجَعَ، نَامَ الْفِهْرِيُّ فَوَثَبَ مِقْيَسٌ فَأَخَذَ حَجَرًا فَجَلَدَ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَتَلَهُ، وَأَقْبَلَ يَقُولُ:

شَفَى النَّفْسَ أَنْ قَدْ بَاتَ بِالْقَاعِ مُسْنَدًا ... تُضَرِّجُ ثَوْبَيْهِ دِمَاءُ الْأَخَــادِعِ

وَكَانَتْ هُمُــومُ النَّفْسِ مِنْ قَبْلِ قَتْلِهِ ...تُلِمُّ وَتُنْسِينِي وِطَاءَ الْمَضَـاجِعِ

قَتَلْتُ بِهِ فِهْــرًا وغرّمـت عقلـه ...سرات بَنِي النَّجَّارِ أَرْبَابَ فَـارِعِ

حَلَلْتُ بِهِ نَـذْرِي وَأَدْرَكْـتُ ثُؤْرَتِي ...وَكُنْتُ إِلَى الْأَوْثَانِ أَوَّلَ رَاجِـعِ

وَأَمَّا أُمُّ سَارَةَ فَإِنَّهَا كَانَتْ مَوْلَاةً لِقُرَيْشٍ، وَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَشَكَتْ إِلَيْهِ الْحَاجَةَ فَأَعْطَاهَا شَيْئًا، ثُمَّ أَتَاهَا رَجُلٌ فَبَعَثَ مَعَهَا بِكِتَابٍ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَذَكَرَ قِصَّةَ حَاطِبٍ ) ([1584]).

 

ولا يثبت ما رواه الحاكم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ هَرَبَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ أُمَّ حَكِيمِ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ امْرَأَةً عَاقِلَةً أَسْلَمَتْ، ثُمَّ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمَانَ لِزَوْجِهَا فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ، فَخَرَجَتْ فِي طَلَبِهِ وَقَالَتْ لَهُ: جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ أَوْصَلِ النَّاسِ وَأَبَرِّ النَّاسِ وَخَيْرِ النَّاسِ وَقَدِ اسْتَأْمَنْتُ لَكَ فَأَمَّنَكَ، فَرَجَعَ مَعَهَا، فَلَمَّا دَنَا مِنْ مَكَّةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «يَأْتِيَكُمْ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا، فَلَا تَسُبُّوا أَبَاهُ، فَإِنَّ سَبَّ الْمَيِّتِ يُؤْذِي الْحَيَّ، وَلَا يَبْلُغُ الْمَيِّتَ» ، فَلَمَّا بَلَغَ بَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَبْشَرَ وَوَثَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا عَلَى رِجْلَيْهِ فَرِحًا بِقُدُومِهِ" ([1585])

وَقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة صلاة الضحى ثَمَانِىَ رَكَعَاتٍ – وقيل بل صلاة الفتح- كما جاء فِي  " صَحِيحِ مُسْلِمٍ عن أَبَي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِى

طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِى طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ - قَالَتْ - فَسَلَّمْتُ فَقَالَ « مَنْ هَذِهِ ». قُلْتُ أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِى طَالِبٍ. قَالَ « مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ ». فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِىَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّى عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً أَجَرْتُهُ فُلاَنُ بْنُ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ ». قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَلِكَ ضُحًى"([1586])..

باب: دخول النبي الكعبة.وتحطيم الأصنام

طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكعبة، ودعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة بعد أن مانعت سلافة (أم عثمان) دونه، ثم أسلمته. فدخل صلى الله عليه وسلم الكعبة، ومعه أسامة بن زيد، وبلال، وعثمان ابن طلحة، ولا أحد معهم، وأغلقوا الأبواب، وبقوا فيها حيناً، وصلى صلى الله عليه وسلم في داخلها، ثم خرج وخرجوا، ورد المفتاح إلى عثمان بن طلحة، وأبقى له حجابة البيت، فهي في ولده إلى اليوم، في ولد شيبة بن عثمان بن طلحة.

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر الصور التي داخل الكعبة وخارجها، وتكسير الأصنام التي حول الكعبة وبمكة. وأذن له بلال على ظهر الكعبة ([1587]) .

وخطب الناس وبين لهم أنَّ اللَّهَ قَدْ وَضَعَ عَنْهمْ عُِبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفخرها بِآبَائِهَا وأن أَكْرَمَهمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاهمْ .

روى ابْنُ إِسْحَاقَ ،عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَاطْمَأَنَّ النَّاسُ، خَرَجَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ فَطَافَ بِهِ سَبْعًا عَلَى رَاحِلَتِهِ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ فِي يَدِهِ، فَلَمَّا قَضَى طَوَافَهُ دَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ فَأَخَذَ مِنْهُ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ، فَفُتِحَتْ لَهُ فَدَخَلَهَا فَوَجَدَ فِيهَا حَمَامَةً مِنْ عِيدَانٍ، فَكَسَرَهَا بِيَدِهِ ثُمَّ طَرَحَهَا، ثُمَّ وَقَفَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ وَقَدِ اسْتَكَفَّ لَهُ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ"([1588]) .

وروى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ يَوْمَ الفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَمَعَهُ بِلاَلٌ، وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنَ الحَجَبَةِ، حَتَّى أَنَاخَ فِي المَسْجِدِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ البَيْتِ فَفَتَحَ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أُسَامَةُ، وَبِلاَلٌ، وَعُثْمَانُ، فَمَكَثَ فِيهَا نَهَارًا طَوِيلًا، ثُمَّ خَرَجَ»، فَاسْتَبَقَ النَّاسُ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ، فَوَجَدَ بِلاَلًا وَرَاءَ البَابِ قَائِمًا، فَسَأَلَهُ " أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَشَارَ لَهُ إِلَى المَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ "([1589])  .

وَقَدْ ثَبَتَ -في طريق آخر لحديث ابن عمر السابق-أَنه عَلَيْهِ الصلاة و السَّلَام صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ تِلْقَاءَ وِجْهَةِ بَابِهَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، فَجَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَائِطِ الْغَرْبِيِّ مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ([1590]).فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِينَ خَرَجَ مَاذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَجَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ  » ([1591]).

وَروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ:كَانَ فِي الْكَعْبَةِ صُوَرٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يَمْحُوَهَا، فَبَلَّ عُمَرُ ثَوْبًا وَمَحَاهَا بِهِ، فَدَخَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِيهَا مِنْهَا شَيْءٌ"([1592]).

ورواه ابن أبي شيبة ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : دَخَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ ، وَفِي الْبَيْتِ وَحَوْلَ الْبَيْتِ ثَلاَثُ مِئَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا ، تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ ، قَالَ : فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَكُبَّتْ كُلُّهَا لِوُجُوهِهَا ، ثُمَّ قَالَ : {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ، إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم" ([1593]).

وروى الْبُخَارِيُّ ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، وَحَوْلَ البَيْتِ  سِتُّونَ وَثَلاَثُ مِائَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: " {جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ، إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]، {جَاءَ الحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ البَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49] ([1594])"

وروى ابن أبي شيبة عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : دَخَلْت مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْكَعْبَةَ ، فَرَأَى فِي الْبَيْتِ صُورَةً ، فَأَمَرَنِي فَأَتَيْتُهُ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ ، فَجَعَلَ يَضْرِبُ تِلْكَ الصُّورَةَ وَيَقُولُ : قَاتَلَ اللَّهُ قَوْمًا يُصَوِّرُونَ مَا لاَ يَخْلُقُونَ " ([1595]).

وروى أحمد والبخاري وأبو داود عن عكرمة  عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ البَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا الأَزْلاَمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ». فَدَخَلَ البَيْتَ، فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ" ([1596])

ورواه ابن أبي شيبة موقوفا على عكرمة وزاد فيه" ثُمَّ أَمَرَ بِثَوْبٍ فَبُلَّ وَمَحَى بِهِ صُوَرَهُمَا". ([1597]).

وروى ابن أبي شيبة وأحمد عْن عَلِيٍّ ، قَالَ : انْطَلَقَ بِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى بِي الْكَعْبَةَ ، فَقَالَ : اجْلِسْ ، فَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِ الْكَعْبَةِ ، وَصَعِدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَنْكِبَيْ ، ثُمَّ قَالَ لِي : انْهَضْ بِي ، فَنَهَضْتُ بِهِ ، فَلَمَّا رَأَى ضَعْفِي تَحْتَهُ ، قَالَ : اجْلِسْ ، فَجَلَسْتُ فَنَزَلَ عَنِّي ، وَجَلَسَ لِي ، فَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، اصْعَدْ عَلَى مَنْكِبَي ، فَصَعِدْتُ عَلَى مَنْكِبِهِ ، ثُمَّ نَهَضَ بِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا نَهَضَ بِي خُيِّلَ إِلَيَّ أَنِّي لَوْ شِئْتُ نِلْتُ أُفُقَ السَّمَاءِ ، فَصَعِدْتُ عَلَى الْكَعْبَةِ ، وَتَنَحَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ لِي : أَلْقِ صَنَمَهُمْ الأَكْبَرِ ، صَنَمِ قُرَيْشٍ ، وَكَانَ مِنْ نُحَاسٍ ، وَكَانَ مَوْتُودًا بِأَوْتَادٍ مِنْ حَدِيدٍ فِي الأَرْضِ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : عَالِجْهُ ، فَجَعَلْتُ أُعَالِجُهُ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِي : إِيهٍ ، فَلَمْ أَزَلْ أُعَالِجُهُ حَتَّى اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ ، فَقَالَ : اقْذِفْهُ ، فَقَذَفْتُهُ وَنَزَلْتُ"([1598]).

 

وروى ابن أبي شيبة، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ حِينَ دَخَلَهَا وَهُوَ مُعْتَجِرٌ بِشُقَّةِ بُرْدٍ أَسْوَدَ ، فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ ، وَفِي يَدِهِ مِحْجَنٌ يَسْتَلِمُ بِهِ الأَرْكَانَ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَمَا وَجَدْنَا لَهَا مُنَاخًا فِي الْمَسْجِدِ ، حَتَّى نَزَلَ عَلَى أَيْدِي الرِّجَالِ ، ثُمَّ خُرِجَ بِهَا حَتَّى أُنِيخَتْ فِي الْوَادِي ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ عَلَى رِجْلَيْهِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ ، ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَضَعَ عَنْكُمْ عُِبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَظَّمَهَا بِآبَائِهَا ، النَّاسُ رَجُلاَنِ : فَبَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللهِ ، وَكَافِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللهِ ، أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ، وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} أَقُولُ هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.

قَالَ : ثُمَّ عَدَلَ إِلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ ، فَأُتِيَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ، فَغَسَلَ مِنْهَا وَجْهَهُ ، مَا تَقَعُ مِنْهُ قَطْرَةٌ إِلاَّ فِي يَدِ إِنْسَانٍ ، إِنْ كَانَتْ قَدْرَ مَا يَحْسُوهَا حَسَاهَا ، وَإِلاَّ مَسَحَ بِهَا ، وَالْمُشْرِكُونَ يَنْظُرُونَ ، فَقَالُوا : مَا رَأَيْنَا مَلِكًا قَطَّ أَعْظَمَ مِنَ الْيَوْمِ ، وَلاَ قَوْمًا أَحْمَقَ مِنَ الْيَوْمِ.

ثُمَّ أَمَرَ بِلاَلاً ، فَرَقَيَ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ ، فَأَذَّنَ بِالصَّلاَةِ ، وَقَامَ الْمُسْلِمُونَ فَتَجَرَّدُوا فِي الأُزُرِ ، وَأَخَذُوا الدِّلاَءَ ، وَارْتَجَزُوا عَلَى زَمْزَمَ يَغْسِلُونَ الْكَعْبَةَ ، ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا ، فَلَمْ يَدَعُوا أَثَرًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلاَّ مَحَوْهُ ، أَوْ غَسَلُوهُ"([1599]) ..

وروى عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، قَالَ : لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ صَعِدَ بِلاَلٌ الْبَيْتَ فَأَذَّنَ ، فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ لِلْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ : أَلاَ تَرَى إِلَى هَذَا الْعَبْدِ ، فَقَالَ الْحَارِثُ : إِنْ يَكْرَهْهُ اللَّهُ يُغَيِّرْهُ ([1600]).   وهذا مرسل قوي.

وروى عن عروة ؛ أَنَّ بِلاَلاً أَذَّنَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَوْقَ الْكَعْبَةِ ([1601])..

وذكر ابن ابْنُ هِشَامٍ هنا خبرًا معضلا- غير متصل- فقَالَ : حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ عَامَ الْفَتْحِ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَعَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ جُلُوسٌ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ عتاب: لقد أكْرم الله أسيدًا أَلا يكون سمع هَذَا فَسمع مِنْهُ مَا يَغِيظُهُ!

فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّهُ مُحِقٌّ لَاتَّبَعْتُهُ .

فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَا أَقُولُ شَيْئًا، لَوْ تَكَلَّمْتُ لَأَخْبَرَتْ عَنِّي هَذِهِ الْحَصَا.

فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " قَدْ عَلِمْتُ الَّذِي قُلْتُمْ " ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ.فَقَالَ الْحَارِثُ وَعَتَّابٌ: نَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ! مَا اطَّلَعَ عَلَى هَذَا أَحَدٌ كَانَ مَعَنَا فَنَقُولَ أَخْبَرَكَ" ([1602]).

وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، أَلَا كُلُّ مَأْثُرَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ مَالٍ يُدَّعَى فَهُوَ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، إِلَّا سِدَانَةَ الْبَيْتِ وَسِقَايَةَ الْحَاجِّ، أَلَا وَقَتِيلُ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا فَفِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً، مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي  بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَظُّمَهَا بِالْآبَاءِ، النَّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ " ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى الْآيَةَ كُلَّهَا }[( الْحُجُرَاتِ: 13 ]). ثُمَّ قَالَ: " يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تَرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُمْ ؟ " قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ: " اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ ". ثُمَّ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمِفْتَاحُ الْكَعْبَةِ فِي يَدِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْمَعْ لَنَا الْحِجَابَةَ مَعَ السِّقَايَةِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيْنَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ ؟ " فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ: " هَاكَ مِفْتَاحُكَ يَا عُثْمَانُ، الْيَوْمُ يَوْمُ بِرٍّ وَوَفَاءٍ ([1603]) . هكذا ذكره ابن اسحاق معضلاً غير مسند.فهو ضعيف ولبعضه شواهد مرت قبله .

ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة- بسند صحيح- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ ،قالا:- وذكرا حديث فتح مكة - وفيه:

ثُمَّ طَافَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْبَيْتِ ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ ، فَقَالَ : أَيْ عُثْمَان ، أَيْنَ الْمِفْتَاحُ ؟ فَقَالَ : هُوَ عِنْدَ أُمِّي سُلاَفَةَ ابْنَةِ سَعْدٍ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَتْ : لاَ وَاللاَتِ وَالْعُزَّى ، لاَ أَدْفَعُهُ إِلَيْهِ أَبَدًا ، قَالَ : إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرٌ غَيْرُ الأَمْرِ الَّذِي كُنَّا عَلَيْهِ ، فَإِنَّك إِنْ لَمْ تَفْعَلِي قُتِلْتُ أَنَا وَأَخِي ، قَالَ : فَدَفَعَتْهُ إِلَيْهِ ، قَالَ : فَأَقْبَلَ بِهِ حَتَّى إِذَا كَانَ وِجَاهَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، عُثِرَ فَسَقَطَ الْمِفْتَاحُ مِنْهُ ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَحْنَى عَلَيْهِ ثَوْبَهُ ، ثُمَّ فَتْحَ لَهُ عُثْمَان ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْكَعْبَةَ ، فَكَبَّرَ فِي زَوَايَاهَا وَأَرْجَائِهَا ، وَحَمِدَ اللَّهَ ، ثُمَّ صَلَّى بَيْنَ الأُسْطُوَانَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَامَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ ،

فَقَالَ عَلِيٌّ : فَتَطَاوَلْت لَهَا وَرَجَوْت أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْنَا الْمِفْتَاحَ ، فَتَكُونُ فِينَا السِّقَايَةُ وَالْحِجَابَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَيْنَ عُثْمَان ؟ هَاكُمْ مَا أَعْطَاكُمَ اللَّهُ ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْمِفْتَاحَ.

ثُمَّ رَقَى بِلاَلٌ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ فَأَذَّنَ ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ أُسَيْدٍ : مَا هَذَا الصَّوْتُ ؟ قَالَوا : بِلاَلُ بْنُ رَبَاحٍ ، قَالَ : عَبْدُ أَبِي بَكْرٍ الْحَبَشِيُّ ؟ قَالَوا : نَعَمْ ، قَالَ : أَيْنَ ؟ قَالَوا : عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ ، قَالَ : عَلَى مَرْقِبَةِ بَنِي أَبِي طَلْحَةَ ؟ قالَوا : نَعَمْ ، قَالَ : مَا يَقُولُ ؟ قَالَوا : يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، قَالَ : لَقَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ أَبَا خَالِدٍ عَنْ أَنْ يَسْمَعَ هَذَا الصَّوْتَ ، يَعَنْي أَبَاهُ ، وَكَانَ مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي الْمُشْرِكِينَ" ([1604]) .وهذا مرسل قوي

وروى عَنْ أَبِي السَّفَرِ ، قَالَ : لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ ، دَعَا شَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ بِالْمِفْتَاحِ ، مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ ، فَتَلَكَّأَ ، فَقَالَ لِعُمَرَ : قُمْ فَاذْهَبْ مَعَهُ ، فَإِنْ جَاءَ بِهَا وَإِلاَّ فَاجْلِدْ رَأْسَهُ ، قَالَ : فَجَاءَ بِهَا ، قَالَ : فَأَجَالَهَا فِي حَجَرِهِ ، وَشَيْبَةُ قَائِمٌ ، قَالَ : فَبَكَى شَيْبَةُ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : هَاكَ فَخُذْهَا ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ رَضِيَ لَكُمْ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالإِسْلاَمِ"([1605]).

وروى عَنِ ابْنِ سَابِطٍ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَاوَلَ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ الْمِفْتَاحَ مِنْ وَرَاءِ الثَّوْبِ([1606]).

روى ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ ، قَالَ : وَفَدَتْ وُفُودٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَفِينَا أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ ، فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَصْنَعُ لِبَعْضٍ الطَّعَامَ ، قَالَ : فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِمَّنْ يَصْنَعُ لَنَا فَيُكْثِرُ فَيَدْعُونَا إِلَى رَحْلِهِ ، قَالَ : قُلْتُ : أَلاَ أَصْنَعُ لأَصْحَابِنَا فَأَدْعُوهُمْ إِلَى رَحْلِي ، قَالَ : فَأَمَرْت بِطَعَامٍ فَصُنِعَ ، وَلَقِيت أَبَا هُرَيْرَةَ مِنَ الْعَشِّي ، فَقُلْتُ : الدَّعْوَةُ عِنْدِي اللَّيْلَةَ ، قَالَ : أَسَبَقَتْنِي ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَدَعَوْتُهُمْ فَهُمْ عِنْدِي ، قَالَ : قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَلاَ أُعَلِّلْكُمْ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ؟ قَالَ : ثُمَّ ذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ.

قَالَ : أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ ، وَبَعَثَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ ، وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الأُخْرَى ، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْحُسَّرِ ، فَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي ، قَالَ : وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي كَتِيبَةٍ ، قَالَ: فَنَادَانِي

، قَالَ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : اهْتِفْ لِي بِالأَنْصَارِ ، وَلاَ يَأْتِنِي إِلاَّ أَنْصَارِيٌّ ، قَالَ : فَهَتَفْتُ بِهِمْ ، قَالَ : فَجَاؤُوا حَتَّى أَطَافُوا بِهِ.

قَالَ : وَقَدْ وَبَّشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشًا لَهَا وَأَتْبَاعًا ، قَالُوا : نُقدِّمَ هَؤُلاَءِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شَيءٌ كُنَا مَعَهُمْ ، وَإِنْ أُصِيبُوا أَعْطَيْنَا الَّذِي سُئِلْنَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلأَنْصَارِ حِينَ أَطَافُوا بِهِ : أَتَرَوْنَ إِلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ ؟ ثُمَّ قَالَ بِيَدَيْهِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى : اُحْصُدُوهُمْ ، ثُمَّ ضَرَبَ سُلَيْمَانَ بِحَرْفِ كَفِّهِ الْيُمْنَى عَلَى بَطْنِ كَفِّهِ الْيُسْرَى : اُحْصُدُوهُمْ حَصْدًا حَتَّى تُوَافُونِي بِالصَّفَا ، قَالَ : فَانْطَلَقْنَا ، فَمَا أَحَدٌ مِنَّا يَشَاءُ أَنْ يَقْتُلَ مِنْهُمْ أَحَدًا إِلاَّ قَتَلَهُ ، وَأَمَّا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَجِّهُ إِلَيْنَا شَيْئًا ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أُبِيحَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ ، لاَ قُرَيْشَ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، قَالَ : فَغَلَّقَ النَّاسُ أَبْوَابَهُمْ.

قَالَ : فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ ، فَأَتَى عَلَى صَنَمٍ إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَعْبُدُونَهُ ، وَفِي يَدِهِ قَوْسٌ وَهُوَ آخِذٌ بِسِيَةِ الْقَوْسِ ، فَجَعَلَ يَطْعُنْ بِهَا فِي عَيْنِهِ وَيَقُولُ : {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ، إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}

حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا فَعَلاَهَا حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَى الْبَيْتِ ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيَذْكُرُهُ ، وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَ ، قَالَ : وَالأَنْصَارُ تَحْتَهُ ، قَالَ : تَقُولُ الأَنْصَارُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ : أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ.

قَالَ : قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : وَجَاءَ الْوَحْيُ ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ الْوَحْيُ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَقْضِيَ ، فَلَمَّا قَضَى الْوَحْيُ ، قَالُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ، قَالُوا : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : قُلْتُمْ : أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ ، قَالُوا : قَدْ قُلْنَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَمَا اسَمِي إِذًا ؟ كَلاً إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ، هَاجَرْت إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ ، الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ ، قَالَ : فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَبْكُونَ ، يَقُولُونَ : وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا قُلْنَا الَّذِي قُلْنَا إِلاَّ لِلضَّنِّ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ ، قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَعْذُرَانِكُمْ وَيُصَدِّقَانِكُمْ " ([1607]) .

وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني يوم الفتح، فأخبر أنه قد وضع مآثر الجاهلية حاشا سدانة البيت، وسقاية الحاج. وأخبر أن مكة لم يحل القتال فيها لأحد قبله، ولا لأحد بعده، وأنها لم تحل لأحد غيره، ولم تحل له إلا ساعة من نهار، ثم عادت كحرمتها بالأمس، لا يسفك فيها دم .

روى البخاري  عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:" إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ ، وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ" فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ مَا قَالَ عَمْرٌو قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلَا فَارًّا بِدَمٍ وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ([1608]).

وروى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ أَوْ الْفِيلَ- قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ كَذَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ وَاجْعَلُوهُ عَلَى الشَّكِّ الْفِيلَ أَوْ الْقَتْلَ وَغَيْرُهُ يَقُولُ الْفِيلَ- وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي أَلَا وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ، لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ، فَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُعْقَلَ وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: اكْتُبُوا لِأَبِي فُلَانٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا الْإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنا"([1609]). .

وروى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِلَّا الْإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ :إِلَّا الْإِذْخِرَ .

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا" ([1610]).

باب: لا هجرة بعد الفتح

روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّة،ٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا" ([1611])

وروى عَنْ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: جَاءَ مُجَاشِعٌ بِأَخِيهِ مُجَالِدِ بْنِ مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَذَا مُجَالِدٌ  يُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ فَقَالَ: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَلَكِنْ أُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ([1612])

وروى عن عَطَاءً قال:ذَهَبْتُ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ بِثَبِيرٍ فَقَالَتْ لَنَا: انْقَطَعَتْ الْهِجْرَةُ مُنْذُ فَتَحَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ([1613])

وروى أحمد وابن أبي شيبة عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ : {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} ، قَالَ : قَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى خَتَمَهَا ، وَقَالَ :" النَّاسُ حَيِّزٌ ، وَأَنَا وَأَصْحَابِي حَيِّزٌ "، وَقَالَ : " لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ " ([1614]).

وروى مسلم عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا»([1615])

 

باب: سرية خالد بن الوليد لهدم العزى

قال ابن سعد:  سرية خالد بن الوليد إلى العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين فتح مكة خالد بن الوليد إلى العزى ليهدمها، فخرج في ثلاثين فارسًا من أصحابه حتى انتهوا إليها فهدمها ثم رجع إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره فقال: هل رأيت شيئا؟ قال: لا! قال: فإنك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها؛ فرجع خالد وهو متغيظ فجرد سيفه فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ناشرة الرأس، فجعل السادن يصيح بها، فضربها خالد فجزلها باثنين ورجع إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره فقال: نعم تلك العزى وقد يئست أن تعبد ببلادكم أبدا! وكانت بنخلة وكانت لقريش وجميع بني كنانة وكانت أعظم أصنامهم وكان سدنتها بنو شيبان من بني سليم. ([1616])

وَروى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ:لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى نَخْلَةَ، وَكَانَتْ بِهَا الْعُزَّى، فَأَتَاهَا، وَكَانَتْ عَلَى ثَلَاثِ سَمُرَاتٍ، فَقَطَعَ السَّمُرَاتِ وَهَدَمَ الْبَيْتَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا فَرَجَعَ خَالِدٌ، فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهِ السَّدَنَةُ وَهُمْ حُجَّابُهَا، أَمْعَنُوا هَرَبًا فِي الْجَبَلِ وَهُمْ يَقُولُونَ: يَا عُزَّى خَبِّلِيهِ، يَا عَزَّى عَوِّرِيهِ، وَإِلَّا فَمُوتِي بِرُغْمٍ. قَالَ: فَأَتَاهَا خَالِدٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ عُرْيَانَةٌ نَاشِرَةٌ شَعْرَهَا، تَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا وَوَجْهِهَا، فَعَمَّمَهَا بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَال: ( تِلْكَ الْعُزَّى ) ([1617]).

وروى ابن أبي شيبة عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَبِيبٍ ، قَالَ : مَرَّ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى اللاَتِ ، فَقَالَ :

يَا عُزَّى كُفْرَانَكِ لاَ سُبْحَانَكِ * إِنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ أَهَانَكِ ([1618]) .

 

باب:سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة من كنانة

قال ابن سعد:ثم سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة من كنانة، وكانوا بأسفل مكة على ليلة ناحية يلملم في شوال سنة ثمان من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يوم الغميصاء.

قالوا: لما رجع خالد بن الوليد من هدم العزى ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، مقيم بمكة بعثه إلى بني جذيمة داعيًا إلى الإسلام ولم يبعثه مقاتلاً ، فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار وبني سليم، فانتهى إليهم خالد فقال: ما أنتم؟ قالوا: مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد وبنينا المساجد في ساحاتنا وأذنا فيها! قال: فما بال السلاح عليكم؟ فقالوا: إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا هم فأخذنا السلاح! قال: فضعوا السلاح! قال: فوضعوه، فقال لهم: استأسروا فاستأسر القوم، فأمر بعضهم فكتف بعضا وفرقهم في أصحابه، فلما كان في السحر نادى خالد: من كان معه أسير فليدافه! -والمدافة الإجهاز عليه بالسيف- فأما بنو سليم فقتلوا من كان في أيديهم، وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أساراهم، فبلغ النبي، صلى الله عليه وسلم، ما صنع خالد فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد! وبعث علي بن أبي طالب فودى لهم قتلاهم وما ذهب منهم ثم انصرف إلى رسول الله فأخبره([1619]).

وقد ذكرها البخاري فيما بعد غزوة هوازن وأورد فيها الحديث التالي عن ابن عمر قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ صَبَأْنَا صَبَأْنَا، فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَاهُ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ "([1620])

باب: كم مكث النبي في مكة ؟

لا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم أقَامَ بَقِيَّةَ شَهْرِ رَمَضَانَ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ وَيُفْطِرُ، وَهَذَا دَلِيلُ مَنْ قَالَ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا لَمْ يُجْمِعِ الْإِقَامَةَ فَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ وَيُفْطِرَ إِلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.

وقال البخاري: بَاب مَقَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ زَمَنَ الْفَتْحِ([1621]) .ثم روى بسنده عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَقَمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلَاةَ"([1622])

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:" أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ" ([1623])

وفي رواية أخرى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" أَقَمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ تِسْعَ عَشْرَةَ نَقْصُرُ الصَّلَاةَ" وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَنَحْنُ نَقْصُرُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ تِسْعَ عَشْرَةَ فَإِذَا زِدْنَا أَتْمَمْنَا"([1624])

وروى ابن أبي شيبة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَامَ حَيْثُ فَتَحَ مَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ ، يَقْصُرُ الصَّلاَةَ حَتَّى سَارَ إِلَى حُنَيْنٍ " ([1625]) .

ويؤيده ما رواه ابن سعد عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عام الفتح فأقام خمس عشرة من بين يوم وليلة" ([1626]) .

قال ابن كثير:وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَغَيْرِهِمْ قَالُوا:أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.أهـ([1627]).

**فصل: أقضية ومسائل حدثت أثناء مقام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة:

روى البخاري عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي أَبُو قِلَابَةَ: أَلَا تَلْقَاهُ فَتَسْأَلَهُ قَالَ: فَلَقِيتُهُ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كُنَّا بِمَاءٍ مَمَرَّ النَّاسِ وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ مَا لِلنَّاسِ مَا لِلنَّاسِ مَا هَذَا الرَّجُلُ فَيَقُولُونَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ أَوْ أَوْحَى اللَّهُ بِكَذَا فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الْكَلَامَ وَكَأَنَّمَا يُقَرُّ فِي صَدْرِي وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْحَ فَيَقُولُونَ اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا فَقَالَ صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْحَيِّ أَلَا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ فَاشْتَزَوْا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيصِ"([1628]) .

وروى عن  عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنْ يَقْبِضَ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ وَقَالَ عُتْبَةُ إِنَّهُ ابْنِي فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فِي الْفَتْحِ أَخَذَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ ، فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْبَلَ مَعَهُ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ هَذَا ابْنُ أَخِي عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ قَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَخِي هَذَا ابْنُ زَمْعَةَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَإِذَا أَشْبَهُ النَّاسِ بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ لَكَ هُوَ أَخُوكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ" قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ" وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَصِيحُ بِذَلِكَ"([1629])

وروى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ « إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ ». فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ « لاَ هُوَ حَرَامٌ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ ذَلِكَ « قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ »([1630]).

.وروى البخاري عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ :يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ. فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ" ([1631])

وروى البخاري عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فَفَزِعَ قَوْمُهَا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسَامَةُ فِيهَا تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَتُكَلِّمُنِي فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ قَالَ أُسَامَةُ اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ خَطِيبًا فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ،وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَقُطِعَتْ يَدُهَا فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَزَوَّجَتْ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"([1632]) .

وروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عن مُحَمَّدَ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ خَلَفٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ الْأَسْوَدَ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النَّاسَ يَوْمَ الْفَتْحِ. قَالَ: جَلَسَ عِنْدَ قَرْنِ مَسْقَلَةَ، فَبَايَعَ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالشَّهَادَةِ. قَالَ: قُلْتُ: وَمَا الشَّهَادَةُ ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ خَلَفٍ أَنَّهُ بَايَعَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"([1633]) .

.وكان لا يصافح النساء في البيعة  فقد ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ عَائِشَةَ، رِضَى اللَّهِ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ. غَيْرَ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِالْكَلَامِ. وقد مر ذلك في بيعة النساء المهاجرات بعد الحديبية

 

*           *           *

باب:غَزْوَةُ حنين ( هَوَازِنَ).

تاريخها وسببها

ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ خُرُوجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَوَازِنَ بَعْدَ الْفَتْحِ فِي خَامِسِ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ. وَبِهِ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَوَازِنَ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ، وتبعه على ذلك ابن سعد([1634]).

وسببها: ما أن سمعت قبائل هوازن ومعها ثقيف بالفتح الإسلامي الكبير- فتح مكة والقضاء على أعظم قوة للشرك في الجزيرة العربية- حتى تداعت فيما بينها تتدارس هذا الحدث الجلل وترصد تحركاته نحوها، فكانت النتيجة أنها عزمت على أن تهاجم المسلمين قبل أن يهاجموها، فأعدت عدتها وحشدت قواها المادية والبشرية، وقد جاء التصريح بحقيقة ما كانوا يبيتون للمسلمين من كيدٍ  فيما رواه الحاكم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارَ إِلَى حُنَيْنٍ لَمَّا فَرَغَ مِنْ فَتْحِ مَكَّةَ، جَمَعَ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ النَّصْرِيَّ مِنْ بَنِي نَصْرٍ، وَجُشَمَ وَمِنْ سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ وأَوْزَاعَ مِنْ بَنِي هِلَالٍ، وَنَاسًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَامِرٍ([1635]) ، وَأَوْزَعَتْ مَعَهُمُ الْأَحْلَافُ مِنْ ثَقِيفٍ، وَبَنُو مَالِكٍ، ثُمَّ سَارَ بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَارَ مَعَ الْأَمْوَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْأَبْنَاءِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيَّ([1636])، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَادْخُلْ بِالْقَوْمِ حَتَّى تَعْلَمَ لَنَا مِنْ عِلْمِهِمْ» فَدَخَلَ فَمَكَثَ فِيهِمْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ؟ فَقَالَ عُمَرُ: كَذَبَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ: إِنْ كَذَّبْتَنِي فَرُبَّمَا كَذَّبْتَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ كُنْتَ يَا عُمَرُ ضَالًّا فَهَدَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» ، ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَسَأَلَهُ أَدْرَاعًا مِائَةَ دِرْعٍ، وَمَا يُصْلِحُهَا مِنْ عِدَّتِهَا، فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ حَتَّى نُؤَدِّيَهَا إِلَيْكَ» ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَائِرًا " ([1637])

كان هذا هو السبب الرئيس لخروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين لغزو هذه القبائل المحتشدة قبل أن يداهموا المسلمين في مكة المكرمة، وهو أيضًا ما ذكره ابن إسحاق

َققالَ: وَلَمَّا سَمِعَتْ هَوَازِنُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ جَمَعَهَا مَلِكُهَا مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّصْرِيُّ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مَعَ هَوَازِنَ ثَقِيفٌ كُلُّهَا، وَاجْتَمَعَتْ نَصْرُ، وَجُشَمُ كُلُّهَا وَسَعْدُ بْنُ بَكْرٍ وَنَاسٌ مِنْ بَنِي هِلَالٍ وَهُمْ قَلِيلٌ، وَلَمْ يَشْهَدْهَا مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ إِلَّا هَؤُلَاءِ، وَغَابَ عَنْهَا وَلَمْ يَحْضُرْهَا مِنْ هَوَازِنَ كَعْبٌ وَكِلَابٌ، وَلَمْ يَشْهَدْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ لَهُ اسْمٌ، وَفِي بَنِي جُشَمَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ إِلَّا التَّيَمُّنَ بِرَأْيِهِ وَمَعْرِفَتَهُ بِالْحَرْبِ، وَكَانَ شَيْخًا مُجَرَّبًا، وَفِي ثَقِيفٍ سَيِّدَانِ لَهُمْ، وَفِي الْأَحْلَافِ قَارِبُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مُعَتِّبٍ وَفِي بَنِي مَالِكٍ ذُو الْخِمَارِ سُبَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ وَأَخُوهُ أَحْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ وَجِمَاعُ أَمْرِ النَّاسِ إِلَى مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النَّصْرِيِّ فَلَمَّا أَجْمَعَ السَّيْرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَطَّ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَ بِأَوْطَاسٍ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَفِيهِمْ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ فِي شِجَارٍ لَهُ يُقَادُ بِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ بِأَيِّ وَادٍ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: بِأَوْطَاسٍ. قَالَ نِعْمَ مَجَالُ الْخَيْلِ، لَا حَزْنٌ ضَرِسٌ، وَلَا سَهْلٌ دَهِسٌ، مَا لِي أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِيرِ، وَنُهَاقَ الْحَمِيِرِ، وَبُكَاءَ الصَّغِيرِ، وَيُعَارَ الشَّاءِ؟! قَالُوا: سَاقَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ. قَالَ: أَيْنَ مَالِكٌ؟ قَالُوا: هَذَا مَالِكٌ. وَدُعِيَ لَهُ. قَالَ: يَا مَالِكُ إِنَّكَ قَدْ أَصْبَحْتَ رَئِيسَ قَوْمِكَ، وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ كَائِنٌ لَهُ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَيَّامِ، مَا لِي أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِيرِ، وَنُهَاقَ الْحَمِيِرِ، وَبُكَاءَ الصَّغِيرِ، وَيُعَارَ الشَّاءِ؟ قَالَ: سُقْتُ مَعَ النَّاسِ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَجْعَلَ خَلْفَ كُلِّ رَجُلٍ أَهْلَهُ وَمَالَهُ لِيُقَاتِلَ عَنْهُمْ. قَالَ: فَأَنْقَضَ بِهِ. ثُمَّ قَالَ: رَاعِي ضَأْنٍ وَاللَّهِ، هَلْ يَرُدُّ الْمُنْهَزِمَ شَيْءٌ؟ إِنَّهَا إِنْ كَانَتْ لَكَ لَمْ يَنْفَعْكَ إِلَّا رَجُلٌ بِسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْكَ فُضِحْتَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ. ثُمَّ قَالَ: مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ ؟ قَالَ: لَمْ يَشْهَدْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ. قَالَ: غَابَ الْحَدُّ وَالْجِدُّ، لَوْ كَانَ يَوْمَ عَلَاءٍ وَرِفْعَةٍ لَمْ تَغِبْ عَنْهُ كَعْبٌ وَكِلَابٌ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّكُمْ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ، فَمَنْ شَهِدَهَا مِنْكُمْ؟ قَالُوا: عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ وَعَوْفُ بْنُ عَامِرٍ. قَالَ: ذَانِكَ الْجَذَعَانِ مِنْ عَامِرٍ لَا يَنْفَعَانِ وَلَا يَضُرَّانِ.

ثُمَّ قَالَ: يَا مَالِكُ ،إِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ بِتَقْدِيمِ الْبَيْضَةِ -بَيْضَةِ هَوَازِنَ- إِلَى نُحُورِ الْخَيْلِ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ دُرَيْدٌ لِمَالِكِ بْنِ عَوْفٍ: ارْفَعْهُمْ إِلَى مُتَمَنَّعِ بِلَادِهِمْ وَعُلْيَا قَوْمِهِمْ، ثُمَّ أَلْقِ الصُّبَىَّ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ لَحِقَ بِكَ مَنْ وَرَاءَكَ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْكَ أَلْفَاكَ ذَلِكَ وَقَدْ أَحْرَزْتَ أَهْلَكَ وَمَالَكَ. قَالَ وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ، إِنَّكَ قَدْ كَبِرْتَ وَكَبِرَ عَقْلُكَ. ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ: وَاللَّهِ لَتُطِيعُنَّنِي يَا مَعْشَرَ هَوَازِنَ أَوْ لَأَتَّكِئَنَّ عَلَى هَذَا السَّيْفِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ ظَهْرِي - وَكَرِهَ أَنْ يَكُونَ لِدُرَيْدٍ فِيهَا ذِكْرٌ أَوْ رَأْيٌ - فَقَالُوا: أَطَعْنَاكَ. فَقَالَ دُرَيْدٌ: هَذَا يَوْمٌ لَمْ أَشْهَدْهُ وَلَمْ يَفُتْنِي:
يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعْ *أَخُبُّ فِيهَا وَأَضَعْ * أَقُودُ وَطْفَاءَ الزَّمَعْ * كَأَنَّهَا شَاةٌ صَدَعْ
ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ لِلنَّاسِ: إِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاكْسِرُوا جُفُونَ سُيُوفِكُمْ، ثُمَّ شِدُّوا شَدَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثَ إِلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيَّ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي النَّاسِ فَيُقِيمَ فِيهِمْ حَتَّى يَعْلَمَ عِلْمَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِيَهُ بِخَبَرِهِمْ، فَانْطَلَقَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ فَدَخَلَ فِيهِمْ فَأَقَامَ فِيهِمْ حَتَّى سَمِعَ وَعَلِمَ مَا قَدْ أَجْمَعُوا لَهُ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعَ مِنْ مَالِكٍ وَأَمْرِ هَوَازِنَ مَا هُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ.فَلَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّيْرَ إِلَى هَوَازِنَ ذُكِرَ لَهُ أَنَّ عِنْدَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَدْرَاعًا لَهُ وَسِلَاحًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ فَقَالَ: " يَا أَبَا أُمَيَّةَ أَعِرْنَا سِلَاحَكَ هَذَا نَلْقَ فِيهِ عَدُوَّنَا غَدًا ". فَقَالَ صَفْوَانُ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: " بَلْ عَارِيَةً مَضْمُونَةً حَتَّى نُؤَدِّيَهَا إِلَيْكَ ". قَالَ: لَيْسَ بِهَذَا بَأْسٌ. فَأَعْطَاهُ مِائَةَ دِرْعٍ بِمَا يَكْفِيهَا مِنَ السِّلَاحِ، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ أَنْ يَكْفِيَهُمْ حَمْلَهَا فَفَعَلَ.

هَكَذَا أَوْرَدَه ابْنُ إِسْحَاقَ هنا مِنْ غَيْرِ إِسْنَادٍ.ورواه يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عنه عن بعض علماء التابعين ([1638]) وله شواهد صحيحة إلا قصة دريد بن الصمة فيه.

ولقد سارع الرسول - صلى الله عليه وسلم- في رسم  الخطة اللازمة لملاقاة هذا العدو،

بعد دراسة حال العدو العسكرية، ومعرفة عدته المادية. ومن هنا فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما أراد الخروج إلى حنين لملاقاة جموع هوازن أرسل إلى صفوان بن أمية يطلب منه دروعا ليلقى فيها عدوه، كما تقدم ذلك من حديث جابر بن عبد الله ،وسيأتي من حديث صفوان بن أمية نفسه وأعد الجند والمال والسلاح اللازم لذلك تطبيقًا لقول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ }[الأنفال:60].

وَاسْتَخْلَفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْأُمَوِيَّ([1639])، وَانْتَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ فِي العَاشِرِ من شوال. وكان جيش المسلمين اثنى عشر ألفًا على الراجح كما سيأتي في حديث عياض الثقفي– وذلك بعد أن انضم ألفان من مسلمة الفتح( الطلقاء) إلى العشرة الذين فتحوا مكة-.وقيل: كانوا أربعة عشر ألفًا([1640])، وقد أعجب المسلمون فيها بكثرتهم ، فقَالَ بعضهم:لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ. فَانْهَزَمُوا في أول المعركة وفرَّ أكثرهم، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ انْهَزَمَ بَنُو سُلَيْمٍ، ثُمَّ أَهْلُ مَكَّةَ ثُمَّ بَقِيَّةُ النَّاسِ.

ثم أنزل الله عليهم السكينة وثبتهم ،وأنزل جنودًا من جنده تعالى ، فانتصروا على عدوهم وغنموا كثيرًا، و قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فيها: { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[ التَّوْبَةِ: 25 - 27]

وهذه بعض الأحاديث التي تبين ما حدث في هذه الغزوة:
 روى الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عن صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَارَ مِنْهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَدْرَاعًا فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: " بَلْ عَارِيَةً مَضْمُونَةً " قَالَ: فَضَاعَ بَعْضُهَا، فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَضْمَنَهَا لَهُ، فَقَالَ: أَنَا الْيَوْمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي الْإِسْلَامِ أَرْغَبُ. ([1641]).
وروى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أُنَاسٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَا صَفْوَانُ  هَلْ عِنْدَكَ مِنْ سِلَاحٍ؟ " قَالَ: عَارِيَةً أَمْ غَصْبًا؟ قَالَ: " لَا، بَلْ عَارِيَةً ". فَأَعَارَهُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إِلَى الْأَرْبَعِينَ دِرْعًا، وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا، فَلَمَّا هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ جُمِعَتْ دُرُوعُ صَفْوَانَ فَفَقَدَ مِنْهَا أَدْرَاعًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَفْوَانَ " قَدْ فَقَدْنَا مِنْ أَدْرَاعِكَ أَدْرَاعًا، فَهَلْ نَغْرَمُ لَكَ؟ قَالَ لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فِي قَلْبِي الْيَوْمَ مَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ ([1642])....

وجاء في هذا المعنى ما رواه أحمد، وابن ماجه، والنسائي، والبخاري في التاريخ عن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيُّ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْلَفَ مِنْهُ حِينَ غَزَا حُنَيْنًا ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَضَاهَا  إِيَّاهُ، ثُمَّ قَالَ: " بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الْوَفَاءُ وَالْحَمْدُ "([1643])

وروى الطيالسي والحميدي وأحمد – واللفظ له- والترمذي وغيرهم عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ: أَنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ، قَالَ: وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا، وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ، يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، قَالَ: فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف: 138] إِنَّهَا السُّنَنُ،  لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّةً "[1644]

 

وروى ابن سعد عن عبد الله بن عياض، عن أبيه(عياض بن عبد الله الثقفي): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى هوازن في اثني عشر ألفا، فقتل من أهل الطائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترابًا من البطحاء فرمى به وجوهنا فانهزمنا"[1645]

وروى أحمد - بسند قوي- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ: لَمَّا اسْتَقْبَلْنَا وَادِيَ حُنَيْنٍ قَالَ: انْحَدَرْنَا فِي وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ أَجْوَفَ، حَطُوطٍ، إِنَّمَا نَنْحَدِرُ فِيهِ انْحِدَارًا، قَالَ: وَفِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ، وَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ كَمَنُوا لَنَا فِي شِعَابِهِ، وَفِي أَجْنَابِهِ وَمَضَايِقِهِ ، قَدْ أَجْمَعُوا وَتَهَيَّئُوا، وَأَعَدُّوا ، قَالَ: فَوَاللهِ مَا رَاعَنَا، وَنَحْنُ مُنْحَطُّونَ إِلَّا الْكَتَائِبُ، قَدْ شَدَّتْ عَلَيْنَا شَدَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَانْهَزَمَ النَّاسُ  رَاجِعِينَ، فَاسْتَمَرُّوا لَا يَلْوِي أَحَدٌ مِنْهُمْ  عَلَى أَحَدٍ، وَانْحَازَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ الْيَمِينِ، ثُمَّ قَالَ: " إِلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ، هَلُمُّوا إِلَيَّ أَنَا رَسُولُ اللهِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ " قَالَ: فَلَا شَيْءَ احْتَمَلَتْ الْإِبِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَانْطَلَقَ النَّاسُ إِلَّا أَنَّ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ غَيْرَ كَثِيرٍ، ثَبَتَ مَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَمِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَابْنُهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، وَرَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَأَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ وَهُوَ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: وَرَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ فِي يَدِهِ رَايَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ فِي رَأْسِ رُمْحٍ طَوِيلٍ لَهُ أَمَامَ النَّاسِ، وَهَوَازِنُ خَلْفَهُ، فَإِذَا أَدْرَكَ طَعَنَ بِرُمْحِهِ، وَإِذَا فَاتَهُ النَّاسُ رَفَعَهُ لِمَنْ وَرَاءَهُ، فَاتَّبَعُوهُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :بَيْنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ مِنْ هَوَازِنَ صَاحِبُ الرَّايَةِ عَلَى جَمَلِهِ ذَلِكَ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُ إِذْ هَوَى لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُرِيدَانِهِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ عَلِيٌّ مِنْ خَلْفِهِ فَضَرَبَ عُرْقُوبَيْ الْجَمَلِ فَوَقَعَ عَلَى عَجُزِهِ وَوَثَبَ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى الرَّجُلِ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً أَطَنَّ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ فَانْعَجَفَ عَنْ رَحْلِهِ وَاجْتَلَدَ النَّاسُ فَوَاللَّهِ مَا رَجَعَتْ رَاجِعَةُ النَّاسِ مِنْ هَزِيمَتِهِمْ حَتَّى وَجَدُوا الْأَسْرَى مُكَتَّفِينَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"[1646]

وَ روى مسلم عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ - رضي الله عنه - قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم – حُنَيْنًا، فَلَمَّا وَاجَهْنَا الْعَدُوَّ , تَقَدَّمْتُ فَأَعْلُو ثَنِيَّةً , فَاسْتَقْبَلَنِي رَجُلٌ مِنْ الْعَدُوِّ , فَأَرْمِيهِ بِسَهْمٍ , فَتَوَارَى عَنِّي , فَمَا دَرَيْتُ مَا صَنَعَ , وَنَظَرْتُ إِلَى الْقَوْمِ فَإِذَا هُمْ قَدْ طَلَعُوا مِنْ ثَنِيَّةٍ أُخْرَى , فَالْتَقَوْا هُمْ وَصَحَابَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَلَّى صَحَابَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَرْجِعُ مُنْهَزِمًا وَعَلَيَّ بُرْدَتَانِ , مُتَّزِرًا بِإِحْدَاهُمَا مُرْتَدِيًا بِالْأُخْرَى , فَاسْتَطْلَقَ إِزَارِي , فَجَمَعْتُهُمَا جَمِيعًا , وَمَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُنْهَزِمًا وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لَقَدْ رَأَى ابْنُ الْأَكْوَعِ فَزَعًا , فَلَمَّا غَشُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَزَلَ عَنْ الْبَغْلَةِ ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ مِنْ الْأَرْضِ , ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهِ وُجُوهَهُمْ فَقَالَ: شَاهَتْ الْوُجُوهُ , فَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلَّا مَلَأَ عَيْنَيْهِ تُرَابًا بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ " , فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ , وَهَزَمَهُمْ اللهُ - عز وجل - " وَقَسَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَنَائِمَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ "[1647]

وروى أحمد [1648]   وغيره عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رضي الله عنه - قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حُنَيْنًا , فَلَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا مَعَهُ إِلَّا أَنَا , وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , فَلَزِمْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ نُفَارِقْهُ , " وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ " , أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نَعَامَةَ الْجُذَامِيُّ , فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ , وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ , " وَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ " , قَالَ الْعَبَّاسُ: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَكُفُّهَا , " وَهُوَ لَا يَألُو مَا أَسْرَعَ نَحْوَ الْمُشْرِكِينَ " , وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِرِكَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " يَا عَبَّاسُ , نَادِ: يَا أَصْحَابَ السَّمُرَةِ , وفي رواية: (نَادِ يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ")[1649]  - قَالَ: وَكُنْتُ رَجُلًا صَيِّتًا - فَقُلْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ؟ , قَالَ: فَوَاللهِ لَكَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي , عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا , فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَ , يَا لَبَّيْكَ , وَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ , فَاقْتَتَلُوا هُمْ وَالْكُفَّارُ , فَنَادَتْ الْأَنْصَارُ يَقُولُونَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ , ثُمَّ قَصَّرَتْ الدَّاعُونَ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ , فَنَادَوْا: يَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ , قَالَ: " فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ كَالْمُتَطَاوِلِ عَلَيْهَا إِلَى قِتَالِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ " [وفي الرواية الأخرى: فَخَطَبَهُمْ، وَقَالَ: " الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ "]   ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الْكُفَّارِ , ثُمَّ قَالَ: انْهَزِمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ , انْهَزِمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ " , قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ , فَإِذَا الْقِتَالُ عَلَى هَيْئَتِهِ فِيمَا أَرَى , فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَمَاهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحَصَيَاتِهِ , فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلًا , وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا , حَتَّى هَزَمَهُمْ اللهُ " وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْكُضُ خَلْفَهُمْ عَلَى بَغْلَتِهِ "

وفي الصحيحين وغيرهما - واللفظ لمسلم - عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ: يَا أَبَا عُمَارَةَ، أَفَرَرْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ، مَا وَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهُ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ، وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا، لَيْسَ عَلَيْهِمْ سِلَاحٌ - أَوْ كَثِيرُ سِلَاحٍ -، فَلَقُوا قَوْمًا رُمَاةً لَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ، جَمْعَ هَوَازِنَ وَبَنِي نَصْرٍ، فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ، فَأَقْبَلُوا هُنَاكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ، فَنَزَلَ فَاسْتَنْصَرَ، وَقَالَ: "أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ"، ثُمَّ صَفَّهُم." وفي رواية:"قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْبَرَاءِ، فَقَالَ: أَكُنْتُمْ وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ يَا أَبَا عُمَارَةَ؟ فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا وَلَّى، وَلَكِنَّهُ انْطَلَقَ أَخِفَّاءُ مِنَ النَّاسِ، وَحُسَّرٌ إِلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ هَوَازِنَ، وَهُمْ قَوْمٌ رُمَاةٌ، فَرَمَوْهُمْ بِرِشْقٍ مِنْ نَبْلٍ كَأَنَّهَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ، فَانْكَشَفُوا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ يَقُودُ بِهِ بَغْلَتَهُ، فَنَزَلَ وَدَعَا وَاسْتَنْصَرَ، وَهُوَ يَقُولُ: "أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ، اللهُمَّ نَزِّلْ نَصْرَكَ"، قَالَ الْبَرَاءُ: "كُنَّا وَاللهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" [1650] .

وروى أحمد والبحاري ومسلم عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:

لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ، وَجَمَعَتْ هَوَزِانُ وَغَطَفَانُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَمْعًا كَثِيرًا، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ فِي عَشَرَةِ آلاَفٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلاَفٍ، قَالَ: وَمَعَهُ الطُّلَقَاءُ. قَالَ: فَجَاؤُوا بِالنَّعَمِ وَالذُّرِّيَّةِ، فَجُعِلُوا خَلْفَ ظُهُورِهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا الْتَقَوْا وَلَّى النَّاسُ، قَالَ: وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ، قَالَ: فَنَزَلَ وَقَالَ: إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، قَالَ: وَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَيْنِ، لَمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا كَلاَمًا، فَالْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ: أَيْ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَبْشِرْ، نَحْنُ مَعَكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ: أَيْ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، نَحْنُ مَعَكَ، ثُمَّ نَزَلَ بِالأَرْضِ وَالْتَقَوْا، فَهُزِمُوا، وَأَصَابُوا مِنَ الْغَنَائِمِ، فَأَعْطَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الطُّلَقَاءَ، وَقَسَمَ فِيهَا، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: نُدْعَى عِنْدَ الكَرَّةِ، وَتُقْسَمُ الْغَنَائِمُ لِغَيْرِنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَجَمَعَهُمْ، وَقَعَدَ فِي قُبَّةٍ، فَقَالَ: أَيْ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ فَسَكَتُوا، ثُمَّ قَالَ: أَيْ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ فَسَكَتُوا، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، لَوْ أَنَّ النَّاسَ سَلَكُوا وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لأَخَذْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ، تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ قَالُوا: رَضِينَا يَا رَسُولَ اللهِ، رَضِينَا.

قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: قَالَ هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ: فَقُلْتُ لأَنَسٍ: وَأَنْتَ تُشَاهِدُ ذَاكَ؟ قَالَ: فَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْ ذَلِكَ.

- وفي رواية: لَمَّا كَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ الْتَقَى هَوَازِنُ، وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةُ آلاَفٍ وَالطُّلَقَاءُ، فَأَدْبَرُوا، قَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، لَبَّيْكَ نَحْنُ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، فَأَعْطَى الطُّلَقَاءَ وَالْمُهَاجِرِينَ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَقَالُوا، فَدَعَاهُمْ فَأَدْخَلَهُمْ فِي قُبَّةٍ، فَقَالَ: أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لاَخْتَرْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ. [1651]»

 

ورواه أبو داود الطيالسي وأحمد-واللفظ له- من طريق إِسْحَاق بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ هَوَازِنَ جَاءَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ بِالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَالْإِبِلِ وَالنَّعَمِ، فَجَعَلُوهُمْ صُفُوفًا يُكَثِّرُونَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا الْتَقَوْا وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عِبَادَ اللهِ، أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ "، فَهَزَمَ اللهُ الْمُشْرِكِينَ - قَالَ عَفَّانُ: وَلَمْ يَضْرِبُوا بِسَيْفٍ وَلَمْ يَطْعَنُوا بِرُمْحٍ - وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ: " مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ ". فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ قَالَ: وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ضَرَبْتُ رَجُلًا عَلَى حَبْلِ الْعَاتِقِ، وَعَلَيْهِ دِرْعٌ، فَأُجْهِضْتُ عَنْهُ، فَانْظُرْ مَنْ أَخَذَهَا، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنَا أَخَذْتُهَا، فَأَرْضِهِ مِنْهَا، وَأَعْطِنِيهَا، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ أَوْ سَكَتَ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا وَاللهِ لَا يُفِيئُهَا اللهُ عَلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِهِ وَيُعْطِيكَهَا فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " صَدَقَ عُمَرُ ". قَالَ: وَكَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خِنْجَرٌ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: مَا هَذَا مَعَكِ؟ قَالَتْ: اتَّخَذْتُهُ إِنْ دَنَا مِنِّي بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ أَنْ أَبْعَجَ بِهِ بَطْنَهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْمَعُ مَا تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ اقْتُلْ مَنْ بَعْدَنَا مِنَ الطُّلَقَاءِ انْهَزَمُوا بِكَ، قَالَ:" إِنَّ اللهَ قَدْ كَفَانَا وَأَحْسَنَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ" [1652]

وأخرجه الحاكم -في المستدرك مختصرًا- بسنده عن الْحَسَن، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: الْتَقَى يَوْمَ حُنَيْنٍ أَهْلُ مَكَّةَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، فَوَلُّوا مُدْبِرِينَ، فَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَارَ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ» فَقَالُوا: إِلَيْكَ وَاللَّهِ جِئْنَا فَنَكَّسُوا رُءُوسَهُمْ، ثُمَّ قَاتَلُوا حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [1653]» .

وأخرج نحوه  عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ الْأَنْصَارَ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ» ، فَأَجَابُوهُ: لَبَّيْكَ بِأَبِينَا أَنْتَ وَأُمِّنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَقْبِلُوا بِوُجُوهِكُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ يُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ» فَأَقْبَلُوا وَلَهُمْ حُنَيْنٌ حَتَّى أَحْدَقُوا بِهِ كَبْكَبَةً تُحَاكُ مَنَاكِبُهُمْ يُقَاتِلُونَ حَتَّى هَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ » [1654]

وروى الترمذي  عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّ الْفِئَتَيْنِ لَمُوَلِّيَتَانِ , " وَمَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِائَةُ رَجُلٍ "[1655] .

وروى أحمد والحميدي وغيرهما  عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَزْهَرِ- رضي الله عنه -  يُحَدِّثُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ- رضي الله عنه -  جُرِحَ يَوْمَئِذٍ وَكَانَ عَلَى الْخَيْلِ: خَيْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ الْأَزْهَرِ: قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا هَزَمَ اللهُ الْكُفَّارَ، وَرَجَعَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى رِحَالِهِمْ يَمْشِي فِي الْمُسْلِمِينَ، وَيَقُولُ: " مَنْ يَدُلُّ عَلَى رَحْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ؟ " قَالَ: فَمَشَيْتُ - أَوْ قَالَ: فَسَعَيْتُ - بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنَا مُحْتَلِمٌ، أَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى رَحْلِ خَالِدٍ، حَتَّى حَلَلْنَا عَلَى رَحْلِهِ، فَإِذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مُسْتَنِدٌ إِلَى مُؤْخِرَةِ رَحْلِهِ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إِلَى جُرْحِهِ ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: وَنَفَثَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وفي رواية الحميدي:"فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ وَدَعَا لَهُ "[1656]

وأخرج الحاكم في المستدرك عَنْ أَبِي سَلَّامٍ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَبَرَةً مِنْ جَنْبِ بَعِيرٍ ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ قَدْرَ هَذِهِ إِلَّا الْخُمُسَ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ، فَأَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُولَ، فَإِنَّهُ عَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، يُذْهِبُ اللَّهُ بِهِ الْهَمَّ وَالْغَمَّ » قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ الْأَنْفَالَ وَيَقُولُ: «لِيَرُدَّ قَوِيُّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى ضَعِيفِهِمْ»[1657] .

ومما لا يثبت وينبغي التنبيه عليه:

الآثار الواردة في هذا المقام في تعيين مَن قال يوم حنين: "لن نغلب اليوم من قلة " و كلها ضعيفة لا يثبت منها شيء مع ما حصل فيها من الاختلاف في تعيين القائل ، فقيل:غلام من الأنصار وقيل:رجل من بني بكر ، وقيل: أبو بكر الصديق - رضي الله عنه وقيل: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم،وهو باطل، وقيل غير ذلك([1658])،.وكلها لا تصح ولكنها تتفق في شيء واحد وهو حصول هذا القول من أحد أفراد الجند الإسلامي، بغض النظر عن تسمية قائله ويزيدها قوة قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [سورة التوبة، من الآية: 25] .

فقد صرحت الآية بأن هناك إعجابا حصل من بعض المسلمين، وأنهم ابتلوا بسبب هذا الإعجاب، وحصل ما نصت عليه الآية الكريمة .

وسياق الآية يرشد إلى أن الإعجاب بالكثرة لم يكن صادرًا منه صلى الله عليه وسلم، فإن إسناد الإعجاب إلى المسلمين بصيغة الجمع، كما في قوله تعالى {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] ، ثم ترتيب الفرار والإدبار على هذا الإعجاب، كما في قوله تعالى {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [سورة التوبة، من الآية: 25] ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يول مدبراً، بل كان ثابتاً ثبوتاً منقطع النظير، كما هو معروف، يدل على أن هذا الإعجاب صادر من بعض المسلمين، وهذا يشبه قوله تعالى - في شأن غزوة أحد -: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ}  [آل عمران، من الآية: 152] .

وقد ورد عند الدارمي، وأحمد، والنسائي في الكبرى وغيرهم، ما يبطل  هذا الحديث ويبين كيف كان موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، وهذا سياق الحديث عند الدارمي –مختصرًا- ، عن صهيب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو أيام حنين: "اللهم بك أحاول، وبك أصاول، وبك أقاتل"([1659]) .وعند أحمد وغيره بلفظ" كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ أَيَّامَ حُنَيْنٍ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ نَبِيًّا كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَعْجَبَتْهُ أُمَّتُهُ، فَقَالَ: لَنْ يَرُومَ هَؤُلَاءِ شَيْءٌ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: أَنْ  خَيِّرْهُمْ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَسْتَبِيحَهُمْ، أَوِ الْجُوعَ، أَوِ الْمَوْتَ "، قَالَ: " فَقَالُوا: أَمَّا الْقَتْلُ أَوِ الْجُوعُ، فَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ، وَلَكِنِ الْمَوْتُ " قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَمَاتَ فِي ثَلَاثٍ سَبْعُونَ أَلْفًا "، قَالَ: فَقَالَ: " فَأَنَا أَقُولُ الْآنَ: اللهُمَّ بِكَ أُحَاوِلُ، وَبِكَ أَصُولُ، وَبِكَ أُقَاتِلُ " " ([1660])

والحديث صحيح، وهو يبين مدى صلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بربه وافتقاره إليه في جميع حركاته وسكناته، وأنه يستبعد منه أن يغتر بكثرة من معه، بل كان دأبه الخضوع والتواضع لله، والتوكل عليه في كل شؤونه، ومقام النبوة أعلى وأرفع من أن يتصور وقوع مثل هذا القول(لن نهزم اليوم من قله) -منه  صلى الله عليه وسلم -

واستقراء سيرته - صلى الله عليه وسلم - وغزواته يدل على أن ما أصاب المسلمين من انكسار أمام أعدائهم كان مصدره مخالفة بعض أتباعه - صلى الله عليه وسلم - لأوامره وتوجيهاته العسكرية، كما حصل في غزوة أحد، وكما حصل في غزوة حنين، فإن الروايات صحت أنه صلى الله عليه وسلم وجه النصح والتنبيه للمسلمين أن لا يغتروا بكثرة عددهم كما في حديث أحمد.وكان صلى الله عليه وسلم يخشى أن يغتر المسلمون ويعجبوا بكثرتهم، فأراد أن يذكرهم بما حصل لمن قبلهم من الأمم من عقوبة بسبب الاغترار والإعجاب بالكثرة. ([1661])

.

.
باب: سَرِيَّةُ أَوْطَاسٍ .
وَكَانَ سَبَبُهَا أَنَّ هَوَازِنَ لَمَّا انْهَزَمَتْ ذَهَبَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ، فِيهِمُ الرَّئِيسُ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّصْرِيُّ فَلَجَئُوا إِلَى الطَّائِفِ فَتَحَصَّنُوا بِهَا، وَسَارَتْ فِرْقَةٌ فَعَسْكَرُوا بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: أَوَطَاسٌ. فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً مِنْ أَصْحَابِهِ وأمَّرَعَلَيْهِمْ أَبُا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيّ-عم أبي موسى الأشعري-([1662])  وفيها قُتل أبو عامر، فأخذ الراية أبو موسى الأشعري، فقاتلهم ففتح الله على يديه وهزموهم بفضل الله ، وتبع أبو موسى الأشعري قاتل عمه فقتله، ثُمَّ بعد ذلك سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ، فَحَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ كَمَا سَيَأْتِي.

روى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري قَالَ:" لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ. قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِيٌّ([1663]) بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ. قَالَ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ، مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي. فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى، فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ: أَلَا تَسْتَحِي؟ أَلَا تَثْبُتُ؟ فَكَفَّ، فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لِأَبِي عَامِرٍ: قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ. قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ. فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ. ([1664])  قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَقْرِئْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي. وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ، فَمَكَثَ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ، فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرَمَّلٍ، وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ وَقَوْلِهِ: قُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ ". وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ " أَوْ " مِنَ النَّاسِ ". فَقُلْتُ: وَلِي فَاسْتَغْفِرْ. فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا " قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: إِحْدَاهُمَا لِأَبِي عَامِرٍ وَالْأُخْرَى لِأَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا" ([1665]) .

وروى أحمد وغيره عن الضَّحَّاك بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ الْأَشْعَرِيُّ، أَنَّ أَبَا مُوسَى حَدَّثَهُمْ قَالَ: لَمَّا هَزَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ عَقَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيِّ عَلَى خَيْلِ الطَّلَبِ، فَطَلَبَ، فَكُنْتُ فِيمَنْ طَلَبَهُمْ، فَأَسْرَعَ بِهِ فَرَسُهُ فَأَدْرَكَ ابْنَ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ فَقَتَلَ أَبَا عَامِرٍ وَأَخَذَ اللِّوَاءَ. وَشَدَدْتُ عَلَى ابْنِ دُرَيْدٍ فَقَتَلْتُهُ، وَأَخَذْتُ اللِّوَاءَ وَانْصَرَفْتُ بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْمِلُ اللِّوَاءَ قَالَ: " يَا أَبَا مُوسَى قُتِلَ أَبُو عَامِرٍ؟ " قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ  يَقُولُ: " اللهُمَّ عُبَيْدَكَ عُبَيْدًا أَبَا عَامِرٍ اجْعَلْهُ مِنَ الْأَكْثَرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "([1666])

وهذا الحديث يشهد لما ذهب إليه ابن إسحاق من أن قاتل أبي عامر رضي الله عنه هو ابن دريد بن الصمة -واسمه سلمة - بخلاف ما ذهب إليه ابن  هشام فقال: حدثني من أثق به أن الذي رمى أبا عامر أخوان من بني جشم وهما أوفى والعلاء ابنا الحارث، فأصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته، وقتلهما أبو موسى الأشعري([1667]) .

وروى ابن سعد والروياني  قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ عُبَيْدًا أَبَا عَامِرٍ فَوْقَ أَكْثَرِ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" . فَقُتِلَ يَوْمَ أَوْطَاسٍ. فَقَتَلَ أَبُو مُوسَى قَاتِلَهُ. قَالَ أَبُو وَائِلٍ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ لا يَجْتَمِعَ أَبُو مُوسَى وَقَاتِلُ عُبَيْدٍ فِي النَّارِ. "([1668])

وروى مسلم عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقُوا عَدُوًّا فَقَاتَلُوهُمْ فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا فَكَأَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَحَرَّجُوا مِنْ غِشْيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى ذَلِكَ { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }[ النِّسَاءُ: 24].  أَىْ فَهُنَّ لَكُمْ حَلاَلٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ"([1669]) ([1670]).
* أسماء من اسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَسَرِيَّةِ أَوْطَاسٍ :
أَيْمَنُ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ وَيَزِيدُ بْنُ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، جَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ- الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الْجَنَاحُ- فَمَاتَ ،وَسُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ، وَأَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ أَمِيرُ سَرِيَّةِ أَوْطَاسٍ، فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةٌ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ([1671]) .

 

باب: غَزْوَةُ الطَّائِفِ .

قَالَ عُرْوَةُ و الزُّهْرِيِّ- فيمانقله َمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِه-:قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَحَاصَرَ الطَّائِفَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ [1672]  .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاق َ: وَلَمَّا قَدِمَ فَلُّ ثَقِيفٍ الطَّائِفَ أَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ مَدِينَتِهَا، وَصَنَعُوا الصَّنَائِعَ لِلْقِتَالِ، وَلَمْ يَشْهَدْ حُنَيْنًا وَلَا حِصَارَ الطَّائِفِ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ وَلَا غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ،كَانَا بِجُرَشَ يَتَعَلَّمَانِ صَنْعَةَ الدَّبَّابَاتِ وَالْمَجَانِيقِ وَالضُّبُورِ.
ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حُنَيْنٍ. أهـ([1673])

وقد استعصت الطائف على المسلمين ولم يقدروا عليها ، وفيها قول الله تعالى: { وَعَدَكُمُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ  وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا *وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا  قَدْ أَحَاطَ اللهُ بِهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا * وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ  ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا *سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ  وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا} [الفتح: 20 - 23]

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ بُجَيْرِ بْنِ أَبِي بُجَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: حِينَ خَرَجْنَا مَعَهُ إِلَى الطَّائِفِ، فَمَرَرْنَا بِقَبْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا قَبْرُ  أَبِي رِغَالٍ، وَكَانَ بِهَذَا الْحَرَمِ يَدْفَعُ عَنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ أَصَابَتْهُ النِّقْمَةُ الَّتِي أَصَابَتْ قَوْمَهُ بِهَذَا الْمَكَانِ، فَدُفِنَ فِيهِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ، إِنْ أَنْتُمْ نَبَشْتُمْ عَنْهُ أَصَبْتُمُوهُ مَعَهُ» ، فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ فَاسْتَخْرَجُوا الْغُصْنَ" ([1674])

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ قَرِيبًا مِنَ الطَّائِفِ، فَضَرَبَ بِهِ عَسْكَرَهُ، فَقُتِلَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالنَّبْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَسْكَرَ اقْتَرَبَ مِنْ حَائِطِ الطَّائِفِ، فَتَأَخَّرُوا إِلَى مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْيَوْمَ بِالطَّائِفِ الَّذِي بَنَتْهُ ثَقِيفٌ بَعْدَ إِسْلَامِهَا، قَالَ: فَحَاصَرَهُمْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً.قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ: سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. [1675].

وَقَالَ عُرْوَةُ ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ وَتَرَكَ السَّبْيَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَمُلِئَتْ عُرُشُ مَكَّةَ مِنْهُمْ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَكَمَةِ عِنْدَ حِصْنِ الطَّائِفِ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ مِنْ وَرَاءِ حِصْنِهِمْ، وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ أَبِي بَكْرَةَ بْنِ مَسْرُوحٍ أَخِي زِيَادٍ لِأُمِّهِ، فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَثُرَتِ الْجِرَاحُ، وَقَطَعُوا طَائِفَةً مِنْ أَعْنَابِهِ لِيُغِيظُوهُمْ بِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ ثَقِيفٌ: لَا تُفْسِدُوا الْأَمْوَالَ، فَإِنَّهَا لَنَا أَوْ لَكُمْ.

وَروى أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَبْدَانِ فَأَعْتَقَهُمَا، أَحَدُهُمَا أَبُو بَكَرَةَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  يُعْتِقُ الْعَبِيدَ إِذَا خَرَجُوا إِلَيْهِ". [1676].وفي رواية" قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الطَّائِفِ: " مَنْ خَرَجَ إِلَيْنَا مِنَ الْعَبِيدِ فَهُوَ حُرٌّ ". فَخَرَجَ عَبِيدٌ مِنَ الْعَبِيدِ فِيهِمْ أَبُو بَكْرَةَ فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ." [1677].

ورواه ابن أبي شيبة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: «خَرَجَ غُلَامَانِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الطَّائِفِ فَأَعْتَقَهُمَا , أَحَدُهُمَا أَبُو بَكْرَةَ فَكَانَا مَوْلَيَيْهِ»[1678] وفي رواية" قَالَ: «أَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الطَّائِفِ كُلَّ مَنْ خَرَجَ إِلَيْهِ مِنْ رَقِيقِ الْمُشْرِكِينَ»[1679].

وروى أحمد وغيره َعَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ قَالَ: (سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم – ثلاثا:...وفيه: وَسَأَلْنَاهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْنَا أَبَا بَكْرَةَ , " فَأَبَى ، وَقَالَ: هُوَ طَلِيقُ اللهِ وَطَلِيقُ رَسُولِهِ " , وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ - رضي الله عنه - خَرَجَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ حَاصَرَ الطَّائِفَ، فَأَسْلَمَ ) [1680] .

وَروىَ الْبُخَارِيُّ عن أَبَي عُثْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا - وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وَأَبَا بَكْرَةَ - وَكَانَ تَسَوَّرَ حِصْنَ الطَّائِفِ فِي أُنَاسٍ، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَا: سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ ".. ([1681])
وفي طريق آخر لهذا الحديث عند الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَوْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا وَأَبَا بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ..قَالَ عَاصِمٌ: قُلْتُ: لَقَدْ شَهِدَ عِنْدَكَ رَجُلَانِ حَسْبُكَ بِهِمَا. قَالَ: أَجَلْ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَنَزَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الطَّائِفِ"([1682]).
وذكر مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: أنه َكَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِهِ، إِحْدَاهُمَا أُمُّ سَلَمَةَ، فَضَرَبَ لَهُمَا قُبَّتَيْنِ، فَكَانَ يُصَلِّي بَيْنَهُمَا، فَحَاصَرَهُمْ وَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، وَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ. [1683]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَرَمَاهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ، فَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَنْجَنِيقِ ; رَمَى بِهِ أَهْلَ الطَّائِفِ. [1684].

ويؤيد ذلك ما رواه ابن سعد عَنْ مَكْحُولٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا"[1685]..
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ نَفَرًا مِنَ الصَّحَابَةِ دَخَلُوا تَحْتَ دَبَّابَةٍ، ثُمَّ زَحَفُوا لِيَخْرِقُوا جِدَارَ أَهْلِ الطَّائِفِ فَأَرْسَلَتْ عَلَيْهِمْ ثَقِيفٌ سِكَكَ الْحَدِيدِ مُحْمَاةً، فَخَرَجُوا مِنْ تَحْتِهَا، فَرَمَتْهُمْ ثَقِيفٌ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ رِجَالًا، فَحِينَئِذٍ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ أَعْنَابِ ثَقِيفٍ، فَوَقَعَ النَّاسُ فِيهَا يَقْطَعُونَ. وَتَقَدَّمَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَالْمُغَيَّرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَنَادَيَا ثَقِيفًا بِالْأَمَانِ حَتَّى يُكَلِّمَاهُمْ، فَأَمَّنُوهُمَا، فَدَعَوْا نِسَاءً مِنْ قُرَيْشٍ وَبَنِي كِنَانَةَ لِيَخْرُجْنَ إِلَيْهِمْ - وَهُمَا يَخَافَانِ عَلَيْهِنَّ السِّبَاءَ إِذَا فُتِحَ الْحِصْنُ - فَأَبَيْنَ، فَقَالَ لَهُمَا ابْنُ الْأَسْوَدِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَلَا أَدُلُّكَمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا جِئْتُمَا لَهُ؟ إِنَّ مَالَ بَنِي الْأَسْوَدِ بْنِ مَسْعُودٍ حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمَا - وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَازِلًا بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ: الْعَقِيقُ. وَهُوَ بَيْنَ مَالِ بَنِي الْأَسْوَدِ وَبَيْنَ الطَّائِفِ - وَلَيْسَ بِالطَّائِفِ مَالٌ أَبْعَدَ رِشَاءً وَلَا أَشَدَّ مَؤُونَةً وَلَا أَبْعَدَ عِمَارَةً مِنْهُ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا إِنْ قَطَّعَهُ لَمْ يَعْمُرْ أَبَدًا، فَكَلِّمَاهُ فَلْيَأْخُذْهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِيَدَعْهُ لِلَّهِ وَلِلرَّحِمِ. فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَهُ لَهُمْ. [1686]

وَقَدْ أَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَ الطَّائِفِ فَيَدْعُوهُمْ إِلَى لْإِسْلَامِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَجَاءَهُمْ فَأَمَرَهُمْ بِالثَّبَاتِ فِي حِصْنِهِمْ وَقَالَ: لَا يَهُولَنَّكُمْ قَطْعُ مَا قُطِعَ مِنَ الْأَشْجَارِ. فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا قُلْتَ لَهُمْ؟ " قَالَ دَعْوَتُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَنْذَرْتُهُمُ النَّارَ، وَذَكَّرْتُهُمْ بِالْجَنَّةِ. فَقَالَ: " كَذَبْتَ، بَلْ قَلْتَ لَهُمْ كَذَا وَكَذَا ". فَقَالَ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ([1687]).( وابن لهيعة ضعيف ).
وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمِ عن أبي نجيح السلمي رضي الله عنه -وَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: حَاصَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصْرَ الطَّائِفِ فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ بَلَّغَ بِسَهْمٍ فَلَهُ دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ ". فَبَلَّغْتُ يَوْمَئِذٍ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ عَدْلُ مُحَرَّرٍ، وَمَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِمًا فَإِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، جَاعِلٌ كُلَّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِ وِقَاءً، كُلَّ عَظْمٍ بِعَظْمٍ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً فَإِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، جَاعِلٌ كُلَّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهَا وِقَاءَ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهَا مِنَ النَّارِ "[1688].

وَروى الْبُخَارِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي مُخَنَّثٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ: أَرَأَيْتَ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلَانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُنَّ ([1689])"..

وقوله" لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُنَّ هَؤُلَاءِ ". يَعْنِي إِذَا كَانَ مِمَّنْ يَفْهَمُ ذَلِكَ، لأن من لا يفهم ذلك فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ } وَالْمُرَادُ بِالْمُخَنَّثِ فِي عُرْفِ السَّلَفِ الَّذِي لَا هِمَّةَ لَهُ إِلَى النِّسَاءِ، وَهَذَا الْمُخَنَّثُ قَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ اسْمَهُ هِيتٌ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.

وروى ابن أبي شيبة عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ فَجَاءَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحْرَقَتْنَا نِبَالُ ثَقِيفٍ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا »[1690]

وروى أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عمر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا حَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ، وَلَمْ يَقْدِرْ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ، قَالَ: " إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ "، فَكَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَرِهُوا ذَلِكَ،  فَقَالَ: " اغْدُوا "، فَغَدَوْا عَلَى الْقِتَالِ، فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ " فَسُرَّ الْمُسْلِمُونَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"[1691].

وَرواه الْبُخَارِيُّ  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا، قَالَ: " إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ". فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: نَذْهَبُ وَلَا نَفْتَحُهُ؟ فَقَالَ: " اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ ". فَغَدَوْا، فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ، فَقَالَ: " إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ". فَأَعْجَبَهُمْ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً:" فَتَبَسَّمَ"([1692]).

وحَاصِل الْخَبَر أَنَّهُمْ لَمَّا أَخْبَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ بِغَيْرِ فَتْح , لَمْ يُعْجِبْهُمْ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ , أَمَرَهُمْ بِالْقِتَالِ , فَلَمْ يُفْتَح لَهُمْ , فَأُصِيبُوا بِالْجِرَاحِ , لِأَنَّهُمْ رَمَوْا عَلَيْهِمْ مِنْ أَعْلَى السُّور , فَكَانُوا يَنَالُونَ مِنْهُمْ بِسِهَامِهِمْ , وَلَا تَصِل السِّهَام إِلَى مَنْ عَلَى السُّورِ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ , تَبَيَّنَ لَهُمْ تَصْوِيبُ الرُّجُوعِ، فَلَمَّا أَعَادَ عَلَيْهِمْ الْقَوْلَ بِالرُّجُوعِ أَعْجَبَهُمْ حِينَئِذٍ، وَلِهَذَا ضَحِكَ - صلى الله عليه وسلم([1693]) -.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:: ثُمَّ إِنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ، وَهِيَ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِنِي - إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ الطَّائِفَ - حُلِيَّ بَادِيَةَ بِنْتِ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ، أَوْ حُلِيَّ الْفَارِعَةِ بِنْتِ عَقِيلٍ، وَكَانَتَا مِنْ أَحْلَى نِسَاءِ ثَقِيفٍ، فَذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: " وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤْذَنْ فِي ثَقِيفٍ يَا خُوَيْلَةُ؟ ". فَخَرَجَتْ خُوَيْلَةُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَدِيثٌ حَدَّثَتْنِيهُ خُوَيْلَةُ زَعَمَتْ أَنَّكَ قُلْتَهُ؟ قَالَ: " قَدْ قُلْتُهُ ". قَالَ: أَوَ مَا أُذِنَ فِيهِمْ؟ قَالَ: " لَا ". قَالَ: أَفَلَا أُؤَذِّنُ بِالرَّحِيلِ؟ قَالَ: " بَلَى ". فَأَذَّنَ عُمَرُ بِالرَّحِيلِ، فَلَمَّا اسْتَقَلَّ النَّاسُ نَادَى سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ أَسِيدِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ عِلَاجٍ: أَلَا إِنَّ الْحَيَّ مُقِيمٌ. قَالَ: يَقُولُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: أَجَلْ، وَاللَّهِ مَجَدَةً كِرَامًا. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: قَاتَلَكَ اللَّهُ يَا عُيَيْنَةُ أَتَمْدَحُ الْمُشْرِكِينَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ جِئْتَ تَنْصُرُهُ؟ فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا جِئْتُ لِأُقَاتِلَ ثَقِيفًا مَعَكُمْ، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ يَفْتَحَ مُحَمَّدٌ الطَّائِفَ فَأُصِيبَ مِنْ ثَقِيفٍ جَارِيَةً أَطَؤُهَا، لَعَلَّهَا تَلِدُ لِي رَجُلًا، فَإِنَّ ثَقِيفًا مَنَاكِيرُ"([1694]) .

وروى ابن سعد عن الْحَسَن قَالَ: حَاصَرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الطَّائِفِ قَالَ فَرُمِيَ رَجُلٌ مِنْ فَوْقِ سُورِهَا فَقُتِلَ. فَأَتَى عُمَرُ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ ادْعُ عَلَى ثَقِيفٍ! قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْذَنْ فِي ثَقِيفٍ . قَالَ: فَكَيْفَ نَقْتُلُ فِي قَوْمٍ لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ فِيهِمْ؟ قَالَ: فَارْتَحِلُوا فَارْتَحَلُوا". ([1695]) .

وروى ابن أبي شيبة, عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ , فَجَاءَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَحَرَقَتْنَا نِبَالُ ثَقِيفٍ , فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ , فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا مَرَّتَيْنِ» , قَالَ: وَجَاءَتْهُ خَوْلَةُ فَقَالَ: «إِنِّي نُبِّئْتُ أَنَّ بِنْتَ خُزَاعَةَ ذَاتُ حُلِيٍّ , فَنَفِّلَنِّي حُلِيَّهَا إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ الطَّائِفَ غَدًا» , قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَنَا فِي قِتَالِهِمْ؟ فَقَالَ رَجُلٌ نَرَاهُ عُمَرَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , مَا مَقَامُكَ عَلَى قَوْمٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَكَ فِي قِتَالِهِمْ؟ قَالَ: فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ , فَنَزَلَ الْجِعْرَانَةَ فَقَسَّمَ بِهَا غَنَائِمَ حُنَيْنٍ , ثُمَّ دَخَلَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ , ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ "([1696]) .

قد روى البيهقي عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم وعبد الله بن المكرم عمن أدركوا من أهل العلم قالوا: حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْ  ذَلِكَ، ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُمْ، وَلَمْ يُؤْذَنْ فِيهِمْ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَجَاءَهُ وَفْدُهُمْ فِي رَمَضَانَ فَأَسْلَمُوا"([1697]). وَسَيَأْتِي ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. ([1698]) .

وقد ورد عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف نصف شهر فيما رواه الطبري في تاريخه عن عروة قال: "سار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين من فوره ذلك - يعني منصرفه من حنين - حتى نزل الطائف، فأقام نصف شهر يقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقاتلتهم ثقيف من وراء الحصن، ولم يخرج إليه في ذلك أحد منهم، وأسلم من حولهم من الناس كلهم، وجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفودهم. ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحاصرهم إلا نصف شهر حتى نزل الجعرانة، وبها السبي الذي سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين من نسائهم وأبنائهم" الحديث" ([1699]).

وروى ابن أبي شيبة- بسند فيه ضعف- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن سِنَانٍ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ، يَدْعُو عَلَيْهِمْ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ" ([1700]).

وعند أحمد ومسلم من حديث السُّمَيْطُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الطَّائِفِ فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً"([1701])  .

وَروى أَبُو دَاوُدَ عن صَخْرٍ - هُوَ ابْنُ الْعَيْلَةِ الْأَحْمَسِيُّ -أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا ثَقِيفًا، فَلَمَّا أَنْ سَمِعَ ذَلِكَ صَخْرٌ رَكِبَ فِي خَيْلٍ يُمِدُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَهُ قَدِ انْصَرَفَ وَلَمْ يَفْتَحْ، فَجَعَلَ صَخْرٌ حِينَئِذٍ عَهْدًا وَذِمَّةً لَا أُفَارِقُ هَذَا الْقَصْرَ حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُفَارِقْهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ صَخْرٌ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ ثَقِيفًا قَدْ نَزَلَتْ عَلَى حُكْمِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا مُقْبِلٌ بِهِمْ، وَهُمْ فِي خَيْلٍ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ جَامِعَةً، فَدَعَا لِأَحْمَسَ عَشْرَ دَعَوَاتٍ: " اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأَحْمَسَ فِي خَيْلِهَا وَرِجَالِهَا ". وَأَتَاهُ الْقَوْمُ، فَتَكَلَّمَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ صَخْرًا أَخَذَ عَمَّتِي ، وَدَخَلَتْ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ. فَدَعَاهُ فَقَالَ: " يَا صَخْرُ، إِنَّ الْقَوْمَ إِذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَادْفَعْ إِلَى الْمُغِيرَةِ عَمَّتَهُ ". فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، وَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاءً لِبَنِي سُلَيَمٍ، قَدْ هَرَبُوا عَنِ الْإِسْلَامِ وَتَرَكُوا ذَلِكَ الْمَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْزِلْنِيهِ أَنَا وَقَوْمِي. قَالَ: " نَعَمْ ". فَأَنْزَلَهُ، وَأَسْلَمَ - يَعْنِي السُّلَمِيِّينَ - فَأَتَوْا صَخْرًا فَسَأَلُوهُ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِمُ الْمَاءَ، فَأَبَى، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسْلَمْنَا وَأَتَيْنَا صَخْرًا لِيَدْفَعَ إِلَيْنَا مَاءَنَا، فَأَبَى عَلَيْنَا. فَقَالَ: " يَا صَخْرُ، إِنَّ الْقَوْمَ إِذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ، فَادْفَعْ إِلَيْهِمْ مَاءَهُمْ ". قَالَ: نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ عِنْدَ ذَلِكَ حُمْرَةً; حَيَاءً مِنْ أَخْذِهُ الْجَارِيَةَ وَأَخْذِهُ الْمَاءَ. [1702]

وروى ابن أبي شيبة عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ , قَالَ: " لَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ بَعْدَ الطَّائِفِ قَالَ: «أَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمَخِيطَ , فَإِنَّ الْغُلُولَ نَارٌ وَعَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْخُمُسَ , ثُمَّ تَنَاوَلَ شَعْرَةً مِنْ بَعِيرٍ» فَقَالَ: مَا لِي مِنْ مَالِكُمْ هَذَا إِلَّا الْخُمُسُ , وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ "[1703]

وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِالطَّائِفِ فِيمَا قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَمِنْ قُرَيْشٍ; سَعِيدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ وَعُرْفُطَةُ بْنُ جَنَّابٍ حَلِيفٌ لِبَنِي أُمَيَّةَ مِنَ الْأَسَدِ بْنِ الْغَوْثِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رُمِيَ بِسَهْمٍ فَتُوُفِّيَ مِنْهُ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ مِنْ رَمْيَةٍ رُمِيَهَا يَوْمَئِذٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَدِيٍّ، وَالسَّائِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ السَّهْمِيُّ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ وَجُلَيْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ وَمِنَ الْأَنْصَارِ ثُمَّ مِنَ الْخَزْرَجِ ; ثَابِتُ بْنُ الْجِذْعِ السُّلَمِيُّ، وَالْحَارِثُ بْنُ سَهْلِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيُّ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، مَنْ بَنِي سَاعِدَةَ، وَمِنَ الْأَوْسِ ; رُقَيْمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَقَطْ،

فَجَمِيعُ مَنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ اثَنَا عَشَرَ رَجُلًا; سَبْعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَرْبَعَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.

* باب رجوع النبي من الطائف إلى الجعرانة لتقسيم غنائم هوازن ثم عمرته من الجعرانة:

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ عَنِ الطَّائِفِ عَلَى دَحْنَا، حَتَّى نَزَلَ الْجِعْرَانَةَ فِيمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعَهُ مِنْ هَوَازِنَ سَبْيٌ كَثِيرٌ، وَقَدْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَوْمَ ظَعَنَ عَنْ ثَقِيفٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا وَائْتِ بِهِمْ ". قَالَ: ثُمَّ أَتَاهُ وَفْدُ هَوَازِنَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَكَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَبْيِ هَوَازِنَ سِتَّةُ آلَافٍ مِنَ الذَّرَارِيِّ  وَالنِّسَاءِ وَمِنَ الْإِبِلِ وَالشَّاءِ مَا لَا يُدْرَى عِدَّتُهُ. ([1704])

روى ابن أبي شيبة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الطَّائِفِ نَزَلَ الْجِعْرَانَةَ فَقَسَّمَ بِهَا الْغَنَائِمَ ثُمَّ اعْتَمَرَ مِنْهَا , وَذَلِكَ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ شَوَّالٍ»([1705])

وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيّ" عَنِ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَىَّ أَصْدَقُهُ ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا السَّبْىَ وَإِمَّا الْمَالَ ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ » . وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - انْتَظَرَ آخِرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ، حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ . قَالُوا فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ « أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلاَءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ ، وَإِنِّى قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ ، مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَيِّبَ فَلْيَفْعَلْ ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِىءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ » . فَقَالَ النَّاسُ قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ . فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّا لاَ نَدْرِى مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِى ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ » فَرَجَعَ النَّاسُ ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا فَأَذِنُوا ". فَهَذَا الَّذِى بَلَغَنَا عَنْ سَبْىِ هَوَازِنَ ([1706]) .

وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عن جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ النَّاسُ مُقْفِلَةٌ مِنْ حُنَيْنٍ، عَلِقَتِ الْأَعْرَابُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطَفَتْ رِدَاءَهُ، فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: " أَعْطَوْنِي رِدَائِي، فَلَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا كَذُوبًا وَلَا جَبَانًا " ([1707])
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي أَبُو وَجْزَةَ يَزِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ السَّعْدِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا: رَيْطَةُ بِنْتُ هِلَالِ بْنِ حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرَةَ. وَأَعْطَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا: زَيْنَبُ بِنْتُ حَيَّانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَيَّانَ. وَأَعْطَى عُمَرَ جَارِيَةً فَوَهَبَهَا لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ. ([1708])
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: بَعَثْتُ بِهَا- أي بالجارية- إِلَى أَخْوَالِي مِنْ بَنِي جُمَحَ; لِيُصْلِحُوا لِي مِنْهَا وَيُهَيِّئُوهَا، حَتَّى أَطُوفَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ آتِيَهِمْ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُصِيبَهَا إِذَا رَجَعْتُ إِلَيْهَا. قَالَ: فَجِئْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ حِينَ فَرَغْتُ، فَإِذَا النَّاسُ يَشْتَدُّونَ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: رَدَّ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا. قُلْتُ: تِلْكُمْ صَاحِبَتُكُمْ فِي بَنِي جُمَحَ، فَاذْهَبُوا فَخُذُوهَا. فَذَهَبُوا إِلَيْهَا فَأَخَذُوهَا"([1709]).
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَمَّا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ فَأَخَذَ عَجُوزًا مِنْ عَجَائِزِ هَوَازِنَ، وَقَالَ حِينَ أَخَذَهَا: أَرَى عَجُوزًا إِنِّي لِأَحْسَبُ لَهَا فِي الْحَيِّ نَسَبًا، وَعَسَى أَنْ يَعْظُمَ فِدَاؤُهَا. فَلَمَّا رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّبَايَا بِسِتِّ فَرَائِضَ، أَبَى أَنْ يَرُدَّهَا، فَقَالَ لَهُ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدٍ: خُذْهَا عَنْكَ، فَوَاللَّهِ مَا فُوهَا بِبَارِدٍ، وَلَا ثَدْيُهَا بِنَاهِدٍ، وَلَا بَطْنُهَا بِوَالِدٍ، وَلَا زَوْجُهَا بِوَاجِدٍ، وَلَا دَرُّهَا بِمَاكِدٍ. فَرَدَّهَا بِسِتِّ فَرَائِضَ. قَالَ: فَزَعَمُوا أَنَّ عُيَيْنَةَ لَقِيَ الْأَقْرَعَ فَشَكَا إِلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّكَ وَاللَّهِ مَا أَخَذْتَهَا بَيْضَاءَ غَرِيرَةً، وَلَا نَصَفًا وَثِيرَةً. ([1710])
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ إِلَى هَوَازِنَ سَبْيَهُمْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا السِّيَاقُ وَغَيْرُهُ، وَدل عليه أيضًا سِيَاقِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الَّذِي رواه ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ إِلَى هَوَازِنَ سَبْيَهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ" ([1711])

وَلِهَذَا لَمَّا رَدَّ السَّبْيَ وَرَكِبَ، عَلَقَتِ الْأَعْرَابُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ لَهُ: اقْسِمْ عَلَيْنَا فَيْئَنَا. حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ، فَخَطَفَتْ رِدَاءَهُ فَقَالَ: " رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي أَيُّهَا النَّاسُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ لَكُمْ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا  وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا " كَمَا تقدم فيما رواه الْبُخَارِيُّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ بِنَحْوِهِ.
وَكَأَنَّهُمْ خَشُوا أَنْ يَرُدَّ إِلَى هَوَازِنَ أَمْوَالَهُمْ كَمَا رَدَّ إِلَيْهِمْ نِسَاءَهُمْ وَأَطْفَالَهُمْ، فَسَأَلُوهُ قِسْمَةَ ذَلِكَ فَقَسَّمَهَا، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بِالَجِعْرَانَةِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وَآثَرَ أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ، وَتَأَلَّفَ أَقْوَامًا مِنْ رُؤَسَاءِ الْقَبَائِلِ وَأُمَرَائِهِمْ، فَعَتَبَ عَلَيْهِ أُنَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى خَطَبَهُمْ، وَبَيَّنَ لَهُمْ وَجْهَ الْحِكْمَةِ فِيمَا فَعَلَهُ; تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ، وَتَنَقَّدَ بَعْضُ مَنْ لَا يَعْلَمُ مِنَ الْجَهَلَةِ وَالْخَوَارِجِ، كَذِي الْخُوَيْصِرَةِ وَأَشْبَاهِهِ، قَبَّحَهُ اللَّهُ، كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَبَيَانُهُ فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، فيما يلي:
روى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عن السُّمَيْطُ السَّدُوسِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:فَتَحْنَا مَكَّةَ، ثُمَّ إِنَّا غَزَوْنَا حُنَيْنًا، فَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ بِأَحْسَنِ صُفُوفٍ رَأَيْتُ، فَصُفَّتِ الْخَيْلُ، ثُمَّ صُفَّتِ الْمُقَاتِلَةُ، ثُمَّ صُفَّتِ النِّسَاءُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، ثُمَّ صُفَّتِ الْغَنَمُ ، ثُمَّ النَّعَمُ. قَالَ: وَنَحْنُ بَشَرٌ كَثِيرٌ، قَدْ بَلَغْنَا سِتَّةَ آلَافٍ، وَعَلَى مُجَنَّبَةِ خَيْلِنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. قَالَ: فَجَعَلَتْ خَيْلُنَا تَلُوذُ خَلْفَ ظُهُورِنَا. قَالَ: فَلَمْ نَلْبَثْ أَنِ انْكَشَفَ خَيْلُنَا، وَفَرَّتِ الْأَعْرَابُ وَمَنْ نَعْلَمُ مِنَ النَّاسِ. قَالَ: فَنَادَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا لَلْمُهَاجِرِينَ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ يَا لَلْأَنْصَارِ ". قَالَ أَنَسٌ: هَذَا حَدِيثُ عَمِّيَهِ([1712]).... قَالَ:

قُلْنَا لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَأَيْمِ اللَّهِ مَا أَتَيْنَاهُمْ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ. قَالَ: فَقَبَضْنَا ذَلِكَ الْمَالَ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الطَّائِفِ فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى مَكَّةَ. قَالَ: فَنَزَلْنَا، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي الرَّجُلَ الْمِائَةَ. وَيُعْطِي الرَّجُلَ الْمِائَةَ. قَالَ: فَتَحَدَّثَ الْأَنْصَارُ بَيْنَهَا: أَمَّا مَنْ قَاتَلَهُ فَيُعْطِيهِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُقَاتِلْهُ فَلَا يُعْطِيهِ! فَرُفِعَ الْحَدِيثُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَمَرَ بِسَرَاةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيَّ إِلَّا أَنْصَارِيُّ " أَوِ " الْأَنْصَارُ ". قَالَ: فَدَخَلْنَا الْقُبَّةَ حَتَّى مَلَأْنَاهَا. قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ " - أَوْ كَمَا قَالَ - " مَا حَدِيثٌ أَتَانِي؟ " قَالُوا: مَا أَتَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " مَا حَدِيثٌ أَتَانِي؟ " قَالُوا: مَا أَتَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ حَتَّى تُدْخِلُوهُ بُيُوتَكُمْ؟ " قَالُوا: رَضِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ فَرَضُوا. أَوْ كَمَا قَالَ ) ([1713]).

وَفِيهِ مِنَ الْغَرِيبِ قَوْلُهُ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَوْمَ هَوَازِنَ سِتَّةَ آلَافٍ. وَإِنَّمَا كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَقَوْلُهُ: إِنَّهُمْ حَاصَرُوا الطَّائِفَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَإِنَّمَا حَاصَرُوهَا قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ، أَوْ دُونَ الْعِشْرِينَ لَيْلَةً. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وروى مسلم عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَالأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ دُونَ ذَلِكَ. فَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ:

أَتَجْعَـلُ نَهْبِى وَنَهْبَ الْعُبَيْـــدِ بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَعِ

فَمَا كَانَ بَدْرٌ وَلاَ حَابِسٌ يَفُوقَــانِ مِرْدَاسَ فِى الْمَجْمَعِ

وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا * وَمَنْ تَخْفِضِ الْيَوْمَ لاَ يُرْفَعِ

قَالَ:فَأَتَمَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِائَةً " ([1714]).

وروى ابْنِ إِسْحَاقَ  عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:لَمَّا أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَنَائِمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَقَسَّمَ لِلْمُتَأَلِّفِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَسَائِرِ الْعَرَبِ مَا قَسَّمَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: لَقِيَ وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ. فَمَشَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ. فَقَالَ: " فِيمَ؟ " قَالَ: فِيمَا كَانَ مِنْ قَسْمِكَ هَذِهِ الْغَنَائِمَ فِي قَوْمِكَ وَفِي سَائِرِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟ " قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا فَأَعْلِمْنِي ". فَخَرَجَ سَعْدٌ فَصَرَخَ فِيهِمْ، فَجَمَعَهُمْ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ، فَجَاءَ رِجَالٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا، وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنَ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ إِلَّا اجْتَمَعَ لَهُ، أَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدِ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ حَيْثُ أَمَرْتَنِي أَنْ أَجْمَعَهُمْ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ فِيهِمْ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ، وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟ " قَالُوا: بَلَى. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَّا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟ " قَالُوا: وَمَا نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ؟ الْمَنُّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. قَالَ: " أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ: جِئْتَنَا طَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاكَ، وَخَائِفًا فَأَمَّنَّاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ ". فَقَالُوا: الْمَنُّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَجَدْتُمْ فِي نُفُوسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا أَسْلَمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى مَا قَسَمَ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ؟! أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ إِلَى رِحَالِهِمْ بِالشَّاءِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ النَّاسَ سَلَكُوا شِعْبًا وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ، وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ ". قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَسْمًا. ثُمَّ انْصَرَفَ وَتَفَرَّقُوا "([1715]) .

وَروى الْبُخَارِيُّ عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ:قَالَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي رِجَالًا الْمِائَةَ مِنَ الْإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ؟! قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَحُدِّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَقَالَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةِ أَدَمٍ، وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ ". فَقَالَ فُقَهَاءُ الْأَنْصَارِ: أَمَّا رُؤَسَاؤُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا نَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنِّي لَأُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهِدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ فَوَاللَّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ رَضِينَا. فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَسَتَجِدُونَ أَثَرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ ". قَالَ أُنْسٌ: فَلَمْ يَصْبِرُوا "([1716])  .

وقد تقدم بنحوه-في غزوة حنين- من طريق هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ عن جده أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ([1717])

* ففلما انتهي من تقسيم الغنائم خرج من الجعرانة إلى مكة معتمرًا وكانت هذه العمرة في شهر ذي القعدة :

قد تقدم فيما رواه ابن أبي شيبة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أنه لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الطَّائِفِ نَزَلَ الْجِعْرَانَةَ ، فَقَسَّمَ بِهَا الْغَنَائِمَ ، ثُمَّ اعْتَمَرَ مِنْهَا. وَذَلِكَ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ شَوَّالٍ..

وقد ثبت أن هذه العمرة كانت في ذي القعدة .فقد روى أحمد عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا: كَمْ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: " أَرْبَعًا: عُمْرَتَهُ الَّتِي صَدَّهُ عَنْهَا الْمُشْرِكُونَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَتَهُ أَيْضًا فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَتَهُ حَيْثُ  قَسَمَ غَنِيمَةَ حُنَيْنٍ مِنَ الْجِعِرَّانَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَتَهُ مَعَ حَجَّتِهِ "([1718]).
وروى أبو داود  عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرٍ: عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَة، وَالثَّانِيَةَ حِينَ تَوَاطَئُوا عَلَى عُمْرَةٍ مَنْ قَابِلٍ، وَالثَّالِثَةَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ، وَالرَّابِعَةَ الَّتِي قَرَنَ مَعَ حَجَّتِهِ "([1719])

وروى البخاري عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا، وَعَطَاءً، وَمُجَاهِدًا، فَقَالُوا: «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي القَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ» وَقَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي القَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ » ([1720])

وروى ابن أبي شيبة عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمْرَةً إِلَّا شَهِدْتُهَا، وَمَا اعْتَمَرَ إِلَّا فِي ذِي الْقَعْدَةِ» ([1721])

باب: سرية جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي الخلصة :

بعث رسول الله جرير في مائة وخمسين فارس من أحمس لهدم ذي الخلصة .

وقد ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ قِصَّةَ تَخْرِيبِ خَثْعَمٍ الْبَيْتَ الَّذِي كَانَتْ تَعْبُدُهُ وَيُسَمُّونَهُ الْكَعْبَةَ الْيَمَانِيَّةَ مُضَاهِيَةً لِلْكَعْبَةِ الَّتِي بِمَكَّةَ، وَيُسَمُّونَ الَّتِي بِمَكَّةَ الْكَعْبَةَ الشَّامِيَّةَ، وَلِتِلْكَ الْكَعْبَةَ الْيَمَانِيَّةَ.

َروى الْبُخَارِيُّ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى. فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ، وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ يَدَهُ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ يَدِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا ". قَالَ: فَمَا وَقَعْتُ عَنْ فَرَسٍ بَعْدُ. قَالَ: وَكَانَ ذُو الْخَلَصَةِ بَيْتًا بِالْيَمَنِ لَخَثْعَمٍ وَبَجِيلَةَ، فِيهِ نُصُبٌ تُعْبَدُ - يُقَالُ لَهُ: الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ. قَالَ: فَأَتَاهَا فَحَرَّقَهَا فِي النَّارِ وَكَسَرَهَا. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ الْيَمَنَ كَانَ بِهَا رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بِالْأَزْلَامِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاهُنَا، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ فَقَالَ: لَتَكْسَرَنَّهَا وَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ. فَكَسَرَهَا وَشَهِدَ. ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رَجُلًا مِنْ أَحْمَسَ يُكَنَّى أَبَا أَرْطَأَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ، قَالَ: فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ. قَالَ: فَبَرَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ([1722]).

 

بَاب: سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ.

قال البخاري:  بَاب سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وَعَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ وَيُقَالُ: إِنَّهَا سَرِيَّةُ الْأَنْصَارِ. ([1723]) ثم روى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ فَغَضِبَ فَقَالَ : أَلَيْسَ أَمَرَكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي؟  قَالُوا: بَلَى قَالَ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا فَجَمَعُوا فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا فَأَوْقَدُوهَا فَقَالَ: ادْخُلُوهَا فَهَمُّوا ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا وَيَقُولُونَ :فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّارِ فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتْ النَّارُ فَسَكَنَ غَضَبُهُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ" ([1724])  .

وروى ابن ماجة عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزِّزٍ عَلَى بَعْثٍ، وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَأْسِ غَزَاتِهِ، أَوْ كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، اسْتَأْذَنَتْهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْجَيْشِ، فَأَذِنَ لَهُمْ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسٍ السَّهْمِيَّ، فَكُنْتُ فِيمَنْ غَزَا مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، أَوْقَدَ الْقَوْمُ نَارًا لِيَصْطَلُوا، أَوْ لِيَصْنَعُوا عَلَيْهَا صَنِيعًا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَكَانَتْ فِيهِ دُعَابَةٌ: أَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمُ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَمَا أَنَا بِآمِرِكُمْ بِشَيْءٍ، إِلَّا صَنَعْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكُمْ، إِلَّا تَوَاثَبْتُمْ فِي هَذِهِ النَّارِ، فَقَامَ نَاسٌ، فَتَحَجَّزُوا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّهُمْ وَاثِبُونَ، قَالَ: أَمْسِكُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّمَا كُنْتُ أَمْزَحُ مَعَكُمْ، فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَمَرَكُمْ مِنْهُمْ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَلَا تُطِيعُوهُ» ([1725])

قال الحافظ في الفتح: وَذكر ابن سعد هَذِه الْقِصَّة بِنَحْوِ هذا السياق وَذَكَرَ أَنَّ سَبَبَهَا أَنَّهُ بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن نَاسا من الْحَبَشَة تراآهم أَهْلُ جِدَّةَ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزِّزٍ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ فَانْتَهَى إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ، فَلَمَّا خَاضَ الْبَحْرَ إِلَيْهِمْ هَرَبُوا، فَلَمَّا رَجَعَ تَعَجَّلَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَى أَهْلِهِمْ، فَأَمَّرَ عَبْدَ اللَّهِ بن حذافة على من تعجل.

وَذكر ابن إِسْحَاقَ أَنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ وَقَّاصَ بْنَ مُجَزِّزٍ كَانَ قُتِلَ يَوْمَ ذِي قَرَدٍ فَأَرَادَ عَلْقَمَةُ بْنُ مُجَزِّزٍ أَنْ يَأْخُذَ بِثَأْرِهِ فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ قُلْتُ وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذكره ابن سَعْدٍ إِلَّا أَنْ يُجْمَعَ بِأَنْ يَكُونَ أَمَرَ بالأمرين، وأرخها ابن سَعْدٍ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ تِسْعٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ-أي البخاري- :وَيُقَالُ إِنَّهَا سَرِيَّةُ الْأَنْصَارِيِّ، فَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى احْتِمَالِ تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِي لِاخْتِلَافِ سِيَاقِهِمَا وَاسْمِ أَمِيرِهِمَا وَالسَّبَبُ فِي أَمْرِهِ بِدُخُولِهِمُ النَّارَ، وَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ وَيُبْعِدُهُ وَصْفُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ الْقُرَشِيِّ الْمُهَاجِرِيِّ بِكَوْنِهِ أَنْصَارِيًّا فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ نَسَبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَيُحْتَمَلُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ أَيْ أَنَّهُ نَصَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَى التَّعَدُّد جنح ابن الْقيم .وَأما ابن الْجَوْزِيِّ فَقَالَ قَوْلُهُ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَإِنَّمَا هُوَ سَهْمِيٌّ.

قُلْتُ :وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث ابن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ }الْآيَةَ.. نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ. أهـ ([1726])

فصل: حَوَادِثِ أخرى فِي سَنَةِ ثَمَانٍ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى جَيْفَرٍ

وَعَمْرٍو ابْنَيِ الْجُلَنْدِيِّ مِنَ الْأَزْدِ، وَأُخِذَتِ الْجِزْيَةُ مِنْ مَجُوسِ بَلَدِهِمَا وَمَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْأَعْرَابِ.

وَفِيهَا تزوَّج رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةُ بِنْتَ الضِّحَاكِ بْنِ سُفْيَانَ

الْكِلَابِيِّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فاستعاذت منه عليه الصلاة والسلام فَفَارَقَهَا، وَقِيلَ: بَلْ خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتِ الدُّنْيَا فَفَارَقَهَا.

وَفِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مَنْ

مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ، وَكَانَتْ قَابِلَتُهَا فِيهِ سُلْمَى مُوَلَّاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم، فَخَرَجَتْ إِلَى أَبِي رَافِعٍ فَأَخْبَرَتْهُ فَذَهَبَ فَبَشَّرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ مَمْلُوكًا وَدَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أم برة بنت المنذر  النَّجَّارِية وَزَوْجُهَا الْبَرَاءُ بْنُ أَوْسِ.

وَفِيهَا – بعد فتح مكة-كَانَ هَدْمُ سُوَاعٍ الصنم الَّذِي كَانَتْ تَعْبُدُهُ هُذَيْلٌ

بِرُهَاطٍ، بعث النبي صلى الله عليه وسلم عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فهَدَمَهُ وَلَمْ يجد في خزائنه شيئاً.

وفيها هدم مناة بالمشلل، الصنم الذي كان الأَوَسُ وَالخَزْرَجُ يُعَظِّمُونَهُ، ُ بعث رسول الله

صلى الله عليه وسلم سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَشْهَلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فخرج في عشرين فارسًا حتى انتهى إليها فهدمها.كما ذكر الواقدي وابن سعد وغيرهما[1727].

 

*                  *                   *

.

أبواب: غزوة تبوك (جيش العسرة)

باب: تاريخها وسببها

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الغزوة في رجب من العام التاسع الهجري([1728]) بعد العودة من حصار الطائف بنحو ستة أشهر([1729]).

واشتهرت هذه الغزوة باسم غزوة تبوك، نسبة إلى مكان هو عين تبوك، التي انتهى إليها الجيش الإسلامي .وموقع تبوك يقع شمال الحجاز([1730])وكانت من ديار قضاعة الخاضعة لسلطان الروم آنذاك .

لقد سُمي هذا الجيش بجيش العسرة لشدة ما لاقى المسلمون من الصعاب، فقد كان الجو شديد الحرارة، والمسافة بعيدة، والسفر شاقًّا لقلة المؤونة وقلة الدواب التي تحمل المجاهدين إلى أرض المعركة، وقلة الماء في هذا السفر الطويل والحر الشديد، وكذلك قلة المال الذي يجهز به الجيش وينفق عليه.وذكرت هذه التسمية في القرآن في قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:117]

ذكر المؤرخون أسباب هذه الغزوة فقالوا: وصلت الأنباء للنبي صلى الله عليه وسلم من الأنباط الذين يأتون بالزيت من الشام إلى المدينة أن الروم جمعت جموعًا وأجلبت معهم لخم وجذام وغيرهم من مستنصرة العرب, وجاءت في مقدمتهم إلى البلقاء([1731]) فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغزوهم قبل أن يغزوه([1732]).

ويرى ابن كثير أن سبب الغزوة هو استجابة طبيعية لفريضة الجهاد؛ فقد قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }[ التَّوْبَةِ: 29 ])  ولذلك عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال الروم؛ لأنهم أقرب الناس إليه، وأولى الناس بالدعوة إلى الحق لقربهم إلى الإسلام وأهله, قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } [التوبة: 123].

والذي قاله ابن كثير هو الأقرب للصواب، إضافة إلى أن الأمر الذي استقر عليه حكم الجهاد هو قتال المشركين كافة بمن فيهم أهل الكتاب, الذين وقفوا في طريق الدعوة وظهر تحرشهم بالمسلمين كما روى أهل السير([1733]).

ولا يمنع ما ذكره المؤرخون بأن سبب الخروج هو عزم الروم على غزو المسلمين في عقر دارهم أن يكون هذا حافزًا للخروج إليهم، لأن أصل الخروج كان واردًا.

ولقد كان المسلمون على حذر من مجيء غسان إليهم من الشام, ويظهر ذلك جليًا مما وقع لعمر بن الخطاب, عندما آلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نسائه شهرًا فهجرهن..:كما روى البخاري عن ابن عباس: قال عمر: وَكُنَّا تَحَدَّثْنَا أَنَّ  غَسَّانَ تُنْعِلُ النِّعَالَ لِغَزْوِنَا، فَنَزَلَ صَاحِبِي يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَرَجَعَ عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا ؟،وَقَالَ أَنَائِمٌ هُوَ فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ وَقَالَ: حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ قُلْتُ مَا هُوَ أَجَاءَتْ غَسَّانُ ؟ قَالَ: لَا بَلْ أَعْظَمُ مِنْهُ وَأَطْوَلُ طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ ..الحديث ([1734])

فَلَمَّا عَزَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَزْوِ الرُّومِ عَامَ تَبُوكَ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَضِيقٍ مِنَ الْحَالِ، جَلَّى لِلنَّاسِ أَمْرَهَا وَدَعَا مَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَحْيَاءِ الْأَعْرَابِ لِلْخُرُوجِ مَعَهُ، فَأَوْعَبَ مَعَهُ بَشَرٌ كَثِيرٌ، ، قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ، فَعَاتَبَ اللَّهُ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ لِغَيْرِ عُذْرٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ، وَلَامَهُمْ وَوَبَّخَهُمْ وَقَرَّعَهُمْ أَشَدَّ التَّقْرِيعِ، وَفَضَحَهُمْ أَشَدَّ الْفَضِيحَةِ، وَأَنْزَلَ فِيهِمْ قُرْآنًا يُتْلَى وَبَيَّنَ أَمْرَهُمْ فِي سُورَةِ التوبة" بَرَاءَةَ " ([1735])

باب: التصريح بالغزوة وحث النبي المؤمنين على الصدقة لتجهيز الجيش

روى البخاري عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّمَا يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ فَغَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَاسْتَقْبَلَ غَزْوَ عَدُوٍّ كَثِيرٍ فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ وَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ" ([1736])

وقد أَمَرَ الله الْمُؤْمِنِينَ بالجهاد بالمال والنفس وقدم المال على النفس فَقَالَ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[التوبة:41]


قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ مَا بَيْنَ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى

رَجَبٍ - يَعْنِي مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ - ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ بِالتَّهَيُّؤِ لِغَزْوِ الرُّومِ. فَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، كَلٌّ يُحَدِّثُ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَا بَلَغَهُ عَنْهَا، وَبَعْضُ الْقَوْمِ يُحَدِّثُ مَا لَمْ يُحَدِّثْ بَعْضٌ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّهَيُّؤِ لِغَزْوِ الرُّومِ، وَذَلِكَ فِي زَمَانِ عُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ وَشِدَّةٍ مِنَ الْحَرِّ وَجَدْبٍ مِنَ الْبِلَادِ، وَحِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ، فَالنَّاسُ يُحِبُّونَ الْمُقَامَ فِي ثِمَارِهِمْ وَظِلَالِهِمْ، وَيَكْرَهُونَ الشُّخُوصَ فِي الْحَالِ مِنَ الزَّمَانِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّ مَا يَخْرُجُ فِي غَزْوَةٍ إِلَّا كَنَّى عَنْهَا إِلَّا مَا كَانَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَإِنَّهُ بَيَّنَهَا لِلنَّاسِ، لِبُعْدِ الْمَشَقَّةِ وَشِدَّةِ الزَّمَانِ وَكَثْرَةِ الْعَدُوِّ الَّذِي يُصْمَدُ إِلَيْهِ لِيَتَأَهَّبَ النَّاسُ لِذَلِكَ أُهْبَتَهُ، فَأَمَرَهُمْ بِالْجِهَادِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يُرِيدُ الرُّومَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ فِي جِهَازِهِ ذَلِكَ لِلْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ أَحَدِ بَنِي سَلِمَةَ: " يَا جَدُّ هَلْ لَكَ الْعَامَ فِي جِلَادِ بَنِي الْأَصْفَرِ ؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَو َتَأْذَنُ لِي وَلَا تَفْتِنِّي، فَوَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفَ قَوْمِي أَنَّهُ مَا رَجُلٌ بِأَشَدَّ عَجَبًا بِالنِّسَاءِ مِنِّي، وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ رَأَيْتُ نِسَاءَ بَنِي الْأَصْفَرِ أَنْ لَا أَصْبِرَ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " قَدْ أَذِنْتُ لَكَ ". فَفِي الْجَدِّ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ:{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ }([ التَّوْبَةِ: 49 ]) وَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ. زَهَادَةً فِي الْجِهَادِ وَشَكًّا فِي الْحَقِّ وَإِرْجَافًا بِالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ "{ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ  أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }[ التَّوْبَةِ: 81، 82 ].
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَدَّ فِي سَفَرِهِ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالْجِهَازِ وَالِانْكِمَاشِ، وَحَضَّ أَهْلَ الْغِنَى عَلَى النَّفَقَةِ وَالْحُمْلَانِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَحَمَلَ رِجَالٌ  مِنْ أَهْلِ الْغِنَى وَاحْتَسَبُوا، وَأَنْفَقَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ نَفَقَةً عَظِيمَةً لَمْ يُنْفِقْ أَحَدٌ مِثْلَهَا.

وَقَدْ روى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي ثَوْبِهِ حِينَ جَهَّزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ. قَالَ: فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ، وَيَقُولُ: " مَا ضَرَّ ابْنُ عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ "([1737])

وقال البخاري:في باب مناقب عثمان : وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ» . فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ، وَقَالَ: «مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ» فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ([1738])

وروى البخاري عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ، وَلاَ أَنْشُدُ إِلَّا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ» ؟ فَحَفَرْتُهَا، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ» ؟ فَجَهَّزْتُهُمْ، قَالَ: فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ"([1739]).

وَروى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَطَلْحَةَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ " فَجَهَّزْتُهُمْ حَتَّى مَا يَفْقِدُونَ .خِطَامًا وَلَا عِقَالًا قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ "([1740])..

باب:ٌ فِيمَنْ تَخَلَّفَ عن الغزوة

تخلف عن رسول الله صلى الله عليه و سلم النساء و الذرية و من عذره الله من الرجال ممن لا يجد ظهرًا يركبه أو نفقة تكفيه فمنهم البكاؤون و كانوا سبعة : سالم بن عمير و علبة بن زيد و أبو ليلى عبد الرحمن بن كعب ،و عمر بن الحمام و عبد الله بن المغفل المزني و هرمي بن عبد الله و عرباض بن سارية الفزازي رضي الله عنهم . بل إن أصحاب العذر شاركوا المجاهدين في الأجر كما أخبر بذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فيما سيأتي و تخلف عصاة مثل : مرارة بن الربيع و كعب بن مالك و هلال بن أمية ثم تاب الله عليهم وستأتي قصتهم بعد. وتخلف منافقون كفرًا و عنادًا و كانوا نحو الثمانين رجلاً ففضحهم الله في سورة التوبة. .قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ *رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ* لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  * لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [ التَّوْبَةِ: 86 - 93 ]

َوقد جَاءُ البكاءون إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَحْمِلَهُمْ، حَتَّى يَصْحَبُوهُ فِي غَزْوَتِهِ هَذِهِ، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهُ مِنِ الظَّهْرِ مَا يَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، فَرَجَعُوا وَهُمْ يَبْكُونَ ، تَأَسُّفًا عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالنَّفَقَةِ فِيهِ.فسموا بالبكائين وكانوا سبعة .

روى البخاري عَنْ زَهْدَمٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى، فَأُتِيَ - ذَكَرَ دَجَاجَةً -، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنَ المَوَالِي، فَدَعَاهُ لِلطَّعَامِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ لاَ آكُلُ، فَقَالَ: هَلُمَّ فَلْأُحَدِّثْكُمْ عَنْ ذَاكَ، إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ» ، وَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَهْبِ إِبِلٍ، فَسَأَلَ عَنَّا فَقَالَ: «أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَرِيُّونَ؟» ، فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا؟ لاَ يُبَارَكُ لَنَا، فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ، فَقُلْنَا: إِنَّا سَأَلْنَاكَ أَنْ تَحْمِلَنَا، فَحَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحْمِلَنَا، أَفَنَسِيتَ؟  قَالَ: « لَسْتُ أَنَا حَمَلْتُكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَتَحَلَّلْتُهَا » "([1741])

وروى عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ الْحُمْلَانَ لَهُمْ إِذْ هُمْ مَعَهُ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ وَهِيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ أَصْحَابِي أَرْسَلُونِي إِلَيْكَ لِتَحْمِلَهُمْ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَيْءٍ وَوَافَقْتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ وَلَا أَشْعُرُ وَرَجَعْتُ حَزِينًا مِنْ مَنْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ مَخَافَةِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ عَلَيَّ فَرَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَأَخْبَرْتُهُمْ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا سُوَيْعَةً إِذْ سَمِعْتُ بِلَالًا يُنَادِي أَيْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ فَأَجَبْتُهُ فَقَالَ أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوكَ فَلَمَّا أَتَيْتُهُ قَالَ خُذْ هَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ وَهَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ لِسِتَّةِ أَبْعِرَةٍ ابْتَاعَهُنَّ حِينَئِذٍ مِنْ سَعْدٍ فَانْطَلِقْ بِهِنَّ إِلَى أَصْحَابِكَ فَقُلْ إِنَّ اللَّهَ أَوْ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ فَارْكَبُوهُنَّ فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِمْ بِهِنَّ فَقُلْتُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَا أَدَعُكُمْ حَتَّى يَنْطَلِقَ مَعِي بَعْضُكُمْ إِلَى مَنْ سَمِعَ مَقَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَظُنُّوا أَنِّي حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا لِي وَاللَّهِ إِنَّكَ عِنْدَنَا لَمُصَدَّقٌ وَلَنَفْعَلَنَّ مَا أَحْبَبْتَ فَانْطَلَقَ أَبُو مُوسَى بِنَفَرٍ مِنْهُمْ حَتَّى أَتَوْا الَّذِينَ سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْعَهُ إِيَّاهُمْ ثُمَّ إِعْطَاءَهُمْ بَعْدُ فَحَدَّثُوهُمْ بِمِثْلِ مَا حَدَّثَهُمْ بِهِ أَبُو مُوسَى([1742])


باب: خُرُوجُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ وَاسْتِخْلَافُهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَى أَهْلِهِ .

2950 – قال البخاري:حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ"([1743])


وقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ثُمَّ اسْتَتَبَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَرُهُ وَأَجْمَعَ السَّيْرَ، فَلَمَّا خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ ضَرَبَ عَسْكَرَهُ عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَمَعَهُ زِيَادَةٌ عَلَى ثَلَاثِينَ أَلْفًا مِنَ النَّاسِ، وَضَرَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ عَدُوُّ اللَّهِ عَسْكَرَهُ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَمَا كَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ بِأَقَلِّ الْعَسْكَرَيْنِ، فَلَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَلَّفَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلِ الرَّيْبِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَاسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: وَذَكَرَ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا عَامَ تَبُوكَ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَى أَهْلِهِ وَأَمَرَهُ بِالْإِقَامَةِ فِيهِمْ فَأَرْجَفَ بِهِ الْمُنَافِقُونَ، وَقَالُوا: مَا خَلَّفَهُ إِلَّا اسْتِثْقَالًا لَهُ وَتَخَفُّفًا مِنْهُ. فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ أَخَذَ عَلِيٌّ سِلَاحَهُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى لَحِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجُرْفِ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالُوا فَقَالَ: كَذَبُوا وَلَكِنِّي خَلَّفْتُكَ لِمَا تَرَكْتُ وَرَائِي، فَارْجِعْ فَاخْلُفْنِي فِي أَهْلِي وَأَهْلِكَ، أَفَلَا تَرْضَى يَا عَلِيُّ أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي ؟ فَرَجَعَ عَلِيٌّ وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرِهِ.
وروى البخاري عَنْ سَعْدٍ بن أبي وقاص " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا فَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟ قَالَ: أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي"([1744]).

 

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ أَبَا خَيْثَمَةَ رَجَعَ بَعْدَ مَا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامًا

إِلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، فَوَجَدَ امْرَأَتَيْنِ لَهُ فِي عَرِيشَيْنِ لَهُمَا فِي حَائِطِهِ، قَدْ رَشَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَرِيشَهَا، وَبَرَّدَتْ فِيهِ مَاءً، وَهَيَّأَتْ لَهُ فِيهِ طَعَامًا، فَلَمَّا دَخَلَ قَامَ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ فَنَظَرَ إِلَى امْرَأَتَيْهِ وَمَا صَنَعَتَا لَهُ، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضِّحِّ وَالرِّيحِ وَالْحَرِّ وَأَبُو خَيْثَمَةَ فِي ظِلٍّ بَارِدٍ وَطَعَامٍ مُهَيَّأٍ وَامْرَأَةٍ حَسْنَاءَ، فِي مَالِهِ مُقِيمٌ ! مَا هَذَا بِالنَّصَفِ. ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَدْخُلُ عَرِيشَ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حَتَّى أَلْحَقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَيِّئَا زَادًا. فَفَعَلَتَا، ثُمَّ قَدَّمَ نَاضِحَهُ فَارْتَحَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ فِي طَلَبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَدْرَكَهُ حِينَ نَزَلَ تَبُوكَ وَقَدْ كَانَ أَدْرَكَ أَبَا خَيْثَمَةَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ فِي الطَّرِيقِ يَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَرَافَقَا، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنْ تَبُوكَ قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ لِعُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ: إِنَّ لِي ذَنْبًا فَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَخَلَّفَ عَنِّي حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَفَعَلَ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّاسُ: هَذَا رَاكِبٌ عَلَى الطَّرِيقِ مُقْبِلٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ وَاللَّهِ أَبُو خَيْثَمَةَ. فَلَمَّا بَلَغَ أَقْبَلَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: " أَوْلَى لَكَ يَا أَبَا خَيْثَمَةَ ! ". ثُمَّ أَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرَ، فَقَالَ خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ([1745]).
وَقَدْ ذَكَرَ البيهقي في الدلائل بأسانيده([1746]) عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قِصَّةَ أَبِي خَيْثَمَةَ بِنَحْوٍ مِنْ سِيَاقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَأَبْسَطَ، وَذِكَرَ أَنَّ خُرُوجَهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَى تَبُوكَ  كَانَ فِي زَمَنِ الْخَرِيفِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

و روى الحاكم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ جَعَلَ لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَتَخَلَّفُ، فَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَخَلَّفَ فُلَانٌ. فَيَقُولُ: " دَعُوهُ، إِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيُلْحِقُهُ اللَّهُ بِكُمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللَّهُ مِنْهُ ". حَتَّى قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَخَلَّفَ أَبُو ذَرٍّ وَأَبْطَأَ بِهِ بَعِيرُهُ. فَقَالَ: " دَعُوهُ، إِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيُلْحِقُهُ اللَّهُ بِكُمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللَّهُ مِنْهُ ". فَتَلَوَّمَ أَبُو ذَرٍّ بَعِيرَهُ، فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ أَخَذَ مَتَاعَهُ فَجَعَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمَّ خَرَجَ يَتَّبِعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاشِيًا، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَنَازِلِهِ، وَنَظَرَ نَاظِرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مَاشٍ عَلَى الطَّرِيقِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُنْ أَبَا ذَرٍّ ". فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ الْقَوْمُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ وَاللَّهِ أَبُو ذَرٍّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا ذَرٍّ يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ ". قَالَ: فَضَرَبَ الدَّهْرُ مِنْ ضَرْبِهِ، وَسُيِّرَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى امْرَأَتَهُ وَغُلَامَهُ فَقَالَ: إِذَا مِتُّ فَاغْسِلَانِي وَكَفِّنَانِي مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ ضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّونَ بِكُمْ فَقُولُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ. فَلَمَّا مَاتَ فَعَلُوا بِهِ كَذَلِكَ، فَاطَّلَعَ رَكْبٌ، فَمَا عَلِمُوا بِهِ حَتَّى كَادَتْ رِكَابُهُمْ تَطَأُ سَرِيرَهُ، فَإِذَا ابْنُ مَسْعُودٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَقَالَ: مَا هَذَا ؟ فَقِيلَ: جِنَازَةُ أَبِي ذَرٍّ. فَاسْتَهَلَّ ابْنُ مَسْعُودٍ يَبْكِي، وَقَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا ذَرٍّ يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ ". فَنَزَلَ فَوَلِيَهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَجَنَّهُ" ([1747]).

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ كَانَتْ وَهُمْ بِالْحِجْرِ، وَأَنَّهُمْ قَالُوا لِرَجُلٍ مَعَهُمْ مُنَافِقٌ: وَيْحَكَ ! هَلْ بَعْدَ هَذَا مِنْ شَيْءٍ ؟ ! فَقَالَ سَحَابَةٌ مَارَّةٌ. وَذَكَرَ أَنَّ نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَلَّتْ، فَذَهَبُوا فِي طَلَبِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ - وَكَانَ عِنْدَهُ -: إِنَّ رَجُلًا قَالَ: هَذَا مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَيُخْبِرُكُمْ خَبَرَ السَّمَاءِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ. وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ، وَقَدْ دَلَّنِي اللَّهُ عَلَيْهَا، هِيَ فِي الْوَادِي قَدْ حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا ". فَانْطَلَقُوا فَجَاءُوا بِهَا فَرَجَعَ عُمَارَةُ إِلَى رَحْلِهِ، فَحَدَّثَهُمْ عَمَّا جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَبَرِ الرَّجُلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ اللُّصَيْتِ وَكَانَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ، فَأَقْبَلَ عُمَارَةُ عَلَى زَيْدٍ يَجَأُ فِي عُنُقِهِ وَيَقُولُ: إِنَّ فِي رَحْلِي لَدَاهِيَةً وَأَنَا لَا أَدْرِي، اخْرُجْ عَنِّي يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَلَا تَصْحَبْنِي. فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّ زَيْدًا تَابَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَزَلْ مُصِرًّا حَتَّى هَلَكَ. ([1748])
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:لَمَّا كَانَ يَوْمُ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَنْحَرُ نَوَاضِحَنَا، فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " افْعَلُوا ". فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ، وَلَكِنِ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، وَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ فِيهَا بِالْبَرَكَةِ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا الْبَرَكَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَعَمْ ". فَدَعَا بِنِطَعٍ فَبَسَطَهُ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ، وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِكَفٍّ مِنَ التَّمْرِ، وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِكِسْرَةٍ حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النِّطَعِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يَسِيرٌ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: " خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ ". فَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ حَتَّى مَا تَرَكُوا فِي الْعَسْكَرِ وِعَاءً إِلَّا مَلَئُوهُ وَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهَا عَبْدٌ غَيْرُ شَاكٍّ فَيُحْجَبُ عَنِ الْجَنَّةِ ".([1749])

 

* باب:مُرُورِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَهَابِهِ إِلَى تَبُوكَ بِالحجر مَسَاكِنِ ثَمُودَ .


قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَرَّ بِالْحِجْرِ نَزَلَهَا وَاسْتَقَى النَّاسُ مِنْ بِئْرِهَا، فَلَمَّا رَاحُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَشْرَبُوا مِنْ مِيَاهِهَا شَيْئًا، وَلَا تَتَوَضَّئُوا مِنْهُ لِلصَّلَاةِ، وَمَا كَانَ مِنْ عَجِينٍ عَجَنْتُمُوهُ فَأَعْلِفُوهُ الْإِبِلَ، وَلَا تَأْكُلُوا مِنْهُ شَيْئًا هَكَذَا ([1750]).
وَيؤيده ما أخرجه الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ عَامَ تَبُوكَ الْحِجْرَ عِنْدَ بُيُوتِ ثَمُودَ، فَاسْتَقَى النَّاسُ مِنَ الْآبَارِ الَّتِي كَانَتْ تَشْرَبُ مِنْهَا ثَمُودُ، فَعَجَنُوا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ بِاللَّحْمِ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْرَقُوا الْقُدُورَ، وَعَلَفُوا الْعَجِينَ الْإِبِلَ، ثُمَّ ارْتَحَلَ بِهِمْ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ عَلَى الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَشْرَبُ مِنْهَا النَّاقَةُ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ عُذِّبُوا فَقَالَ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ "([1751])

 

روى البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجْرِ قَالَ لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الْوَادِيَ" ([1752])

وروى عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِ الْحِجْرِ لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ "([1753])

وَروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجْرِ قَالَ: " لَا تَسْأَلُوا الْآيَاتِ، فَقَدْ سَأَلَهَا قَوْمُ صَالِحٍ فَكَانَتْ تَرِدُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ، وَتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَعَقَرُوهَا، وَكَانَتْ تَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمًا وَيَشْرَبُونَ لَبَنَهَا يَوْمًا، فَعَقَرُوهَا، فَأَخَذَتْهُمْ صَيْحَةٌ، أَهْمَدَ اللَّهُ مِنْ تَحْتِ أَدِيمِ السَّمَاءِ مِنْهُمْ، إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا كَانَ فِي حَرَمِ اللَّهِ " قِيلَ: مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: " هُوَ أَبُو رِغَالٍ فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ "([1754])
وَروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:لَمَّا كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ تَسَارَعَ النَّاسُ إِلَى أَهْلِ الْحِجْرِ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُودِيَ فِي النَّاسِ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُمْسِكٌ بَعِيرَهُ وَهُوَ يَقُولُ: " مَا تَدْخُلُونَ عَلَى قَوْمٍ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ؟ " فَنَادَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: نَعْجَبُ مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ ؟ رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَمَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ، فَاسْتَقِيمُوا وَسَدِّدُوا، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَعْبَأُ بِعَذَابِكُمْ شَيْئًا، وَسَيَأْتِي قَوْمٌ لَا يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ شَيْئًا ".([1755]).

 

وَروى الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ المكي عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ تَبُوكَ فَكَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. قَالَ: فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يَضْحَى النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ " قَالَ: فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَ إِلَيْهَا رَجُلَانِ، وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا ؟ " قَالَا: نَعَمْ. فَسَبَّهُمَا وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ فِيهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا، فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ، فَاسْتَقَى النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا مُعَاذُ يُوشِكُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا "([1756]).


باب: إقامته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تبوك ، وهبوب الريح ، و مُصَالَحَتِهِ مَلِكَ أَيْلَةَ وَأَهْلَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ وَهُوَ مُخَيِّمٌ عَلَى تَبُوكَ قَبْلَ رُجُوعِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ أَتَاهُ يُحَنَّةُ بْنُ رُؤْبَةَ صَاحِبُ أَيْلَةَ، فَصَالَحَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَاهُ الْجِزْيَةَ، وَأَتَاهُ أَهْلُ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ فَأَعْطَوْهُ الْجِزْيَةَ، وَكَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا فَهُوَ عِنْدَهُمْ، فَكَتَبَ لِيُحَنَّةَ بْنِ رُؤْبَةَ وَأَهْلِ أَيْلَةَ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ أَمَنَةٌ مِنَ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ لِيُحَنَّةَ بْنِ رُؤْبَةَ وَأَهْلِ أَيْلَةَ، سُفُنِهِمْ وَسَيَّارَتِهِمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، لَهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ الْيَمَنِ وَأَهْلِ الْبَحْرِ،

فَمَنْ أَحْدَثَ مِنْهُمْ حَدَثًا فَإِنَّهُ لَا يَحُولُ مَالُهُ دُونَ نَفْسِهِ، وَإِنَّهُ طَيِّبٌ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنَ النَّاسِ، وَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَمْنَعُوهُ مَاءً يَرِدُونَهُ وَلَا طَرِيقًا يَرِدُونَهُ مِنْ بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ ". زَادَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بَعْدَ هَذَا. وَهَذَا كِتَابُ جُهَيْمِ بْنِ الصَّلْتِ وَشُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ بِإِذْنِ رَسُولِ اللَّهِ.


قَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَكَتَبَ لِأَهْلِ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ لِأَهْلِ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ، أَنَّهُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللَّهِ وَأَمَانِ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّ عَلَيْهِمْ مِائَةَ دِينَارٍ فِي كُلِّ رَجَبٍ، وَمِائَةَ أُوقِيَّةٍ طَيِّبَةٍ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَيْهِمْ كَفِيلٌ بِالنُّصْحِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ لَجَأَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ". قَالَ: وَأَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ أَيْلَةَ بُرْدَهُ مَعَ كِتَابِهِ أَمَانًا لَهُمْ. قَالَ: فَاشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ.

 

وروى البخاري عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ : غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ فَلَمَّا جَاءَ وَادِيَ الْقُرَى إِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ اخْرُصُوا وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ فَقَالَ لَهَا أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا.

فَلَمَّا أَتَيْنَا تَبُوكَ قَالَ: أَمَا إِنَّهَا سَتَهُبُّ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَلَا يَقُومَنَّ أَحَدٌ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ فَلْيَعْقِلْهُ فَعَقَلْنَاهَا وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَأَلْقَتْهُ بِجَبَلِ طَيِّءٍ وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ فَلَمَّا أَتَى وَادِيَ الْقُرَى قَالَ لِلْمَرْأَةِ كَمْ جَاءَ حَدِيقَتُكِ قَالَتْ: عَشَرَةَ أَوْسُقٍ خَرْصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي فَلْيَتَعَجَّلْ فَلَمَّا قَالَ ابْنُ بَكَّارٍ كَلِمَةً مَعْنَاهَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ هَذِهِ طَابَةُ فَلَمَّا رَأَى أُحُدًا قَالَ هَذَا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الْأَنْصَارِ قَالُوا بَلَى قَالَ دُورُ بَنِي النَّجَّارِ ثُمَّ دُورُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ثُمَّ دُورُ بَنِي سَاعِدَةَ أَوْ دُورُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ يَعْنِي خَيْرًا"([1757])

 

باب: قُدُومُ رَسُولِ قَيْصَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ.
روى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ قَالَ: لَقِيتُ التَّنُوخِيَّ رَسُولَ هِرَقْلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِمْصَ، وَكَانَ جَارًا لِي شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ بَلَغَ الْفَنَدَ أَوْ قَرُبَ. فَقُلْتُ: أَلَا تُخْبِرُنِي عَنْ رِسَالَةِ هِرَقْلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ ؟ فَقَالَ: بَلَى،قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ، فَبَعَثَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ إِلَى هِرَقْلَ فَلَمَّا أَنْ جَاءَهُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا قِسِّيسِي الرُّومِ وَبَطَارِقَتَهَا، ثُمَّ أَغْلَقَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الدَّارَ، فَقَالَ: قَدْ نَزَلَ هَذَا الرَّجُلُ حَيْثُ رَأَيْتُمْ، وَقَدْ أَرْسَلَ إِلَيَّ يَدْعُونِي إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ، يَدْعُونِي إِلَى أَنْ أَتْبَعَهُ عَلَى دِينِهِ، أَوْ عَلَى أَنْ نُعْطِيَهُ مَالَنَا عَلَى أَرْضِنَا وَالْأَرْضُ أَرْضُنَا، أَوْ نُلْقِيَ إِلَيْهِ الْحَرْبَ، وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُمْ فِيمَا تَقْرَءُونَ مِنَ الْكُتُبِ لَيَأْخُذَنَّ مَا تَحْتَ قَدَمِي فَهَلُمَّ فَلْنَتَّبِعْهُ عَلَى دِينِهِ أَوْ نُعْطِهِ مَالَنَا عَلَى أَرْضِنَا. فَنَخَرُوا نَخْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ حَتَّى خَرَجُوا مِنْ

بَرَانِسِهِمْ، وَقَالُوا: تَدْعُونَا إِلَى أَنْ نَذَرَ النَّصْرَانِيَّةَ أَوْ نَكُونَ عَبِيدًا لِأَعْرَابِيٍّ جَاءَ مِنَ الْحِجَازِ ؟ فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّهُمْ إِنْ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ أَفْسَدُوا عَلَيْهِ الرُّومَ رَفَأَهُمْ وَلَمْ يَكَدْ، وَقَالَ: إِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لَكُمْ لِأَعْلَمَ صَلَابَتَكُمْ عَلَى أَمْرِكُمْ. ثُمَّ دَعَا رَجُلًا مِنْ عَرَبِ تُجِيبَ كَانَ عَلَى نَصَارَى الْعَرَبِ، قَالَ: ادْعُ لِي رَجُلًا حَافِظًا لِلْحَدِيثِ عَرَبِيَّ اللِّسَانِ أَبْعَثُهُ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ بِجَوَابِ كِتَابِهِ. فَجَاءَ بِي فَدَفَعَ إِلَيَّ هِرَقْلُ كِتَابًا، فَقَالَ: اذْهَبْ بِكِتَابِي إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَمَا سَمِعْتَ مِنْ حَدِيثِهِ فَاحْفَظْ لِي مِنْهُ ثَلَاثَ خِصَالٍ ; انْظُرْ هَلْ يَذْكُرُ صَحِيفَتَهُ الَّتِي كَتَبَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ، وَانْظُرْ إِذَا قَرَأَ كِتَابِي فَهَلْ يَذْكُرُ اللَّيْلَ، وَانْظُرْ فِي ظَهْرِهِ هَلْ بِهِ شَيْءٌ يُرِيبُكَ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ بِكِتَابِهِ حَتَّى جِئْتُ تَبُوكَ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانِي أَصْحَابِهِ مُحْتَبِيًا عَلَى الْمَاءِ، فَقُلْتُ: أَيْنَ صَاحِبُكُمْ ؟ قِيلَ: هَا هُوَ ذَا. فَأَقْبَلْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَاوَلْتُهُ كِتَابِي، فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ ثُمَّ قَالَ: " مِمَّنْ أَنْتَ ؟ " فَقُلْتُ: أَنَا أَخُو تَنُوخَ. قَالَ: " هَلْ لَكَ إِلَى الْإِسْلَامِ الْحَنِيفِيَّةِ مِلَّةِ أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ ؟ " قُلْتُ: إِنِّي رَسُولُ قَوْمٍ وَعَلَى دِينِ قَوْمٍ، لَا أَرْجِعُ عَنْهُ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْهِمْ. فَضَحِكَ وَقَالَ:{ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ  بِالْمُهْتَدِينَ} [ الْقَصَصِ: 56 ] يَا أَخَا تَنُوخَ، إِنِّي كَتَبْتُ بِكِتَابٍ إِلَى كِسْرَى فَمَزَّقَهُ، وَاللَّهُ مُمَزِّقُهُ وَمُمَزِّقُ مُلْكِهِ، وَكَتَبْتُ إِلَى النَّجَاشِيِّ بِصَحِيفَةٍ فَخَرَّقَهَا وَاللَّهُ مُخَرِّقُهُ وَمُخَرِّقُ مُلْكِهِ، وَكَتَبْتُ إِلَى صَاحِبِكَ بِصَحِيفَةٍ فَأَمْسَكَهَا، فَلَنْ يَزَالَ النَّاسُ يَجِدُونَ مِنْهُ بَأْسًا مَا دَامَ فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ ". قُلْتُ: هَذِهِ إِحْدَى الثَّلَاثِ الَّتِي أَوْصَانِي بِهَا صَاحِبِي. فَأَخَذْتُ سَهْمًا مِنْ جَعْبَتِي فَكَتَبْتُهُ فِي جِلْدِ سَيْفِي، ثُمَّ إِنَّهُ نَاوَلَ الصَّحِيفَةَ رَجُلًا عَنْ يَسَارِهِ، قُلْتُ: مَنْ صَاحِبُ كِتَابِكُمُ الَّذِي يَقْرَأُ لَكُمْ ؟ قَالُوا: مُعَاوِيَةُ. فَإِذَا فِي كِتَابِ صَاحِبِي: تَدْعُونِي إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، فَأَيْنَ النَّارُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ ! أَيْنَ اللَّيْلُ إِذَا جَاءَ النَّهَارُ ؟ ! " قَالَ: فَأَخَذْتُ سَهْمًا مِنْ جَعْبَتِي فَكَتَبْتُهُ فِي جِلْدِ سَيْفِي. فَلَمَّا أَنْ فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ كِتَابِي، قَالَ: " إِنَّ لَكَ حَقًّا وَإِنَّكَ رَسُولٌ، فَلَوْ وَجَدْتُ عِنْدَنَا جَائِزَةً جَوَّزْنَاكَ بِهَا، إِنَّا سُفْرٌ مُرْمِلُونَ ". قَالَ: فَنَادَاهُ رَجُلٌ مِنْ طَائِفَةِ النَّاسِ، قَالَ: أَنَا أُجَوِّزُهُ فَفَتَحَ رَحْلَهُ، فَإِذَا هُوَ يَأْتِي بِحُلَّةٍ صَفُّورِيَّةٍ فَوَضَعَهَا فِي حِجْرِي، قُلْتُ: مَنْ صَاحِبُ الْجَائِزَةِ ؟ قِيلَ لِي: عُثْمَانُ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " أَيُّكُمْ يُنْزِلُ هَذَا الرَّجُلَ ؟ " فَقَالَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا. فَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ وَقُمْتُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا خَرَجْتُ مِنْ طَائِفَةِ الْمَجْلِسِ نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: " تَعَالَ يَا أَخَا تَنُوخَ ". فَأَقْبَلْتُ أَهْوِي إِلَيْهِ حَتَّى كُنْتُ قَائِمًا فِي مَجْلِسِي الَّذِي كُنْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَحَلَّ حُبْوَتَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، وَقَالَ: " هَاهُنَا امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ ". فَجُلْتُ فِي ظَهْرِهِ، فَإِذَا أَنَا بِخَاتَمٍ فِي مَوْضِعِ غُضُونِ الْكَتِفِ مِثْلِ الْحَجْمَةِ الضَّخْمَةِ". [1758]

.باب: بَعْثُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أُكَيْدِرِ دَوْمَةَ.
روى البيهقي عن ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ:

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى أُكَيْدِرَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ، كَانَ مَلِكًا عَلَى دُومَةَ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالِدٍ: إِنَّكَ سَتَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ، فَخَرَجَ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ حِصْنِهِ مَنْظَرَ الْعَيْنِ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ صَافِيَةٍ، وَهُوَ عَلَى سَطْحٍ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ، فَأَتَتِ الْبَقَرُ تَحُكُّ بِقُرُونِهَا بَابَ الْقَصْرِ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: هَلْ رَأَيْتَ مِثْلَ هَذَا قَطُّ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ، قَالَتْ: فَمَنْ يَتْرُكُ مِثْلَ هَذَا؟

قَالَ: لَا أَحَدَ، فَنَزَلَ فَأَمَرَ بِفَرَسِهِ فَأُسْرِجَ لَهُ ، وَرَكِبَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فِيهِمْ أَخٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ: حَسَّانُ، فَخَرَجُوا مَعَهُمْ بِمَطَارِدِهِمْ فَتَلَقَّتْهُمْ خَيْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَتْهُ وَقَتَلُوا أَخَاهُ حَسَّانَ، وَكَانَ عَلَيْهِ قَبَاءُ ديباج مخوص بِالذَّهَبِ فَاسْتَلَبَهُ إِيَّاهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قَبْلَ قُدُومِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّ خَالِدًا قَدِمَ بِالْأُكَيْدِرِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَقَنَ لَهُ دَمَهُ، وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ، وَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَرَجَعَ إِلَى قَرْيَتِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ طيّء يُقَالُ لَهُ بُجَيْرُ بْنُ بُجْرَةَ يَذْكُرُ قَوْلَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ لِخَالِدٍ إِنَّكَ سَتَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ وَمَا كَانَتْ صَنْعَةُ الْبَقَرَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى اسْتَخْرَجَتْهُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم.

تَبَارَكَ سَائِــقُ الْبَقَرَاتِ إِنِّي ... رَأَيْتُ اللهَ يَهْدِي كُلَّ هَادِ

فَمَنْ يَكُ حَائِدًا عَنْ ذِي تَبُوكٍ ... فَإِنَّا قَدْ أُمِرْنَا بِالْجِهَــادِ"[1759].ِ.

وقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ لَمَّا قَدِمَ بِأُكَيْدِرٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقَنَ لَهُ دَمَهُ فَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ، ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ، فَرَجَعَ إِلَى قَرْيَتِهِ.

وروى البيهقي نحو ما تقدم عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ:

وَلَمَّا تَوَجَّهَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَافِلًا إِلَى الْمَدِينَةِ، بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ في أربع مائة وَعِشْرِينَ فَارِسًا إِلَى أُكَيْدِرَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ، فَلَمَّا عَهِدَ إِلَيْهِ عَهْدَهُ قَالَ خَالِدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ وَفِيهَا أُكَيْدِرُ وَإِنَّمَا نَأْتِيهَا فِي عِصَابَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَلَّ اللهَ- عَزَّ وَجَلَّ- يُلَقِّيكَ أُكَيْدِرَ أَحْسَبُهُ قَالَ: يَقْتَنِصُ فَتَقْتَنِصُ الْمِفْتَاحَ وَتَأْخُذَهُ فَيَفْتَحُ اللهُ لَكَ دُومَةَ.

فَسَارَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهَا نَزَلَ فِي أَدْبَارِهَا لِذِكْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَلَّكَ تَلْقَاهُ يَصْطَادُ،

فَبَيْنَمَا خَالِدٌ وَأَصْحَابُهُ فِي مَنْزِلِهِمْ لَيْلًا إذ أقبلت الْبَقَرُ حَتَّى جَعَلَتْ تَحْتَكُّ بِبَابِ الْحِصْنِ، وَأُكَيْدِرُ يَشْرَبُ وَيَتَغَنَّى فِي حِصْنِهِ بَيْنَ امْرَأَتَيْهِ، فَاطَّلَعَتْ إِحْدَى امْرَأَتَيْهِ فَرَأَتِ الْبَقَرَ تَحْتَكُّ بِالْبَابِ، وَالْحَائِطِ. فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: لَمْ أَرَ كَاللَّيْلَةِ فِي اللَّحْمِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَتْ: هَذِهِ الْبَقَرَةُ تَحْتَكُّ بِالْبَابِ وَالْحَائِطِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أُكَيْدِرُ ثَارَ فَرَكِبَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ مُعَدَّةٍ، وَرَكِبَ عَلَمَتُهُ وَأَهْلُهُ فَطَلَبَهَا حَتَّى مَرَّ بِخَالِدٍ وَأَصْحَابِهِ فَأَخَذُوهُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فَأَوْثَقُوهُمْ، وَذَكَرَ خَالِدٌ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ خَالِدٌ لِأُكَيْدِرَ: أَرَأَيْتَكَ إِنْ أَجَرْتُكَ تَفْتَحْ لِي دُومَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ.

فَانْطَلَقَ حَتَّى دَنَا مِنْهَا، فَثَارَ أَهْلُهَا وَأَرَادُوا أَنْ يَفْتَحُوا لَهُ فَأَبَى عَلَيْهِمْ أَخُوهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ لِخَالِدٍ: أَيُّهَا الرَّجُلُ خَلِّنِي فَلَكَ اللهُ لَأَفْتَحَنَّهَا لَكَ إِنَّ أَخِي لَا يَفْتَحُهَا لِي مَا عَلِمَ أَنِّي فِي وَثَاقِكَ، فَأَرْسَلَهُ خَالِدٌ فَفَتَحَهَا لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ أَوْثَقَ أَخَاهُ وَفَتَحَهَا لِخَالِدٍ، ثُمَّ قَالَ: اصْنَعْ مَا شِئْتَ، فَدَخَلَ خَالِدٌ وَأَصْحَابُهُ فَذَكَرَ خَالِدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَهُ قَوْلَ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي أَمَرَهُ، فَقَالَ لَهُ أُكَيْدِرُ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُهَا قَطُّ جَاءَتْنَا إِلَّا الْبَارِحَةَ يُرِيدُ الْبَقَرَ، وَلَقَدْ كُنْتُ أُضَمِّرُ لَهَا إِذَا أَرَدْتُ أَخْذَهَا، فَأَرْكَبُ لَهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ، وَلَكِنْ هَذَا الْقَدَرُ ثُمَّ قَالَ: يَا خَالِدُ إِنْ شِئْتَ حَكَّمْتُكَ، وَإِنْ شِئْتَ حَكَّمْتَنِي. فَقَالَ خَالِدٌ: بَلْ نَقْبَلُ مِنْكَ مَا أَعْطَيْتَ، فَأَعْطَاهُمْ ثَمَانِمِائَةٍ مِنَ السَّبْيِ، وَأَلْفَ بَعِيرٍ، وَأَرْبَعِمِائَةِ دِرْعٍ، وَأَرْبَعِمِائَةِ رُمْحٍ، وَأَقْبَلَ خَالِدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِأُكَيْدِرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْبَلَ مَعَهُ يُحَنَّةُ بْنُ رُومَةَ عَظِيمُ أَيْلَةَ، فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَاتَّفَقَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ كَمَا بَعَثَ إِلَيَّ أُكَيْدِرُ فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَاضَاهُمَا عَلَى قَضِيَّةِ دُومَةِ الْجَنْدَلِ وَعَلَى تَبُوكَ وَعَلَى أَيْلَةَ، وَعَلَى تَيْمَاءَ، وكتب لهما كتابًا"([1760])

قَالَ ابن اسحاق: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُ قَبَاءَ أُكَيْدِرٍ حِينَ قُدِمَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَلْمِسُونَهُ بِأَيْدِيهِمْ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا ؟ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا "([1761])..

وروى البخاري عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبُ حَرِيرٍ فَجَعَلْنَا نَلْمُسُهُ وَنَتَعَجَّبُ مِنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ قَالَ :" مَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا"([1762])

وروى البخاري عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَّةُ سُنْدُسٍ وَكَانَ يَنْهَى عَنْ الْحَرِيرِ فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا"[1763]. ثم قال البخاري:وقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ : إِنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.."([1764])

وروى أحمد عن وَاقِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ،  قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا وَاقِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ: إِنَّكَ بِسَعْدٍ أَشْبَهُ، ثُمَّ بَكَى وَأَكْثَرَ الْبُكَاءَ، فَقَالَ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَى سَعْدٍ، كَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ، وَأَطْوَلِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا إِلَى أُكَيْدِرَ دُومَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبَّةٍ مِنْ دِيبَاجٍ مَنْسُوجٍ فِيهَا الذَّهَبُ، فَلَبِسَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ - أَوْ جَلَسَ -، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْمِسُونَ الْجُبَّةَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَعْجَبُونَ مِنْهَا؟ " قَالُوا: مَا رَأَيْنَا ثَوْبًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ، أَحْسَنُ مِمَّا تَرَوْنَ "([1765])

وروى أحمد عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ  أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً - أَوْ ثَوْبَ - حَرِيرٍ، قَالَ: فَأَعْطَانِيهِ وَقَالَ: " شَقِّقْهُ خُمُرًا بَيْنَ النِّسْوَةِ ".([1766])

باب: ما حدث أثناء رجوع النبي من تبوك إلى المدينة
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً بِتَبُوكَ لَمْ يُجَاوِزْهَا، ثُمَّ انْصَرَفَ قَافِلًا إِلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ وَكَانَ فِي الطَّرِيقِ مَاءٌ يَخْرُجُ مِنْ وَشَلٍ، يَرْوِي الرَّاكِبَ وَالرَّاكِبَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ: وَادِي الْمُشَقَّقِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَبَقَنَا إِلَى ذَلِكَ الْمَاءِ فَلَا يَسْتَقِيَنَّ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى نَأْتِيَهُ ". قَالَ: فَسَبَقَهُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَاسْتَقَوْا مَا فِيهِ، فَلَمَّا أَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرَ فِيهِ شَيْئًا فَقَالَ: " مَنْ سَبَقَنَا إِلَى هَذَا الْمَاءِ ؟ " فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ. فَقَالَ: " أَوَلَمْ أَنْهَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْهُ حَتَّى آتِيَهُ ؟ " ثُمَّ لَعَنَهُمْ وَدَعَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ نَزَلَ فَوَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ الْوَشَلِ، فَجَعَلَ يَصُبُّ فِي يَدِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَصُبَّ، ثُمَّ نَضَحَهُ بِهِ وَمَسَحَهُ بِيَدِهِ، وَدَعَا بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ، فَانْخَرَقَ مِنَ الْمَاءِ - كَمَا يَقُولُ مَنْ سَمِعَهُ - مَا إِنَّ لَهُ حِسًّا كَحِسِّ الصَّوَاعِقِ، فَشَرِبَ النَّاسُ وَاسْتَقَوْا حَاجَتَهُمْ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَئِنْ بَقِيتُمْ أَوْ مَنْ بَقِيَ مِنْكُمْ لَيَسْمَعَنَّ بِهَذَا الْوَادِي وَهُوَ أَخْصَبُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَا خَلْفَهُ "([1767]).
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُحَدِّثُ قَالَ: قُمْتُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَرَأَيْتُ شُعْلَةً مِنْ نَارٍ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ، فَاتَّبَعْتُهَا أَنْظُرُ إِلَيْهَا. قَالَ: فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ ذُو الْبِجَادَيْنِ قَدْ مَاتَ وَإِذَا هُمْ، قَدْ حَفَرُوا لَهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُفْرَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُدَلِّيَانِهِ إِلَيْهِ، وَإِذَا هُوَ يَقُولُ: " أَدْنِيَا إِلَيَّ أَخَاكَمَا ". فَدَلَّيَاهُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا هَيَّأَهُ لِشِقِّهِ قَالَ: " اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ أَمْسَيْتُ رَاضِيًا عَنْهُ فَارْضَ عَنْهُ ". قَالَ: يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ صَاحِبَ الْحُفْرَةِ([1768]).
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ إِنَّمَا سُمِّيَ ذَا الْبِجَادَيْنِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ، فَمَنَعَهُ قَوْمُهُ وَضَيَّقُوا عَلَيْهِ، حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا بِجَادٌ، وَهُوَ الْكِسَاءُ الْغَلِيظُ فَشَقَّهُ بِاثْنَتَيْنِ، فَائْتَزَرَ بِوَاحِدَةٍ وَارْتَدَى بِالْأُخْرَى، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسُمِّيَ ذُو الْبِجَادَيْنِ. ([1769])


قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَنِ ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ عَنِ ابْنِ أَخِي أَبِي رُهْمٍ الْغِفَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا رُهْمٍ كُلْثُومَ بْنَ الْحُصَيْنِ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ يَقُولُ:غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَسِرْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ مَعَهُ وَنَحْنُ بِالْأَخْضَرِ، وَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيَّ النُّعَاسَ، فَطَفِقْتُ أَسْتَيْقِظُ وَقَدْ دَنَتْ رَاحِلَتِي مِنْ رَاحِلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُفْزِعُنِي دُنُوُّهَا مِنْهُ ; مَخَافَةَ أَنْ أُصِيبَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ فَطَفِقْتُ أَحُوزُ رَاحِلَتِي عَنْهُ حَتَّى غَلَبَتْنِي عَيْنِي فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَزَاحَمَتْ رَاحِلَتِي رَاحِلَتَهُ وَرِجْلُهُ فِي الْغَرْزِ، فَلَمْ أَسْتَيْقِظْ إِلَّا بِقَوْلِهِ: " حَسِّ ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: " سِرْ ". فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُنِي عَمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، فَأُخْبِرُهُ بِهِ، فَقَالَ وَهُوَ يَسْأَلُنِي: " مَا فَعَلَ النَّفَرُ الْحُمْرُ الطِّوَالُ الثِّطَاطُ الَّذِينَ لَا شَعْرَ فِي وُجُوهِهِمْ ؟ " فَحَدَّثْتُهُ بِتَخَلُّفِهِمْ قَالَ: " فَمَا فَعَلَ النَّفَرُ السُّودُ الْجِعَادُ الْقِصَارُ ؟ " قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ هَؤُلَاءِ مِنَّا. قَالَ: " بَلَى، الَّذِينَ لَهُمْ نَعَمٌ بِشَبَكَةِ شَدَخٍ ". فَتَذَكَّرْتُهُمْ فِي بَنِي غِفَارٍ، فَلَمْ أَذْكُرْهُمْ، حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّهُمْ رَهْطٌ مِنْ أَسْلَمَ كَانُوا حُلَفَاءَ فِينَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُولَئِكَ رَهْطٌ مِنْ أَسْلَمَ حُلَفَاءُ فِينَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مَنَعَ أَحَدَ أُولَئِكَ حِينَ تَخَلَّفَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ إِبِلِهِ امْرَأً نَشِيطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ إِنَّ أَعَزَّ أَهْلِي عَلَيَّ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنِّي ; الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَغِفَارٌ وَأَسْلَمُ "([1770])..


وَروىَ البيهقي في الدلائل عن ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ إِلَى الْمَدِينَةِ، هَمَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بِالْفَتْكِ بِهِ، وَأَنْ يَطْرَحُوهُ مِنْ رَأْسِ عَقَبَةٍ فِي الطَّرِيقِ، فَأُخْبِرَ بِخَبَرِهِمْ، فَأَمَرَ النَّاسَ بِالْمَسِيرِ مِنَ الْوَادِي، وَصَعِدَ هُوَ الْعَقَبَةَ، وَسَلَكَهَا مَعَهُ أُولَئِكَ النَّفَرُ وَقَدْ تَلَثَّمُوا، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ أَنْ يَمْشِيَا مَعَهُ عَمَّارٌ آخِذٌ بِزِمَامِ النَّاقَةِ وَحُذَيْفَةُ يَسُوقُهَا، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ سَمِعُوا بِالْقَوْمِ قَدْ غَشُوهُمْ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبْصَرَ حُذَيْفَةُ غَضَبَهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ وَمَعَهُ مِحْجَنٌ، فَاسْتَقْبَلَ وَجُوهَ رَوَاحِلِهِمْ بِمِحْجَنِهِ، فَلَمَّا رَأَوْا حُذَيْفَةَ ظَنُّوا أَنْ قَدْ أُظْهِرَ عَلَى مَا أَضْمَرُوهُ مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ، فَأَسْرَعُوا حَتَّى خَالَطُوا النَّاسَ، وَأَقْبَلَ حُذَيْفَةُ حَتَّى أَدْرَكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُمَا فَأَسْرَعَا حَتَّى قَطَعُوا الْعَقَبَةَ، وَوَقَفُوا يَنْتَظِرُونَ النَّاسَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُذَيْفَةَ: " هَلْ عَرَفْتَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ ؟ " قَالَ: مَا عَرَفْتُ إِلَّا رَوَاحِلَهُمْ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ حِينَ غَشِيتُهُمْ. ثُمَّ قَالَ: " عَلِمْتُمَا مَا كَانَ مِنْ شَأْنِ هَؤُلَاءِ الرَّكْبِ ؟ " قَالَا: لَا. فَأَخْبَرَهُمَا بِمَا كَانُوا تَمَالَئُوا عَلَيْهِ، وَسَمَّاهُمْ لَهُمَا وَاسْتَكْتَمَهُمَا ذَلِكَ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا تَأْمُرُ بِقَتْلِهِمْ ؟ فَقَالَ: " أَكْرَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ "..([1771])
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ هَذِهِ الْقِصَّةَ، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَعْلَمَ بِأَسْمَائِهِمْ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ وَحْدَهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ لِعَلْقَمَةَ صَاحِبِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَلَيْسَ فِيكُمْ - يَعْنِي أَهْلَ الْكُوفَةِ - صَاحِبُ السَّوَادِ وَالْوِسَادِ ؟ - يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ - أَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ ؟ - يَعْنِي حُذَيْفَةَ - أَلَيْسَ فِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ - يَعْنِي عَمَّارًا. وَكما في الصحيح أن أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  قَالَ لِحُذَيْفَةَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِاللَّهِ أَنَا مِنْهُمْ ؟ قَالَ: لَا وَلَا أُبَرِّئُ بَعْدَكَ أَحَدًا. يَعْنِي حَتَّى لَا يَكُونَ مُفْشِيًا سِرَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْتُ: وَقَدْ كَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا وَقِيلَ: كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَجَمَعَهُمْ لَهُ فَأَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَبِمَا تَمَالَئُوا عَلَيْهِ. ثُمَّ سَرَدَ ابْنُ  إِسْحَاقَ أَسْمَاءَهُمْ، قَالَ: وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:{ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا.. الآية} [ التَّوْبَةِ: 74 )].

وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ:لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِذٌ بِالْعَقَبَةِ،  فَلَا يَأْخُذْهَا أَحَدٌ. فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُودُهُ حُذَيْفَةُ وَيَسُوقُهُ عَمَّارٌ إِذْ أَقْبَلَ رَهْطٌ مُتَلَثِّمُونَ عَلَى الرَّوَاحِلِ، فَغَشُوا عَمَّارًا وَهُوَ يَسُوقُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْبَلَ عَمَّارٌ يَضْرِبُ وُجُوهَ الرَّوَاحِلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُذَيْفَةَ: " قُدْ قُدْ ". حَتَّى هَبَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا هَبَطَ نَزَلَ وَرَجَعَ عَمَّارٌ قَالَ: " يَا عَمَّارُ هَلْ عَرَفْتَ الْقَوْمَ ؟ " قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ عَامَّةَ الرَّوَاحِلِ، وَالْقَوْمُ مُتَلَثِّمُونَ. قَالَ: " هَلْ تَدْرِي مَا أَرَادُوا ؟ " قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " أَرَادُوا أَنْ يَنْفِرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ فَيَطْرَحُوهُ ". قَالَ: فَسَأل عَمَّارٌ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ، كَمْ تَعْلَمُ كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ ؟ قَالَ: أَرْبَعَةَ عَشَرَ. فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ فِيهِمْ فَقَدْ كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ. قَالَ: فَعَذَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةً قَالُوا: مَا سَمِعْنَا مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا عَلِمْنَا مَا أَرَادَ الْقَوْمُ. فَقَالَ عَمَّارٌ: أَشْهَدُ أَنَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْبَاقِينَ حَرْبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ"([1772]) ..

وروى أحمد ومسلم - واللفظ له - عن الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ؟ وَبَيْنَ حُذَيْفَةَ بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ كَمْ كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: أَخْبِرْهُ إِذْ سَأَلَكَ، قَالَ: كُنَّا نُخْبَرُ أَنَّهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْهُمْ فَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَأَشْهَدُ بِاللهِ أَنَّ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْهُمْ حَرْبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ، وَعَذَرَ ثَلَاثَةً، قَالُوا: مَا سَمِعْنَا مُنَادِيَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَلِمْنَا بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ، وَقَدْ كَانَ فِي حَرَّةٍ فَمَشَى فَقَالَ: «إِنَّ الْمَاءَ قَلِيلٌ، فَلَا يَسْبِقْنِي إِلَيْهِ أَحَدٌ» فَوَجَدَ قَوْمًا قَدْ سَبَقُوهُ، فَلَعَنَهُمْ يَوْمَئِذٍ"([1773])

*** وَفِي غَزْوَةِ تَبُوكَ هَذِهِ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ صَلَاةَ الْفَجْرِ، أَدْرَكَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ يَتَوَضَّأُ وَمَعَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَأَبْطَأَ عَلَى النَّاسِ، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَتَقَدَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَلَمَّا سَلَّمَ النَّاسُ أَعْظَمُوا مَا وَقَعَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَحْسَنْتُمْ وَأَصَبْتُمْ ". وَذَلِكَ فِيمَا رواه أحمد ومسلم-واللفظ له- عن عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ «أَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ» قَالَ: الْمُغِيرَةُ «فَتَبَرَّزَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ الْغَائِطِ فَحَمَلْتُ مَعَهُ إِدَاوَةً قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ أَخَذْتُ أُهَرِيقُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْإِدَاوَةِ وَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ جُبَّتَهُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، فَضَاقَ كُمَّا جُبَّتِهِ فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الْجُبَّةِ، حَتَّى أَخْرَجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْ أَسْفَلِ الْجُبَّةِ، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ عَلَى خُفَّيْهِ» ، ثُمَّ أَقْبَلَ قَالَ: الْمُغِيرَةُ «فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ حَتَّى نَجِدُ النَّاسَ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَصَلَّى لَهُمْ فَأَدْرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُتِمُّ صَلَاتَهُ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ» ثُمَّ قَالَ: «أَحْسَنْتُمْ» أَوْ قَالَ: «قَدْ أَصَبْتُمْ» يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوُا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا([1774]).

وروى البخاري عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَقُمْتُ أَسْكُبُ عَلَيْهِ الْمَاءَ - لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ - فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذَهَبَ يَغْسِلُ ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ عَلَيْهِ كُمُّ الْجُبَّةِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ جُبَّتِهِ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ([1775]).

وروى البخاري عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ هَذِهِ طَابَةُ وَهَذَا أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ([1776])

وروى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ:" إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ"([1777])

وروى عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قال: أَذْكُرُ أَنِّي خَرَجْتُ مَعَ الْغِلْمَانِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ نَتَلَقَّى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً-: مَعَ الصِّبْيَانِ" ([1778])

وروى من وجه آخر عَنْ السَّائِبِ: أَذْكُرُ أَنِّي خَرَجْتُ مَعَ الصِّبْيَانِ نَتَلَقَّى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ مَقْدَمَهُ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ([1779])


* أما ما رواه الْبَيْهَقِيُّ عن ابْن عَائِشَةَ قال: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، جَعَلَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَالْوَلَائِدُ يَقُلْنَ:
طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا * مِنْ ثَنِيَّاتِ الْوَدَاعْ * وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا * مَا دَعَا لِلَّهِ دَاعْ
ثم قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا يَذْكُرُهُ عُلَمَاؤُنَا عِنْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ مِنْ مَكَّةَ، لَا أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ ثَنِيَّاتِ الْوَدَاعِ عِنْدَ مَقْدَمِهِ مِنْ تَبُوكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَذَكَرْنَاهُ هَاهُنَا أَيْضًا. ([1780]).

فهو معضل لا يحتج بمثله لا هنا ولا في مقدمه الْمَدِينَةَ مِنْ مَكَّةَ مهاجرًا .

 

باب:ذكر مَسْجِدِ الضِّرَارِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا  الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }[ التَّوْبَةِ: 107 – 110]

وعن كَيْفِيَّةَ بِنَاءِ هَذَا الْمَسْجِدِ الظَّالِمِ أَهْلُهُ، وَكَيْفِيَّةَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَرَابِهِ مَرْجِعَهُ مِنْ تَبُوكَ قَبْلَ دُخُولِهِ الْمَدِينَةَ. ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ ([1781]): أَنَّ طَائِفَةً مِنَ الْمُنَافِقِينَ بَنَوْا صُورَةَ مَسْجِدٍ قَرِيبًا مِنْ مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَأَرَادُوا أَنْ يُصَلِّيَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ ، حَتَّى يَرُوجَ لَهُمْ مَا أَرَادُوهُ مِنَ الْفَسَادِ وَالْكُفْرِ وَالْعِنَادِ، فَعَصَمَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ إِلَى تَبُوكَ، فَلَمَّا رَجَعَ مِنْهَا فَنَزَلَ بِذِي أَوَانٍ - مَكَانٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سَاعَةٌ - نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي شَأْنِ هَذَا الْمَسْجِدِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ} الْآيَةَ. أَمَّا قَوْلُهُ: ( ضِرَارًا ) فَلِأَنَّهُمُ أَرَادُوا مُضَاهَاةَ مَسْجِدِ قُبَاءٍ، ( وَكُفْرًا ) بِاللَّهِ لَا لِلْإِيمَانِ بِهِ، ( وَتَفْرِيقًا ) لِلْجَمَاعَةِ عَنْ مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَهُوَ أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ الْفَاسِقُ، قَبَّحَهُ اللَّهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَبَى عَلَيْهِ.  ذَهَبَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَاسْتَنْفَرَهُمْ فَجَاءُوا عَامَ أُحُدٍ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا قَدَّمْنَاهُ، فَلَمَّا لَمْ يَنْهَضْ أَمْرُهُ ذَهَبَ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ قَيْصَرَ ; لِيَسْتَنْصِرَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ عَلَى دِينِ هِرَقْلَ مِمَّنْ تَنْصَرَّ مَعَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ، وَكَانَ يَكْتُبُ إِلَى إِخْوَانِهِ الَّذِينَ نَافَقُوا يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ، وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا، فَكَانَتْ مُكَاتَبَاتُهُ وَرُسُلُهُ تَفِدُ إِلَيْهِمْ كُلَّ حِينٍ، فَبَنَوْا هَذَا الْمَسْجِدَ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ، وَبَاطِنُهُ دَارُ حَرْبٍ وَمَقَرٌّ لِمَنْ يَفِدُ مِنْ عِنْدِ أَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبِ وَمُجَمِّعٌ لِمَنْ هُوَ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:{ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ}. ثُمَّ قَالَ: ( وَلَيَحْلِفُنَّ ). أَيِ الَّذِينَ بَنَوْهُ {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى} أَيْ إِنَّمَا أَرَدْنَا بِبِنَائِهِ الْخَيْرَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}. ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ:{ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا }فَنَهَاهُ عَنِ الْقِيَامِ فِيهِ لِئَلَّا يُقَرِّرَ أَمْرَهُ، ثُمَّ أَمَرَهُ وَحَثَّهُ عَلَى الْقِيَامِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، وَهُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الثَّنَاءِ عَلَى تَطْهِيرِ أَهْلِهِ مُشِيرَةٌ إِلَيْهِ، وَمَا ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ أَنَّهُ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ فَمَسْجِدُ الرَّسُولِ أَوْلَى بِذَلِكَ وَأَحْرَى، وَأَثْبَتُ فِي الْفَضْلِ مِنْهُ وَأَقْوَى، وَقَدْ تقدمت الإشارة إلى ذلك.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ بِذِي أَوَانٍ دَعَا مَالِكَ بْنَ الدُّخْشُمِ وَمَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ - أَوْ أَخَاهُ عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَأَمَرَهُمَا أَنَّ يَذْهَبَا إِلَى هَذَا

الْمَسْجِدِ الظَّالِمِ أَهْلُهُ فَيُحَرِّقَاهُ بِالنَّارِ، فَذَهَبَا فَحَرَّقَاهُ بِالنَّارِ، وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَهْلُهُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ الَّذِينَ بَنَوْهُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا وَهُمْ خِذَامُ بْنُ خَالِدٍ - وَفِي جَنْبِ دَارِهِ كَانَ بِنَاءُ هَذَا الْمَسْجِدِ - وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ، وَمُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وَأَبُو حَبِيبَةَ بْنُ الْأَزْعَرِ، وَعَبَّادُ بْنُ حُنَيْفٍ أَخُو سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَجَارِيَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَابْنَاهُ: مُجَمِّعٌ وَزَيْدٌ، وَنَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ، وَبَحْزَجٌ وَهُوَ إِلَى بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَبِجَادُ بْنُ عُثْمَانَ وَهُوَ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَوَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ إِلَى بَنِي أُمَيَّة" ([1782]) .

باب: دخوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، ومجيء المعذرين، و حديث الثلاثة الذين خلفوا

و كان رجوعه من هذه الغزاة في رمضان من سنة تسع .وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ، فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَيَحْلِفُونَ لَهُ، ، فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَتَهُمْ، وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ ثم جاءه الثلاثة الذين خلفوا وها هو حديثم:

قَالَ الْبُخَارِيُّ : بَاب حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا }([1783]).ثم روى عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ - قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ، قَالَ كَعْبٌ:لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتَبْ أَحَدٌ تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى تَوَاثَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا، كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ، وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ، حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ، غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا، وَمَفَازًا، وَعَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ، لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرٌ، وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ - يُرِيدُ الدِّيوَانَ - قَالَ كَعْبٌ: فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلَّا ظَنَّ أَنْ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللَّهِ، وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ، وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، فَطَفِقْتُ أَغْدُو ; لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ، فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ. فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلْتُ: أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ. فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لِأَتَجَهَّزَ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ - وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ - فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ فَطُفْتُ فِيهِمْ، أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنِ الضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ: " مَا فَعَلَ كَعْبٌ ؟ " فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ فِي عِطْفَيْهِ. فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا. فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلًا حَضَرَنِي هَمِّي، وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ: بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا ؟ وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا، زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَادِمًا، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ، فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَتَهُمْ، وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَجِئْتُهُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ: " تَعَالَ ". فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي: " مَا خَلَّفَكَ ؟ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ، لَا وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا هَذَا فَقَدَ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ ". فَقُمْتُ، وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي فَقَالُوا لِي: وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُخَلَّفُونَ، وَقَدْ كَانَ كَافِيكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ. فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونَنِي حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ ؟ قَالُوا: نَعَمْ، رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ، وَقِيلَ لَهُمَا مِثْلَ مَا قِيلَ لَكَ. فَقُلْتُ: مَنْ هُمَا ؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعُمْرِيُّ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ. فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا أُسْوَةٌ، فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا، حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الْأَرْضُ، فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أَمْ لَا ؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ، مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ؟ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ. قَالَ: وَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بِطَعَامٍ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ؟ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ، حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ، فَقُلْتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا: وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلَاءِ، فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ، إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ. فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ ؟ قَالَ: لَا بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا. وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ. قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدِمَهُ ؟ قَالَ: " لَا وَلَكِنْ لَا يَقْرَبْكِ ". قَالَتْ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا. فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ فِي امْرَأَتِكَ كَمَا أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدِمَهُ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ ! قَالَ: فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ كَلَامِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ الْفَجْرَ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ. فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ رَجُلٌ إِلَيَّ فَرَسًا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ، فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ

الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّئُونِي بِالتَّوْبَةِ يَقُولُونَ: لِيَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ. قَالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ. قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: " أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ ". قَالَ: قُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ؟ قَالَ: " لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ". وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ". قُلْتُ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَلَّا أَتَحَدَّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ. فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي، مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.. إِلَى قَوْلِهِ: وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }[ التَّوْبَةِ:117-119]  فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ، فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لِأَحَدٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ إِلَى قَوْلِهِ: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } [ التَّوْبَةِ: 95، 96 ] قَالَ كَعْبٌ: وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ حِينَ حَلَفُوا لَهُ فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ، فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا }[ التَّوْبَةِ: 118 ]. لَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفْنَا مِنَ الْغَزْوِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ"([1784]).

وقد ذُِكْر َقْوَمٍ تَخَلَّفُوا مِنَ الْعُصَاةِ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الثلاثة عند تفسير قول الله تعالى: :{ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[ التَّوْبَةِ: 102]

فقد روى البيهقي عن عَلِيُّ بْنُ أبي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً} [ التَّوْبَةِ: 102] قَالَ: كَانُوا عَشَرَةَ رَهْطٍ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَلَمَّا حَضَرَ رُجُوعُهُ أَوْثَقَ سَبْعَةٌ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ بِسَوَارِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ مَمَرُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَجَعَ مِنَ الْمَسْجِدِ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: " مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ " قَالُوا: أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابٌ لَهُ، تَخَلَّفُوا عَنْكَ حَتَّى تُطْلِقَهُمْ وَتَعْذُرَهُمْ قَالَ: " وَأَنَا أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَا أُطْلِقُهُمْ وَلَا أَعْذُرُهُمْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، هُوَ الَّذِي يُطْلِقُهُمْ، رَغِبُوا عَنِّي، وَتَخَلَّفُوا عَنِ الْغَزْوِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ ". فَلَمَّا أَنْ بَلَغَهُمْ ذَلِكَ قَالُوا: وَنَحْنُ لَا نُطْلِقُ أَنْفُسَنَا حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُطْلِقُنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ  خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَنْ يتوب عليهم}. " وَعَسَى " مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ، {إنه هو التواب الرحيم}  فَلَمَّا نَزَلَتْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فأطلقهم وعذرهم فجاؤوا بِأَمْوَالِهِمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَذِهِ أَمْوَالُنَا فَتَصَدَّقْ بِهَا عَنَّا وَاسْتَغْفِرْ لَنَا، قَالَ: مَا أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ أَمْوَالَكُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: { خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ }يَقُولُ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ {إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103] فَخُذْ مِنْهُمُ الصَّدَقَةَ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ .

وَكَانَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ منهم يوثقوا أنفسهم بالسواري فارجؤا لَا يَدْرُونَ أَيُعَذَّبُونَ أَوْ يُتَابُ عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَقَوْلَهُ: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا إِلَى: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }[التوبة: 117- 118 ] يَعْنِي اسْتَقَامُوا" ([1785])..

ثم قال البيهقي:وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ عَطِيَّةُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

قلت:.عطية العوفي ضعيف. ومر مثل هذه القصة لأبي لبابة في غزوة بني النضير.

وقد روى ابن جرير الطبري في تفسيره عن ابن عباس قال: جاءوا بأموالهم = يعني أبا لبابة وأصحابه = حين أطلقوا، فقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا فتصدّق بها عنا، واستغفر لنا! قال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئًا! فأنزل الله: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ، يعني بالزكاة: طاعة الله والإخلاص ،(وصل عليهم) ، يقول: استغفر لهم" ([1786]).

وروى في تفسيره  عن ابن عباس، قال: لما أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة وصاحبيه، انطلق أبو لبابة وصاحباه بأموالهم، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: خذ من أموالنا فتصدَّق بها عنا، وصلِّ علينا = يقولون: استغفر لنا = وطهرنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا آخذ منها شيئًا حتى أومر. فأنزل الله: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) ، يقول: استغفر لهم من ذنوبهم التي كانوا أصابوا. فلما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم جزءًا من أموالهم، فتصدَّق بها عنهم([1787]).

وروى في تفسيره عن زيد بن أسلم قال: لما أطلق النبي صلى الله عليه وسلم أبا لبابة والذين ربطوا أنفسهم بالسَّواري، قالوا: يا رسول الله، خذ من أموالنا صدقة تطهرنا بها! فأنزل الله: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) ، الآية([1788]).

وروى في تفسيره عن سعيد بن جبير قال: قال الذين ربطوا أنفسهم بالسواري حين عفا عنهم: يا نبيّ الله؛ طهِّر أموالنا! فأنزل الله: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ، وكان الثلاثة إذا اشتكى أحدهم اشتكى الآخران مثله، وكان عَمي منهم اثنان، فلم يزل الآخر يدعو حتى عَمِي. ([1789])

وروى ابن جرير الطبري في تفسيره عن قتادة قال: الأربعة: جدُّ بن قيس، وأبو لبابة، وحرام، وأوس، هم الذين قيل فيهم: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) ، أي وقارٌ لهم، وكانوا وعدوا من أنفسهم أن ينفقوا ويجاهدوا ويتصدَّقوا ([1790]).

روى البيهقي في الدلائل عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:

بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي ظِلِّ حُجْرَةٍ مِنْ حُجُرِهِ، وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ كَادَ يَقْلِصُ عَنْهَا الظِّلُّ، قَالَ: سَيَأْتِيكُمْ رَجُلٌ يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ بِعَيْنِ شَيْطَانٍ فَلَا تُكَلِّمُوهُ، فَدَخَلَ رَجُلٌ أَزْرَقُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَامَ تَسُبَّنِي أَنْتَ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، لِقَوْمٍ دَعَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِمْ فَدَعَاهُمْ فَحَلَفُوا وَاعْتَذَرُوا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:{ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ}[سورة المجادلة:18] ([1791])

وروى البيهقي عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ:

خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ مَا شَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَافِقِينَ، فَمَنْ سَمَّيْتُ فَلْيَقُمْ، قُمْ يَا فُلَانُ، قُمْ يَا فُلَانُ، حَتَّى عَدَّ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ فِيكُمْ أَوْ إِنَّ مِنْكُمْ فَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ، قَالَ: فَمَرَّ عُمَرُ بِرَجُلٍ مُتَقَنِّعٍ قَدْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: بُعْدًا لَكَ سَائِرَ اليوم"([1792]).

 

باب: قوله تعالى{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}

قال تعالى:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ }التوبة:84]

أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يَبْرَأ من المنافقين، وألا يصلي  على أحد منهم إذا مات، وألا يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له؛ لأنهم كفروا بالله ورسوله، وماتوا عليه. وهذا حكم عام في كل من عرف نفاقه، وإن كان سبب نزول الآية في عبد الله بن أُبَيّ بن سلول رأس المنافقين فإنه مات بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك . ،

روى البيهقي في الدلائل عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ:

دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ يَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَلَمَّا عَرَفَ فِيهِ الْمَوْتَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم:" أَمَا وَاللهِ إِنْ كُنْتُ لَأَنْهَاكَ عَنْ حُبِّ يَهُوَدَ" فَقَالَ: قَدْ أَبْغَضَهُمْ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ فَمَهْ؟ "([1793])

روى البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ، فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80] ، وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ " قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا، وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] " ([1794])

وروى الإمام أحمد عن جابر قال: لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ أَتَى ابْنُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ إِنْ لَمْ تَأْتِهِ لَمْ نَزَلْ نُعَيَّرُ بِهَذَا، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَهُ قَدْ أُدْخِلَ فِي حُفْرَتِهِ، فَقَالَ: " أَفَلَا قَبْلَ أَنْ تُدْخِلُوهُ! "، فَأُخْرِجَ مِنْ حُفْرَتِهِ، فَتَفَلَ عَلَيْهِ مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ  " ([1795]) .

وروى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله قال: «أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ قَبْرَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، وَوُضِعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ» " ([1796]) .

فلعله فعل ذلك ، ثم صلى عليه.والله أعلم

وقد ذكر بعض السلف أنه إنما ألبسه قميصه؛ لأن عبد الله بن أُبيّ لما قدم العباس طُلب له قميص، فلم يُوجَد على تفصيله إلا ثوب عبد الله بن أُبيّ؛ لأنه كان ضخمًا طويلا ففعل ذلك به رسول الله صلى الله عليه وسلم، مكافأة له، فالله أعلم، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية الكريمة عليه لا يصلي على أحد من المنافقين، ولا يقوم على قبره

قال البيهقي في الدلائل: ذَهَبَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ مُكَافَأَةً لَهُ عَلَى مَا صَنَعَ بِالْعَبَّاسِ حِينَ أُسِرَ، ودلل على ذلك بما رواه بسنده عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، قال: لَمَّا كَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالْمَدِينَةِ طَلَبْتِ الْأَنْصَارُ ثَوْبًا يَكْسُونَهُ، فَلَمْ يَجِدُوا قَمِيصًا يَصْلُحُ عَلَيْهِ، إِلَّا قَمِيصَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَكَسَوْهُ إِيَّاهُ" ([1797]).

وكان عمر بن الخطاب لا يصلي على جنازة من جُهِل حاله، حتى يصلي عليها حذيفة بن اليمان؛ لأنه كان يعلم أعيان منافقين قد أخبره  بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا كان يقال له: "صاحب السر" الذي لا يعلمه غيره من الصحابة.

وروى الإمام أبو جعفر الطبري عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يصلي على عبد الله بن أبيّ، فأخذ جبريل بثوبه وقال: { وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ }([1798]) . وفي سنده ضعف.

.

باب:قدوم وفد ثقيف

و قدم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه و سلم في رمضان هذه السنة-سنة تسع- فأسلموا و كان سبب ذلك أن عروة بن مسعود سيدهم كان قد جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم منصرفه من حنين و الطائف و قبل و صوله إلى المدينة فأسلم و حسن إسلامه و استأذن رسول الله صلى الله عليه و سلم في الرجوع إلى قومه ليدعوهم إلى الله عز و جل فأذن له وهو يخشى عليه فلما رجع إليهم و دعاهم إلى الإسلام رموه بالنبل فقتلوه ثم إنهم ندموا و رأوا أنهم لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه و سلم فبعثوا وفدهم إليه في رمضان كما قدمنا و كانوا ستة فأول من بصر بهم المغيرة بن شعبة الثقفي وكان يرعى فترك ذلك وأقبل بهم على رسول الله صلى الله عليه و سلم و علمهم في الطريق كيف يسلمون عليه و سبق أبو بكر الصديق رضي الله عنه المغيرة و بشر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقدومهم فأنزلهم عليه الصلاة و السلام في المسجد و ضرب لهم فيه قبة و كان السفير بينهم و بينه خالد بن سعيد بن العاص و كان الطعام يأتيهم من عند النبي صلى الله عليه و سلم فلا يأكونه حتى يأكل خالد قبلهم فأسلموا و اشترطوا أن تبقى عندهم طاغيتهم اللات و أن لا تهدم فلم يجيبهم صلى الله عليه و سلم إلى ذلك و سألوا أن يخفف عنهم بعض الصلوات فلم يجبهم إلى ذلك فسألوا أن لا يهدموا بأيديهم طاغيتهم فأجابهم إليه و بعث معهم أبا سفيان صخر بن حرب و المغيرة بن شعبة لهدمها فهدمها و عظم ذلك على نساء ثقيف و اعتقدوا أن يصيبهم منها سوء و قد طنز بهم المغيرة بن شعبة حين هدمها فخر صريعا و ذلك بتواطؤ منه و من أبي سفيان ليوهمهم أن ذلك منها ثم قام يبكتهم و يقرعهم رضي الله عنه فأسلموا و حسن إسلامهم و جعل صلى الله عليه و سلم إمامهم أحد الستة الذين قدموا عليه و هو عثمان بن أبي العاص و كان أحدثهم سنا لما رأى من حرصه على قراءة القرآن و تعلمه الفرائض وأمره أن يتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا و أن يقتدي بأضعفهم.

وَقَدْ روى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَهُمُ الْمَسْجِدَ لِيَكُونَ أَرَقَّ لِقُلُوبِهِمْ، فَاشْتَرَطُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُحْشَرُوا وَلَا يُعْشَرُوا وَلَا يُجَبُّوا وَلَا يُسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَكُمْ أَنْ لَا تُحْشَرُوا وَلَا تُعْشَرُوا وَلَا يُسْتَعْمَلَ عَلَيْكُمْ غَيْرُكُمْ وَلَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَا رُكُوعَ فِيهِ ". وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي الْقُرْآنَ وَاجْعَلْنِي إِمَامَ قَوْمِي"([1799])..

وقصة عثمان هذه-في إمامة الصلاة- رواها أحمد أيضًا بسند صحيح عن عثمان بن أبي العاص قال: قلت : يا رسول الله اجْعَلْنِي إِمَامَ قَوْمِي، فَقَالَ: " أَنْتَ إِمَامُهُمْ وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ، وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا " ([1800])

وروى أَبُو دَاوُدَ الطيالسي عَنْ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ «قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ نِصْفَ شَهْرٍ، فَرَأَيْتُهُ يَنْفَتِلُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ»([1801])

وَرَوَى أبو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَة ْوغيرهما عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ جَدِّهِ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ قَالَ:قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ. قَالَ: فَنَزَلَتِ الْأَحْلَافُ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَأَنْزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي مَالِكٍ فِي قُبَّةٍ لَهُ، كُلَّ لَيْلَةٍ يَأْتِينَا بَعْدَ الْعِشَاءِ يُحَدِّثُنَا قَائِمًا عَلَى رِجْلَيْهِ، حَتَّى يُرَاوِحَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، فَأَكْثَرُ مَا يُحَدِّثُنَا مَا لَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ يَقُولُ: " لَا أَنْسَى وَكُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ مُسْتَذَلِّينَ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ كَانَتْ سِجَالُ الْحَرْبِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، نُدَالُ عَلَيْهِمْ وَيُدَالُونَ عَلَيْنَا ". فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةٌ أَبْطَأَ عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَأْتِينَا فِيهِ فَقُلْنَا: لَقَدْ أَبْطَأْتَ عَنَّا اللَّيْلَةَ. فَقَالَ: " إِنَّهُ طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبِي مِنَ الْقُرْآنِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَجِيءَ حَتَّى أُتِمَّهُ ". قَالَ أَوْسٌ: سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ ؟ فَقَالُوا: ثَلَاثٌ، وَخُمْسٌ، وَسَبْعٌ، وَتِسْعٌ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ وَحْدَهُ. ([1802]). لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ.

وَروى أَبُو دَاوُدَ عَنْ وَهْبٍ قَالَ:سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ شَأْنِ ثَقِيفٍ إِذْ بَايَعَتْ، قَالَ: اشْتَرَطَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهَا وَلَا جِهَادَ، وَأَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: " سَيَتَصَدَّقُونَ وَيُجَاهِدُونَ إِذَا أَسْلَمُوا " ([1803])..

وروى أحمد عَنِ النُّعْمَانِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَوْسًا، يَقُولُ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ، فَكُنَّا فِي قُبَّةٍ، فَقَامَ مَنْ كَانَ فِيهَا غَيْرِي وَغَيْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَسَارَّهُ، فَقَالَ: " اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ " ثُمَّ قَالَ: " أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟ " قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّهُ يَقُولُهَا تَعَوُّذًا فَقَالَ: " رُدَّهُ " ثُمَّ قَالَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا حُرِّمَتْ عَلَيَّ دِمَاؤُهُمْ، وَأَمْوَالُهُمْ، إِلَّا بِحَقِّهَا "([1804])

روى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّ أَرْضَنَا أَرْضٌ بَارِدَةٌ فَكَيْفَ بِالْغُسْلِ؟ فَقَالَ: «أَمَّا أَنَا فَأُفْرِغُ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثًا» ([1805])

وروى مسلم عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ»([1806])

وروى ابْنُ مَاجَة عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ:لَمَّا اسْتَعْمَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الطَّائِفِ جَعَلَ يَعْرِضُ لِي شَيْءٌ فِي صَلَاتِي، حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ رَحَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " ابْنُ أَبِي الْعَاصِ ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " مَا جَاءَ بِكَ ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَرَضَ لِي شَيْءٌ فِي صَلَاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي. قَالَ: " ذَاكَ الشَّيْطَانُ، ادْنُهْ ". فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَجَلَسْتُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيَّ. قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرِي بِيَدِهِ وَتَفَلَ فِي فَمِي، وَقَالَ: " اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ ". فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: " الْحَقْ بِعَمَلِكَ ". قَالَ: فَقَالَ عُثْمَانُ: فَلَعَمْرِي مَا أَحْسَبُهُ خَالَطَنِي بَعْدُ" ([1807]).

وروى النسائي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ الثَّقَفِّيِّ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ ثَقِيفٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُمْ هَدِيَّةٌ، فَقَالَ: «أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَإِنْ كَانَتْ هَدِيَّةٌ فَإِنَّمَا يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَتْ صَدَقَةٌ فَإِنَّمَا يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ، قَالُوا: لَا بَلْ هَدِيَّةٌ، فَقَبِلَهَا مِنْهُمْ وَقَعَدَ مَعَهُمْ يُسَائِلُهُمْ وَيُسَائِلُونَهُ حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ مَعَ الْعَصْرِ" ([1808])

 

باب: بعثه صلى الله عليه و سلم أبا بكرالصديق ليحج بالناس.

 

و بعث صلى الله عليه و سلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه أميرًا على الحج في سنة تسع ثم أردفه عليًا رضي الله عنه بسورة براءة : أن لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوف بالبيت عريان و ينبذ إليهم عهودهم إلا من كان ذا عهد مقدر فعهده إلى مدته

 

روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ([1809])

 

وروى عن حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ " قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ :ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ "قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ يَوْمَ النَّحْرِ فِي أَهْلِ مِنًى بِبَرَاءَةَ وَأَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ "([1810])

روى ابن حبان  عن المحرر بن أبي هريرة عن أبيه قال : كنت مع علي بن أبي طالب أنادي بالمشركين فكان علي إذا صحل صوته أو اشتكى حلقه أو عيي مما ينادي ناديت مكانه قال : فقلت لأبي : أي شيء كنتم تقولون ؟ قال : كنا نقول : ( لا يحج بعد العام مشرك ) فما حج بعد ذلك العام مشرك ( ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا مؤمن ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم مدة فمدته إلى أربعة أشهر فإذا قضي أربعة أشهر فإن الله بريء من المشركين ورسوله ) قال : فكان المشركون يقولون: لا، بل شهر يضحكون بذلك "([1811])

 

فالأحاديث الصحيحة تثبت أن أبا بكر رضي الله عنه كان أمير الحج حتى نهايته وأنه بعث المؤذنين يؤذنون في الناس بما جاء به علي رضي الله عنه .وما ورد في شأن هذه الحجة من أن الرسول أرسل عليًا أميرًا على الحج بدلاً من أبي بكر وأن أبا بكر رجع وظن أنه قد تزل فيه شيئ فعزله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يثبت .

 

باب: الوفود

 

و تواترت الوفود هذه السنة – سنة تسع- و ما بعدها على رسول الله صلى الله عليه و سلم مذعنة بالإسلام و داخلين في دين الله أفواجا كما قال تعالى : { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا* } [سورة النصر]

و بعث-أيضًا- الرسل إلى ملوك الأقطار يدعوهم إلى الإسلام و انتشرت الدعوة و علت الكلمة و جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا

ولا شك أن هناك وفود قدمت على النبي قبل هذه السنة وقيل: أن أول الوفود كان في رجب سنة خمس وهم مِنْ مُزَيْنَةَ وكانوا أَرْبَعُمِائَةٍ  وَفَدَوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وإنما جرت عادة أهل السير والمغازي أن يذكروا الوفود في هذه السنة لأن أكثرها كانت فيها .

ومن هذه الوفود التي ذكروها ما هو متقدم على فتح مكة وما هو بعد ذلك وما هو في سنة تسع وما بعدها.وكذلك صنع البخاري رحمه الله.

فقد ذكر البخاري في صحيحه ههنا بعض الوفود ([1812]).

** ومنها وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ .فروى البخاري عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَتَى نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:"اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ" قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا فَرُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ فَجَاءَ نَفَرٌ مِنْ الْيَمَنِ فَقَالَ:" اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ" قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ"([1813])

ثم قال:بَاب قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: غَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَأَغَارَ وَأَصَابَ مِنْهُمْ نَاسًا وَسَبَى مِنْهُمْ نِسَاءً..ثم روى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهَا فِيهِمْ: هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ، وَكَانَتْ فِيهِمْ سَبِيَّةٌ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَ أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمٍ أَوْ قَوْمِي"([1814])

 

ثم روى عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرْ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرْ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي قَالَ عُمَرُ مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا } حَتَّى انْقَضَتْ"([1815])

 

** ثم ذكر وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ :فروى عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّ لِي جَرَّةً يُنْتَبَذُ لِي نَبِيذٌ فَأَشْرَبُهُ حُلْوًا فِي جَرٍّ إِنْ أَكْثَرْتُ مِنْهُ فَجَالَسْتُ الْقَوْمَ فَأَطَلْتُ الْجُلُوسَ خَشِيتُ أَنْ أَفْتَضِحَ فَقَالَ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا النَّدَامَى فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ مُضَرَ وَإِنَّا لَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ حَدِّثْنَا بِجُمَلٍ مِنْ الْأَمْرِ إِنْ عَمِلْنَا بِهِ دَخَلْنَا الْجَنَّةَ وَنَدْعُو بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا قَالَ آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنْ الْمَغَانِمِ الْخُمُسَ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ مَا انْتُبِذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ"([1816])

وروى عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ وَقَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ فَلَسْنَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَمُرْنَا بِأَشْيَاءَ نَأْخُذُ بِهَا وَنَدْعُو إِلَيْهَا مَنْ وَرَاءَنَا قَالَ:" آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الْإِيمَانِ بِاللَّهِ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَعَقَدَ وَاحِدَةً وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَأَنْ تُؤَدُّوا لِلَّهِ خُمْسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ" ([1817])

وروى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى يَعْنِي قَرْيَةً مِنْ الْبَحْرَيْنِ"([1818])

 

** ثم ذكر وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ وَحَدِيثِ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ:

ثم روى عن سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:" بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ فَقَالَ أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ صَبَوْتَ قَالَ لَا وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"([1819])

 

وروى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُولُ إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةُ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ أُرَى الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أَرَيْتُ فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنْ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ"([1820])

** ثم ذكر قِصَّةِ أَهْلِ نَجْرَانَ :

ثم روى عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:" جَاءَ الْعَاقِبُ وَالسَّيِّدُ صَاحِبَا نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدَانِ أَنْ يُلَاعِنَاهُ قَالَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: لَا تَفْعَلْ فَوَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلَاعَنَّا لَا نُفْلِحُ نَحْنُ وَلَا عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا، قَالَا: إِنَّا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا أَمِينًا وَلَا تَبْعَثْ مَعَنَا إِلَّا أَمِينًا فَقَالَ لَأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ فَاسْتَشْرَفَ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَلَمَّا قَامَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ" ([1821])

 

وفي رواية أخرى عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:" جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: ابْعَثْ لَنَا رَجُلًا أَمِينًا، فَقَالَ: لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ فَاسْتَشْرَفَ لَهُ النَّاسُ فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ" ([1822])

 

** ثم ذكر قِصَّةُ عُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ:

وروى عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّه رضي اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا ثَلَاثًا فَلَمْ يَقْدَمْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنِي قَالَ جَابِرٌ فَجِئْتُ أَبَا بَكْرٍ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا ثَلَاثًا قَالَ فَأَعْطَانِي قَالَ جَابِرٌ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَلَمْ يُعْطِنِي فَقُلْتُ لَهُ قَدْ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي فَقَالَ أَقُلْتَ تَبْخَلُ عَنِّي وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنْ الْبُخْلِ قَالَهَا ثَلَاثًا مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ وَعَنْ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ جِئْتُهُ فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ عُدَّهَا فَعَدَدْتُهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَ مِائَةٍ فَقَالَ خُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ"([1823])

 

** ثم ذكر باب قُدُومِ الْأَشْعَرِيِّينَ وَأَهْلِ الْيَمَنِ وَقَالَ أَبُو مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ:

ثم روى عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنْ الْيَمَنِ فَمَكَثْنَا حِينًا مَا نُرَى ابْنَ مَسْعُودٍ وَأُمَّهُ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِهِمْ وَلُزُومِهِمْ لَهُ "([1824])

 

وروى عن عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ قَالَ: جَاءَتْ بَنُو تَمِيمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبْشِرُوا يَا بَنِي تَمِيمٍ قَالُوا أَمَّا إِذْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ قَالُوا قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ"([1825])

 

وروى عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْإِيمَانُ هَا هُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْيَمَنِ وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الْإِبِلِ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ" ([1826])

 

** ثم ذكر  قِصَّةُ دَوْسٍ وَالطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ:

ثم روى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ دَوْسًا قَدْ هَلَكَتْ عَصَتْ وَأَبَتْ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ" ([1827])

وروى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ وَأَبَقَ غُلَامٌ لِي فِي الطَّرِيقِ فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْتُهُ فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الْغُلَامُ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غُلَامُكَ فَقُلْتُ هُوَ لِوَجْهِ اللَّهِ فَأَعْتَقْتُهُ" ([1828])

 

ثم ذكر قِصَّةِ وَفْدِ طَيِّئٍ وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ:

ثم روى عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ:" أَتَيْنَا عُمَرَ فِي وَفْدٍ ، فَجَعَلَ يَدْعُو رَجُلًا رَجُلًا وَيُسَمِّيهِمْ ، فَقُلْتُ: أَمَا تَعْرِفُنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: بَلَى ، أَسْلَمْتَ إِذْ كَفَرُوا وَأَقْبَلْتَ إِذْ أَدْبَرُوا وَوَفَيْتَ إِذْ غَدَرُوا وَعَرَفْتَ إِذْ أَنْكَرُوا فَقَالَ عَدِيٌّ: فَلَا أُبَالِي إِذًا" ([1829]).

قلت: وَروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ:جَاءَتْ خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِعَقْرَبٍ، فَأَخَذُوا عَمَّتِي وَنَاسًا، فَلَمَّا أَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَصُفُّوا لَهُ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَأَى الْوَافِدُ  وَانْقَطَعَ الْوَلَدُ، وَأَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ مَا بِي مِنْ خِدْمَةٍ، فَمُنَّ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. فَقَالَ: " وَمَنْ وَافِدُكَ ؟ " قَالَتْ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ: " الَّذِي فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ؟ " قَالَتْ: فَمُنَّ عَلَيَّ. فَلَمَّا رَجَعَ وَرَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ تَرَى أَنَّهُ عَلِيٌّ قَالَ: سَلِيهِ حُمْلَانًا. قَالَ فَسَأَلَتْهُ فَأَمَرَ لَهَا. قَالَ عَدِيٌّ: فَأَتَتْنِي فَقَالَتْ: لَقَدْ فَعَلْتَ فَعْلَةً مَا كَانَ أَبُوكَ يَفْعَلُهَا. وَقَالَتْ: ائْتِهِ رَاغِبًا أَوْ رَاهِبًا، فَقَدْ أَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ، وَأَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَإِذَا عِنْدَهُ امْرَأَةٌ وَصِبْيَانٌ أَوْ صَبِيٌّ، فَذَكَرَ قُرْبَهُمْ مِنْهُ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ مَلِكَ كِسْرَى وَلَا قَيْصَرَ. فَقَالَ لَهُ: " يَا عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ مَا أَفَرَّكَ ؟ أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ؟ فَهَلْ مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ ؟ ! مَا أَفَرَّكَ ؟ أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ ؟ فَهَلْ شَيْءٌ هُوَ أَكْبَرُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ ! " فَأَسْلَمْتُ فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ اسْتَبْشَرَ وَقَالَ: " إِنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ، وَإِنَّ الضَّالِّينَ النَّصَارَى ". قَالَ: ثُمَّ سَأَلُوهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ فَلَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَنْ تُرْضَخُوا مِنَ الْفَضْلِ، ارْتَضَخَ امْرُؤٌ بِصَاعٍ، بِبَعْضِ صَاعٍ، بِقَبْضَةٍ، بِبَعْضِ قَبْضَةٍ " - قَالَ شُعْبَةُ: وَأَكْثَرُ عِلْمِي أَنَّهُ قَالَ: " بِتَمْرَةٍ، بِشِقِّ تَمْرَةٍ " - وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَاقِي اللَّهِ فَقَائِلٌ مَا أَقُولُ: أَلَمْ أَجْعَلْكَ سَمِيعًا بَصِيرًا ؟ أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ مَالًا وَوَلَدًا ؟ فَمَاذَا قَدَّمْتَ ؟ فَيَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ  يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ فَلَا يَجِدُ شَيْئًا، فَمَا يَتَّقِي النَّارَ إِلَّا بِوَجْهِهِ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوهُ فَبِكَلِمَةٍ لَيِّنَةٍ، إِنِّي لَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَاقَةَ، لَيَنْصُرَنَّكُمُ اللَّهُ وَلَيُعْطِيَنَّكُمْ أَوْ لَيَفْتَحَنَّ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَسِيرَ الظَّعِينَةُ بَيْنَ الْحِيرَةِ وَيَثْرِبَ أَوْ أَكْثَرَ مَا تَخَافُ السَّرَقَ عَلَى ظَعِينَتِهَا "([1830]) .

وروى البخاري عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ فَقَالَ يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا قَالَ فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى قُلْتُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ قَالَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ فَلَيَقُولَنَّ لَهُ أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَقُولُ أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ قَالَ عَدِيٌّ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ قَالَ عَدِيٌّ فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ" ([1831])

 

بَاب بَعْثُه صلى الله عليه وسلم أَبِا مُوسَى الأشعري وَمُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ

وروى البخاري عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مُوسَى، وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ، قَالَ: وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلاَفٍ، قَالَ: وَاليَمَنُ مِخْلاَفَانِ، ثُمَّ قَالَ: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا» ، فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى عَمَلِهِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا سَارَ فِي أَرْضِهِ كَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَسَارَ مُعَاذٌ فِي أَرْضِهِ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَبِي مُوسَى، فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أَيُّمَ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ، قَالَ: لاَ أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَالَ: إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِذَلِكَ فَانْزِلْ، قَالَ: مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، كَيْفَ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قَالَ: أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا، قَالَ: فَكَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنَ النَّوْمِ، فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي " ([1832])

 

وروى عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا فَقَالَ وَمَا هِيَ قَالَ الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ- فَقُلْتُ لِأَبِي بُرْدَةَ مَا الْبِتْعُ قَالَ نَبِيذُ الْعَسَلِ وَالْمِزْرُ نَبِيذُ الشَّعِيرِ- فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" ([1833])

 

وروى عن أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَدَّهُ أَبَا مُوسَى وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: " يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا» ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ أَرْضَنَا بِهَا شَرَابٌ مِنَ الشَّعِيرِ المِزْرُ، وَشَرَابٌ مِنَ العَسَلِ البِتْعُ، فَقَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» . فَانْطَلَقَا، فَقَالَ مُعَاذٌ لِأَبِي مُوسَى: كَيْفَ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قَالَ: قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى رَاحِلَتِي، وَأَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا، قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي، وَضَرَبَ فُسْطَاطًا، فَجَعَلاَ يَتَزَاوَرَانِ، فَزَارَ مُعَاذٌ أَبَا مُوسَى فَإِذَا رَجُلٌ مُوثَقٌ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَهُودِيٌّ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ، فَقَالَ مُعَاذٌ: لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ" ([1834])

وروى عن أَبُي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَرْضِ قَوْمِي، فَجِئْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِيخٌ بِالأَبْطَحِ، فَقَالَ: «أَحَجَجْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ» قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «كَيْفَ قُلْتَ؟» قَالَ: قُلْتُ: لَبَّيْكَ إِهْلاَلًا كَإِهْلاَلِكَ، قَالَ: «فَهَلْ سُقْتَ مَعَكَ هَدْيًا» قُلْتُ: لَمْ أَسُقْ، قَالَ: «فَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَاسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ حِلَّ» فَفَعَلْتُ حَتَّى مَشَطَتْ لِي امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ، وَمَكُثْنَا بِذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ" ([1835])

وروى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ»([1836])

بَاب: بَعْثُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليَّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَخَالِد بْن الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهماُ إِلَى الْيَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ

روى البخاري عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ مَكَانَهُ فَقَالَ مُرْ أَصْحَابَ خَالِدٍ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يُعَقِّبَ مَعَكَ فَلْيُعَقِّبْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُقْبِلْ فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقَّبَ مَعَهُ ، قَالَ: فَغَنِمْتُ أَوَاقٍ ذَوَاتِ عَدَدٍ"([1837])

 

وروى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا إِلَى خَالِدٍ لِيَقْبِضَ الْخُمُسَ ، وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا وَقَدْ اغْتَسَلَ، فَقُلْتُ لِخَالِدٍ: أَلَا تَرَى إِلَى هَذَا فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: يَا بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ قَالَ لَا تُبْغِضْهُ فَإِنَّ لَهُ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ"([1838])

وروى عن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قال: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اليَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ، لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا، قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ، بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأَقْرَعَ بْنِ حابِسٍ، وَزَيْدِ الخَيْلِ، وَالرَّابِعُ: إِمَّا عَلْقَمَةُ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلاَءِ، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً» ، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، نَاشِزُ الجَبْهَةِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ، قَالَ: «وَيْلَكَ، أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ» قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ، قَالَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ: «لاَ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي» فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ» قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفٍّ، فَقَالَ: «إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ» ، وَأَظُنُّهُ قَالَ: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ» "([1839])

ثم خرج عليٌّ  من اليمن ليلحق بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليدرك معه حجة الوداع . .

روى البخاري عن بَكْرٌ أَنَّهُ ذَكَرَ لِابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ فَقَالَ"أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالحَجِّ وَأَهْلَلْنَا بِهِ مَعَهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً» ، وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدْيٌ، فَقَدِمَ عَلَيْنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ اليَمَنِ حَاجًّا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِمَ أَهْلَلْتَ؟، فَإِنَّ مَعَنَا أَهْلَكَ» قَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَأَمْسِكْ فَإِنَّ مَعَنَا هَدْيًا» ([1840])

 

باب:حجة الوداع

فِى السنة الْعَاشِرَةِ أَذَّنَ صلى الله عليه وسلم فِى النَّاسِ بالحج فمن أراد أن يحج مع رسول الله فليأت فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِه .وصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الظهر يوم الخميس لست بقين من ذي القعدة من سنة عشر بالمدينة ثم خرج منها بمن معه من المسلمين من أهل المدينة ومن تجمع من الأعراب فصلى العصر بذي الحليفة ركعتين و بات بها.وأتاه آت من ربه عز وجل في ذلك الموضع ـ وهو وادي العقيق ـ يأمره عن ربه عز وجل أن يقول في حجته هذه : حجة في عمرة [1841].

وقد فصَّل جابر بن عبد الله رضي الله عنه حجة رسول الله فيما رواه مسلم وغيره .

روى مسلم عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَىَّ فَقُلْتُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ. فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِى فَنَزَعَ زِرِّى الأَعْلَى ثُمَّ نَزَعَ زِرِّى الأَسْفَلَ ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَىَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ شَابٌّ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ أَخِى سَلْ عَمَّا شِئْتَ. فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلاَةِ فَقَامَ فِى نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ فَصَلَّى بِنَا فَقُلْتُ : أَخْبِرْنِى عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ، ثُمَّ أَذَّنَ فِى النَّاسِ فِى الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَاجٌّ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِى بَكْرٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَيْفَ أَصْنَعُ قَالَ « اغْتَسِلِى وَاسْتَثْفِرِى بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِى ». فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى الْمَسْجِدِ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِى بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَىْءٍ عَمِلْنَا بِهِ فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ « لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ ». وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِى يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَلْبِيَتَهُ . قَالَ جَابِرٌ - رضى الله عنه - لَسْنَا نَنْوِى إِلاَّ الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَقَرَأَ :{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى }[البقرة: 125] فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ- فَكَانَ أَبِى يَقُولُ: وَلاَ أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلاَّ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقْرَأُ فِى الرَّكْعَتَيْنِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ :{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ }[البفرة: 158] « أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ ». فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِىَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كَلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ». ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِى بَطْنِ الْوَادِى سَعَى حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ فَقَالَ « لَوْ أَنِّى اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْىَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْىٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً ». فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لأَبَدٍ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِى الأُخْرَى وَقَالَ « دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِى الْحَجِّ - مَرَّتَيْنِ - لاَ ، بَلْ لأَبَدٍ أَبَدٍ ». وَقَدِمَ عَلِىٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَوَجَدَ فَاطِمَةَ - رضى الله عنها - مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ إِنَّ أَبِى أَمَرَنِى بِهَذَا. قَالَ فَكَانَ عَلِىٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِى صَنَعَتْ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّى أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَ « صَدَقَتْ صَدَقَتْ مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ ». قَالَ قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنِّى أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ. قَالَ « فَإِنَّ مَعِىَ الْهَدْىَ فَلاَ تَحِلُّ ». قَالَ فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْىِ الَّذِى قَدِمَ بِهِ عَلِىٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِى أَتَى بِهِ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- مِائَةً - قَالَ - فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلاَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلاً حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلاَ تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلاَّ أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِى فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ « إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا أَلاَ كُلُّ شَىْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَىَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِى بَنِى سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ فِى النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ. فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ. وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ». قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ « اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ». ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى « أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ ». كُلَّمَا أَتَى حَبْلاً مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلاً حَتَّى تَصْعَدَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ وَصَلَّى الْفَجْرَ - حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ - بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَكَانَ رَجُلاً حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلاً ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِى تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِى عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِى ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِى هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِى قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلاَ مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ فَأَتَى بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ « انْزِعُوا بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلاَ أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ ». فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ.

ثم رواه مسلم من طريق حفص بن غياث بزيادة:"وَكَانَتِ الْعَرَبُ يَدْفَعُ بِهِمْ أَبُو سَيَّارَةَ عَلَى حِمَارٍ عُرْىٍ، فَلَمَّا أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ. لَمْ تَشُكَّ قُرَيْشٌ أَنَّهُ سَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ مَنْزِلُهُ، ثَمَّ فَأَجَازَ، وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ حَتَّى أَتَى عَرَفَاتٍ فَنَزَلَ".[1842]

 

باب: مرضه صلى الله عليه و سلم ووفاته .

 

رجع النبي صلى الله عليه و سلم من حجته إلى المدينة فأقام بها بقية ذي الحجة والمحرم و صفر ثم ابتدأ به صلى الله عليه و سلم وجعه في بيت ميمونة يوم خميس و كان وجعا في رأسه الكريم و كان أكثر ما يعتريه الصداع عليه الصلاة والسلام .فجعل مع هذا يدور على نسائه حتى شق عليه فاستأذنهن أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها فأذنَّ له جميعًا رضي الله عنهن فمكث وجعًا إثني عشر يوما و قيل : أربعة عشر يومًا و الصديق رضي الله عنه يصلي بالناس بأمره صلى الله عليه و سلم ولذا استثناه من جيش أسامة للصلاة بالناس. وكان النبي صلى الله عليه وسلم جهز جيش أسامة الذي إلى الشام لغزو الروم

فلما حصل الوجع تربصوا لينظروا ما يكون من أمره صلى الله عليه و سلم . و قد صلى عليه الصلاة و السلام خلف الصديق جالسًا.

و قبض صلى الله عليه و سلم ضحى يوم الإثنين من ربيع الأول فالمشهور أنه الثاني عشر منه و قيل مستهله و قيل : غير ذلك

وكان عمره يوم مات صلى الله عليه و سلم ثلاثا و ستين سنة على الصحيح.[1843]

و قيل : كان ستين وقيل : خمسًا و ستين و هذه الأقوال الثلاثة في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما فاشتدت الرزية بموته صلى الله عليه و سلم و عظم الخطب و جل الأمر و أصيب المسلمون بنبيهم و أنكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك و قال : إنه لم يمت و إنه سيعود كما عاد موسى لقومه ، و اضطرب الناس و جاء الصديق المؤيد رضي الله عنه فأقام الأود وصدع بالحق وخطب الناس و تلا عليهم :{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ }[آل عمران:144] فكأن الناس لم يسمعوها قبل ذلك فما من أحد إلا يتلوها ثم شرعوا في جهاز رسول الله صلى الله عليه و سلم فغسلوه في قميصه و كان الذي تولى ذلك عمه العباس و ابنه قثم و علي بن أبي طالب و أسامة بن زيد و شقران ـ مولياه ـ يصبان الماء و ساعد في ذلك أوس بن خولي الأنصاري البدري رضي الله عنهم أجمعين.و كفنوه في ثلاثة أثواب قطن سحولية بيض ليس فيها قميص

قال الشافعي : صلوا عليه مرة بعد مرة أفذاذًا لعظم قدره و لمنافستهم أن يؤمهم عليه أحد. - و قيل:صلوا عليه أفرادًا واحدًا واحدًا لحديث جاء في ذلك رواه البزار ـ ولا يثبت ـ أنه صلى الله عليه و سلم أمرهم بذلك ـ  قالوا :فكان أولهم عليه صلاة العباس عمه ثم بنو هاشم ثم المهاجرون ثم الأنصار ثم سائر الناس فلما فرغ الرجال صلى الصبيان ثم النساء

و دفن صلى الله عليه و سلم يوم الثلاثاء أو  ليلة الأربعاء سحرًا في الموضع الذي توفي فيه من حجرة عائشة لحديث رواه الترمذي وغيره عن أبي بكر رضي الله عنه.

و مكان دفنه  معلوم لا اختلاف فيه بل هو من المتواتر تواترًا ضروريا معلومًا من القبر الذي هو اليوم داخل مسجد المدينة وكان ذلك المكان حجرة عائشة قبل التوسعة ودخولها في المسجد في العصر الأموي..

وها هي الآثار والأدلة على ما ذكرناه مجملاً في هذا الباب:

روى ابْنُ إسْحَاقَ  عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ فَقَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إنّي قَدْ أُمِرْت أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ هَذَا الْبَقِيعِ ، فَانْطَلِقْ مَعِي ، فَانْطَلَقْت مَعَهُ فَلَمّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ قَالَ السّلَامُ عَلَيْكُمْ يَأْهَلَ الْمَقَابِرِ لِيَهْنِئَ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمّا أَصْبَحَ النّاسُ فِيهِ أَقْبَلَتْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ آخِرُهَا أَوّلَهَا ، الْآخِرَةُ شَرّ مِنْ الْأُولَى ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيّ فَقَالَ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إنّي قَدْ أُوتِيت مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ، ثُمّ الْجَنّةُ فَخُيّرْت بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبّي وَالْجَنّةِ . قَالَ فَقُلْت : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، فَخُذْ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ، ثُمّ الْجَنّةَ ؟ قَالَ لَا وَاَللّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ لَقَدْ اخْتَرْت لِقَاءَ رَبّي وَالْجَنّةَ، ثُمّ أَسَتَغْفِرُ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ ، ثُمّ أَنْصَرِف فَبَدَأَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعُهُ الّذِي قَبَضَهُ اللّهُ فِيهِ"[1844]

 

وروى ابْنُ إسْحَاقَ  عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ: رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْبَقِيعِ ، فَوَجَدَنِي وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رَأْسِي ، وَأَنَا أَقُولُ وَارْأَسَاهُ ، فَقَالَ: بَلْ أَنَا وَاَللّهِ يَا عَائِشَةُ وَارْأَسَاهُ . قَالَتْ ثُمّ قَالَ وَمَا ضَرّكِ لَوْ مُتّ قَبْلِي ، فَقُمْتُ عَلَيْك وَكَفّنْتُك ، وَصَلّيْت عَلَيْك وَدَفَنْتُك ؟ قَالَتْ قُلْت : وَاَللّهِ لَكَأَنّي بِك ، لَوْ قَدْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ رَجَعْتَ إلَى بَيْتِي ، فَأَعْرَسْت فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِك ، قَالَتْ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَتَامّ بِهِ وَجَعُهُ وَهُوَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ حَتّى اسْتَعَزّ بِهِ وَهُوَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ فَدَعَا نِسَاءَهُ فَاسْتَأْذَنَهُنّ فِي أَنْ يُمَرّضَ فِي بَيْتِي ، فَأَذِنّ لَه"[1845]

وروى البخاري عن الْقَاسِم بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ : وَارَأْسَاهْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرَ لَكِ وَأَدْعُوَ لَكِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَا ثُكْلِيَاهْ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي وَلَوْ كَانَ ذَاكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَنَا وَا رَأْسَاهْ ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَوْ أَرَدْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ ثُمَّ قُلْتُ يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ "([1846])

 

وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَبْطَأَ النّاسَ فِي بَعْثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، وَهُوَ فِي وَجَعِهِ فَخَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَدْ كَانَ النّاسُ قَالُوا فِي إمْرَةِ أُسَامَةَ : أَمّرَ غُلَامًا حَدَثًا عَلَى جِلّةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ . فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ ثُمّ قَالَ: أَيّهَا النّاسُ أَنْفِذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ ، فَلِعَمْرِي لَئِنْ قُلْتُمْ فِي إمَارَتِهِ لَقَدْ قُلْتُمْ فِي إمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ وَإِنّهُ لَخَلِيقٌ لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ لَخَلِيقًا لَهَا قَالَ ثُمّ نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَانْكَمَشَ النّاسُ فِي جَهَازِهِمْ اسْتَعَزّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعُهُ فَخَرَجَ أُسَامَةُ وَخَرَجَ جَيْشُهُ مَعَهُ حَتّى نَزَلُوا الْجُرْفَ ، مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى فَرْسَخٍ فَضَرَبَ بِهِ عَسْكَرَهُ وَتَتَامّ إلَيْهِ النّاسُ وَثَقُلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَقَامَ أُسَامَةُ وَالنّاسُ لِيَنْظُرُوا مَا اللّهُ قَاضٍ فِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . [1847] وهذا مرسل قوي .يشهد له الآتي:

روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمَارَتِهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ" ([1848])

 

وروى ابْنُ إسْحَاقَ عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْد ٍ قَالَ: لَمّا ثَقُلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَبَطْتُ ، وَهَبَطَ النّاسُ مَعِي إلَى الْمَدِينَةِ ، فَدَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ أُصْمِتَ فَلَا يَتَكَلّمُ فَجَعَلَ يَرْفَعُ يَدَهُ إلَى السّمَاءِ ثُمّ يَضَعُهَا عَلَيّ ، فَأَعْرِفُ أَنّهُ يَدْعُو لِي" [1849]

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ : حَدّثَنِي عُبَيْد ُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ :كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَثِيرًا مَا أَسْمَعُهُ يَقُولُ: إنّ اللّهَ لَمْ يَقْبِضْ نَبِيّا حَتّى يُخَيّرْهُ . قَالَتْ فَلَمّا حُضِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ آخِرُ كَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا وَهُوَ يَقُولُ بَلْ الرّفِيقُ الْأَعْلَى مِنْ الْجَنّةِ ، قَالَتْ فَقُلْت : إذًا والله لا يختارنا وعرفت أنه الذي كَانَ يَقُولُ لَنَا : إنّ نَبِيّا لَمْ يُقْبَضْ حَتّى يُخَيّرَ"[1850]

ويؤيده ما رواه أحمد وغيره عن عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَحِيحٌ يَقُولُ: " إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يَحْيَا  "، فَلَمَّا اشْتَكَى، وَحَضَرَهُ الْقَبْضُ، وَرَأْسُهُ عَلَى فَخْذِ عَائِشَةَ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ شَخَصَ بَصَرُهُ نَحْوَ سَقْفِ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَالَ: " اللهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى "، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: إِنَّهُ حَدِيثُهُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهُوَ صَحِيحٌ"[1851]

 

وروى ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ ، قَالَ لَمّا اُسْتُعِزّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: دَعَاهُ بَلَالٌ إلَى الصّلَاةِ فَقَالَ: مُرُوا مَنْ يُصَلّي بِالنّاسِ . قَالَ: فَخَرَجْت فَإِذَا عُمَرُ فِي النّاسِ . وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ غَائِبًا ؛ فَقُلْت : قُمْ يَا عُمَرُ فَصَلّ بِالنّاسِ، قَالَ: فَقَامَ فَلَمّا كَبّرَ سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَوْتَهُ وَكَانَ عُمَرُ رَجُلًا مِجْهَرًا ، قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ ؟ يَأْبَى اللّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ يَأْبَى اللّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ . قَالَ فَبُعِثَ إلَى أَبِي بَكْرٍ ، فَجَاءَ بَعْدَ أَنْ صَلّى عُمَرُ تِلْكَ الصّلَاةَ فَصَلّى بِالنّاسِ ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ زَمَعَةَ قَالَ لِي عُمَرُ : وَيْحَك ، مَاذَا صَنَعْت بِي يَا بْنَ زَمَعَةَ وَاَللّهِ مَا ظَنَنْت حِينَ أَمَرْتنِي إلّا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَك بِذَلِكَ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا صَلّيْت بِالنّاسِ . قَالَ: قُلْتُ: وَاَللّهِ مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ وَلَكِنّي حِينَ لَمْ أَرَ أَبَا بَكْر ٍ رَأَيْتُك أَحَقّ مَنْ حَضَرَ بِالصّلَاةِ بِالنّاسِ" [1852]

 

وروى البخاري عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَذَكَرْنَا المُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلاَةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَحَضَرَتِ  الصَّلاَةُ، فَأُذِّنَ فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: «إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الوَجَعِ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَكَانَكَ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ،- قِيلَ لِلْأَعْمَشِ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَبُوبَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَتِهِ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: بِرَأْسِهِ نَعَمْ "وقال البخاري: وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا"([1853])

 

وروى البخاري عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ الْأَرْضَ وَكَانَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَرَجُلٍ آخَرَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَالَ لِي وَهَلْ تَدْرِي مَنْ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ قُلْتُ: لَا ، قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ([1854])

وروى البخاري عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ- وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ - أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَقَالَ النَّاسُ يَا أَبَا حَسَنٍ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ أَنْتَ وَاللَّهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ الْعَصَا وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا إِنِّي لَأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الْأَمْرُ إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا عَلِمْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا فَقَالَ عَلِيٌّ إِنَّا وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنَعَنَاهَا لَا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"([1855])

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:قَالَ الزّهْرِيّ : حَدّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : أَنّهُ لَمّا كَانَ يَوْمُ  يوم الإثنين الذي قبض فيه رسول الله  صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ إلَى النّاسِ وَهُمْ يُصَلّونَ الصّبْحَ، فَرَفَعَ السّتْرَ وَفَتَحَ الْبَابَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَامَ عَلَى بَابِ عَائِشَةَ، فَكَادَ الْمُسْلِمُونَ يُفْتَتَنُونَ فِي صَلَاتِهِمْ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ رَأَوْهُ فَرَحًا بِهِ وَتَفَرّجُوا ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اُثْبُتُوا عَلَى صَلَاتِكُمْ ؟،قَالَ: فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُرُورًا لَمّا رَأَى مِنْ هَيْئَتِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَسَنَ هَيْئَةً مِنْهُ تِلْكَ السّاعَةَ، قَالَ: ثُمّ رَجَعَ وَانْصَرَفَ النّاسُ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَفْرَقَ مِنْ وَجَعِهِ، فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَهْلِهِ بِالسّنْحِ"[1856]

وروى البخاري عن أَبَي عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ فَقُلْتُ آخُذُهُ لَكَ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وَقُلْتُ أُلَيِّنُهُ لَكَ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ ، فَلَيَّنْتُهُ فَأَمَرَّهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ -يَشُكُّ عُمَرُ- فِيهَا مَاءٌ فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ"([1857])

وروى البخاري عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ "قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ مِثْلَهُ ([1858]).وهذا هو الصواب في سن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين وفاته، وما عداه فقد قيل على وجه التقريب .

 

وروى ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمْ يُوصِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ إلَّا بِثَلَاثِ  ، أَوْصَى للرّهاويين  بجادّ مائَة وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ، وللداريين  بجادّ مائَة وَسْقٍ  مِنْ خَيْبَرَ، وَلِلسَّبائِيِّينَ، وللأشعريين بجادّ مائَة وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ.

وَأَوْصَى بِتَنْفِيذِ  بَعْثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَأَلَّا يُتْرَكَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ " ([1859])

وقد روى آخره- موصولاً- أحمد عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ آخِرُ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ  قَالَ " لَا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ "[1860]

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ الزّهْرِيّ ، وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَامَ عُمْرُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَقَالَ: إنّ رِجَالًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَزْعُمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تُوُفّيَ وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا مَاتَ ،وَلَكِنّهُ ذَهَبَ إلَى رَبّهِ كَمَا ذَهَبَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ، فَقَدْ غَابَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ قِيلَ قَدْ مَاتَ، وَوَاللّهِ لَيَرْجِعَنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا رَجَعَ مُوسَى ، فَلَيَقْطَعَنّ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ زَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَات .

قَالَ: وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْر ٍ حَتّى نَزَلَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ ،.[1861]..

ثم ذكر نحو ما ذكره البخاري في صحيحه عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزهري قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَلَمْ يُكَلِّمْ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَتَيَمَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ مُغَشًّى بِثَوْبِ حِبَرَةٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، وَبَكَى ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَاللَّهِ لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ ، أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا" [1862]..

قَالَ الزُّهْرِيُّ وَحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ قَالَ اللَّهُ{ وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ }  [آل عمران:144 ] وَقَالَ: وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا مِنْ النَّاسِ إِلَّا يَتْلُوهَا، فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا فَعَقِرْتُ ، حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلَايَ ، وَحَتَّى أَهْوَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلَاهَا عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ "([1863]).

 

وروى البخاري عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ، - قَالَ: إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي بِالعَالِيَةِ - فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: وَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ، فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ " فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فَقَبَّلَهُ، قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُذِيقُكَ اللَّهُ المَوْتَتَيْنِ أَبَدًا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ،

فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، وَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] ، وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] ، قَالَ: فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ، قَالَ: وَاجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلاَمًا قَدْ أَعْجَبَنِي، خَشِيتُ أَنْ لاَ يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ فِي كَلاَمِهِ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الوُزَرَاءُ، فَقَالَ حُبَابُ بْنُ المُنْذِرِ: لاَ وَاللَّهِ لاَ نَفْعَلُ، مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لاَ، وَلَكِنَّا الأُمَرَاءُ، وَأَنْتُمُ الوُزَرَاءُ، هُمْ أَوْسَطُ العَرَبِ دَارًا، وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ، أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا، وَخَيْرُنَا، وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ اللَّهُ "([1864])

روى ابن سعد عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الْمَسْجِدَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُكَلِّمُ النَّاسَ. فَمَضَى حَتَّى دَخَلَ بَيْتَ النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي توفي فِيهِ، وَهُوَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُرْدَ حِبَرَةٍ كَانَ مُسَجًّى بِهِ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ فَقَالَ:

بِأَبِي أَنْتَ! وَاللَّهِ لا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ الْمَوْتَتَيْنِ. لَقَدْ مِتَّ الْمُوتَةَ الَّتِي لا تَمُوتُ بَعْدَهَا! ثُمَّ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ وَعُمَرُ يُكَلِّمُهُمْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:

اجْلِسْ يَا عُمَرُ! فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ. فَكَلَّمَهُ أَبُو بَكْرٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا. فَلَمَّا أَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَتَشَهَّدَ. فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ. فَلَمَّا قَضَى أَبُو بَكْرٍ تَشَهُّدَهُ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ. وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ! قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» [آل عمران: 144] فَلَمَّا تَلاهَا أَبُو بَكْرٍ أَيْقَنَ النَّاسُ بِمَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَلَقَّاهَا النَّاسُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ حِينَ تَلاهَا أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَالَ قَائِلٌ مِنَ النَّاسِ: وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ أُنْزِلَتْ حَتَّى تَلاهَا أَبُو بَكْرٍ. فَزَعَمَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَتْلُوهَا فَعَقِرْتُ وَأَنَا قَائِمٌ حَتَّى خَرَرْتُ إِلَى الأَرْضِ، وَأَيْقَنْتُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ مَاتَ"([1865]).

 


وروى ابن سعد عَنِ الزُّهْرِيِّ. أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ عُمَرُ فِي النَّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ: أَلا لا أَسْمَعَنَّ أَحَدًا يَقُولُ إِنَّ مُحَمَّدًا مَاتَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَمُتْ وَلَكِنَّهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَبُّهُ كَمَا أَرْسَلَ إِلَى مُوسَى فَلَبِثَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ تِلْكَ:

إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ! قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفِ أَنَّ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ. فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُسَجًّى فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ وَبَكَى ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ! وَاللَّهِ لا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أَبَدًا. أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مِتَّهَا"([1866]).

وروى البخاري عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ "قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ مِثْلَهُ ([1867]).وهذا هو الصواب في سن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين وفاته، وما عداه فقد قيل على وجه التقريب .

 

وقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي الزّهْرِيّ ، قَالَ حَدّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ: لَمّا بُويِعَ أَبُو بَكْر ٍ فِي السّقِيفَةِ وَكَانَ الْغَدُ جَلَسَ أَبُو بَكْر ٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَامَ عُمَرُ فَتَكَلّمَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ ، فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ : أَيّهَا النّاسُ إنّي كُنْت قُلْت لَكُمْ بِالْأَمْسِ مَقَالَةً مَا كَانَتْ مِمّا وَجَدْتهَا فِي كِتَابِ اللّهِ وَلَا كَانَتْ عَهْدًا عَهِدَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ، وَلَكِنّي قَدْ كُنْت أَرَى أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيُدَبّرُ أَمَرْنَا ؛- يَقُولُ: يَكُونُ آخِرُنَا- وَإِنّ اللّهَ قَدْ أَبْقَى فِيكُمْ كِتَابَهُ الّذِي بِهِ هدى الله ورسوله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَإِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ هَدَاكُمْ اللّهُ لِمَا كَانَ هَدَاهُ لَهُ، وَإِنّ اللّهَ قَدْ جَمَعَ أَمْرَكُمْ عَلَى خَيْرِكُمْ صَاحِبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَانِي اثْنَيْنِ إذْ هُمَا فِي الْغَارِ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ،فَبَايَعَ النّاسُ أَبَا بَكْرٍ بَيْعَةَ الْعَامّةِ، بَعْدَ بَيْعَةِ السّقِيفَة" [1868]

وقد غَسَّلَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجالٌ من أهل بيته ودُفِن صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة في المكان الذي قُبِضَ فيه.

روى البيهقي عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَشْجَعِيُّ قَالَ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ أَجْزَعِ النَّاسِ كُلِّهِمْ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ..فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَقَالُوا، يَعْنِي لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ، أَمَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: " نَعَمْ، مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، فَقَالُوا: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنْ يُغَسِّلُهُ؟ قَالَ: " رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِهِ، الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى " قَالُوا: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ، فَأَيْنَ تَدْفِنُهُ؟ قَالَ: " ادْفِنُوهُ فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي قَبَضَهُ اللهُ فِيهَا، لَمْ يَقْبِضْهُ إِلَّا فِي أَحَبِّ الْبِقَاعِ إِلَيْهِ "([1869])

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا بُويِعَ أَبُو بَكْر ٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَقْبَلَ النّاسُ عَلَى جَهَازِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الثّلَاثَاءِ فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا : أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَالْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَالْفَضْلَ بْنَ الْعَبّاسِ وَقُثَمَ بْنَ الْعَبّاسِ ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَشُقْرَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُمْ الّذِينَ وُلُوا غَسْلَهُ وَأَنّ أَوْسَ بْنَ خَوْلِيّ . أَحَدَ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنْشُدُك اللّهَ يَا عَلِيّ وَحَظّنَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -وَكَانَ أَوْسُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَهْلِ بَدْرٍ - قَالَ اُدْخُلْ فَدَخَلَ فَجَلَسَ وَحَضَرَ غَسْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْنَدَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى صَدْرِهِ وَكَانَ الْعَبّاسُ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ يُقَلّبُونَهُ مَعَهُ وَكَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَشُقْرَانُ مَوْلَاهُ هُمَا اللّذَانِ يَصُبّانِ الْمَاءَ عَلَيْهِ، وَعَلِيّ يُغَسّلُهُ ، قَدْ أَسْنَدَهُ إلَى صَدْرِهِ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ يُدَلّكُهُ بِهِ مِنْ وَرَائِهِ لَا يُفْضَى بِيَدِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ،وَعَلِيّ يَقُولُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، مَا أَطْيَبَك حَيّا وَمَيّتًا وَلَمْ يُرَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَيْءٌ مِمّا يُرَى مِنْ الْمَيّتِ[1870]

وهذا مرسل بعضه صحيح وبعضه مردود ويؤكد ذلك الحديثان الصحيحان الآتيان :

روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ، بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، مِنْ كُرْسُفٍ ، لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ" ([1871]) .

روى الترمذي وغيره عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُفِّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ يَمَانِيَةٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ، وَلَا عِمَامَةٌ» ، قَالَ: فَذَكَرُوا لِعَائِشَةَ قَوْلَهُمْ: فِي ثَوْبَيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ، فَقَالَتْ: «قَدْ أُتِيَ بِالبُرْدِ، وَلَكِنَّهُمْ رَدُّوهُ، وَلَمْ يُكَفِّنُوهُ فِيهِ »[1872]

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ غَسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثَوَابَ، ثَوْبَيْنِ صُحَارِيَّيْنِ ، وَبُرْدٍ حَبِرَةٌ، أُدْرِجَ فِيهَا إدْرَاجًا "([1873]).وقول عائشة السابق يفسر ذلك.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: قَالَ لَمّا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ يَضْرَحُ  كَحَفْرِ أَهْلِ مَكّةَ ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ هُوَ الّذِي يَحْفِرُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ، فَكَانَ يَلْحَدُ ، فَدَعَا الْعَبّاسُ رَجُلَيْنِ فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا : اذْهَبْ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ وَلِلْآخَرِ اذْهَبْ إلَى أَبِي طَلْحَةَ . اللّهُمّ خِرْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَجَدَ صَاحِبَ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ فَجَاءَ بِهِ فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [1874]،فَلَمّا فُرِغَ مِنْ جَهَازِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الثّلَاثَاءِ وُضِعَ فِي سَرِيرِهِ فِي بَيْتِهِ وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ . فَقَالَ قَائِلٌ نَدْفِنُهُ فِي مَسْجِدِهِ وَقَالَ قَائِلٌ: بَلْ نَدْفِنُهُ مَعَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : إنّي سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ مَا قُبِضَ نَبِيّ إلّا دُفِنَ حَيْثُ يُقْبَضُ ، فَرُفِعَ فِرَاشُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي تُوُفّيَ عَلَيْهِ فَحُفِرَ لَهُ تَحْتَهُ ثُمّ دَخَلَ النّاسُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّونَ عَلَيْهِ أَرْسَالًا ، دَخَلَ الرّجَالُ حَتّى إذَا فَرَغُوا أُدْخِلَ النّسَاءُ حَتّى إذَا فَرَغَ النّسَاءُ أُدْخِلَ الصّبْيَانُ . وَلَمْ يَؤُمّ النّاسَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَدٌ .ثم دفن رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ وَسَطِ اللّيْلِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ"[1875]

روى مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جُعِلَ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ»[1876].

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ عُمَارَةَ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَسَعْدَ بْنِ زُرَارَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، ما علمنا بدفن رسول الله حتى سمعنا صوت المساحي من جَوْفَ اللّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ"[1877]

 

وَكَانَ الّذِينَ نَزَلُوا فِي قَبْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَالْفَضْلَ ابْنَ عَبّاسٍ ، وَقُثَمَ بْنَ عَبّاسٍ وَشُقْرَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .وهو ما عليه أكثر أهل السير.

 

ولكن روى ابن سعد عَنْ عَامِرٍ الشَّعبي قَالَ: دَخَلَ قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَأُسَامَةُ. قَالَ عَامِرٌ: وَأَخْبَرَنِي مَرْحَبٌ أَوِ ابْنُ أَبِي مَرْحَبٍ أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا معهم في الْقَبْرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَإِنَّمَا يَلِي الْمَيِّتَ أَهْلُه"([1878]) .

وروى أبو داود عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي مُرَحَّبٍ، " أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ نَزَلَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ أَرْبَعَةً "([1879])

روى البخاري عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام: وَاكَرْبَ أَبَاهُ ، فَقَالَ لَهَا:  لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ : يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ؟، يَا أَبَتَاهْ مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ، يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ، فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام: يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَابَ "([1880])

 

وقد رثا حسان بن ثابت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد موته بقصيدته الدالية .

 

 

كم كان عدد المسلمين حين وفاته صلى الله عليه و سلم و عدد من روى عنه من الصحابة ؟

قال ابن كثير:قال الإمام أبو عبد الله الشافعي رحمه الله : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمون ستون ألفا ثلاثون ألفا بالمدينة و ثلاثون ألفا في غيرها

و قال الحافظ أبو زرعة: عبيد الله بن عبد الكريم الرازي رحمه الله تعالى : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد رآه و سمع منه زيادة على مائة ألف

و قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري : روى عنه صلى الله عليه و سلم أربعة آلاف صحابي.

قلت : قد أفرد الأئمة أسماء الصحابة في مصنفات على حدة كالبخاري في أول تاريخه الكبير و ابن أبي خيثمة و الحافظ أبي عبد الله بن مندة و الحافظ أبي نعيم الأصبهاني و الشيخ الإمام أبي عمر بن عبد البر و غيرهم و قد أفرد أبو محمد بن حزم أسماءهم في جزء جمعه من الإمام بقي بن مخلد الأندلسي رحمه الله تعالى و ذكر ما روى كل واحد منهم أهـ[1881]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كتاب الشمائل و الخصائص المحمدية[1882]

 

باب: خَلقه وصفته الظاهرة

و قد ذكر الشيخ أبو زكريا النووي في تهذيبه فصلاً مختصرًا فيه قال : كان صلى الله عليه و سلم ليس بالطويل البائن و لا القصير و لا الأبيض الأمهق و لا الآدم ولا الجعد القطط و لا السبط

و توفي و ليس في رأسه عشرون شعرة بيضاء و كان حسن الجسم بعيد ما بين المنكبين له شعر إلى منكبيه و في وقت إلى شحمة أذنيه و في وقت إلى نصف أذنيه كث اللحية شثن الكفين أي غليظ الأصابع ضخم الرأس و الكراديس في وجهه تدوير أدعج العينين طويل أهدابهما أحمر المآقي ذا مشربة و هي الشعر الدقيق من الصدر إلى السرة كالقضيب إذا مشى تقلع كأنما ينحط من صبب أي يمشي بقوة و الصبب : الحدور يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر كان وجهه كالقمر حسن الصوت سهل الخدين ضليع الفم سواء الصدر و البطن أشعر المنكبين و الذراعين و أعالي الصدر طويل الزندين رحب الراحة أشكل العينين أي طويل شقهما منهوس العقبين أي قليل لحم العقب بين كتفيه خاتم النبوة كزر الحجلة و كبيضة الحمامة و كان إذا مشى كأنما تطوى له الأرض و يجدون في لحاقه و هو غير مكترث و كان يسدل شعر رأسه ثم فرقه و كان يرجله و يسرح لحيته و يكتحل بالإثمد كل ليلة في كل عين ثلاثة أطراف عند النوم

و كان أحب الثياب إليه القميص والبياض و الحبرة وهي ضرب من البرود فيه حمرة و كان كم قميصه صلى الله عليه و سلم إلى الرسغ و لبس في وقت حلة حمراء و إزارا و رداء و في وقت ثوبين أخضرين و في وقت جبة ضيقة الكمين و في وقت قباء وفي وقت عمامة سوداء و أرخى طرفها بين كتفيه و في وقت مرطا أسود أي كساء و لبس الخاتم و الخف و النعل

انتهى ما ذكره .

قلت: وهذه بعض الأحاديث التي تبين صفاته صلى الله عليه وسلم  الظاهره وتؤيد معظم ما ذكره النووي:

 

روى البخاري عن رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلَا آدَمَ لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلَا سَبْطٍ رَجِلٍ أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ قَالَ رَبِيعَةُ فَرَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ فَسَأَلْتُ فَقِيلَ احْمَرَّ مِنْ الطِّيبِ([1883]).. ورواه مسلم والترمذي

وروى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ([1884])

وروى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ قَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ إِلَى مَنْكِبَيْهِ([1885])

 

وروى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سُئِلَ الْبَرَاءُ أَكَانَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لَا ، بَلْ مِثْلَ الْقَمَر"([1886])

ِوروى عن شعبة عَنْ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالهَاجِرَةِ إِلَى البَطْحَاءِ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ» قَالَ شُعْبَةُ: وَزَادَ فِيهِ عَوْنٌ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: «كَانَ يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا المَرْأَةُ، وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ، قَالَ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ المِسْكِ» "([1887])

وروى عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ ،أَوْ عَرْفًا قَطُّ، أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "([1888])

وروى عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ قَالَ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنْ السُّرُورِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ"([1889])

وروى عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الْيَدَيْنِ لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَكَانَ شَعَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجِلًا لَا جَعْدَ وَلَا سَبِطَ"([1890])

 

وروى عن قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَوْ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الْقَدَمَيْنِ حَسَنَ الْوَجْهِ لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ"([1891]) وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَثْنَ الْقَدَمَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ"([1892]) وَقَالَ أَبُو هِلَالٍ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَوْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ" كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ لَمْ أَرَ بَعْدَهُ شَبَهًا لَهُ"([1893])

 

روى مسلم روى عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَلِيعَ الْفَمِ، أَشْكَلَ الْعَيْنِ مَنْهُوسَ الْعَقِبَيْنِ» قَالَ: قُلْتُ لِسِمَاكٍ: مَا ضَلِيعُ الْفَمِ؟ قَالَ: «عَظِيمُ الْفَمِ» ، قَالَ قُلْتُ: مَا أَشْكَلُ الْعَيْنِ؟ قَالَ: «طَوِيلُ شَقِّ الْعَيْنِ» ، قَالَ: قُلْتُ: مَا مَنْهُوسُ الْعَقِبِ؟ قَالَ: «قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ»"[1894].

 

وروى مسلم عَنِ الْجُرَيْرِىِّ عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَمَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ رَجُلٌ رَآهُ غَيْرِى. قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: فَكَيْفَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا". [1895] .

 

روى الترمذي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّوِيلِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ ، ضَخْمُ الرَّأْسِ ، ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ ، طَوِيلُ الْمَسْرُبَةِ ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [1896].

روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ فَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ([1897])

روى الترمذي عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ ، وَكَانَ لَهُ شَعْرٌ فَوْقَ الْجُمَّةِ وَدُونَ الْوَفْرَةِ".([1898])

 

روى البخاري عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ شَعَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجِلًا، لَيْسَ بِالسَّبِطِ وَلَا الْجَعْدِ، بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ"([1899]) .

 

روى الترمذي في الشمائل عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، قَالَتْ : كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمِيصُ. ([1900])

وروى، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهُ الْحِبَرَةُ". ([1901])

 

وروى عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَرِيقِ سَاقَيْهِ. قَالَ سُفْيَانُ : أُرَاهَا حِبَرَةً. ([1902])

وروى عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِنْ كَانَتْ جُمَّتُهُ لَتَضْرِبُ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْه "ِ([1903]).

 

وروى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ عِمَامَةً أَوْ قَمِيصًا أَوْ رِدَاءً ، ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا كَسَوْتَنِيهِ ، أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ. ([1904])

 

وروى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَيْكُمْ بِالْبَيَاضِ مِنَ الثِّيَابِ لِيَلْبِسْهَا أَحْيَاؤُكُمْ ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ " ([1905]).

 

وروى عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ" ([1906])

وروى عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مِنْ شَعَرٍ أَسْودَ. ([1907])

وروى عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ جُبَّةً رُومِيَّةً ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ . ([1908])

*بَابُ مَا جَاءَ فِي نَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال الترمذي في الشمائل عن قَتَادَةَ قَالَ : قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : كَيْفَ كَانَ نَعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : لَهُمَا قِبَالاَنِ"([1909])  .

وروى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ لِنَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَالاَنِ مَثْنِيٌّ شِرَاكَهُمَا" ([1910]).

وروى عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ ، أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عُمَرَ : رَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ ، قَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ ، وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا"([1911]) .

 

* بَابُ مَا جَاءَ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ.

وروى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ فِي يَمِينِهِ ([1912]).

 

ومن الأحاديث الضعيفة

وروى الترمذي في الشمائل عن إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : كَانَ عَلِيٌّ إِذَا وَصَفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ ، وَلاَ بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ ، وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ ، لَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ ، وَلاَ بِالسَّبْطِ ، كَانَ جَعْدًا رَجِلاً ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ وَلاَ بِالْمُكَلْثَمِ ، وَكَانَ فِي وَجْهِهِ تَدْوِيرٌ أَبْيَضُ مُشَرَبٌ ، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ ، أَهْدَبُ الأَشْفَارِ ، جَلِيلُ الْمُشَاشِ وَالْكَتَدِ ، أَجْرَدُ ذُو مَسْرُبَةٍ ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ فِي صَبَبٍ ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ ، وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ، أَجْوَدُ النَّاسِ صَدْرًا ، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً ، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً ، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً ، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ ، يَقُولُ نَاعِتُهُ : لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ أَبُو عِيسَى : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ يَقُولُ : سَمِعْتُ الأَصْمَعِيَّ يَقُولُ فِي تَفْسِيرِ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

الْمُمَّغِطُ : الذَّاهِبُ طُولاً . وَقَالَ : سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ فِي كَلاَمِهِ : تَمَغَّطَ فِي نَشَّابَتِهِ أَيْ مَدَّهَا مَدًّا شَدِيدًا .

وَالْمُتَرَدِّدُ : الدَّاخِلُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ قِصَرًا .

وَأَمَّا الْقَطَطُ : فَالشَّدِيدُ الْجُعُودَةِ . وَالرَّجُلُ الَّذِي فِي شَعْرِهِ حُجُونَةٌ : أَيْ تَثَنٍّ قَلِيلٌ .

وَأَمَّا الْمُطَهَّمُ فَالْبَادِنُ الْكَثِيرُ اللَّحْمِ .

وَالْمُكَلْثَمُ : الْمُدَوَّرُ الْوَجْهِ .

وَالْمُشَرَبُ : الَّذِي فِي بَيَاضِهِ حُمْرَةٌ .

وَالأَدْعَجُ : الشَّدِيدُ سَوَادِ الْعَيْنِ .

وَالأَهْدَبُ : الطَّوِيلُ الأَشْفَارِ.

َالْكَتَدُ : مُجْتَمِعُ الْكَتِفَيْنِ وَهُوَ الْكَاهِلُ .

وَالْمَسْرُبَةُ : هُوَ الشَّعْرُ الدَّقِيقُ الَّذِي كَأَنَّهُ قَضِيبٌ مِنَ الصَّدْرِ إِلَى السُّرَّةِ.

وَالشَّثْنُ : الْغَلِيظُ الأَصَابِعِ مِنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ .

وَالتَّقَلُّعُ : أَنْ يَمْشِيَ بِقُوَّةٍ.

وَالصَّبَبُ الْحُدُورُ ، نَقُولُ : انْحَدَرْنَا فِي صَبُوبٍ وَصَبَبٍ .

وَقَوْلُهُ : جَلِيلُ الْمُشَاشِ يُرِيدُ رُءُوسَ الْمَنَاكِبِ.

وَالْعِشْرَةُ : الصُّحْبَةُ ، وَالْعَشِيرُ : الصَّاحِبُ.

وَالْبَدِيهَةُ : الْمُفَاجَأَةُ ، يُقَالُ : بَدَهْتُهُ بِأَمْرٍ أَيْ فَجَأْتُهُ" [1913].

 

وروى الترمذي في الشمائل  عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ : سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ ، وَكَانَ وَصَّافًا ، عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ ، فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخْمًا مُفَخَّمًا ، يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، أَطْوَلُ مِنَ الْمَرْبُوعِ ، وَأَقْصَرُ مِنَ الْمُشَذَّبِ ، عَظِيمُ الْهَامَةِ ، رَجِلُ الشَّعْرِ ، إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرَّقَهَا ، وَإِلَّا فَلاَ يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وَفَّرَهُ ، أَزْهَرُ اللَّوْنِ ، وَاسِعُ الْجَبِينِ ، أَزَجُّ الْحَوَاجِبِ سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ ، أَقْنَى الْعِرْنَيْنِ ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ ، يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ ، كَثُّ اللِّحْيَةِ ، سَهْلُ الْخدَّيْنِ ، ضَلِيعُ الْفَمِ ، مُفْلَجُ الأَسْنَانِ ، دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ ، كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ ، مُعْتَدِلُ الْخَلْقِ ، بَادِنٌ مُتَمَاسِكٌ ، سَوَاءُ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ ، عَرِيضُ الصَّدْرِ ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ، ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ ، أَنْوَرُ الْمُتَجَرَّدِ ، مَوْصُولُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ ، عَارِي الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ ، أَشْعَرُ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِي الصَّدْرِ ، طَوِيلُ الزَّنْدَيْنِ ، رَحْبُ الرَّاحَةِ ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ ، سَائِلُ الأَطْرَافِ - أَوْ قَالَ : شَائِلُ الأَطْرَافِ - خَمْصَانُ الأَخْمَصَيْنِ ، مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ ، يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ ، إِذَا زَالَ زَالَ قَلِعًا ، يَخْطُو تَكَفِّيًا ، وَيَمْشِي هَوْنًا ، ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ ، إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا ، خَافِضُ الطَّرْفِ ، نَظَرُهُ إِلَى الأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ، جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلاَحَظَةُ ، يَسُوقُ أَصْحَابَهُ وَيَبْدَأُ مَنْ لَقِيَ بِالسَّلاَمِ"[1914] .

وروى عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ : كَانَ كُمُّ قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرُّسْغِ ([1915]).

وروى عَنْ قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ قَالَتْ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ أَسْمَالُ مُلَيَّتَيْنِ كَانَتَا بِزَعْفَرَانٍ وَقَدْ نَفَضَتْه ُ.

وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ([1916]).

 

 

باب: أخلاقه الطاهرة

كان خلقه صلى الله عليه و سلم القرآن بمعنى أنه صلى الله عليه و سلم قد ألزم نفسه ألا يفعل إلا ما أمره به القرآن و لا يترك إلا ما نهاه عنه القرآن فصار امتثال أمر ربه خلقا له و سجية صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين و قد قال الله تعالى : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء:9]

وقد زكى الله تعالى خُلُقه بما لم يزك به أحدًا غيره فقد قال الله سبحانه : {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ*وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }[القلم:1-4] وقال تعالى عنه صلى الله عليه و سلم : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران : 159]

وقال الله تعالى:{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:128]

فكانت أخلاقه صلى الله عليه و سلم أشرف الأخلاق و أكرمها و أبرها وأعظمها:

فكان أشجع الناس و أشجع ما يكون عند شدة الحروب وقد سبق بيان ذلك في كتاب المغازي.

و كان أكرم الناس و أكرم ما يكون في رمضان

و كان أعلم الخلق بالله و أفصح الخلق نطقًا و أنصح الخلق للخلق و أحلم الناس

و كان صلى الله عليه و سلم أشد الناس تواضعًا في وقار صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين.

و كان أشد حياء من العذراء في خدرها و مع ذلك فأشد الناس بأسًا في أمر الله و هكذا مدح الله عز و جل أصحابه حيث قال تبارك و تعالى : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الفتح:29]

* وإليك شيئًا من أخلاقه الزاكية مما جاء في الأحاديث:

 

روى أحمد عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرِينِي بِخُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ :كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:{ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }([1917])

 

روى الترمذي في الشمائل عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ ، وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَهُ وَلاَ لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ لِمَ تَرَكْتَهُ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا ، وَلاَ مَسَسْتُ خَزًّا وَلاَ حَرِيرًا وَلاَ شَيْئًا كَانَ أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلاَ شَمَمْتُ مِسْكًا قَطُّ وَلاَ عِطْرًا كَانَ أَطْيَبَ مِنْ عَرَقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ([1918])

وروى عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْبِلُ بِوَجْهِهِ وَحَدِيثِهِ عَلَى أَشَرِّ الْقَوْمِ يَتَأَلَّفُهُمْ بِذَلِكَ فَكَانَ يُقْبِلُ بِوَجْهِهِ وَحَدِيثِهِ عَلَيَّ ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي خَيْرُ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَا خَيْرٌ أَوْ أَبُو بَكْرٍ ؟ قَالَ : أَبُو بَكْرٍ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَا خَيْرٌ أَوْ عُمَرُ ؟ فَقَالَ : عُمَرُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَا خَيْرٌ أَوْ عُثْمَانُ ؟ قَالَ : عُثْمَانُ ، فَلَمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَدَقَنِي فَلَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ سَأَلْتُهُ" ([1919]).

 

وروى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ بِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ قَالَ : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يكَادُ يُواجِهُ أَحَدًا بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ ، فَلَمَّا قَامَ قَالَ لِلْقَوْمِ : لَوْ قُلْتُمْ لَهُ يَدَعُ هَذِهِ الصُّفْرَةَ "([1920]).

347- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ وَاسْمُهُ عَبْدُ بْنُ عَبْدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا قَالَتْ : لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا وَلاَ صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ ، وَلاَ يَجْزِىءُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ. ([1921])

 

روى أحمد عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :

مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَادِمًا لَهُ قَطُّ، وَلَا امْرَأَةً لَهُ قَطُّ ، وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَانْتَقَمَهُ مِنْ صَاحِبِهِ ، إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا عُرِضَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ إِلَّا أَخَذَ بِأَيْسَرِهِمَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْثَمًا فَإِنْ كَانَ مَأْثَمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْه "[1922]ُ

روى الترمذي في الشمائل عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ : لاَ ) ([1923]).

وروى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، حَتَّى يَنْسَلِخَ فَيَأْتِيهِ جِبْرِيلُ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ([1924]).

وروى ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ"([1925]).

 

وروى عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا " ([1926]).

 

وروى عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ ، قَالَتْ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِنَاعٍ مِنْ رُطَبٍ، وَأَجْرٍ زُغْبٍ، فَأَعْطَانِي مِلْءَ كَفِّهِ حُلِيًّا وَذَهَبًا"([1927]) .

ومما جاء في حلمه صلى الله عليه وسلم

روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ"([1928]).

وروى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ، فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ، قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ:  فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ !رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ"([1929])

وروى عن جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ النَّاسُ مُقْبِلًا مِنْ حُنَيْنٍ عَلِقَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:  أَعْطُونِي رِدَائِي ، فَلَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ، ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا كَذُوبًا وَلَا جَبَانًا "([1930]) .

 

وممَا جَاءَ فِي تَوَاضُعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

روى الترمذي في الشمائل عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا : عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ"([1931]).

 

وروى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ لَهُ : إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ، فَقَالَ : اجْلِسِي فِي أَيِّ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ شِئْتِ أَجْلِسْ إِلَيْكِ"([1932]).

وروى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْعَى إِلَى خُبْزِ الشَّعِيرِ وَالإِهَالَةِ السَّنِخَةِ فَيُجِيبُ. وَلَقَدْ كَانَ لَهُ دِرْعٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ فَمَا وَجَدَ مَا يَفُكُّهَا حَتَّى مَاتَ"([1933]).

 

وروى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ وَعَلَيْهِ قَطِيفَةٌ لاَ تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا لاَ رِيَاءَ فِيهِ وَلاَ سُمْعَةَ([1934]).

وروى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلتُ ، وَلوْ دُعِيتُ عَلَيْهِ لَأَجَبْتُ". ([1935])

وروى عَنْ عَمْرَةَ ، قَالَتْ : قِيلَ لِعَائِشَةَ : مَاذَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ : كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ ، يَفْلِي ثَوْبَهُ ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ. ([1936])

وروى أبو داود والبخاري في الأدب المفرد عن قَيْلَةُ ري الله عنها قَالَتْ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا الْقُرْفُصَاءَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ النَّبِيَّ الْمُتَخَشِّعَ فِي الْجِلْسَةِ أُرْعِدْتُ مِنَ الْفَرَقِ " [1937]

 

وروى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُ الْمَرِيضَ ، وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْعَبْدِ ، وَكَانَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى حِمَارٍ مَخْطُومٍ بَحَبْلٍ مِنْ لِيفٍ وَعَلَيْهِ إِكَافٌ مِنْ لِيفٍ. ([1938]) [وضعفه الألباني برقم286 ]

 

و قد ورد في السيرة-كما سبق- أنه صلى الله عليه و سلم لما دخل مكة يوم الفتح جعل يطأطئ رأسه من التواضع. صلى الله عليه و سلم صلاة دائمة إلى يوم الدين و سلم تسليما كثيرًا.

 

وممَا جَاءَ فِي حَيَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وروى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذرَاءِ فِي خِدْرِهَا ، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِه([1939]) ِ.

وروى حديثا ضعيفا عَنْ مَوْلًى لِعَائِشَةَ قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ : مَا نَظَرْتُ إِلَى فَرْجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ"([1940]).

 

باب : زوجاته صلى الله عليه وسلم ([1941]).

1- أول زوجاته صلى الله عليه و سلم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فكانت وزير صدق له لما بعث و هي أول من آمن به على الصحيح.و لم يتزوج في حياتها بسواها لجلالها و عظم محلها عنده –كما تقدم-و اختلف أهل العلم أيهما أفضل: هي أو عائشة رضي الله عنهما ؟ فرجح فضل خديجة جماعة من العلماء و قد ماتت قبل الهجرة رضي الله عنها .

2- ثم تزوج سودة بنت زمعة القرشية العامرية بعد موت خديجة بمكة و دخل بها هناك ثم لما كبرت أراد صلى الله عليه و سلم طلاقها فصالحته على أن وهبت يومها لعائشة و قيل : له فجعله لعائشة و فيها نزل قوله تعالى : { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا } [الآية:128 من سورة النساء] و توفيت في آخر أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

3- ثم تزوج عائشة ، و قيل : تزوج عائشة قبل سودة و لكنه لم يبن بها إلا في شوال من السنة الثانية من الهجرة و لم يتزوج بكرًا سواها ، و لم يأته الوحي في لحاف امرأة من نسائه سواها ، و لم يحب أحد من النساء مثلها و قد كانت لها مآثر و خصائص ذكرت في القرآن و السنة و لا يعلم في هذه الأمة امرأة بلغت من العلم مبلغها و توفيت سنة سبع -و قيل:ثمان - و خمسين.

 

4-  ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،وذلك في السنة الثالثة من الهجرة وأمها زينب بنت مظعون وكانت قبل أن يتزوجها النبي صلى الله عليه و سلم عند خنيس بن حذافة وكان ممن شهد بدرًا وأحدًَا ومات بالمدينة فانقضت عدتها فعرضها عمر على أبي بكر فسكت فعرضها على عثمان حين ماتت رقية  بنت النبي صلى الله عليه و سلم فقال ما أريد أن أتزوج اليوم فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يتزوج حفصة من هو خير من عثمان ويتزوج عثمان من هو خير من حفصة.

روى ابن سعد عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ لَقِيَ عُمَرُ عُثْمَانَ فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ عُثْمَانُ: مَا لِي فِي النِّسَاءِ حَاجَةٌ. فَلَقِيَ أَبَا بَكْرٍ فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ فَسَكَتَ. فَغَضِبَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ. فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ قَدْ خَطَبَهَا فَتَزَوَّجَهَا. فَلَقِيَ عُمَرُ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: إِنِّي عَرَضْتُ عَلَى عُثْمَانَ ابْنَتِي فَرَدَّنِي وَعَرَضْتُ عَلَيْكَ فَسَكَتَّ. فَلأَنَا كُنْتُ أَشَدَّ غَضَبًا حِينَ سَكَتَّ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ وَقَدْ ردني. فقال أَبُو بَكْرٍ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ مِنْهَا شَيْئًا وَكَانَ سِرًّا فَكَرِهْتُ أَنْ أُفْشِيَ السِّرَّ" ([1942]) .

روى البخاري عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يُحَدِّثُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، قَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لاَ أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا، قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ «خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ» فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ، إِلَّا أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا" ([1943]) ..

وقال أبو عبيدة: تزوجها سنة اثنتين من الهجرة وقال غيره :سنة ثلاثا وهو الراجح لأن زوجها قتل بأحد سنة ثلاثٍ . وقد طلقها صلى الله عليه و سلم ثم راجعها و توفيت سنة إحدى و أربعين و قيل : و خمسين و قيل : سنة خمس و أربعين .

 

5- ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن عبد الله بن عمر بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية وكانت يقال لها أم المساكين لأنها كانت تطعمهم وتتصدق عليهم وكانت تحت عبد الله بن جحش فاستشهد بأحد فتزوجها النبي صلى الله عليه و سلم وقيل كانت تحت الطفيل بن الحارث بن المطلب ثم خلف عليها أخوه عبيدة بن الحارث وكانت أخت ميمونة بنت الحارث لأمها وكان دخوله صلى الله عليه و سلم بها بعد دخوله على حفصة بنت عمر ثم توفيت ولم تلبث عنده إلا شهرين أو ثلاثة .

 

6- ثم أم سلمة و اسمها هند بنت أبي أمية ـ و اسمه حذيفة ، و يقال : سهيل- بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية بعد وفاة زوجها أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن مخزوم مرجعه من بدر فلما انقضت عدتها أرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليخطبها له صلى الله عليه وسلم  . و هذا يقتضي أن ذلك أول السنة الثالثة و قد كان و لي عقدها ابنها عمر بن أبي سلمة كما رواه أحمد و وابن حبان-واللفظ له- وغيرهما. عن ابن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَلْيَقُلْ إِنَّا لِلَّهِ وَأَنَا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِي فَأْجُرْنِي فِيهَا وَأَبْدِلْنِي بِهَا خَيْرًا مِنْهَا" فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُهَا فَجَعَلْتُ كُلَّمَا بَلَغْتُ: "أَبْدَلَنِي خَيْرًا مِنْهَا" قُلْتُ فِي نَفْسِي: وَمَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعَثَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ يَخْطُبُهَا فَلَمْ تَزَوَّجْهُ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهَا عُمَرُ يَخْطُبُهَا فَلَمْ تَزَوَّجْهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَخْطُبُهَا عَلَيْهِ، قَالَتْ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي امْرَأَةٌ غَيْرَى وَأَنِّي امْرَأَةٌ مُصْبِيَةٌ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي شَاهِدًا فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: "ارْجِعْ إِلَيْهَا فَقُلْ لَهَا أَمَّا قَوْلُكِ إِنِّي امْرَأَةٌ غَيْرَى فَأُسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَ غَيْرَتَكِ وَأَمَّا قَوْلُكِ إِنِّي امْرَأَةٌ مُصْبِيَةٌ فَتُكْفَينَ صِبْيَانَكِ وَأَمَّا قَوْلُكِ إِنَّهُ لَيْسَ أحد من أوليائك شاهد، فليس من أوليائك شاهد ولا غائب يَكْرَهُ ذَلِكَ" فَقَالَتْ لِابْنِهَا: يَا عُمَرُ قُمْ فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَوَّجَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِيهَا لِيَدْخُلَ بِهَا فَإِذَا رَأَتْهُ أَخَذَتِ ابْنَتَهَا زَيْنَبَ فَجَعَلْتُهَا فِي حِجْرِهَا، فَيَنْقَلِبُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلِمَ بِذَلِكَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَكَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ([1944])، فجاء إليها فقال: أين هَذِهِ الْمَقْبُوحَةُ الَّتِي قَدْ آذَيْتِ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَهَا فَذَهَبَ بِهَا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَجَعَلَ يَضْرِبُ بِبَصَرِهِ فِي جَوَانِبِ الْبَيْتِ وَقَالَ: مَا فَعَلَتْ زَيْنَبُ؟ قَالَتْ: جَاءَ عَمَّارٌ فَأَخَذَهَا فَذَهَبَ بِهَا, فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: "إني لا أنقصك مما أعطيت فلانة رحائين وَجَرَّتَيْنِ وَمِرْفَقَةً- حَشْوُهَا لِيفٌ", وَقَالَ: "إِنْ سَبَّعْتُ لك سبعت لنسائي"([1945])

قال الواقدي : توفيت سنة تسع وخمسين و قال غيره: في خلافة يزيد بن معاوية سنة اثنتين و ستين.

7- ثم تزوج زينب بنت جحش في سنة خمس من ذي القعدة - و قيل : سنة ثلاث و هو ضعيف- و في صبيحة عرسها نزل الحجاب كما أخرجاه في الصحيحين عن أنس و أنه حجبها حينئذ و قد كان عمر أنس لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة عشرًا فدل على أنه كان قد استكمل خمس عشرة سنة و الله أعلم و قد كان وليها الله سبحانه و تعالى دون الناس قال الله تعالى : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا }[الأحزاب:37]. و كانت تفخر على نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم و تقول : زوجكن أهاليكن و زوجني الله في السماء.كما روى البخاري في صحيحه بسند ثلاثي فقال:حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه – يَقُولُ: نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ فِى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَأَطْعَمَ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ خُبْزًا وَلَحْمًا وَكَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ أَنْكَحَنِى فِى السَّمَاءِ"([1946]) .وروى أيضًا عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو فَجَعَلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « اتَّقِ اللَّهَ ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ » . قَالَتْ عَائِشَةُ لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ . قَالَ فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - تَقُولُ زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ ، وَزَوَّجَنِى اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ "([1947]) .

و كانت أول أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم وفاةً بعده، كما روى مسلم وغيره عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا» قَالَتْ: فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا، قَالَتْ: فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ، لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ"([1948])

قال الواقدي : توفيت سنة عشرين و صلى عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

8- ثم تزوج جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية و ذلك أنه لما غزا قومها في سنة ست بالماء الذي يقال له : المريسيع وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس و كاتبها فجاءت رسول الله صلى الله عليه و سلم تستعينه في كتابتها فاشتراها وأعتقها و تزوجها . كما سبق بيانه في غزوة المريسيع،وقيل : إنها توفيت سنة خمسين و قال الواقدي : سنة ست و خمسين.

9- ثم تزوج صفية بنت حيي بن أخطب الإسرائيلية الهارونية النضرية ثم الخيبرية رضي الله تعالى عنها و ذلك أنه صلى الله عليه و سلم اصطفاها من مغانم خيبر و قد كانت في أوائل سنة سبع فأعتقها و جعل ذلك صداقها فلما حلت في أثناء الطريق بنى بها، و حجبها، فعلموا أنها من أمهات المؤمنين قال الواقدي : توفيت سنة خمسين و قال غيره : سنة ست و ثلاثين و الله أعلم.

 

10- و في هذه السنة و قيل : في التي قبلها ـ سنة ست ـ تزوج أم حبيبة و اسمها رملة بنت أبي سفيان: صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموية خطبها عليه عمرو بن أمية الضمري و كانت بالحبشة و ذلك حين توفي عنها زوجها عبيد الله بن جحش فولي عقدها منه خالد بن سعيد بن العاص- و قيل : النجاشي- و الصحيح الأول و لكن أمهرها النجاشي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعمائة دينار و جهزها و أرسل بها إليه رضي الله عنه.

 

فأما ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عكرمة بن عمار اليماني  عن أبي زميل :سماك بن الوليد عن ابن عباس أن أبا سفيان لما أسلم قال في حديث لرسول الله صلى الله عليه و سلم : عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكما([1949])...الحديث.فقد وجهه العلماء بأكثر من وجه.

قال ابن كثير: فقد استغرب  ذلك من مسلم رحمه الله كيف لم يتنبه لهذا ؟ لأن أبا سفيان إنما أسلم ليلة الفتح و قد كانت بعد تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم أم حبيبة بسنة و أكثر وهذا مما لا خلاف فيه و قد أشكل هذا على كثير من العلماء : فأما ابن حزم فزعم أنه موضوع و ضعف عكرمة بن عمار و لم يقل هذا أحد قبله و لا بعده و أما محمد بن طاهر المقدسي فقال : أراد أبو سفيان أن يجدد العقد لئلا يكون تزوجها بغير إذنه غضاضة عليه أو أنه توهم أن بإسلامه ينفسخ نكاح ابنته و تبعه على هذا أبو عمرو بن الصلاح و أبو زكريا النووي في شرح مسلم و هذا بعيد جدا فإنه لو كان كذلك لم يقل : عندي أحسن العرب و أجمله إذ رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم منذ سنة فأكثر و توهم فسخ نكاحها بإسلامه بعيد جدًا و الصحيح في هذا أن أبا سفيان لما رأى صهر رسول الله صلى الله عليه و سلم شرفا أحب أن يزوجه ابنته الأخرى وهي عزة و استعان على ذلك بأختها أم حبيبة كما أخرجا في الصحيحين  عن أم حبيبة أنها قالت : يا رسول الله انكح أختي بنت أبي سفيان قال : أوتحبين ذلك ؟ قالت : نعم ...الحديث. و في صحيح مسلم أنها قالت : يا رسول الله انكح أختي عزة بنت أبي سفيان ...الحديث. و على هذا فيصح الحديث الأول و يكون قد وقع الوهم من بعض الرواة في قوله : و عندي أحسن العرب و أجمله : أم حبيبة و إنما قال : عزة فاشتبه على الراوي أو أنه قال الشيخ : يعني ابنته فتوهم السامع أنها أم حبيبة إذ لم يعرف سواها و لهذا النوع من الغلط شواهد كثيرة قد أفردت سرد ذلك في جزء مفرد لهذا الحديث و لله الحمد و المنة .أهـ([1950]).

و توفيت أم حبيبة رضي الله عنها سنة أربع و أربعين فيما قاله أبو عبيد و قال أبو بكر بن أبي خيثمة : سنة تسع و خمسين قبل أخيها معاوية بسنة .

11- ثم تزوج في ذي القعدة من هذه السنة ميمونة بنت الحارث الهلالية و اختلف هل كان محرمًا أو لا ؟ فأخرج صاحبا الصحيح عن ابن عباس أنه كان محرمًا

فقد روى مسلم عن أبي الشعثاء أن ابن عباس أخبره ( أن النبي صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة وهو محرم ) زاد ابن نمير فحدثت به الزهري فقال: أخبرني يزيد بن الأصم:" أنه نكحها وهو حلال" ([1951]) .

فقيل : كان ذلك من خصائصه صلى الله عليه و سلم لما رواه مسلم عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ يَحْضُرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَمِيرُ الْحَجِّ فَقَالَ أَبَانٌ سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ وَلاَ يَخْطُبُ »([1952]).

و اعتمد أبو حنيفة على الأول و حمل حديث عثمان على الكراهة، و قيل : بل كان حلالاً،وهو الراجح، كما رواه مسلم عن ميمونة أنها قالت : تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو حلال و بنى بها و هو حلال([1953]) . و قد قدم جمهور العلماء هذا الحديث على قول ابن عباس لأنها صاحبة القصة فهي أعلم و كذا أبو رافع أخبر بذلك كما رواه الترمذي عنه و قد كان هو السفير بينهما، و قد أجيب عن حديث ابن عباس بأجوبة ليس هذا موضعها.

و كان موتها سنة إحدى و خمسين و قيل سنة ثلاث و قيل : ست و ستين و ماتت بسرف حيث بنى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم منصرفه من عمرة القضاء و صلى عليها ابن أختها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

** فهؤلاء التسع -عدا خديجة وزينب بنت خزيمة - اللواتي جاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه و سلم مات عنهن". و في رواية في الصحيح أنه مات عن إحدى عشرة و الأول أصح و قد قال قتادة بن دعامة: أنه صلى الله عليه و سلم تزوج خمس عشرة امرأة فدخل بثلاث عشرة و جمع بين إحدى عشرة ومات عن تسع.. و قد روى الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي نحو هذا عن أنس في كتابه المختارة عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَجَ خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً وَدَخَلَ مِنْهُنَّ بِإِحْدَى عشرَة وَمَات عَن تسع"([1954])

وروى البخاري عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الوَاحِدَةِ، مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ» قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ أَوَكَانَ يُطِيقُهُ؟ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ «أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلاَثِينَ» وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، إِنَّ أَنَسًا، حَدَّثَهُمْ «تِسْعُ نِسْوَةٍ»([1955])

ورواه البخاري عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ «يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، فِي اللَّيْلَةِ الوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ»([1956]).

وروى الشافعي والحميدي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَضَ عَنْ تِسْعِ نِسْوَةٍ، وَكَانَ يَقْسِمُ بَيْنَهُنَّ لِثَمَانٍ "([1957])..والتي لم يقسم لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي سودة بنت زمعة كما في رواية للنسائي من طريق آخر عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ يُصِيبُهُنَّ إِلَّا سَوْدَةَ، فَإِنَّهَا وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ»([1958])

وروى البيهقي في الدلائل عن سَعِيدٌ عن قَتَادَةَ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً، وَدَخَلَ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ وَقُبِضَ عَنْ تِسْعٍ، فَأَمَّا اثْنَتَانِ مِنْهُنَّ فَأَفْسَدَهُمَا فَطَلَّقَهُمَا، وَذَاكَ أَنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ لِإِحْدَاهُمَا: إِذَا دَنَا مِنْكِ، فَتَمَنَّعِي. فَتَمَنَّعَتْ فَطَلَّقَهَا، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَلَمَّا مَاتَ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ قَالَتْ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا مَا مَاتَ ابْنُهُ فَطَلَّقَهَا، مِنْهُنَّ خَمْسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَحَفْصَةُ بِنْتِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، وَأُمُّ حبيبة بنت أبي سفيان، وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ، وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيَّةُ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّةُ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ الْخَيْبَرِيَّةُ.

قُبِضَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَؤُلَاءِ" ([1959]).

 

قال في سبل الهدى والرشاد:روى أبو طاهر المخلص عن طريق سيف بن عمر- وهو ضعيف جدا- عن قتادة: عن أنس وابن عباس- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تزوّج خمس عشرة امرأة، دخل بثلاث عشرة واجتمع عنده إحدى عشرة، وتوفّي عن تسع.

ورواه ابن عساكر عن طريق بحر بن كثير السّقّاء -وهو ضعيف جدًا - عن أنس، ورواه أيضا من طريق عثمان بن مقسم- وهو متروك- عن قتادة، وهو موقوف عليه. ورواه أيضاً ابن بحر عن عائشة وسمّى في هذا الطريق الثانية عشرة، والثالثة عشرة، فإن اللتين دخل بهما: أمّ شريك بنت جابر بن حكيم والنشاة بنت رفاعة، ولم أجد ذكرا في التجريد للذهبي ولا في الإصابة، واللتان تزوجهما ولم يدخل بهما عمرة بنت يزيد الغفاريّة والشنباء- بشين معجمة ونون- لم أجد لها ذكرًا.أهـ([1960])

** و قد كان له من السراري اثنتان و هما :

مارية بنت شمعون القبطية: أم إبراهيم ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، أهداها له المقوقس صاحب إسكندرية و مصر و معها أختها شيرين و خصيٌّ يقال له: مابور ، و بغلة يقال لها : الدلدل ، فوهب صلى الله عليه و سلم شيرين إلى حسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن و توفيت مارية في محرم سنة ست عشرة و كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحشر الناس لجنازتها بنفسه و صلى عليها و دفنها بالبقيع رضي الله عنها.

و أما الثانية فريحانة بنت عمرو و قيل : بنت زيد اصطفاها من بني قريظة و تسرى بها و يقال : إنه تزوجها و قيل : بل تسرى بها ثم أعتقها فلحقت بأهلها و ذكر البعض أنه تسرى أمتين أخريين و الله تعالى أعلم.

 

 

باب:أولاده صلى الله عليه و سلم

تقدم ذكر أعمامه و عماته عند ذكر نسبه المطهر صلى الله عليه و سلم

فأما أولاده فذكورهم وإناثهم من خديجة بنت خويلد رضي الله عنها إلا إبراهيم فمن مارية القبطية و هم: القاسم و به كان يكنى لأنه أكبر أولاده ثم زينب ثم رقية ثم أم كلثوم ثم فاطمة

ثم بعد النبوة : عبد الله و يقال له : الطيب والطاهر لأنه ولد في الإسلام و قيل : الطاهر غير الطيب .

روى البيهقي في الدلائل عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: وَلَدَتْ، خَدِيجَةُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةً، غُلَامَيْنِ وَأَرْبَعَ نِسْوَةٍ، وَلَدَتْ لَهُ فَاطِمَةَ، وَرُقَيَّةَ، وَزَيْنَبَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَالْقَاسِمَ، وَعَبْدَ اللهِ" ([1961])

وولده إبراهيم - من مارية- ولد بالمدينة في السنة الثامنة و توفي عن سنة و عشرة أشهر فلهذا ذكر النبي صلى الله عليه و سلم  أن له مرضعًا في الجنة فيما رواه أحمد والبخاري وغيرهما عن الْبَرَاءَ بن عازب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ ) ([1962])

وقد خسفت الشمس يوم موته فظن بعض الصحابة أن ذلك حدث لأجل موته فبين لهم النبي خطأ ذلك القول كما في الصحيحين  عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا، وَادْعُوا اللَّه" ([1963]).

وقد تزوجت زينب- وهي أكبر بنات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأبي العاص بن الربيع وأنجبت له أمامة  التي تزوجها علي بن أبي طالب بعد وفاة زوجته فاطمة (وهي وخالتها).

وتزوجت رقية بعثمان بن عفان وماتت قبيل عودة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوة بدر ،فزوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عثمان بعدها بابنته الأخرى أم كلثوم لذا لُقب عثمان بذي النورين.ولم يكن لهما ذرية

وتزوجت فاطمة بعلي بن أبي طالب وذلك فيما بعد غزوة بدر وقبل أحد.

روى البخاري عن عَلِيًّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ المَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الخُمُسِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِيَ، فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ الصَّوَّاغِينَ، وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي، فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِنَ الأَقْتَابِ، وَالغَرَائِرِ، وَالحِبَالِ، وَشَارِفَايَ مُنَاخَتَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، رَجَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ، فَإِذَا شَارِفَايَ قَدْ اجْتُبَّ أَسْنِمَتُهُمَا، وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ المَنْظَرَ مِنْهُمَا، فَقُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ فَقَالُوا: فَعَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ وَهُوَ فِي هَذَا البَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِي الَّذِي لَقِيتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَكَ؟» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ قَطُّ، عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ، فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ، فَارْتَدَى، ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ، فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنُوا لَهُمْ، فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ، «فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ» ، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ، مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي؟ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَقِبَيْهِ القَهْقَرَى، وَخَرَجْنَا مَعَهُ "([1964])

وروى أبو داود والنسائي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطِهَا شَيْئًا» ، قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، قَالَ: «أَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ؟»([1965])

وفي رواية للنسائي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عَلِيًّا، قَالَ: تَزَوَّجْتُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنِ بِي، قَالَ: «أَعْطِهَا شَيْئًا» قُلْتُ: مَا عِنْدِي مِنْ شَيْءٍ، قَالَ: «فَأَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ؟» قُلْتُ: هِيَ عِنْدِي، قَالَ: «فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ »([1966])

 

وَروى الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: خَطَبْتُ فَاطِمَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ مَوْلَاةٌ لِي: هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ فَاطِمَةَ قَدْ خُطِبَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَتْ: فَقَدْ خُطِبَتْ، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيُزَوِّجَكَ ؟ فَقُلْتُ: وَعِنْدِي شَيْءٌ أَتَزَوَّجُ بِهِ ؟، فَقَالَتْ: إِنَّكَ إِنْ جِئْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَوَّجَكَ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ تُرَجِّينِي حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا أَنْ قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ أُفْحِمْتُ، فَوَاللَّهِ مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ جَلَالَةً وَهَيْبَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا جَاءَ بِكَ، أَلِكَ حَاجَةٌ ؟ فَسَكَتُّ، فَقَالَ: لَعَلَّكَ جِئْتَ تَخْطُبُ فَاطِمَةَ . فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تَسْتَحِلُّهَا بِهِ. فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: مَا فَعَلَتْ دِرْعٌ سَلَّحْتُكَهَا ؟ - فَوَالَّذِي نَفْسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَحُطَمِيَّةٌ مَا قِيمَتُهَا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ - فَقُلْتُ: عِنْدِي. فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُكَهَا، فَابْعَثْ إِلَيْهَا بِهَا فَاسْتَحِلَّهَا بِهَا. فَإِنْ كَانَتْ لَصَدَاقَ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - }[1967] .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ لَعِلِيٍّ، حَسَنًا، وَحُسَيْنًا، وَمُحْسِنًا - مَاتَ صَغِيرًا- وَأُمَّ كُلْثُومٍ وَزَيْنَبَ([1968]).

وروى أحمد عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ " قَالَ: قُلْتُ: حَرْبًا. قَالَ: " بَلْ هُوَ حَسَنٌ " فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ " قَالَ: قُلْتُ حَرْبًا. قَالَ: " بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ " فَلَمَّا وُلِدَ الثَّالِثُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ " قُلْتُ: حَرْبًا. قَالَ: " بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ " ثُمَّ قَالَ: " سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ هَارُونَ شَبَّرُ، وَشَبِيرُ، وَمُشَبِّرٌ " ([1969])

و الحسن والحسين هما ريحانتا النبي صلى الله عليه وسلم وسيدا شباب أهل الجنة . وأم كلثوم هي التي تزوجها عمر بن الخطاب من أبيها علي رضي الله عنهما.

 

و كل أولاده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مات قبله إلا فاطمة رضي الله عنها لذلك فهي أعظمهم أجرًا فقد أصيبت بأعظم مصيبة – وهي موت النبي صلى الله عليه وسلم- وصبرت على ذلك،رضي الله عنها.  وقد توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، قيل : ستة أشهر على المشهور وقيل : ثمانية أشهر و قيل : سبعون يوما و قيل : خمسة و سبعون يوما وقيل : ثلاثة أشهر وقيل : مائة يوم و قيل : غير ذلك .

روى الترمذي والنسائي في الكبرى وغيرهما عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا وَدَلًّا وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ فِي قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَتْ: « وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا، فَلَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَتْ فَاطِمَةُ فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ فَقَبَّلَتْهُ ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا فَبَكَتْ، ثُمَّ أَكَبَّتْ عَلَيْهِ ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا فَضَحِكَتْ» ، فَقُلْتُ: " إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ مِنْ أَعْقَلِ نِسَائِنَا فَإِذَا هِيَ مِنَ النِّسَاءِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ حِينَ أَكْبَبْتِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعْتِ رَأْسَكِ فَبَكَيْتِ ثُمَّ أَكْبَبْتِ عَلَيْهِ فَرَفَعْتِ رَأْسَكِ فَضَحِكْتِ، مَا حَمَلَكِ عَلَى ذَلِكَ "؟ قَالَتْ: إِنِّي إِذًا لَبَذِرَةٌ، أَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَيِّتٌ مِنْ وَجَعِهِ هَذَا فَبَكَيْتُ، ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنِّي أَسْرَعُ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ فَذَاكَ حِينَ ضَحِكْتُ "([1970])

وهو في الصحيحين وغيرهما من طريق آخر عن عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَرْحَبًا بِابْنَتِي» ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ؟ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ، فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ: فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْتُهَا،فَقَالَتْ: أَسَرَّ إِلَيَّ: «إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي القُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي» . فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ، أَوْ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ» فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ"([1971])

وروى النسائي في الكبرى عن عائشة قالت : مَرِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ، فَأَكَبَّتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَّهَا، فَبَكَتْ، ثُمَّ أَكَبَّتْ عَلَيْهِ، فَسَارَّهَا، فَضَحِكَتْ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهَا فَقَالَتْ: «لَمَّا أَكْبَبْتِ عَلَيْهِ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَيِّتٌ مِنْ وَجَعِهِ ذَلِكَ، فَبَكَيْتُ، ثُمَّ أَكْبَبْتُ عَلَيْهِ، فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَسْرَعُ أَهْلِ بَيْتِي بِهِ لُحُوقًا، وَأَنِّي سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَضَحِكْتُ» ([1972])

 

و صلى عليها زوجها علي ، و قيل : أبو بكر - و هو قول ضعيف- و قد ورد في حديث أنها اغتسلت قبل موتها بيسير و أوصت ألا تغسل بعد موتها و هو ضعيف و غريب جدًا ، و روي أن عليا و العباس و أسماء بنت عميس زوجة الصديق و سلمى أم رافع و هي قابلتها غسلوها وهذا هو الصحيح.

و لم يبق لرسول الله ذرية إلا من ولد فاطمة .

 

باب: ذكر مواليه صلى الله عليه و سلم

ذكرهم ابن كثير على حروف المعجم رضي الله عنهم أجمعين و ذلك حسبما أورده الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر في أول تاريخه و هم :

أحمر -و يكنى أبا عسيب- و أسود و أفلح و أنس و أيمن بن أم أيمن و باذام و ثوبان بن بجدد و ذكوان ـ و قيل : طهمان و قيل : كيسان و قيل : مروان و قيل : مهران ـ و رافع و رباح و رويفع و زيد بن حارثة و زيد جد هلال بن يسار و سابق و سالم و سعيد و سفينة و سلمان الفارسي و سليم ـ ويكنى بأبي كبشة ذكر فيمن شهد بدرا ـ و صالح  شقران و ضميرة بن أبي ضميرة و عبيد الله بن أسلم و عبيد و عبيد أيضا ـ و يكنى بأبي صفية ـ و فضالة اليماني و قصير و كركرة ـ بكسرهما و يقال : بفتحهما ـ و مابور القبطي و مدعم و ميمون و نافع و نبيل و هرمز و هشام و واقد و وردان و يسار [ نوبي ] و أبو أثيلة و أبو بكرة و أبو الحمراء و أبو رافع و أسمه أسلم ـ فيما قيل ـ و أبو عبيد

فهؤلاء الذين حررهم أبو زكريا النووي رحمه الله تعالى في أول كتابه تهذيب الأسماء و اللغات إلا أني رتبتهم على الحروف ليكون أسهل للكشف .

و أما إماؤه : فأمية و بركة ـ أم أيمن و هي أم أسامة بن زيد ـ و خضرة و رضوى و ريحانة و سلمة ـ و هي أم رافع امرأة أبي رافع ـ و شيرين و أختها مارية أم إبراهيم عليه السلام و ميمونة بنت سعد و أم ضميرة و أم عياش.

قال أبو زكريا رحمه الله تعالى : و لم يكن ملكه صلى الله عليه و سلم لهؤلاء في زمن واحد بل في أوقات متفرقة ([1973]).

باب: في خََدَمه صلى الله عليه و سلم

و قد التزم جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بخدمته كما كان عبد الله بن مسعود صاحب نعليه إذا قام ألبسه إياهما و إذا جلس جعلهما في ذراعيه حتى يقوم و كان المغيرة بن شعبة سيافا على رأسه وعقبة بن عامر صاحب بغلته يقود به في الأسفار و أنس بن مالك و ربيعة بن كعب و بلال و ذو مخبر و يقال : ذو مخمر ـ ابن أخي النجاشي ملك الحبشة و يقال : ابن أخته ـ و غيرهم

باب: كتاب الوحي له صلى الله عليه و سلم

أما كتاب الوحي : فقد كتب له أبو بكر و عمر و عثمان وعلي و الزبير و أبي بن كعب و زيد بن ثابت و معاوية بن أبي سفيان و محمد بن مسلمة و الأرقم بن أبي الأرقم و أبان بن سعيد بن العاص و أخوه خالد و ثابت بن قيس و حنظلة بن الربيع الأسيدي الكاتب و خالد بن الوليد و عبد الله بن الأرقم و عبد الله بن زيد بن عبد ربه و العلاء بن عتبة و المغيرة بن شعبة و شرحبيل بن حسنة و قد أورد ذلك الحافظ أبو القاسم في كتابه أتم إيراد و أسند ما أمكنه عن كل واحد من هؤلاء إلا شرحبيل بن حسنة و ذكر فيهم السجل كما رواه أبو داود و النسائي في الكبرى والطبراني في الكبير -واللفظ له- عن ابن عباس : في قوله {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}[الأنبياء: 104]قَالَ: «كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِبٌ يُدْعَى السِّجِلَّ "[1974]

و قد أنكر هذا الحديث الإمام أبو جعفر بن جرير في تفسيره وقال : ولا يعرف لنبينا صلى الله عليه وسلم كاتب كان اسمه السجلّ، ولا في الملائكة مَلَك ذلك اسمه. أهـ[1975].

قال ابن كثير: و قد أنكره أيضا غير واحد من الحفاظ و قد أفردت له جزءا و بينت طرقه و علله و من تكلم فيه من الأئمة و من ذهب منهم إلى أنه حديث موضوع و الله تعالى أعلم.أهـ[1976].

 

 

 

باب: المؤذنون

كان له صلى الله عليه و سلم مؤذنون أربعة : بلال بن رباح و عمرو بن أم مكتوم الأعمى ـ و قيل : اسمه عبد الله ـ و كانا في المدينة يتناوبان في الآذان، و سعد القرظ بقباء ، و أبو محذورة بمكة رضي الله عنهم.

في الصحيحين وغيرهما عَنْ ابن عمر، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ بِلاَلًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» ، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى، لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ" [1977].

روى أحمد عن السَّائِبِ، مَوْلَى أَبِي مَحْذُورَةَ، وُعَنْ أُمِّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، أَنَّهُمَا سَمِعَاهُ مِنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ أَبُو مَحْذُورَةَ: خَرَجْتُ فِي عَشَرَةِ فِتْيَانٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيْنَا، فَأَذَّنُوا فَقُمْنَا  نُؤَذِّنُ نَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائْتُونِي بِهَؤُلَاءِ الْفِتْيَانِ " فَقَالَ: " أَذِّنُوا " فَأَذَّنُوا فَكُنْتُ أَحَدَهُمْ،  فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَعَمْ، هَذَا الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ، اذْهَبْ فَأَذِّنْ لِأَهْلِ مَكَّةَ "، فَمَسَحَ - صلى الله عليه وسلم- عَلَى نَاصِيَتِهِ  وَقَالَ: " قُلْ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مَرَّتَيْنِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ ارْجِعْ، فَاشْهَدْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مَرَّتَيْنِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ مَرَّتَيْنِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَإِذَا أَذَّنْتَ بِالْأَوَّلِ مِنَ الصُّبْحِ فَقُلْ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَقُلْهَا ، مَرَّتَيْنِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، أَسَمِعْتَ؟ " قَالَ: وَكَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ لَا يَجُزُّ نَاصِيَتَهُ، وَلَا يُفَرِّقُهَا لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَيْهَا" [1978].

وروى  ابن أبي عاصم - في الآحاد والمثاني- عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ الْقَرَظُ، أَنَّ أَبَاهُ، وَعُمُومَتَهُ، أَخْبَرُوهُ: أَنَّ سَعْدًا الْقَرَظَ ، وَكَانَ مُؤَذِّنًا لِأَهْلِ قِبَاءَ فَانْتَقَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاتَّخَذَهُ مُؤَذِّنًا، أَنَّ السُّنَّةَ فِي الصَّلَاةِ الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِسَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَيُكَبِّرَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ "[1979].

باب: في ذكر نوقه وخيوله صلى الله عليه و سلم

و كان له صلى الله عليه و سلم من النوق : العضباء و الجدعاء و القصواء و روي عن محمد بن إبراهيم التيمي أنه قال : إنما كان له ناقة واحدة موصوفة بهذه الصفات الثلاث و هذا غريب جدا حكاه النووي و كان له من الخيل السكب ـ و كان أغر محجلا طلق اليمين و هو أول فرس غزا عليه ـ و سبحة و هو الذي سابق عليه و هو الذي اشتراه من الأعرابي و شهد فيه خزيمة بن ثابت و قال سهل بن سعد : كان له ثلاثة أفراس : لزاز و الظرب و اللخيف و قيل بالحاء المهملة و قيل النحيف فهذه ستة و سابعة وهي الورد أهداها له تميم الداري

و كانت له بغلة يقال لها الدلدل أهداها له المقوقس و حضر بها يوم حنين و قد عاشت بعده صلى الله عليه و سلم حتى كان يحسى لها الشعير لما سقطت أسنانها و كانت عند علي ثم بعده عند عبد الله بن جعفر.

و كان له حمار يقال له : عُفير - بالعين المهملة -

و قد ورد في شأن  عفير  هذا قصة مكذوبة تضحك الثكلى مفادها أنه كلم النبي صلى الله عليه و سلم و قال: إنه من نسل سبعين حمارا كل منها ركبه نبي و أنه كان يبعثه النبي صلى الله عليه و سلم في الحاجات إلى أصحابه كما ذكره السهيلي في الروض الأنف ، وورد أغرب منها عند الشيعة .وكل ذلك باطل لا أصل له ، و لا شك عند أهل العلم بهذا الشأن أنه موضوع

و كان له صلى الله عليه و سلم في وقت عشرون لقحة و مائة من الغنم. [1980].

باب:في سلاحه صلى الله عليه و سلم

و كان له من آلات الحرب : ثلاثة أرماح و ثلاث أقواس و ستة أسياف منها ذو الفقار تنفله يوم بدر و درع و ترس و خاتم و قدح غليظ من خشب و راية سوداء مربعة و لواء أبيض ، وقيل : أسود

باب:رسله إلى الملوك

 

في ذكر رسله إلى ملوك الآفاق أرسل صلى الله عليه و سلم .وفي صحيح مسلم عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَتَبَ إِلَى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِىِّ وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِىِّ الَّذِى صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم"([1981]).

وذكروا أنه أرسل عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي بكتاب فأسلم رضي الله عنه و نور ضريحه

و أرسل دحية بن خليفة الكلبي إلى هرقل عظيم الروم فقارب و كاد و لم يسلم .وقد سأل هرقل أبا سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن جاءته رسالته.وكان ذلك بعد الحديبية وقبل إسلام أبي سفيان

روى البخاري عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِى رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ - وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّأْمِ - فِى الْمُدَّةِ الَّتِى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِى مَجْلِسِهِ ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِى يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِىٌّ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا . فَقَالَ أَدْنُوهُ مِنِّى ، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ . ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُمْ إِنِّى سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ ، فَإِنْ كَذَبَنِى فَكَذِّبُوهُ . فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَىَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِى عَنْهُ أَنْ قَالَ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ . قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ قُلْتُ لاَ . قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ لاَ . قَالَ فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ . قَالَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ قُلْتُ بَلْ يَزِيدُونَ . قَالَ فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ قُلْتُ لاَ . قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ قُلْتُ لاَ . قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ قُلْتُ لاَ ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِى مُدَّةٍ لاَ نَدْرِى مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا . قَالَ وَلَمْ تُمْكِنِّى كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ . قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ قُلْتُ نَعَمْ . قَالَ فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ قُلْتُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ . قَالَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ قُلْتُ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ . فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ قُلْ لَهُ سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِى نَسَبِ قَوْمِهَا ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِى بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ ، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ ، وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ ، وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ ، وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ . فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَىَّ هَاتَيْنِ ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ ، فَلَوْ أَنِّى أَعْلَمُ أَنِّى أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ . ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِى بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى ، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ . سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّى أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ وَ ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا ، فَقُلْتُ لأَصْحَابِى حِينَ أُخْرِجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِى كَبْشَةَ ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِى الأَصْفَرِ . فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَىَّ الإِسْلاَمَ . وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ سُقُفًّا عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ ، يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ . قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِى النُّجُومِ ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ إِنِّى رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِى النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ قَالُوا لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلاَّ الْيَهُودُ فَلاَ يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ ، فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ . فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِىَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ ، يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لاَ . فَنَظَرُوا إِلَيْهِ ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْعَرَبِ فَقَالَ هُمْ يَخْتَتِنُونَ . فَقَالَ هِرَقْلُ هَذَا مَلِكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ . ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ ، وَكَانَ نَظِيرَهُ فِى الْعِلْمِ ، وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْىَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَّهُ نَبِىٌّ ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِى دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الرُّومِ ، هَلْ لَكُمْ فِى الْفَلاَحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِىَّ ، فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ ، وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ، قَالَ : رُدُّوهُمْ عَلَىَّ .

وَقَالَ: إِنِّى قُلْتُ مَقَالَتِى آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ ، فَقَدْ رَأَيْتُ . فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ" ([1982]).

و أرسل صلى الله عليه وسلم  عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك الفرس فتكبر و مزق كتابه صلى الله عليه و سلم فمزقه الله و ممالكه كل ممزق بدعوة رسول الله صلى الله عليه و سلم عليه بذلك.

روى ابن سعد َعن ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ. فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى. فَلَمَّا قَرَأَهُ خَرَقَهُ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَحَسِبْتُ أَنَّ الْمُسَيِّبَ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يمزقوا كل ممزق"([1983]).

 

و أرسل حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الإسكندرية و مصر فقارب ولم يذكر له إسلام و بعث الهدايا إليه صلى الله عليه و سلم و التحف ومن هداياه مارية أم إبراهيم .

و أرسل عمرو بن العاص إلى ملكي عمان فأسلما و خليا بين عمرو و الصدقة و الحكم بين الناس رضي الله عنهما

و سليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي باليمامة

و شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء من الشام

و المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث الحميري

و العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين فأسلم

و أرسل أبا موسى الأشعري و معاذ بن جبل كليهما إلى أهل اليمن فأسلم عامة ملوكهم و سوقتهم.كما تقدم .

وقدتقدم حديث التنوخي – في غزة تبوك-وفيه ذكر طرفًا من هذه الرسائل[1984]

 

و كان له خاتم يختم به رسائله إلى الملوك والأمراء وقد جَاءَ فِي ذِكْرِ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدة أحاديث.

منها ما أخرجه الترمذي في الشمائل عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهُمْ لاَ يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا بِخَاتَمٍ فَصَاغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا حَلْقَتُهُ فِضَّةٌ ، وَنُقِشَ فِيهِ : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ" ([1985]).

وروى أيضًا ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مُحَمَّدٌ سَطْرٌ ، وَرَسُولٌ سَطْرٌ ، وَاللَّهُ سَطْرٌ "([1986]) .

وروى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرِقٍ ، وَكَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا" ([1987]).

وروى عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ ، فَكَانَ يَخْتِمُ بِهِ وَلاَ يَلْبَسُهُ"([1988]). .

 

باب: خصائص رسول الله صلى الله عليه و سلم

 

وفيه نذكر شيئًا من خصائص رسول الله صلى الله عليه و سلم التي لم يشاركه فيها غيره

وهذه الخصائص على قسمين :

أحدهما : ما اختص به عن سائر إخوانه من الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين .

الثاني : ما اختص به دون أمته([1989]) .

 

القسم الأول : ما اختص به دون غيره من الأنبياء.

 

1- أنه صلى الله عليه و سلم نُصر بالرعب مسيرة شهر فكان إذا هم بغزو قوم أرهبوا منه قبل أن يقدم عليهم بشهر و لم يكن هذا لأحد سواه .

 

2- و جعلت له الأرض مسجدًا و طهورًا فأيما رجل من أمته أدركته الصلاة فليصل.فقد كان من قبله صلى الله عليه وسلم لا يجوز لهم الصلاة في بيوتهم أو أي مكان طاهر آخر من الأرض ، فلا يصلون إلا في البيوت المخصصة للصلاة كالبيع والصلوات والمساجد. ويوضح ذلك الحديث الآتي بعد في مسند  أحمد ،وكذلك  كان لا يجوز لهم التيمم .و إنما شرع له صلى الله عليه و سلم ذلك و لأمته توسعة و رحمة و تخفيفًا.

 

3- و أحلت له الغنائم فكان من قبله إذا غنموا شيئًا أخرجوا منه قسمًا فوضعوه ناحية فتنزل نار من السماء فتحرقه .

 

4- وهو صاحب الشفاعة العظمى التي خصه الله بها وحاد عنها أولو العزم من الرسل وهي المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون و الآخرون و المقام الذي يرغب إليه الخلق كلهم ليشفع لهم إلى ربهم ليفصل بينهم و يريحهم من مقام المحشر و هو المذكور في قول الله تعالى : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًامَحْمُودًا}[الإسراء:79].

روى البخاري عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ ، ثُمَّ بِمُوسَى ، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم  » . وَزَادَ عَبْدُ اللَّهِ بن صالح حَدَّثَنِى اللَّيْثُ حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى جَعْفَرٍ: « فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ ، فَيَمْشِى حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ ، فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا ، يَحْمَدُهُ أَهْلُ الْجَمْعِ كُلُّهُمْ »[1990]  .

 

وروى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِلَحْمٍ ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً ثُمَّ قَالَ: « أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ ؟ يُجْمَعُ النَّاسُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِى ، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلاَ يَحْتَمِلُونَ فَيَقُولُ النَّاسُ أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ عَلَيْكُمْ بِآدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ عليه السلام فَيَقُولُونَ لَهُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ . وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ، وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ آدَمُ إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنَّهُ نَهَانِى عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ ، نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى ، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ إِنَّ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِى دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِى نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى ، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ ، فَيَقُولُونَ يَا إِبْرَاهِيمُ ، أَنْتَ نَبِىُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ لَهُمْ إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنِّى قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ - فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِى الْحَدِيثِ - نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى ، فَيَأْتُونَ مُوسَى ، فَيَقُولُونَ :يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ، فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ عَلَى النَّاسِ ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنِّى قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا ، نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى ، فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ صَبِيًّا اشْفَعْ لَنَا أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ عِيسَى إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا - نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَأَنْطَلِقُ فَآتِى تَحْتَ الْعَرْشِ ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّى عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَىَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِى ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، سَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَرْفَعُ رَأْسِى ، فَأَقُولُ أُمَّتِى يَا رَبِّ ، أُمَّتِى يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ ، ثُمَّ قَالَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى » [1991]

 

5- ومن خصائصه أنه مبعوث للناس كافة وكان كل نبي قبله يبعث في قومه خاصة . وفي القرآن آيات كثيرة تدل على عموم رسالته إلى الثقلين ، وأمره الله تعالى أن ينذر جميع خلقه إنسهم و جنهم و عربهم و عجمهم فقام صلوات الله و سلامه عليه بما أمر و بلغ عن الله رسالته ، ومنها قول الله تعالى:{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}[الأعراف:158]وقال تعالى:{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[سبأ:28].وقال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[الأنعام:19]

وقال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1]

وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:107]

 

6- و أنه خاتم النبيين . قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}[الأحزاب:40]

 

ومن الأحاديث التي تدل على كل ما سبق مايلي:

روى البخاري عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْر ،ٍ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً،  وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَة )[1992]

 

وروى أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يُصَلِّي، فَاجْتَمَعَ وَرَاءَهُ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَحْرُسُونَهُ ، حَتَّى إِذَا صَلَّى وَانْصَرَفَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: ( لَقَدْ أُعْطِيتُ اللَّيْلَةَ خَمْسًا مَا أُعْطِيَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: أَمَّا أَنَا فَأُرْسِلْتُ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ عَامَّةً وَكَانَ مَنْ قَبْلِي إِنَّمَا يُرْسَلُ إِلَى قَوْمِهِ، وَنُصِرْتُ عَلَى الْعَدُوِّ بِالرُّعْبِ وَلَوْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ لَمُلِئَ مِنْهُ رُعْبًا، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ آكُلُهَا وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ أَكْلَهَا كَانُوا يُحْرِقُونَهَا ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسَاجِدَ وَطَهُورًا أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ، وَالْخَامِسَةُ :هِيَ مَا هِيَ قِيلَ لِي: سَلْ فَإِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَدْ سَأَلَ ، فَأَخَّرْتُ مَسْأَلَتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ لَكُمْ وَلِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) ([1993])

وروى مسلم  عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:

« فُضّلتُ على الأنبياء بسِتّ : أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ ، ونُصِرِْتُ بالرُّعْب ، وأُحِلّت ليَ الغنائمُ ، وجعلت لي الأرضُ طَهورا ومسجدا، وأُرسِلْتُ إِلى الخلق كَافَّة ، وخُتِمَ بيَ النَّبيُّونَ »[1994].

 

7- ومن خصائصه أنه أعطي جوامع الكلم وهو الكلام القليل الذي يحمل معان كثيرة . ويدل عليه الحديث السابق وغيره مما جاء في الأحاديث الصحيحة .

روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، فَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي )  قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا "([1995])

 

8- وهو أول من ينشق عنه القبر أو الأرض.

روى مسلم:عن أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ »([1996]).

9- وهو أول من يقرع باب الجنة وأول من يُفتح له بابها وأول من يدخلها.

روى مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « أَنَا أَكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ »([1997])  .

وروى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « آتِى بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ. فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لاَ أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ »([1998]) .

وروى أحمد عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنِّي لَأَوَّلُ النَّاسِ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْ جُمْجُمَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأُعْطَى لِوَاءَ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْر،َ وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَإِنِّي آتِي بَابَ الْجَنَّةِ فَآخُذُ بِحَلْقَتِهَا فَيَقُولُونَ :مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: أَنَا مُحَمَّدٌ ، فَيَفْتَحُونَ لِي فَأَدْخُلُ..) ([1999])

 

10- و من خصائصه أنه صاحب اللواء الأعظم يوم القيامة .

روى الترمذي عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَبِيَدِى لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلاَ فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِىٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلاَّ تَحْتَ لِوَائِى ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلاَ فَخْرَ » ([2000])

 

11- و من خصائصه على إخوانه من الأنبياء صلوات الله و سلامه عليه و عليهم أجمعين أنه :  سيدهم ،وسيد البشر أجمعين يوم القيامة كما في الحديث السابق وحديث الشفاعة.

 

12- و من خصائصه عليهم صلوات الله و سلامه عليه و عليهم أجمعين أنه  إمامهم وأفضلهم .لذا صلى بهم إمامًا ليلة الإسراء والمعراج.وقد سبق بيان ذلك .

 

13- و من خصائصه على إخوانه من الأنبياء صلوات الله و سلامه عليه و عليهم أجمعين أنه ما من نبي إلا وقد أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به و لينصرنه و أمر أن يأخذ على أمته الميثاق بذلك قال الله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ }[آل عمران:81] والمعنى: مهما آتيتكم من كتاب و حكمة ثم جاءكم رسول بعد هذا كله فعليكم الإيمان به ونصرته و إذا كان هذا الميثاق شاملا لكل منهم تضمن أخذه لمحمد صلى الله عليه و سلم من جميعهم و هذه خصوصية ليست لأحد منهم سواه .

روى ابن أبي شيبة عن جابر " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ كِتَابًا حَسَنًا مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ: فَغَضِبَ وَقَالَ: «أ َمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي» )[2001]

وفي رواية لأحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا فَإِنَّكُمْ إِمَّا أَنْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ أَوْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مَا حَلَّ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي) ([2002])

 

14- و من ذلك أن معجزة كل نبي انقضت معه و معجزته صلى الله عليه و سلم باقية بعده إلى ما شاء الله و هو القرآن العزيز المعجز لفظه و معناه الذي تحدى الإنس و الجن أن يأتوا بمثله فعجزوا و لن يمكنهم ذلك أبدًا إلى يوم القيامة كما قال تعالى:{ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء:88]

وروى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ([2003]).

 

15- و من ذلك أنه صلى الله عليه و سلم عرج به إلى سدرة المنتهى ثم رجع إلى منزله في ليلة واحدة و هذه من خصائصه صلى الله عليه و سلم  التي لم يصل إليها غيره من الأنبياء.كما سبق في حديث الإسراء .

16- ومنها أن الله تعالى خصه بالوسيلة وهي أعلى منزلة في الجنة و أقربها إلى العرش كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» ) ([2004])

 

17- و من خصائصه أنه عليه الصلاة و السلام إذا صُعق الناس يوم القيامة يكون هو أولهم إفاقة كما أخرجاه في الصحيحين وغيرهما  قال البخاري:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخدري- رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ ، فَلاَ أَدْرِى أَفَاقَ قَبْلِى ، أَمْ جُوزِىَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ »([2005])

 

18- و من ذلك أن الله أعطاه الكوثر و الحوض المورود. والأحاديث في ذلك كثيرة، نكتفي بذكر بعضها.

روى مسلم عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فَقُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: « أُنْزِلَتْ عَلَىَّ آنِفًا سُورَةٌ ». فَقَرَأَ « بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ) [سورة الكوثر]». ثُمَّ قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ ؟». فَقُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ »([2006])

وروى البخاري عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ لَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى السَّمَاءِ قَالَ « أَتَيْتُ عَلَى نَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ مُجَوَّفًا فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ »([2007]) .

و قد ورد عند الترمذي وغيره أن لكل نبي حوضًا.ولكنه يرى الحديث يصح مرسلا عنه مرفوعًا .

فقد روى الترمذي عَنْ الْحَسَن عَنْ سَمُرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ لِكُلِّ نَبِيّ حَوْضًا ، وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيّهمْ أَكْثَر وَارِدَة ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُون أَكْثَرهمْ وَارِدَة "([2008]).

و إذا ثبت الحديث  فإنه يبقى للرسول صلى الله عليه و سلم على إخوانه من الأنبياء  أن حوضه صلى الله عليه و سلم أعظم الحياض و أكثرها واردًا .

 

19- و من ذلك أن البلد الذي بعث فيه-وهو مكة- أشرف البلاد، ثم يليه المدينة بلد مهاجره. و قد سبق في الهجرة  ما يدل على ذلك من الحديث الصحيح الذي رواه أحمد الترمذي وصححه وابن ماجة وغيرهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ الزُّهْرِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا عَلَى الحَزْوَرَةِ فَقَالَ: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ ) ([2009]).

وروى أبو يعلى  عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ ، قَالَ : ( أَمَا وَاللَّهِ لأَخْرُجُ مِنْكِ ، وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكِ أَحَبُّ بِلادِ اللَّهِ إِلَيَّ ، وَأَكْرَمُهُ عَلَى اللَّهِ ، وَلَوْلا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مَا خَرَجْتُ )([2010])

وروى الطبراني في الكبير عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: "قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم :  قد عَلِمْتُ أَنَّ أَحَبَّ الْبِلادِ إلى اللَّهِ عز وجل مَكَّةُ ، وَلَوْلا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي ما خَرَجْتُ اللَّهُمَّ اجْعَلْ في قُلُوبِنَا من حُبِّ الْمَدِينَةِ مِثْلَ ما جَعَلْتَ في قُلُوبِنَا من حُبِّ مَكَّةَ" وما أَشْرَفَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْمَدِينَةِ قَطُّ إِلا عُرِفَ في وَجْهِهِ الْبِشْرُ وَالْفَرَحُ " ([2011])

 

وروى أحمد عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: ( وَسَلَّمَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ ) ([2012]).

.

 

20- و نقل الإتفاق على أن قبره الذي ضم جسده بعد موته أفضل بقاع الأرض و قد حكى هذا الإجماع القاضي أبو الوليد الباجي و ابن بطال و غيرهما و أصل ذلك ما روي أنه لما مات صلى الله عليه و سلم اختلفوا في موضع دفنه .فأخبرهم أبو بكر بأن الأنبياء يدفنون حيث يموتون.

21- وأبيحت له مكة يومًا واحدًا فدخلها بغير إحرام و قتل من أهلها يومئذ نحو من عشرين و هل كان فتحها عنوة ؟ أو صلحا ؟ على قولين للشافعي ، نصر كلا القولين ناصرون و بالجملة : كان ذلك من خصائصه كما ذكر صلى الله عليه و سلم في خطبته فلا  يترخص أحد بقتال رسول الله صلى الله عليه و سلم  . و الحديث مشهور في الصحيحين وغيرهما.عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْغَدِ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ إِنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ( إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ) ([2013])

 

22- ومن ذلك أنه صلى الله عليه و سلم كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه في الصلاة و جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وأحمد وغيرهما.

روى أحمد عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: ( أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي) ([2014]) .

وحمله كثير ٌمن العلماء على ظاهره.بأنه كان ينظر من ورائه كما ينظر من قدامه  و الله أعلم.  وهذا أحد الوجهين في تفسير قوله تعالى:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ }[الشعراء:217-219] قال ابن كثير في تفسيره : في قوله تعالى: { وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ }    قال: في الصلاة، يراك وحدك ويراك في الجَمْع. وهذا قول عكرمة، وعطاء الخراساني، والحسن البصري.

وقال مجاهد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى مَنْ خلفه كما يرى مَنْ أمامه؛ ويشهد لهذا ما صح في الحديث: "سَوّوا صفوفكم؛ فإني أراكم من وراء ظهري" ([2015]).  .

وروى البزار وابن أبي حاتم، من طريقين، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: يعني تقلبه من صلب نبي إلى صلب نبي، حتى أخرجه نبيًا.أهـ([2016])

وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي أنه يرى من خلفه مُقَيَّدَةٌ بِحَالَةِ الصَّلَاةِ كما ذكر العلماء.

 

23- ومن ذلك أن أمته خير الأمم  قال تعالى:{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }[آل عمران :110]

وروى أحمد عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى  »([2017]).

 

24-  و من ذلك أن أمته إذا اجتمعت على قول واحد في الأحكام الشرعية كان قولها ذلك معصومًا من الخطأ بل يكون اتفاقها ذلك صوابًا و حقًا كما قرر ذلك في كتب أصول الفقه و هذه خصوصية لهم بسببه صلى الله عليه وسلم لم تبلغنا عن أمة من الأمم قبلها.

روى الطبراني عن يَسِيرَ بن عَمْرٍو قال: انْطَلَقَ أبو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ إلى هذا الْوَجْهِ، وَخَرَجْتُ معه حتى إذا كنا بِالسَّيْلَحِينَ نَزَلَ وَنَزَلْتُ ، معه فلما رَأَيْتُهُ قد خَلا قُمْتُ إليه فقلت: يا أَبَا مَسْعُودٍ كان فِينَا ثَلاثَةٌ من أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَمَّا حُذَيْفَةُ فَمَاتَ ، وَأَمَّا أبو مُوسَى فَأَتَى الشَّامَ ، وَأَنْتَ قد أَخَذْتَ في هذا الْوَجْهِ وَوَقَعَ مِنَ الْفِتَنِ ما تَرَى، فقال لي : يا يَسِيرُ إني لَنَاصِحٌ الْزَمِ الْجَمَاعَةَ ، فإن اللَّهَ لم يَكُنْ لِيَجْمَعَ أمة مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الضَّلالَةِ حتى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ أو يُسْتَرَاحَ من فَاجِر ) ([2018])

قال ابن حجر في التلخيص الحبير:وَأُمَّتُهُ مَعْصُومَةٌ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى الضَّلَالَةِ ، هَذَا فِي حَدِيثٍ مَشْهُورٍ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ ، لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ مَقَالٍ ، مِنْهَا لِأَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا : { إنَّ اللَّهَ أَجَارَكُمْ مِنْ ثَلَاثِ خِلَالٍ : أَلَّا يَدْعُوَ عَلَيْكُمْ نَبِيُّكُمْ لِتَهْلَكُوا جَمِيعًا ، وَأَلَّا يَظْهَرَ أَهْلُ الْبَاطِلِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ ، وَأَلَّا يَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ } وَفِي إسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا : { لَا تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ضَلَالٍ أَبَدًا } .

وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ شَعْبَانَ الْمَدَنِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ .

وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ لَهُ شَوَاهِدَ .

وَيُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال لَهُ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا : { لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ } . أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ .

وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ وَثَوْبَانَ فِي مُسْلِمٍ .

وَعَنْ قُرَّةَ بْنِ إيَاسٍ فِي التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ .

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ابْنِ مَاجَهْ .

وَعَنْ عِمْرَانَ فِي أَبِي دَاوُد .

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عِنْدَ أَحْمَدَ .

وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ : أَنَّ بِوُجُودِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الْقَائِمَةِ بِالْحَقِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، لَا يَحْصُلُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الضَّلَالَةِ ،

وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ : نَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ الْأَعْمَشِ ، عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ يَسِيرِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : شَيَّعْنَا أَبَا مَسْعُودٍ حِينَ خَرَجَ ، فَنَزَلَ فِي طَرِيقِ الْقَادِسِيَّةِ ، فَدَخَلَ بُسْتَانًا فَقَضَى حَاجَتَهُ ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ ، ثُمَّ خَرَجَ ، وَإِنَّ لِحْيَتَهُ لِيَقْطُرَ مِنْهَا الْمَاءُ فَقُلْنَا لَهُ : أَعْهِدْ إلَيْنَا ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ وَقَعُوا فِي الْفِتَنِ ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَلْقَاك أَمْ لَا ، قَالَ : " اتَّقُوا اللَّهَ وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ ، أَوْ يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ " .

إسْنَادُهُ صَحِيحٌ ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ ، وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ، عَنْ التَّيْمِيِّ ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ : أَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ خَرَجَ مِنْ الْكُوفَةِ فَقَالَ : " عَلَيْك بِالْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالٍ " أهـ([2019])

 

القسم الثاني ـ ما اختص به دون أمته و قد يشاركه فيها غيره من الأنبياء.

 

1- فمن ذلك أنه كان معصوما في أقواله و أفعاله لا يجوز عليه التعمد و لا الخطأ الذي يتعلق بأداء الرسالة و لا يُقر فيبقى عليه، فلا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى قال تعالى:{  وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:1-4]

وروى أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالُوا: تَكْتُبُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا فَأَمْسَكْتُ، حَتَّى ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ( اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ)  »([2020]).

 

2- و من ذلك أنه كان يرى ما لا يرى الناس حوله ففي الصحيح عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا عَائِشَةُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ » . قَالَتْ قُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، تَرَى مَا لاَ نَرَى . تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم )  ([2021])

وروى الترمذي عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنِّى أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لاَ تَسْمَعُونَ ، أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّه ،ِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ ».لَوَدِدْتُ أَنِّى كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ([2022]).

 

3- و من ذلك أن الله أمره أن يختار الآخرة على الأولى و كان يحرم عليه أن يمد عينيه إلى ما متع به المترفون من أهل الدنيا و دليله من الكتاب العزيز ظاهر قال تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[طه:131]

لذا كان صلوات الله وسلامه عليه أزهد الناس في الدنيا مع القدرة عليها، إذا حصلت له ينفقها هكذا وهكذا، في عباد الله، ولم يدخر لنفسه شيئًا لغد .

 

4- و من ذلك أنه لم يكن له تعلم الشعر قال الله تعالى : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ } [يس:69] ولذلك كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحفظ بيتًا من الشعر على وزنٍ منتظم ، بل إن أنشده زَحَّفه أو لم يتمه وهو أفصح الناس صلى الله عليه وسلم..

روى البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا ) ([2023])

وروى أبو داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ التَّنُوخِىِّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا أُبَالِى مَا أَتَيْتُ إِنْ أَنَا شَرِبْتُ تِرْيَاقًا، أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً، أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِى ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا كَانَ لِلنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- خَاصَّةً، وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ قَوْمٌ يَعْنِى التِّرْيَاقَ ([2024]) ولهذا قال الشافعية : كان يحرم عليه تعلم الشعر .

 

.5- و من ذلك أنه كان أميًا قال الله تعالى : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }[الأعراف:157] و قال تعالى : { وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ  } [العنكبوت:48]

 

وقد زعم بعضهم أنه صلى الله عليه و سلم لم يمت حتى تعلم الكتابة و هذا قول مردود لا دليل عليه إلا مارواه البيهقي من حديث أبي عقيل يحيى بن المتوكل عن مجالد عن عون بن عبد الله عن أبيه قال : ( لم يمت رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى كتب و قرأ ). وهذا حديث ضعيف .في سنده يحيى بن المتوكل ضعيف و أيضًا مجالد فيه كلام .

قال ابن كثير :ادعى بعض علماء المغرب أنه كتب صلى الله عليه و سلم صلح الحديبية فأنكر ذلك عليه أشد الإنكار و تبرئ من قائله على رؤوس المنابر وعملوا فيه الأشعار و قد غره في ذلك ما جاء في بعض روايات البخاري :" فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم فكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله " ([2025]). و قد عُلم أن المقيد يقضي على المطلق ففي الرواية الأخرى:" فأمر عليًا فكتب :هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم"([2026])

أهـ([2027])  .

6- و من خصائصه أن الكذب عليه ليس كالكذب على غيره  صلوات الله و سلامه عليه :
روى مسلم وغيره عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ».   ([2028]) وهذا حديث متواتر رواه أكثر من ثمانين صحابيًا : فهو في الصحيحين من حديث علي و أنس و أبي هريرة و المغيرة بن شعبة و عند البخاري من رواية الزبير بن العوام و سلمة بن الأكوع و عبد الله بن عمرو ،و في مسند أحمد : عن عثمان و عمر و أبي سعيد و واثلة بن الأسقع و زيد بن أرقم و عند الترمذي عن ابن مسعود و رواه ابن ماجه عن جابر و أبي قتادة([2029])

قال ابن كثير:وقد صنف فيه جماعة من الحفاظ كإبراهيم الحربي و يحيى بن صاعد و الطبراني و البزار و ابن مندة و غيرهم من المتقدمين و ابن الجوزي و يوسف بن خليل من المتأخرين و صرح بتواتره ابن الصلاح و النووي و غيرهما من حفاظ الحديث و هو الحق فلهذا أجمع العلماء على كفر من كذب عليه متعمدًا مستجيزًا لذلك واختلفوا في المتعمد فقط فقال الشيخ أبو محمد يكفر أيضا و خالفه الجمهور ثم لو تاب فهل تقبل روايته ؟ على قولين : فأحمد بن حنبل و يحيى بن معين و أبو بكر الحميدي قالوا : لا تقبل لقوله صلى الله عليه و سلم  « إِنَّ كَذِبًا عَلَىَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ ، مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ »([2030]) قالوا : و معلوم أن من كذب على غيره فقد أثم و فسق و كذلك الكذب عليه لكن من تاب من الكذب على غيره يقبل بالإجماع فينبغي أن لا تقبل رواية من كذب عليه فرقا بين الكذب عليه و الكذب على غيره و أما الجمهور فقالوا : تقبل روايته لأن قصارى ذلك أنه كفر و من تاب من الكفر قبلت توبته و روايته و هذا هو الصحيح .أهـ([2031])

7- و من خصائصه أنه من رآه في المنام فقد رآه حقًا كما جاء في الحديث : روى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « تَسَمَّوْا بِاسْمِى وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِى ، وَمَنْ رَآنِى فِى الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِى ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ فِى صُورَتِى ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ »([2032])

لكن بشرط أن يراه على صورته الحقيقية  التي هي صورته في الحياة الدنيا، لذا كان ابن عباس إذا أخبره أحد بأنه رأى النبي في المنام قال له: صفه لي ، حتى يعلم هل رآه على صورته الحقيقية أم لا.

روى الترمذي في الشمائل عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  ( مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُنِي ) قَالَ أَبِي : فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ ، فَقُلْتُ : قَدْ رَأَيْتُهُ([2033]) ، فَذَكَرْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فَقُلْتُ : شَبَّهْتُهُ بِهِ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إِنَّهُ كَانَ يُشْبِهُهُ([2034]).

وروى الترمذي في الشمائل عن عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ - وَكَانَ يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ - قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ زَمَنَ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ : إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِي ، فَمَنْ رَآنِي فِي النَّوْمِ فَقَدْ رَآنِي ) ، هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّوْمِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، أَنْعَتُ لَكَ رَجُلاً بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ ، جِسْمُهُ وَلَحْمُهُ أَسْمَرُ إِلَى الْبَيَاضِ ، أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ ، حَسَنُ الضَّحِكِ ، جَمِيلُ دَوَائِرِ الْوَجْهِ ، مَلَأَتْ لِحْيَتُهُ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ ، قَدْ مَلَأَتْ نَحْرَهُ - قَالَ عَوْفٌ : وَلاَ أَدْرِي مَا كَانَ مَعَ هَذَا النَّعْتِ - فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَوْ رَأَيْتَهُ فِي الْيَقَظَةِ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَنْعَتَهُ فَوْقَ هَذَا "([2035])

و اتفق العلماء على أن من نقل عنه حديثًا في المنام أنه لا يعمل بهذا الحديث ولا يحتج به لعدم الضبط في رواية الرائي فإن المنام محلٌ تضعف فيه الروح و ضبطها و الله تعالى أعلم

 

8- و من خصائصه أنه لم يكن له خائنة الأعين أي أنه لم يكن له أن يومئ بطرفه خلاف ما يظهره كلامه فيكون من باب اللمز -وكذلك الأنبياء- و مستند هذا قصة عبد الله بن سعد بن أبي سرح وقد أهدر صلى الله عليه و سلم دمه يوم الفتح في جملة ما أهدر من الدماء فلما جاء به أخوه من الرضاعة عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال : يا رسول الله بايعه فتوقف صلى الله عليه و سلم رجاء أن يقوم إليه رجل فيقتله ولم يقم أحد فبايعه .

روى  أبو داود عن مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ إِلاَّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَسَمَّاهُمْ ، وَابْنُ أَبِى سَرْحٍ-فَذَكَرَ الْحَدِيثَ- قَالَ: وَأَمَّا ابْنُ أَبِى سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلاَثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلاَثٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ « أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِى كَفَفْتُ يَدِى عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ ». فَقَالُوا: مَا نَدْرِى يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِى نَفْسِكَ أَلاَ أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ . قَالَ « إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِى لِنَبِىٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ »([2036])

9-  ومن خصائصه دون أمته  أنه تنام عيناه ولا ينام قلبه ولذلك كان لا ينتقض وضوؤه بالنوم. و دليله حديث ابن عباس في الصحيحين أنه صلى الله عليه و سلم نام حتى نفخ ثم جاءه المؤذن فخرج فصلى و لم يتوضأ .

روى مسلم: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ اللَّيْلِ فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا – قَالَ: وَصَفَ وُضُوءَهُ وَجَعَلَ يُخَفِّفُهُ وَيُقَلِّلُهُ - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ ، فَأَخْلَفَنِى فَجَعَلَنِى عَنْ يَمِينِهِ ،  فَصَلَّى ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ بِلاَلٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ فَخَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ،وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قَالَ سُفْيَانُ : وَهَذَا لِلنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- خَاصَّةً لأَنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُه" ُ([2037]).

وروى البخاري عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى رَمَضَانَ ..وفيه: فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ تَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: « تَنَامُ عَيْنِى وَلاَ يَنَامُ قَلْبِى »([2038])  .

وروى الحاكم  عن أنس رضي الله عنه ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم « تنام عيناه ولا ينام قلبه »([2039])

ويشاركه الأنبياء في هذه الصفة لحديث" إنا معشر الأنبياء تنام أعيننا ، و لا تنام قلوبنا "([2040]) .

10- و كانت صلاته النافلة قاعدًا كصلاته قائما إن لم يكن له عذر بخلاف غيره فإنه على النصف من ذلك و استدلوا على ذلك بما رواه مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « صَلاَةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلاَةِ ». قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّى جَالِسًا فَوَضَعْتُ يَدِى عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ: « مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ؟» قُلْتُ :حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ قُلْتَ : « صَلاَةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلاَةِ ». وَأَنْتَ تُصَلِّى قَاعِدًا قَالَ « أَجَلْ ، وَلَكِنِّى لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ ». ([2041])

.

11- و كان يجب على المصلي إذا دعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجيبه لحديث في صحيح البخاري عَنْ أَبِى سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ كُنْتُ أُصَلِّى فِى الْمَسْجِدِ فَدَعَانِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ أُجِبْهُ ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى كُنْتُ أُصَلِّى . فَقَالَ « أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: { اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ }[الأنفال:24] ثُمَّ قَالَ لِى لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِىَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِى الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ » . ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِى ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ « لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِىَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِى الْقُرْآنِ » . قَالَ « ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) هِىَ السَّبْعُ الْمَثَانِى وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِى أُوتِيتُهُ »([2042])

و ليس هذا لأحد سواه - اللهم إلا ما حكاه الأوزاعي عن شيخه مكحول أنه كان يوجب إجابة الوالدة في الصلاة لحديث جريج الراهب : أنه دعته أمه و هو قائم يصلي فقال : اللهم أمي و صلاتي ثم مضى في صلاته فلما كانت المرة الثانية فعل مثل ذلك ثم الثالثة فدعت عليه فاستجاب الله منها فيه و كان من قصته  ما ذُكر في صحيح البخاري و غيره([2043]) ، و الجمهور على أن ذلك لا يجب بل لا يصلح في الصلاة شيء من كلام الناس للحديث الصحيح في ذلك . و الله أعلم .

 

12- و كان لا يصلي على من مات و عليه دين لا وفاء له ويأذن لهم بالصلاة عليه.أخرجه البخاري في صحيحه- بإسناد ثلاثي - قال:  حَدَّثَنَا الْمَكِّىُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِى عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ  رضى الله عنه   قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أُتِىَ بِجَنَازَةٍ ، فَقَالُوا :صَلِّ عَلَيْهَا . فَقَالَ « هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ » . قَالُوا: لاَ . قَالَ « فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا » . قَالُوا: لاَ . فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أُتِىَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صَلِّ عَلَيْهَا . قَالَ « هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ » . قِيلَ نَعَمْ . قَالَ « فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا » . قَالُوا :ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ . فَصَلَّى عَلَيْهَا ، ثُمَّ أُتِىَ بِالثَّالِثَةِ ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا . قَالَ « هَلْ تَرَكَ شَيْئًا » . قَالُوا :لاَ . قَالَ « فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ » . قَالُوا ثَلاَثَةُ دَنَانِيرَ . قَالَ « صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ ».قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَعَلَىَّ دَيْنُهُ . فَصَلَّى عَلَيْهِ ([2044])

ثم نسخ ذلك بقوله : ( من ترك دينًا فعلي قضاؤه )

روى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ ، فَيَسْأَلُ « هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلاً ؟ » . فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى ، وَإِلاَّ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ:« صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ » . فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَالَ: « أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَمَنْ تُوُفِّىَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَىَّ قَضَاؤُهُ ، وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ » ([2045]).

 

13- و من ذلك أنه كان إذا دعا لأهل القبور يملؤها الله عليهم نورا ببركة دعائه صلوات الله و سلامه عليه كما ثبت في صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ - أَوْ شَابًّا - فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلَ عَنْهَا - أَوْ عَنْهُ – فَقَالُوا: مَاتَ. قَالَ « أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِى ». قَالَ فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا - أَوْ أَمْرَهُ - فَقَالَ « دُلُّونِى عَلَى قَبْرِهِ ». فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ « إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلاَتِى عَلَيْهِمْ ».([2046])

و كما صنع عند الذيْن كانا يعذبان في قبريهما والحديث في الصحيحين:عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ « إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِى كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ » . ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً ، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ ، فَغَرَزَ فِى كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ « لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا » ([2047])

 

14- و من ذلك  أنه صلى الله عليه و سلم يوعك في مرضه وعكا شديدًا.كما روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يُوعَكُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا . قَالَ « أَجَلْ إِنِّى أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ » . قُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ قَالَ: « أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ »([2048])

 

15- وكان يحرم عليه صلى الله عليه و سلم - وعلى آل بيته- أكل الصدقة .

روى أحمد عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيبَ مِنْهَا قَالَ:لَا حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: (الصَّدَقَةُ لَا تَحِلُّ لَنَا وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ([2049])

. وروى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ ، فَجَعَلَهَا فِى فِيهِ ، فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْفَارِسِيَّةِ « كَخٍ كَخٍ ، أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ »([2050])

وقد تقدم في حديث إسلام سلمان الفارسي أن من علامته صلى الله عليه و سلم أنه يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة.و هذا عام يشمل صدقة الفرض والتطوع.

 

16- وكان الوصال في الصيام له مباحًا و نهى أمته عن الوصال .

روى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تُوَاصِلُوا » . قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ . قَالَ « إِنِّى لَسْتُ مِثْلَكُمْ ، إِنِّى أَبِيتُ يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِى »([2051])

فقطع تأسيهم به بتخصيصه بأن الله تعالى يطعمه و يسقيه و قد اختلفوا : هل الإطعام والسقيا حسيان ؟ أو معنويان ؟ على قولين الصحيح : أنهما معنويان و إلا لما حصل الوصال .

 

17- ومن خصائصه قوله تعالى : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ  }[الأحزاب:6] و معنى هذه الأمومة : الاحترام و الطاعة و تحريم العقوق و وجوب التعظيم لا في تحريم بناتهن و جواز الخلوة بهن و لا تنتشر الحرمة إلى من عداهن .

و يشبه هذا أيضًا  الحديث الذي في الصحيحين وغيرهما عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ  صلى الله عليه وسلم – ح- وَحَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ  صلى الله عليه وسلم : « لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ » ([2052])

18- من خصائصه الجمع بين أكثر من أربع زوجات، وقد مات صلوات الله و سلامه عليه عن تسع نسوة . و دليله ما في البخاري عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِى السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ . قَالَ قُلْتُ لأَنَسٍ أَوَكَانَ يُطِيقُهُ؟ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِىَ قُوَّةَ ثَلاَثِينَ . وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ إِنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ: تِسْعُ نِسْوَةٍ ([2053])

 

19- أن الله تعالى حرَّم عليه النساء غيرهن مكافأة لصنيعهن عندما اخترنه ،حيث أمره الله تعالى بتخيير أزواجه فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا }[الأحزاب:28-29] و قد أخرجا في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ذكر هذا التخيير و أن الله أمره بذلك .

قالوا : فلما اخترنه حرم عليه النساء غيرهن مكافأة لصنيعهن قال تعالى:{ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا{[الأحزاب:52] ثم أباحه له لتكون له المنة في ذلك قالت عائشة رضي الله عنها : ما مات رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أبيح له النساء رواه الشافعي

 

20- و كان يصح عقده بلفظ الهبة لقوله تعالى : { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ }[الأحزاب:50] وإذا عقده بلفظ الهبة فلا مهر بالعقد و لا بالدخول بخلاف غيره

 

21- و كان يباح له التزوج بغير ولي و لا شهود- على الصحيح- لحديث زينب بنت جحش أنها كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه و سلم بأن الله هو الذي زوجها لنبيه صلى الله عليه و سلم، لا وليها من أهلها. ونزل فيها قول الله تعالى:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا }[الأحزاب:37].كما سبق بيانه، وفي رواية رواها أحمد ومسلم عن أنس:" وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، وَجَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ"([2054]).

.

22- و أزواجه أفضل نساء الأمة لتضعيف أجرهن بخلاف غيرهن لقوله تعالى لهن:{ وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا }[الأحزاب:31]

وأفضلهن خديجة و عائشة .

 

23- و يحرم نكاح زوجاته اللاتي توفي عنهن إجماعًا و ذلك لأنهن أمهات المؤمنين وأزواجه في الجنة .ولذلك كانت عائشة رضي الله عنها لا تحتجب منه عند زيارته  بعد موته فلما دفن عمر بجانب النبي وأبي بكر احتجبت عند الزيارة.

روى أحمد عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَدْخُلُ بَيْتِي الَّذِي دُفِنَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي ، فَأَضَعُ ثَوْبِي فَأَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ زَوْجِي وَأَبِي ، فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ مَعَهُمْ فَوَاللَّهِ مَا دَخَلْتُ إِلَّا وَأَنَا مَشْدُودَةٌ عَلَيَّ ثِيَابِي حَيَاءً مِنْ عُمَر" َ([2055])

ولهذا كانت تقول: ( لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ الْأَمْرِ مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا نِسَاؤُه ) ([2056]) لأن هذا الزواج لم ينقطع بالموت.

و اختلفوا فيمن طلقها في حال حياته ، هل يحرم نكاحها أيضًا ؟  ونص الشافعي على التحريم مطلقًا لقوله تعالى : { وأزواجه أمهاتهم } .

 

24- و  من خصائصه أن من سبه صلى الله عليه و سلم يُقتل رجلا كان أو امرأة للأحاديث المتضافرة في ذلك التي يطول ذكرها ها هنا فمن ذلك حديث ابن عباس في الأعمى الذي قتل أم ولده لما وقعت في النبي صلى الله عليه و سلم فأهدر النبي دمها.

روى أبو داود عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَتَقَعُ فِيهِ فَيَنْهَاهَا فَلاَ تَنْتَهِى وَيَزْجُرُهَا فَلاَ تَنْزَجِرُ - قَالَ - فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَتَشْتِمُهُ فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِى بَطْنِهَا وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ فَلَطَخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ « أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلاً فَعَلَ مَا فَعَلَ لِى عَلَيْهِ حَقٌّ إِلاَّ قَامَ ». فَقَامَ الأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَىِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا صَاحِبُهَا كَانَتْ تَشْتِمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ فَأَنْهَاهَا فَلاَ تَنْتَهِى وَأَزْجُرُهَا فَلاَ تَنْزَجِرُ وَلِى مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ وَكَانَتْ بِى رَفِيقَةً فَلَمَّا كَانَتِ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتِمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِى بَطْنِهَا وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا. فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « أَلاَ اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ ». ([2057])

وروى أيضًا َعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِى بَرْزَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِى بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَغَيَّظَ عَلَى رَجُلٍ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ تَأْذَنُ لِى يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَضْرِبُ عُنُقَهُ قَالَ: فَأَذْهَبَتْ كَلِمَتِى غَضَبَهُ ، فَقَامَ فَدَخَلَ فَأَرْسَلَ إِلَىَّ فَقَالَ: مَا الَّذِى قُلْتَ آنِفًا؟ قُلْتُ : ائْذَنْ لِى أَضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ: أَكُنْتَ فَاعِلاً لَوْ أَمَرْتُكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: لاَ وَاللَّهِ مَا كَانَتْ لِبَشَرٍ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم".قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا لَفْظُ يَزِيدَ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَىْ لَمْ يَكُنْ لأَبِى بَكْرٍ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلاً إِلاَّ بِإِحْدَى الثَّلاَثِ الَّتِى قَالَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- كُفْرٌ بَعْدَ إِيمَانٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ ، وَكَانَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَقْتُلَ. ([2058])

و قد صنف في ذلك  الإمام أبو العباس ابن تيمية كتابه الصارم المسلول على من سب الرسول صلى الله عليه و سلم و هو من أحسن الكتب المؤلفة في ذلك و الله أعلم

 

25- و كان من خصائصه أنه إذا سبَّ رجلا ليس بذلك السبِّ حقيقًا يجعل سب رسول الله صلى الله عليه و سلم كفارة عنه و دليله ما أخرجاه في الصحيحين-واللفظ لمسلم-  عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، فَأَىُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ ، شَتَمْتُهُ ، لَعَنْتُهُ ، جَلَدْتُهُ ، فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلاَةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » ([2059]). و لهذا لما أراد مسلم في صحيحه أن يذكر فضل معاوية أورد أولا هذا الحديث ثم أتبعه بحديث ( لاأشبع الله بطنا) ([2060]) فيحصل بمجموعهما مزية لمعاوية رضي الله عنه و هذا من جملة إمامة مسلم رحمه الله تعالى

 

26- و كان إذا لبس لأمة الحرب لم يجز له أن يقلعها حتى يقضي الله أمره لحديث يوم أحد لما أشار عليه جماعة من المؤمنين بالخروج إلى عدوه إلى أحد فدخل فلبس لأمته فلما خرج عليهم قالوا : يا رسول الله إن رأيت أن ترجع ؟ فقال : ( إنه لا ينبغي لنبي إذا أخذ لأمة الحرب أن يرجع حتى يقاتل ) الحديث تقدم  بطوله وذكره أصحاب المغازي .

 

26- و قد كان له صلى الله عليه و سلم الصفي من المغنم و هو أن يختار فيأخذ ما يشاء : عبدًا أو أمة أو سلاحا أو نحو ذلك قبل القسمة و قد دل على ذلك أحاديث في السنن و غيرها

و كذلك كان له خمس الغنيمة و أربعة أخماس الفيء.قال تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}[الأنفال:41]

وقال تعالى:{ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ }[الحشر:7]

27- وكان من خصائصه في حياته ألا يجوز التكني بكنيته، أما بعد موته ففيه خلاف. ويجوز التسمي باسمه بلا خلاف.وذلك لحديث جابر في الصحيحين وغيرهما عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي ) [2061]

و في جواز التكني بكنية أبي القاسم ثلاثة أقوال للعلماء :

أحدها : المنع مطلقا و هو مذهب الشافعي حكاه عنه البيهقي و البغوي و أبو القاسم بن عساكر الدمشقي ودليلهم الحديث السابق.

و الثاني : و هو مذهب مالك و اختيار النووي ـ رحمهما الله تعالى ـ إباحته مطلقا لأن ذلك كان لمعنى في حال حياته زال بموته صلى الله عليه و سلم .

الثالث : يجوز لمن ليس اسمه محمدًا و لا يجوز لمن اسمه محمد لئلا يكون قد جمع بين اسمه و كنيته.

 

28- و ذكروا في الخصائص : أن أولاد بناته ينتسبون إليه ، استنادًا إلى ما رواه البخاري  عَنِ الْحَسَنِ سَمِعَ أَبَا بَكْرَةَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ ، يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً ، وَيَقُولُ « ابْنِى هَذَا سَيِّدٌ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ »[2062]

 

29- من الخصائص أن كل نسب و سبب ينقطع نفعه و بره يوم القيامة إلا نسبه و سببه و صهره صلى الله عليه و سلم قال الله تعالى : {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ   } [المؤمنون:101] وروى الإمام أحمد عن المسور ـ هو ابن مخرمة ـ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (فَاطِمَةُ مُضْغَةٌ مِنِّي، يَقْبِضُنِي مَا قَبَضَهَا، وَيَبْسُطُنِي مَا بَسَطَهَا،  وَإِنَّ الْأَنْسَابَ  يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَنْقَطِعُ غَيْرَ نَسَبِي، وَسَبَبِي، وَصِهْرِي ) [2063] .

و قيل : معناه  ينتفع يومئذ بالانتساب إليه و لا ينتفع بسائر الأنساب[2064].

 

وهذا الحديث له أصل في الصحيحين وكتب السنن- بدون الزيادة الخاصة بالنسب الشريف - عن المسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : («فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي ) [2065].

ولهذا الحديث قصة كما في الصحيحين عن عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، أَنَّ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، قَالَ: إِنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنْت أَبِي جَهْلٍ فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّكَ لاَ تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ، يَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ أَنْكَحْتُ أَبَا العَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي، وَإِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَهَا، وَاللَّهِ لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ، عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ»[2066]

 

مع اعتبار أن من أخره عمله ، وخلفه، لا يسرع به نسبه .كما ثبت في الحديث الصحيح

الذي رواه مسلم وغيره  عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (...ومَنْ بَطَّأََ بهِ عَملُه لم يُسْرِعْ به نَسَبُه ) [2067]

وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري قال :  قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ: ( مَا بَالُ رِجَالٍ يَقُولُونَ: إِنَّ رَحِمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَنْفَعُ قَوْمَهُ ! بَلَى وَاللَّهِ إِنَّ رَحِمِي مَوْصُولَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَإِنِّي أَيُّهَا النَّاسُ فَرَطٌ لَكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، فَإِذَا جِئْتُمْ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ، وَقَالَ أَخُوهُ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ. قَالَ لَهُمْ: أَمَّا النَّسَبُ فَقَدْ عَرَفْتُهُ، وَلَكِنَّكُمْ أَحْدَثْتُمْ بَعْدِي وَارْتَدَدْتُمْ الْقَهْقَرَى ) [2068]

 

30- ومن ذلك أن الملائكة تحمي ظهره .روى ابن ماجة وغيره عن جابر بن عبد الله قال: ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِذَا مَشَى مَشَى أَصْحَابُهُ أَمَامَهُ وَتَرَكُوا ظَهْرَهُ لِلْمَلَائِكَةِ») [2069] .

 

31- ومن ذلك أنه لم يمت حتى خيره الله تعالى – وكذلك الأنبياء-  فقد خيره الله تعالى بين أن يفسح له في أجله ثم الجنة و إن أحب لقي الله سريعا فاختار ما عند الله على الدنيا و ذلك ثابت في الصحيحين عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَحِيحٌ يَقُولُ:  ( إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُحَيَّا أَوْ يُخَيَّرَ ) فَلَمَّا اشْتَكَى وَحَضَرَهُ الْقَبْضُ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِ عَائِشَةَ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ شَخَصَ بَصَرُهُ نَحْوَ سَقْفِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ:  ( اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى ) فَقُلْتُ: إِذًا لَا يُجَاوِرُنَا، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ حَدِيثُهُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهُوَ صَحِيحٌ"([2070]) .

 

و عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: ( إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ ) فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا فَعَجِبْنَا لَهُ! وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ يُخْبِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ وَهُوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرَ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا بِهِ " ([2071]).

 

32- و من خصائصه أنه لم يكن ليورث بعد موته كما في الصحيحين وغيرهما عن عائشة وأبي بكر وأبي هريرة وعمر وشهد بذلك كبار الصحابة ومنهم علي والعباس وعثمان وعبد الرحمن بن عوف  والزبير وسعد:في الصحيحين عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ- بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا نُورَثُ ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ) ([2072])

وفيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  ( لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ ) ([2073]) .

ورويا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ - وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ- فَقَالَ مَالِكٌ : بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي حِينَ مَتَعَ النَّهَارُ إِذَا رَسُولُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَأْتِينِي فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسْتُ فَقَالَ يَا مَالِ إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ فَاقْبِضْهُ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي قَالَ اقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَسْتَأْذِنُونَ قَالَ نَعَمْ فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا ثُمَّ جَلَسَ يَرْفَا يَسِيرًا ثُمَّ قَالَ هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ قَالَ نَعَمْ فَأَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلَا فَسَلَّمَا فَجَلَسَا فَقَالَ عَبَّاسٌ :

يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا - وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَالِ بَنِي النَّضِيرِ- فَقَالَ الرَّهْطُ عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنْ الْآخَرِ قَالَ عُمَرُ: تَيْدَكُمْ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ  : ( لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ ) قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ . فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ ؟ قَالَا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ" ([2074]).

والأنبياء يشاركون النبي صلى الله عليه و سلم في هذه الصفة فهم أيضًا لا يورثون وإنما ميراثهم العلم لا المال. فقد روى أحمد عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ مَئُونَةِ عَامِلِي، وَنَفَقَةِ نِسَائِي، صَدَقَةٌ  ) ([2075])

وروى أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم عن كثير بن قيس قال:قال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ )  ([2076])

وقد أجمع على ذلك أهل العلم ، ولا التفات إلى خرافات الشيعة الرافضة وكذبهم في هذا الشأن.

 

33- و من الخصائص أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء و الدليل عليه ما رواه أحمد وغيره عن أوس بن  أوس قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ "

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ عَلَيْكَ صَلَاتُنَا وَقَدْ أَرِمْتَ؟ - يَعْنِي وَقَدْ بَلِيتَ، قَالَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ "  ([2077])

 

34- ومن ذلك أنه حيٌ في قبره صلى الله عليه وسلم- حياة برزخية - ويصلي فيه ، كسائر الأنبياء  و جاء في حديث رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أنس بن مالك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ )([2078])

 

و قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به موسى عليه السلام وهو يصلي في قبره .

فقد روى مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

( أَتَيْتُ - وَفِي رِوَايَةِ هَدَّابٍ: مَرَرْتُ - عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ ) ([2079])

** أما حديث ( أنا في قبري حي طري من سَلَّم عليَّ سلمتُ عليه ) فقد ذكر الألباني أنه لا أصل له بهذا اللفظ كما أن لفظة ( طري ) لا وجود لها في شيء من كتب السنة إطلاقًا ولكن معناه قد ورد في عدة أحاديث صحيحة ([2080])

وقد ذكروا من خصائصه أنه صلى الله عليه و سلم ولد مسرورًا مختونًا ، ولا يثبت ذلك و قد قيل إنه شاركه فيها غيره من الأنبياء ، وكل ما ورد بذلك فهو ضعيف.

هذا بعض ما أردت ذكره من الشمائل المحمدية والخصائص المصطفوية على سبيل الاختصار ،وقد صنف العلماء في ذلك كتباً خاصة .

 

وختامًا... أرجو أن أكون وفقت فيما أردت ذكره فإن كان ذلك فلله الحمد .وإن كان غيرذلك فما أخطأت فيه أوقصرت ٌ فيه-وهذا شأن الإنسان- فأستغفر الله منه .وهو حسبنا ونعم الوكيل.

و الحمد لله أولا و آخرًا و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم

 

 

 

 

أهم المراجع

 

(أ) كتب الحديث:

1- مالك بن أنس أبو عبدالله الأصبحي /موطأ الإمام مالك/ تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي/

الناشر : دار إحياء التراث العربي/مصر.

2- محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي/ صحيح البخاري/ دار ابن كثير  / بيروت/ الطبعة الثالثة   1407 هـ  . وكذلك طبعة:دار طوق النجاة-تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر. ط:الأولى

3- مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري /صحيح مسلم/ تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي/ دار إحياء التراث العربي / بيروت.

4- سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي /سنن أبي داود/ تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد /دار الفكر.

5 - محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي  / سنن الترمذي/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت

6-  أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي /المجتبى من السنن/ تحقيق : عبدالفتاح أبو غدة/  مكتب المطبوعات الإسلامية /حلب/ الطبعة الثانية 1406هـ .

7- محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني/ سنن ابن ماجه/ تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي/ دار الفكر / بيروت.

8- أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني / مسند الإمام أحمد بن حنبل/ مؤسسة قرطبة /القاهرة.

9- عبدالله بن عبدالرحمن أبو محمد الدارمي / سنن الدارمي/ دار الكتاب العربي/ بيروت/ الطبعة الأولى   1407هـ.

10-  محمد بن إسحاق بن خزيمة أبو بكر السلمي النيسابوري  / صحيح ابن خزيمة/ تحقيق : د. محمد مصطفى الأعظمي/ المكتب الإسلامي/ بيروت  1390هـ

11-   محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي/صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان/ تحقيق : شعيب الأرنؤوط / مؤسسة الرسالة /بيروت/ الطبعة الثانية   1414 هـ

12-   محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري  / المستدرك على الصحيحين/ تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا / دار الكتب العلمية /بيروت / الطبعة الأولى   1411هـ

13-   علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي /سنن الدارقطني/ دار  المعرفة/بيروت   1386 هـ

14- سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني /المعجم الكبير/ تحقيق : حمدي بن عبدالمجيد السلفي/ مكتبة العلوم والحكم /الموصل/ الطبعة الثانية  1404هـ

15- أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني /المعجم الأوسط/دار الحرمين / القاهرة 1415هـ

16- أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني /المعجم الصغير/ : المكتب الإسلامي /بيروت/ الطبعة الأولى   1405 هـ

17- أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي التميمي /مسند أبي يعلى/ تحقيق : حسين سليم أسد/ دار المأمون للتراث / دمشق/ الطبعة الأولى   1404هـ

18- أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني/ مصنف عبد الرزاق/ تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي/  المكتب الإسلامي / بيروت/ الطبعة الثانية  1403هـ

19-  أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي /المصنف في الأحاديث والآثار/ تحقيق : كمال يوسف الحوت/  مكتبة الرشد / الرياض/ الطبعة الأولى  1409هـ

20- أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي /سنن البيهقي الكبرى/ تحقيق : محمد عبد القادر عطا/ مكتبة دار الباز /مكة المكرمة   1414 هـ

21- أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي /سنن النسائي الكبرى/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ الطبعة الأولى 1411 هـ .

22- أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني /حلية الأولياء وطبقات الأصفياء/ دار الكتاب العربي /بيروت/ الطبعة الرابعة  1405هـ .

23- الإمام أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني/فضائل الصحابة -تحقيق : د. وصي الله محمد عباس /  الناشر : مؤسسة الرسالة – بيروت/ الطبعة الأولى ، 1403 هـ-   1983م

(ب) كتب التفسير

1- أبو جعفر محمد بن جرير الطبري/تفسير جامع البيان وتفسير القرآن/ بتحقيق أحمد شاكر/مؤسسة الرسالة/  الطبعة الأولى2000م.

2- أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي/ معالم التنزيل/ تحقيق محمد النمر/دار طيبة/الطبعة الرابعة 1997م.

3- أبو الفرج ابن الجوزي/زاد المسير في علم التفسير/تحقيق د.محمد بن عبد الرحمن,وأبو المهاجر/دار الفكر ببيروت/الطبعة الأولى1407هـ

4- أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي/الجامع لأحكام القرآن/تحقيق عماد البارودي وخيري سعيد / المكتبة التوفيقية/الطبعة الأولى.

5- فخر الدين محمد بن عمر الرازي/ مفاتيح الغيب/دار الفكر/ بيروت.

6- أبو الفداء اسماعيل بن كثير/ تفسير القرآن العظيم/مكتبة مصر/الطبعةالأولى.

وأيضًا طبعة:دار طيبة للنشر والتوزيع- تحقيق سامي بن محمد سلامة.ط:الثانية

7- عبد الله بن عمر البيضاوي/أنوار التنزيل وأسرار التأويل/دار الفكر /بيروت.

8- شهاب الدين محمد الألوسي/ روح المعاني/  دار إحياء التراث العربي/بيروت.

9-  محمد بن علي الشوكاني/ فتح القدير/ عالم الكتب

( ج )كتب السير والتاريخ والشرح

 

1- السيرة النبوية لابن هشام/دار التقوى/مصر/الطبعة الأولى.

2-المغازي لموسى بن عقبة/جمع محمد باقشيش أبو مالك/جامعة ابن أزهر بالمغرب.

3- الطبقات لابن سعد/ تحقيق: إحسان عباس/ دار صادر – بيروت/ الطبعة : الأولى

4-مرويات الإمام الزهري في المغازي/المؤلف : محمد بن محمد العواجي/مكتبة المدينة/الطبعة الأولى

5-دلائل النبوة للبيهقي/  حققه:د.عبد المعطي قلعجى/ط:دار الريان للتراث/ط:الأولى

6-دلائل النبوة لإسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الأصبهاني/ دار طيبة – الرياض /الطبعة الأولى

7- دلائل النبوة لأبي بكر الفريابي /الناشر : دار حراء - مكة المكرمة/ الطبعة الأولى ،

8- مغازي الواقدي

9- الروض الأنف لأبي القاسم السهيلي.شرح السيرة لابن إسحاق

10- جوامع السيرة وخمس رسائل أخرى لابن حزم/ المحقق : إحسان عباس/ دار المعارف – مصر/ط:الأولى

11-تاريخ الطبري/ دار الكتب العلمية – بيروت / الطبعة الأولى ، 1407

12- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام لشمس الدين الذهبي/. دار الكتاب العربي./لبنان

13-البداية والنهاية لابن كثير/دار المنار/القاهرة/ط:الأولى

14- السيرة النبوية للصابوني/مكتبة فياض/مصر/الطبعة الأولى.

15- سير أعلام النبلاء للذهبي/تحقيق:محمد الشبراوي/دار الحديث/ط:2006

16-الإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر/ دار الجيل – بيروت/الطبعة الأولى ، 1412

17- تهذيب التهذيب - لابن حجر / دار الفكر – بيروت/ الطبعة الأولى ، 1404

18- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر/الناشر : دار المعرفة - بيروت ط: 1379

19-شرح النووي على مسلم/ دار إحياء التراث العربي – بيروت/ الطبعة الثانية ،

[1] - رواهما الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع(2/195).وابن عساكر في تاريخه .وأنظر:البداية والنهاية: لابن كثير(3/256، 257) ط/ دار المعرفة، (3/242) ط2/1978م مكتبة المعارف – لبنان.وسبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحي(4/10) ط1/1993 م دار الكتب العلمية بيروت - لبنان

[2] - البداية والنهاية لابن كثير(3/95)

[3] -  أنظر مغازي موسى بن عقبة .المقدمة ص 11

[4] - المجتمع المدني للدكتور أكرم العمري  ص (30) و أنظر  مقدمة السيرة الصحيحة له

[5] - أخرجه البخاري(3606) قال: حدثنا يحيى بن موسى حدثنا الوليد قال حدثني ابن جابر قال حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي قال حدثني أبو إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: فذكره .  وأخرجه مسلم(1847) قال:حدثنا ابن المثنى حدثنا الوليد بن مسلم به

[6] - . البخاري( 5/57 رقم 3902)قال: حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.. (و أطرافه 3851 ، 3903 ، 4465 ، 4979 ) ط: دار طوق النجاة-تحقيق : محمد زهير .ط الأولى .وأخرجه أحمد(1/371 رقم 3517)

([7]) انظر: فقه السيرة النبوية، للغضبان ص45. وانظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/46).

([8]) السيرة النبوية لأبي شهبة (1/47).ومدخل لفهم السيرة ص98، 99.

([9]) انظر: الطريق إلى المدائن، عادل كمال ص40.         

(1) انظر: السيرة النبوية لأبي شبهة (1/48).

 

( [11] ) – السيرة لابن هشام ( 1/9 )

([12]) البخاري،(4/147 رقم 3373 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ به... طرافاه 2899 ، 3507 .تحفة 4550                                         

( [13] ) -   البخاري(4/180) وانظر السيرة النبوية لأبي شهبة (1/48).

[14] - السيرة النبوية للصلابي (1/17-34)

[15] - الطبراني في الكبير(11/362 رقم 12021) قال حدثنا أبو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ ثنا أبو عَاصِمٍ أنا شَبِيبُ بن بِشْرٍ عن عِكْرِمَةَ عَنِ ابن عباس  به  قال في المجمع(6/198)ح11247:رواه البزار والطبراني ورجالهما رجال الصحيح غير شبيب بن بشر وهو ثقة أهـ .

 و أخرجه من طريق آخر أبو بكر الدينوري المالكي في كتابه المجالسة وجواهر العلم (8/184رقم 3489) فقال : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ، نا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ ، نا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ ، نا سَعْدَانُ بْنُ الْوَلِيدِ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : {وَتَقَلًّبَكَ فِي السَاجدينَ } [ الشعراء : 219 ] ؛ قَالَ : مَا زَالَ يَتَقَلَّبُ فِي أَصْلابِ الأَنْبِيَاءِ حَتَّى وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ؛ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وأخرجه ابن عساكر(3/402رقم 759):أخبرنا أبو محمد بن طاوس أخبرنا عاصم بن الحسن أنبأنا ابن مهدي أنبأنا الحسن بن يحيى بن عياش القطان أنبانا عبد الله بن أحمد بن محمد بن أيوب المخزومي أنبأنا الحسن بن بشر أنبأنا سعدان بن الوليد -بياع السابري- عن عطاء بن أبي رباح في قوله تعالى " وتقلبك في الساجدين..فذكره. [السابري : ثوب رقيق جيد أو درع دقيقة النسج في إحكام  ( القاموس )]

قال الحاكم في المستدرك (4/116):« سعدان بن الوليد البجلي كوفي قليل الحديث ولم يخرجا عنه »

 

 

[16] - أجمع العلماء على هذا النسب إلى عدنان واختلفوا فيما فوق عدنان, وفي السيرة لابن هشام : عدنان ابن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن نابت بن اسماعيل بن ابراهيم خليل الرحمن بن تارح ـ و هو آزر ـ بن ناحور بن ساروح بن راعو بن فالخ بن عير بن شالخ بن أرفحشد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن اخنوخ ـ و هو ادريس النبي صلى الله عليه و سلم فيما يزعمون و الله أعلم و كان أول بني آدم أعطي النبوة و خط بالقلم ـ بن يرد بن مهليل بن قين بن أنوش بن شيث بن آدم أبو البشر صلى الله عليه و سلم.

 وأعمامه صلى الله عليه وسلم :  الحارث و الزبير و حمزة و العباس -و يكنى أبا الفضل- وأبو طالب -و اسمه عبد مناف- و أبو لهب -و اسمه عبد العزى- و عبد الكعبة -وهو المقوم و قيل : هما اثنان --و حجل و اسمه المغيرة -والغيداق و سمي بذلك لكثرة جوده وأصل اسمه نوفل و قيل : حجل- و ضرار

وعماته صلى الله عليه وسلم :صفية وعاتكة و أروى و أميمة و برة و أم حكيم (و هي البيضاء ).

هؤلاء كلهم أولاد عبد المطلب و اسمه شيبة الحمد على الصحيح . وهو عبد المطلب بن هشام و اسمه عمرو وهو أخو المطلب ـ و إليهما نسب ذوي القربى ـ و عبد شمس و نوفل أربعتهم أبناء عبد مناف أخي عبد العزى و عبد الدار و عبد أبناء قصي و اسمه زيد و هو أخو زهرة ابنا كلاب أخي تيم و يقظة أبي مخزوم ثلاثتهم أبناء مرة أخي عدي و هصيص و هم أبناء كعب أخي عامر و سامة و خزيمة و سعد و الحارث و عوف سبعتهم أبناء لؤي أخي تيم الأدرم ابني غالب أخي الحارث و محارب بني فهر أخي الحارث ابني مالك أخي الصلت و يخلد بني النضر أخي مالك و ملكان و عبد مناة و غيرهم بني كنانة أخي أسد و أسدة الهون بني خزيمة أخي هذيل ابن مدركة واسمه عمرو و هو أخو طابخة واسمه عامر و قمعة وثلاثتهم أبناء إلياس أخي الناس وهو عيلان و الدقيس كلها كلاهما ولد مضر أخي ربيعة وهما الصريحان من ولد إسماعيل و أخي أنمار و إياد و قد تيامنا أربعتهم أولاد نزار أخي قضاعة في قول أكثر أهل النسب كلاهما ابنا معد بن عدنان فجميع قبائل العرب ينتسبون إلى من ذكرت من أبناء عدنان

و قد بين ذلك الحافظ أبو عمر النمري في كتاب الإنباه بمعرفة قبائل الرواة بيانا شافيا رحمه الله تعالى.أنظر الفصول في السيرة(1/83)

 

[17] - البخاري(4818) قال:حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال سمعت طاوسا عن ابن عباس.فذكره.. وطرفه 3497 - تحفة 5731

[18] - موطأ مالك  (1823 - رواية يحيى الليثي)عن ابن شهاب الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم به.  و أخرجه البخاري (3339) قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثني معن عن مالك به. ومسلم(2354).وأحمد(4/ 80 رقم16780) عن سفيان عن الزهري به.

[19] -  صحيح مسلم ( 2355 ) قال:حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا جرير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى الأشعري... وأخرجه أحمد(4/ 395 )

[20] -  مسند أحمد(4/  405 )قال: ثنا أسود بن عامر ثنا أبو بكر عن عاصم عن أبي وائل..به.

قال الأرنؤوط:صحيح لغيره، وهذا الإسناد قد اختلف فيه على أبي بكر بن عياش، فرواه

بعضهم عنه، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن حذيفة كما هنا، ورواه بعضهم عنه، عن عاصم، عن زر بن حبيش عن حذيفة، وهو الصواب، فقد رواه كذلك على الجادة عن عاصم: حماد بن سلمة وإسرائيل بن يونس ، كما سلف عند الرواية (23443) .

وأخرجه ابن عساكر في السيرة النبوية من "تاريخ دمشق" ص 21 من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد.

وأخرجه البزار في "مسنده" (2887) من طريق أسود بن عامر، به.

وأخرجه الترمذي في "الشمائل" (360) ، وابن الأعرابي في "المعجم" (303) ، والبغوي في "شرح السنة" (3631) ، وابن عساكر ص 21 من طريق محمد بن طريف، عن أبي بكر بن عياش، به.

([21]) صحيح البخاري(3491)حدثنا قيس بن حفص حدثنا عبد الواحد حدثنا كليب بن وائل به .

([22] )- مسند أحمد (5/211رقم 21888) قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا حماد بن سلمة عن عقيل بن طلحة عن مسلم بن هيضم عن الأشعث فذكره  ..وقال الأرنؤوط : إسناده حسن رجاله ثقات غير مسلم بن هيصم فهو صدوق حسن الحديث أهـ . وأخرجه ابن المبارك في "مسنده" (161) ، والطيالسي (1049) ، وابن ماجه (2612) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (897) و (2425) ، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/60، والطبراني (645) ، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (929) ، والضياء في "المختارة" (1488) و (1489) ، والمزي في ترجمة عقيل بن طلحة من "تهذيب الكمال" 20/238-239 من طرق عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد ..والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة .
قال السندي: قوله: "إنا نزعم أنكم منا" قيل: قال ذلك لأن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت له جدة من كندة هي أم كلاب بن مرة، فذلك ما أراد الأشعث.

"لا نقفو أمنا" أي: لا نتبع الأمهات في الانتساب ونترك الآباء، بل نسبنا إلى الآباء دون الأمهات دائماً، وقيل: معنى لا نقفو أمنا، أي: لا نتهمها ولا نقذفها، من قفاه: إذا قذفه بما ليس فيه.

([23]) رواه مسلم(2276 ) حدثنا محمد بن مهران الرازي ومحمد بن عبدالرحمن بن سهم جميعًا عن الوليد (قال ابن مهران حدثنا الوليد بن مسلم) حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد أنه سمع واثلة بن الأسقع..فذكره..ورواه أحمد(4/107رقم 17027)عن أبي المغيرة عن الأوزاعي به

[24] ) - صحيح البخاري (3557) قال : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه. فذكره..ورواه أحمد(3/373 رقم 8844) عن سليمان عن إسماعيل عن عمرو به

[25] - مسند أحمد( 1/210 رقم 1788) ثنا أبو نعيم عن سفيان عن يزيد بن أبى زياد عن عبد الله بن الحرث بن نوفل  عن المطلب به.. وقال الأرنؤوط: حسن لغيره، يزيد بن أبي زياد- وإن كان فيه ضعف- حديثه حسن في المتابعات، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين غيرَ المطلب بن أبي وداعة، فمن رجال مسلم. أبو نعيم: هو الفضل بن دُكين، وسفيان: هو الثوري.

وأخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" 1/169-170 من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، بهذا الإسناد.

وأخرجه يعقوبُ بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 1/499، ومن طريقه البيهقي 1/169-170، عن أبي نعيم، عن سفيان، عن يزيد، عن عبد الله بن الحارث، عن المطلب بن أبي وداعة قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبلغه بعض ما يقول الناس ... فذكره.

وأخرجه يعقوبُ بن سفيان 1/497، والترمذي (3607) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" 1/167 - 168، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (16) من طريق عبيد الله بن موسى، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن العباس- وقال الترمذي: حديث حسن.

وفي الباب عن وائلة بن الأسقع عند مسلم (2276) ، والترمذي (3605) .

وأخرجه الترمذي( 3532) وقال: هذا حديث حسن، وذكره الألباني في صحيح الجامع (1485).

 

([26] ) - البخاري(7) قال: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش...ثم ساق الحديث

([27] ) - مسلم(4/ 1782رقم 2278 )قال:حدثني الحكم بن موسى أبو صالح حدثنا هقل ( يعني ابن زياد ) عن الأوزاعي حدثني أبو عمار حدثني عبدالله بن فروخ حدثني أبو هريرة.فذكره.

[28] -  رواه الحاكم 4 /97 رقم 6996. قال:أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد المهرجاني ، ثنا عبد العزيز بن معاوية ، ثنا أبو سفيان زياد بن سهل الحارثي ، ثنا عمارة بن مهران المعولي ، ثنا عمرو بن دينار ، عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر فذكره..، وصححه .وسكت عنه الذهبي. وأخرجه بنحوه الطبراني في الكبير 12 / 445، والأوسط(6/200) حدثنا عَبْدَانُ بن أَحْمَدَ وأبو حَنِيفَةَ محمد بن حَنِيفَةَ الواسطي قَالا ثنا أَحْمَدُ بن الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ ثنا حَمَّادُ بن وَاقِدٍ الصَّفَّارُ ثنا محمد بن ذَكْوَانَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن ابن عمر.بلفظ: وَخَلَقَ الْخَلْقَ فَاخْتَارَ مِنَ الْخَلْقِ بني آدَمَ وَاخْتَارَ من بني آدَمَ الْعَرَبَ وَاخْتَارَ مِنَ الْعَرَبِ مُضَرَ وَاخْتَارَ من مُضَرَ قُرَيْشًا وَاخْتَارَ من قُرَيْشٍ بني هَاشِمٍ وَاخْتَارَنِي من بني هَاشِمٍ فَأَنَا من خِيَارٍ إلى خِيَارٍ فَمَنْ أَحَبَّ الْعَرَبَ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَ الْعَرَبَ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ". ورواه أبو نعيم وابن عدي في الكامل 2 / 803. وقال الهيثمي(8/397): وفيه حماد بن واقد وهو ضعيف يعتبر به، وبقية رجاله وثقوا.

 ورواه ابن سعد(1/21) عن عبد الله بن عبيد بن عمير مرسلاً ..ورواه البيهقي في سننه(7/216رقم 13765) أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أنبأ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالُوا: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بن الحسين . فذكره..وقال: هَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ.. وأخرجه ابن سعد (1/20) عن جعفر بن محمد بن على بن حسين عن أبيه به. وله شاهد عن ابن عمرو. ذكره الحكيم الترمذي (1/331) ، وأخرجه الطبرانى فى الكبير (12/455 رقم 13650) . وأخرجه أيضًا: فى الأوسط (6/199 رقم 6182) قال الهيثمى (8/215) : فيه حماد بن واقد، وهو ضعيف يعتبر به، وبقية رجاله وثقوا.أهـ

[29] -  رواه ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي.

قال ابن دحية رحمه الله تعالى: هذا سند لا يساوي شيئا يدور على وضاع وهو أبو يحيى وضعيف وهو سيف.

وليس كذلك فإن أبا يحيى التميمي اثنان أحدهما إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، فهذا هو الوضاع المجمع على تركه، وليس هو الذي في سند هذا الحديث.

والثاني أبو يحيى إسماعيل بن إبراهيم التيمي. كذا سمي هو وأبوه وفي رواية ابن عساكر وهو كما قال الحافظ في التقريب ضعيف.

والله تعالى أعلم. أنظر: انظر الشفا للقاضي عياض 1 / 448.وسبيل الهدى والرشاد

 

[30] - أخرجه الطبرانى (3/56 ، رقم 2674) قال:حدثنا محمد بن عبد اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثنا يحيى بن عبد الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ ثنا قَيْسُ بن الرَّبِيعِ عَنِ الأَعْمَشِ عن عَبَايَةَ بن رِبْعِيّ عن ابن عباس.به.ٍو قال الهيثمى (8/215) : فيه يحيى بن عبد الحميد الحمانى ، وعباية بن ربعى ، وكلاهما ضعيف . وذكره الحكيم الترمذي (1/330)  والبيهقى فى الدلائل (1/170) ، وأورده ابن أبى حاتم فى العلل (2/394 ، رقم 2693) وقال قال أبى : هذا حديث باطل .

 

[31] -  الطبراني في الأوسط(6/237 رقم6285 ) قال:حدثنا محمد بن علي نا حفص بن عبد الله الحلواني ثنا بكار بن عبد الله الربذي عن موسى بن عبيدة قال أخبرني عمرو بن عبد الله بن نوفل العوفي عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة به.. وقال:لايروى هذا الحديث عن الزهري إلا بهذا الآسناد تفرد به موسى بن عبيدة ولايروي عن عائشة إلا بهذا الإسناد. وقال الهيثمي في المجمع(8/217): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف.

وذكره السيوطي في الجامع(رقم 15067): وقال(أخرجه الحاكم فى الكنى ، وابن عساكر عن عائشة وصحح). وقال المناوى (4/500) : قال ابن حجر فى أماليه : لوائح الصحة ظاهرة على صفحات هذا المتن .

[32] -   رواه ابن أبي عمر العدني في مسنده. ثنا عمر بن خالد، حدث الحلبي محمد بن عبد الله، عن عبدلله بن الفرات، عن عثمان بن الضحاك، عن ابن عباس به..ذكره ابن حجر في المطالب العالية (4256).والبوصيري في إتحاف المهرة بزوائد المسانيد العشرة(6307)

[33] -  أخرجه الطبرانى فى الأوسط (4/135 ، رقم 3802) قال: حدثنا علي بن سعيد الرازي قال : نا بشر بن معاذ العقدي قال : حدثني محمد بن عبد الرحمن بن رواد قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن أبي هريرة.فذكره..وقال:لا يروى هذا الحديث عن ابي هريرة الا بهذا الاسناد تفرد به بشر بن معاذ. و قال الهيثمى (8/217) : فيه من لم أعرفه. وحسن الحافظ أبو الفضل العراقي إسناده.

 

[34] -  رواه الحكيم الترمذي(1/332) وذكره السيوطي في الجامع(1/204 رقم 326) وقال(الحكيم: عن جعفر بن محمد عن أبيه معضلاً).

[35] -  هذا ما جزم به ابن إسحاق ورجحه الواقدي وابن سعد والبلاذري، وصححه الذهبي وقال ابن كثير إنه المشهور.

وقال ابن الجوزي: إنه الذي عليه معظم أهل السير،  ورواه الحاكم وصححه، وأقره الذهبي عن قيس بن مخرمة رضي الله تعالى عنه.وانظر سبل الهدى والرشاد(

 

([36]) رواه أحمد (5/262) رقم(22315) قال: ثنا أبو النضر ثنا الفرج ثنا لقمان بن عامر قال سمعت أبا أمامة.فذكره   ، واخرجه الطيالسي(1/155)والحاكم (2/600) مجمع الزوائد (8/222), والحديث صحيح لغيره ، فله شواهد   تقويه، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

([37]) رواه الحاكم (2/656 ، رقم 4174)قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا أحمد بن عبد الجبار ، ثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، قال : حدثني ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان به. وقال : « خالد بن معدان من خيار التابعين ، صحب معاذ بن جبل فمن بعده من الصحابة فإذا أسند حديثا إلى الصحابة فإنه صحيح الإسناد ولم يخرجاه » وصححه البيهقي والذهبي. مجمع الزوائد (8/222)

([38])   رواه البخاري(6881)     . ومسلم(1920)واللفظ له

([39]) انظر: تفسير ابن كثير (1/184)  (هم بالشام) في مسند أبي يعلى (13/3209) من حديث معاوية

[40] -  البداية والنهاية  لابن كثير (2/256 ) وصحيح السيرة للألباني ص 10. ومن المرسل ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه(1/ 432)  قال :حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه-وهو محمد الباقر-فذكره..وما رواه عبد الرزاق  عن ابن جريج عن جعفر عن أبيه- .ورواه أيضًا ابن سعد(1/50) عن أَنَس بْن عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ .

 

[41] - قال ابن أبي عمرالعدني: ثنا محمد بن جعفر بن محمد، قال: أشهد على أبي لحدثني عن أبيه، عن جده، عن علي فذكره.. ذكره البوصيري في إتحاف المهرة بزوائد المسانيد العشرة(6308). وقد أخرجه الطبراني في الأوسط (5/80 رقم 4728) : قال :حدثنا عبد الرحمن بن سلم الرازى قال حدثنا محمد بن أبي عمر العدني ...فذكره ثم قال: لم يرو هذا الحديث عن محمد بن جعفر إلا محمد بن أبي عمر أهـ وقال الهيثمي في المجمع :رواه الطبراني في الأوسط، وفيه محمد بن جعفر بن محمد بن علي، صحح له الحاكم في المستدرك وقد تكلم فيه، وبقية رجاله ثقات.أهـ .

وقال الذهبي في الميزان( 3/500 ترجمة رقم 7311 ):تكلم فيه. حدث عنه إبراهيم بن المنذر، ومحمد بن يحيى العدنى.

دعا إلى نفسه في أول دولة المأمون، وبويع بمكة سنة مائتين، فحج حينئذ المعتصم، وهو أمير، وظفر به، واعتقله ببغداد، فبقى بها قليلا. وكان بطلا شجاعا يصوم يوما ويفطر يوما.مات سنة ثلاث ومائتين، وقد نيف على السبعين. وقبره بجرجان  .

ذكره ابن عدي في الكامل. وقال البخاري: أخوه إسحاق أوثق منه أهـ

وقال الخطيب في تاريخ بغداد( 2/112):هو أخو إسحاق وموسى وعلي بني جعفر. حدث عن أبيه. روى عنه إبراهيم بن المنذر الخزامي، وعتيق بن يعقوب الزبيري، ويعقوب بن حميد بن كاسب، ومحمد ابن منصور  الجواز ، ومُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن أَبِي عُمَر العَدَني.أهـ.

 

[42] -  البيهقي في السنن الكبرى(13854 ) قال:أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنبأ أبو علي حامد بن محمد الرفاء أنبأ علي بن عبد العزيز ثنا محمد بن أبي نعيم ثنا هشيم حدثني المديني..به. وقال الهيثمي: رواه الطبراني عن المديني عن أبي الحويرث، ولم أعرف المديني ولا شيخه، وبقية رجاله وثقوا.

[43] - عيون الأثر لابن سيد الناس(1/ 30)

 

[44] -  رواه ابْنِ سَعْدٍ(1/50) عن هِشَام بْن مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ .وانظر: عيون الأثر لابن سيد الناس(1/ 30)

 

[45] - طبقات ابن سعد(1/86): أخبرنا هشام بن محمد بن السائب(الكلبي) قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن الأنصاري عن جعفر به. وهشام ضعيف وهو صاحب كتاب الأصنام

[46] -  الطبراني في الكبير(3/137رقم 2917) قال:حدثني الْعَبَّاسُ بن حَمْدَانَ الْحَنَفِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ ثنا عَلِيُّ بن أَحْمَدَ الْجَوَارِبِيُّ الْوَاسِطِيُّ ثنا يَعْقُوبُ بن مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ ثنا عبد الْعَزِيزِ بن عِمْرَانَ عن عبد اللَّهِ بن جَعْفَرٍ الْمَخْرَمِيِّ عن أبي عَوْنٍ مولى الْمِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ عن ابن عباس به. ورواه ابن سعد والحاكم (2/656 رقم 4176 ) وأبو نعيم(74) عن العباس بن عبد المطلب عن أبيه ..وقال الذهبي في التلخيص على المستدرك : يعقوب وشيخه ضعيفان .أهـ .و في المجمع(8/422) قال: رواه الطبراني، وفيه عبد العزيز بن عمران وهو متروك.أهـ

[47] - ابن سعد(1/96) قال: أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس به.وهشام ضعيف وأبوه مفسر نسابة ولكنه اتهم بالكذب ورمي بالرفض .وتركه يحيى وابن مهدي. و قال ابن حبان : وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق فى وصفه ، روى عن أبى صالح التفسير ، و أبو صالح لم يسمع من ابن عباس ، لا يحل الاحتجاج به .

و قال الساجى : متروك الحديث ، و كان ضعيفا جدا لفرطه فى التشيع ، و قد اتفق ثقات أهل النقل على ذمه و ترك الرواية عنه فى الأحكام و الفروع .

قال الحاكم أبو عبد الله : روى عن أبى صالح أحاديث موضوعة .

و ذكر عبد الغنى بن سعيد الأزدى أنه حماد بن السائب الذى روى عنه أبو أسامة .

و تقدم فى ترجمة عطية أنه كان يكنى الكلبى أبا سعيد و يروى عنه . اهـ  تهذيب التهذيب 9 / 180

[48] -  ابن سعد(1/96) وهشام شيخ ابن سعد ضعيف كما سبق، والخبر معضل( منقطع). وابن سعد عن أبي يزيد المديني. وقد رواه أبو نعيم – متصلاً من طريق آخر- في الدلائل ( رقم 74) قال:حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطبراني، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. والحديث أخرجه الخرائطي  وابن عساكر من طريق عطاء عن ابن عباس أيضًا . ورجاله ثقات إلا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ فهو صدوق كثير الأوهام كما ذكر الحافظ ، وضعفه النسائي وأبو داود و قال البخارى : منكر الحديث . ووثقه يحيى بن معين والدارقطني ، و ذكره ابن حبان فى كتاب " الثقات " و قال : كان من فقهاء أهل الحجاز ، و منه تعلم الشافعى الفقه ، و إياه كان يجالس قبل إن يلقى مالك بن أنس ، و كان مسلم بن خالد يخطىء أحيانا.أهـ.تهذيب التهذيب(10 / 129)

* محمد بن عمارة القرشي: قال الخليلي في "الإرشاد" (2/ 618) : "ثقة"

* عَلِيُّ بنُ حَرْبِ الطَّائِيُّ.قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْق وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ. انظرسير أعلام النبلاء (12/ 251رقم 93) ط الرسالة

* أحمد بن محمد بن صَدَقَة. ذكره في كتاب الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة (2/ 42رقم 684) وقال: قال مسلمة: ثقة، روى عنه العقيلي. قلت: في هذه الطبقة أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة أبو بكر الحافظ ، فالله أعلم.أهـ

* وابن جريج وشيخه عطاء بن أبي رباح أئمة ثقات إلا أن ابن جريج كان مع جلالته مدلسًا .

والخبر روى نحوه البيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عكرمة عن ابن عباس، قال  البيهقي في الدلائل( 1/ 107- 108) أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، قال: حدثنا عبد الباقي بن قانع، قال: حدثنا عبد الوارث بن إبراهيم العسكري، قال: حدثنا مسدّد، قال: حدثنا مسلمة بن علقمة، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة، عن ابن عباس..  

ومسلمة بن علقمة صدوق له أوهام لكنه ثبت في أحاديثه عن داود بن أبي هند .(انظر:تهذيب التهذيب 10 / 145)،وشيخه داود ثقة متقن  من رجال الشيخين (انظر:تهذيب التهذيب 3 / 204) وشيخه عكرمة – تلميذ ابن عباس- ثقة ثبت عالم بالتفسير ( انظر:تهذيب التهذيب 7 / 271 )

وابن قانع صدوق، قال الذهبي قي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (15/ 526): 303 - ابْنُ قَانِعٍ عَبْدُ البَاقِي بنُ قَانِعٍ البَغْدَادِيُّ الإِمَامُ، الحَافِظُ، البَارِعُ، الصَّدُوْقُ - إِنْ شَاءَ اللهُ - القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ عَبْدُ البَاقِي بنُ قَانِعِ بنِ مَرْزُوقِ بنِ وَاثقٍ الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُم، البَغْدَادِيُّ، صَاحبُ كتَابِ (مُعجَمِ الصَّحَابَةِ) الَّذِي سَمِعْنَاهُ. وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.أهـ وقال الذهبي في تاريخ الإسلام [ت: بشار (6/ 776)]:

342 - عبد الوارث بن إِبْرَاهِيم، أَبُو عبيدة العسكري. [الوفاة: 281 - 290 هـ]

عَنْ: وَهْب بن محمد البناني، وكثير بن يَحْيَى، ومسدد، وَمحمد بن جامع العطار. وَعَنْهُ: الطَّبَرَانيّ، وابن قانع.

تُوُفِّي سنة تسع وثمانين.أهـ

[49] -  أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة (رقم 72) قال: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ السِّندِي، ثنا النَّضْرُ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ فذكره.ثم قال: رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَامِرَ بْنَ سَعِيدٍ .ثم روى نحوه (رقم 73)قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْخَلَّالُ الْمَكِّيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ الْجَوَّازِ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، يَقُولُ: " نَحْنُ أَعْظَمُ خَلْقِ اللَّهِ بَرَكَةً، وَأَكْثَرُ خَلْقِ اللَّهِ وَلَدًا، خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ذَاتَ يَوْمٍ مُتَحَضِّرًا مُتَرَجِّلًا، حَتَّى جَلَسَ فِي الْبَطْحَاءِ، فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ لَيْلَى الْعَدَوِيَّةُ، فَدَعَتْهُ إِلَى نَفْسِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَرْجِعُ إِلَيْكِ، وَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، فَقَالَ لَهَا: اخْرُجِي، فَوَاقَعَهَا، وَخَرَجَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ لَيْلَى، قَالَتْ: مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَيْكِ، قَالَتْ لَيْلَى: لَقَدْ دَخَلْتَ بِنُورٍ مَا خَرَجْتَ بِهِ، وَلَئِنْ كُنْتَ أَلْمَمْتَ بِآمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ لَتَلِدَنَّ مَلِكًا "قال في موسوعة أقوال أبي الحسن الدارقطني في رجال الحديث وعلله (2/ 599 رقم 3215):محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، الزهري،، القُرَشِيّ، أبو إسحاق، المَدَنِيّ.• ذكره الدَّارَقُطْنِيّ في «الضعفاء والمتروكين» (457) ، وقال عن أبي الزناد، والزهري. • وقال ضعيف. «الميزان» 3 (7874) أهـ.

قال البخاري في التاريخ الكبير بحواشي محمود خليل (1/ 167ترجمة رقم 499): منكَرُ الحديثِ.أهـ

وأيضًا عبد العزيز بن عمران، متروك.

 

 

[50] - ابن سعد(1/99)قال: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي، أخبرنا موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن كعب به. وعن سعيد بن أبي زيد عن أيوب به . والواقدي شيخ ابن سعد متروك ،وشيخه موسى ضعيف.وفي الطريق الآخر: سعيد شيخ ابن سعد ثقة ،والخبر مرسل.

.وفي سبل الهدى والرشاد(1/331):قال الحافظ العلائي وابن حجر:إن عمره_أي:والد النبي- كان يوم توفي ثماني عشرة سنة.

 

[51] - مسلم ( 1162 ) قال:حدثني زهير بن حرب حدثنا عبدالرحمن بن مهدي حدثنا مهدي بن ميمون عن غيلان عن عبدالله بن معبد الزماني عن أبي قتادة..

[52] - تاريخ خليفة بن خياط ص 2

[53] - مستدرك الحاكم(2/658) قال:حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصنعاني ثنا حجاج بن محمد ثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه .وقال الذهبي  : على شرط مسلم.

 

[54] - أخرجه ابن سعد(1/101) قال: أخبرنا يحيى بن معين، أخبرنا حجاج بن محمد، أخبرنا يونس ابن أبي سحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس..ورجاله ثقات إلا أنه سقط  منه أبو إسحاق السبيعي والد يونس كما في رواية مسلم السابقة

[55] - السيرة لابن هشام(1/159-السقا) و أخرجه أحمد(4/215رقم 17922)عن يَعْقُوبُ، عن أبيه عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ به.. وحسنه المحقق(شعيب الأرنؤوط) وكذا رواه الترمذي(3619) وقال:حسن غريب،والحاكم(2/659) وقال : صحيح على شرط مسلم. وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 7/145، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 1/296، ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 1/478، والطحاوي في "شرح المشكل" (5968) و (5969) ، وابن قانع في "معجم الصحابة" 2/349، والطبراني في "الكبير" 18/ (872) و (873) وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (85) ، والبيهقي في "الدلائل" 1/76 و77 من طرق عن ابن إسحاق، به.

. واللدان - بكسر اللام- هما اللذان ولدا معاً،قال ابن الأثير في "النهاية" 4/246: في الحديث: "أنا لِدَةُ رسول الله"، أي: تربه، يقال: ولدت المرأة ولاداً وولادةَ، ولدةَ فسُمي بالمصدر، وأصله: وِلْدَة، فعُوضَت الهاء من الواو، وجمع اللدة: لِدات.

[56] -الأحاد والمثاني(2/183 رقم  927) لابن أبي عاصم قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي نا عبد العزيز بن أبي ثابت نا الزبير بن موسى عن أبي الحويرث قال سمعت عبد الملك بن مروان... وأخرجه الحاكم(3/724) وسكت عنه الذهبي.

([57]) البخاري (2731 ) ، باب الشروط . قال: حدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر  قال أخبرني الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان...

ومعنى (حل حل) صوت تزجر به الدابة لتحمل على السير. (فألحت) لزمت مكانها ولم تنبعث. (خلأت) حزنت وتصعبت. (القصواء) من القصو وهو قطع طرف الأذن سميت به ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن طرف أذنها كان مقطوعا. (بخلق) بعادة. (حبسها) منعها من السير ودخول مكة. (حابس الفيل) الله تعالى الذي حبس الفيل حين جيء به لهدم الكعبة

 

[58] - تاريخ خليفة بن خياط(1/53) قال:أخبرنا شُعَيْبُ بْنُ حَيَّانَ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به...والكلبي كذاب وله نسخة عن أبي صالح تكلم عليها العلماء.

[59] -  طبقات ابن سعد(1/100)  قال: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن أبي جعفر محمد بن علي... والحديث مرسل وفي سنده الواقدي وأبو بكر بن أبي سبرة متروكان. مع العلم بأن الحافظ الدمياطي صحح هذا القول في تاريخ الميلاد الشريف. كما ذكر صاحب الهدى والرشاد(1/336) وقال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: لاثنتي عشرة ليلة (خلت) منه .ورواه ابن أبي شيبة في المصنف عن جابر وابن عباس

[60] - ابن سعد(1/98) وشيخه متروك

[61] - ابن سعد(1/103) وشيخه متروك

[62] - أبو نعيم (1/136ح78)- بسند واه جدًا.وذكره الصالحي في سبل الهدى والرشاد(1/329) وضعفه..وقال: قوله حين «حملت به» هي رؤيا منام وقعت في الحمل، وأما ليلة المولد فرأت ذلك رؤية عين أهـ

[63] - أبو داود الطيالسي( 2/458 رقم 1236) حدثنا فرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي أمامة الباهلي.. وأخرجه ابن سعد(1/102)عن سعد بن منصورعن فرج بن فضالة به.. وفرج بن فضاله ضعفوه وقواه أحمد و قال:إذا حدث عن الشاميين فليس به بأس.وشيخه هنا صدوق شامي. أنظر تهذيب التهذيب 8 / 262.والحديث صحيح لغيره.لشواهده عند أحمد وغيره. وآخر من حديث خالد بن معدان عن نفر من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند ابن إسحاق في "السيرة" 1/175- ومن طريقه أخرجه الطبري (2070) ، والحاكم (2/ 673 رقم 4230 )، والبيهقي في "الدلائل" 1/83- عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، به، بلفظ: "أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء له قصور الشام " وإسناده صحيح، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

[64] -   السيرة النبوية لابن هشام( 1/159-السقا )  قال محمد بن إسحاق:حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال : حدثني من شئت من رجال قومي ممن لا أتهم عن حسان بن ثابت فذكره . وأنظرمستدرك الحاكم(3/ 554 رقم6056 ) من طريق ابن اسحق، ورواه أبو نعيم في الدلائل((ص: 75)رقم 35) من طريق مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي، عَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فذكره..  وقال الألباني في صحيح السيرة:إسناده حسن __ فائدة: قال محمد بن إسحاق : فسألت سعيد بن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت فقلت : ابن كم كان حسان بن ثابت مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ؟ فقال : ابن ستين سنة وقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وخمسين سنة فسمع حسان ما سمع-أي من اليهودي- وهو ابن سبع سنين.أنظر سيرة ابن هشام( 1 / 159)

 

[65] - الحاكم(2/657 رقم 4177)حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْفَارِسِيُّ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا به..وقال صحيح الإسناد .وتعقبه الذهبي بالنفي.وأخرجه البيهقي في الدلائل(1/108) عن الحاكم به

[66] - ذكرالألباني في صحيح السيرة (ص:14) أنه لا يثبت في هذا الباب شيء... وأخرجه ابن جرير الطبري قي تاريخه( 1/459- 460) فقال:حدثنا علي بن حرب الموصلي قال حدثنا أبو أيوب يعلى بن عمران البجلي قال حدثني مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه وأتت له خمسون ومائة سنة قال: لما كانت ليلة ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام...إلخ ورواه البيهقي من حديث عبدالرحمن بن محمد بن إدريس عن علي بن حرب الموصلي بنحوه .وانظر البداية والنهاية(2/268-269)

 

[67] - الأحاد والمثاني(6/29 رقم 3210  ) لابن أبي عاصم: حدثنا محمد بن يحيى أبو عمرو الباهلي نا يعقوب بن محمد نا عبد العزيز بن عمران عن عبد الله بن عثمان بن أبي سليم عن أبيه عن ابن أبي سويد الثقفي.. وفي سنده يعقوب:وهو صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء،وشيخه: عبد العزيز بن عمران  متروك، وقال عنه أحمد: ما كتبت عنه شيئاً. «العلل» (5321) وقال الحافظ في تهذيب التهذيب 6 / 351 : و قال ابن حبان : يروى المناكير عن المشاهير . و قال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، منكر الحديث جدا ، قيل له : يكتب حديثه ؟ قال : على الاعتبار .

و قال ابن أبى حاتم : امتنع أبو زرعة من قراءة حديثه ، و ترك الرواية عنه .

و قال الترمذى ، و الدارقطنى : ضعيف .

و قال عمر بن شبة فى " أخبار المدينة " : كان كثير الغلط فى حديثه ، لأنه احترقت كتبه فكان يحدث من حفظه . اهـ .

[68] - ابن سعد(1/102): أخبرنا عفان بن مسلم ، أخبرنا حماد بن سلمة عن أيوب عن عكرمة.به. وهذا إسناد قوي لكنه مرسل .

[69] -  ابن سعد(1/103) أخبرنا يونس بن عطاء المكي، أخبرنا الحكم بن أبان العدني، أخبرنا عكرمة عن ابن عباس به.. وقال ابن حبان: يونس بن عطاء يروي العجائب، لا يجوز الاحتجاج به (الميزان للذهبي4/482 ترجمة رقم 9913) والحديث أخرجه أبو نعيم في الدلائل(1/154 ح92)  قال الحاكم في المستدرك(2/ 602) :تواترت الأحاديث أنه عليه السلام ولد مختونا أهـ..وأنكر العلماء قول الحاكم هذا

[70] -أبو نعيم في الدلائل (1/154ح91)حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا نُوحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَيْلِيُّ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، به.

واخرجه الطبراني في الأوسط(6/188) والصغير(2/145) قال:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ الْأُبُلِّيُّ الْمُؤَدِّبُ، قَالَ نا سُفْيَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِيُّ الْمِصِّيصِيُّ، قَالَ ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، به.وقال الطبراني:لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يُونُسَ إِلَّا هُشَيْمٌ، تَفَرَّدَ بِهِ سُفْيَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِيُّ "

قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (13 / 576-586 ): وقال ابن الجوزي – عن سفيان بن محمد- عقب الحديث:

"قال ابن عدي: كان يسرق الأحاديث، ويسوي الأحاديث، وفي حديثه

موضوعات. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به".

قلت: وقد توبع؛ فأخرجه أبو نعيم في "الحلية " (3/24) ، وفي "دلائل النبوة"(ص 110 - بيروت) ، وابن عساكر (ص 538) من طريق نوح بن محمد بن نوح،زاد ابن عساكر: وأبي الفضل محمد بن عبد الله المرجاني قالا: أنبأنا الحسن بن عرفة قال: ثنا هشيم بن بشير ... به. وقال أبو نعيم: "غريب من حديث يونس عن الحسن، لم نكتبه إلا من هذا الوجه"! .

وأعلّه ابن عساكر بقوله: "وهذا إسناد فيه بعض مَن يجهل حاله، وقد سرقه من ابن الجارود – وهو كذاب -؛ فرواه عن الحسن بن عرفة".ثم ساقه بإسناده عن أبي بكر محمد بن عبد الرحمن بن الجارود الرقي:

أنبأنا الحسن بن عرفة ... به".

قلت: وابن الجارود الرقي هذا لم أره فيما عندي من المراجع، مثل: "الميزان"و"اللسان " وغيرهما مثل: "الأنساب" للسمعاني، و"تاريخ الرقة" للقشيري الحراني.والله أعلم.

ومثله أبو الفضل محمد بن عبد الله المرجاني، لم أعرفه، وهذه النسبة:(المرجاني) لم يوردها السمعاني في "الأنساب"، ولا ابن الأثير في "اللباب ".

وأما نوح بن محمد بن نوح، فقد ذكره الذهبي في "الميزان " هكذا:"نوح بن محمد الأبلي. روى عن الحسن بن عرفة حديثاً شبه موضوع ".

قلت: يعني هذا، فقد ساقه الحافظ في "اللسان " من رواية أبي نعيم وقال عقبه:"كلهم ثقات إلا نوحاً فلم أر من وثقه، وقد روى هذا الحديث الحافظ ضياءالدين في "المختارة" من هذا الوجه، ومقتضاه على طريقته أنه حديث حسن ".

قلت: وقد فات الحافظ إشارة ابن عساكر إلى جهالة نوح هذا، وقرينه محمدابن عبد الله المرجاني؛ فلم يستدركه في "لسانه " على الذهبي، ومثله ابن الجارودالرقي الذي اتهمه ابن عساكر بالكذب والسرقة، لم يستدركه الحافظ أيضاً.

وهذه فوائد في ترجمة هؤلاء الثلاثة، تفرد بنقلها إلى القراء عن حافظ الشام ابن عساكر كتابي هذا. فالحمد لته على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله.

(تنبيه) : "الأبلي" هكذا بالموحدة وقع في "الميزان"، "والمغني"، وأما "اللسان "ففيه "الأيلي" بالمثناة، وكذلك هو في "الحلية"، ولم ينسب في "ابن عساكر".ثم إن الحديث قد روي عن بعض الصحابة من قولهم عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس من قوله هو عن نفسه، وهم: العباس بن عبد المطلب، وابنه عبد الله، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر.

1 - أما العباس، فقال ابن سعد في "الطبقات " (1/103) : أخبرنا يونس بن عطاء المكي: أخبرنا الحكم بن أبان العدني: أخبرنا عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال:

ولد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مختوناً مسروراً، قال: وأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده،وقال: ليكونن لابني هذا شأن، فكان له شأن.

ومن طريق ابن سعد أخرجه ابن عساكر (1/537) .وتابعه سليمان بن سلمة الخبائري: ثنا يونس بن عطاء ... به. أخرجه أبو نعيم في "الدلائل " (ص 110) ، والبيهقي في "دلائله" (1/114) ،ومن طريقه ابن عساكر 1/ (403) .

قلت: والخبائري هذا متهم؛ لكن متابعة ابن سعد إياه تدفع التهمة عنه وتعصبها بشيخهما يونس بن عطاء؛ فإنه متهم، قال ابن حبان: (3/141) :"يروي العجائب، لا يجوز الاحتجاج به ".

وقال الحاكم وأبو سعيد النقاش وأبو نعيم: "روى عن حميد الطويل الموضوعات ".

إذا عرفت هذا؛ فقد تساهل ابن عبد البر حين قال في مقدمة "الاستيعاب " عقب الحديث: "وليس إسناد حديث العباس هذا بالقائم".

2 - وأما عبد الله بن عباس، فقال جعفر بن عبد الواحد: قال لنا صفوان بن هبيرة ومحمد بن بكر البرساني عن ابن جريج عن عطاء عنه قال: ... فذكره مثل الذي قبله دون قوله: "وأعجب ذلك ... ".

أخرجه ابن عدي في "الكامل " (2/155) وابن عساكر أيضاً. قلت: وجعفر هذا قال الدارقطني: "يضع الحديث

وفي ترجمته ساقه ابن عدي في أحاديث أخرى له، ثم قال:

"وهذه الأحاديث كلها بواطيل، وبعضها سرقها من قوم، وله غيرها من المناكير، وكان يتهم بوضع الحديث ".

ونقل هذا عنه الخطيب في "التاريخ " (5/173 - 175) وذكر له بعض الأحاديث نقل عن أبي زرعة أنه قال ببطلانها. ثم ذكر أنه كان من حفاظ الحديث، وكانت له بلاغة ولَسَن.

3 - وأما أبو هريرة، فقال محمد بن كثير الكوفي: أنبأنا إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن أبي هريرة ... به.أخرجه ابن عساكر. وآفة هذا محمد بن كثير الكوفي، قال الإمام أحمد:

"خرقنا حديثه ". وقال البخاري: " منكر الحديث ". وقال ابن عدي (6/254) : "والضعف على حديثه بيِّن ". وإسماعيل بن مسلم هو. المكي أبو إسحاق البصري، كما في "تهذيب المزي"،

وهو مثل محمد بن كثير أو قريب منه؛ فقد قال فيه الإمام أحمد:"منكر الحديث". وقال البخاري في "التاريخ" (1/1/372) : "تركه يحيى، وابن مهدي، وابن المبارك، وربما روى عنه ".وقد وثقّ هو وابن كثير الكوفي.

 

4 - وأما ابن عمر، فقال محمد بن محمد بن سليمان: أنبأنا عبد الرحمن ابن أيوب الحمصي: أنبأنا موسى بن أبي موسى المقدسي: حدثني خالد بن سلمة عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ ... به.

أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان " (1/156) ومن طريقه ابن عساكر قال:حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن خالد الخطيب المُلْحَمي: ثنا محمد بن محمد بن سليمان ... به.

أورده أبو نعيم في ترجمة الملحمي هذا، ووصفه بـ "المعدل المقرئ "، وقال:"توفي بعد الستين، حدث عن العراقيين والأصبهانيين ".

ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وأنا أخشى أن يكون هو أحمد بن محمد بن حرب أبو الحسن الملحمي المترجم في "كامل ابن عدي" (1/200 - 202) ، و"تاريخ جرجان" (ص 72 - 73) ، و"ضعفاء ابن حبان " (1/154) ، و"أنساب السمعاني "،فإنه من هذه الطبقة، ومن شيوخ ابن عدي، وقد ساق له عدة أحاديث تدل على سوء حاله، وذكر أنه مولى سليمان بن علي الهاشمي؛ يتعمد الكذب ويلقن

فيتلقن، وختم ترجمته بقوله:"هو مشهور بالكذب، ووضع الحديث ". وقال ابن حبان:"كذاب يضع الحديث، كان في أيامنا باقياً ".

وهناك راو آخر يلتقي مع هذين في التكني بـ "أبي الحسن" وبالأول في نسبة "المقرئ"، وفي الرواية عن الباغندي، وعنه أبو نعيم، وهو أحمد بن محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم أبو الحسن المقرئ العطار. هكذا ساقه الخطيب في "التاريخ " (4/429) ، وذكر أنه روى عن جمع منهم محمد بن محمد بن سليمان

الباغندي، وقال: "حدثنا عنه أبو نعيم الحافظ، و ... و ... و ... وكان يظهر النسك والصلاح،

ولم يكن في الحديث ثقة، قال حمزة بن يوسف: حدث عمن لم يره، ومن مات قبل أن يولد".

قلت: وهذه الصفة مما وصف بها ابنُ عدي ابن حرب الملحمي؛ فإنه ذكر عنه:

أنه قال: "حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان، وزعم أنه كتب عنه بجرجان، وكذب؛ لأن إبراهيم ما دخل جرجان قط، ومات قبل أن يولد أحمد بن محمد بن حرب "!

فهذا الاشتراك في هذه الصفة وفيما قبلها مما يلقي في النفس أنهم شخص واحد، ولا ينافي ذلك الاختلاف في أسماء الأجداد؛ لأنه قد ينسب الراوي أحياناً إلى الجد الأدنى، وتارة إلى الأعلى، وبعضهم لا يسوق النسب بتمامه الذي يعرف به، وهذا معلوم عند العارفين بالتراجم؛ كما أنه لا ينافي ذلك أن هذا بغدادي،

والأولين جرجانيَّان؛ لأ نه قد يكون جرجانياً ولادة بغدادياً وفاة، أو العكس. ثم إن هذا يلتقي أيضاً مع الذي قبله في كونه متهماً؛ فروى الخطيب عن أبي القاسم الأزهري أنه قال: " لم يكن أبو الحسن بن مقسم ثقة. وقال مرة: كان كذاباً ".

وجملة القول؛ هذا ما انقدح في نفسي، ولم أجد من تكلم في شيء من هذا، فإن أصبت؛ فمن الله، وإلا؛ فمن نفسي، فمن كان عنده شيء؛ فليدل به، ونحن له من الشاكرين.

وفي الإسناد علل أخرى، منها أن محمد بن محمد بن سليمان الباغندي مع كونه من الحفاظ الكبار المشهورين؛ فقد اتهمه بعضهم بالكذب، ورد ذلك الذهبي بقوله في "الميزان ":

"قلت: بل هو صدوق من بحور الحديث، قيل: إنه أجاب في ثلاثماثة ألف مسالة فِي حَدِيثِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". وقال الدارقطني في "الضعفاء":

"الباغندي مدلس مخلط، يسمع من بعض رفاقه، ثم يسقط من بينه وبين شيخه، وربما كانوا اثنين وثلاثة، وهو كثير الخطأ ".

فأقول: لعل اتهام من اتهمه؛ إنما كان لكثرة خطئه، ولكن ذلك مغتفر بالنسبة لكثرة محفوظاته. والله أعلم.

وشيخه عبد الرحمن بن أيوب الحمصي لم أعرفه، ولم يورده ابن عساكر في "تاريخ دمشق ".

ومثله موسى بن أبي موسى المقدسي. والله أعلم.

وجملة القول: أن هذه الطرق شديدة الضعف؛ فلا تصلح للاعتضاد بها؛ولذلك رد الذهبي على الحاكم قوله في "المستدرك، (2/602) :

"وقد تواترت الأخبار أن رسوك الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولد مختوناً مسروراً".

فقال الذهبي في "تلخيصه": "ما أعلم صحة ذلك، فكيف متواتر؟! ".

وذكر نحوه ابن كثير في تاريخه "البداية" (2/265) .

فالعجب من ابن الجوزي مع إعلاله لحديث الترجمة بما تقدم نقله عنه، عقب عليه جازماً بقوله: "قلت: ولا شك أنه ولد مختوناً؛ غير أن هذا الحديث لا يصح به "!

ومع هذا كله، فقد روي ما يخالف هذا الحديث الواهي فِي حَدِيثِين اثنين:

الأول: من طريق يحيى بن أيوب العلاف قال: نا محمد بن أبي السري العسقلاني: نا الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة عن عطاء الخراساني عن عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ:أن عبد المطلب ختن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم سابعه، وجعل له مأدبة، وسماه محمداً.

قال يحيى بن أيوب: ما وجدنا هذا الحديث عند أحد؛ إلا عند ابن أبي السري.

قلت: قال الحافظ في "التقريب": "صدوق عارف، له أوهام كثيرة".

وقال في " التهذيب ": " أورد ابن عدي من مناكيره حديثه عن معتمر عن أبيه عن عطاء عن أبي

هريرة مرفوعاً: من سئل عن علم ... ".

وذكره الذهبي أيضاً في "الميزان" وقال هو والحافظ: "وقال ابن عدي: كثير الغلط ".

وأقول: لقد سقطت ترجمة محمد بن أبي السري هذا وحديثه في العلم من النسخة المطبوعة من كتابه "الكامل"؛ فقد راجعت منه باب من اسمه "محمد"، وفهرسه في الأسماء والأحاديث؛ فلم أجد لذلك كله ذكراً. فلتراجع مخطوطاته.

ثم إن في إسناد الحديث علتين أخريين:

إحداهما: تدليس الوليد بن مسلم؛ فإنه كان يدلس تدليس التسوية.

والأخرى: عطاء الخراساني - وهو: ابن أبي مسلم - قال الحافظ: "صدوق يهم كثيراً، ويرسل ويدلس ".

والحديث الأخر: يرويه محمد بن عبد الله الحضرمي قال: ثنا عبد الرحمن ابن عيينة البصري قال: ثنا علي بن محمد السلمي المدائني قال: ثنا مسلمة بن محارب بن سلم بن زياد عن أبيه عن أبي بكرة:

إن جبريل خَتَنَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين طهر قلبه".

قلت: وهذا منكر أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/23/2 – مجمع البحرين/ الجامعة) ، وأبو نعيم في "الدلائل " (ص 111) ، وابن عساكر أيضاً،

وقال الطبراني: "لا يروى إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد الرحمن ".

قلت: وهذا إسناد مظلم، ما بين الحافظ الحضرمي، وأبي بكرة الثقفي جلهم

لا يعرفون، وبيان ذلك على الوجه التالي:

1 - عبد الرحمن بن عيينة البصري؛ لم أجد له ترجمة، ولم يعرفه الهيثمي؛ كما يأتي.

2 - مسلمة بن محارب الزيادي، أورده البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، وأما ابن حبان فذكره في "الثقات " (7/ 490) برواية إسماعيل ابن علية عنه. وأما أبو حاتم، فقال:"روى عنه أبو الحسن المدائني ".

قلت: فتساءلت: من أبو الحسن هذا؟ فقلت: لعله علي بن محمد السلمي المدائني شيخ الحضرمي في هذا الحديث، فرجعت إلى "مقتنى الذهبي" فإذا به يذكر (179/1474) فيمن يكنى بأبي حسن:

"علي بن محمد بن حسن المدائني " فرجعت إلى أصله "كنى أبي أحمد الحاكم "، فرأيته ذكر أنه روى عن المفضل بن غسان الغلابي (وهو ثقة مترجم في "تاريخ بغداد") وأبي جعفر أحمد بن عبيد بن ناجح العسكري. (وهو ليِّن مترجم في "التهذيب") وهما من طبقة الحضرمي، فغلب على ظني أنه شيخه في هذا الحديث، والله أعلم.

3 - محارب الزيادي، ذكره البخاري وأبو حاتم وابن حبان (5/452) برواية ابنه مسلمة فقط عنه؛ فهو مجهول. وأما الهيثمي فقال (8/224) :"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه عبد الرحمن بن عيينة وسلمة! بن محارب؛ ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات "!

وبالجملة: فالإسناد ضعيف لا تقوم به حجة، والمتن منكر؛ لأن قصة تطهير قلبه! قد صحت من طرق عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يذكر في شيء منها، ختنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وقد كنت خرجت بعضها في "الصحيحة" فراجع إن شئت رقم (373 و1445) ،ولذلك فإن السيوطي لم يحسن بإيراده إياه في "الخصائص" مع حديث الباب وغيره مما بينا علته؛ بل أوهم القراء صحته بقوله (1/132) : "وصححه الضياء في (المختارة) "!

وفاته إعلال ابن عساكر إياه بالجهالة، وقول الذهبي: "إنه حديث شبه موضوع ".

ثم رأيته قال في "المغني" (702/6682) : " أظنه موضوعأً ".

وتغافل الأسيوطي عن قول ابن القيم رحمه الله في أول كتابه القيم "زاد المعاد":

"حديث لا يصح، ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في "الموضوعات "، وليس فيه حديث ثابت، وليس هذا من خواصه؛ فإن كثيراً من الناس يولد مختوناً ... ،وحدثني صاحبنا أبو عبد الله محمد بن عثمان الخليلي المحدث ببيت المقدس أنه ولد كذلك؛ وأن أهله لم يختنوه، والناس يقولون لمن ولد كذلك: ختنه القمر! وهذا من خرافاتهم".

قلت: ومن الغرائب أن ابن صياد - وقد قيل فيه ما هو معروف - ولد كذلك؛فقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف " (15/159) بسند صحيح عن أم سلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: " ولدته أمه مسروراً مختوناً. يعني: ابن صياد".وروى عبد الرزاق في "مصنفه " بسند صحيح عن عروة بن الزبير قال:

"ولد ابن صياد أعور مُختتناً ".

ثم ذكر ابن القيم عقب حديث ابن أبي السري المتقدم فائدة لا بأس من تقديمها إلى القراء، قال رحمه الله:

"وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاضِلَيْنِ، صَنّفَ أَحَدُهُمَا مُصَنّفاً فِي أَنّهُ وُلِدَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَخْتُوناً، وَأَجْلَبَ فِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الّتِي لَا خِطَامَ لَهَا وَلَا زِمَامَ، وَهُوَ كَمَالُ الدّينِ بْنُ طَلْحَةَ ، فَنَقَضَهُ عَلَيْهِ كَمَالُ الدّينِ بْنُ الْعَدِيمِ  وَبَيّنَ فِيهِ أَنّهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُتِنَ عَلَى عَادَة الْعَرَبُ، وَكَانَ عُمُوم هَذا السّنّة لِلْعَرَبِ قَاطِبَةً مُغْنِياً عَنْ نَقْلٍ مُعَيّنٍ فِيهَا. وَاَلله أَعْلَم ".

قلت: وهذا الذي ذهب إليه الكمال بن العديم رحمه الله، هو الذي تطمئن إليه النفس، وينشرح له الصدر، وهو الذي يبدو أنه مال إليه ابن عبد البر؛ فإنه قال عقب الحديث المشار إليه:

"وفي حديث اين عباس عن أبي سفيان في قصته مع هرقل - وهو حديث ثابت من جهة الإسناد - دليل على أن العرب كانت تختتن، وأظن ذلك من جهة مجاورتهم في الحجاز اليهود".

قلت: وحديث أبي سفيان في أول "صحيح البخاري" رقم (7 - قتح) ، وفيه أن هرقل سأل أبا سفيان عن العرب؟ فقال: "هم يختتنون".

 

[71] -  أبو نعيم  في الدلائل (1/135 ح77)حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ السِّنْدِيِّ، قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كِلَاهُمَا يُحَدِّثَانِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ به.. قَالَ: أَبُو بكر الضبي البغدادي:مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز ممن حمل الحديث، وروى عَن الزهري وغيره .انظر كتابه أخبار القضاة (1/213-221) .وترجمه الخطيب برقم 1117في تاريخ بغداد(3/605) وقال: كان على قضاء المدينة، وعلى بيت مالها في زمن أبي جعفر المنصور، وحدث عن: ابن شهاب الزهري، وغيره.روى عنه: ابنه إبراهيم.وورد بغداد غيره مرة، وكان من أهل الفضل موصوفا بالسخاء والبذل.ثم روى بسنده عن البخاري أنه قال:محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، عن أبي الزناد، وأبيه، وابن شهاب، منكر الحديث أهـ  وقال الذهبي في الميزان(3/628 ترجمة رقم 7874 ): قال النسائي: متروك..وقال الدارقطني: ضعيف..وقال أبو حاتم: هم ثلاثة إخوة: محمد، وعبد الله، وعمران، ليس لهم حديث مستقيم..قلت: روى عنه ابنه إبراهيم، وعبد الصمد بن حسان، وهو مقل. أهـ.

 قلت:لم ينفرد بالخبر- فقد تابعه عبد الرحمن بن حميد وهو ثقة-.فتبقى العهدة على ولده أحمد – ولم يذكروا له سماعًا من أبيه- أو النضر بن سلمة -يلقب شاذان النضري المروزي المكي- فقد ذكره الدَّارَقُطْنِيّ في «الضعفاء والمتروكين» (542)و ذكره الذهبي في الميزان (4/256 ترجمة 9063) وقال: عن سعيد بن عفير، وطبقته..قال أبو حاتم: كان يفتعل الحديث. وقال ابن حبان: سكن النضر بن سلمة مكة.يروي عن جعفر بن عون، والعراقيين، وعبد الله بن نافع ، والمديني.لا تحل الرواية عنه إلا للاعتبار.سمعت أحمد بن محمد بن عبد الكريم الوزان يقول: عرفنا كذبه في المذاكرة.

قلت: وهو الذي حدث عنه الرقى في التكبير.أهـ

[72] - وشعيب بن شعيب بن إسحاق الأموي أبو محمد الدمشقي.مات أبوه وهو حمل .يروي عن الحميدي وأحمد بن خالد الوأهبي.وعنه (س) ووثقه.مات سنة أربع ومائتين.الخلاصة 1 / 451.

قال في سبيل الهدى والرشاد(1/344): قال الشيخ رحمه الله تعالى في فتاويه: لم أقف في شيء من الأحاديث مصرّحاً على أنه صلى الله عليه وسلم لما ولد عطس، بعد مراجعة أحاديث المولد من مظانّها كالطبقات لابن سعد، والدلائل للبيهقي، ولأبي نعيم، وتاريخ ابن عساكر على بسطه واستيعابه، وكالمستدرك للحاكم. وإنما الحديث الذي روته الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف يعني السابق آخر الباب فيه لفظ يشبه التشميت. لكن لم يصرح فيه بالعطاس، والمعروف في اللغة أن الاستهلال صياح المولود أول ما يولد فإن أريد به هنا العطاس فيحتمل. وحمل القائل على الملك ظاهر.أهـ

 

[73] - الخصائص الكبرى (1/80) ولم أجده في الدلائل المطبوعة

([74]) البداية والنهاية(2/272)

[75] - رواه البخاري (5101) حدثنا الحكم بن نافع أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة...و رواه مسلم (2/ 1073رقم 1449) عن مُحَمَّد بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عن اللَّيْث، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عن مُحَمَّدَ بْنَ شِهَابٍ به.

[76] -أحمد(4/184رقم 17685) قال:ثنا حيوة ويزيد بن عبد ربه قالا ثنا بقية حدثني بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن ابن عمرو السلمي (وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ) عن عتبة به.. وأخرجه الدارمي(1/20)  والحاكم(2/673)  وقال صحيح على شرط مسلم،ووافقه الذهبي ، وأخرجه الطبراني في "الكبير" 17/ (323) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" 2/7 من طريق حيوة بن شريح، بهذا الإسناد. ولم يسق الطبراني متنه. وذكره الألباني في الصحيحة 373

[77]  - ابن هشام في السيرة (1/162-السقا) وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث في السيرة وقيل فيه انقطاع بين جهم وعبد الله بن جعفر فإنه لم يسمع منه.

[78] - الغلام الجفر: هو الصبي الممتلىء، القوي على الأكل.

[79] - صحيح ابن حبان (14/243) فقال أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا مسروق بن المرزبان حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن جهم بن أبي جهم عن عبد الله بن جعفر فذكره ثم قال: قال وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عن محمد بن إسحاق حدثنا جهم بن أبي جهم نحوه ، حدثناه عبد الله بن محمد حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا وهب بن جرير وقد صرح ابن اسحق بالتحديث-كما في السيرة- و عند ابن حبان في الطريق الثاني فأمن التدليس.

ورواه أبو يعلى في مسنده(13/ 93رقم 7163 ) عن عبد الله بن جعفر عن حليمةالسعدية. ومن طريقه أخرجه ابن عساكر في "السيرة النبوية" ص 74-76. وأخرجه الطبراني 24/ (545) ، وعنه أبو نعيم في "دلائل النبوة" (94) عن محمد بن عبد الله الحضرمي، عن مسروق بن المرزبان، بهذا الإسناد.

 

وقال الذهبي في السيرة(ص8):هذا حديث جيد الإسناد، وله شواهد تقويه ولذلك فالحديث حسن لشواهده.وذكره العلي في صحيح السيرة (ص 38-39)وحسنه لشواهده. وقال الهيثمي(8/157):رواه أبو يعلى والطبراني بنحوه، إلا أنه قال: حدثتني حليمة بنت أبي ذؤيب، ورجالهما ثقات.أهـ وقال الحافظ في "الإصابة" 4/266: إن أبا يعلى وابن حبان صرَّحا بالتحديث بين عبد الله وحليمة،أهـ وليس يوجد التصريح بالسماع في الأصل الخطي الذي بين أيدينا من "مسند أبي يعلى"، ولا في الأصول التي روت الحديثَ من طريق أبي يعلى كابنِ حبان وابن عساكر.

نعم ورد التصريحُ بالتحديث عند الطبراني في "معجمه الكبير"، إلا أن أبا نعيم الحافظ روى الحديث في "دلائل النبوة" عن الطبراني بالعنعنة ولم يصرح فيه بالتحديث. فالله أعلم

وجَهم بن أبي جهم: ذكره ابن حبان في "الثقات" 4/113، فقال: يروي عن عبد الله بن جعفر، وعن المِسور بن مَخْرَمَةَ، وهو مولى الحارث بن حاطب القرشي، روى عنه محمد بن إسحاق وعبد الله العمري، والوليد بن عبد الله بن جميع، وذكره البخاري 2/229، وابن أبي حاتم 2/521، فلم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلا، ومسروق بن المرزبان، وإن قال فيه أبو حاتم: ليس بالقوي، قد توبع، ومحمد بن إسحاق قد صرح بالتحديث عند في السند الذي ذكره بإثره، وباقي رجاله ثقات.

وأخرجه الطبري 2/158-160، والطبراني من طرق عن ابن إسحاق، به. وأخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" 1/132-136، وابن عساكر ص 77-79، وابن الأثير في "أسد الغابة" 7/68، وابن كثير في "البداية والنهاية" 2/254-256، عن محمد بن إسحاق. وقال ابن كثير:وهذا الحديث قد روي من طرق أخر وهو من الأحاديث المشهورة المتداولة بين أهل السير والمغازي.

 

وقدأخرجه أيضًا البيهقي وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفي سنده من تكلم فيه لكن لأكثره شاهد قوي، والبيهقي عن الزهري وأبو يعلى وأبو نعيم عن شداد بن أوس مرفوعا مختصرًا، والإمام أحمد والدارمي عن عتبة بن عبد الله مرفوعا مختصرًا، وأبو نعيم عن بريدة، وابن سعد(1/110) وأبو نعيم وابن عساكر عن يحيى بن يزيد السعدي وابن سعد عن زيد بن أسلم

أنظر:سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - (1 / 387)

وفي حديث الزهري أن حليمة نزلت به صلى الله عليه وسلم سوق عكاظ فرآه كاهن من الكهان فقال: يا أهل سوق عكاظ: اقتلوا هذا الغلام فإن له ملكا.فزاغت به حليمة فأنجاه الله تعالى منهم.

وروى أبو نعيم عن بعض من كان يرعى غنم حليمة أنهم كانوا يرون غنمها ما ترفع برؤوسها وترى الخضر في أفواهها وأبعارها، وما تزيد غنمنا على أن تربض ما تجد عودا تأكله.

وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كان أول كلام تكلم به صلى الله عليه وسلم به حين فطمته: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.

وروى أبو نعيم عن بعض رعاة حليمة قالوا: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم سنتين حين فطم وكأنه ابن أربع سنين .. وكل ذلك لا يثبت..

[80] - ابن سعد (1/110).وشيخه متروك والحديث معضل

[81] - ابن سعد (1/108). أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال: حدثني موسى ابن شيبة عن عميرة بنت عبيد الله بن كعب بن مالك عن برة بنت أبي تجراة  به..وشيخه متروك، وموسى بن شيبة بن عمرو بن عبد الله بن كعب بن مالك، ذكره ابن حجر من الطبقة الثامنة وقال:لين الحديث. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سئل أبي عن موسى بن شيبة، فقال: أحاديثه مناكير. «الجرح والتعديل» 8/ (664) .

[82] - ابن سعد (1/109) أخبرنا محمد بن عمر -الواقدي- حدثني عمر بن سعيد بن أبي حسين عن ابن أبي مليكة به..وشيخه متروك والحديث معضل

[83] - ابن سعد(1/113) قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي، أخبرنا همام بن يحيى عن إسحاق بن عبد الله.. وهذا سند قوي إلا أنه مرسل أرسله التابعي إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة وهو من الطبقة الرابعة ثقة حجة كما في التقريب.

[84] - أنظر:سبل الهدى(1/386). والعوفي ضعيف وقد أرسله.

 

[85] - البداية والنهاية(2/275). وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق(4/360) من طريق الواقدي وهو متروك عند أهل الحديث. وشيخه معاذ بن محمد مقبول كما في التقريب.و لكنه يروي عن عطاء بن أبي مسلم الخرساني وليس عطاء بن أبي رباح ولم أجد له سماع من عطاء بن أبي رباح . وانظر تهذيب التهذيب 10 / 193

تنبيه: وقع  في البداية والنهاية: وقال الواقدي: حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدِ( بنِ )عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ. فصوبناه من تاريخ دمشق بـ(عن)

[86] - صحيح مسلم( 162 ) قال:حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس..

[87]  - ابن هشام(1/116-السقا) وفي صحيح السيرة للألباني (ص:16): إسناده جيد قوي. وذكره في السلسلة الصحيحة(1545)

وقال السيوطي في الجامع(41687)رواه (الدارمى ، والرويانى ، والحبانى فى فوائده ، وابن عساكر ، وابن النجار ، والضياء)

و قد جاءت هذه القصة من حديث أبي ذر أخرجه الدارمي ( 1 / 9 ) قال: أخبرنا عبد الله بن عمران حدثنا أبو داود حدثنا جعفر بن عثمان القرشي عن عثمان بن عروة بن الزبير عن أبيه عن أبي ذر الغفاري قال : قلت : يا رسول الله كيف علمت أنك نبي حين استنبئت ؟ فقال : " يا أبا ذر ! أتاني ملكان و أنا ببعض بطحاء مكة ... " الحديث

وأخرجه البزار (9/437 ، رقم 4048) عن أبي ذر.  وقال الهيثمى (8/255) : فيه جعفر بن عبد الله بن عثمان بن كثير ، وثقه أبو حاتم الرازى وابن حبان ، وتكلم فيه العقيلى ، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح .

 

[88] - دلائل النبوة للبيهقى(2/6-7) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ به.

[89] - قال الصالحي في السيرة الشامية: (2: 82- 86) : «وقد تكرر شقّ صدره الشريف صلّى الله عليه وآله وسلم أربع مرات:

(الأولى) : وهو صلّى الله عليه وآله وسلم صغير في بني سعد، وهي هذه. (الثانية) : وهو صلّى الله عليه وآله وسلم ابن عشر سنين. وقد ذكرناها في الجزء الاول (الثالثة) : عند المبعث: روى أبو داود الطيالسي، والحارث بن أبي اسامة في «مسنديهما» ، وأبو نعيم في «الدلائل» عن عائشة- رضي الله عنها- ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نذر أن يعتكف شهرا هو وخديجة، فوافق ذلك شهر رمضان، فخرج ذات ليلة فسمع: السلام عليك، قال: فظننت أنها فجاءة الجن، فجئت مسرعا، حتى دخلت على خديجة، فقالت: ما شأنك؟ فأخبرتها، فقالت: ابشر، فإنّ السلام خير. ثم خرجت مرة اخرى فإذا انا بجبريل على الشمس له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب، فهلت منه، فجئت مسرعا فإذا هو بيني وبين الباب، فكلّمني حتى أنست منه، ثم وعدني موعدا فجئت له، فأبطأ عليّ فأردت ان ارجع فإذا انا به وبميكائيل قد سدّ الأفق، فهبط جبريل وبقي ميكائيل بين السماء والأرض، فأخذني جبريل فألقاني، ثم شق عن قلبي فاستخرجه، ثم استخرج منه ما شاء الله ان يستخرج، ثم غسله في طست من ماء زمزم، ثم أعاده مكانه، ثم لأمه، ثم أكفأني، كما يكفأ الإناء، ثم ختم في ظهري، حتى وجدت مسّ الخاتم في قلبي.

(الرابعة) : ليلة الإسراء. وذكرت في الجزء الاول.

ثم ذكر صاحب سبل الهدى (2: 86) أحاديث فيها شق صدره صلّى الله عليه وآله وسلم من غير تعيين زمان

قلت:ثبت شق صدره صلى الله عليه وسلم مرتين : في بني سعد وقبل الإسراء. وأما  المرة التي عند البعثة كما جاءت في حديث عائشة المتقدم وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده(3/125) قال:حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَائِشَةَ،به .فالراوي عن عائشة مبهم ، وأخرجها كذلك اسحاق بن راهويه(3/970) وقد ذكر اسمه في رواية الحارث بن أبي أسامة (2/867) حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ , ثنا حَمَّادٌ , عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ بَابَنُوسَ , عَنْ عَائِشَةَ   ومن طريق الحارث أخرجه أبو نعيم في الدلائل(1/215) إلا أن داود بن المحبر - شيخ الحارث- كذاب .جاء في تهذيب التهذيب : 3/ 199، ترجمة رقم 381، وقال فيه: كذبه أحمد بن حنبل، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقات، ويروي عن المجاهيل المقلوبات.

وجاء في كتاب السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي لأحمد غلوش (1 / 195-201):

قد تناولت كتب السيرة حادثة شق الصدر، فهي في: سيرة ابن هشام، وطبقات ابن سعد، ودلائل النبوة لأبي نعيم، والبداية والنهاية، والخصائص الكبرى للسيوطي، ودلائل النبوة للبيهقي، وسير أعلام النبلاء، وسائر المؤلفات الحديثة، وأشارت إليه بعض كتب التفسير، عند تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} 1، وعند تفسير أول الإسراء.

وهذه الحادثة التي وقعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم منذ الطفولة المبكرة، تكررت معه بعد ذلك أكثر من مرة، فقد روى الإمام أحمد، وابن حبان، وابن عساكر، عن أبي كعب: أن أبا هريرة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ما أول ما رأيت في أمر النبوة؟

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لفي صحراء، ابن عشر سنين وأشهر، وإذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل: أهو هو؟ قال: نعم، فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط ، وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط، فأقبلا إليَّ يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي، لا أجد لأحدهما هامسا، فقال أحدهما للآخر: أضجعه، فأضجعاني بلا قسر ولا قصر، وقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فهَوَى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له: أدخل الرأفة والرحمة، فإذا مثل الذي أدخل يشبه الفضة، ثم هز إبهام رجلي اليمني، فقال: اغد وأسلم، فرجعت بها أغدو رقة على الصغير، ورحمة للكبير"، وهذه هي المرة الثانية.

*وتكررت مرة ثالثة قبيل البعثة، يروي أنس بن مالك ويقول: لما حان أن ينبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينام حول الكعبة، وكانت قريش تنام حولها فأتاه جبريل وميكائيل، فقالا بأيهم أمرنا، فقالا أمرنا بسيدهم، ثم ذهبا وجاءا من القابلة وهم ثلاثة، فألفوه وهو نائم فقلبوه لظهره، وشقوا بطنه، ثم جاءوا بماء زمزم فغسلوا ما كان في بطنه، ثم جاءوا بطست من ذهب قد ملئت إيمانا وحكمة فملئ بطنه وجوفه إيمانا وحكمة.

 

* وتكررت مرة رابعة، لما جاوز النبي صلى الله عليه وسلم الخمسين من عمره، فعن مالك بن صعصعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أُسري به، قال: "بينما أنا في الحطيم -أو قال: في الحجر- قال: فاستُخرج قلبي، ثم أُتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا، فغُسل قلبي، ثم أحشائي، ثم أعيد ... ".

وقصة شق الصدر هذه تشير إلى تعهد الله -عز وجل- نبيه صلى الله عليه وسلم منذ صغره، وعلى امتداد عمره صلى الله عليه وسلم، وإبعاده عن مزالق الطبع، ووساوس الشيطان، وتلك حصانة حسية للرسول الكريم أضفاها الله عليه؛ ليعيش طاهر الظاهر والباطن بتوفيق الله تعالى.

إن الله سبحانه وتعالى -وقد شاءت إرادته منذ الأزل- أن يكون محمد خاتم المرسلين، أراد سبحانه أن يجعل منه المثل الأعلى للإنسان السوي، الذي يسير نحو الكمال بطهارة القلب وتصفية النفس.

ولما شب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مكة تعج بمختلف أنواع اللهو والفساد والملاذ الشهوانية الدنسة.

كانت حانات الخمر منتشرة، وبيوت الريبة وعليها علامات تعرف بها، ووجود المغنيات، والماجنات، والراقصات، من الأمور العادية الموجودة في ذلك المجتمع تتوجها عبادة الأصنام والأوثان.

وكان المجتمع المكي يومذاك يقر ذلك، ويعتبره جزءا من حياة الناس..

والله سبحانه وتعالى برأ رسوله، واختاره من أكرم معادن الإنسانية، ثم اختاره لحمل أكمل رسالات السماء إلى أمم الأرض؛ ولذلك أحاطه بكل أنواع الرعاية والحفظ.

وأحاديث شق الصدر صحيحة بالسند، أجمعت عليها سائر مؤلفات السيرة، فلا مجال للشك في سندها.

وأحاديث شق الصدر مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه، فهي بذلك من الوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى أبدا.

ولا يصح لمسلم أن يشكك في هذه الروايات الصحيحة، ويدعي أن محمدا قال بها، وهو طفل صغير لا يتحمل الرواية.

إن شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم كان لإخراج حظ النفس والشيطان من قلبه، لقد كان بوسع القدر الإلهي أن يضع في محمد ما يشاء الله له من فضل وخير، بصورة معنوية غير مدركة بالحواس، لكن الله أراد له هذه الصورة الحسية؛ ليشهد الناس على هذه العجيبة الخالدة التي جعلت من محمد إنسانا قويا، شجاعا طاهرا، نظيف الظاهر والباطن ... ولا نستطيع القول بأن حظ الشيطان مرتبط في النفس بجزء مادي أو غدة معينة؛ لأن هذا مما يستحيل تحديده.

وكل ما يمكن الإشارة إليه أن شق صدر محمد صلى الله عليه وسلم من عناية الله به؛ ليترقى في الطهر، ويسمو في السلوك، ويعلو في روحانيته وشفافيته، ويقترب في نورانيته من الروح والملأ الأعلى.

ومن العجب أن رأينا من ينكر حادثة شق الصدر من العلماء المسلمين، فها هو الدكتور/ محمود مراد يتحدث عن طفولة النبي صلى الله عليه وسلم وشق صدره وغيرها من الإرهاصات فيقول: "يغلب ذكر الأعاجيب فيها ذكر الواقع، في قصص ساذجة لا تشبه ما ورد في النص من أحاديث محكمة عن عبد المطلب"

فشق الصدر في رأيه كلام ساذج يتضمن أعجوبة لا يتصورها الواقع، ولا يسلم بها، فهي عنده قصة مردودة.

والدكتور/ محمد حسنين هيكل يرد حادثة شق الصدر بضعف السند، وبأن محمدا رواها وهو طفل صغير، وبأنه لا حاجة إليها في إثبات الرسالة، وبأن الإسلام أقام دعوته على العقل الذي يتعارض مع تصور هذه الحادثة1.

والمنكرون لشق الصدر فريقان:

فريق ينكره إنكارا تاما، ويبحث عن مبررات تؤيد إنكاره، فإن كان مسلما يذهب إلى ضعف سند روايات شق الصدر، وعدم تحمل الصغير للرواية، وإن لم يكن مسلما لجأ إلى التحليل العقلي، والواقع التجريبي ليصل الجميع إلى إنكار وقوع شق الصدر، ويرى هذا الفريق أن شق الصدر ليس ضروريا؛ لأن الله قادر على إنفاذ ما يرى، بدون هذه التصورات المزعومة، وبخاصة أن حظ الشيطان في النفس لا يسكن في عضو ما، وإنما هو يجري في الجسم كله مجرى الدم.

والفريق الثاني: ينظر إلى حادثة شق الصدر، ويرى صحة الأحاديث الواردة التي يؤكدها قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} فقد نزلت هذه الآية لتأكيد شق الصدر كما يقول الإمام الخازن في تفسيره2؛ ولذا يبحث عن مخرج لإنكاره بعدما سلم بصحة أحاديث شق الصدر.

رأى هذا الفريق صحة الأحاديث، وعلم أنها كانت بعد البعثة؛ إذ تحدث بها صلى الله عليه وسلم حين سئل عنها، فذهب إلى تأويل شق الصدر بأنه يعني التطهر المعنوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن حادثة شق الصدر وقعت بصورة حسية، وتكررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والروايات الصحيحة تؤكد ذلك، فقد جاء في بعضها: "فشق من النحر إلى مراق البطن".

وفي بعضها: "إلى أسفل بطنه".

وجاء في إحداها: "فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته".

وفوق ذلك كله فأنس بن مالك رضي الله عنه يقول: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره1.

يقول الدكتور/ محمد سعيد البوطي في رده على كلا الفريقين: رُويت هذه الحادثة بطرق صحيحة وعن كثير من الصحابة.

وليست الحكمة من هذه الحادثة -والله أعلم- استئصال غدة الشر في جسم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ لو كان الشر منبعه غدة في الجسم، أو علقة في بعض أنحائه لأمكن أن يصبح الشرير خيِّرا بعملية جراحية، ولكن يبدو أن الحكمة هي إعلاء أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وتهيئته للعصمة والوحي، منذ صغره بوسائل مادية؛ ليكون ذلك أقرب إلى إيمان الناس به، وتصديقهم برسالته.

إنها إذن عملية تطهير معنوي، ولكنها اتخذت هذا الشكل المادي الحسي؛ ليكون ذلك الإعلان الإلهي ظاهرا بين أسماع الناس وأبصارهم، وعلى مستوى تصوراتهم.

وأيا كانت الحكمة، فلا ينبغي -وقد ثبت الخبر ثبوتا صحيحا- محاولة البحث عن مخارج لصرف الحديث عن ظاهره وحقيقته، والذهاب إلى التأويلات الممجوجة البعيدة المتكلفة، ولن نجد مسوغا لمن يحاول هذا -رغم ثبوت الخبر وصحته- إلا ضعف الإيمان بالله عز وجل.

ينبغي أن نعلم بأن ميزان قبولنا للخبر إنما هو صدق الرواية وصحتها، فإذا ثبت ذلك ثبوتا بينا فلا مناص من قبوله، موضوعا على الرأس، وميزاننا لفهمه حينئذ دلالات اللغة العربية وأحكامها، والأصل في الكلام الحقيقة، ولو أنه جاز لكل باحث وقارئ أن يصرف الكلام عن حقيقته إلى مختلف الدلالات المجازية؛ ليتخير من بينها ما يروق له، لانشلت قيمة اللغة، وفقدت دلالتها، وتاه الناس في مفاهيمها1.

إن الدكتور/ محمود مراد يصف رواية الإرهاصات بالسذاجة ويصف قصص عبد المطلب بالإحكام، مع أنه لا فرق بينهما في التركيب اللغوي، أو الدلالات الفنية والمعنوية.. لكنه الغرض والمرض!!

وكلام الدكتور/ هيكل مردود؛ لصحة السند الذي جاء بشق الصدر على نحو ما أوردته، وقد قال النبي أحاديث شق الصدر وهو نبي مرسل، حين سئل عنها، وأيضا فإن خوارق العادات جاءت للناس ليسلموا بما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن الممكن أن يخلق الله في عباده التسليم والإيمان من غير معجزة، أو خارقة للعادة، وتلك مشيئة الله.

ولو فرضنا أن هذه الخوارق لم تقع لرأينا من يطالب بها لتكون دليلا أمامه على التصديق، كما حدث من أهل مكة، فلقد دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم وبكافة الحجج الموجودة فيه، إلا أنهم طالبوا بخوارق للعادات، يقول الله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا، أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا}.[ سورة الإسراء الآيات 90-93]

إن إرهاصات النبوة لم تكن ليؤمن الناس بالإسلام، فقد ظهرت قبل المبعث بزمن طويل، ولم يبرزها النبي للناس بعد مبعثه ليجعلها دليلا لهم، وإنما جاءت هذه الإرهاصات تنبيها للعقلاء؛ ليروا عجائب القدرة، وليعلموا أن الله محيط بخَلْقه، وله الأمر كله، ولتبعث في عقولهم البحث عن أسرار ما يشاهدون.

إن الأمر في النهاية عقل ونبوة، وفكر بشري ووحي إلهي، والفرق بينهما كبير.. والمؤمن يعطي كل جانب حقه.. أما غيره فإنه ينادي بسيادة العقل، وليس له في تصور النبوة والوحي نصيب.

يقول ابن حجر: "إن جميع ما ورد في شق الصدر واستخراج القلب، وغير ذلك مما يجب التسليم له، دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة، فلا يستحيل شيء من ذلك"[. فتح الباري ج15 ص52.]

والبشرية كلها تعلم أن النبوات قائمة على خوارق العادات، الخارجة عن مألوف العقول طبائع الأشياء، فمن آمن بالنبوة لزمه الإيمان بالخوارق، ومن أنكر الخوارق أنكر النبوة من أساسها.. والله أعلم.

 

[90] - أبو نعيم في الدلائل(1/219)قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا نَضْرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْبُخَارِيُّ بِهَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدَّيْنُورِيُّ قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدِ به..وقال أبو نعيم: وهذا الحديث مما تفرد به معاذ بن محمد [عن آبائه] ، وتفرد بذكر السن الّذي شق فيه عن قلبه والّذي رواه عبد اللَّه بن جعفر عن حليمة السعدية وعبد الرحمن بن عمرو السلمي عن عتبة ابن عبد، اتفقا على أنه كان مسترضعا في بني سعد.أهـ وذكرها أحمد بن علي أبو العباس الحسيني المقريزي في إمتاع الأسماع (3/34) وقال: معاذ مما يروى عن أبيه وعن أبي بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم، وأبي الزبير المكيّ وجماعة، ويروى عنه معاوية بن صالح الحضرميّ وعبد اللَّه بن لهيعة، ومحمد بن عمر الواقدي وآخرون، ذكره ابن حبان في الثقات.

[91] - سيرة ابن هشام(1/107) وصرح  ابن اسحق بالتحديث فقال:حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، فذكره .وهو مرسل أرسله  عبد الله بن أبي بكر - من صغار التابعين -وهو ثقة كثير الحديث وقد روى له الجماعة.أنظر تهذيب الكمال للمزي رقم (3190) والثقات للعجلي رقم 861

[92] -  مسلم(976) قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالاَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِى حَازِمٍ عن أبي هريرة..وأخرجه أحمد(2/441 رقم 9686) و الحاكم(1/531رقم  1390 ) وغيرهم.   وأخرج الحاكم (1/532رقم  1391 ) قال: أخبرنا أبو سعيد أحمد بن يعقوب الثقفي ثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا زهير ثنا زبيد عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال :  كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قريبا من ألف راكب فنزل بنا و صلى بنا ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه و عيناه تذرفان فقام إليه عمر ففداه بالأم و الأب يقول : ما لك يا رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : إني استأذنت ربي في الإستغفار لأمي فلم يأذن لي فدمع عيناي رحمة لها و استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي و إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها و ليزدكم زيارتها خيرا . وقال:هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه..

هذا..وقد جاء من طرق ضعيفة أن الله تعالى أحيا للنبي والديه فآمنا به ثم قبضهما . منها ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب "السابق واللاحق" بسند مجهول، عن عائشة في حديث فيه قصة أن الله أحيا أمَّه فآمنت ثم عادت. وساقه القرطبي في: التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (ص 16) وقال: خرجه أبو بكر أحمد بن علي الخطيب في كتاب السابق واللاحق، وأبو حفص عمر بن شاهين في الناسخ والمنسوخ، ولا يصح الحديث لجهالة في السند ولمخالفة المتن لما في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره. وكذلك ما رواه السهيلي في "الروض"(1/113). بسند فيه جَمَاعة مجهولون- كما قال ابن كثير في تفسيره-- : أن الله أحيا له أباه وأمه  فآمنا به.

: ولا يصح أيضًا ما أخرجه الطبراني في الكبير(11/ 374): حدثنا محمد بن علي المروزي، حدثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن كَيْسَان، عن أبيه، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقبل من غزوة تبوك واعتمر، فلما هبط من ثنية عُسْفان أمر أصحابه: أن استندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم، فذهب فنزل على قبر أمّه، فناجى ربَّه طويلا ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه، وبكى هؤلاء لبكائه، وقالوا: ما بكى نبي الله بهذا المكان إلا وقد أُحدثَ في أمته شيء لا تُطيقه. فلما بكى هؤلاء قام فرجع إليهم، فقال: "ما يبكيكم؟". قالوا: يا نبي الله، بكينا لبكائك، فقلنا: لعله أحدث في أمتك شيء لا تطيقه، قال: "لا وقد كان بعضه، ولكن نزلت على قبر أمي فدعوت الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة، فأبى الله أن يأذن لي، فرحمتها وهي أمّي، فبكيت، ثم جاءني جبريل فقال: { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } فتبرّأ أنت من أمك، كما تبرأ إبراهيم من أبيه، فرحمْتُها وهي أمي، ودعوت ربي أن يرفع عن أمتي أربعًا، فرفع عنهم اثنتين، وأبى أن يرفع عنهم اثنتين: دعوتُ ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغَرَق من الأرض، وألا يلبسهم شيعا، وألا يذيق بعضهم بأس بعض، فرفع الله عنهم الرجم من السماء، والغرق من الأرض، وأبى الله أن يرفع عنهم القتل والهرج". وإنما عدل إلى قبر أمه لأنها كانت مدفونة تحت كَداء  وكانت عُسْفان لهم . وذكره ابن كثير في تفسيره (4 / 223) وقال: وهذا حديث غريب وسياق عجيب .ثم ذكر أن أغرب منه وأشد نكارة ما أخرجه الخطيب والسهيلي في روايتيهما أن الله أحيا للنبي أبويه فآمنا به.

 

[93] - رواه أبو يعلى في مسنده(6/64) قال: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ ، عَنْ دَاوُدَ ، عَنْ عَبَّاسٍ عَنْ كُنْدَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ..وأخرجه الحاكم (2/659رقم 4184) وصححه، ووافقه الذهبي،وأخرجه الطبراني في الكبير(6/64) ورواه ابن سعد(1/112) والبخاري في تاريخه .وأبو نعيم في معرفةالصحابة (5/2413) وقال الهيثمي في المجمع (8/224): رواه أبويعلى والطبراني وإسناده حسن .

 

([94]) انظر: السيرة النبوية لابن هشام(1/108).صحيح السيرة النبوية للعلي ص 56.

[95] - رواه أبو الوليد الأزرقي – في كتابه أخبار مكة (رقم370) قال: حدثني جدي ، عن سعيد بن سالم ، عن ابن جريج به.. والحديث حسن.رجال أبو الوليد الأزرقي كلهم ثقات رجال البخاري إلا سعيد بن سالم فهو صدوق يهم، روى له أبو داود والنسائي كما في التهذيب والتقريب. والحديث رواه المحاملي

[96] - مصنف عبد الرزاق( 5/323 رقم 9718) عن معمر عن الزهري.

([97])   انظر: السيرة النبوية لابن هشام(1/179 - ت السقا)

([98])   كَانَ يحيى ثِقَة كثير الحَدِيث. روى عَن أَبِيه وجده وَعَمه حَمْزَة وَابْن عَم أَبِيه عبد الله بن عُرْوَة بن الزبير. وَعنهُ غير ابْن إِسْحَاق ابْن عَم أَبِيه هِشَام بن عُرْوَة ومُوسَى بن عقبَة وَحَفْص بن عمر بن ثَابت بن زُرَارَة وَعبد الله بن أَبى بكر بن حزم، وَيزِيد بن عبد الله بن الْهَاد. مَاتَ وَهُوَ ابْن سِتّ وَثَلَاثِينَ ،روى له أصحاب السنن (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب 11 / 235 ، وغيره)وأبوه عباد تابعي  من الطبقة الثالثة (أي الوسطى) ثقة كبير القدر وكان قاضي مكة في خلافة أبيه وخليفته إذا حج، روى له الستة ( البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه ) [أنظرتهذيب التهذيب 5 / 98 ] والخبر مرسل قوي.

([99])   العائف: الّذي يتفرس فِي خلقَة الْإِنْسَان فيخبر بِمَا يؤول حَاله إِلَيْهِ .. وَقيل: هُوَ لَهب بن أحجن بن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب بن عبد الله بن مَالك بن نصر بن الأزد. وَهِي الْقَبِيلَة الَّتِي تعرف بالعيافة والزجر .

[100] - البيهقي في الدلائل(1/113):َأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنِي أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي شَفَاهًا، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيَّ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الْحَكَمِ التَّنُوخِيِّ به..والخبر مرسل ضعيف فإن أبا الحكم التنوخي تابعي لا يُعرف .ذكره أبو نعيم في معرفة الصحابة(6/ 3184)فقال: أَبُو الْحَكَمِ التَّنُوخِيُّ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ..(ح رقم7320 )رَوَى حَدِيثَهُ عَبْدُ اللهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، أَنَّ أَبَا الْحَكَمِ، حَدَّثَهُ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْجَنَّةَ حَزْنَةٌ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ، وَإِنَّ النَّارَ سَهْلَةٌ حُفَّتْ بِالْهَوَى، أَلَا مَنْ كُشِفَ لَهُ بَابٌ كَرْهٍ أَشْفَى عَلَى الْجَنَّةِ، وَمَنْ كُشِفَ لَهُ بَابُ هَوَى أَشْفَى عَلَى النَّارِ»

[101] - إمتاع الأسماع لأحمد بن علي المقريزي(4/96) ط: دار الكتب العلمية – بيروت.وفي سنده النضر بن سلمة: ذكره الدَّارَقُطْنِيّ في «الضعفاء والمتروكين» (542) وقال الدَّارَقُطْنِيّ: كان بالمدينة، وكان يتهم بوضع الحديث. «لسان الميزان» 6 (ترجمة رقم8875) .و قال أبو حاتم: كان يفتعل الحديث."الميزان/2564(ترجمة 9063) .وكذا شيخه. :أبو غزية محمد بن موسى.فهو متروك متهم. اتهمه الدَّارَقُطْنِيّ بالوضع. «لسان الميزان» 5 (ترجمة رقم8146) وترجمه الذهبي في الميزان (4/49) برقم(8222) وقال: يروى عن مالك، وفليح بن سليمان..وعنه إبراهيم بن المنذر، والزبير بن بكار، وطائفة.

وقال البخاري: عنده مناكير.وقال ابن حبان: كان يسرق الحديث.ويروى عن الثقات الموضوعات.

وقال أبو حاتم: ضعيف، ووثقه الحاكم..مات سنة سبع ومائتين.أهـ

[102] - أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/ 118)من طريق شيخه الواقدي وهو متروك،، ومن طريقه ابن الجوزي في المنتظم (2/ 274) ، وابن سيد الناس في سيرته (1/ 100).

[103] - ابن سعد(1/119) قال: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال: أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: وحدثنا معاذ بن محمد الأنصاري عن عطاء عن ابن عباس قال: وحدثنا محمد بن صالح وعبد الله بن جعفر وإبراهيم ابن إسماعيل بن أبي حبيبة، دخل حديث بعضهم في حديث بعض،قالوا:...إلخ والواقدي متروك والخبر مرسل.

[104] -   أي عيونهم ملوثة بالعمص

[105] -   قال الحسن بن عرفة :حدثنا علي بن ثابت عن طلحة بن عمرو سمعت عطاء بن أبي رباح سمعت ابن عباس يقول.. ذكره في البداية والنهاية(2/344) ورجاله ثقات إلا طلحة بن عمرو بن عثمان المكي فمتروك ،روى له ابن ماجة،  كما في التقريب

 

[106] -  كان عليه الصلاة والسلام أحسن قومه خُلقاً، وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم أمانة، وأبعدَهم عن الفحش والأخلاق السيئة،  ، وسمّوه الأمين لما جمع الله فيه من الأمور الصالحة الحميدة، والفعال السديدة من الحلم، والصبر، والشكر، والعدل، والتواضع، والعفّة، والجود، والشجاعة، والحياء.و عمل في رعي الغنم وفي التجارة كحال كثير من بني قومه و شارك قومه في الخير وجانبهم في الشر.وسنذكر في هذا الكتاب شيء من ذلك.

 

[107] -   القيراط جزء من النقد(الدينار أو الدرهم)..

[108] - إن رعي الغنم  له فوائد كثيرة  فهو يتيح للنبي صلى الله عليه وسلم الهدوء الذي تتطلبه نفسه الكريمة، ويتيح له المتعة بجمال الصحراء، ويتيح له التطلع إلى مظاهر جلال الله في عظمة الخلق، ويتيح له مناجاة الخالق في هدأة الليل وظلال القمر ونسمات الأشجار،

 ورعي الغنم  مهنة الأنبياء لأن له فوائد نفسية و تربوية منها:

1- الصبر: على الرعي من طلوع الشمس إلى غروبها، نظرا لبطء الغنم في الأكل، فيحتاج راعيها إلى الصبر والتحمل، وكذا تربية البشر.  أيضًا يعيش في جو حار شديد الحرارة، وبخاصة في الجزيرة العربية، ويحتاج إلى الماء الغزير ليذهب ظمأه، وهو لا يجد إلا الخشونة في الطعام وشظف العيش، فينبغي أن يحمل نفسه على تحمل هذه الظروف القاسية، ويألفها ويصبر عليه

2- التواضع: إذ طبيعة عمل الراعي خدمة الغنم, والإشراف على ولادتها، والقيام بحراستها والنوم بالقرب منها، وربما أصابه ما أصابه من رذاذ بولها أو شيء من روثها فلم يتضجر من هذا، ومع المداومة والاستمرار يبعد عن نفسه الكبر والكبرياء، ويرتكز في نفسه خلق التواضع

3- الشجاعة: فطبيعة عمل الراعي الاصطدام بالوحوش المفترسة، فلا بد أن يكون على جانب كبير من الشجاعة تؤهله للقضاء على الوحوش ومنعها من افتراس أغنامه

4- الرحمة والعطف: إن الراعي يقوم بمقتضى عمله في مساعدة الغنم إن هي مرضت أو كُسرت أو أصيبت، وتدعو حالة مرضها وألمها إلى العطف عليها وعلاجها والتخفيف من آلامها, فمن يرحم الحيوان يكون أشد رحمة بالإنسان، وبخاصة إذا كان رسولاً أرسله الله تبارك وتعالى لتعليم الإنسان, وإرشاده وإنقاذه من النار وإسعاده في الدارين

5-  حسن سياسة الأمور والموازنة بين الحيوان الضعيف والقوي ، وزم قوى القوي حتى يستمسك للضعيف ويسير بسيره، وارتياد مواقع المطر وأماكن الخصب والري وتجنب مواقع الخوف و الهلكة للحفاظ على حياة هذا الحيوان الأليف الضعيف  مما يساعده على  حسن سياسة البشر بعد ذلك

  انظر: محمد رسول الله، محمد الصادق عرجون (1/177).والسيرة للصلابي

([109]) صحيح البخاري(2262 ) قال: حدثنا أحمد بن محمد المكي حدثنا عمرو بن يحيى عن جده عن أبي هريرة رضي الله عنه ..

([110])البخاري( 3406 )قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عبد الله قال:..ورواه مسلم (2050) عن أبي الطاهر عن ابن وهب عن يونس.. [وقوله (نجني) من الجني وهو أخذ الثمر من الشجر. (الكباث) ثمر الأراك يشبه التين يأكله الناس وغيرهم]

 

([111])   طبقات ابن سعد (1/126) أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، أخبرنا زهير، أخبرنا أبو إسحاق  به..ورجاله رجال الصحيحين إلا أن فيه علتان: الأولى :الإرسال.فقد أرسله أبو إسحاق السبيعي وهو من الطبقة الثالثة(من الوسطى من التابعين) وهو أحد الأعلام  ثقة مكثر عابد ،واختلط بأخرة.

الثانية: زهير بن معاوية أبو خيثمة الجعفى الكوفى وهو  ثقة ثبت إلا أن سماعه عن أبى إسحاق بأخرة أي بعد اختلاطه.

 

[112] -  البخاري(1008) قال:حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ .. وطرفه 1009

 

[113] - سنن ابن ماجة(1272) قال:حدثنا أحمد بن الأزهر . حدثنا أبو النضر . حدثنا أبو عقيل عن عمر بن حمزة . حدثنا سالم عن أبيه (ابن عمر).. وحسنه الألباني .وعلقه البخاري(1009) بصيغة الجزم

[114] -  أحمد (1/7 ، رقم 26) قال:حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى وَعَفَّانُ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عن عائشة.. وأخرجه ابن أبى شيبة (5/279 ، رقم 26067) ، وابن سعد (3/198) ،والبزار(رقم 58). : وفي سنده علي بن زيد بن جدعان وهو متكلم فيه لكن قَالَ البزار – بعد روايته: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدْخُلُ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَإِسْنَادُهُ إِسْنَادٌ حَسَنٌ ، وَلاَ نَعْلَمُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ إِلاَّ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ.وقال الهيمثى (8/272) : رواه أحمد والبزار ورجاله ثقات .

 

[115] -   ابن سعد(1/152) قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق، أخبرنا عبد الله بن عون، عن عمرو بن سعد ...و إسناده صحيح.لكنه مرسل أرسله عمرو بن سعيد  القرشى و يقال الثقفى من الطبقة الخامسة( من صغار التابعين)  وهو ثقة روى له البخاري في الأدب المفرد - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه ) كما في التقريب .

و الحديث له طرق أخرى رواها الخطيب وابن عساكر.

و ذكره في سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (2 /7 13)

 

[116] -  أخرجه أبو بكر أحمد بن مروان الدينوري المالكي (المتوفى : 333هـ) في كتابه المجالسة وجواهر العلم:(6/186-188) رقم 2534 قال:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ الْوَلِيدِ عن أبان بن تغلب حدثني جلهمة فذكره.. وابراهيم الشافعي ابن عم الإمام الشافعي وثقه النسائي وقال ابن حجر:صدوق وكذا أبوه صدوق كما في التقريب.وفي السند من لم أجد له ترجمة. والخبر أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق وذكره الذهبي في تاريخ الإسلام (1/52) و الصالحي في سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (2 /7 13)

معاني بعض الكلمات:جلهمة: بجيم مضمومة ولام ساكنة وهاء مضمومة وميم مفتوحة.

أني: بمعنى كيف..وتؤفكون: تصرفون.

ثاروا إليه: قاموا.. ومعنى دُجُنة : الظلة والجمع دجنات .

قتماء: بقاف فتاء.  انظر اللسان 2 / 1331. المعجم الوسيط 2 / 715.

 

 

[117] - ذكره السيوطي في الجامع : ( 35844) وقال: (الديلمى ، وفيه على بن عاصم متروك) و[أنظر:كنز العمال 23549]

[118] - و ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (6/98-99): ثم قال: وهذا السياق فيه غرابة.أهـ

وأبو معمر سعيد الهلالي: قال الحافظ في التقريب:صدوق رمى بالتشيع له أغاليط/ ت س

أما شيخه مسلم الملائي فقد ترجمه ابن الكيال في الكواكب النيرات برقم 9 وقال:  مسلم بن كيسان الضبي الملائي البراد أبو عبد الله الكوفي الأعور:روى عن أنس بن مالك ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم.وعنه الأعمش ومحمد بن جحادة وشعبة وشريك وآخرون .قال البخاري: يتكلمون فيه.وقال أبو زرعة: كوفي ضعيف الحديث.وقال أبو حاتم: يتكلمون فيه وهو ضعيف الحديث

وقال ابن معين: قال جرير : اختلط.وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره حتى كان لا يدري ما يحدث به فجعل يأتي بما لا أصل له عن الثقات فاختلط.تركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين..وقال الحافظ في التقريب ضعيف من الخامسة / ت ق.انتهى

[119] - سنن الترمذي(3620) قال :حدثنا الفضل بن سهل أبو العباس الأعرج البغدادي حدثنا عبد الرحمن بن غزوان أبو نوح أخبرنا يونس بن أبي إسحق عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري عن أبيه ..وهكذا رواه ابن أبي شيبة في المصنف(7/327) والحاكم ( 2/672)   وغير واحد من الحفاظ ،  وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ،وتعقبه الذهبي فقال: أظنه موضوعًا فبعضه باطل

وقال الشيخ الألباني في صحيح السيرة (ص:30 ) : صحيح لكن ذكر بلال فيه منكر.

وقال ابن كثير: فيه من الغرائب أنه من مرسلات الصحابة؛ فإن أبا موسى الأشعري إنما قدم في سنة خيبر سنة سبع من الهجرة، فهو مرسل، فإن هذه القصة كانت ولرسول الله صلى الله عليه وسلم من العمر فيما ذكره ثنتا عشرة سنة، ولعل أبا موسى تلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون أبلغ، أو من بعض كبار الصحابة رضي الله عنهم، أو كان هذا مشهور مذكوراً أخذه من طريق الاستفاضة-البداية والنهاية(2/285)

 

وقال ابن حجر في الإصابة (1/353)  :.وقد وردت هذه القصة بإسناد رجاله ثقات من حديث أبي موسى الأشعري أخرجها الترمذي وغيره ولم يسم فيها الراهب وزاد فيها لفظة منكرة وهي قوله (واتبعه أبو بكر بلالا )وسبب نكارتها أن أبا بكر حينئذ لم يكن متأهلا ولا اشترى يومئذ بلالاً إلا أن يحمل على أن هذه الجملة الأخيرة مقتطعة من حديث آخر أدرجت في هذا الحديث ، وفي الجملة هي وهم من أحد رواته.

قلت : نعم ،أو لعلها تصحيف وكان أصلها(وبعث معه أبو طالب رجلاً) فصحفت إلى (وبعث معه أبو بكر بلالاً)

 

[120] - ابن سعد( 1/153) أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي، أخبرنا أبو المليح عن عبد الله بن محمد بن عقيل به.. والخبر مرسل.رجاله ثقات إلا عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب وهو تابعي من الطبقة الرابعة، صدوق فى حديثه لين كما قال الحافظ في التقريب

[121] -  ابن سعد  (1 / 153) وأول السند فيه الواقدي متروك. والخبر أيضًا معضل لأن محمد بن صالح بن دينار(صدوق يخطئ)-من الطبقة السابعة- وعبد الله بن جعفر الزهري (ثقة) من الثامنة ، وداود بن الحصين – وإن كان ثقة إلا فى عكرمة ، و رمى برأى الخوارج ،وروى له الستة كما في التقريب 1 / 231 – لكنه من الطبقة السادسة(الذين عاصروا صغار التابعين) ولذا فالخبر معضل.

 

[122] -  ابن سعد  (1 / 155) قال: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني يعقوب بن عبد الله الأشعري عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ..والسند فيه الواقدي متروك،وشيخه يعقوب صدوق يهم وكذا شيخه جعفر، والخبرمرسل لأن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى الخزاعى من الطبقة الثالثة  (من الوسطى من التابعين) وهو ثقة أخرج له الستة.أنظر التقريب

[123] - معرفة الصحابة لأبي نعيم(1/445)رقم 1284 قال:حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، ثنا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّنْعَانِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُقَاتِلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عن ابن عباس..وفي سنده عبد الغني بن سعيد ومقاتل متروكان. وقال ابن حجر في الإصابة (1/353):أخرج ابن منده من تفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي أحد الضعفاء المتروكين بأسانيده عن ابن عباس..فذكره ثم قال: فهذا إن صح يحتمل أن يكون في سفرة أخرى بعد سفرة أبي طالب أهـ.وانظر: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (2 / 144)

 

[124] -  اندلعت هذه الحرب بين قريش ومن معهم من كنانة وبين هوازن, وسببها أن عروة الرحّال بن عتبة بن هوازن أجار لطيمة – وهي الجمال التي تحمل الطيب والبز والتجارة- للنعمان بن المنذر إلى سوق عكاظ، فقال البرّاض بن قيس بن كنانة: أتجيرها على كنانة؟ قال: نعم، وعلى الخلق، فخرج بها عروة، وخرج البراض يطلب غفلته حتى قتله، وعلمت بذلك كنانة فارتحلوا وهوازن لا تشعر بهم، ثم بلغهم الخبر، فأتبعوهم، فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم، فاقتتلوا حتى جاء الليل ودخلوا الحرم، فأمسكت عنهم هوازن، ثم التقوا بعد هذا اليوم أيامًا، وعاونت قريش كنانة . أنظر: سيرة ابن هشام(1/118) وابن سعد(1/126) والبداية والنهاية لابن كثير( 2/290) [قريش فرع من كنانة] .

وسميت يوم الفجار بسبب ما استحل فيه من حرمات مكة التي كانت مقدسة عند العرب

قال الصلابي في السيرة(1/59)  :وكان صلى الله عليه وسلم حينئذ ابن أربع عشرة أو خمس عشرة سنة، وقيل: ابن عشرين، ويرجح الأول أنه كان يجمع النبال ويناولها لأعمامه، مما يدل على حداثة سنة.أهـ

قلت:هذا القول يستقيم إن صح الحديث ، ولكنه لا يصح، وليس عندنا من الروايات الصحيحة ما يثبت اشتراك النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحرب .

 

[125] - السيرة النبوية لابن هشام (1/118), وذكره ابن هشام بلا سند .وانظر السيرة الحلبية (1/127-129) وطبقات ابن سعد ( 1/128)

[126] -  ابن سعد(1/128)قال: أخبرنا محمد بن عمر (الواقدي)قال: فحدثني الضحاك بن عثمان عن عبد الله بن عروة عن حكيم بن حزام..  و رجاله رجال مسلم إلا الواقدي  وهو آفته.

* بعض الدروس المستفادة إن صح الخبر : كان لاشتراكه بعض الفوائد، ومن أهمها:

1- مخالطة قبائل العرب بسائر أفرادها، الكبار والصغار، حين تجمعهم للحرب والقتال؛ لمعرفة أحوالهم وطبائعهم، وطرق تفكيرهم في هذه الظروف العصيبة.

2- معركة كيفية نظم الحرب التي يباشرها العرب؛ حيث سيحتاج إلى هذه المعرفة فيما بعد.

ظروف مناخية متقلبة، وفي ظروف قد ينعدم فيها الطعام ويندر الماء.

3- المساهمة مع قومه في أعمالهم، وأداء حق القرابة لهم؛ لأنه قريبا سيطالبهم بحق القرابة له، والمحافظة على ما للقربى من مودة وتعاون ونصرة.

هذا بعض ما يمكن تصوره في مجال الفوائد التي اكتسبها النبي صلى الله عليه وسلم باشتراكه في حرب الفجار.. مع ملاحظة أن الله سبحانه وتعالى نجاه من العدوان والظلم فيها، وقصر نشاطه على خدمة أعمامه والنبل عنهم.أهـ. انظر:السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي لغلوش (1/226-227)

[127] - طبقات ابن سعد( 1/128) والبداية والنهاية(2/291)

[128] -  أخرجه أحمد (1/193 ، رقم 1676) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ...، و أيضًا أخرجه الحاكم (2/239 ، رقم 2870) وقال : صحيح الإسناد . والبيهقى (6/366 ، رقم 12856) . وأخرجه أيضًا : البزار (3/213 ، رقم 1000) ، وأبو يعلى (2/157 ، رقم 845) . قال الهيثمى (8/172) : رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجاله رجال الصحيح .

[129] - صحيح ابن حبان(10/216) قال:أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل ابن علية عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف... وقال محققه شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح، ومسندأحمد(1/190) وأبي يعلى(2/156)

[130] -دلائل النبوة (2/38) للبيهقي قال:أخبرنا أبو نصر بن قتادة حدثنا أبو عمرو بن مطر حدثنا أبو بكر بن أحمد بن داود السمناني حدثنا معلى بن مهدي حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة... والبداية والنهاية(2/291)وقال الألباني في صحيح السيرة (ص 35):إسناده حسن

[131] - وهو مرسل قوي. ذكره السهيلي في الروض الأنف(1/241) وقال: وَرَوَاهُ فِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ التّمِيمِيّ ِ وذكره أيضًا ابن كثير في البداية والنهاية  (2/291). وفي سيرة ابن هشام(1/87) قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ عن طلحة بن عبد الله بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم ،ولو أدعى به في الإسلام لأجبت".وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى(6/367) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن بن إسحاق به.وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث وشيخه محمد بن زيد ثقة من الطبقة الخامسة من صغار التابعين.وروى له مسلم والأربعة. أنظر تهذيب التهذيب(رقم259)( وشيخه طلحة من الثالثة من الوسطى من التابعين ، وروى له الستة إلا مسلمًا،و قدسمع من عمه عبد الرحمن بن عوف ومن أبي هريرة وابن عباس وكان ثقة كثير الحديث. ابن سعد(5/161).) فالحديث مرسل حسن الإسناد.

قال السهيلي في الروض(1/242): قَدْ بَيّنَ هَذَا الْحَدِيثَ لِمَ سُمّيَ حِلْفَ الْفُضُولِ وَكَانَ حِلْفُ الْفُضُولِ بَعْدَ الْفُجّارِ وَذَلِكَ أَنّ حَرْبَ الْفُجّارِ كَانَتْ فِي شَعْبَانَ وَكَانَ حِلْفُ الْفُضُولِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِعِشْرِينَ سَنَةً وَكَانَ حِلْفُ الْفُضُولِ أَكْرَمَ حِلْفٍ سُمِعَ بِهِ وَأَشْرَفَهُ فِي الْعَرَبِ . وَكَانَ أَوّلَ مَنْ تَكَلّمَ بِهِ وَدَعَا إلَيْهِ الزّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَكَانَ سَبَبُهُ أَنّ رَجُلًا مِنْ زُبَيْدٍ قَدِمَ مَكّةَ بِبِضَاعَةِ فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ الْعَاصِي بْنُ وَائِلٍ وَكَانَ ذَا قَدْرٍ بِمَكّةَ وَشَرَفٍ فَحَبَسَ عَنْهُ حَقّهُ فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ الزّبَيْدِيّ الْأَحْلَافَ : عَبْدَ الدّارِ وَمَخْزُومًا وَجُمَحَ وَسَهْمًا وَعَدِيّ بْنَ كَعْبٍ ، فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُوهُ عَلَى الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ وَزَبَرُوهُ أَيْ انْتَهَرُوهُ فَلَمّا رَأَى الزّبَيْدِيّ الشّرّ أَوْفَى عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ عِنْدَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَقُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ، فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ

يَـا آلَ فِهْـرٍ لِمَظْلُــومِ بِضَـــاعَتُهُ ... بِبَطْنِ مَكّــةَ نَائِي الـدّارِ وَالنّفَرِ

وَمُحْرِمٍ أَشْعَثٍ لَمْ يَقْضِ عُمْرَتَهُ ... يَا لَلرّجَالِ وَبَيْنَ الْحِجْرِ وَالْحَجَرِ

إنّ الْحَـــرَامَ لِمَـنْ تَمّتْ كَرَامَتُهُ ... وَلَا حَـــرَامَ لِثَوْبِ الْفَاجِرِ الْغُـدَرِ

فقام في ذلك الزّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَقَالَ مَا لِهَذَا مُتَرّكٌ فَاجْتَمَعَتْ هَاشِمٌ وَزُهْرَةُ وَتَيْمُ بْنُ مُرّةَ فِي دَارِ ابْنِ جُدْعَانَ ، فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا ، وَتَحَالَفُوا فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ قِيَامًا ، فَتَعَاقَدُوا ، وَتَعَاهَدُوا بِاَللّهِ لَيَكُونَنّ يَدًا وَاحِدَةً مَعَ الْمَظْلُومِ عَلَى الظّالِمِ حَتّى يُؤَدّى إلَيْهِ حَقّهُ مَا بَلّ بَحْرٌ صُوفَةَ وَمَا رَسَا حِرَاءٌ وَثَبِيرٌ مَكَانَهُمَا ، وَعَلَى التّأَسّي فِي الْمَعَاشِ فَسَمّتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ الْحِلْفَ حِلْفَ الْفُضُولِ وَقَالُوا : لَقَدْ دَخَلَ هَؤُلَاءِ فِي فَضْلٍ مِنْ الْأَمْرِ ثُمّ مَشَوْا إلَى الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ فَانْتَزَعُوا مِنْهُ سِلْعَةَ الزّبَيْدِيّ فَدَفَعُوهَا إلَيْهِ وَقَالَ الزّبَيْرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ

حَلَفْت لَنَقْعُدَنْ حِلْفًا عَلَيْهِــمْ ... وَإِنْ كُنّا جَمِيعًــا أَهْـــلَ دَارِ

نُسَمّيهِ الْفُضُـولَ إذَا عَقـَدْنَا ... يَعِزّ بِهِ الْغَرِيبُ لَدَى الْجِوَارِ

وَيَعْلَمُ مَنْ حَوَالِي الْبَيْتِ أَنّا ... أُبَــاةُ الضّيْمِ نَمْنَعُ كُلّ عَــارِ

وَقَالَ الزّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ :

إنّ الْفُضُولَ تَحَالَفُوا ، وَتَعَاقَدُوا ... أَلّا يُقِيمَ بِبَطْنِ مَكّةَ ظَالِمُ

أَمْرٌ عَلَيْهِ تَعَاهَدُوا ، وَتَوَاثَقُوا ... فَالْجَارُ وَالْمُعَتّرُ فِيهِمْ سَالِمُ

 

[132] -  قال ابن كثير في البداية والنهاية (2/291) : و  المراد بهذا الحلف حلف الفضول. فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدرك حلف المطيبين. لأن حلف المطيبين كان قديمًا  ، وذلك أن قريشاً تحالفوا بعد موت قصي، وتنازعوا في الذي جعله قصي لابنه عبد الدار من السقاية، والرفادة، واللواء، والندوة، والحجابة، ونازعهم فيه بنو عبد مناف، وقامت مع كل طائفة قبائل من قريش، وتحالفوا على النصرة لحزبهم، فأحضر أصحاب بني عبد مناف جفنة فيها طيب، فوضعوا أيديهم فيها وتحالفوا، فلما قاموا مسحوا أيديهم بأركان البيت، فسموا المطيبين.

من الدروس المستفادة من حلف الفضول:

1- إن العدل قيمة مطلقة وليست نسبية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يظهر اعتزازه بالمشاركة في تعزيز مبدأ العدل قبل بعثته بعقدين، فالقيم الإيجابية تستحق الإشادة بها حتى لو صدرت من أهل الجاهلية.

2- كان حلف الفضول واحة في ظلام الجاهلية، وفيه دلالة بينة على أن شيوع الفساد في نظام أو مجتمع لا يعني خلوه من أي فضيلة, فمكة مجتمع جاهلي هيمنت عليه عبادة الأوثان والمظالم والأخلاق الذميمة كالظلم والزنا والربا، ومع هذا كان فيه رجال أصحاب نخوة ومروءة يكرهون الظلم ولا يقرونه، وأمثال هؤلاء يستفيد منهم الدعاة في مجتمعاتهم التي لا تحكِّم الإسلام.

3- إن الظلم مرفوض بأي صورة، ولو وقع الظلم على أقل الناس، إن الإسلام يحارب الظلم ويقف بجانب المظلوم دون النظر إلى لونه ودينه ووطنه وجنسه.

4- جواز التحالف والتعاهد على فعل الخير وهو من قبيل التعاون المأمور به في القرآن الكريم قال تعالى:  (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) [المائدة: 2]، ويجوز للمسلمين أن يتعاقدوا في مثل هذا الحال لأنه تأكيد لشيء مطلوب شرعًا،  فتعاقد المسلمين مع غيرهم على دفع ظلم أو في مواجهة ظالم  جائز لهم، على أن تلحظ في ذلك مصلحة الإسلام والمسلمين في الحاضر والمستقبل  والدليل   قوله صلى الله عليه وسلم: «ما أحب أن لي به حمر النعم»(

5- وعلى المسلم أن يكون في مجتمعه إيجابيًا فاعلاً ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم محط أنظار مجتمعه، وصار مضرب المثل فيهم،  وهذا يعطينا صورة حية عن قيمة الأخلاق في المجتمع، وعن احترام صاحب الخلق ولو في المجتمع المنحرف . أنظر السيرة للصلابي

 

[133] -  إسناده قوي فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث وشيخه يزيد وكذا محمد بن إبراهيم  روى لهما الجماعة .كما في التقريب

[134] - ابن سعد(1/128) : أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي، أخبرنا الضحاك بن عثمان عن عبد الله بن عروة بن الزبير عن أبيه قال: سمعت حكيم بن حزام ..والواقدي متروك

[135] -.أخرجه ابن سعد(1/129): أخبرنا محمد بن عمر قال: فحدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن عبد الرحمن بن أزهر عن جبير بن مطعم به... وفيه الواقدي متروك . لكن المتن صحيح لشواهده. وأخرجه ابن إسحاق في السيرة [1/ 134] ، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى [6/ 367] من حديث محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ، عن طلحة ابن عبد الله به.

وفي الباب عن أبي هريرة، أخرجه البيهقي في السنن الكبرى [6/ 366] ، في الدلائل [2/ 38] ، وقد سبق وصححه ابن حبان- كما في الموارد- برقم 2063،

ومعنى(مَا بل بَحر صوفة) يُرِيد أي:إِلَى الْأَبَد. وصوف الْبَحْر: شَيْء على شكل الصُّوف الحيواني، واحدته: صوفة. يُقَال:لَا آتِيك مَا بل بَحر صوفة. أَو مَا بل الْبَحْر صوفة. يُرِيد لَا آتِيك أبدا (لِسَان الْعَرَب مَادَّة صوف) .

[136] - من الدروس المستفادة: 1- إن التجارة مورد من موارد الرزق التي سخرها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة, وقد تدرب النبي صلى الله عليه وسلم على فنونها، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن التاجر الصدوق الأمين في هذا الدين يُحشر مع الصديقين والشهداء والنبيين، وهذه المهنة مهمة للمسلمين ولا يقع صاحبها تحت إرادة الآخرين واستعبادهم وقهرهم وإذلالهم, فهو ليس في حاجة إليهم, بل هم في حاجة إليه وبحاجة إلى خبرته وأمانته وعفته.

2- إن الأمانة والصدق أهم مواصفات التاجر الناجح، وصفة الأمانة والصدق في التجارة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم, هي التي رغبت السيدة خديجة في أن تعطيه مالها ليتاجر به ويسافر به إلى الشام، فبارك الله لها في تجارتها، وفتح الله لها من أبواب الخير الكثير.

3- مهنة التجارة تجعل صاحبها على دراية بكيفية التعامل مع الناس وهذا يفيده في تبليغ دعوته إليهم خاصة إذا كان صادقًا أمينًا.

[137] - قال ابن هشام في "سيرته" (1/712- ت السقا) ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ السَّائِبَ ابْن أَبِي السَّائِبِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْجِعِرَّانَةِ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ.

[138] -  أحمد((15505-أرنؤوط)) حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، : عَنْ مُجَاهِدٍ، به.. ومجاهد: هو ابن جبر المكي التابعي الثقة –إمام في التفسير -  مولى السائب بن أبي السائب  المخزومى ، و يقال : مولى ابنه عبد الله بن السائب و يقال : مولى قيس بن السائب المخزومى . اهـ

 والحديث أخرجه ابن أبي شيبة 14/505، والحاكم 2/61، والبيهقي في "السنن" 6/78 من طريق عفان بن مسلم، بهذا الإسناد.وأخرجه النسائي في "الكبرى" (10144) - وهو في "عمل اليوم والليلة" (312) ، والطبراني في "الكبير" (6618) من طريقين عن وهيب، به، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي

وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (692) قال حدثنا أبو كريب نا طريق مصعب بن المقدام، عن إسرائيل،  عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنِ السَّائِبِ ...

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 8/190، وقال: رواه أبو داود باختصار، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

 .وقال الأرنؤوط في تحقبق المسند : إسناده ضعيف، لأن مجاهد: هو ابن جبر المكي وقيل لم يرو عن السائب، بينهما قائد السائب كما في الرواية رقم (15502) ، وهو المحفوظ فيما ذكره المزي في "تهذيب الكمال"، وقائد السائب لم نقع على اسمه وترجمته فيما بين أيدينا من المصادر ، والحديث مضطرب جداً فيما نقل الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" في ترجمة السائب عن ابن عبد البر، فقال: الحديث فيمن كان شريكه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مضطرب جداً، فمنهم من يجعله للسائب بن أبي السائب، ومنهم من يجعله لأبيه، ومنهم من يجعله لقيس بن السائب، ومنهم من يجعله لعبد الله، وهذا اضطراب شديد.

وفي المسند مختصراً برقم (15502) (15503) ، وبنحوه مطولاً برقم (15505) أهـ مختصرا.

قلت: ثبت في مسند أحمد (3/425)أو(24/ 261 رقم 15502 أرنؤوط )حديثا آخر في بناء الكعبة صرح فيه مجاهد بسماعه من مولاه مما يدل على أنه أدركه.

قال السندي: قوله: كنت لا تداري: من درأ بالهمز: إذا دفع. ولا تماري: من المراء: وهو الجدال، والمراد أنه كان شريكاً موافقاً لا يخالف ولا ينازع. وأصل يداري مهموز، وجاء في الحديث غير مهموز ليزاوج يماري.

 

[139] - ابن سعد(1/130) قال : أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا موسى بن شيبة عن عميرة بنت عبيد الله بن كعب بن مالك عن أم سعد بنت سعد بن الربيع عن نفيسة بنت منية..

[140] - سيرة ابن إسحاق(1/ 81) وابن هشام(1/119)

[141] - ابن سعد(1/130) : أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي، حدثني أبو المليح عن عبد الله بن محمد بن عقيل مرسلا..وعبد الله بن جعفر الرقي ثقة روى له الجماعة وترجمه المزي برقم 3204 في التهذيب(14/376 ) طبقات ابن سعد: 7 / 486. وثقات ابن حبان: 8 / 351، وثقات ابن شاهين، الترجمة 680، ورجال صحيح مسلم لابن منجويه، الورقة 78وتاريخ البخاري الكبير: 5 / الترجمة 150، وشيخه أبو المليح الحسن بن عمر الرقي ثقة .(أنظر تهذيب التهذيب 2 / 310 ).وشيخه ابن عقيل صدوق فى حديثه لين ، و يقال تغير بأخرة كما قال ابن حجر (وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب 6 / 15)

[142] -  رواه عبد الرزاق في مصتفه(5/315 رقم 9718) عن معمر عن الزهري. ورجاله رجال الشيخين ،لكنه مرسل، وأخرجه البيهقي في الدلائل( 1/90) بسنده عن  عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ به.

([143])  وقد كانت  خديجة من أوسط قريش حسباً وأوسعهم مالاً وكانت أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم غيرها حتى ماتت رضي الله عنها،مع أنها كانت متزوجة قبله بأبي هالة الذي تُوفِي عنها وله منها ولد اسمه هالة، وهو ربيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .

 وقد ولدت له صلى الله عليه وسلم ابنين وأربع بنات، وابناه هما: القاسم، وبه كان صلى الله عليه وسلم يكنى  و عبد الله، ويلقب بالطاهر والطيب. وقد مات القاسم بعد أن بلغ سنًّا تمكنه من ركوب الدابة، ومات عبد الله وهو طفل،.

أما بناته فهن: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، وقد أسلمن وهاجرن إلى المدينة وتزوجن . كلهم ولدوا قبل البعثة إلا عبد الله ..سيرة ابن هشام(1/120) و انظر: السيرة النبوية لأبي فارس ص122

من الدروس المستفادة من هذا الزواج :1-  عدم اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأسباب المتعة الجسدية ومكملاتها، فلو كان مهتمًا بذلك كبقية الشباب لطمع بمن هي أقل منه سنًا، أو بمن لا تفوقه في العمر، وإنما رغب فيها النبي صلى الله عليه وسلم لشرفها ومكانتها في قومها، فقد كانت تلقب في الجاهلية بالعفيفة الطاهرة.

2- وفي زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة ما يلجم ألسنة وأقلام الحاقدين على الإسلام  من المستشرقين وأذنابهم من العلمانيين, الذين ظنوا أنهم وجدوا في موضوع تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم مقتلا يصاب منه الإسلام، وصوروا النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الرجل الشهواني الغارق في لذاته وشهواته، فنجد أن النبي صلى الله عليه وسلم عاش إلى الخامسة والعشرين من عمره في بيئة جاهلية، عفيف النفس، دون أن ينساق في شيء من التيارات الفاسدة التي تموج حوله، كما أنه تزوج من امرأة لها ما يقارب ضعف عمره، وعاش معها دون أن تمتد عينه إلى شيء مما حوله، وإن من حوله الكثير وله إلى ذلك أكثر من سبيل، إلى أن يتجاوز مرحلة الشباب، ثم الكهولة، ويدخل في سن الشيوخ، وقد ظل هذا الزواج قائما حتى توفيت خديجة عن خمسة وستين عامًا، وقد ناهز النبي  صلى الله عليه وسلم الخمسين من العمر دون أن يفكر خلالها بالزواج من امرأة أخرى، وما بين العشرين والخمسين من عمر الإنسان هو الزمن الذي تتحرك فيه رغبة الاستزادة من النساء والميل إلى تعدد الزوجات للدوافع الشهوانية.

ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفكر في هذه الفترة بأن يضم إلى خديجة مثلها من النساء: زوجة أو أمة، ولو أراد لكان الكثير من النساء والإماء طوع بنانه.

أما زواجه بعد ذلك من السيدة عائشة وغيرها من أمهات المؤمنين فإن لكل منهن قصة، ولكل زواج حكمة وسبب, يزيدان في إيمان المسلم بعظمة محمد صلى الله عليه وسلم ورفعة شأنه وكمال أخلاقه.

3- كان زواج الحبيب المصطفى من السيدة خديجة بتقدير الله تعالى، ولقد اختار الله سبحانه وتعالى لنبيه زوجة تناسبه وتؤازره في هذه المرحلة الهامة ، ولتخفف عنه ما يصيبه، وتعيش همومه ،وتعينه على حمل تكاليف الرسالة.

[144] سيرة ابن هشام(1/120) وطبقات بن سعد(1/131-132)

[145] - وذكروا أن أبا طالب  خطب في هذا اليوم فقال: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل وضِئْضِىءِ معدّ، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته وسُوّاس حرمه، وجعله لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً، وجعلنا حكّام الناس، ثم إن ابن أخي هذا محمدبن عبد الله لا يُوزن به رجل شرفاً ونبلاً وفضلاً، وإن كان في المال قُلٌّ، فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، وعارية مستردّة، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل، وقد خطب إليكم رغبة في كريمتكم خديجة، وقد بذل لها من الصَّدَاقِ كذا.  "نور اليقين للخضري.(ص:23 ) وهذه الرواية لا تثبت.

[146] - ذكره ابن سعد في الطبقات (1/133) و الواقدي – وإن كان ضعيفًا في الحديث – إلا أنه عالم بالمعازي والسير.قال فيه ابن سعد: وكان عالما بالمغازي والسيرة والفتوح  أهـ تهذيب التهذيب لابن حجر(9/324)

[147] - الحاكم في المستدرك( 4758) قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثنا  يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عن إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عن ابن عباس به .. ومن طريقه أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ج 2 / 70. ذكره في البداية والنهاية(2/359)

[148] - ابن سعد(1/131): أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي، أخبرنا موسى بن شيبة عن عميرة بنت عبيد الله بن كعب بن مالك عن أم سعد بنت سعد بن الربيع عن نفيسة بنت منية به..

[149] - ابن سعد (1/132):أخبرنا محمد بن عمر عن محمد بن عبد الله بن مسلم عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم. وعن ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. وعن ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قالوا:...فذكره

[150] - مسند أحمد(1/312)قال: ثنا أبو كامل ثنا حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس -فيما يحسب حماد- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وقال محققه شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف، شك حماد في وصله، ثم إنه قد دلسه، فقد رواه البيهقي في الدلائل عن حماد بن سلمة عن علي بن زبد عن عمار بن أبي عمار . فعاد الحديث إلى علي بن زيد وهو ضعيف.

وقد صحح ابراهيم العلي هذا الحديث في كتابه صحيح السيرة ولا نسلم له بذلك .بل الصواب ما ذكره الأرنؤوط.

[151] -  مسند البزار(4/248  رقم 1418) قال:حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ شَبِيبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْعَدَوِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مِقْسَمٍ أَبِي الْقَاسِمِ ...إلخ وَقال:هَذَا الْحَدِيثُ لاَ نَحْفَظُهُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرِ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ.أهـ وعبد الله بن شبيب ضعيف، وعمر بن أبي بكر متروك.

قلت: و أخرجه لبيهقي في الدلائل  2 / 71 " وابن عساكر(3/188) كلاهما من طريق عمر بن أبي بكر أيضًا به.

وقال الهيثمي(9/162) رواه الطبراني والبزار وفيه عمر بن أبي بكر المؤملي وهو متروك..

 

[152] - اعلم أن الكعبة أول بيت وضع لعبادة الله تعالى في الأرض ، وقد بُنيت أكثر من مرة. فقيل أن أول من بناها الملائكة . وقيل:آدم  وقيل:شيث، وقيل إبراهيم.قال الله تعالى : ﴿إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً﴾ [آل عمران: 96 و97].

وثبت في البخاري(3243 ) ومسلم( 520)  عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله! أي مسجد وضع أول؟ قال: ((المسجد الحرام)). قلت: ثم أيّ؟ قال: ((المسجد الأقصى)). قلت: كم بينهما؟ قال: ((أربعون سنة)).

   وفي البخاري(3017) ومسلم(1353) قال صلى الله عليه وسلم:((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة)).

وفي صحيح البخاري(3184) من حديث ابن عباس قال:

 ((أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقاً لتعفّي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت؛ عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جراباً فيه تمر، وسقاءً فيه ماء. ثم قفى إبراهيم منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟! فقالت له ذلك مراراً، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا. ثم رجعت، فانطلق إبراهيم، حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه؛ فقال:  ﴿ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليه وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ﴾[إبراهيم : 37]، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى – أو قال: يتلبط – فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر؛ هل ترى أحداً ؟ فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت؛ هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم:  ((فلذلك سعى الناس بينهما)).

فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً؛ فقالت: صه! – تريد : نفسها – ثم تسمعت، فسمعت أيضاً، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواثٌ. فإذا هي بالملك عند موضع زمزم ، فبحث بعقبه – أو قال: بجناحه – حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا،وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهو يفور بعدما تغرف. قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم :

((يرحم الله أم إسماعيل ! لو تركت زمزم – أو قال: لو لم تغرف من الماء – لكانت زمزم عيناً معيناً)).

[قال]: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة؛ فإن ها هنا بيت الله ؛ يبني هذا الغلام وأبوه، فإن الله لا يُضيع أهله. وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية؛ تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله. فكانت كذلك حتى مرت بهم رُفقة من جرهم – أو : أهل بيت من جرهم- مقبلين من طريق (كداء) ، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائراً عائفاً، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء! لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء! فأرسلوا جرياً أو جريين، فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا – قال: وأم إسماعيل عند الماء – فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم؛ ولكن لا حق لكم في الماء. قالوا: نعم. قال عبد الله بن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم :  ((فألفى ذلك أمّ إسماعيل وهي تحب الإنس)).

فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام وتعلم العربية منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شبّ؛ فلما أدرك زوجوه امرأةً منهم، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يُطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته [عنه] ، فقالت: خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت: نحن بشر، نحن في ضيق وشدة. فشكت إليه، قال: فإذا جاء زووجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له: يُغير عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل كأنه أنس شيئاً، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم؛ جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني: كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا في جهد وشدة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم؛ أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول لك: غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أ/رني أن أفارقك، الحقي بأهلك. فطلقها وتزوج منهم أخرى.

فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه؟ فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت: نحن بخير وسعة. وأثنت على الله عز وجل، فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهم! بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((ولم يكن لهم يوئذ حب، ولو كان لهم حب دعا لهم فيه)). [قال:] فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي  عليه السلام، ومريه يثبت عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم ؛ أتانا شيخ حسن الهيئة – وأثنت عليه – فسألني عنك، فأخبرته، فسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا بخير، قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم؛ هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأنت العتبة؛ أمرني أن أمسكك.

ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحة قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثم قال: يا إسماعيل! إن الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك ربك.

قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإن الله أمرني أن أبني ههنا بيتاً. وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها. قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء؛ جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: "ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم" [البقرة: 127]، قال: فجعلا يبنيان، حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: "ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم".

 ولما تمكن ابن الزبير بناها على قواعد إبراهيم على ما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاءت في غاية البهاء والحسن والسناء، كاملة على قواعد الخليل، لها بابان ملتصقان بالأرض شرقاً وغرباً، يدخل الناس من هذا ويخرجون من الآخر.

فلما قتل الحجاج ابن الزبير ؛ كتب إلى عبد الملك بن مروان – وهو الخليفة يومئذٍ- فيما صنعه ابن الزبير – واعتقدوا أنه فعل ذلك من تلقاء نفسه – فأمر بإعادتها إلى ما كانت عليه ... فهي إلى الآن كذلك .

[153] - مسند الطيالسي(1/18 ) قال: ثنا حماد بن سلمة وقيس وسلام كلهم عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي به..  ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى(5/72).وأخرجه الحاكم مطولا(1/458-459)  ومدار الحديث على خالد بن عرعرة، وهو مجهول.وله شواهد من حديث ابن عباس وابن عمر وغيرهما كذا قال البوصيري في الزوائد(6326).وذكره الألباني في صحيح السيرة(ص:43-44)

[154] - مسند أحمد(3/425) قال:ثنا عبد الصمد ثنا ثابت يعني أبا زيد ثنا هلال يعني بن خباب عن مجاهد عن مولاه به...وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير هلال بن خباب فمن رجال أصحاب السنن وهو ثقة

[155] -  البخاري(3829) قال:حَدَّثَنِى مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنِى ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما... و طرفاه 364 ، 1582و أخرجه مسلم(340) وأحمد(3/295 رقم 14173) و (1/286 ، رقم 1103) . غيرهم

[156] - صحيح البخاري(1586 ) قال:حدثنا بيان بن عمرو حدثنا يزيد حدثنا جرير بن حازم حدثنا يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة رضي الله عنها... ومسلم(1333) وأحمد( 6/57)وغيرهم.

[157] -  أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (5/102-105) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ عبد الله (ابْنِ خُثَيْمٍ)، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ رضي الله عنه... وعنه اسحاق بن راهويه في مسنده (3/993-994) وذكره الذهبي في تاريخه من طريق الطبراني عن ابن راهويه(1/513-514) وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وقال الهيثمي(3/627):رواه الطبراني في الكبير بطوله،وروى أحمد طرفاً منه ورجالهما رجال الصحيح. وذكره البوصيري في الزوائد(933/2)من مسند اسحاق بن راهويه. وزاد : قال معمر: فأخبرني يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد قالت: لما هدموا الكعبة في الجاهلية حتى إذا بلغوا موضع الركن خرجت عليهم حية كأنما عنقها عنق بعير، فهاب الناس أن يدنوا منها، فجاء طائر ظلل نصف مكة فأخذها برجليه، ثم حلق بها حتى قذفها في البحر.

قال مجاهد: وخرجوا يومًا فنزع رجل من البيت حجرًا وسرق من حلية البيت، ثم عاد فسرق فلصق الحجر على رأسه ".

 

[158] -  ذكره البوصيري في زوائد المسانيد العشرة (933/2) زيادة على حديث اسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق –السابق.وللحديث علتان: الأولى: الإرسال.فقد أرسله مجاهد بن جبر وهو تابعي ثقة إمام.

الثانية: يزيد بن أبى زياد الكوفي فهو سيء الحفظ ، لذا أخرج له مسلم مقرونًا بغيره و كبر فتغير و صار يتلقن ، و كان شيعيًا. و قال البرديجى : روى عن مجاهد ، و فى سماعه منه نظر ، و ليس هو بالقوى . أنظر تهذيب التهذيب " 11 / 330

 

[159] -  وقال أبويعلى الموصلي: ثنا موسى بن محمد ، ثنا محمد بن أبي الوزير، ثنا يحيى بن العلاء، أبنا شعيب بن خالد، عن سماك بن حرب الذهلي، عن عكرمة، سمعت ابن عباس ..ذكره البوصيري في الزوائد (934) وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير من طريق عمرو بن أبي قيس، عن سماك به.

قلت: وفيه يحيى بن العلاء الرازي متروك رموه بالوضع , وسماك بن حرب صدوق ، و روايته عن عكرمة --خاصة - مضطربة ، و قد تغير بأخرة فكان ربما تلقن كما في التقريب.

 

[160] - ابن سعد في الطبقات(1/145-147) قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ الْأَسْلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْهُذَلِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْهُذَلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْهُذَلِيُّ، عَنْ أَبِي غَطَفَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ قَالُوا...فذكره. وفي سنده الواقدي متروك.وأيضًا أخرجه أبو نعيم .

[161] - مسند أحمد( 4/222) قال: ثنا أبو أسامة حماد بن أسامة ثنا هشام يعني ابن عروة عن أبيه   قال: حدثني جار لخديجة... وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح

 

[162] - أنظر الحديث في صحيح البخاري(5180)

 

([163]) صحيح ابن حبان(14/169) قال: أخبرنا عمر بن محمد الهمداني حدثنا أحمد بن المقدام العجلي حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثنا محمد بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب رضي الله عنه .... وقال محققه شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن .  وانظر:صحيح السيرة النبوية، إبراهيم العلي ص57.

[164] - البيهقي في الدلائل(2/34) حدثني أبو عبدالله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عفان العامري حدثنا أبو أسامة حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبدالرحمن بن حاطب.. و أخرجه ابن أبي عاصم في الأحاد والمثاني(1/199) قال:حدثنا وهب بن بقية ثنا خالد وهو ابن عبد الله عن محمد بن عمرو به.. وقال الألباني في صحيح السيرة(ص:32):إسناده حسن .وحسنه الذهبي في السير(1/179)

[165] -سيرة ابن هشام(1/204-السقا) قال ابن اسحاق: حدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم عن عمه نافع بن جبير عن أبيه جبير بن مطعم.. وأخرجه أحمد(4/ 82 رقم 16803 ) من طريق ابن إسحاق.وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق وقد صرح بالتحديث.

وأخرجه الفاكهي في "أخبار مكة" (2788) ، وابن خزيمة (3057) و (2823) ، والطبراني في "الكبير" (1577) و (1578) ، والحاكم 1/464 (رقم 1772) من طرق عن ابن إسحاق، بهذا الإسناد، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي! قلنا: ابن إسحاق روى له البخاري تعليقاً، ومسلم متابعةً.

وقال ابن خزيمة: وقوله: قبل أن ينزل عليه: يشبه أن يكون أراد قبل أن ينزل عليه (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) [البقرة: 199] أو من قبل أن ينزل عليه جميع القرآن.

 

[166] - البخاري(3829 ) قال: حدثني محمود حدثنا عبد الرزاق قال أخبرني ابن جريح قال أخبرني عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ..ومسلم(340) أحمد(3/ 295) و مصنف عبد الرزاق (1/286)رقم(1103 ) غيرهم.

[167] -  البخاري(4971) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍعن ابن عباس... وأطرافه 1394 ، 3525 ، 3526 ، 4770 ، 4801 ، 4972 ، 4973 ومسلم(208)

[168] -  ابن سعد( 1/158)قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس عن عكرمة عن ابن عباس...وفيه محمد بن عمر الواقدي وأبو بكر بن أبي سبرة وهما متروكان .وأيضًا الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ضعيف .أنظر  تهذيب التهذيب(9/323 رقم605) و(12/31 رقم 138)و(2/296رقم 606) وأخرجه أبو نعيم وابن عساكر.

 

 

[169] -  ذكره في سبل الهدى والرشاد(2/147)

[170]   السيرة النبوية للدكتور علي محمد الصلابي (1/16)

[171] - البخاري(4920) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَالَ عَطَاءٌ عن ابن عباس... وكان لكل قبيلة صنم، فكان لهذيل بن مدركة: سواع، ولكلب: ود، ولمذحج: يغوث, ولخيوان(بطن من همدان): يعوق، ولحمير: نسر، وكانت خزاعة وقريش تعبد إسافًا ونائلة، وكانت مناة على ساحل البحر، تعظمها العرب كافة والأوس والخزرج خاصة، وكانت اللات في ثقيف، وكانت العزى فوق ذات عرق، وكانت أعظم الأصنام عند قريش . انظر: السيرة لابن هشام(1/54-56)  والسيرة النبوية للصلابي (1/21)

 

[172] - البخاري(4376) قال:حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْتُ مَهْدِىَّ بْنَ مَيْمُونٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِىَّ يَقُولُ ..  فذكره.

[173] - سيرة ابن هشام(1/76)[تحقيق السقا:ط البابي الحلبي]: ابن اسحاق قال:َحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ أَنّ أَبَا صَالِحٍ السّمّانَ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يقول...وأخرجه البزار (8991)  من طريق ابن إسحاق  به. وقد صرح ابن اسحاق بالتحديث وهذا اسناد حسن.والحديث رواه مسلم (2856) من حَدِيث جرير عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة . .

[174] - صحيح البخاري (4624) قال: حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى يَعْقُوبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكَرْمَانِىُّ حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ ...وأطرافه 1044 ، 1046 ، 1047 ، 1050 ، 1056 ، 1058 ، 1064 ، 1065 ، 1066 ، 1212 ، 3203 ، 5221 ، 6631 - تحفة 16717

([175]) نحلته: أعطيته (النهاية في غريب الحديث) (5/29).        

([176]) مسلم(2865) قال: حدثني أبو غسان المسمعي ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار بن عثمان ( واللفظ لأبي غسان وابن المثنى ) قالا حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن مطرف بن عبدالله بن الشخير عن عياض بن حمار... ،  وأحمد(4/ 266 ) وابن حبان(2/ 422) وغيرهم.  

[177] - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (2 / 176)

[178] - سيرة ابن هشام(1/203)

[179] - البخاري( 4520) قال: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا محمد بن حازم حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة ..ومسلم(1219) وأصحاب السنن الأربعة وغيرهم.

[180] - مسلم ( 3028 ) قال:حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر ح وحدثني أبو بكر بن نافع ( واللفظ له ) حدثنا غندر حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس...

[181] - سيرة ابن هشام(1/203)

[182] - البخاري (1664) قال: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا عمرو حدثنا محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه : ....قال:وحدثنا مسدد حدثنا سفيان عن عمرو سمع محمد بن جبير عن أبيه .....ومسلم( 1220 ) والنسائي(3013) وأحمد(4/ 80) وغيرهم.

[183] -سيرة ابن هشام(1/225-السقا) قال ابن إسحاق : وحدثني هشام بن عروة عن أبيه عن أمه أسماء بنت أبي بكر... ورجاله رجال الصحيحين  إلا ابن إسحاق فيروي له البخاري في التعاليق (تهذيب التهذيب(9/34) وقد صرح ابن اسحق بالتحديث، فالحديث حسن.

[184] -  البخاري(3828) والحاكم(3/ 498)وقال:صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه.وأخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/75 رقم 771) عن الحسن بن علي عن أبي أسامة عن هشام بن عروة به.

 

[185] -  البخاري(5499 ) قال: حدثنا معلى بن أسد حدثنا عبد العزيز يعني ابن المختار أخبرنا موسى بن عقبة قال أخبرني سالم أنه سمع عبد الله ...وأحمد(2/ 89)

قَالَ السهيليّ في الرو الأنف- بعد مَا تعرض للْكَلَام على ترك زيد لما ذبح على النصب-: «وَفِيه سُؤال، يُقَال: كَيفَ وفْق الله زيدا إِلَى ترك أكل مَا ذبح على النصب، وَمَا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ، وَرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أولى بِهَذِهِ الْفَضِيلَة فِي الْجَاهِلِيَّة؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه لَيْسَ فِي الحَدِيث حِين لقِيه ببلدح (يُشِير إِلَى لِقَاء رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببلدح قبل أَن ينزل الْوَحْي، فَقدمت إِلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سفرة، فَأبى زيد أَن يَأْكُل مِنْهَا، وَقَالَ: إِنِّي لست آكل مَا يذبح على النصب، وَلَا آكل إِلَّا مَا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ) ، فَقدمت إِلَيْهِ السفرة أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل مِنْهَا، وَإِنَّمَا فِي الحَدِيث أَن زيدا قَالَ حِين قدمت السفرة: لَا آكل مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ.

الْجَواب الثَّانِي: أَن زيدا إِنَّمَا فعل ذَلِك بِرَأْي رَآهُ، لَا بشرع مُتَقَدم، وَإِنَّمَا تقدم شرع إِبْرَاهِيم بِتَحْرِيم الْميتَة، لَا بِتَحْرِيم مَا ذبح لغير الله وَإِنَّمَا نزل تَحْرِيم ذَلِك فِي الْإِسْلَام. وَبَعض الْأُصُولِيِّينَ يَقُول: الْأَشْيَاء قبل وُرُود الشَّرْع على الْإِبَاحَة، فَإِن قُلْنَا بِهَذَا، وَقُلْنَا: إِن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْكُل مِمَّا ذبح على النصب، فَإِنَّمَا فعل أمرا مُبَاحا، وَإِن كَانَ لَا يَأْكُل مِنْهُ فَلَا إِشْكَال. وَإِن قُلْنَا أَيْضا: إِنَّهَا لَيست على الْإِبَاحَة، وَلَا على التَّحْرِيم، وَهُوَ الصَّحِيح، فالذبائح خَاصَّة لَهَا أصل فِي تَحْلِيل الشَّرْع الْمُتَقَدّم كالشاة وَالْبَعِير، وَنَحْو ذَلِك، مِمَّا أحله الله تَعَالَى فِي دين من كَانَ قبلنَا، وَلم يقْدَح فِي ذَلِك التَّحْلِيل الْمُتَقَدّم مَا ابتدعوه حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام، وَأنزل الله سُبْحَانَهُ: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الله عَلَيْهِ 6: 121.

أَلا ترى كَيفَ بقيت ذَبَائِح أهل الْكتاب عندنَا على أصل التَّحْلِيل بِالشَّرْعِ الْمُتَقَدّم وَلم يقْدَح فِي ذَلِك التَّحْلِيل مَا أحدثوه من الْكفْر وَعبادَة الصلبان، فَكَذَلِك كَانَ مَا ذبحه أهل الْأَوْثَان محلا بِالشَّرْعِ الْمُتَقَدّم، حَتَّى خصّه الْقُرْآن بِالتَّحْرِيمِ.

[186] - الأحاد والمثاني لأبي بكر ابن أبي عاصم الشيباني(1/199-200) قال:حدثنا وهب بن بقية ثنا خالد وهو ابن عبد الله عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة وعن ابن عبد الرحمن بن حاطب عن أسامة بن زيد عن أبيه.به..وقال: ورواه عبد الوهاب وأبو أسامة عن محمد بن عمرو ...وحسّن الألباني هذا الإسناد  في صحيح السيرة(ص:13) ، ورجاله رجال مسلم.

[187] -    أبو يعلى(2/260 رقم 973) قال:حَدَّثَنَا مُصْعَبُ الزُّبَيْرِيُّ ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ.. وقال محققه:إسناده حسن.وأخرجه ابن أبي عاصم في الأحاد والمثاني(2/78 رقم 775) حدثنا محمد بن إسماعيل نا ابن أبي أويس نا ابن أبي الزناد به.

 

[188] - أحمد(1/190) قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِىُّ عَنْ نُفَيْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ...وأخرجه ابو داود الطيالسي في مسنده ( 1/32 رقم 234)عن المسعودي به وذكره البوصيري في الزوائد(1/15) و قال:هذا إسناد رجاله ثقات، نفيل وهشام ذكرهما ابن حبان في الثقات، والباقي على شرط مسلم، إلا أن المسعودي اختلط بآخره، وممن روى عنه بعد الاختلاط أبو داود الطيالسي ويزيد بن هارون، كما أوضحته في تبيين حال المختلطين...وله شاهد من حديث مجالد، عن الشعبي، عن جابر قال: "سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن زيد بن عمرو بن نفيل...أهـ .قال الهيثمى (9/417) : إسناده حسن

162- مسند احمد(6/ 65)  ) قال :ثنا حسن بن موسى ثنا بن لهيعة ثنا أبو الأسود عن  عن عروة عن عائشة.. تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة . وفي صحيح السيرة للألباني ص 93: هذا إسناد حسن؛ لكن رواه الزهري وهشام عن عروة مرسلاً. فالله أعلم.

 

163-  مستدرك الحاكم(2/ 666) قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن علي بن زياد العدل ثنا الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق ثنا أبو سعيد الأشج ثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة... وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه ووافقه الذهبي

  وقال الهيثمي في المجمع (9/691-692) :رواه البزار متصلا ومرسلا وزاد في المرسل : كان بين أخي ورقة وبين رجل كلام فوقع الرجل في ورقة ليغضبه . والباقي بنحوه ورجال المسند والمرسل رجال الصحيح .أهــ.   وفي صحيح السيرة للألباني (ص 94)قال: وهذا إسناد جيد، وروي مرسلاً، وهو أشبه أهـ.

 

[191] -     مسند أبي يعلى(4/41)برقم  2047 قال:حدثنا سريج بن يونس حدثنا إسماعيل عن مجالد عن الشعبي جابر بن عبد الله... وقال محققه حسين سليم أسد : إسناده ضعيف. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد(9/ 692): رواه أبو يعلى وفيه مجالد وهذا مما مدح من حديث مجالد وبقية رجاله رجال الصحيح. وقال ابن كثير إسناده جيد قوي.

قلت :وله شاهد كما تقدم من حديث سعيد بن زيد : أخرجه أحمد (1/189 ، رقم 1648) ، والطبرانى (1/151 ، رقم 350) وقال الهيثمى (9/417) : إسناده حسن .

وآخر عن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه رواه أبو يعلى والطبراني والبزار  من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو  عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ مَاتَ، ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ ".وإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.كما قال الذهبي في تاريخه(1/88)ط:دار الكتاب العربي  ، (1/519) ط:دار الغرب مشكولة.

 

[192] - ابن عساكر(10/306) وترجمه ابن حجر في الإصابة(5/551 رقم7435) وقال: ذكره أبو علي ابن السكن وابن شاهين وعبدان المروزي وأبو موسى في الصحابة وصرح بن السكن بأنه مات قبل البعثة وذكره أبو حاتم السجستاني في المعمرين ونسبه كما ذكرت وقال: إنه عاش ثلاثمائة وثمانين سنة وقد سمع النبي صلى الله عليه و سلم حكمته وهو أول من آمن بالبعث من أهل الجاهلية وأول من توكأ على عصا في الخطبة وأول من قال أما بعد في قول، وأول من كتب من فلان إلى فلان وفي رواية ابن الكلبي إن في آخر خطبته: لو على الأرض دين أفضل من دين قد أظلكم زمانه وأدرككم أوانه فطوبى لمن أدركه فاتبعه وويل لمن خالفه.أهـ

 

[193] - رواها ابن حبان في صحيحه (13/ 386 رقم6027 ) قال:  أخبرنا بْنِ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، قال: حدثنا الليث، عن ابن مسافر، عن ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، فذكره.. وقال محققه الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري، رجاله رجال الشيخين غير محمد بن يحيى الذهلي، فمن رجال البخاري. وابن مسافر: هو عبد الرحمن بن خالد ابن مسافر.

وأخرجه أحمد 6/427، وأبو داود "2107" في النكاح: باب الصداق، والنسائي 6/119 في النكاح: باب القسط في الأصدقة، والطبراني في "المعجم الكبير" 23/"402" من طرق عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أم حبيبة أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش، وأن رسول الله عليه وسلم تزوجها وهي بأرض الحبشة، زوجها النجاشي، وأمهرها أربعة آلاف، وجهزها من عنده، وبعث معها شرحبيل بن حسنة، ولم يبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء، وكان مهر نسائه أربع مئة درهم.

[194] - هواتف الجان للخرائطي(1/ 62-64) قال: حَدَّثَنَا دَاوُدُ الْقَنْطَرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَشْرِقِيُّ عَنْ أَبِي الْحَارِثِ الْوَرَّاقِ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ عن عبادة بن الصامت به...و ذكره في البداية والنهاية(2/229) وقال: وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ

 [195]-   البزار(9/431 رقمي 5346, 5347): قال:حَدَّثنا مُحَمد بن يَحْيَى بن عَبد الكريم الأزدي ، قَال : حَدَّثنا مُحَمد بن ماهان ، حَدَّثنا مُحَمد بن الحجاج ، بن مجالد ، عَن الشَّعبِيّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.. وحَدَّثنا أحمد بن داود الواسطي ، قَال : حَدَّثنا أَبُو عَمْرو اللخمي بن الحجاج ، قَال : حَدَّثنا مجالد ، عَن الشَّعبِيّ ، عن عَبد الله بن عباس ، رَضِي الله عَنْهُمَا.به...  وقال : في غير هذا الحديث يروى أن النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم قال لأبي بكر : كيف قال ؟ قال : فأنشأ أَبُو بكر يقول هذا الشعر الذي يذكر عن قس بن ساعدة.

وهذا الحديث لا نعلمه يُرْوَى عَن النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم من وجه من الوجوه إلاَّ مِن هذا الوجه ، ولاَ نَعْلَمُ رواه عن مجالد إلاَّ مُحَمد بن الحجاج ، ومُحَمَّد بن الحجاج قد حدث بأحاديث لم يتابع عليها ، وقد حَدَّثَ عَنْهُ جماعة من أهل العلم ولما لم نجد هذا الحديث عند غيره لم نجد بدًا من إخراجه عنه.

ورواه الطبراني في الكبير(12/88)وأبو نعيم في الدلائل كلهم من طريق محمد بن الحجاج

وقال الهيثمي(9/418):رواه الطبراني والبزار، وفيه محمد بن الحجاج اللخمي وهو كذاب.

وفي لسان الميزن لابن حجر(5/ 116) : قال ابن عدي - عن حديث الهريسة - وهذا مما وضعه محمد بن الحجاج وقال أبو داود ليس بثقة وقال أبو أحمد الحاكم ذاهب الحديث وقال الأزدي روى عن مجالد حديث قس بن ساعدة ولا أصل له موضوع وقال ابن طاهر:كذاب وبحديث الهريسة يعرف "أهـ

قال ابن كثير(2/231): محمد بن الحجاج أبو إبراهيم الواسطي نزيل بغداد ويعرف بصاحب الهريسة وقد كذبه يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي والدارقطني واتهمه غير واحد منهم ابن عدي بوضع الحديث وقد رواه البزار وأبو نعيم من حديث محمد بن الحجاج هذا ورواه ابن درستويه وأبو نعيم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وهذه الطريق أمثل من التي قبلها وفيه إن أبا بكر هو الذي أورد القصة بكمالها نظمها ونثرها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ."أهـ

 قلت: والطريق التي أشار إليها ابن كثير تالفة،  فالكلبي هذا هو  محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث الكلبى ، أبو النضر الكوفى ، النسابة المفسر. متهم بالكذب ، و رمى بالرفض. وشيخه أبو صالح ضعيف, وإليك بعض أقوالهم في الكلبي: قال البخارى : تركه يحيى بن سعيد(القطان) و ابن مهدى . و قال على بن مسهر ، عن أبى جناب الكلبى : حلف أبو صالح أنى لم أقرأ على الكلبى من التفسير شيئا .

و قال أبو عاصم النبيل : زعم لى سفيان الثورى ، قال : قال لنا الكلبى : ما حدثت عن أبى صالح عن ابن عباس فهو كذب ، فلا ترووه .

و قال على بن الجنيد ، و الحاكم أبو أحمد ، و الدارقطنى : متروك . و قال الجوزحانى : كذاب ، ساقط .

و قال ابن حبان : وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق فى وصفه ، روى

عن أبى صالح التفسير ، و أبو صالح لم يسمع من ابن عباس ، لا يحل الاحتجاج به .

و قال الساجى : متروك الحديث ، و كان ضعيفا جدا لفرطه فى التشيع ، و قد اتفق ثقات أهل النقل على ذمه و ترك الرواية عنه فى الأحكام و الفروع .

قال الحاكم أبو عبد الله : روى عن أبى صالح أحاديث موضوعة .

و ذكر عبد الغنى بن سعيد الأزدى أنه حماد بن السائب الذى روى عنه أبو أسامة .

و تقدم فى ترجمة عطية-العوفي- أنه كان يكنى الكلبى أبا سعيد و يروى عنه . أنظر تهذيب التهذيب 9 / 180.

 

[196] - أنظر في هذا الباب كلام ابن إسحاق من سيرة ابن هشام(1/222-227) و  ما ذكره ابن اسحاق  هنا  كله معضل أو مرسل .وقد روى ابن إسحاق أكثر شعر زيد بن نفيل هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير مرسلا ً كما في سيرة ابن إسحاق (ص:96) تحقيق محمد حميد الله.

[197] - مسند أحمد(4/127) قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا معاوية يعني بن صالح عن سعيد بن سويد الكلبي عن عبد الله بن هلال السلمي عن العرباض..وقال شعيب الأرنؤوط:حديث صحيح لغيره،وصحيح ابن حبان(14/ 312) بلفظ:(إني عند الله مكتوب خاتم النبيين...)

[198] - مسند أحمد(4/128) قال: ثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ثنا أبو بكر عن سعيد بن سويد به ..وقال شعيب الأرنؤوط:حديث صحيح لغيره.

[199] - سنن الترمذي (3609 )قال: حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع بن الوليد البغدادي حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة.. قال أبو عيسى(الترمذي): هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وفي الباب عن ميسرة الفجر.

وقال الألباني :صحيح.

[200] - مسند أحمد(5/59) قال:ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا منصور بن سعد عن بديل عن عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفجرة ...وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح غير صحابيه ،وقال الألباني في صحيح السيرة(ص 54): إسناده جيد . وقال الهيثمي في المجمع(8/409) :رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح.

 

[201] - سنن البيهقي(2/134)

[202] - ابن سعد(1/149)قال:أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: وأخبرنا عمر بن عاصم الكلابي، أخبرنا أبو هلال عن قتادة .. وهذا حديث مرسل.

[203] - دلائل النبوة للبيهقي(الحديث الثالث) قال: حدثناه أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب ، ثنا جعفر بن أحمد بن عاصم ، قال : ثنا هشام بن عمار ، قال : ثنا بقية ، قال : ثنا سعيد بن بشير ، ثنا قتادة ، عن الحسن ،عن أبي هريرة به..  واخرجه الطبراني في مسند الشاميين( 4/34 رقم 2662) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، ثَنَا أَبُو الْجُمَاهِرِ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ  به.. والديلمى (3/282 ، رقم 4850). والحديث في سنده  سعيد بن بشير ضعيف. يروي عن قتادة بمناكير قال عنه الحافظ في تهذيب التهذيب 4 / 10 : و قال الساجى : حدث عن قتادة بمناكير . و قال الآجرى ، عن أبى داود : ضعيف .

و قال ابن حبان : كان ردىء الحفظ ، فاحش الخطأ ، يروى عن قتادة ما لا يتابع عليه ، و عن عمرو بن دينار ما ليس يعرف من حديثه ، و مات و له تسع و ثمانون سنة

و قال ابن أبى حاتم ، عن أبيه : لم يدرك الحكم بن عتيبة .

و قال أبو بكر البزار : هو عندنا صالح ليس به بأس . اهـ .

[204] - الطبراني في الكبير (12/119رقم 12646 ) قال:حدثنا عبدان بن أحمد ثنا زيد بن الحريش ثنا يحيى بن كثير أبو النضر عن جوبير عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس... وفي سنده جويبر ضعيف جدًا.  قال الحافظ في تهذيب التهذيب 2 / 124 : و قال أبو قدامة السرخسى : قال يحيى القطان : تساهلوا فى أخذ التفسير عن قوم لا يوثقونهم فى الحديث . ثم ذكر الضحاك ، و جويبر ، و محمد بن السائب ، و قال : هؤلاء لا يحمل حديثهم ، و يكتب التفسير عنهم .

و قال أحمد بن سيار المروزى : جويبر بن سعيد كان من أهل بلخ ، و هو صاحب الضحاك و له رواية و معرفة بأيام الناس ، و حاله حسن فى التفسير ، و هو لين فى الرواية .

و قال ابن حبان : يروى عن الضحاك أشياء مقلوبة . و قال الحاكم أبو أحمد : ذاهب الحديث .

و قال الحاكم أبو عبد الله : أنا أبرأ إلى الله من عهدته .

و ذكره البخارى فى " التاريخ الأوسط " فى فصل من مات بين الأربعين إلى الخمسين و مئة . اهـ . وانظر"تقريب التهذيب" ص / 143

و أيضًا في سند الحديث يحيى بن كثير ، أبو النضر ، صاحب البصرى من التاسعة.ضعيف. وقال الحافظ في تهذيب التهذيب  11 / 267 : و قال الساجى : معروف فى التشيع ، ضعيف الحديث جدا متروك ، ( حدث ) عن الثقات بأحاديث بواطيل . و قال أبو أحمد الحاكم : ليس بالقوى عندهم .

و قرأت بخط الذهبى : يكنى أيضا أبا مالك . اهـ .

 

[205] - كشف الخفاء للعجلوني(1/302 رقم  827 ) قال: رواه عبد الرزاق بسنده عن جابر بن عبد الله، بلفظ: قال: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأشياء. قال: يا جابر، إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله, ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جني ولا إنسي، فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء, فخلق من الجزء الأول القلم ومن الثاني اللوح ومن الثالث العرش ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء, فخلق من الجزء الأول حملة العرش ومن الثاني الكرسي ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الأول السماوات ومن الثاني الأرضين ومن الثالث الجنة والنار، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء, فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين ومن الثاني نور قلوبهم وهى المعرفة بالله ومن الثالث نور إنسهم وهو التوحيد: لا إله إلا الله, محمد رسول الله ... الحديث. كذا في المواهب أهـ وأشار الألباني إلى بطلان هذا الحديث في سلسلتة الصحيحة عقب تخريج حديث رقم ( 458) "خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من نار السموم وخلق آدم عليه السلام مما قد وصف لكم "فقال الألباني(1/820): " وفيه إشارة إلى بطلان الحديث المشهور على ألسنة الناس: " أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ".أهـ

[206] - تفسير ابن جرير الطبري(6/556-557 )رقم 7334 قال: حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس ..وهذا إسناد حسن .رجاله كلهم ثقات وصرح ابن إسحاق بالحديث.وبهذا الطريق ينجبر ضعف ابن حميد شيخ ابن جرير في الرواية التي قبلها(7333).

[207] - الطبراني في الكبير(12/22)برقم: 12353 قال:حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.. وقال الهيثمي في المجمع(7/ 207 ):رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح أهـ

 وفي ((صحيح البخاري)) عن ابن عباس قال:

((ما بعث الله نبياً إلا أخذ عليه الميثاق: لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق لئن بُعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه)),كذا في البداية والنهاية(6/178)ولم أجده في البخاري.

قال ابن جرير: حدثني المثنى قال حدثنا إسحق قال حدثنا عبد الله بن هاشم قال أخبرنا سيف بن عمر عن أبي روق عن أبي أيوب عن علي بن أبي طالب قال :  لم يبعث الله له نبيا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد صلى الله عليه وسلم لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأمره فيأخذ العهد على قومه ثم تلا : { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة } الآية أهـ تفسير ابن جرير الطبري( 6/555رقم 7329) ط:الرسالة.تحقيق أحمد شاكر وفي سنده سيف بن عمر: قال ابن حبان: "يروى الموضوعات عن الأثبات ، وقالوا: إنه كان يضع الحديث. اتهم بالزندقة". وقال الحاكم: "اتهم بالزندقة ، وهو في الرواية ساقط"ذكره المحقق .

 

وفي تفسير هذه الآية قال البغوي في تفسيره " ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْذَ الْمِيثَاقِ عَلَى النَّبِيِّينَ خَاصَّةً أن يبلّغوا كتاب الله ورسالته إِلَى عِبَادِهِ، وَأَنْ يُصَدِّقَ بَعْضُهُمْ بعضا وأخذ العهود عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ أَنْ يُؤْمِنَ بِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَنْصُرَهُ إِنْ أَدْرَكَهُ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ أَنْ يَأْمُرَ قَوْمَهُ بِنُصْرَتِهِ إِنْ أَدْرَكُوهُ  ، فَأَخَذَ الْمِيثَاقَ مِنْ مُوسَى أَنْ يُؤْمِنَ بِعِيسَى، وَمِنْ عِيسَى أَنْ يُؤْمِنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

 وَقَالَ الْآخَرُونَ: إنما  أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْهُمْ فِي أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم،

 فعلى هذا اختلفوا فمنهم مَنْ قَالَ: إِنَّمَا أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ أَرْسَلَ مِنْهُمُ النَّبِيِّينَ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالرَّبِيعِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ}، وَإِنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْعُوثًا إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ دُونَ النَّبِيِّينَ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «وَإِذْ أخذ الله ميثق الّذين أوتوا الكتب» ، وإنّما الْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ}، فَأَرَادَ: أَنَّ اللَّهَ أَخَذَ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ أَنْ يَأْخُذُوا الميثاق إلى أُمَمِهِمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُصَدِّقُوهُ وَيَنْصُرُوهُ، إِنْ أَدْرَكُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ عَلَى النَّبِيِّينَ، وَأُمَمِهِمْ جَمِيعًا فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاكْتَفَى بذكر الأنبياء [ذكر أممهم] لِأَنَّ الْعَهْدَ مَعَ  الْمَتْبُوعِ عَهْدٌ عَلَى الْأَتْبَاعِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نبيا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه الميثاق والعهد فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ، وَأَخَذَ الْعَهْدَ عَلَى قَوْمِهِ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ، وَلَئِنْ بعث وهم أحياء لنصرنّه  ، قَوْلِهِ: ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ، يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْأَنْبِيَاءِ حِينَ اسْتَخْرَجَ الذُّرِّيَّةَ مِنْ صُلْبِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْأَنْبِيَاءُ فِيهِمْ كَالْمَصَابِيحِ وَالسُّرُجِ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي..أهـ معالم التنزيل(1/464).ط1/دار إحياء التراث العربي –بيروت.

 

[208] -  وقد ورد في الكتاب المقدس -عندهم – في سفر التثنية (18:18-22) وإليك النص باللغة العربية ( أقيم لهم نبيًا من وسط أخوتهم مثلك و أجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به).

 فهذه بشارة بمحمد عليه الصلاة والسلام وليست بشارة بالمسيح عليه الصلاة والسلام كما يقول القساوسة من النصارى لأنه قال: (من وسط أخوتهم ) أي من بني إسماعيل لأنهم إخوة بني إسحاق ، فإسماعيل أخو إسحاق ، فلو كان يقصد المسيح لقال :(من وسطهم ) ولم يقل:(من وسط إخوتهم) لأن المسيح من بني إسحاق.

وقوله(مثلك) بشارة بمحمد عليه الصلاة والسلام لا بالمسيح عليه الصلاة والسلام لأن محمد عليه الصلاة والسلام مثل موسى عليه الصلاة والسلام  في أشياء كثيرة بخلاف المسيح منها :

* كان لموسى والدان  وكذلك محمد كان له أم وأب . لكن المسيح كان له أم وليس أب      

* إن موسى ومحمد عليهما الصلاة و السلام ولدا ولادة طبيعية بالاقتران الطبيعي بين رجل و امرأة . ولكن عيسى ولد بمعجزة مميزة .

*  لقد تزوج موسى و محمد عليهما الصلاة و السلام وأنجبا أولادًا. ولكن عيسى لم يتزوج .

* كلاهما نبي وحاكم أتى بشرع جديد من عند الله تعالى يحكم به بين الناس .أما عيسى فلم يحكم قومه ولم يأت بشرع جديد بل جاء متممًا لشريعة موسى .

* إن كلاً من موسى و محمد عليهما الصلاة و السلام ، قد توفاهم الله وفاة طبيعية ، وقبر كل منهما موجود أما عيسى فقد رفعه الله إلى السماء وسينزل في آخر الزمان كعلم من علامات الساعة كما قال تعالى: { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } [الزخرف:61]

مما سبق يظهر جليًا أن المقصود بكلمة (مثلك) هو محمد لا المسيح عليهما الصلاة و السلام.

قوله:(و أجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به).فالمراد به محمد فهو يتكلم بالقرآن الذي هو كلام الله تعالى وما يتكلم به النبي محمد فإنما هو بوحي الله تعالى . قال تعالى: {  وَمَا يَنطِقُ  عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى  }

وقال أحمد في مسنده (2/162): ثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن الأخنس أنا الوليد بن عبد الله عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو قال : كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه ، فنهتني قريش ، فقالوا :إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (( اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق )) وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات.وأخرجه أبو داود(3646) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 1532

و أيضًا اعتكاف الرسول في الغار والطريقة التي أنزل إليه بها القرآن بواسطة جبريل ، وكون الرسول أمياً لا يعرف الكتابة ولا القراءة . إنما هي تحقيق لنبوءة أخرى  في سِفر أشعياء (29 : 12). هذا نصها ( أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال: اقرأ هذا ، فيقول: لا أعرف الكتابة ).

وقد وقع التحريف في نسخ التوراة والإنجيل، وحذف منهما التصريح باسم محمد صلى الله عليه وسلم إلا توراة السامرة ، وإنجيل برنابا الذي كان موجودًا قبل الإسلام ، وحرمت الكنيسة تداوله في آخر القرن الخامس الميلادي، وقد أيدته المخطوطات التي عثر عليها في منطقة البحر الميت حديثًا، فقد جاء في إنجيل برنابا العبارات المصرحة باسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم مثل ما جاء في الإصحاح الحادي والأربعين منه ونص العبارة: ([29] فاحتجب الله وطردهما الملاك ميخائيل من الفردوس [30] فلما التفت آدم رأى مكتوبا فوق الباب: لا إله إلا الله محمد رسول الله) . انظر: السيرة النبوية الصحيحة للعمري (1/118).

قال ابن تيمية: في الجواب الصحيح (1/340). «والأخبار بمعرفة أهل الكتاب بصفة محمد صلى الله عليه وسلم عندهم في الكتب المتقدمة متواترة عنهم»  وقال: (1/340): «قد رأيت أنا من نسخ الزبور ما فيه تصريح بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم باسمه، ورأيت نسخة أخرى من الزبور فلم أر ذلك فيها، وحينئذ فلا يمتنع أن يكون في بعض النسخ من صفات النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس في أخرى»

 

([209]) حرزا للأميين: حفاظا لهم.       

([210])   السخاب: رفع الصوت بالخصام.

([211]) العوجاء: ملة إبراهيم التي غيرتها العرب عن استقامتها.

[212] -   رواه البخاري ( 2125) قال:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلاَلٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ،به...ثم قال : تَابَعَهُ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ هِلاَلٍ، وَقَالَ سَعِيدٌ: عَنْ هِلاَلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ ابْنِ سَلاَمٍ غُلْفٌ: كُلُّ شَيْءٍ فِي غِلاَفٍ، سَيْفٌ أَغْلَفُ، وَقَوْسٌ غَلْفَاءُ، وَرَجُلٌ أَغْلَفُ: إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُونًا"   ورواه أحمد (2/174 رقم 6622)قال:  حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ به.

 

([213])   سنن الدارمي(1/16) قال: أخبرنا الحسن بن الربيع ثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن أبي صالح قال : قال كعب... وقال محققه حسين سليم أسد:مرسل وإسناده صحيح،أهـ وانظر:صحيح السيرة النبوية للألباني ص77.

تنبيه: كثيرمن السلف كانوا يطلقون (التوراة) على كتب أهل الكتاب، فهي عندهم أعم من التي أنزلها الله على موسى.

 

[214] -  المسند( 5/411) قال: إسماعيل عن الجريري عن أبي صخر العقيلي به..وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف لجهالة أبي صخر العقيلي.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد(8/427):رواه أحمد وأبو صخر لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح.

وقال ابن كثيرفي البداية والنهاية(2/ 323) :هذا إسناد جيد، وله شاهد في ((الصحيح)) عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وذكره الألباني في صحيح السيرة(ص:73) و في السلسلة الصحيحة برقم 3269

 

[215] - البزار(9/ 144 رقم3700 ) قال:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَفَّانُ(بن مسلم) ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ(بن زياد) ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ خَالِهِ(الفلتان بن عاصم )... وسنده صحيح . رجاله رجال الصحيحين إلا  صحابيه،و كليب بن شهاب الجرمي والد عاصم وهو ثقة أخرج له الأربعة ,وعده بعضهم في الصحابة. قال الحافظ في تهذيب التهذيب 8 / 446 : و قال ( أى ابن حبان ) : يقال : إن له صحبة . و قال ابن أبى خيثمة ، و البغوى : قد لحق النبى صلى الله عليه وآله وسلم . و ذكره ابن مندة ، و أبو نعيم ، و ابن عبد البر فى الصحابة .

و قد بينت فى " الإصابة " سبب وهمهم فى ذلك . اهـ

 و الحديث أخرجه الطبراني في الكبير  (18/332 رقم 854)حدثنا أَحْمَدُ بن مُحَمَّدٍ السطوي ثنا عَفَّانُ بن مُسْلِمٍ ح وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثنا يحيى الْحِمَّانِيُّ ثنا عبد الْوَاحِدِ بن زِيَادٍ ثنا عَاصِمُ بن كُلَيْبٍ به. ثم أخرجه  من طريق آخر (18/333 رقم 855) قال:حدثنا أَحْمَدُ بن يحيى الْحُلْوَانِيُّ ثنا سَعِيدُ بن سُلَيْمَانَ عن صَالِحِ بن عُمَرَ عن عَاصِمِ بن كُلَيْبٍ عن أبيه عن خَالِهِ الفَلْتَانِ بن عَاصِمٍ به. ورجاله ثقات رجال مسلم إلا شيخ الطبراني .وهو ثقة  كما  في شذرات الذهب(2/224). وقال الهيثمي(8/187):رواه الطبراني ورجاله ثقات من أحد الطريقين.أهـ

 وذكره البوصيري في الزوائد(1/25-7/15): قال أبوبكر بن أبي شيبة: ثنا عفان، ثنا عبدالواحد بن زياد، ثنا عاصم ابن كليب به .وقال رجاله ثقات.أهـ

ورواه ابن حبان في صحيحه(14/541 رقم 6580) أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا عبد العزيز بن سالم حدثنا العلاء بن عبد الجبار أخبرنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عاصم بن كليب به.

ورواه البغوي -كما في البداية والنهاية(2/ 323-324)-حدثنا عبدالواحد بن غياث أبو بحر حدثنا عبدالعزيز بن مسلم حدثنا عاصم بن كليب به وابن عساكر من طريق أبي بحر أيضًا به(3/415 رقم767) وأخرجه البيهقي في الدلائل 6 / 273

وأخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة( 4/ 2292رقم 5665) قال:حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْأَحْمَسِيُّ، ثنا أَبُو حُصَيْنٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْوَادِعِيُّ(القاضي)، ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثنا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، أَخْبَرَنِي الْفَلَتَانُ بْنُ عَاصِمٍ فذكره ..ثم قال: وَرَوَاهُ صَالِحُ بْنُ عُمَرَ، وَزَائِدَةُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِهِ الْفَلَتَانِ، نَحْوَهُ وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأُمَوِيُّ، فَقَالَ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ الْفَلَتَانِ وَهُوَ وَهْمٌ.أهـ   . وذكره الألباني في صحيح السيرة:ص:74.

[216] - مسند أحمد(6/25)قال: ثنا أبو المغيرة قال ثنا صفوان قال ثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عن عوف بن مالك الأشجعي به...وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم،ورواه ابن حبان(16/ 118)والحاكم(3/ 469) وصححه ووافقه الذهبي.

[217] - روى أَبُو بَكْرٍ الْخَرَائِطِيُّ قال:حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقُلُوسِيُّ حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ أَبِي سُوَيَّةَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُوَيَّةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي سُوَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ خَلِيفَةَ قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ سُوَاةَ بْنِ خَثْعَمِ بْنِ سَعْدٍ فَقُلْتُ: كَيْفَ سَمَّاكَ أَبُوكَ مُحَمَّدًا؟ فَقَالَ سَأَلْتُ أَبِي عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ، فَقَالَ خَرَجْتُ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَنَا مِنْهُمْ، وَسُفْيَانُ بْنُ مُجَاشِعِ بْنِ دَارِمٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ الْعَقِيدِ، وَيَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ حَرْبُوصِ بْنِ مَازِنٍ، وَنَحْنُ نُرِيدُ ابْنَ جَفْنَةَ مَلِكَ غَسَّانَ، فَلَمَّا شَارَفْنَا الشَّامَ نَزَلْنَا عَلَى غَدِيرٍ عَلَيْهِ شَجَرَاتٌ فَتَحَدَّثْنَا، فَسَمِعَ كَلَامَنَا رَاهِبٌ، فَأَشْرَفَ عَلَيْنَا فَقَال:َ إنَّ هَذِهِ لُغَةٌ مَا هِيَ بلغة هذه البلاد ،فقلنا :نَعَمْ نَحْنُ قَوْمٌ مِنْ مُضَرَ، قَالَ مِنْ أي المضرين؟ قُلْنَا مِنْ خِنْدَفٍ،

قَالَ :أَمَا إِنَّهُ سَيُبْعَثُ وَشِيكًا نَبِيٌّ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، فَسَارِعُوا إِلَيْهِ وَخُذُوا بِحَظِّكُمْ مِنْهُ تَرْشُدُوا.

فَقُلْنَا لَهُ مَا اسْمُهُ؟ قَالَ: اسْمُهُ مُحَمَّدٌ. قَالَ: فَرَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ ابْنِ جَفْنَةَ فَوُلِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا ابْنٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا "ذكره في البداية والنهاية( 2/404) ط التراث. وأخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة ( 1/93رقم 49) من طريق الطبراني عن عمر بن علي عن العلاء به. وصرح فيه بأن خليفة كان مسلما. ورواه الدينوري في  المجالسة وجواهر العلم(رقم 1305) عن عَبْد اللهِ بْن مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ عن يَزِيد بْن عَمْرٍوعن الْعَلاء به..والعلاء ضعيف (انظر تهذيب التهذيب 22 / 190)

وقال في الفتح [6/ 556] : وَقَدْ جَمَعْتُ أَسْمَاءَ مَنْ تَسَمَّى بِذَلِكَ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ فَبَلَغُوا نَحْوَ الْعِشْرِينَ لَكِنْ مَعَ تَكَرُّرٍ فِي بَعْضِهِمْ وَوَهْمٍ فِي بَعْضٍ فَيَتَلَخَّصُ مِنْهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ نَفْسًا وَأَشْهَرُهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ سِوَاءَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ رَوَى حَدِيثَهُ الْبَغَوِيُّ وبن سعد وبن شاهين وبن السَّكَنِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سَوِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَوِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ خَلِيفَةَ بْنِ عَبْدَةَ الْمِنْقَرِيِّ قَالَ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ كَيْفَ سَمَّاكَ أَبُوكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُحَمَّدًا ... فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةٌ لَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَهُ صُحْبَةٌ إِلَّا مُحَمَّدُ بن عدي .اهـ باختصار.

 

[218] - السيرة لابن هشام (1/213-214 ) ومن طريق ابن إسحاق أخرجه البيهقي في السنن الكبرى(9/114رقم18263 ).وذكره الألباني في صحيح السيرة ص 60

[219] - أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ أُسَامَةَ به.

قال الألباني في صحيح السيرة(ص:13):سنده حسن.

قلت: هو من رواية أسامة بن زيد عن أبيه زيد بن حارثة كما في الأحاد والمثاني لأبي بكر بن أبي عاصم  الشيباني(1/199-200) وقد تقدم.

([220]) سيرة ابن هشام (1/132)، بإسناد حسن.و انظر: صحيح السيرة النبوية للألباني ص57

([221]) التنور: الفرن.          

[222] - يطبق عليه: يغلق عليه.

([223]) المسند(3/ 467) قال: ثنا يعقوب قال حدثني أبي عن ابن إسحاق قال حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل عن سلمة بن سلامة بن وقش رضي الله عنه... وقال شعيب الأرنؤوط:إسناده حسن من أجل محمد بن إسحق.و هو في السيرة لابن هشام(1/132-133) ورواه الحاكم في مستدركه( 3/ 471 ) من طريق ابن اسحاق أيضًا  وصححه الحاكم ووافقه الذهبي .وانظر: صحيح السيرة النبوية، إبراهيم العلي ص31.             

[224] -  سالم ثقة روى له الجماعة  والحديث إسناده ضعيف لعنعنة ابن اسحق ، وأخرجه بن سعد( 1/164) من طريق ابن اسحاق. وابن عساكر من طريق ابن سعد( 3/417) وانظرالبداية والنهاية(  2/ 324) .وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى(8/246 رقم 16896) من وجه آخر عن ابن إسحاق قال: حدثني الزهري قال سمعت رجلا من مزينة يحدث سعيد بن المسيب أن أبا هريرة حدثهم..وذكر القصة.

 

[225] -  ذكر ابن حجر أنه عبد الله بن صويا

[226] - ابو داود في السنن( 4448 ) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ..والحديث صحيح رجاله رجال الصحيح.

[227] - سنن أبي داود(4451) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِىُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِى هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ... والفتى الشاب في هذه الرواية هو ابن صويا. وحسن الألباني هذه الرواية.

([228]) – سيرة ابن هشام(1/134-135) قال ابن إسحاق :حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن محمود بن لبيد عن عبدالله بن عباس قال : حدثني سلمان الفارسي... وقد صرح ابن اسحاق بالتحديث فالحديث حسن،  وحسنه الألباني في الصحيحة برقم: 894  و قال الهيثمي في المجمع(9/553-559) :رواه أحمد كله والطبراني في الكبير بنحوه بأسانيد وإسناد الرواية الأولى عند أحمد والطبراني رجالها رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع . ورجال الرواية الثانية انفرد بها أحمد ورجالها رجال الصحيح غير عمرو بن أبي قرة الكندي وهو ثقة ورواه البزار أهـ

 

[229] -  البداية والنهاية(  2/ 327)

[230] - ابن شبه في تاريخ المدينة (2/632-633) قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَيْزَارُ بْنُ حُرَيْثٍ، عَنْ عَائِشَةَ به. وأخرجه ابن سعد 1/363، وإسحاق (1610) و (1611) ، والحاكم 2/614 وصححه ووافقه الذهبي.وأخرجه البيهقي عن الحاكم.

[231] - البخاري(7) قال:حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أخبره أن العباس.فذكره.. وقال: رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ . وأنظرأطراف الحديث في البخاري: 51 ، 2681 ، 2804 ، 2941 ، 2978 ، 3174 ، 4553 ، 5980 ، 6260 ، 7196 ، 7541 - تحفة 4850 - 8/1 وأخرجه مسلم(1773) وغيرهما.

[232] - ذكره في البداية والنهاية  (2 / 324) قال:قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ-مولى زيد بن ثابت- عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث كما في سيرة ابن هشام(1/544-545):قال ابن إسحاق: فِيمَا حَدّثَنِي مَوْلًى لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ .فذكره...و محمد بن أبى محمد الأنصارى المدنى ، مولى زيد بن ثابت من الطبقة السادسة وقال ابن حجر: مجهول وقال الذهبي:وُثق,.: و قال المزى في التهذيب : ذكره ابن حبان فى كتاب " الثقات " .

روى له أبو داود . اهـ . أنظر تهذيب التهذيب 9 / 433

[233] -  ذكره في البداية والنهاية (2 / 324-325) وفي سنده سعيد بن بشير ضعيف و يحدث عن قتادة بالمناكير..

[234] -  رواه الطبراني في الكبير( 3/137 – 138رقم 2917 )،قال: حدثني العباس بن حمدان الحنفي الأصبهاني، ثنا علي بن أحمد الجواربي الواسطي، ثنا يعقوب بن محمد الزهري، ثنا عبد العزيز بن عمران، عن عبد الله بن جعفر المخرمي، عن أبي عون مولى المسور بن مخرمة، عن المسور، عن ابن عباس به...  .وأخرجه أبو نعيم في الدلائل (رقم 71) عن الطبراني عن أَحْمَد بْن عُمَرَ الْخَلَّالُ الْمَكِّيُّ عن مُحَمَّد بْنُ مَنْصُورٍ الْجَوَّاز، عن يَعْقُوب به، وأخرجه ابن عساكر(3/419) من طريق عبد العزيز بن عمران أيضًا. و عبد العزيز بن عمران متروك كما قال في مجمع الزوائد 8/230- 231

[235] - مسلم  ( 2277 ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن أبي بكير عن إبراهيم بن طهمان حدثني سماك بن حرب  عن جابر بن سَمُرَة به..ورواه أحمد( 5/ 89)والدارمي (1/24) وابن حبان  (14/402) وغيرهم.

[236] - الحاكم(2/677رقم 4238 ) حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَكِّي، ثنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْمَرْوَزِيُّ، ثنا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ به... وقال : «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» ووافقه الذهبي..وذكره في البداية والنهاية(3/16) وذكره الألباني في صحيح السيرة(ص:95)

[237] - الدلائل للبيهقي(2/154) أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن نُصَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَنْبَسَةَ عَنْ السدي به.

[238] - طبقات ابن سعد(8/194-ط العلمية) أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ بَرَّةَ بِنْتِ أَبِي تَجْرَاةَ به..ومحمد بن عمر الواقدي متروك

.

 

([239])أخرجه البزارفي مسنده (18/164) ومحمد بن إسحاق الفاكهي في أخبار مكة (4/90 رقم 2422- تحقيق د.عبد الملك دهيش .ط:بيروت .الطبعة الثانية).)قالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ شَبِيبٍ الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ به. ورجال الحديث ثقات إلا عبد الله بن شبيب الربعي شيخ البزار والفاكهي فهو ضعيف .. وأخرجه ابن عساكر(4/362 رقم 1113) بسنده من طريق ابن شبيب أيضًا.

 وقال الهيثمي في المجمع(8/260):باب تسليم الحجر والشجر عليه صلى الله عليه وسلم.

- عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 "لما أوحي إلي - أو نُبئت، أو كلمة نحوها - جعلت لا أمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله".

رواه البزار عن شيخه عبد الله بن شبيب وهو ضعيف.

- وعن علي قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يمر على حجر ولا شجر إلا سلم عليه.

رواه الطبراني في الأوسط، والتابعي أبو عمارة الحيواني لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.أهـ (الطبراني في الأوسط((5/322 ، رقم 5431)

 

[240] - البخاري(3866 ) قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ به..

الشرح:(كاهنهم) كاهن قومه يتنبأ لهم بالأمور المستقبلة بدون دليل. (علي الرجل) أحضروه إلي وقربوه مني والرجل هو سواد بن قارب. (أعزم عليك) أقسم عليك. (جنيتك) أنثى الجن. (إبلاسها) تحيرها وقيل صيرورتها مثل إبليس حائرا. (إنكاسها) انتكاسها وهو الانقلاب على الرأس. (بالقلاص) جمع قلوص وهي الناقة الشابة. (أحلاسها) جمع حلس وهو كساء رقيق يوضع تحت ما يجلس عليه الراكب على ظهر الدابة. (صارخ) يسمع صوته ولا ترى صورته. (جليح) اسم رجل ناداه به ومعناه الوقح الكاشف بالعداوة. (نجيح) من النجاح وهو الظفر بالحوائج. (فصيح) من الفصاحة وهي البيان وسلامة الألفاظ من الإبهام وسوء التأليف. (ما نشبنا) ما مكثنا وتعلقنا بشيء. (أن قيل) إذ ظهر القول بين الناس بخروج النبي صلى الله عليه وسلم]

[241] - البداية والنهاية(2/ 332) والإصابة لابن حجر(3/182) وكذا جزم بأنه سواد بن قارب: الحافظ في الفتح، والعيني في العمدة والسيوطي في الخصائص وغيرهم، وهو ما ترجحه الروايات الأخرى وإن كان في إسانيدها كلام والله أعلم.

[242] - إلا أن في سنده انقطاع بين محمد بن كعب القرظي وعمر بن الخطاب وفي إسناده عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيُّ، وهو متروك. .الحديث رواه أبو يعلى الموصلي في معجم الشيوخ [(ص: 263-265رقم329 ] ومن طريقه البيهقي في الدلائل [2/ 252] ، وابن سيد الناس في عيون الأثر [1/ 72] ، والحسن بن سفيان- كما في الإصابة والخصائص للسيوطي [1/ 255] ، وأخرجه أيضًا الطبراني في معجمه الكبير [7/ 92] رقم 6475، وفي الأحاديث الطوال برقم 31، والحاكم في المستدرك [3/704 ] ، وأبو نعيم في المعرفة [3/ 1407] رقم 3554، وفي الدلائل [1/ 111] رقم 62، والبيهقي كذلك في الدلائل [2/ 252] ، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل برقم 144. جميعهم من حديث عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي، عن محمد بن كعب القرظي قال: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاعدا في المسجد ... الحديث بطوله، قال الذهبي في التلخيص: منقطع. - ولحديث سواد  طرق مختلفة يتقوى يها ، وقال الحافظ في الفتح(7/ 179) وهَذِهِ الطُّرُقُ يَقْوَى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ أهـ. ومن هذه الطرق: طريق أبي جعفر الباقر الذي.أخرجه أبو نعيم في المعرفة [3/ 1405] رقم 3551، والخرائطي في هواتف الجنان [/ 148] رقم 3، والروياني في مسنده، وابن أبي خيثمة فيما ذكره الحافظ في الإصابة، والسيوطي في الخصائص من طريق سعيد ابن عبيد الله الوصافي، عن أبيه عن أبي جعفر الباقر قال: دخل سواد بن قارب ... الحديث بطوله.

ومنها ما أخرجه البيهقي في الدلائل [2/ 249] من حديث أبي إسحاق السبيعي، عن البراء قال: بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس على منبر النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: أيها الناس أفيكم سواد بن قارب؟ ... القصة بطولها.

وآخر أخرجه أبو نعيم أيضا في المعرفة برقم 3552 من حديث الحسن بن عمارة، عن عبد الله بن عبد الرحمن قال: دخل سواد بن قارب ...فذكره باختصار.ومن هذا الوجه أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده- كما في الخصائص الكبرى للسيوطي [1/ 255] .وقال السيوطي: وأخرجه ابن شاهين في الصحابة من طريق الفضل بن عيسى القرشي، عن العلاء بن زيد، عن أنس بن مالك.أهـ.

ومنها ما رواه الطبراني في الكبير( 7/  95 رقم 6476) و البيهقي في الدلائل [2/ 253] ، وأبو نعيم في المعرفة [3/ 1406] رقم 3553 كلهم من طريق الْحَكَمُ بْنُ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عن أبي مَعْمَرٍ عَبَّاد بْن عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: " كُنْتُ نَائِمًا عَلَى جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ السَّرَاةِ، فَأَتَى آتٍ , فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ،..الحديث بطوله. ، والحكم وعباد كلاهما لا يحتج به .قال الهيثمي في مجمع الزوائد [8/ 250] : إسناده ضعيف.

وأصل هذا الحديث في صحيح الإمام البخاري كما ذكرناه.

 

[243] - الطبراني في الأوسط ( 1/ 234 رقم765 )حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بُشَيْرٍالطيالسي قَالَ: نا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَاصِمٍ أَبُو طَالِبٍ قَالَ: نا أَبُو الْمَلِيحِ الرَّقِّيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ،به..وأخرجه أبو نعيم في الدلائل(1/107رقم 56) عن الطبراني به ،وابن سعد في الطبقات (1/ 149) عن عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ عن عُبَيْد اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ به. وانظر البداية والنهاية(2/338) وذكره الألباني في صحيح السيرة ص:83

[244] - سيرة ابن هشام(1/128) وتفسير الطبري(12/265) وتفسيرابن كثير( 4/ 552 )

[245] - ،رواه أحمد(1/218) ثنا محمد بن جعفر ثنا معمر وعبد الرزاق قال انا معمر أنا الزهري عن على بن حسين عن ابن عباس به. وقال شعيب الأرنؤوط:إسناده صحيح على شرط الشيخين . ورواه الترمذي( 3224 ) وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني، وانظرمسند عبد بن حميد(1/ 228).

[246] - أحمد(4/ 284رقم 2482 )قال: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به.

 وإسناده صحيح على شرط الشيخين. إسرائيل -وهو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي- سماعه من جده أبى إسحاق في غاية الإتقان للزومه إياه وكان خِصيصا به، واسم أبى إسحاق: عمرو بن عبد الله.

وأخرجه الترمذي (3324) ، والطبراني (12431) من طريق محمد بن يوسف الفريابى، والنسائى في "الكبرى" (11626) من طريق عبيد الله بن موسى، كلاهما عن إسرائيل، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حسن صحيح.

وأخرجه أبو يعلى (2502) من طريق زكريا بن أبي زائدة، وبنحوه البيهقي في "الدلائل" 2/239-240 من طريق يونس بن أبى إسحاق، كلاهما عن أبى إسحاق، به.

 

[247] - ابن سعد(1/132) قال: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ وَرْقَاءَ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به.. وأخرجه مطولاً بنحوه أبو نعيم في "الدلائل" (177) من طريق محمد بن فضيل، والبيهقي كذلك 2/240-241 من طريق حماد بن سلمة، كلاهما عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.

[248] - البداية والنهاية (2/334-356) وانظر سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد  (2 / 210-224)

 

[249] - انظر:الخصائص الكبرى(1/177) وسبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد  (2 / 210)،وهشام(ابن الكلبي) ضعيف.

[250] -وفي سنده أبو غزية محمد بن موسى ترجمه في الميزان(4/94 برقم 8222 )قال: محمد بن موسى، أبو غزية القاضي.مدني. يروى عن مالك، وفليح بن سليمان.

وعنه إبراهيم بن المنذر، والزبير بن بكار، وطائفة. وقال البخاري: عنده مناكير.قال ابن حبان: كان يسرق الحديث.

ويروى عن الثقات الموضوعات.

وقال أبو حاتم: ضعيف، ووثقه الحاكم.مات سنة سبع ومائتين.أهـ والخبر رواه رواه ابن سعد(1/719رقم 329 ) من طريق الواقدي وهو متروك

[251] - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد  (2 / 210)

[252] - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد  (2 / 211)

[253] - أبو نعيم (1/108 رقم 59) حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ السِّنْدِيِّ، قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ يَحْيَى بْنِ نُبَاتَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ،واخرجه ابن سعد(1/128)عن الواقدي عن ابن أبي ذئب به..   وانظر:سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد  (2 / 212)

[254] - أخرجه أبو نعيم في الدلائل( 1 /114رقم63) والبيهقي في دلائل النبوة 2 / 36 وذكره الهيثمي في المجمع 8 / 248. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد  (2 / 212)

 

[255] - ابن سعد(1/133) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْهُذَلِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْهُذَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ ..وفيه الواقدي متروك. واخرجه أبو نعيم(1/120) وذكره صاحب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد  (2 / 213)

 

[256] - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد  (2 / 213)

 

[257] - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد  (2 / 214)

 

[258] - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد  (2 / 214) والخصائص الكبرى(1/179)

 

[259] - أخرجه الطبراني في الكبير( 4 / 210 رقم 4165 )قال: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشَّامِيُّ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به..،ولم يصرح ابن اسحاق بالسماع. وأخرجه- من طريق ابن اسحاق أيضا- أبو نعيم في الدلائل( 1 / 110رقم 61) وابن عساكر (16/347) .  وذكره الهيثمي في المجمع 8 / 252 والمتقي الهندي في الكنز (18980 - 37042). و سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (2 / 217) والخصائص الكبرى(2/51)

 

[260] -  أخرجه أبو نعيم في الدلائل (1 / 109 رقم 60) حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، وَأَبُو عُمَرَ بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: ثنا مِنْجَابٌ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ الْأَسَدِيُّ، عَنِ ابْنِ خَرَّبُوذٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به ، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 2 / 348.وانظر سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - (2 / 218)

 

[261] - وانظر سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - (2 / 218)

 

[262] - رواه مسلم ( 1162 ) قال: حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار ( واللفظ لابن المثنى ) قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن غيلان بن جرير سمع عبدالله بن معبد الزماني عن أبي قتادة الأنصاري.به. ورواه ابن حبان(8/403) وغيرهما.

[263] - مسند أحمد(1/277) حدثنا موسى بن داود حدثنا ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن حنش الصنعاني عن ابن عباس... والطبراني في الكبير( 12/237) وغيرهما من طريق ابن لهيعة وهو ضعيف  .وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف.قلت:أول الحديث صحيح لغيره: ((ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبىء يوم الاثنين)) يشهد له حديث أبي قتادة الذي قبله، لذا ذكره الألباني في صحيح السيرة (ص:89)

[264] - رواه البخاري(3/ 1416 ) رقم(3689) قال:حدثنا مطر بن الفضل حدثنا روح بن عبادة حدثنا هشام حدثنا عكرمة عن ابن عباس به. ورواه مسلم:رقم(2351) وأحمد(1/371) وغيرهم.

[265] - سيرة ابن هشام(1/150) والبداية والنهاية(3/6)

[266] - زاد المعاد لابن القيم(1/70)

[267] -   مسند أحمد(4/107) قال : ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا عمران أبو العوام عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة به.. وقال شعيب الأرنؤوط : حديث ضعيف تفرد به عمران القطان وهو ممن لا يحتمل تفرده .أهـ

 قلت:ذكره الألباني في صحيح السيرة(ص:90) وقال الهيثمي في المجمع(1/465):رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وفيه عمران بن داود القطان ضعفه يحيى ووثقه ابن حبان وقال أحمد : أرجو أن يكون صالح الحديث . وبقية رجاله ثقات أهـ

وحسنه الألباني في الصحيحة برقم(1575)   .وأخرجه أبو عبيد في فضائله(344) عن واثلة من طريق آخر، وابن عساكر(2/332، 5/706) من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس وعلي لم يسمع ابن عباس ولكن قبلوا هذا الطريق لأن الواسطة بين علي بن طلحة وابن عباس ثقة معروف وهو مجاهد. فالحديث بطرقه حسن.

[268] - مسند أبي يعلى(4/135)

[269] - زاد المعاد لابن القيم(1/70)

[270] - ابن أبي شيبة في المصنف(6/ 144رقم  30190 ) قال: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ زُرَيْقٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ أَبِي الْأَشْرَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به..وهذا إسناد حسن.

[271] - رواه النسائي في الكبرى (7/ 247  رقم 7937)قال:  حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ به، ..والطبراني في الكبير(12/32 رقم 12381)قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ،به. وأخرجه الحاكم (2/242 رقم 2881) وصححه ووافقه الذهبي،وعن الحاكم أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات(1/571 رقم 496)

[272]1 - صحيح البخاري(رقم 3 ) قال : حدثنا يحيى بن بكير قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، ع عن عائشة به..، وأخرجه أيضًا في أكثر من موضع من صحيحه .

   وأخرجه مسلم في صحيحه(160)،  وانتهى سياقه إلى قول ورقة: ((أنصرك نصراً مؤزراً)).

([273]) انظر: طريق النبوة والرسالة، حسين مؤنس ص 21.

[274] 3 - قال ابن كثير:روى أبو نعيم في ((الدلائل)) قال:حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا جناب بن الحارث حدثنا عبد الله بن الأجلح عن إبراهيم  عن علقمة بن قيس قال:

((إن أول ما يؤتى به الأنبياء في المنام حتى تهدأ قلوبهم، ثم ينزل الوحي بعد)) ذكره ابن كثير في البداية والنهاية(3/4) وهو ليس في دلائل النبوة المطبوع.

 

[275] -البخاري(6989) قال :حدثني إبراهيم بن حمزة حدثني ابن أبي حازم والدراوردي عن يزيد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد به.. ومسلم(2263) وغيرهما عن أبي هريرة وأخرجه الترمذي عن عبادة بن الصامت(2271) ثم قال: وفي الباب عن أبي هريرة و أبي رزين العقيلي و أبي سعيد و عبد الله بن عمرو و عوف بن مالك و ابن عمر و أنس .قال: وحديث عبادة حديث صحيح. أهـ

([276]) مسلم( 479 ) قال:  حدثنا سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالوا حدثنا سفيان بن عيينة أخبرني سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبدالله بن معبد عن أبيه عن ابن عباس.. ورواه أبو داود(876) والنسائي (1045) و ابن ماجه(3899) وأحمد(1/219) وغيرهم.

([277]) انظر: محمد رسول الله، محمد صادق عرجون (1/254).

[278] - سيرة ابن هشام(1/147)

[279] - البداية والنهاية (3/7)

[280] - البداية والنهاية(3/7-9) بتصرف بسيط

[281] - رواه ابن سعد الطبقات الكبرى- ط العلمية (1/ 153) قال:أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ وَعَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالا: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ. – قَالَ يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ. قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: أَحْسَبُهُ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.فذكره ..ورجاله ثقات .لكن حماد شك في نسبة الحديث إلى ابن عباس  فقال:أحسبه عن ابن عباس.

[282] - سيرة ابن هشام(1/149-150) وفي الإسنادين انقطاع كما هو ظاهر.

[283] - سيرة ابن هشام(1/ 236 ت السقا) ووهب بن كيسان وعبيد بن عمير الليثي ثقتان تابعيان روى لهما الجماعة. فالحديث سنده قوي لكنه مرسل.

3- فتح الباري(1/27) ثم قال: فَائِدَةٌ: وَقَعَ فِي تَارِيخِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ مُدَّةَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ كَانَت ثَلَاث سِنِين وَبِه جزم ابن إِسْحَاقَ، وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ مُدَّةَ الرُّؤْيَا كَانَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَعَلَى هَذَا فَابْتِدَاءُ النُّبُوَّةِ بِالرُّؤْيَا وَقَعَ مِنْ شَهْرِ مَوْلِدِهِ وَهُوَ رَبِيعٌ الْأَوَّلُ بَعْدَ إِكْمَالِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَابْتِدَاءُ وَحْيِ الْيَقَظَةِ وَقَعَ فِي رَمَضَانَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِفَتْرَةِ الْوَحْيِ الْمُقَدَّرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَهِيَ مَا بَيْنَ نُزُولِ أَقرَأ وَيَا أَيهَا المدثر عَدَمَ مَجِيءِ جِبْرِيلَ إِلَيْهِ بَلْ تَأَخُّرُ نُزُولِ الْقُرْآنَ فَقَطْ ثُمَّ رَاجَعْتُ الْمَنْقُولَ عَنِ الشَّعْبِيِّ مِنْ تَارِيخِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَلَفْظُهُ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أنزلت عَلَيْهِ النُّبُوَّة وَهُوَ بن أَرْبَعِينَ سَنَةً فَقُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ إِسْرَافِيلُ ثَلَاثَ سِنِينَ فَكَانَ يُعَلِّمُهُ الْكَلِمَةَ وَالشَّيْءَ وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ فَلَمَّا مَضَتْ ثَلَاثُ سِنِينَ قُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ جِبْرِيلُ فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانه عشْرين سنة وَأخرجه ابن أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُخْتَصَرًا عَنْ دَاوُدَ بِلَفْظِ بُعِثَ لِأَرْبَعِينَ وَوُكِّلَ بِهِ إِسْرَافِيلُ ثَلَاثَ سِنِينَ ثُمَّ وُكِّلَ بِهِ جِبْرِيلُ، فَعَلَى هَذَا فَيَحْسُنُ بِهَذَا الْمُرْسَلِ إِنْ ثَبَتَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي قَدْرِ إِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ فَقَدْ قِيلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَقِيلَ عَشْرٌ وَلَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِقَدْرِ مُدَّةِ الْفَتْرَةِ وَاللَّهُ أعلم، وَقد حكى ابن التِّينِ هَذِهِ الْقِصَّةَ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَهُ مِيكَائِيلُ بَدَلَ إِسْرَافِيلَ وَأَنْكَرَ الْوَاقِدِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْمُرْسَلَةَ وَقَالَ لَمْ يُقْرَنْ بِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا جِبْرِيلُ انْتَهَى، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي إِلَّا إِنْ صَحِبَ النَّافِيَ دَلِيلُ نَفْيِهِ فَيُقَدَّمُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَخَذَ السُّهَيْلِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فَجَمَعَ بِهَا الْمُخْتَلِفَ فِي مُكْثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ قَالَ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْمُسْنَدَةِ أَنَّ مُدَّةَ الْفَتْرَةِ سَنَتَانِ وَنِصْفٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ مُدَّةَ الرُّؤْيَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَمَنْ قَالَ مَكَثَ عَشْرَ سِنِينَ حَذَفَ مُدَّةَ الرُّؤْيَا وَالْفَتْرَةَ وَمَنْ قَالَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ أَضَافَهُمَا وَهَذَا الَّذِي اعْتَمَدَهُ السُّهَيْلِيُّ مِنَ الِاحْتِجَاجِ بِمُرْسَلِ الشَّعْبِيِّ لَا يثبت وَقد عَارضه مَا جَاءَ عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ مُدَّةَ الْفَتْرَةِ الْمَذْكُورَةِ كَانَتْ أَيَّامًا. أهـ

 

[285] -البخاري (4926) حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث عن عقيل قال ابن شهاب سمعت أبا سلمة قال أخبرني جابر به.. وأخرجه البخاري (4) و (3238) و (4925) و (4926) و (6214) ، ومسلم (161) (256) ،وأحمد(14483-أرنؤوط) والبيهقي في "السنن" 9/6، وفي "الدلائل" 2/140 و156-157 من طرق عن الليث بن سعد، بهذا الإسناد.

[286] - البخاري(4924) حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الصمد حدثنا حرب حدثنا يحيى (ابن أبي كثير)قال:سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ به .ورواه مسلم(161)(257)عن زُهَيْر بْن حَرْبٍ، عن الْوَلِيد بْن مُسْلِمٍ عن الْأَوْزَاعِيّ عن يحيى به. وأخرجه أحمد(3/306) عن عفان بن مسلم عن أبان العطار عن يحيى به. وأخرجه أبو عوانة 1/114 من طريق عفان ، عن أبان به.

وأخرجه أبو يعلى (1949) ، وابن حبان (34) من طريق هدبة بن خالد، عن أبان، به.

قال النووي في شرح مسلم(2/207-209): ( قوله أول ما أنزل قوله تعالى يا أيها المدثر ) ضعيف بل باطل والصواب إن أول ما أنزل على الإطلاق اقرأ باسم ربك الذي خلق كما صرح به في حديث عائشة رضي الله عنها وأما يا أيها المدثر فكان نزولها بعد فترة الوحي كما صرح به في رواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر والدلالة صريحة فيه في مواضع منها قوله وهو يحدث عن فترة الوحي إلى أن قال فأنزل الله تعالى يا أيها المدثر ومنها قوله صلى الله عليه وسلم فإذا الملك الذي جاءني بحراء ثم قال فأنزل الله تعالى يا أيها المدثر ومنها قوله ثم تتابع الوحي يعني بعد فترته فالصواب أن أول ما نزل اقرأ وإن أول ما نزل بعد فترة الوحي يا أيها المدثر

وأما قول من قال من المفسرين أول ما نزل الفاتحة فبطلانه أظهر من أن يذكر.

 ( فلما قضيت جواري ) أي مجاورتي واعتكافي ( فاستبطنت الوادي ) أي صرت في باطنه ( فإذا هو على العرش ) المراد بالعرش الكرسي قال أهل اللغة: العرش هو السرير وقيل سرير الملك .قال الله تعالى{ ولها عرش عظيم }( فأخذتني رجفة شديدة ) قال القاضي ورواه السمرقندي (وجفة )وهما صحيحان متقاربان ومعناهما الاضطراب قال الله تعالى{ قلوب يومئذ واجفة} وقال تعالى {يوم ترجف الراجفة}{ويوم ترجف الأرض والجبال} قوله صلى الله عليه وسلم ( فصبوا على ماء ) فيه أنه ينبغى أن يصب على الفزع الماء ليسكن فزعه والله اعلم وأما تفسير قوله تعالى {يا أيها المدثر} فقال العلماء :المدثر والمزمل والمتلفف والمشتمل بمعنى واحد ثم الجمهور على أن معناه المدثر بثيابه وحكى الماوردى قولا عن عكرمة أن معناه المدثر بالنبوة وأعبائها وقوله تعالى {قم فأنذر} معناه حذر العذاب من لم يؤمن {وربك فكبر}

أى عظمه ونزهه عما لا يليق به {وثيابك فطهر} قيل معناه طهرها من النجاسة وقيل قصرها وقيل المراد بالثياب النفس أى طهرها من الذنب وسائر النقائص {والرجز} بكسر الراء فى قراءة الاكثرين وقرأ حفص بضمها وفسره فى الكتاب بالاوثان وكذا قاله جماعات من المفسرين والرجز فى اللغة العذاب وسمى الشرك وعبادة الأوثان رجزا لانه سبب العذاب وقيل المراد بالرجز فى الآية الشرك وقيل الذنب وقيل الظلم والله اعلم  أهـ

 

[287] - البخاري(4) ومسلم(161) وقد تقدم

[288] - قال ابن إسحاق (1/ 241- ت السقا): ثم فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة من ذلك حتى شق ذلك عليه فأحزنه فجاءه جبريل بسورة الضحى يقسم له ربه وهو الذي أكرمه بما أكرمه به ما ودعه وما قلاه فقال تعالى : {والضحى. والليل إذا سجى . ما ودعك ربك وما قلى }[الضحى:1-3]. يقول : ما صرمك فتركك وما أبغضك منذ أحبك . { وللآخرة خير لك من الأولى }[ الضحى :4]: أي لما عندي من مرجعك إلي خير لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا . {ولسوف يعطيك ربك فترضى }[ الضحى:5]:  من الفلج في الدنيا والثواب في الآخرة . { ألم يجدك يتيما فآوى . ووجدك ضالا فهدى . ووجدك عائلا فأغنى } [ الضحى:6-8]: يعرفه الله ما ابتدأه به من كرامته في عاجل أمره ومنه عليه في يتمه وعيلته وضلالته واستنقاذه من ذلك كله برحمته .أهـ

 

[289] - البخاري(4950) حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا الأسود بن قيس قال سمعت جندب بن سفيان رضي الله عنه به.ورواه مسلم(1797) وأحمد(3/ 1421)   وغيرهم.

[290] - فتح الباري لابن حجر (1/319)

[291] -   رواه مسلم(1797) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جُنْدُبًا، يَقُولُ: فذكره" ورواه الترمذي(3345) والحميدي في مسنده(2/342) وغيرهم.

[292]  تاريخ الطبري(1/352) قال:حدثنا ابن أبي الشوارب حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا سليمان الشيباني عن عبد الله بن شداد به. وانظرتفسير ابن جرير الطبري

[293] - تفسير ابن جرير الطبري(          ) حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه به. واخرجه الحاكم في مستدركه(2/667) وقال الذهبي:صحيح مرسل.

[294] - تفسير ابن كثير(

[295] -  قال ابن حجر في الفتح ( 12 / 359 ): (والذي عندي أن هذه الزيادة خاصة برواية معمر فقد اخرج طريق عقيل أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي زرعة الرازي عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه في أول الكتاب بدونها وأخرجه مقرونا هنا برواية معمر وبين أن اللفظ لمعمر وكذلك صرح الإسماعيلي أن الزيادة في رواية معمر وأخرجه أحمد ومسلم والإسماعيلي وغيرهم وأبو نعيم أيضا من طريق جمع من أصحاب الليث عن الليث بدونها ثم ان القائل فيما بلغنا هو الزهري ومعنى الكلام أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة أهـ

[296] - فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ بن حجر ( 12 / 359 )

[297] - تاريخ الطبري(1/535) وهي مرسلة معضلة لأن الزهري –وإن كان إمامًا ثقة- لكنه من صغار التابعين.

وهذه الزيادة- التي من كلام الزهري- ليست على شرط البخاري ،  لأن البخاري اشترط الصحة فيما رواه مسندًا متصلاً، لذا سمى كتابه الجامع الصحيح المسند ، أما ما أورده غير متصل فإنه لا يشترط فيه الصحة ، لذا ما يذكره في كتابه من المعلقات منه ما هو صحيح أو حسن ومنه ما هو ضعيف .

وقد أعرض مسلم عن هذه الزيادة فقد أخرج الحديث من هذه الطريق لكنه لم يسق لفظه وإنما أحال به على لفظ رواية يونس عن ابن شهاب وليس فيه هذه الزيادة وكذلك أخرجه مسلم و أحمد من طريق عقيل بن خالد : قال ابن شهاب به، دون الزيادة، وكذلك أخرجه البخاري في أول الصحيح عن عقيل به دون هذه الزيادة.

 وقد بين الألباني في( سلسلة الأحاديث الضعيفة ) برقم ( 4858 )   أن هذه الزيادة لم تأت من طريق موصولة يحتج بها، وحَكَم ببطلانها .

قلت:وهي مع ضعفها ليس فيها ما يطعن في مقام النبوة كما يزعم البعض إذ أنه ما أدرى الراوي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغدو إلى شواهق الجبال ليتردى ، ربما كان يغدو إلى شواهق الجبال ليشاهد قدرة الله تعالى في الخلق، فليس كل من نراه يصعد إلى  قمة جبل يريد الانتحار فقد يريد شيئا آخر،  إذ لا نعلم ما في نفسه إلا إذا أخبرنا هو بذلك، والرسول لم يخبر أحدًا بأنه أرادالانتحار .

 

[298] - أنظر :زاد المعاد لابن القيم(1/70) وفتح الباري لابن حجر(1/19-20)

[299] - مسند الحميدي(1/224) وأخرجه البخاري(1/64):

[300] - مستدرك الحاكم(2/ 468) أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الزاهد الحيري ثنا محمد بن إسحاق الصنعاني صنعاء اليمن ثنا محمد بن جعشم الصنعاني ثنا سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.. وقال:  هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه . ووافقه الذهبي

[301] - حلية الأولياء(10/27) قال: حدثنا إسحاق بن أحمد ثنا إبراهيم بن يوسف ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا يحيى بن صالح الوحاطي ثنا عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة به..والطبراني في الكبير(8/166) ومصنف عبد الرزاق (11/125) ومسند الشافعي(1/233) وهوحديث صحيح بشواهده    . قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 2085 في صحيح الجامع

[302] -  البخاري(2) حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به..ورواه مسلم(2333) والترمذي(3634) والنسائي(934) وأحمد(6/256) وغيرهم.

[303] - البخاري(4499) ومسلم(9) وأحمد(2/426) وغيرهم.

[304] -  مسلم(17)قال: حدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن داود عن الشعبي عن مسروق به..  ورواه الترمذي(3068) وأحمد(6/241) ومسند الطيالسي(1/200)

[305] - مسند أحمد(1/460) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا حسن بن موسى ثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود به..وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.و مسند أبي يعلى (9/ 243) وحسنه محققه، والطبراني في الكبير(9/217) وغيرهم.

[306] - صحيح مسلم ( 175 ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر عن عبدالملك عن عطاء عن أبي هريرة به.

[307] -  زاد المعاد(1/70)

([308]) انظر: التاريخ الإسلامي مواقف وعبر للحميدي (1/60).

([309]) مسلم  ( 1690 ) قال: حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار جميعًا عن عبدالأعلى( قال ابن المثنى :حدثنا عبدالأعلى) حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبدالله الرقاشي عن عبادة بن الصامت  و رواه أيضًا برقم( 2334) في كتاب الفضائل.                  

[310] - البخاري(4750) حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا، وكلٌ حدثني طائفة من الحديث وبعض حديثهم يصدق بعضا وإن كان بعضهم أوعى له من بعض، الذي حدثني عروة به.. ورواه مسلم(2770) وأحمد(6/194) وغيرهم.

[311] - البخاري(2832) حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد الزهري قال حدثني صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سهل بن سعد به.  والترمذي(3033) والنسائي (3100) وأحمد(5/184)

[312] -  البخاري(1536) قال: قال أبو عاصم أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى أخبره أَنَّ يَعْلَى قَالَ لِعُمَرَ... فذكره معلقًا في هذا الموضع ووصله في مواضع من صحيحه.منها( 4329)قال:حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ،به.. وأخرجه مسلم(1180)

[313] - مسند أبي يعلى(3/156) حدثنا إبراهيم بن الحجاج حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عاصم بن كليب حدثنا أبي  عن خاله الفلتان بن عاصم به..وانظر صحيح ابن حبان (11/10) وقال محققه شعيب الأرنؤوط:إسناده قوي، وذكره الألباني في صحيح السيرة(ص:109)

[314] - مسند أحمد(2/176) ثنا حسن ثنا بن لهيعة حدثني حيي بن عبد الله أن أبا عبد الرحمن الحبلي حدثه قال سمعت عبد الله بن عمرو فذكره.. وقال شعيب الأرنؤوط : حسن لغيره وهذا إسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة وحيي بن عبدالله ، وقد ذكره الألباني في صحيح السيرة(ص:109)

 

[315] - البخاري(4795) حدثني زكرياء بن يحيى حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة .. ومسلم(2170) وأحمد(6/56)

[316] - البداية والنهاية(3/23)

[317] - فتح الباري(1/19)

[318] - البخاري(5) حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا أبو عوانة قال حدثنا موسى بن أبي عائشة قال حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عباس به..وأخرجه مسلم(448) والنسائي(935) وأحمد(1/ 343) وغيرهم.

[319] - أحمد(4/282رقم 2482) حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،عن ابن عباس به.  . وإسناده صحيح على شرط الشيخين-كما قال الأرنؤؤط- إسرائيل -وهو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي- سماعه من جده أبى إسحاق في غاية الإتقان للزومه إياه وكان خِصيصا به، واسم أبى إسحاق: عمرو بن عبد الله.

وأخرجه الترمذي (3324) ، والطبراني (12431) من طريق محمد بن يوسف الفريابى، والنسائى في "الكبرى" (11626) من طريق عبيد الله بن موسى، كلاهما عن إسرائيل، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حسن صحيح.

وأخرجه أبو يعلى (2502) من طريق زكريا بن أبي زائدة، وبنحوه البيهقي في "الدلائل" 2/239-240 من طريق يونس بن أبى إسحاق، كلاهما عن أبى إسحاق، به.

وأخرجه مطولاً بنحوه أبو نعيم في "الدلائل" (177) من طريق محمد بن فضيل، والبيهقي كذلك 2/240-241 من طريق حماد بن سلمة، كلاهما عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» وذكره أيضا في صحيح السيرة ص 100.

[320] - البخاري(4701 ) حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة عن أبي هريرة به وأيضًا (7481) وأخرجه من طريق شيخه الحميدي( 4800)عن سفيان به.

[321] - البخاري( 6213 ) حدثنا محمد بن سلام أخبرنا مخلد بن يزيد أخبرنا ابن جريج قال ابن شهاب أخبرني يحيى بن عروة أنه سمع عروة يقول...ورواه مسلم(2228) وأحمد(6/87) وابن حبان(13/506) وغيرهم.

([322]) انظر: فقه السيرة للغزالي ص90.

[323] -سيرة ابن هشام(1/150)

([324]) السيرة النبوية لأبي شهبة (1/284). ابن هشام (1/153).

([325]) سيرة ابن هشام(1/155) و انظر: دراسة تحليلية لشخصية الرسول د. محمد قلعجي ص191.

[326] - وذكر أصحاب السير:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة، وتردد ونظر، إلا أبا بكر، ما عكم حين دعوته ولا تردد فيه» ذكره ابن هشام(1/157) وهذ الحديث غير متصل.  وانظر:البداية والنهاية(3/27)و السيرة النبوية لأبي شهبة (1/284).

[327] -   أخرجه الدولابي في "الكنى والأسماء" (1/16 رقم43) قال:حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ:، ثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ:، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ -وَكَانَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ وَكَانَ لَا يَأْخُذُ الْحَدِيثَ إِلَّا إِمْلَاءً يُكْنَى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ- عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ به..

ورواه الطبراني(13/ 99 رقم 236) عن الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ،عن حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخي به

ورواه الضياء في "المختارة" (9/306-307) من طريق الطبراني ، به.

ورواه البزار (2213) عن محمد بن الوليد الكرخي، والدولابي في "الكنى والأسماء" (1/15رقم40) عن إبراهيم بن أبي داود الأسدي، وابن الأعرابي في "معجمه" (409) عن محمد بن عبد الملك الدقيقي، وابن حبان (6864) عن إبراهيم بن أبي أمية الطرسوسي وعمر بن سعيد ابن سنان،وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/40) ، وقال: «رواه البزار والطبراني بنحوه، ورجالهما ثقات» .

وروى نحوه  عن عائشة أُمِّ الْمُؤْمِنِينِ كما عند ابن وهب في جامعه(رقم 66)عن  إِسْحَاق بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ (وفيه ضعف)، عَنْ عَمِّهِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ عن أم المؤمنين عائشة..  وابن سعد في الطبقات الكبرى -ط العلمية (3/ 127)  من طريق مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ(ضعيف) عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ خالتها عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينِ.

[328] - أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى -ط العلمية (3/ 127) قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو به...ورجاله ثقات رجال الشيخين إلا عقبة بن أوس السدوسى البصرى وهو تابعي ثقة روى له الأربعة.

 

[329] -  سيرة ابن أسحاق(1/118) قال:حدثني يحيى بن أبي الأشعث الكندي - من أهل الكوفة- حدثني اسماعيل بن إياس بن عُفيف عن أبيه عن جده عفيف به..وصرح ابن اسحاق بالتحديث.   و رواه أحمد ((1/209رقم  1787 ) وابن جرير في تارخه(1/538) كلاهما من طريق ابن إسحاق, وانظرالبداية والنهاية(3/25) وذكره الألباني في صحيح السيرة ص:115.وقال البخاري في التاريخ الكبير(1/345ترجمة رقم 1087) رَوى عَنْهُ يحيى بْن أَبي الأَشعث. فِي حديثه نَظَرٌ أهـ وقال ابن عدي في الكامل(1/504رقم133):سمعت مُحَمد بن أحمد بن حماد يقول: إسماعيل بن إياس بن عفيف الكندي روى عنه يَحْيى بن أبي الأشعث، لم يصح حديثه ولم يثبت قاله البخاري. قال الشيخ: إسماعيل بن إياس هذا ليس هو بالمعروف، وما أظن له إلا حديثًا واحدا.أهـ .

[330] -  تاريخ ابن جرير(1/537) حدثني محمد بن عبيد المحاربي حدثنا سعيد بن خثيم عن أسد بن عبدة البجلي عن يحيى بن عفيف عن عفيف به.. وأسد بن عبدة هو أسد بن عبد الله البجلى القسرى أخو خالد بن عبد الله القسرى.قال عنه الذهبي:صويلح.وقال ابن حجر: فى حديثه لين. والحديث حسن لغيره.وقد ذكره الألباني في صحيح السيرة ص:115

[331] - رواه ابن سعد الطبقات الكبرى - ط العلمية (3/ 15)قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ: قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بَلْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به...وسنده حسن رجاله رجال الشيخين إلا أبا بلج فقد روى له أصحاب السنن الأربعة،وهو صدوق ربما أخطأ ،وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي و الدارقطنى ، و قال أبو حاتم : صالح الحديث لا بأس به. و قال البخارى : فيه نظر..(أنظر تهذيب التهذيب  12 / 47 )

 

[332] - سنن الترمذي(5/  642 رقم3734) وتاريخ ابن جرير(1/537) كلاهما قال::حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا إبراهيم بن المختار عن شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس به. وقال الترمذي عقبه : هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه من حديث شعبة عن أبي بلج إلا من حديث محمد بن حميد و أبو بلج اسمه يحيى بن سليم.

 وذكره الألباني في صحيح السيرة ص:117 وصححه الألباني في سنن الترمذي،

[333] -  البخاري( 3661) قال: حدثني هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله عن عائذ الله أبي إدريس عن أبي الدرداء به.

[334] - البداية والنهاية(3/27)

[335] -  سنن الترمذي(3667)قال: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عقبة بن خالد حدثنا شعبة عن سعيد الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد به. وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم 2898 ،وأخرجه ابن حبان(15/ 279) وقال محققه شعيب الأرنؤوط: رجاله ثقات.

[336] - صحيح البخاري(476 و3905) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِأن عائشة.. وأنظر أطراف الحديت(2031 ،2144 ، 2145 ، 2175 ، 3692 - 3894 ، 3866 ، 3867 ، 5470 ، 5729 ) مسند أحمد(6/198)

 

[337] - صحيح البخاري (3660) حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ، حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارًا، يَقُولُ:فذكره..وطرفه (3857 )- تحفة 10370 - 6/5

 

[338] -  المصنف لابن أبي شيبة(6/349رقم 31930) قال : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ , عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ ,عن سالم به..  وانظر:كتاب المغازي لابن أبي شيبة(ص:130 رقم 62) تحقيق د:عبد العزيز العمري .وقال: سنده متصل-يعني إلى ابن الحنفية وهو محمد بن علي بن أبي طالب- ورجاله ثقات.

 

[339] - صحيح مسلم (( 832 )) حدثني أحمد بن جعفر المعقري حدثنا النضر بن محمد حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا شداد بن عبدالله أبو عمار ويحيى بن أبي كثير   ( قال عكرمة ولقي شداد أبا أمامة وواثلة وصحب أنسًا إلى الشام وأثنى عليه فضلا ًوخيرًا ) عن أبي أمامة به.
 وقال العلماء: إن معنى قوله عليه السلام: ((حرٌ وعبد)) اسم جنس، وتفسير ذلك بأبي بكر وبلال فقط فيه نظر؛ فإنه قد كان جماعة أسلموا قبل عمرو بن عبسة، وقد كان زيد بن حارثة أسلم قبل بلال أيضا، فلعله أخبر أنه ربع الإسلام بحسب علمه، فإن المؤمنين كانوا إذ ذاك يستسرون بإسلامهم، لا يطلع على أمرهم كثير أحد من قراباتهم، دع الأجانب، دع أهل البادية من الأعراب. والله أعلم.

[340] - تاريخ ابن جرير (1/540) قال:حدثنا أبو كريب قال حدثنا وكيع قال حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: قال إبراهيم النخعي ... وسنده صحيح لكنه مرسل .

[341] - تاريخ ابن جرير (1/139-140) والروايات من طريق الواقدي وابن لهيعة وكلاهما ضعيف،و انظر:البداية والنهاية(3/28-29)

[342] -  البداية والنهاية(3/26)

[343] - تاريخ ابن جرير الطبري(1/539) حدثنا سهل بن موسى الرازي قال حدثنا عبدالرحمن بن مغراء عن مجالد عن الشعبي به.. ثم قال: وحدثني سعيد بن عنبسة الرازي قال حدثنا الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس نحوه... وسندهما  ضعيف لضعف مجالد. وأخرجه الحاكم(3/67رقم 4414 ) من طريق الحارث بن أبي أسامة عن الخليل بن زكريا عن مجالد به.وحذفه الذهبي من التلخيص لضعفه .وقال ابن أبي حاتم في كتابه العلل: سألتُ أبي ، عن حديثٍ ، رواه أبو زهير عبدالرحمن بن مغراء عن مجالد الشعبي قال سألتُ ابن عباس او سئل ابن عباس من اول الناس كان إسلاما؟ قال: أبو بكر اما سمعت ما قال حسان اذا تذكرت شجوا من أخي ثقة...إلخ. قال أبي :هذا حديث منكر وأرى أبا زهير أخذه عن الهيثم بن عدى.أهـ. والهيثم متروك.

[344] - أخرجه ابن عساكر (30/38) .وانظر:كنز العمال (35669) والبداية والنهاية لابن كثير(1/434)

[345] - رواه ابن جرير(2/316): أخبرنا ابن حميد حدثنا كنانة بن حبلة عن ابراهيم بن طهمان عن حجاج عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص به.. قال ابن كثير: حديث منكر إسنادا ومتنا . أنظر البداية والنهاية (3/28)

[346] -  «فتح الباري»لابن حجر (8/ 671) .

[347] - رواه الطبراني في الأوسط(4/174برقم 3901 ):حدثنا علي بن سعيد الرازي قال : نا محمد بن عاصم الرازي قال : نا سعيد بن شرحبيل قال : نا الليث بن سعد ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن أسامة بن زيد به .. وقال:« لم يرو هذا الحديث عن الليث إلا سعيد بن شرحبيل ، والمشهور من حديث ابن لهيعة ».قلت:إسناد الطبراني ثقات ، و سعيد بن شرحبيل قد رحل إلى مصر وسمع من الليث وابن لهيعة .

وفي التاريخ الكبير للبخاري (3/483) - سعيد بن شرحبيل الكوفي الكندي سمع الليث أهـ وفي الطبقات لابن سعد(6/411))سعيد بن شرحبيل الكندي، ويكنى أبا عثمان. وكان سعيد قد أتى مصر فكتب عن ابن لهيعة وغيره.أهـ وقد ذكره ابن حبان في الثقات(8/264) وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب( 4/42):سعيد بن شرحبيل الكندي العفيفي- من ولد عفيف الكندي- الكوفي روى عن الليث وابن لهيعة وخلاد بن سليمان الحضرمي والقاسم بن عبد الله بن عمر العمري وغيرهم وعنه البخاري وروى له النسائي وابن ماجة بواسطة القاسم بن زكريا بن دينار وأبي كريب وأبي بكر بن أبي شيبة وابن أبي شيبة إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة وأحمد بن إبراهيم الدورقي وعباس الدوري والحارث بن أبي أسامة وغيرهم قال محمد بن عبد الله الحضرمي مات سنة اثنتي عشرة ومائتين قلت وقال الدارقطني: ليس به بأس وذكره بن حبان في الثقات قال: وروى عنه الكوفيون أهـ

و الحديث رواه الإمام أحمد (4/161رقم 17515)، والحارث بن أبي أسامة(1/210-زوائد)، والدارقطني(1/111) كلهم  من طريق ابن لهيعة وهو ضعيف، عن عقيل، عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير، عن أسامة بن زيد، عن أبيه زيد بن حارثة فذكره،

ورواه الدار قطني(1/111) من طريق رشدين بن سعد وهو ضعيف، عن عقيل و قرة، عن عروة، عن أسامة.

ورواه أبو نعيم من طريق النضر بن سلمة وهو ضعيف، عن عائشة.

ورواه أبو نعيم والبيهقي من طريق [ يزيد بن رومان ] عن عروة بن الزبير، فذكر مجئ جبريل عليه السلام وحديث البعث، وفي آخره: ففتح جبريل عينا من ماء فتوضأ ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إليه فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ومسح برأسه وغسل رجليه إلى الكعبين ثم نضح فرجه وسجد سجدتين مواجهة البيت ففعل محمد كما رأى جبريل يفعل.

ورواه أبو نعيم من طريق [ يزيد بن رومان ] عن الزهري عن عروة عن عائشة .

وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا.

ويدل على أن للقصة أصلا.

وقد ذكر القصة ابن إسحاق ورواه البلاذري عن الزهري وقتادة والكلبي ومحمد بن قيس قالوا: إن جبريل علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوضوء والصلاة و (اقرأ باسم ربك الذي خلق) أتاه وهو بأعلى مكة فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت له منه عين فتوضأ جبريل ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إليه ليريه كيف الطهور للصلاة، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما رأى جبريل يتوضأ، ثم أقام جبريل فصلى به. وفي حديث عائشة أنه صلى به ركعتين نحو الكعبة واستقبل الحجر الأسود.

قال السهيلي رحمه الله تعالى: الوضوء على هذا الحديث - يعني رواية الحارث بن أبي أسامة.

عن زيد بن حارثة - مكي بالفرض مدني بالتلاوة، لأن آية الوضوء مدنية وإنما قالت عائشة: فأنزل الله آية التيمم ولم تقل آية الوضوء وهي هي لأن الوضوء قد كان مفروضا قبل، غير أنه لم يكن قرآنا يتلى حتى نزلت آية المائدة.أهـ

 

 

[348] -  الحاكم في المستدرك (1 / 268 ) أنبأ أبو جعفر محمد بن علي بن رحيم الشيباني بالكوفة ثنا أحمد بن حازم بن أبي عروة ثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني ثنا يحيى بن سليم ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس .. وقال الحاكم : هذا حديث صحيح، قد احتجا جميعا بيحيى بن سليم و احتج مسلم بعبد الله بن عثمان بن خثيم و لم يخرجاه ،و لا أعرف له علة .و أهل السنة من أحوج الناس لمعارضة ما قيل أن الوضوء لم يكن قبل نزول المائدة في حجة الوداع و النبي صلى الله عليه و سلم بعرفات

و له شاهد ناطق بأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يتوضأ و يأمر بالوضوء قبل الهجرة و لم يخرجاه :

وقال الذهبي قي التلخيص : صحيح

 

[349] - قال في سبل الهدى والرشاد(2/297): تنبيهات: الأول: قال السهيلي رحمه الله تعالى: الوضوء على هذا الحديث - يعني رواية الحارث بن أبي أسامة.عن زيد بن حارثة - مكي بالفرض مدني بالتلاوة، لأن آية الوضوء مدينة وإنما قالت عائشة: فأنزل الله آية التيمم ولم تقل آية الوضوء وهي هي لأن الوضوء قد كان مفروضا قبل، غير أنه لم يكن قرآنا يتلى حتى نزلت آية المائدة...

.وقال أبو عمر رحمه الله تعالى: معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يصل منذ افترضت الصلاة إلا بوضوء، ولا يدفع هذا إلا جاهل أو معاند، قال: وفي قول عائشة رضي الله تعالى عنها: (فأنزل الله آية التيمم) إشارة إلى أن الذي طرأ إليهم من العلم حينئذ حكم التيمم لا حكم الوضوء.

قال: والحكمة في نزول آية الوضوء مع ما تقدم العمل به ليكون فرضه متلوا بالتنزيل.

وقال غيره: يحتمل أن يكون أول آية الوضوء نزل قديما فعملوا به، ثم نزل بقيتها وهو ذكر التيمم في هذه القصة.

وإطلاق آية التيمم على هذا من إطلاق الكل على البعض.

قال الحافظ: لكن رواية عمرو بن الحارث عند البخاري في التفسير تدل على أن الآية نزلت جميعها في هذه القصة، فالظاهر ما قاله ابن عبد البر.

وقال القاضي رحمه الله تعالى: اختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة ؟ فذهب ابن الجهم إلى أن الوضوء في أول الإسلام سنة ثم نزل فرضه في آية التيمم وقال الجمهور: بل كان قبل ذلك فرضا.انتهى.

الثاني: قال الحافظ عماد الدين بن كثير رحمه الله تعالى: صلاة جبريل هذه غير الصلاة التي صلاها به عند البيت مرتين، فبين له أوقات الصلوات الخمس أولها وآخرها فإن ذلك كان بعد فرضيتها ليلة الإسراء، كما سيأتي بيان ذلك.

الثالث: زعم ابن حزم أن الوضوء لم يشرع إلا بالمدينة وتعقب بما تقدم.

الرابع: قال السهيلي: ذكر الحربي ويحيى بن سلام أن الصلاة كانت قبل الإسراء صلاة قبل غروب الشمس وصلاة قبل طلوعها.

ونقل ابن الجوزي عن مقاتل بن سليمان قال: فرض الله تعالى على المسلمين في أول الإسلام ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي.

قال الحافظ بعد أن نقل ما ذكره الحربي: ورده جماعة من أهل العلم.

وقال قبل ذلك:

ذهب جماعة إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة إلى ما وقع الأمر به من صلاة الليل من غير تحديد.

الخامس: ذكر ابن إسحاق هنا حديث ابن عباس في إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعليمه إياه أوقات الصلوات الخمس في اليومين.

قال في الروض: ولم يكن ينبغي له ذكره في هذا الموضع، لأن أهل العلم متفقون على أن هذه القصة كانت في الغد من ليلة الإسراء كما سيأتي بيان ذلك في موضعه

 

[350] - مسند أحمد(1/93) :ثنا يزيد بن هارون أنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت أبا حمزة يحدث عن زيد بن أرقم به..وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف .قلت: الحديث رجاله رجال الصحيح و قد ذكره الألباني في صحيح السيرة ص:118

[351] - تاريخ ابن جريرالطبري (1/537) حدثنا عبد الحميد بن يحيى حدثنا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر ..وذكره الألباني في صحيح السيرة ص:118.وفي نسخة دار التراث بيروت من تاريخ الطبري(2/310)قال:حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى الضَّرِيرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَحْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ،به.. .في ميزان الاعتدال(2/ 538ترجمة رقم 4765  )  عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَحْرٍ ،بصري روى عن مالك. قال ابن حبان: كان يسرق الحديث، وكذا قال ابن عدي أهـ.وفي معجم ابن الأعرابي(3/ 967 رقم2054 ) نا أَبُو سَعِيدٍ، نا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، نا عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْأَعْوَرِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: نُبِّئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَأَسْلَمَ عَلِيٌّ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، أَوْ قَالَ: صَلَّى عَلِيٌّ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ"و علي بن عابس وشيخه مسلم بن كيسان الأعور ضعيفان .انظر:تهذيب التهذيب (7 / 344 ، 10 / 136 )

 

[352] - سيرة ابن هشام(1/153) وفي السند انقطاع كما هو ظاهر.

[353] -  ابن ماجة( 120): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الرَّازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَنْبَأَنَا الْعَلَاءُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّه به.ِ

وأخرجه ابن أبي شيبة (رقم 22084) وابن أبي عاصم في "السنة" (1324) ، وفي "الآحاد والمثاني" (178) ، والنسائي في "الخصائص" (7) ، وابن جرير في تاريخه،  وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (337) ، وأخرجه الحاكم (3/120) وقال الذهبي: ما هو بصحيح، بل حديث باطل، وعباد قال ابن المديني: ضعيف. ونقل ابن الجوزي في "الموضوعات" 1/341 عن أبي بكر الأثرم أنه قال: سألت أبا عبد الله (يعني أحمد بن حنبل) عن حديث علي "أنا عبد الله وأخو رسوله ... " فقال: اضرب عليه، فإنه حديث منكر

وقال الألباني : موضوع.كما في السلسلة الضعيفة برقم 4947 : وذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة(1/343)

 

[354] - الطبراني في الكبير(1/  320  رقم952 ) قال: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، ثنا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ الله بْنِ أَبِي رَافِعٍ به.و فيه مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ الله بْنِ أَبِي رَافِعٍ  ضعفوه قال المزي:  قال البخارى : منكر الحديث . قال ابن معين : ليس بشىء ، و لا ابنه معمر .

و قال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، منكر الحديث جدا ، ذاهب .

و قال أبو أحمد بن عدى : و هو فى عداد شيعة الكوفة ، و يروى من الفضائل أشياء لا يتابع عليها .وزاد الحافظ فى "تقريب التهذيب" 9 / 321 :  قال البرقانى ، عن الدارقطنى : متروك و له معضلات . اهـ.

و أيضًا يحيى بن عبد الحميد  الحماني  ذكره الذهبي في الميزان(4/ 392 ترجمة رقم 9567 ) وقال:  وثقه يحيى بن معين وغيره.

وأما أحمد فقال: كان يكذب جهارا.وقال النسائي: ضعيف. وقال البخاري: كان أحمد وعلى يتكلمان فيه.

و يقال إن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أودعه كتبه  لما خرج من مكة، فلما جاء وجد كتبه محلولة، فقال عبد الله: إنه سرق من كتبه أحاديث لسليمان بن بلال، حدث بها الحمانى، عن سليمان نفسه.

وقال الذهبي :شيعي بغيض, قال زياد بن أيوب: سمعت يحيى الحمانى يقول: كان معاوية على غير ملة الإسلام.أهـ

[355] - سيرة ابن إسحاق(1/156)

[356] - رواه  البخاري (3727) حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا ابن زائدة حدثنا هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص قال سمعت سعيد بن المسيب يَقُولُ:سمعت سعدا به..ثم قال البخاري: تابعه أبو أسامة حدثنا هاشم.وطرفه(3858)

[357] - ابن ماجة (132) عن مسروق عن ابن زائدة به

[358] - انظر البداية والنهاية(3/32)

[359] - رواه البخاري(4113 )حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ:..فذكره..وبرقم( 7261 ) عن علي عن سفيان به.ومسلم(2415)(48) عن عمرو الناقد عن سفيان به..وهو مروي بأسانيد صحيحة أيضًا عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير.

[360] - يستفاد من ذلك أن الداعية الذي يريد أن ينجح في دعوته عليه أن يتحلى بحسن الخلق والملاطفة ولين الجانب وحسن المجالسة ومعرفة طباع مَن يدعوهم وأنسابهم وثقافتهم وغير ذلك مما كان يتحلى به أبو بكر، كما ان أصحاب الجاه لهم أثر كبير في كسب أنصار للدعوة، ولهذا كان أثر  أبي بكر t في الإسلام أكثر من غيره

 

[361] - أبو داود ( 4649) حدثنا حفص بن عمر النمري ثنا شعبة عن الحر بن الصياح عن عبد الرحمن بن الأخنس به ..وأخرجه ابن ماجة(133)وصححه الألباني في تعليقه عليهما وفي صحيح الجامع برقم 50

وأخرجه أحمد(1/187-188) وصحح الأرنؤوط إسناد الأول وحسن الثاني في المتابعات.

[362] - أحمد(1/193) ثنا قتيبة بن سعيد ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف ..وقال الأرنؤوط:إسناده قوي على شرط مسلم. والترمذي(3747) وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم  2946

[363] - صحيح البخاري(3744) حدثنا عمرو بن علي حدثنا عبد الأعلى حدثنا خالد عن أبي قلابة قال حدثني أنس بن مالك .. وأخرجه مسلم(2419)

[364] - أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب.فقد روى البخاري( 5107 ) قال:حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: «وَتُحِبِّينَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ ذَلِكِ لاَ يَحِلُّ لِي»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: «بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ»، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا لاَبْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ»وأخرجه برقم(5372) عن يحيى بن بكير عن الليت به.

[365] - مسند الطيالسي(1/47 رقم 353 )حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله ،وأخرجه أحمد(1/462) قال:حدثنا عفان عن حماد بن سلمة به  .  وقال الأرنؤوط:إسناده حسن، وذكره الألباني في صحيح السيرة ص:124

[366] -  معجم الصحابة للبغوي (3/ 460 رقم1403 )قال: حدثنا علي بن مسلم نا ابن أبي عبيدة عن أبيه عن الأعمش عن القاسم عن أبيه قال: قال عبد الله فذكره..

[367] -  ذكروا  لإسلامه قصة من طريق محمد بن عمرالواقدي (وهوضعيف)

 . قال البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله بن بطة الاصبهاني حدثنا الحسن بن الجهم حدثنا الحسين بن الفرج حدثنا محمد بن عمر حدثني جعفر بن محمد بن خالد بن الزبير عن أبيه أو عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال كان اسلام خالد بن سعيد بن العاص قديما وكان أول اخوته اسلم وكان بدء اسلامه أنه رأى في المنام أنه وقف به على شفير النار فذكر من سعتها ما الله أعلم به ويرى في النوم كأن آت أتاه يدفعه فيها ويرى رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذا بحقويه لا يقع،  ففزع من نومه فقال: احلف بالله أن هذه لرؤيا حق، فلقي أبا بكر بن أبي قحافة فذكر ذلك له فقال: أريد بك خير، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه فانك ستتبعه وتدخل معه في الاسلام والاسلام يحجزك ان تدخل فيها وأبوك واقع فيها فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأجياد فقال :يا رسول الله يا محمد إلى ما تدعو قال: أدعوك إلى الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وتخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يضر ولا يبصر ولا ينفع ولا يدري من عبده ممن لا يعبده قال خالد فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامه وتغيب خالد وعلم أبوه باسلامه فارسل في طلبه فأتي به فأنبه وضربه بمقرعة في يده حتى كسرها على رأسه وقال والله لأمنعنك القوت فقال خالد وإن منعتني فان الله يرزقني ما أعيش به وانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يكرمه ويكون معه أهـ.البداية والنهاية(3/32-33)

[368] - سيرة ابن هشام(1/157-160)

[369] - أحمد(1/404) ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا زائدة عن عاصم بن أبي النجود عن زر عن ابن مسعود.. وقال الأرنؤوط:إسناده حسن، وابن ماجة(150)وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم 122

[370]  - سيرة ابن هشام(1/160)                         

[371] )- كان اختيار دار الأرقم لعدة أسباب منها:

1- أن الأرقم لم يكن معروفًا بإسلامه، فما كان يخطر ببال أحد أن يتم لقاء محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بداره.

2- أن الأرقم بن الأرقم t من بني مخزوم, وقبيلة بني مخزوم هي التي تحمل لواء التنافس والحرب ضد بني هاشم. فلو كان الأرقم معروفا بإسلامه فلا يخطر في البال أن يكون اللقاء في داره؛ لأن هذا يعني أنه يتم في قلب صفوف العدو.

3- أن الأرقم بن أبي الأرقم كان فتى عند إسلامه، فلقد كان في حدود السادسة عشرة من عمره، ويوم تفكر قريش في البحث عن مركز التجمع الإسلامي, فلن يخطر في بالها أن تبحث في بيوت الفتيان الصغار من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بل يتجه نظرها وبحثها إلى بيوت كبار أصحابه، أو بيته هو نفسه عليه الصلاة والسلام.

فقد يخطر على ذهنهم أن يكون مكان التجمع على الأغلب في دور بني هاشم، أو في بيت أبي بكر t أو غيره، ومن أجل هذا نجد أن اختيار هذا البيت كان في غاية الحكمة من الناحية الأمنية، ولم نسمع أبدا أن قريشًا داهمت ذات يوم هذا المركز وكشفت مكان اللقاء..السيرة النبوية للصلابي(1/102-103).

([372]) انظر: ابن هشام (1/236) .                    

[373] -  روى البزار في مسنده البحر الزخار (3/ 19رقم 766 )قال: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: نا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: نا شَرِيكٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] قَالَ: دَعَاهُمْ فَجَمَعَهُمْ عَلَى فَخْذِ شَاةٍ وَقَعْبٍ مِنْ لَبَنٍ وَأَنَّ فِيهِمْ لَمَنْ يَأْكُلُ الْجَزَعَةَ قَالَ: فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا , وَشَرِبْنَا حَتَّى رَوِينَا."وأخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 276-رقم1971 )عن أَحْمَد بْن عَمْرٍو عن مُحَمَّد بْن الطُّفَيْلِ عن  شَرِيك به..

.وفي سنده  عباد بن عبد الله الأسدى الكوفى . قال البخارى : فيه نظر . و قال على ابن المدينى : ضعيف الحديث .و ذكره ابن حبان فى كتاب " الثقات "أنظر تهذيب التهذيب( 5 / 98 ) .

و شريك بن عبد الله : صدوق يخطىء ،قال ابن معين : لا بأس به ، و قال النسائى : ليس بالقوى.أنظر تهذيب التهذيب (4 / 338 )

 وقد أخرج الحديث مطولا ِ ابْنُ إِسْحَاقَ في سيرته- عن راو مبهم-(ص145-146 ) قَالَ: فَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَاسْتَكْتَمَنِي اسْمَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215] . قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَرَفْتُ أَنِّي إِنْ بَادَأْتُ بِهَا قَوْمِي رَأَيْتُ مِنْهُمْ مَا أَكْرَهُ، فَصَمَتُّ عَلَيْهَا، فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ عَذَّبَكَ رَبُّكَ ". قَالَ عَلِيٌّ: فَدَعَانِي فَقَالَ: " يَا عَلِيُّ إِنَّ اللهَ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِي الْأَقْرَبِينَ فَعَرَفْتُ أَنِّي إِنْ بَادَأْتُهُمْ بِذَلِكَ رَأَيْتُ مِنْهُمْ مَا أَكْرَهُ، فَصَمَتُّ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنْ لَمْ تَفْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ عَذَّبَكَ رَبُّكَ، فَاصْنَعْ لَنَا يَا عَلِيُّ رِجْلَ شَاةٍ عَلَى صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ وَأَعِدَّ لَنَا عُسَّ لَبَنٍ، ثُمَّ اجْمَعْ لِي بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَفَعَلْتُ فَاجْتَمَعُوا لَهُ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلًا يَزِيدُونَ رَجُلًا أَوْ يَنْقُصُونَهُ فِيهِمْ أَعْمَامُهُ أَبُو طَالِبٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْعَبَّاسُ، وَأَبُو لَهَبٍ الْكَافِرُ الْخَبِيثُ، فَقَدَّمْتُ إِلَيْهِمْ تِلْكَ الْجَفْنَةَ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا حُذْيَةً، فَشَقَّهَا بِأَسْنَانِهِ، ثُمَّ رَمَى بِهَا فِي نَوَاحِيهَا وَقَالَ: «كُلُوا بِسْمِ اللهِ» فَأَكَلَ الْقَوْمُ حَتَّى نَهِلُوا عَنْهُ مَا يُرَى إِلَّا آثَارُ أَصَابِعِهِمْ، وَاللهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَأْكُلُ مِثْلَهَا , ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْقِهِمْ يَا عَلِيُّ» فَجِئْتُ بِذَلِكَ الْقَعْبِ فَشَرِبُوا مِنْهُ حَتَّى نَهِلُوا جَمِيعًا، وَايْمُ اللهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَشْرَبُ مِثْلَهُ فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ بَدَرَهُ أَبُو  لَهَبٍ إِلَى الْكَلَامِ، فَقَالَ: لَهَدَّ مَا سَحَرَكُمْ صَاحِبُكُمْ. فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ رَسُولُ اللهِ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَلِيُّ، عُدْ لَنَا بِمِثْلِ الَّذِي كُنْتَ صَنَعْتَ لَنَا بِالْأَمْسِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ بَدَرَنِي إِلَى مَا قَدْ سَمِعْتَ قَبْلَ أَنْ أُكَلِّمَ الْقَوْمَ. فَفَعَلْتُ، ثُمَّ جَمَعْتُهُمْ لَهُ فَصَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَنَعَ بِالْأَمْسِ، فَأَكَلُوا حَتَّى نَهِلُوا عَنْهُ، ثُمَّ سَقَيْتُهُمْ فَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ الْقَعْبِ حَتَّى نَهِلُوا عَنْهُ، وَايْمُ اللهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَأْكُلُ مِثْلَهَا وَيَشْرَبُ مِثْلَهَا , ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّي وَاللهِ مَا أَعْلَمُ شَابًّا مِنَ الْعَرَبِ جَاءَ قَوْمَهُ بِأَفْضَلَ مِمَّا جِئْتُكُمْ بِهِ. إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِأَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» واخرجه البهقي في دلائل النبوة (2/179- 180) من طريق ابن اسحاق به.ثم قال البيهقي :قَالَ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مَرْيَمَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ ...وَقَدْ رَوَى شَرِيكٌ الْقَاضِي عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَسْدِيِّ عَنْ عَلِيٍّ فِي إِطْعَامِهِ إِيَّاهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مُخْتَصَرًا.أهـ

 

.قلت وأخرحه البزار[ البحر الزخار (2/ 105رقم 456 )]عن خَتَنِ سَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيٍّ،به.. وأخرجه ابو نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة (ص: 425رقم 331 )عن أبي عَمْرٍو مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ عن الْحَسَن بْن سُفْيَانَ عن عَمَّار بْن الْحَسَن ِعن سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ به.

وفي سنده عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ قال عنه الذهبي في الميزان(2/ 640 ترجمة رقم 5147 ) رافضي.ليس بثقة.

قال علي بن المديني: كان يضع الحديث، ويقال: كان من رءوس الشيعة.وروى عباس عن يحيى: ليس بشئ.

وقال البخاري: عبد الغفار بن القاسم بن قيس بن فهد ليس بالقوى عندهم.أهـ

 

 - ورَوَاه ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ (9/ 2826 رقم16015) عَنْ أَبِيهِ: عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عِيسَى بْنِ مَيْسَرَةَ الْحَارِثِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْن الْحَارِثِ.

قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة " وأنذر عشيرتك الاقربين ".به.-ولم يذكر في السند ابن عباس.. ط مكتبة نزار مصطفى الباز....وفي سنده عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْقُدُّوسِ. قال فيه ابن معين : رافضى ، ليس بشىء ، و قال البخارى : هو فى الأصل صدوق  إلا أنه يروى عن أقوام ضعاف، و قال النسائى : ضعيف .انطر تهذيب التهذيب 5 / 303

- ومن الشواهد له أيضًا ما رواه  أحمد(1/159) قال:ثنا عفان ثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ عن علي.. وأخرجه النسائي في الخصائص( 66) وسيأتي .

والحديث ذكره الهيثمي في المجمع 8/ 305 وعزاه للبزار وأحمد والطبراني في الأوسط وقال: ورجال أحمد وأحد إسنادي البزار رجال الصحيح غير شريك وهو ثقة.أهـ كذا قال ولا تخلو جميع الطرق من ضعف لكن تتقوى القصة بمجموع الطرق باستثناء ما انفردت به بعض الطرق بألفاظ منكرة .

 

[374] - مسلم ( 205 ) حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير حدثنا وكيع ويونس بن بكير قالا حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عن عائشة.. والترمذي(2310)   وأحمد (6/187)

[375] -  أحمد(رقم20605 – ت ارنؤوط ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ، وَزُهَيْرِ بْنِ عَمْرٍو،به..ورواه مسلم(207)(353) عن أَبُي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ عن يَزِيد بْنُ زُرَيْعٍ، عن التَّيْمِيُّ به .ويحيى بن سعيد: هو القطّان، والتيمي: هو سليمان بن طَرْخَان، وأبو عثمان: هو عبد الرحمن بن ملٍّ النَّهْدي.

وأخرجه أبو عوانة 1/93 من طريق أحمد بن حنبل، بهذا الإسناد، ولم يسق لفظه.

وأخرجه النسائي في "الكبرى" (10815) ، وفي "عمل اليوم والليلة" (979) ، وابن منده في"الإيمان" (956) من طريق يحيى بن سعيد، به.

وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/285 و4/387، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/239، والطبراني في "الكبير" (5305) من طريق يزيد ابن زريع، عن سليمان التيمي، به. واقتصر الطحاوي على قوله: "يا بني عبد مناف، إني نذير".

وأخرجه كرواية الطحاوي: ابن قانع في "معجم الصحابة" 2/342، والطبراني في "الأوسط" (5518) من طريق زياد بن أبي زياد الجصّاص، عن أبي عثمان النهدي، به.

قوله: "رَقْمه من جبل" وعند مسلم: "رَضمة من جبل" بالضاد، وقد ذكر ابن الأثير في "النهاية" الحديث في الموضعين، وقال في الأولى: رَقْمة الوادي: جانبه. وقال في الثانية: الرَّضمة: واحدة الرَّضْم والرِّضام، وهي دون الهِضاب، وقيل: صخور بعضها فوق بعض.

ويَربَأ، أي: يحفظهم من عدوهم، والاسم: الربيئة، وهي العين والطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يَدْهَمَهم العدوُّ.

[376] - أحمد (2/ 360) : ثنا معاوية بن عمرو قال ثنا زائدة ثنا عبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة  عن أبي هريرة.. والبخاري(2753)ومسلم (204) وغيرهم.

[377] - البخاري (4770 ) حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال حدثني عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ..وأخرجه مسلم(208) والترمذي(3363) وأحمد(1/307) وغيرهم.

[378] - أحمد(1/159) قال:ثنا عفان ثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ عن علي.. وأخرجه النسائي في الخصائص( 66) - من سننه الكبرى(برقم 8397)عن الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ عن عَفَّانُ به،  

ورواه ابن جرير في تاريخه(1/ 543)عن زكريا الضرير عن عفان به.. وفي روايتي النسائي وابن جرير زيادات منكرة –ليست في رواية أحمد- مثل" «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِمَ وَرِثْتَ ابْنَ عَمِّكَ دُونَ عَمِّكَ؟» و"أَيُّكُمْ يُبَايِعُنِي عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي، وَصَاحِبِي، وَوَارِثِي؟"

وقال الأرنؤوط في تخريج هذا الحديث في المسند:إسناده ضعيف. لجهالة ربيعة بن ناجذ، فإنه لم يرو عنه غير أبي صادق الأزدي، قال الذهبي في "الميزان" 2/45: لا يكاد يعرف، وعنه أبو صادق بخبر منكر فيه "علي أخي ووارثي"،,أهـ و قال الحافظ في تهذيب التهذيب 12 / 130 : قال ابن سعد : و كان ورعا مسلما ، قليل الحديث ، يتكلمون فيه . اهـ .

وقال العراقي في تخريج الإحياء ( 2/142):أخرجه النسائي في الخصائص من سننه الكبرى من حديث علي قال " جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب . . . الحديث " وفيه " فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي فلم يقم إليه أحد فقمت إليه " وفيه " حتى إذا كان في الثالثة ضرب بيده على يدي " وله وللحاكم من حديث ابن عباس " أن عليا كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم والله إني لأخوه ووليه ووارث علمه . . . الحديث " وكل ما ورد في أخوته فضعيف لا يصح منه شيء أهـ

وقوله:الجَذَعة: هي من الإبل ما تَمَّ له أربع سنين، ومن البقر والمعز ما تَمَّ له سنة، قال السندي: والظاهر هاهنا أنها من الإبل.

والفرق: مكيال يسع ستة عشر رِطلاً، وهي اثنا عشر مُداً، أو ثلاثة آصع عند أهل الحجاز.

والغُمَر، بضم الغين وفتح الميم: القدح الصغير.

 

[379] -مسند أحمد(3/ 286 رقم 14087 ) حدثنا عفان حدثنا حماد قال : أخبرنا ثابت  عن أنس به .ورواه أحمد (3/120رقم 12233 ) وابن أبي شيبة(6/313رقم 31704) كلاهما عن وكيع عن حماد به ..وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم . . ورواه الترمذي(2472) وابن ماجة(151) وصححه الألباني في تخريجهما وانظر له: تخريج المشكاة 5253 : الصحيحة 2222 : مختصر الشمائل 115

[380] - سنن الترمذي(4/ 645)

[381] - أحمد(1/173) ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عاصم بن بهدلة قال سمعت مصعب بن سعد يحدث عن سعد ..وقال :شعيب الأنؤوط:إسناده حسن. وأخرجه الترمذي(2398) وقال: ( هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب عن أبي هريرة وأخت حذيفة بن اليمان ).والحديث صححه الألباني في الصحيحة برقم 143

[382] -الطبراني في المعجم الكبير(3/268) حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي، والحسين بن إسحاق التستري، قالا: ثنا هشام بن عمار، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا عبد الغفار بن إسماعيل بن عبيد الله، ثنا الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، ثنا الحارث بن الحارث الغامدي..   وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/21): رواه الطبراني ورجاله ثقات.

[383] -  ابن جرير في التفسير(24/658) حدثنا ابن بشار قال : ثنا ابن أبي عدي قال : انبأنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس ...وأخرجه ابن حبان في صحيحه(14/ 534) وقال الألباني في صحيح السيرة (ص:225 ) : أخرجه ابن جرير في ((التفسير)) بإسناد صحيح رجاله رجال الصحيح))، وقال المؤلف –ابن كثير- في ((التفسير)): ((رواه البزار، وإسناده صحيح)). وفي ((المجمع)) (7/6): ((رواه الطبراني، وفيه يونس بن سليمان الجمال، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجاله رجال (الصحيح) )).

قلت: قد توبع عند الأولين ، فصح الحديث، والحمد لله.أهـ

[384] - المسند(4/ 341) ثنا إبراهيم بن أبي العباس ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال أخبرني رجل يقال له ربيعة بن عباد من بنى الديل..  و قال شعيب الأرنؤوط : صحيح لغيره وهذا إسناد حسن من أجل عبد الرحمن بن أبي الزناد.أهـ. و أخرجه الطبراني في الكبير(5/61) و ابن جرير في تاريخه (1/556)وذكره الألباني في صحيح السيرة(ص:143)

[385] -  أخرجه الحاكم (2/393) أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أنبأ بشر بن موسى الحميدي ثنا سفيان ثنا الوليد بن كثير عن ابن تدرس عن أسماء.. وقال: ((صحيح الإسناد))، ووافقه الذهبي، وابن حبان (14/440) وقال محققه شعيب الأرنؤوط:حديث صحيح بشواهده،قلت:وزاد الألباني في صحيح السيرة (ص 138)أنه قد رواه أبو نعيم من طريق أخرى عن ابن عباس نحوه. وصححه ابن أبي حاتم أيضاً؛ كما في ((الدر المنثور))  ، وله عنده شاهد من حديث أبي بكر.

 

[386] - أحمد(1/23) ثنا هشيم أنبأنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.. والبخاري(4722) ومسلم(446) والترمذي(3146)والنسائي(1011).

[387] -  أخرجه أحمد (3/113رقم 12112) وابن أبي شيبة( 31732) كلاهما قال: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان  عن أنس ..،وقال الأرنؤوط: إسناده قوي على شرط مسلم  وأخرجه ابن ماجه (4028)عن ابن طريف عن أبي معاوية به. وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم 3254 وذكر في صحيح السيرة (ص 139) أن سنده صحيح.وأخرجه أبو يعلى في مسنده(6/358)عن ابن أبي شيبة به. وقال محققه :صحيح على شرط مسلم . والدارمي (23)عن اسحاق عن أبي معاوية به ، والفاكهي في "أخبار مكة" (2437) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" 2/154 من طريق أبي معاوية، به.

 

[388] - مسند أحمد( 4/ 191 رقم 17748) : ثنا هارون ثنا عبد الله بن وهب ثنا عمرو : أن سليمان بن زياد الحضرمي حدثه أن عبد الله بن الحرث ... وقال الأرنؤوط:إسناده صحيح . وأخرجه-أبو يعلى (3/109رقم1540) بهذا الإسناد. وفى آخره: قال عبد الله: فبأبي ما استغفر لهم. وقال محققه: إسناده صحيح.

وأخرجه البيهقي في "شعب الايمان" (7763) من طريق بحر بن نصر، عن ابن وهب، به. وعنده: فلا والله ما استغفر لهم.

وأخرجه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" ص301، والبزار (2029- كشف الأستار) من طريق ابن لهيعة، عن سليمان بن زياد، به. وقال في آخره: غفر الله له.

قال في مجمع الزوائد(8/60):رواه أحمد وأبو يعلى قال : ( قال عبد الله - يعني ابن الحارث - : فبأبي ما استغفر لهم) والبزار والطبراني وأحد إسنادي الطبراني ثقات .أهـ

[389] - أخرجه أحمد (6/2رقم 23810) ثنا يعمر بن بشر ثنا عبد الله يعنى بن المبارك أنا صفوان بن عمرو حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه ..و قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح غير يعمر بن بشر وهو ثقة. وروواه ابن حبان (14/ 489) وقال الألباني في صحيح السيرة(ص:141): بسند صحيح رجاله كلهم ثقات.

 

[390] -  (السلا ): هو الذي يخرج مع ولد الناقة؛ كالمشيمة لولد المرأة..أو الأمعاء

[391] - الشك من شعبة .ذكر ذلك صاحبا الصحيحين في رواياتهما.والصواب: أمية بن خلف؛ فإنه الذي قتل يوم بدر، وأخوه أُبيّ إنما قتل يوم أُحد؛ كما سيأتي بيانه.

 

[392] - أحمد(رقم 3962) : ثنا وهب بن جرير ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عمرو بن عن عبد الله بن مسعود..  والبخاري(240،520 ، 2934 ، 3185 ، 3854 ، 3960 - تحفة 9484 ) ومسلم(1794)

[393] - مسلم(1794)

[394] - البداية والنهاية(3/45)

[395] - البخاري (3856 )حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِى الأَوْزَاعِىُّ حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فذكره..ثم قال: تَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ ، قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو . وَقَالَ عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قِيلَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِى سَلَمَةَ حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ..وقد رواه في أماكن من ((صحيحه)) أطرافه 3678 ، 4815 - تحفة 8884 ، 10739 ، والحديث أخرجه أحمد أيضًا(6908) عن عبد الله بن عمرو.

 

[396] - أحمد(7036 )قال:قال يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة عن عبد الله بن عمرو ..وقال الأرنؤوط:إسناده حسن. وأخرجه ابن حبان(14/525)والبزار -فيما ذكره الحافظ في "الفتح" 7/168- من طريق بكر بن سليمان، والبيهقي في "الدلائل" 2/275 من طريق يونس بن بكير، كلاهما عن ابن إسحاق، بهذا الإسناد.= وقال الهيثمي( 6/9) : رواه أحمد وقد صرح ابن إسحاق بالسماع وبقية رجاله رجال الصحيح .قلت: وهو في السيرة لابن هشام(1/176)  وذكره في البداية والنهاية(3/46)

[397] -  قال الألباني في صحيح السيرة (ص:205): أخرجه ابن مردويه، وأبو نعيم في ((الدلائل)) بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس؛ كما في ((الدر المنثور)) (5/68).

 

[398] -  السيرة لابن هشام( 2/10) والبداية والنهاية(3/89-90)

[399] -  أخرج عبد الرزاق في التفسير (2/ 453 رقم  2085 )  أنا مَعْمَرٌ , عَنْ قَتَادَةَ , وَعُثْمَانَ الْجَزَرِيِّ , عَنْ مِقْسَمٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} [الفرقان: 27] , قَالَ: " اجْتَمَعَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ , وَأُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَكَانَا خَلِيلَيْنِ , فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: بَلَغَنِي أَنَّكَ أَتَيْتَ مُحَمَّدًا فَاسْتَمَعْتَ مِنْهُ , وَاللَّهِ لَا أَرْضَى عَنْكَ حَتَّى تَتْفُلَ فِي وَجْهِهِ , وَتُكَذِّبَهُ فَلَمْ يُسَلِّطْهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ , فَقُتِلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْرًا , وَأَمَّا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْقِتَالِ , فَهُمَا اللَّذَانِ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمَا {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان: 27] حَتَّى بَلَغَ: {خَلِيلًا} [النساء: 125]

وأخرج الطبري في تفسيره(19/ 263-ت شاكر) وابن أبي حاتم في تفسيره(رقم15090) من طريق وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ  ، قوله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ}: عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ دَعَا مَجْلِسًا فِيهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ فَأَبَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُلَ وقال لَا آكُلُ؟! حَتَّى تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ. فَلَقِيَهُ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فَقَالَ: أَقَدْ صَبَوْتَ؟ قَالَ: إني أخاك عَلَى مَا تَعْلَمُ وَلَكِنْ صَنَعْتُ طَعَامًا فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى أَقُولَ ذَلِكَ فَقُلْتُهُ وَلَيْسَ مِنْ نَفْسِي." ووردت الرواية من نفس الطريق في تفسير مجاهد(ص503) وفيها (أبي بْنُ خَلَفٍ)وليس(أُمَيَّةُ).

وعن عمرو بن ميون أنه ابي بن خلف كما في تفسير بن أبي حاتم(رقم15095)

وعن الشعبي أنه أمية بن خلف كما في تفسير الطبري( 19/ 262- شاكر)

وروى الطبري((19/ 262)-شاكر) قال :حدثنا القاسم، قال: ثني الحسين، قال: ثني حجاج عن ابن جُرَيج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قال: كان أُبيّ بن خلف يحضر النبيّ صلى الله عليه وسلم، فزجره عقبة بن أبي معيط، فنزل: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا) ... إلى قوله (خَذُولا) قال: (الظالم) : عقبة، وفلانا خليلا أُبيّ بن خلف..ورجاله ثقات، لكن ابن جريج وعطاء الخراساني ممن عرف بالتدليس . وذكر أبو داود : عطاء الخراسانى لم يدرك ابن عباس و لم يره

و ذكروا أن ابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراسانى ، فيكون الحديث منقطع. تهذيب التهذيب 7 / 214

 

[400]  -  (الْأَبْتَرُ) الذي لا عَقب(ولد) ولا ذِكر له. قال ابن كثيرفي تفسيره : َقَالَ عِكْرِمَةُ: الْأَبْتَرُ: الْفَرْدُ. وَقَالَ السُّدِّي: كَانُوا إِذَا مَاتَ ذكورُ الرَّجُلِ قَالُوا: بُتر. فَلَمَّا مَاتَ أَبْنَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: بُتِرَ مُحَمَّدٌ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ}

وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْأَبْتَرَ الَّذِي إِذَا مَاتَ انْقَطَعَ ذِكْرُهُ، فَتَوَهَّمُوا لِجَهْلِهِمْ أَنَّهُ إِذَا مَاتَ بَنُوهُ يَنْقَطِعُ ذِكْرُهُ، وَحَاش َا وَكَلَّا بَلْ قَدْ أَبْقَى اللَّهُ ذِكْرَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، وَأَوْجَبَ شَرْعَهُ عَلَى رِقَابِ الْعِبَادِ، مُسْتَمِرًّا عَلَى دَوَامِ الْآبَادِ، إِلَى يَوْمِ الْحَشْرِ وَالْمَعَادِ  صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ التَّنَادِّ.أهـ

 

[401] - وتفسير السورة بإيجاز:"إنا أَعْطَيْنَاكَ –يا محمد- الْخَيْرَ الْكَثِيرَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ومن ذلك الخير نهرُ الكوثر الذي خصَّه الله عز وجل به في الجنة كما جاءت بذلك الأحاديث  الصحيحة- وإذا أعطيت ذلك فَدُمْ على الصلاة لربك خالصة له، وانحر ذبائحك خالصة لله وشكرا له على ما أولاك من كرامة، وخصَّك من خير. إن مَن يكرهك ويبغضك هوالْأَبْتَرُ الْأَقَلُّ الْأَذَلُّ الْمُنْقَطِعُ ذكْرُه ".و في تفسيره أضواء البيان للشنقيطي (9/126) : اخْتُلِفَ فِي الْكَوْثَرِ. فَقِيلَ: عَلَمٌ. وَقِيلَ: وَصْفٌ.

وَعَلَى الْعَلَمِيَّةِ قَالُوا: إِنَّهُ عَلَمٌ عَلَى نَهْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلَى الْوَصْفِ قَالُوا: الْخَيْرُ الْكَثِيرُ.

وَمِمَّا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى الْعَلَمِيَّةِ، مَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ، ذَكَرَهَا ابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُهُ.

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا عُرِجَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاءِ قَالَ: «أَتَيْتُ نَهْرًا حَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ مُجَوَّفًا. فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ» .

وَبِسَنَدِهِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، قَالَتْ: هُوَ نَهْرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَاطِئَاهُ عَلَيْهِمَا دُرٌّ مُجَوَّفٌ، آنِيَتُهُ كَعَدَدِ النُّجُومِ» .

وَبِسَنَدِهِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَوْثَرِ: هُوَ الْخَيْرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ.

قَالَ أَبُو بِشْرٍ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: فَإِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: النَّهْرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَغَيْرَهَا عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ .أهـ

 

[402] - اختبرنا بعضكم ببعض

([403]) تفسير ابن كثير (2/124).                         

([404]) تفسير ابن كثير (4/126، 127).              

[405] -  الطبراني في الأوسط(5/173-174) قال: حدثنا القاسم بن زكريا قال حدثنا محمد بن عبدالحليم النيسابوري قال حدثنا مبشر بن عبد الله عن سفيان بن حسين عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.. وقال الطبراني:لم يرو هذا الحديث عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية إلا سفيان بن حسين تفرد به مبشر بن عبد الله أهـ قلت :قد تابع مبشرَ بن عبد الله أخوه عمر بن عبد الله بن رزين وكلاهما يروي عن سفيان بن حسين كما ذكر المزي في تهذيب الكمال(21/410) وابن حجر في تهذيب التهذيب(7/411) وقد صرح فيها بالسماع من سفيان فاندفع احتمال أن يكون أخذه عن أخيه مبشر .وهذه المتابعة عند البيهقي في السنن الكبرى(9/8) حيث قال: أخبرنا أبو طاهر أنبأ أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عمر بن عبد الله بن رزين ثنا سفيان به.

وقال في مجمع الزوائد(7/133) :رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن عبد الحكيم النيسابوري ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات.أهـ وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء(1/257):حديث صحيح.

وقد ذكر ابن إسحاق أيضا ما حدث لهؤلاء المستهزئين – في رواية مرسلة-فقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، فَقَامَ وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى جَنْبِهِ، فَمَرَّ بَهْ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ، فَرَمَى فِي وَجْهِهِ بِوَرَقَةِ خَضْرَاءَ فَعَمِيَ. وَمَرَّ بَهْ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، فَأَشَارَ إلَى بطنه، فاستسقى بطنه فمات منه حَبْنا ، وَمَرَّ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، فَأَشَارَ إلَى أَثَرِ جُرْحٍ بِأَسْفَلِ كَعْبِ رِجْلِهِ، كَانَ أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِسِنِينَ، وَهُوَ يَجُرُّ سَبَلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلِ مِنْ خُزَاعَةَ وَهُوَ يَرِيشُ نَبلا لَهُ، فَتَعَلَّقَ سَهْمٌ مِنْ نَبْلِهِ بِإِزَارِهِ، فَخَدَشَ فِي رِجْلِهِ ذَلِكَ الْخَدْشَ، وَلَيْسَ بِشَيْءِ، فَانْتَقَضَ بِهِ فَقَتَلَهُ. وَمَرَّ بَهْ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ، فَأَشَارَ إلَى أَخْمَصِ رِجْلِهِ وَخَرَجَ عَلَى حِمَارٍ لَهُ يُرِيدُ الطَّائِفَ، فَرَبَضَ بِهِ عَلَى شُبَارِقَةٍ، فَدَخَلَتْ فِي أَخْمَصِ رِجْلِهِ شَوْكَةٌ فَقَتَلَتْهُ. وَمَرَّ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ الطُّلَاطِلَةِ، فَأَشَارَ إلَى رَأْسِهِ فَامْتَخَضَ قَيْحًا، فَقَتَلَهُ.أهـ ابن هشام (2/41)[ومعنى "مات حَبنا": الحَبْن: هوانتفاخ من داء.- يَجُرُّ سَبَلَهُ: أي فضول ثيابه..- شُبَارِقَةٍ : شجرة عالية.]

 

[406] -  أخرجه البخاري (3533 ) حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، والنسائي  (3438 ) من طريق شعيب عن أبي الزناد به.، وأخرجه أحمد (7331 و 8825 ) عن سفيان به..وعن علي بن حفص عن ورقاء عن أبي الزناد به.  وأخرجه الحميدي(1170) عن سفيان به.

 

[407] - سيرة ابن هشام(2/30) ولم يسنده ابن إسحاق.والأبنر: أي: المقطوع الذِكر بعده ؛ ولو خلف ألوفاً من النسل والذرية، وليس الذكر والصيت ولسان الصدق بكثرة الأولاد والأنسال والعقب.

 

[408] - تفسير ابن كثير

 

[409] - تفسير مجاهد(ص757) تحقيق:د. محمد عبد السلام-ط دار الفكر الإسلامي الحديثة، مصر

 

[410] - تفسير ابن كثير

 

[411] - رواه ابن حبان في صحيحه (6572 ) قال:أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به. وقال مخققه شعيب الأرنؤوط:إسناده صحيح على شرط الصحيح.. ابن أبي عدي: هو محمد بن إبراهيم.

وأخرجه الطبري في "جامع البيان" 30/330 عن محمد بن بشار بهذا الإسناد.

وأخرجه الطبري (9786) ، والبزار كما في "تفسير ابن كثير" 4/598 من طريقين عن ابن أبي عدي، به، وقال ابن كثير: وهو إسناد صحيح.

وأخرجه البزار (2293) عن الحسن بن علي الواسطي، عن يحيى بن راشد، عن داود بن أبي هند، به.

وأخرجه الطبراني (11645) من طريق يونس بن سليمان الحمال، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دينار، عن عكرمة، به.

وأورده الهيثمي في " المجمع " 7/5-6، وقال: فيه يونس بن سليمان الحمال، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.

ورواه ابن أبي حاتم كما في ابن كثير 1/525 من طريق سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عن عكرمة، قال: جاء حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف ... فذكره مرسلاً.

وكذا أخرجه الطبري (9789) و 30/329 من طريقين عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ مرسلاً.

ومعنى:الصُّنيبير، تصغير الصنبور، قال في "النهاية" أي: أبتر لا عقب له، وأصل الصنبور سعفة تَنْبُتُ في جذع النخلة لا في الأرض، وقيل: هي النخلة المنفردة التي يدق أسفلها، أرادوا أنه إذا قلع انقطع ذِكْرُهُ، كما يذهب أثر الصنبور، لأنه لا عقب له.

 

[412] - سيرة ابن هشام(2/31)قال ابن اسحاق: حدثني جعفر بن عمرو - قال ابن هشام : هو جعفر ابن عمرو بن أمية الضمري - عن عبدالله بن مسلم -أخي محمد بن مسلم بن شهاب الزهري -عن أنس فذكره..وقد صحح الألباني إسناده في صحيح السيرة له (ص:219) ،ورواه الحاكم(2/ 585) ورواه مسلم(400) من حديث المختار بن فلفل عن أنس.وليس فيه كلام عمر

[413] - رواه أحمد(رقم3483) ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن عبد الكريم عن عكرمة به.. وقال الأرنؤوط:إسناده صحيح على شرط البخاري، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عكرمة، فمن رجال البخاري. عبد الكريم: هو ابن مالك الجزري. وهو في "تفسير عبد الرزاق" 1/52 و2/374.

وأخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" 2/191-192 من طريق أحمد بن حنبل، بهذا الإِسناد.

وأخرجه البخاري (4958) ، والترمذي (3348) ، والنسائي في "الكبرى" (11685) من طريق عبد الرزاق، به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. وقد سلف الحديث بأطول مما هنا عند أحمد برقم (2225)...وانظر الحديث في الجمع بين الصحيحين برقم( 1174)

 

[414] -  رواه  الترمذي (3349 ) حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس..وقال الترمذي: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ» وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أهـ.وأخرجه أحمد(1/256  ) وقال الأرنؤوط:إسناده قوي. ، والنسائي وأبو يعلى وغيرهم.

 

[415] -  ابن أبي شيبة (7 / 331رقم 36562) عن أَبُي خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ دَاوُدَ  به.

 

[416] - مسلم(2797 ) حدثنا عبيدالله بن معاذ ومحمد بن عبدالأعلى القيسي قالا حدثنا المعتمر عن أبيه حدثني نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة. و اخرجه أحمد(2/370)، وابن حبان(14/ 532)وغيرهم

[417] -  مستدرك الحاكم (2/345رقم 3230 ) حدثني أبو بكر محمد بن عبد الله بن الجنيد ثنا الحسين بن الفضل ثنا محمد بن سابق ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب الأسدي عن علي.. وقال الحاكم : ((صحيح على شرط الشيخين)).وتعقبه الذهبي فقال: لم يخرجا لناجية شيئًا.و أخرجه الترمذي (3064 )في تفسيرسورة الأنعام :قال: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،به..وقال عقبه: حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن ابي إسحاق عن ناجية أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه, ولم يذكر فيه عن علي، وهذا أصح أهـ .والحديث اختلف في وصله وإرساله،وقد ذكره الألباني في صحيح السيرة (ص 203)

 

[418] - مسند أبي يعلى(12/176) حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا يونس بن بكير حدثنا طلحة بن يحيى عن موسى بن طلحة حدثنا عقيل.. وقال محققه:إسناده قوي.ورواه  الحاكم( 3/ 668)  والبزار(6/115) والطبراني في الأوسط(8/ 252)  وحسنه الألباني في الصحيحة(1/ 194) رقم 92. وقال الهيثمي في المجمع (6/8): رواه الطبراني في الأوسط والكبيروأبو يعلى باختصار يسير من أوله ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.

 

[419] - قال الألباني:ليس له إسناد ثابت ولذلك أوردته  في الأحاديث الضعيفة( 913)

[420] - سيرة ابن هشام(1/264)(1/ 295-299ت السقا) واخرجه أبو نعيم في الدلائل (ص 205  رقم 156) من طريق ابن إسحاق ، وأخرجه البيهقي في الدلائل(2/191)

[421] -ابن هشام(2/ 28)(1/ 389-390-ت السقا)

[422] - مغازي ابن إسحاق (ص:133)و سيرة ابن هشام(1/163) و سبل الهدى والرشاد(2/327) للصالحي

([423]) انظر: صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين. (رقم 832)قال: حدثني أحمد بن جعفر المعقري حدثنا النضر بن محمد حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا شداد بن عبدالله أبو عمار ويحيى بن أبي كثير عن أبي أمامة ( قال عكرمة ولقي شداد أبا أمامة وواثلة وصحب أنسا إلى الشام وأثنى عليه فضلاً وخيرًا ) عن أبي أمامة فذكره..

** ويستفاد من هذه القصة: أ- عمرو بن عبسة كان من الحنفاء المنكرين لعبادة غير الله تعالى في الجاهلية.

ب- كانت الحروب الإعلامية الضروس التي شنتها قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم سببًا في تتبع عمرو بن عبسة لأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم.

ج- جرأة وشدة قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقد وجده عمرو بن عبسة مستخفيًا وقومه جرآء عليه.

د- الأدب في الدخول على أهل الفضل والمنزلة, قال عمرو بن عبسة: «فتلطفت حتى دخلت عليه».

هـ- الرسالة المحمدية تقوم على ركيزتين: حق الله، وحق الخلق قال صلى الله عليه وسلم: «أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان». وفي هذا دليل على أهمية صلة الأرحام حيث كان هذا الخلق العظيم ألصق ما يكون بدعوة الإسلام، مع اقترانه بالدعوة إلى التوحيد، وقد ظهر في هذا البيان الهجوم على الأوثان بقوة, مع أنها كانت أقدس شيء عند العرب، وفي هذا دلالة على أهمية إزالة معالم الجاهلية، وأن دعوة التوحيد لا تستقر ولا تنتشر إلا بزوال هذه المعالم.

و- وفي اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم المبكر بإزالة الأوثان مع عدم قدرته على تنفيذ ذلك في ذلك الوقت دلالة على أن أمور الدين لا يجوز تأخير بيانها للناس بحجة عدم القدرة على تطبيقها، فالذين يبينون للناس من أمور الدين ما يستطيعون تطبيقه بسهولة وأمن، ويحجمون عن بيان أمور الدين التي يحتاج تطبيقها إلى شيء من المواجهة والجهاد, هؤلاء دعوتهم ناقصة، ولم يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي واجه الجاهلية وطغاتها وهو في قلة من أنصاره، والسيادة في بلده لأعدائه([423]).

ز- حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أمان صحابته وتوفير الجو الآمن، وإبعاد لهم عن مواطن الخطر والتعرض للأذى والمضايقات والسير بهم إلى بر الأمان قال لعمرو بن عبسة: «إنك لا تستطيع يومك هذا».

ح- تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحوال أصحابه وعدم نسيان مواقفهم، قال: «أنت الذي لقيتني بمكة».

ط- لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعطي كل من أسلم قائمة بأسماء أتباعه، فهذا ليس للسائل منه مصلحة ولا يتعلق به بلاغ؛ ولذلك لما سأل عمرو بن عبسة عمن تبعه قال: «حر وعبد» وهذه تورية كما قال ابن كثير: بأن هذا اسم جنس فهم منه عمرو أنه اسم عين([423]).

ي- في قوله صلى الله عليه وسلم: «ارجع إلى أهلك، فإذا سمعت بي ظهرت فأتني» نأخذ منه درسًا في الدعوة: إن تكديس المريدين والأعضاء حيث المحنة والإيذاء ليس هو الأصل، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجه نحو الرجوع إلى الأقوام،فذلك تخفيف عن المسلمين وإبعاد لهم عن مواطن الخطر وستر لقوة المسلمين، وإعطاء فرصة للقائد حتى لا ينشغل، وضمان للسرية، وإفادة للمكان المرسل إليه، وإعداد للمستقبل وملاحظة لضمان الاستمرار وتجنب الاستئصال.

 

[424] - ابن حبان(16/83) قال: أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي حدثنا عبد الله بن الرومي حدثنا النضر بن محمد حدثنا عكرمة بن عمار حدثني أبو زميل عن مالك بن مرثد عن أبيه عن أبي ذر.. وقال الألباني:حسن لغيره

وفي السند:مالك بن مرثد وأبوه: لم يوثقهما غير ابن حبان والعجلي، وباقي رجاله رجال مسلم. عبد الله بن الرومي: هو عبد الله بن محمد، وأبو زميل: هو سماك بن الوليد.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1617) والحاكم (5459) وأبو نعيم في "الحلية" 1/157 كلهم من طرق عن عبد الله بن الرومي، بهذا الإسناد.وقال الذهبي:على شرط مسلم

وأخرجه الطبراني(1618) والحاكم (5458) من طريق عمرو بن أبي سلمة، عن صدقة بن عبد الله، عن نصر بن علقمة، عن أخيه، عن ابن عائذ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ أنه كان يقول:" لقد رأيتني ربع الإسلام، لم يسلم قبلي إلا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وبلال رضي الله عنهما". وصححه الحاكم ووافقه الذهبي مع أن فيه صدقة بن عبد الله، وهو ضعيف. وذكره الألباني في صحيح السيرة(ص 125)

[425] -  البخاري (3861) حدثني عمرو بن عباس حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا المثنى عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكره.ورواه مسلم (2474)

[426] - فتح الباري لابن حجر (7/174)

[427] - أخرجه مسلم  ( 2473 ) (132): حدثنا هداب بن خالد الأزدي حدثنا سليمان بن المغيرة أخبرنا حميد بن هلال عن عبادة به..  و رواه أحمد في مسنده(5/174) عن يزيد بن هارون عن سليمان بن المغيرة به. وابن أبي شيبة في مصنفه(7/ 338)  عن أَبُي أُسَامَةَ عن سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ به.

. شرح الحديث: ( فنثا ) أي أشاعه وأفشاه ( صرمتنا ) الصرمة هي القطعة من الإبل وتطلق أيضا على القطعة من الغنم ( فنافر ) قال أبو عبيد وغيره في شرح هذا المنافرة المفاخرة والمحاكمة فيفخر كل واحد من الرجلين على الآخر ثم يتحاكمان إلى رجل ليحكم أيهما خير وأعز نفرا وكانت هذه المفاخرة في الشعر أيهما أشعر ( عن صرمتنا وعن مثلها ) معناه تراهن هو وآخر أيهما أفضل وكان الرهن صرمة ذا وصرمة ذاك فأيهما كان أفضل أخذ الصرمتين فتحاكما إلى الكاهن فحكم بأن أنيسا أفضل وهو معنى قوله فخير أنيسا أي جعله الخيار والأفضل ( خفاء ) هو الكساء وجمعه أخفية ككساء وأكسية ( فراث علي ) أي أبطأ ( أقراء الشعر ) أي طرقه وأنواعه ( فتضعفت ) يعني نظرت إلى أضعفهم فسألته لأن الضعيف مأمون الغائلة دائما ( الصابئ ) منصوب على الإغراء أي انظروا وخذوا هذا الصابئ ( نصب أحمر ) يعني من كثرة الدماء التي سالت مني بضربهم والنصب والنصب الصنم والحجر كانت الجاهلية تنصبه وتذبح عنده فيحمر بالدم وجمعه أنصاب ومنه قوله تعالى وما ذبح على النصب ( عكن بطني ) جمع عكنة وهو الطي في البطن من السمن معنى تكسرت أي انثنت وانطوت طاقات لحم بطنه ( سخفة الجوع ) بفتح السين وضمها هي رقة الجوع وضعفه وهزاله ( قمراء ) أي مقمرة ( إضحيان ) أي مضيئة منورة يقال ليلة إضحيان وإضحيانة وضحياء ويوم أضحيان ( أسمختهم ) هكذا هو في جميع النسخ وهو جمع سماخ وهو الخرق الذي في الأذن يفضي إلى الرأس يقال صماخ وسماخ والصاد أفصح وأشهر والمراد بأسمختهم هنا آذانهم أي ناموا قال الله تعالى فضربنا على آذانهم أي أنمناهم ( وامرأتين ) هكذا هو في معظم النسخ بالياء وفي بعضها وامرأتان بالألف والأول منصوب بفعل محذوف أي ورأيت امرأتين ( فما تناهتا ) أي ما انتهتا ( هن مثل الخشبة ) الهن والهنة بتخفيف نونهما هو كناية عن كل شئ وأكثر ما يستعمل كناية عن الفرج والذكر فقال لهما أو مثل الخشبة في الفرج وأراد بذلك سب إساف ونائلة وغيظ الكفار بذلك ( تولولان ) الولولة الدعاء بالويل ( أنفارنا ) الأنفار جمع نفر أو نفير وهو الذي ينفر عند الاستغاثة ( تملأ الفم ) أي عظيمة لا شيء أقبح منها كالشيء الذي يملأ الشيء ولا يسع غيره وقيل معناه: لا يمكن ذكرها وحكايتها كأنها تسد فم حاكيها وتملؤه لاستعظامها ( فقد عني ) أي كفني يقال قدعه وأقدعه إذا كفه ومنعه ( طعام طعم ) أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام ( غبرت ما غبرت ) أي بقيت ما بقيت ( وجهت لي أرض ) أي أريت جهتها ( أراها ) ضبطوه أراها بضم الهمزة وفتحها ( يثرب ) هذا كان قبل تسمية المدينة طابة وطيبة وقد جاء بعد ذلك حديث في النهي عن تسميتها يثرب ( ما بي رغبة عن دينكما ) أي لا أكرهه بل أدخل فيه ( فاحتملنا ) يعني حملنا أنفسنا ومتاعنا على إبلنا وسرنا ( إيماء ) الهمزة في أوله مكسورة على المشهور وحكى القاضي فتحها أيضا وأشار إلى ترجيحه وليس براجح..مختصر من  شرح النووي على مسلم (16/ 27-31)

 

[428] -  فتح الباري(7/175)

[429] - فتح الباري  (7/ 176)

[430] - يستفاد من  قصة إسلام أبي ذر ما يلي:

: * تميز أبي ذر بأنه رجل مستقل في رأيه, لا تؤثر عليه الإشاعات، ولا تستفزه الدعايات, فيقبل كل ما تنشره قريش؛ ولذلك أرسل أخاه يستوثق له من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيدًا عن التأثيرات الإعلامية.

* شدة اهتمام أبي ذر بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يكتف بالمعلومات العامة التي جاء بها أخوه أنيس بل أراد أن يقف على الحقيقة بعينها، حيث إن مجال البحث ليس عن رجل يأمر بالخير فحسب، وإنما عن رجل يذكر أنه نبي؛ ولذلك تحمل المشاق والمتاعب وشظف العيش، والغربة عن الأهل والوطن في سبيل الحق، فأبو ذر ترك أهله واكتفى من الزاد بجراب، وارتحل إلى مكة لمعرفة أمر النبوة.

* التأني والتريث في الحصول على المعلومة: حيث تأنى أبو ذر t لما يعرفه من كراهية قريش لكل من يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم, وهذا التأني تصرف أمني تقتضيه حساسية الموقف, فلو سأل عنه لعلمت به قريش، وبالتالي قد يتعرض للأذى والطرد, ويخسر الوصول إلى هدفه, الذي من أجله ترك مضارب قومه, وتحمل في سبيله مصاعب ومشاق السفر.

* الاحتياط والحذر قبل النطق بالمعلومة: حين سأل علي t أبا ذر t عن أمره وسبب مجيئه إلى مكة، لم يخبره بالرغم من أنه استضافه ثلاثة أيام، إمعانًا في الحذر، فاشترط عليه قبل أن يخبره أن يكتم عنه، وفي الوقت ذاته أن يرشده فهذا غاية في الاحتياط، وتم ما أراده.

* التغطية الأمنية للتحرك: تم الاتفاق بين علي وأبي ذر رضي الله عنهما على إشارة أو حركة معينة، كأنه يصلح نعله، أو كأنه يريق الماء, وذلك عندما يرى عليٌٌّ من يترصدهما، أو يراقبهما، فهذه تغطية أمنية. لتحركهم اتجاه المقر (دار الأرقم). هذا إلى جانب أن أبا ذر كان يسير على مسافة من علي, فيعد هذا الموقف احتياطًا، وتحسبًا لكل طارئ قد يحدث أثناء التحرك.

* هذه الإشارات الأمنية العابرة تدل على تفوق الصحابة رضي الله عنهم في الجوانب الأمنية، وعلى مدى توافر الحس الأمني لديهم, وتغلغله في نفوسهم, حتى أصبح سمة مميزة لكل تصرف من تصرفاتهم الخاصة والعامة، فأتت تحركاتهم منظمة ومدروسة، فما أحوجنا لمثل هذا الحس الذي كان عند الصحابة, بعد أن أصبح للأمن في عصرنا أهمية بالغة في زوال واستمرار الحضارات، وأصبحت له مدارسه الخاصة وتقنياته المتقدمة، وأساليبه ووسائله المتطورة، وأجهزته المستقلة, وميزانياته ذات الأرقام الكبيرة، وأضحت المعلومات عامة والمعلومات الأمنية خاصة، تباع بأغلى الأثمان، ويضحي في سبيل الحصول عليها بالنفس إذا لزم الأمر.

وما دام الأمر كذلك فعلى المسلمين الاهتمام بالناحية الأمنية، حتى لا تصبح قضايانا مستباحة للأعداء، وأسرارنا في متناول أيديهم.

* صدق أبي ذر في البحث عن الحق, ورجاحة عقله وقوة فهمه، فقد أسلم بعد عرض الإسلام عليه.

* حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم واهتمامه بأمن أصحابه وسلامتهم: حيث أمر أبا ذر بالرجوع إلى أهله وكتمان أمره حتى يظهره الله.

* شجاعة أبي ذر وقوته في الحق: فقد جهر بإسلامه في نوادي قريش, ومجتمعاتهم تحديًّا لهم وإظهارًا للحق وكأنه فهم أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالكتمان ليس على الإيجاب بل على سبيل الشفقة عليه, فأعلمه بأنه به قوة على ذلك؛ ولهذا أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ويؤخذ منه جواز قول الحق عند من يخشى منه الأذية لمن قاله, وإن كان السكوت جائزًا، والتحقيق أن ذلك مختلف باختلاف الأحوال والمقاصد, وبحسب ذلك يترتب وجود الأجر وعدمه .

* كان موقف أبي ذر مفيدًا للدعوة, وساهم في مقاومة الحرب النفسية التي شنتها قريش ضد الرسول صلى الله عليه وسلم, وكانت ضربة معنوية أصابت كفار مكة في الصميم, بسبب شجاعة ورجولة أبي ذر وقدرته على التحمل، فقد سالت الدماء من جسده ثم عاد مرة أخرى للصدع بالشهادة.

* مدافعة العباس عن المسلمين, وسعيه لتخليص أبي ذر من أذى قريش, دليل على تعاطفه مع المسلمين، وكان أسلوبه في رد الاعتداء يدل على خبرته بنفوس كفار مكة، حيث حذرهم من الأخطار التي ستواجهها تجارتهم عندما تمر بديار غفار.

* امتثل أبو ذر للترتيبات الأمنية التي اتخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، فمع تعلق أبي ذر بالرسول صلى الله عليه وسلم وحبه له وحرصه على لقائه، إلا أنه امتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغادرة مكة إلى قومه، واهتم بصلاح وهداية الأهل, ودعوتهم للإسلام، فبدأ بأخيه، وأمه وقومه.

* تفويض أبي ذر الإمامة إلى  سيد غفار (أيماء بن رَحَضة) ومع تقدم أبي ذر عليه في الإسلام وعلو منزلته, يدل على مهارة إدارية, وهي عدم جمع كل الأعمال في يده، وتقدير الناس وإنزالهم منازلهم .

* نجاح أبي ذر الباهر في الدعوة: حيث أسلمت نصف غفار، وأسلم نصفها الثاني بعد الهجرة.

* أثر أبي ذر الدعوي على قومه وقدرته على هدايتهم وإقناعهم بالإسلام، ومع ذلك فلا يصلح للإمارة, روى مسلم في صحيحه(1825 ) عن أبي قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني ؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: «يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها » . فلكل شخص مجاله الذي سخره الله فيه، وميدانه الذي يقوم بواجبه فيه، فلا يعني أنه نجح في الدعوة، وإقناع الناس أنه يصلح لكل شيء. . أنظر:السيرة للصلابي(1/198-200)

 

[431] - رواه الحاكم في المستدرك(2/550) أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الصنعاني بمكة ثنا إسحاق بن إبراهيم-وهو ابن راهويه- أنبأ عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس.. وقال الحاكم:صحيح الإسناد على شرط البخاري.ووافقه الذهبي .وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان( 1/  156 )عن الحاكم به .وذكره الألباني في صحيح السيرة(ص:158-159)

 

[432] - مصنف ابن أبي شيبة(7/ 255-256رقم 35829) حدثنا الفضل حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم به. ورواه البيهقي(2/ 207) قال:أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو العباس حدثنا أحمد حدثنا يونس عن هشام بن سعد به .

وذكره الألباني في صحيح السيرة(ص:162)

[433] - المصنف لابن أبي شيبة(7/330رقم 36560) قال: حدثنا علي بن مسهر عن الأجلح عن الذيال بن حرملة عن جابر ..ورواه أبو يعلى في مسنده(3/349) وعبد بن حميد في مسنده(1/337)كلاهما عن ابن أبي شيبة به، وذكره الألباني في صحيح السيرة(ص/159-160)  وفي مجمع الزوائد(6/16) قال:رواه أبو يعلى وفيه الأجلح الكندي وثقه ابن معين وغيره وضعفه النسائي وغيره ، وبقية رجاله ثقات. أهـ

قلت: الأجلح روى له أصحاب السنن والبخاري في الأدب المفرد,وترجمته في التهذيب(2/275) رقم 282وقال الذهبي في الكاشف(1/229)ترجمة 234 ) :أجلح بن عبد الله أبو حجية الكندي ، عن الشعبي وعكرمة ،وعنه القطان وابن نمير وخلق وثقه بن معين وغيره وضعفه النسائي. وهو شيعي مع أنه روى عنه شريك أنه قال: سمعنا أنه ما سب أبا بكر وعمر أحد إلا افتقر أو قتل، مات 145هـ) وذكره العجلي في كتابه الثقات(1/212) وقال: (كوفى ثقة وفى موضع آخر قال : جائز الحديث، وليس بالقوي في عداد الشيوخ ). وخلاصة القول ما قاله ابن حجر في تقريب التهذيب(1/96): (صدوق شيعي، من السابعة، مات سنة خمس وأربعين-ومائة-).

[434] - البيهقي في الدلائل(2/202): أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ(الأصم)، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَجْلَحُ عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ جَابِرِ.. وذكره الألباني في صحيح السيرة (ص:161)

 **دروس وفوائد من قصة لقاء عتبة بالنبي صلى الله عليه وسلم:

أ- لم يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة جانبية حول أفضليته على أبيه وجده أو أفضليتهما عليه، ولو فعل ذلك لقضي الأمر دون أن يسمع عتبة شيئًا.

ب- لم يخض صلى الله عليه وسلم معركة جانبية حول العروض المغرية، وغضبه الشخصي لهذا الاتهام، إنما ترك ذلك كله لهدف أبعد، وترك عقبة يعرض كل ما عنده، وبلغ من أدبه صلى الله عليه وسلم أن قال: «أفرغت يا أبا الوليد؟» فقال: نعم

ج- كان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاسمًا، إن اختياره لهذه الآيات لدليل على حكمته، وقد تناولت الآيات الكريمة قضايا رئيسية منها: إن هذا القرآن تنزيل من الله، بيان موقف الكافرين وإعراضهم، بيان مهمة الرسول, وأنه بشر، بيان أن الخالق واحد هو الله, وأنه خالق السماوات والأرض، بيان تكذيب الأمم السابقة وما أصابها، وإنذار قريش صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود .

د- خطورة المال، والجاه، والنساء على الدعاة، فكم سقط من الدعاة على الطريق تحت بريق المال، وكم عرضت الآلاف من الأموال على الدعاة ليكفوا عن دعوتهم، والذين ثبتوا أمام إغراء المال هم المقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم، وخطورة الجاه واضحة؛ لأن الشيطان في هذا المجال يزين ويغوي بطرق أكبر وأمكر وأفجر. والداعية الرباني هو الذي يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم في حركته وأقواله وأفعاله, ولا ينسى الهدف الذي عاش له ويموت من أجله: ( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ` لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) [الأنعام: 162،163]، وأما النساء فقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء » [رواه البخاري(4808) ومسلم(2740 )]سواء كانت زوجة تثبط الهمة عن الدعوة والجهاد، أو تسليط بعض الفاجرات عليه ليسقطنه في شباكهن، أو في تهيئة أجواء البغي والإثم والمجون ليرتادها خطوة بعد خطوة، أيًّا كانت, فإنها فتنة عظيمة في الدين, فها هي قريش تعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءها، يختار عشرًا منهن، أجملهن وأحسنهن يكن زوجات له, إن كان عاجزًا عن الزواج من أكثر من واحدة، إن خطر المرأة حين لا تستقيم على منهج الله, أشد من خطر السيف المصلت على الرقاب ، فعلى الدعاة أن يقتدوا بسيد الخلق, ويتذكروا دائما قول يوسف عليه السلام: ( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ` فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) [يوسف:33-34].

هـ - تأثر عتبة من موقف النبي صلى الله عليه وسلم: وكان هذا التأثير واضحًا لدرجة أن أصحابه أقسموا على ذلك التأثير قبل أن يخبرهم، فبعد أن كان العدو ينوي القضاء على الدعوة، إذا به يدعو لعكس ذلك, فيطلب من قريش أن تخلي بين محمد صلى الله عليه وسلم وما يريد.

و- استمع الصحابة لما حدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين عتبة، وكيف رفض حبيبهم صلى الله عليه وسلم كل عروضه المغرية، فكان ذلك درسًا تربويًّا خالط أحشاءهم، تعلموا منه الثبات على المبدأ، والتمسك بالعقيدة، ووضع المغريات تحت أقدام الدعاة.

ز- تعلم الصحابة من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الحلم ورحابة الصدر, فقد استمع صلى الله عليه وسلم إلى ترهات عتبة بن ربيعة ونيله منه وقوله عنه: (إن في قريش ساحرًًا)، و(إن في قريش كاهنًا)، (ما رأينا سخلة أشأم على قومك منك)، و(إن كان بك رَئِيٌّ من الجن) فقد أعرض عنه صلى الله عليه وسلم وأغض عن هذا السباب بحيث لا يصرفه ذلك دعوته وتبليغه إياها لسيد بني عبد شمس, فقد كانت كل كلمة تصدر من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم مبدأ يحتذى، وكل تصرف دينًا يتبع، وكل إغضاء خلقًا يتأسى به . وانظر السيرة النبوية للصلابي(1/228-230)

 

[435] -  ابن هشام(1/261-262)تحقيق:طه عبد الرءوف سعد... وهو مرسل قوي.وأخرجه البيهقي في الاعتقاد(1/271) من طريق ابن اسحاق به.

[436] - تاريخ ابن جرير(1/550):حدثني محمد بن موسى الحرشي قال حدثنا أبو خلف عبد الله بن عيسى قال حدثنا داود عن عكرمة عن ابن عباس.. وفي سنده أبو خلف وقد ضعفوه ، أنظر:تهذيب التهذيب( 5 / 353 ) و الخبر ذكره الألباني في صحيح السيرة( ص:205-206) وله شواهد منها ما رواه ابن جرير- مرسلاً- في تاريخه (1/550) :حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية عن محمد بن إسحاق قال حدثني سعيد بن ميناء مولى أبي البختري قال: لقي الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد ونشركك في أمرنا كله فإن كان الذي جئت به خيرا مما في أيدينا كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يدك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه فأنزل الله عز وجل {قل يا أيها الكافرون} حتى انقضت السورة. وسعيد بن ميناء تابعي ثقة من رجال البخاري ،فالخبر مرسل قوي.

وما رواه -مرسلا -عَبْدُ الرَّزَّاقِ في تفسيره(3/ 469 رقم 3723)عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْأَحْوَلِ ، قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبًا , يَقُولُ: قَالَتِ كُفَّارُ قُرَيْشٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِنْ سَرَّكَ أَنْ نَتَّبِعَكَ عَامًا وَنَرْجِعَ إِلَى دِينِنَا عَامًا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 2] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ "

 

[437] -  رواه البزار (5/  409 رقم 2041) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ كُرْدُوسٍ الثَّعْلَبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فذكره - وأخرجه ابن جرير في "التفسير" (13256-شاكر )من طريق جرير بن عبد الحميد به، وأخرجه أحمد (1/420) من طريق أسباط مختصراً نحوه، وابن جرير أيضا ًفي التفسير (13255- شاكر)من طريق أبي زُبَيدٍ ، والطبراني في "المعجم الكبير" (10/217رقم 10520) من طريق يزيد بن عبد العزيز- أربعتهم:جرير وأسباط وأبوزبيد ويزيد - عن أشعث به .. وقال البزار: "لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا بهذا الإسناد". وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد(7/20-21 )وقال: "رواه أحمد والطبراني = وذكر زيادة الطبراني، وهي موافقة لما في التفسير = ورجال أحمد رجال الصحيح، غير كردوس، وهو ثقة. أهـ .وحسنه الأرنؤوط في تحقيق المسند (7/92) لشواهده ،وذكره الألباني في الصحيحة برقم (3297)وذكر شواهده التي يتقوى بها .

[438] - مسلم(2413) (46)حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَسَدِيُّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ فذكره. وأخرجه ابن ماجة(4128 )والنسائي في "الكبرى" (8163) و (8180) و (8207) و (8209) من طريقين عن المقدام بن شريح، بهذا الإسناد.

وهو في "صحيح ابن حبان" (6573).

[439] - هذه القصة لا تثبت ، تروى من طرقٍ مرسلة. انظر تاريخ ابن جرير(1/550-552)) وذكرها ابن الجوزي والشوكاني وغيرهما  في الموضوعات . وأبطلها الشيخ الألباني في رسالته ( نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق ص 18 وما بعدها )، كما قرر بطلانها جمعٌ من الأئمة منهم : أبو بكر بن العربي المالكي في أحكام القرآن والقاضي عياض في الشفا وفخر الدين الرازي في مفاتح الغيب 6 / 193 ، والقرطبي في تفسيره 12 / 80 ، والعيني في عمدة القاري 9 / 47 ، والشوكاني في فتح القدير 3 / 247 ، والآلوسي في روح المعاني 17 / 160 ، وغيرهم من الأئمة الأعلام رحم الله الجميع .

 

[440] -  أَيْ: أطاعهم  وأجابهم.

[441] - رواه أحمد(1/404) ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا زائدة عن عاصم بن أبي النجود عن زر عن عبد الله ..وحسنه الأرنؤوط.وأخرجه ابن ماجة(150)عن أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ عن يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ به.. وحسنه الألباني. . و قال محمد فؤاد عبد الباقي:في الزوائد :"إسناده ثقات ،ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك من طريق عاصم بن أبي النجود به"اهـ. وأخرجه أيضًا الهيثم بن  كليب في مسنده(2/ 115)عن أبي قلابة الرقاشي عن ابن أبي بكير به..وروي بسند صحيح عن جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مرسلاً  كما في مصنف ابن أبي شيبة (6/ 396) وغيره. انظر صحيح السيرة ص122

 

([442])- روى الْحُمَيْدِيُّ في مسنده(1/324رقم 326 )-واللفظ له- وسعيد بن منصور في سننه(2/ 371 رقم 2899)قَالَا: ثنا سُفْيَانُ قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ تَدْرُسَ (وقال سعيد: أَبِي رِيدَرْسَ)، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ به..وسفيان هو ابن عيينة الإممام العلم، والوليد بن كثير القرشى المخزومى ثقة عارف بالمغازى روى له الجماعة . وابن تدرس لا يعرف. وذكر المزي في تهذيب الكمال:تدرس ( جد أبى الزبير المكى مولى حكيم بن حزام )ممن روى عنهم الوليد بن كثير .انظر تهذيب التهذيب (11 / 148) وقال الميموني: سألوه، يعني أحمد بن حنبل، عن ابن تدرس. فقال: لا أعرفه. «سؤالاته» (348)

 

([443])- أنظر البداية والنهاية (3/30).وسبل الهدى والرشاد(2/319-320)

 

2-  رواه البخاري(3755 ) حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ،به..

   [ شرح: (اشتريتني) أي وأعتقتني لأنه أعتقه حين اشتراه رضي الله عنهما. (لنفسك) أي من أجلك ، وقد قال بلال لأبي بكر  ذلك في أيام خلافته حين أراد أبو بكر منعه من الهجرة من المدينة إلى الشام وكان قد كره بلال أن يقيم في المدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما وجد أبو بكر بلالا يرغب في الخروج منها تركه ورغبته  ] .

2-  رواه البخاري(3754) حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا به.وأخرجه ابن سعد في الطبقات(3/232) عن الْفَضْل بْنُ دُكَيْنٍ، وَعَبْد الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو الْعَقَدِيُّ، وَأَحْمَد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ -ثلاثتهم -عن عَبْد الْعَزِيزِ  به..وانظرالمصنف لابن أبي شيبة(6/ 353و 396 رقمي 31966و 32337) عن وكيع عن عبد العزيز به...

وفي السيرة لابن إسحاق(ص: 190) قال: حدثني هشام بن عروة عن أبيه قال: كان ورقة بن نوفل يمر ببلال وهو يعذب على الاسلام، وهو يقول أحد، أحد، فيقول ورقة: أحد، أحد ، والله يا بلال لن تفنى، ثم يقبل على من يفعل  ذلك به من بني جمح وبنى أمية (ابن خلف) فيقول: أحلف بالله لئن قتلتموه على هذا لأتخذنه حنانا " وهذا مرسل قوي.

    

[446] -  البخاري (1149) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به..ومسلم ( 2458)قال: حدثنا عبيدالله بن يعيش ومحمد بن العلاء الهمداني قالا حدثنا أبو أسامة عن أبي حيان ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ( واللفظ له ) حدثنا أبي حدثنا أبو حيان التيمي( يحيى بن سعيد) به.. وقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ البخاري: «دَفَّ نَعْلَيْكَ يَعْنِي تَحْرِيكَ»أهـ " . [ شرح:(بأرجى) أي: بعمل عملته وأنت ترجو به الثواب أكثر من غيره من أعمالك. (بين يدي) قدامي. (أتطهر طهورا) من وضوء أو غسل. (ما كتب) ما قدر لي وتيسر من فرض أو نفل]

([447]) صحيح السيرة النبوية، لإبراهيم العلي، ص97، 98.

([448]) رواه الحاكم(3/438رقم5666 )قال: أخبرنا إبراهيم بن عصمة العدل ثنا السري بن خزيمة ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا هشام بن أبي عبد الله عن أبي الزبير عن جابر به. وقال الحاكم :صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه.ووافقه الذهبي.

[449] - قال ابن كثير في تفسيره:وَقَدْ رَوَى العَوفِيّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عمَّار بْنِ يَاسِرٍ، حِينَ عَذَّبَهُ الْمُشْرِكُونَ حَتَّى يَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مُكرَهًا،وَجَاءَ مُعْتَذِرًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَهَكَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَأَبُو مَالِكٍ وَقَتَادَةُ."أهـ تفسير ابن كثير(4/605) ط:دار طيبة.تحقيق:سامي بن محمد سلامة.

 

[450] - وفي حادثتي بلال وعمار رضي الله عنهما فقه عظيم يتراوح بين العزيمة والرخصة، يحتاج من الدعاة أن يستوعبوه ،ويضعوه في إطاره الصحيح، وفي معاييره الدقيقة دون إفراط أوتفريط .

 

 

[451] -  في سيرة ابن إسحاق(ص: 192) عن ابن إسحق قال: فحدثني رجال من آل عمار بن ياسر أن سمية أم عمار عذبها هذا الحي من بني المغيرة بن عبد الله بن مخزوم على الاسلام وهي تأبى غيره حتى قتلوها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بعمار وبأمه وهم يعذبون بالأبطح في رمضاء مكة، فيقول: صبراً آل ياسر موعدكم الجنة.

وزاد  يونس عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمار بن ياسر وهو يبكي بذلك عينيه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك، أخذك الكفار، فغطوك في الماء، فقلت كذا، وكذا، فإن عادوا لك فقل كما قلت. وهذا الخبر مرسل قوي .

 

[452] - سيرة ابن إسحاق(ص 192)وابن هشام(1/ 320-السقا) وفي سنده  حكيم بن جبير: ضعيف رمي بالتشيع كما قال ابن حجر في التقريب.و ضعّفه أحمد، ويعقوب بن شيبة وأبو حاتم وغيرهم، وقال الدارقطني: متروك. وقال أبو زرعة: محله الصدق . انظرالتهذيب (2/ 445 - 446)

[453] - البخاري( 2091 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ خَبَّابٍ ..فذكره

[454] - رواه البخاري(3612) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنْ خَبَّابِ.به.

ويستفاد من هذا الحديثأن النبي صلى الله عليه وسلم كان  يربي أصحابه  على:

أ- التأسي بالسابقين من الأنبياء والمرسلين وأتباعهم, في تحمل الأذى في سبيل الله ويضرب لهم الأمثلة في ذلك.

ب- التعلق بما أعده الله في الجنة للمؤمنين الصابرين من النعيم، وعدم الاغترار بما في أيدي الكافرين من زهرة الحياة الدنيا.

ج- التطلع للمستقبل الذي ينصر الله فيه الإسلام في هذه الحياة الدنيا، ويذل فيه أهل الذل والعصيان.

وثمة أمر آخر كبير ألا وهو: أنه صلى الله عليه وسلم مع هذه الأشياء كلها كان يخطط ويستفيد من الأسباب المادية المتعددة لرفع الأذى والظلم عن أتباعه، وكف المشركين عن فتنتهم، وإقامة الدولة المسلمة التي تتيح الفرصة لكل مسلم أن يعبد ربه حيث شاء، و تنشر دين الله وتزيل الحواجز والعقبات التي تعترض طريق الدعوة إلى الله  

 

[455] - ابن ماجه (153) حدثنا علي بن محمد . وعمرو بن عبد الله . قالا حدثنا وكيع . حدثنا سفيان عن أبي إسحق عن أبي ليلى الكندي به.. في الزوائد قال: إسناده صحيح.وصححه الألباني. وأيضًا أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه(6/ 385) وأحمد في فضائل الصحابة(2/  857 رقم1596) كلاهما عن وكيع به.وأخرجه ابن سعد (3/165)

 

[456] -  مسلم رقم ( 1748 ) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالاَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنِى مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ به .وقال مسلم: وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالاَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: أُنْزِلَتْ فِىَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ زُهَيْرٍ عَنْ سِمَاكٍ وَزَادَ فِى حَدِيثِ شُعْبَةَ قَالَ: فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُطْعِمُوهَا شَجَرُوا فَاهَا بِعَصًا ثُمَّ أَوْجَرُوهَا.

ويستفاد من هذه الآية ومِن تتبع القرآن المكي  أنه رغم قطع الولاء سواء في الحب أو النصرة بين المسلم وأقاربه الكفار، فإن القرآن أمر بعدم قطع صلتهم و أمر ببرهم والإحسان إليهم ،ومع ذلك فلا ولاء بينهم ؛ لأن الولاء لله ورسوله ودينه والمؤمنين.لذا لما سألت أسماء رسول الله على صلة أمها المشركة أمرها بذلك.

 

([457]) تفسير ابن كثير (3/446) نقلا عن كتاب العِشْرة للطبراني عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أحمد بن أيوب بن راشد عن مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هند عن سعد ، فذكره.

([458])سيرة ابن إسحاق(ص 186) وابن هشام (1/192-193)  وإسناده حسن ولكنه مرسل. وله شواهد تؤيده. وانظر: أسد الغابة (3/385، 386).

 

[459] - سيرة ابن إسحاق(ص 186)

[460] -  أخبار مكة للفاكهي (3/ 181- رقم 1986 ) :حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ،عَنِ الْقَاسِمِ،فذكره..وهو مرسل قوي. وسفيان هو الثوري الإمام  يروي عن معن بن عبد الرحمن المسعودي -  حفيد عبد الله بن مسعود –وهو ثقة من رجال الشيخين يروي عن أخيه القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وهو تابعي ثقة.انظر تهذيب التهذيب( 8 / 322 )

وأخرجه بطوله ابن أبي شيبة في المصنف (7/ 251- 35783) قال:حَدَّثَنَا  عَبْدُ الرَّحِيمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُتْبَةَ يَعْنِي الْمَسْعُودِيَّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: «كَانَ أَوَّلُ مَنْ أَفْشَى الْقُرْآنَ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ مَسْعُودٍ , وَأَوَّلُ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا صَلَّى فِيهِ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَأَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ بِلَالٌ , وَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ , وَأَوَّلُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُهَجِّعٌ , وَأَوَّلُ مَنْ عَدَا بِهِ فَرَسُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمِقْدَادُ , وَأَوَّلُ حَيٍّ أَدَّوَا الصَّدَقَةَ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ بَنُو عُذْرَةَ , وَأَوَّلُ حَيٍّ أَلَّفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُهَيْنَةُ»

 

[461] - صحيح البخاري (3862 )حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن إسماعيل عن قيس قال سمعت سعيد بن زيد فذكره

[462] - لما أسلم عثمان بن مظعون آذاه قومه بنو جمح ، وكان أشدهم عليه وأكثرهم إيذاء له ابن عمه: أمية بن خلف؛ فأرسل إليه بعد خروجه  إلى الحبشة يعاتبه:

أأخرجتني من بطن مكة آمنًا

    

 
    

وأسكنتني في صرح بيضاء تقذع

تريش نبالاً لا يواتيك ريشها

    

 
    

وتبري نبالاً ريشها لك أجمع

وحاربت أقواما كرامًا أعزة

    

 
    

وأهلكت أقوامًا بهم كنت تفزع

ستعلم إن نابتك يومًا ملمة

    

 
    

وأسلمك الأوباش ما كانت تصنع

أنظر: سيرة ابن هشام(1/205)والسيرة النبوية للذهبي، ص112.

 

([463]) انظر: محنة المسلمين في العهد المكي ص116، 117.

[464] - المصنف(12/10رقم 32602) حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ فذكره.. وهو مرسل صحيح ،رجاله ثقات رجال الصحيحين .

[465] -سيرة ابن هشام(1/195-196) وسيرة ابن إسحاق((ص: 191)) من زيادات يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال "...وذكر أنه مر بالنهدية ومولاتها تعذبها، تقول والله لا أعتقك حتى تعتقك حياتك، فقال أبو بكر:أجل يا أم فلان، قالت: فاعتقها إذاً فإنها على دينك، قال أبو بكر فبِكَم؟  قالت: بكذا وكذا، فقال: قد أخذتها وأعتقتها، ردي عليها طحينها، قالت: دعني أطحنه لها".. يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ذهب بصر الزنيرة، وكانت ممن تعذب في الله عز وجل على الإسلام، فتأبى إلا الإسلام، فقال المشركون: ما أصاب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كذا؟! والله ما هو كذلك، فرد الله علها بصرها".

 

[466] - رواه الحاكم في المستدرك(2/572رقم 3942 )قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ الْفَقِيهُ بِبُخَارَى، ثنا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ الْحَافِظُ، ثنا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ زِيَادَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ،فذكره.ثم قال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.والحديث في سيرة ابن اسحاق (ص192) وابن هشام( 1/ 319 -السقا) بسنده عَنْ عَامِرِ عن بعض أهله.ولم يصرح باسم الصحابي عبد الله بن الزبير، وكذا في فضائل الصحابة لأحمد(1/95 رقم 66) من طريق ابن إسحاق ،والحديث قد روي مختصرًا من عدة طرق عَنْ بِشْرِ بْنِ السَّرِيِّ، عن مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ عمه عَامِرٍ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، كما عند البزار( 6/ 168رقم 2209) والطبراني في الكبير(13/99 رقم 237) وابن  جرير في تفسيره( 24/ 479)والآجري في "الشريعة" (4/ 1826 رقم1289 ) وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/50-51) وقال: «رواه الطبراني، وفيه مصعب بن ثابت؛ وثقه ابن حبان وغيره، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات» . وروى ابن جرير في تفسيره ( 24/ 479)حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: أخبرني سعيد، عن قتادة، في قوله (وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى) قال: نزلت في أبي بكر،أعتق ناساً لم يلتمس منهم جزاء ولا شكورا، ستة أو سبعة، منهم بلال، وعامر بن فُهَيرة."

([467]) يعني لو أن هناك قرآنا بهذه المثابة لكان هذا القرآن الكريم، فهو ليس له مثيل لا من قبل ولا من بعد، جواب (لو) محذوف دل عليه المقام.

([468])صحيح البخاري برقم (4866) حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا بكر، عن جعفر، عن عِرَاك بن مالك، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس فذكره.

([469])صحيح البخاري برقم (3868). حدثني عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك فذكره                                       

([470])  أحمد (1/258) ثنا عثمان بن محمد ثنا جرير عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.. وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين والنسائي في الكبرى(11290)  صحيح السيرة النبوية، ص90.

[471] - مسند عبد بن حميد(1/232 رقم 700) : ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن عمران السلمي عن ابن عباس ..والطبراني في الكبير(12/152) وقال في المجمع(10/321)

رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.وصححه الألباني وأنظر الصحيحة(3388)

 

[472] - السيرة النبوية لابن هشام (1/295-298 -السقا ) وسيرة ابن إسحاق(ص197-200)وأخرجه الطبري (22719 ) من طريق ابن إسحاق عن شيخ من أهل مصر عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به، وإسناده ضعيف، فيه راو لم يسمّ، وكرره الطبري (22720) من طريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد به وإسناده ضعيف لجهالة محمد هذا.

[473] - سيرة ابن هشام(1/334) قال ابن اسحاق: حدثني الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن حارث بن هشام عن أم سلمة فذكره.. وسنده حسن فابن إسحاق صرح بالتحديث. وانظرسيرة ابن إسحاق( 194 ) فرواية يونس بن بكير توبعت برواية البكائي. وأخرجه أحمد(1/ 201)من طريق ابن اسحاق به.وحسنه الأرنؤوط. وأخرجه البيهقي في الدلائل(9/16رقم 17734) من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق به. انظر فتح الباري 7/ 189

[474] - ذكرهم ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام(1/ 330) وابن كثير في البداية والنهاية .

[475] - البيهقي في الدلائل(2/297)أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، قَالَ حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُوسَى الْخَفَّافُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَن بْنُ زِيَادِ الْبُرْجُمِيُّ -إِمَامُ مَسْجِدِ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ-، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ فذكره.. وأخرجه ابن أبى عاصم فى الآحاد والمثانى (1/123 ، رقم 123) وفي السنة(1311 ) عن محمد بن عبد الرحيم عن بشر الخفاف به. وأخرجه الطبرانى (1/90 ، رقم 143) عن عبد الله بن الإمام أحمد عن بشر الخفاف به.  وقال الهيثمى (9/81) : فيه الحسن بن زياد البرجمى ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات أهـ .

[476] - البخاري (1071)حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ..

[477] - البخاري(1067) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْأَسْوَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ به

[478] - أحمد(3/429رقم 15503) ثنا إبراهيم بن خالد ثنا رباح عن معمر عن بن طاوس عن عكرمة بن خالد عن جعفر بن المطلب بن أبي وداعة السهمي عن أبيه فذكره. وقال الأرنؤوط: صحيح لغيره. وهذا إسناد ضعيف.وأخرجه النسائي من طريق أحمد(958) وقال الألباني:حسن الإسناد.

([479])                                                      صحيح السيرة النبوية (208).

([480]) سيرة ابن هشام(2/14-).                   

([481]) سيرة ابن إسحاق(178) وابن هشام(1/370-السقا) قال ابن إسحاق: فَإِنَّ صَالِحَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَدَّثَنِي عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عُثْمَانَ فذكره.. وفي سنده انقطاع بين صالح بن إبراهيم وعثمان.وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (9/ 34-رقم 8316 )قال:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، ثنا أَبِي، ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ،مرسلا..وابن لهيعة ضعيف. ورواه البيهقي في (الدلائل) (2/ 291). عن موسى بن عقبه مرسلًا.

وذكره أبو إبراهيم الفالوذة في كتابه:الموسوعة في صحيح السيرة النبوية(ص: 326)ط:الصفا- مكة

[482] -البخاري (3929 ) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ به..

[483] -  سيرة ابن هشام(1/ 371-السقا).ونقلهابن كثير في البداية والنهاية(3/ 116 ).وانظر الموسوعة في صحيح السيرة النبوية (ص325 )

والخبر مرسل حسن :إسحاق بن يسار(والد ابن إسحاق) تابعي ثقة من الطبقة الوسطى من التابعين ، (تهذيب التهذيب 1 / 257 ) وشيخه : سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبى سلمة بن عبد الأسد المخزومى ( و ربما نسب إلى جد أبيه ، و إلى جده ) من الطبقة الوسطى من التابعين يروي عن أم سلمة رضي الله عنها ، ، وهومقبول كما قال ابن حجر "تقريب التهذيب" ص / 248

[484] -ابن هشام(2/206-210) وأخرجه أحمد(1/ 201)من طريق ابن اسحاق به.وحسنه الأرنؤوط.

[485] - أحمد(1/461رقم 4400 ) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن بن موسى قال سمعت حديجا أخا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود .وقال الأرنؤوط: إسناده ضعيف وقال ابن كثير:اسناد جيد قوي.

[486] -  البداية والنهاية لابن كثير(3/68)

[487] - البخاري (4230) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى ..وانظر طرفه(3876)..وأخرجه مسلم(2502 -2503)

[488] - قال بعض العلماء: إنما صلى عليه؛ لأنه كان يكتم إيمانه من قومه، فلم يكن عنده يوم مات من يصلي عليه، فلهذا صلى عليه. قالوا: فالغائب إن كان قد صُلي عليه ببلده لا تشرع الصلاة عليه ببلد أخرى، ولهذا لم يُصَلّ على النبي صلى الله عليه وسلم في غير (المدينة)؛ لا أهل (مكة) ولا غيرهم. وهكذا أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة؛ لم ينقل أنه صُلّي على أحد منهم في غير البلدة التي صُلّي عليه فيها. فالله أعلم.

 

[489] -البخاري ( 3877 ) حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ..

[490] -البخاري(3878 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ عَطَاءً حَدَّثَهُمْ عَنْ جَابِرِ.به.

[491] -البخاري (3879 ) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرِ

[492] - البخاري (3880 ) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أخبرهما..

[493] -البخاري(3881 )قال عقب الحديث السابق: وَعَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُمْ فذكره..

[494] - البداية والنهاية(3/77)

[495] - ابن هشام(1/210)  ورواه أبو داود(2523) من طريق ابن إسحاق.وذكره الألباني في ضعيف أبي داود برقم542 . ولكن ذكره في صحيح السيرة ص:181.و رجال الإسناد  ثقات.

قلت:صرح ابن إسحاق بالتحديث،وشيخه يزيد بن رومان ثقة  وهو من تلاميذ عروة ،وعروة تقة إمام. كما في التقريب والتهذيب. فالله أعلم.

 

[496] - ،  وأيضًا أخرجها الطبراني (3/139رقم 2925) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ الْخَفَّافُ الْمِصْرِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ بسنده عن محمد بن كعب القرظي مرسلة، ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في المجمع . وأخرجه ابن سعد في الطبقات(3/9) أخبرنا محمد بن عمر، قال أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، قال سمعت محمد بن كعب القرظي قال: نال أبو جهل وعدي بن الحمراء وابن الأصداء من النبي، صلى الله عليه وسلم، يومًا وشتموه وآذوه، فبلغ ذلك حمزة بن عبد المطلب، فدخل المسجد مغضبا فضرب رأس أبي جهل بالقوس ضربة أوضحت في رأسه، وأسلم حمزة فعزَّ به رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، والمسلمون وذلك بعد دخول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دار أرقم في السنة السادسة من النبوة  " والواقدي متروك

[497] -سيرة ابن هشام(1/177-178) وأخرجه الحاكم من طريقه( 3/213 رقم 4878 ) و الطبراني في الكبير(3/140 رقم2926)بسنده عن ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، فذكر القصة مرسلة ورجالها ثقات كما قال الهيثمي ،

[498] -تفسير ابن أبي حاتم(12/233الشاملة) وذكره في سبل الهدى والرشاد(2/332) وفي تفسير الدر المنثور(7/536) .والخبر  معضل لأن الأجلح من الطبقة السابعة (أي:من كبار أتباع التابعين) توفي سنة145 هـ .واسمه يحيى بن عبد الله أبو حجية الكندي الكوفي الشيعي. فيه كلام والراجح أنه صدوق.

 

[499] - وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء(1/100).في بعض الروايات أن حمزة أسلم يوم الاثنين وأسلم عمر يوم الخميس الذي يليه

[500] - سيرة ابن هشام(1/ 342- السقا)

[501] - سيرة ابن هشام(1/ 342-343) قال ابن إسحاق:حدثني عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أمه أم عبد الله بنت أبي حثمة .وأخرجه المحاملي في الأمالي(1/74) من طريق أبي أوس عن عبد الحمن بن الحارث به...وقال في المجمع(6/24): رواه الطبراني.وقد صرح ابن إسحاق بالسماع فهو صحيح..وذكره العلى في صحيح السيرة(ص 73) وكذا الألباني.

[502]- البداية والنهاية(3/79)

[503] -  أخرجه الترمذي (3681) حدثنا محمد بن بشار و محمد بن رافع قالا حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا خارجة بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن ابن عمر... وقال: ((حديث حسن صحيح))، ، والحاكم (3/83)، وأحمد (2/95)، وقال الحاكم: ((صحيح الإسناد))، ووافقه الذهبي، وهو عنده من طريقين آخرين عن نافع عنه. ثم رواه هو وابن ماجه (105) من حديث عائشة، وهو أيضاً من حديث ابن مسعود، وأخرجه ابن سعد  من حديث عثمان بن الأرقم ، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري مرسلاً.

 

[504] -البخاري(3863) قال :حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ...

[505] - المعجم الكبير للطبراني" (9/ 181) بإسناد حسن.

[506] - المعجم الأوسط للطبراني" (1/ 334) بإسناد حسن.

[507] -  أخرجه الطبراني في الكبير( 11/16 ) 10890 - حدثنا أحمد بن يحيى بن خالد بن حيان الرقي ثنا يحيى بن بكير ثنا ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن عمرو بن دينار عن طاوس و مجاهد عن ابن عباس به. وقال الهيثمي في ((المجمع)) (9/58) رواه الطبراني، وإسناده حسن.أهـ ووافقه الألباني في صحيح السيرة(1/193)والسيوطي في تاريخ الخلفاء(1/100)

[508] - رواه الطبراني في "الأوسط" (2/ 74رقم 1293) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: نا أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ: نا الْأَصْمَعِيُّ، عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ به..ثم قال: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ نَافِعٍ إِلَّا الْأَصْمَعِيُّ، تَفَرَّدَ بِهِ: أَبُو حَاتِمٍ "أهـ ورجاله ثقات كما قال الهيثمي ، ويؤيده ما بعده

[509] - البخاري(  3865 ) قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُهُ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ...

[510] - أي: أعيا

[511] -ابن هشام(1/348-349:السقا) وإسناده حسن فقد صرح ابن اسحاق بالتحديث.ونافع مولى ابن عمر ثقة

[512] -البداية والنهاية(3/82)

[513] - ابن سعد في الطبقات (3/270) قال: أخبرنا يعلى ومحمد ابنا عبيد وعبيد الله بن موسى والفضل بن دكين ومحمد بن عبد الله الأسدي قالوا:أخبرنا مسعر عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال عبد الله بن مسعود... وأخرجه الطبراني في الكبير(9/ 162 رقم  8806) فقال: - حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا المسعودي عن القاسم قال قال عبد الله  به: والإسنادان صحيحان إلا أن القاسم بن عبد الرحمن لم يسمع جده عبد الله بن مسعود فروايته عنه مرسلة  .

وله طريق آخر ذكره ابن هشام في سيرته (1/ 342-السقا)عن البكائي عن مسعر بن كدام عن سعد بن إبراهيم عن ابن مسعود. و رجاله ثقات لكن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشى الزهرى لم يسمع من ابن مسعود .والخبر ذكره الألباني في صحيح السيرة(ص:188)

 

[514] - البخاري: باب إسلام عمر من كتاب المناقب حديث رقم (3866) قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ به..وقد سبق ذكره في هواتف الجان في قصة سواد بن قارب.

الشرح:. (صارخ) يسمع صوته ولا ترى صورته. (جليح) اسم رجل ناداه به ومعناه الوقح الكاشف بالعداوة. (نجيح) من النجاح وهو الظفر بالحوائج. (فصيح) من الفصاحة وهي البيان وسلامة الألفاظ من الإبهام وسوء التأليف. (ما نشبنا) ما مكثنا وتعلقنا بشيء. (أن قيل) إذ ظهر القول بين الناس بخروج النبي صلى الله عليه وسلم]

[515] - ابن أبي شيبة(  7/260) ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن عبد الله ابن المؤمل عن أبي الزبير عن جابر فذكره.. وفي سنده يحيى بن يعلى الأسلمي قال ابن حجر في التقريب(رقم 7677):ضعيف شيعي من التاسعة.وكذا شيخه ابن المؤمل ضعفه ابن حجر وقال أبو داود منكر الحديث.

 

[516] - أحمد(1/17رقم 107) حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ به.. قال الأرنؤوط: . إسناده ضعيف لانقطاعه، شريح بن عبيد لم يُدرك عمر. وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " 9 / 62 وقال: رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله ثقات إلا أن شريحَ بن عبيد لم يدرك عمر.أهـ.

[517] - أنظر التقريب(1/394) والتهذيب(4/328)

[518] - البزار (1/203-206  رقم  279) :حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رِزْقِ اللهِ ، قَالا : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ... وقال البزار: وَهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ عُمَرَ إِلاَّ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ ، وَلاَ نَعْلَمُ يُرْوَى فِي قِصَّةِ إِسْلامِ عُمَرَ إِسْنَادٌ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا الإِسْنَادِ ، عَلَى أَنَّ الْحُنَيْنِيَّ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ خَرَجَ عَنِ الْمَدِينَةِ فَكَفَّ وَاضْطَرَبَ حَدِيثُهُ.أهـ وأخرجه أبو نعيم(1/41) وذكره الألباني في الضعيفة (14/73-74) –وقال:عن الحنيني-:: هو نحو ابن أبي فروة - أو قريب منه  - قال البخاري: "في حديثه نظر". وقال النسائي: "ليس بثقة". وقال ابن عدي: "ضعيف، ومع ضعفه يكتب حديثه".

ومن طريقه أخرجه عبد الله بن أحمد في "فضائل الصحابة" ( 1/285  -288 )، وذكر في إسلام عمر رضي الله عنه عدة روايات لا يصح شيء من أسانيدها - مع وضوح التعارض بينها  -، ومن أحسنها إسناداً مع الاختصار ما أخرجه أحمد ( 1/17 ) ثم ذكر رواية شريح بن عبيد.- ثم قال:ورجال إسناده ثقات، فالإسناد صحيح، لولا أن شريح بن عبيد لم يدرك عمر بن الخطاب . أهـ.

 

[519] -    رواه ابن ماجه (رقم 103 ) قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْحِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خِرَاشٍ الْحَوْشَبِيُّ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فذكره. وقال الألباني: ضعيف جدا.وقال الأرنؤوط: وإسناده ضعيف، عبد الله بن خراش ضعفه الدارقطني وغيره، وقال أبو زرعة: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث، و ذكره ابن حبان فى كتاب " الثقات " ، و قال : ربما أخطأ . قال الساجى : ضعيف الحديث جدا ، ليس بشىء ، كان يضع الحديث . و قال النسائى : ليس بثقة .  ( تهذيب التهذيب 5 / 198)

 والحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه(6883). من طريق عبد الله بن خراش، بهذا الإسناد.

وأخرجه ابن عدي في"الكامل" 4/1525 من طريق عبد الله بن خراش، به.

وأخرجه الحاكم 3/84 من طريق عبد الله بن خراش، عن العوام بن حوشب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "ولما أسلم عمر أتاني جبريل فقال: استبشر أهل السماء بإسلام عمر" وصححه، فتعقبه الذهبي بقوله: عبد الله ضعفه الدارقطني. والحديث أخرجه ابن سعد(3/269) عن الواقدي عن معمرعن الزهري مرسلا.وانظر السير للذهبي(1/229) والواقدي متروك.

[520] - طبقات ابن سعد(3/269)و السير للذهبي(1/228) والواقدي متروك

[521] - أخرجه أبو نعيم فى الحلية (1/40) حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا عبدالحميد بن صالح ثنا محمد بن أبان عن اسحاق بن عبدالله بن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس. .وفيه أبان بن صالح ليس بالقوى وعنه إسحاق بن عبد الله-وهو ابن أبي فروة الدمشقى- متروك) [وانظركنز العمال 35742] وذكره الذهبي في السير (1/228) وضعَّف إسناده. و قد ذكره الألباني في السلسلة الضعيفة (رقم 6531) وقال:منكر.. وبعضهم استشهد بهذا الخبر- الذي لا يصح - على مشروعية التظاهر (المظاهرات)!!

 

[522] - أخرجه أبو نعيم فى الحلية (1/40-41) حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا أبو حصين القاضي الوادعي ثنا يحيى بن عبدالحميد ثنا حصين بن عمرو ثنا مخارق عن طارق عن عمر بن الخطاب.فذكره ثم قال: قال يحيى وحدثني أبي عن عمه عبدالرحمن بن صفوان عن طارق عن عمر رضي الله تعالى عنه مثله... وفيه حصين بن عمر الأحمسي متروك:قال ابن أبي حاتم الرازي في الجرح والتعديل(3/194 ترجمة رقم 842 ): حصين بن عمر الأحمسي أبو عمر كوفي روى عن الأعمش وابن أبي خالد ومخارق روى عنه منجاب ومحمد بن مهران ومحمد بن مقاتل المروزي سمعت أبي يقول ذلك .

حدثنا عبد الرحمن قال قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول: حصين بن عمر ليس بشيء .

حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول: قال لي دلوية يعني زياد بن أيوب نهاني أحمد بن حنبل ان أحدث عن حصين بن عمرو قال :إنه كان يكذب.

حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول: هو واهي الحديث جدًا لا اعلم يروي حديثا يتابع عليه هو متروك الحديث .

حدثنا عبد الرحمن قال سئل أبو زرعة عن حصين بن عمر الأحمسي فقال: منكر الحديث.أهـ

 

[523] -   الخصائص الكبرى (1/ 222)

 

[524] -   نذكر بعضًا منها: قال البخاري(3242 ) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ قَالَ: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا، فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ "ورواه مسلم(2395)

وقال البخاري(82 ) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ» قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «العِلْمَ» ورواه مسلم( 2391 )

وروى مسلم 23 - (2398)قال: حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهُمْ» قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ: مُلْهَمُونَ .وروى مثله البخاري (3469)عن أبي هريرة.

 

وفي فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل (1/ 311)427 – قال عَبْدُ اللَّهِ بن الإمام أحمد قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قثنا مُسْهِرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَلْعٍ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى خَيْرِ مَا قَبَضَ عَلَيْهِ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، قَالَ: فَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ بِعَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ، ثُمَّ قُبِضَ عَلَى خَيْرِ مَا قَبَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَحَدًا، فَكَانَ خَيْرَ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ، فَعَمِلَ بِعَمَلِهِمَا وَسُنَّتِهِمَا، ثُمَّ قُبِضَ عَلَى خَيْرِ مَا قُبِضَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَكَانَ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا وَبَعْدَ أَبِي بَكْرٍ.

 428 - وقال عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ نا وِقَاءُ بْنُ إِيَاسَ الْأَسَدِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْوَالِبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " إِنِّي لَأَعْرِفُ أَخْيَارَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَ الثَّالِثَ لَفَعَلْتُ.

430 - عَبْدُ اللَّهِ قثنا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَزَّارُ قثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ قَالَ نا عَبْدُ اللَّهِ، يَعْنِي: ابْنَ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ، عَنْ خَلَفِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّد ٍبن الحنفية، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: مَنْ أَفْضَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا بُنَيَّ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا بُنَيَّ ثُمَّ عُمَرُ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ مَخَافَةَ أَنْ أَزِيدَ فَيَزِيدَنِي: ثُمَّ أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: ثُمَّ لَسْتُ هُنَاكَ، ثُمَّ أَنَا بَعْدُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ".وهذا الحديث في البخاري

وقال ابن أبي شيبة في المصنف(6/ 357):رقم 32004 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ , عَنِ الأَعْمَشِ , عَنْ سَالِمٍ , قَالَ : جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كِتَابُك بِيَدِكَ وَشَفَاعَتُك بِلِسَانِكَ , أَخْرَجَنَا عُمَرُ مِنْ أَرْضِنَا فَارْدُدْنَا إلَيْهَا , فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ : وَيْحَكُمْ , إنَّ عُمَرَ كَانَ رَشِيدَ الأَمْرِ , وَلا أُغَيِّرُ شَيْئًا صَنَعَهُ عُمَرُ , قَالَ الأَعْمَشُ , فَكَانُوا يَقُولُونَ : لَوْ كَانَ فِي نَفْسِهِ عَلَى عُمَرَ شَيْءٌ لاغْتَنَمَ هَذَا عَلِيٌّ."

 32018 -حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ , عَنْ جَعْفَرٍ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : جَاءَ عَلِيٌّ إِلَى عُمَرَ وَهُوَ مُسَجًّى , فَقَالَ : مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِصَحِيفَتِهِ مِنْ هَذَا الْمُسَجَّى.(6/ 359)

 

31997 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ خَلَفِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، قَالَ: رُئِيَ عَلَى عَلِيٍّ بُرْدٌ كَانَ يُكْثِرُ لُبْسَهُ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ لَتُكْثِرُ لُبْسَ هَذَا الْبُرْدِ، فَقَالَ: «إِنَّهُ كَسَانِيهِ خَلِيلِي وَصَفِيِّي وَصَدِيقِي» وَخَاصِّي عُمَرُ، إِنَّ عُمَرَ نَاصَحَ اللَّهَ فَنَصَحَهُ اللَّهُ ثُمَّ بَكَى .(6/ 356)

 31974 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ , عَنِ الشَّيْبَانِيِّ وَإِسْمَاعِيلَ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ : مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ بِلِسَانِ عُمَرَ.(6/354)

32015 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: دَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى عُمَرَ حِينَ طُعِنَ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ كَانَ إِسْلَامُكَ لَنَصْرًا، وَإِنْ كَانَتْ إِمَارَتُكَ لَفَتْحًا، وَاللَّهِ لَقَدْ مَلَأْتَ الْأَرْضَ عَدْلًا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَتَنَازَعَانِ فَيَنْتَهِيَانِ إِلَى أَمْرِكَ،(6/ 358)

 32011 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ , قَالَ : حدَّثَنَا شُعْبَةُ , عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ , عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ , قَالَ : كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْزِلُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ. .(6/358)

 31989 - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ , عَنْ زَائِدَةَ , عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ , عَنْ زِرٍّ , عَنْ عَبْدِ اللهِ , قَالَ : إذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيَّ هَلاً بِعُمَرَ , إنَّ إسْلامَهُ كَانَ نَصْرًا , وَإِنَّ إمَارَتَهُ كَانَتْ فَتْحًا , وَايْمُ اللهِ , مَا أَعْلَمُ عَلَى الأَرْضِ شَيْئًا إلاَّ وَقَدْ وَجَدَ فَقْدَ عُمَرَ حَتَّى الْعِضَاهُ , وَايْمُ اللهِ إنِّي لأَحْسَبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ وَيُرْشِدُهُ , وَايْمُ اللهِ إِنِّي لأَحْسَبُ الشَّيْطَانَ يَفْرَقُ أَنْ يُحْدِثَ فِي الإِسْلاَمِ فَيَرُدَّ عَلَيْهِ عُمَرُ , وَايْمُ اللهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ كَلْبًا يُحِبُّ عُمَرَ لأَحْبَبْته.(6/ 355)

 32012 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ , قَالَ : حدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ , قَالَ : قَالَ سَعْدٌ : أَمَا وَاللهِ , مَا كَانَ بِأَقْدَمِنَا إسْلاَمًا وَلَكِنْ قَدْ عَرَفْت بِأَيِّ شَيْءٍ فَضَلَنَا , كَانَ أَزْهَدَنَا فِي الدُّنْيَا , يَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ.(6/ 358)

 

[525] - أما الدروس والعبر التي تؤخذ من قصة إسلام عمر - رضي الله عنه – فمنها:

 

اْولأ: أن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل: فقد انتفع عمر بن الخطاب بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -.

فلا تبخل على نفسك وعلى إخوانك بالدعاء، فالدعاء مستجاب، وليس شيء أكرم على الله -تبارك وتعالى- من الدعاء، فادع الله -تبارك وتعالى- واسأله من فضله.

 

ثانياً: يجوز للمسلم أن يدعو للكافر بالهداية، فقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب بالهداية، فاستجاب الله دعاءه . وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لأم أبي هريرة بالهداية، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنت أدعو أمي إلى الإِسلام وهي مشركة، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أكره، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله! إني كنت أدعو أمي إلى الإِسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اهد أم أبي هريرة" فخرجت مستبشراً بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما جئت فصرت إلى الباب وقرُبت منه، فإذا هو مجاف، فسمعتْ أمي خَشَفَ قدمي، فقال: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة! أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، فقلت: يا رسول الله! أبشر، فقد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة فحمد الله وقال: "خيراً". وقد دعا أيضًا لقبيلة دوس فقال(اللهم اهد دوسًا وائت بهم) فهداهم الله .

ثالثاً: المسلم عزيز بإسلامه والكافر ذليل بكفره، فهذا عمر بن الخطاب اعتز بإسلامه فاعلن به بكل عزة وفخر أمام الكفار، كيف لا، وهو الذي قال: "كنا أذلاء فأعزنا الله بالإِسلام، فلو ابتغينا العزة بغير الإِسلام أذلنا الله".

رابعًا: المسلم القوي مكسب عظيم للإسلام ودعوته ، يظهر ذلك جليا في إسلام حمزة وعمر وكيف عز بهم المسلمون.قال الرسول (المؤمن القوي خير..)

خامسًا: إذا دخل الإيمان القلوب وخالطته بشاشته تحملت في سبيل ذلك العذاب والأذى وذلك واضح فيما تعرض له عمر – وغيره من الصحابة- من تحمل الإيذاء في سبيل الله .

[526] - البخاري(3905 ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ به..

[527] -ابن هشام(2/17-18) وسنده حسن.رجاله رجال الصحيحين

([528]) معالم قرآنية في الصراع مع اليهود، ص30، 31، مصطفى مسلم.

([529]) انظر: اليهود في السنة المطهرة، د. عبد الله الشقاري (1/188).

([530]) أي: لم يقل: (إن شاء الله).

[531] -ذكرها ابن كثير في تفسيره(5/137) ط:دار طيبة

([532]) انظر: تأملات في سورة الكهف للشيخ أبي الحسن الندوي، ص46، وانظر: معالم قرآنية في الصراع مع اليهود، ص61.

([533])   المسند (1/255)والترمذي(3140) قالا: حدثنا قتيبة، حدثنا يحيى بن زكريا، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره.. وقال الترمذي:حديث حسن صحيح.وصححه الألباني والأرنؤوط.

([534])    المسند (1/389) حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن عَلْقَمة، عن عبد الله.. وصحيح البخاري برقم (125 ، 7462) وصحيح مسلم برقم (2794).

 

([535]) انظر: مباحث في التفسير الموضوعي، مصطفى مسلم، ص189.

([536]) السيرة النبوية لابن هشام (2/ 3)،, والحديث ذكره ابن إسحاق بلا إسناد.وانظر الكامل في التاريخ (2/87).

([537]) السيرة النبوية لابن هشام (2/ 3)

([538]) ذكره الذهبي في السير(1/255) وأنظر:تفاصيل قصة الشعب وما تخللها من أحداث، دلائل النبوة للبيهقي (2/80: 85) السيرة النبوية لابن كثير (2/43: 71) الروض الأنف (2/101: 129).

([539])  حلية الأولياء ترجمة رقم 7.

([540])دروس وعبر وفوائد من هذه القصة:

1- إن مشركي بني هاشم وبني المطلب تضامنوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحموه كأثر من أعراف الجاهلية، ومن هنا ومن غيره نأخذ أنه يسع المسلم أن يستفيد من قوانين الكفر فيما يخدم الدعوة, على أن يكون ذلك مبنيًّا على فتوى صحيحة من أهلها.

2- إن حقوق الإنسان في عصرنا ضمان للمسلم، والحرية الدينية في كثير من البلدان يستفاد منها، وقوانين كثيرة من أقطار العالم تعطي للمسلمين فرصًا وعلى المسلمين أن يستفيدوا من ذلك وغيره من خلال موزانات دقيقة.

3- من المهم أن تعلم بأن حماية أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم له، لم تكن حماية للرسالة التي بعث بها، وإنما كانت لشخصه من الغريب، وإذا أمكن أن تستغل هذه الحماية من قبل المسلمين كوسيلة من وسائل الجهاد والتغلب على الكافرين والرد لمكائدهم وعدوانهم فأنعم بذلك من جهد مشكور وسبيل ينتبهون إليها .

4- انتصر أبو طالب في غزو المجتمع القرشي بقصائده الضخمة, التي هزت كيانه هزًّا وتحرك لنقض الصحيفة من ذكرنا من قبل، أولئك الخمسة الذين يمتون بصلة قرابة أو رحم لبني هاشم, وبني المطلب واستطاعوا أن يرفعوا هذا الظلامة, وهذا الحيف عن المسلمين وأنصارهم وحلفائهم وخططوا له ونجحوا فيه وفي هذا الموقف إشارة إلى أن كثيرًا من النفوس, والتي تبدو في ظاهر الأمر من أعمدة الحكم الجاهلي، قد تملك في أعماقها رفضًا لهذا الظلم والبغي، وتستغل الفرصة المناسبة لإزاحته، وعلى أبناء المسلمين أن يهتموا بهذه الشرائح، وينفذوا إلى أعماقها، وتوضح لهم حقيقة القرآن الكريم, والسنة النبوية الشريفة، وتبين لها طبيعة العداء بين الإسلام واليهود والصليبيين والعلمانية، فقد يستفاد منهم في خدمة الإسلام.

5- وظاهرة أبي لهب تستحق الدراسة والعناية؛ لأنها تتكرر في التاريخ الإسلامي، فقد يجد الدعاة من أقرب حلفائهم من يقلب لهم ظهر المجن، ويبالغ في إيذاء الدعاة، وحربهم أكثر بكثير يلقونه من خصومهم الألداء الأشداء .

6- كانت تعليمات الرسول صلى الله عليه وسلم لأفراد المسلمين ألاَّ يواجهوا العدو، وأن يضبطوا أعصابهم، فلا يشعلوا فتيل المعركة, أو يكونوا وقودها، وإن أعظم تربية في هذه المرحلة هي صبر أبطال الأرض على هذا الأذى, دون مقاومة. حمزة وعمر، وأبو بكر وعثمان، وغيرهم رضي الله عنهم، سمعوا وأطاعوا، فلقوا كل هذا الأذى وهذا الحقد، وهذا الظلم، فكفوا أيديهم، وصبروا ليس على حادثة واحدة فقط، أو يومًا واحدًا فقط بل ثلاث سنين عجاف, تحترق أعصابهم ولا يسمح لهم برمية سهم أو شجة رأس.

7- أثبتت الأحداث عظمة الصف المؤمن, في التزامه بأوامر قائده، وبعده عن التصرفات الطائشة، فلم يكن شيء أسهل من اغتيال أبي جهل، وإشعال معركة غير مدروسة لا يعلم إلا الله مداها، وغير متكافئة.

8- كانت الدعوة الإسلامية تحقق انتصارات رائعة في الحبشة، وفي نجران، وفي أزد شنوءة، وفي دَوْس، وفي غفار، وكانت تتم في خط واضح, سيكون سندًا للإسلام والمسلمين ومراكز قوى يمكن أن تتحرك في اللحظة الحاسمة، وامتدادات للدعوة، تتجاوز حدود مكة الصلدة المستعصية.

9- كانت هذه السنوات الثلاثة للجيل الرائد, زادًا عظيمًا في البناء والتربية, حيث ساهم بعضه في تحمل آلام الجوع والخوف، والصبر على الابتلاء، وضبط الأعصاب، والضغط على النفوس والقلوب، ولجم العواطف عن الانفجار.

10- كانت بعض الشخصيات في الصف المشرك, تبني في داخلها بالتربية النبوية، وتتأثر بعظمة شخصية النبي صلى الله عليه وسلم، وتتفاعل في أعماقها مع المبادئ التي يقدمها الدين الجديد، لكن سيطرة الملأ وسطوة الكبراء, كانت تحول دون إبراز هذا التفاعل وهذا الحب وهذه التربية، وختام قصة الصحيفة تقدم لنا أجلى بيان عن ذلك .

11- قيام الحجج الدامغة والبراهين الساطعة, والمعجزات الخارقة لا يؤثر في أصحاب الهوى وعبدة المصالح والمنافع؛ لأنهم يلغون عقولهم عن التدبر، ويصمون آذانهم عن سماع الحق، ويغمضون أعينهم عن النظر والتأمل والاهتداء إلى الحق بعد قيام الأدلة عليه، فلقد أخبرهم أبو طالب بما اخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم بما حدث للصحيفة من أكل الأرضة لها وبقاء اسم الله فقط (باسمك اللهم) ورأوا ذلك بأم أعينهم فما آمن منهم أحد، إنه الهوى الذي يُغشي عن الحق، ويصم الآذان عن سماعه(.

12- كانت حادثة المقاطعة الاقتصادية والاجتماعية سببًا في خدمة الدعوة والدعاية لها بين قبائل العرب، فقد ذاع الخبر في كل القبائل العربية من خلال موسم الحج, ولفت أنظار جميع الجزيرة العربية إلى هذه الدعوة التي يتحمل صاحبها وأصحابه الجوع والعطش والعزلة لكل هذا الوقت، أثار ذلك في نفوسهم أن هذه الدعوة حق، ولولا ذلك لما تحمل صاحب الرسالة وأصحابه كل هذا الأذى والعذاب.

13- أثار هذا الحصار سخط العرب على كفار مكة لقسوتهم على بني هاشم وبني المطلب، كما أثار عطفهم على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما أن انفك الحصار حتى أقبل الناس على الإسلام، وحتى ذاع أمر هذه الدعوة وتردد صداها في كل بلاد العرب، وهكذا ارتد سلاح الحصار الاقتصادي على أصحابه، وكان عاملاً قويًّا من عوامل انتشار الدعوة الإسلامية عكس ما أراد زعماء الشرك تمامًا.

14- كان لوقوف بني هاشم وبني المطلب مع رسول الله وتحملهم معه الحصار الاقتصادي والاجتماعي أثر في الفقه الإسلامي، حيث إن سهم ذوي القربى من الخمس يعطى لبني هاشم وبني المطلب, ويوضح ابن كثير هذا الحكم لدى تفسيره قوله تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [الأنفال: 41].

فيقول: «وأما سهم ذوي القربى, فإنه يصرف إلى بني هاشم, وبني المطلب؛ لأن بني المطلب وازروا بني هاشم في الجاهلية, وفي أول الإسلام، ودخلوا معهم في الشعب غضبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحماية لهم، مسلمهم طاعة لله ورسوله وكافرهم حمية للعشيرة وأنفة وطاعة لأبي طالب، وأما بنو عبد شمس, وبنو نوفل, وإن كانوا بني عمهم, فلم يوافقوهم على ذلك, بل حاربوهم ونابذوهم ومالؤوا بطون قريش على حرب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان ذم أبي طالب لهم في قصيدته اللامية أشد من غيرهم لشدة قربهم.. وفي بعض الروايات هذا الحديث: «إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام» وهذا قول جمهور العلماء إنهم بنو هاشم وبنو المطلب».

15- لما أذن الله بنصر دينه، وإعزاز رسوله، وفتح مكة، ثم حجة الوداع، كان
النبي صلى الله عليه وسلم يؤثر أن ينزل في خَيْف بني كنانة ليتذكر ما كانوا فيه من الضيق والاضطهاد، فيشكر الله على ما أنعم عليه من الفتح العظيم، ودخولهم مكة، التي أخرجوا منها، وليؤكد قضية انتصار الحق واستعلائه، وتمكين الله لأهله الصابرين فعن أسامة بن زيد t قال: قلت يا رسول الله أين تنزل غدًا؟ في حجته، قال: «وهل ترك لنا عقيل منزلا؟» ثم قال: «نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة، المحصب، حيث قاسمت قريش على الكفر» وذلك أن بني كنانة حالفت قريشًا على بني هاشم, أن لا يبايعوهم, ولا يؤوهم، قال الزهري: والخيف الوادي.

16- على كل شعب في أي وقت، يسعى لتطبيق شرع الله عليه، أن يضع في حسبانه احتمالات الحصار والمقاطعة من أهل الباطل، فالكفر ملة واحدة. فعلى قادة الأمة الإسلامية تهيئة أنفسهم وأتباعهم لمثل هذه الظروف، وعليهم وضع الحلول المناسبة لها إذا حصلت، وأن تفكر بمقاومة الحصار بالبدائل المناسبة, كي تتمكن الأمة من الصمود في وجه أي نوع من أنواع الحصار

* * *

 

[541] - ابن هشام (2/18-20) وذكرها ابن إسحاق بلا سند.

[542] -ذكره الذهبي في السير(1/256)وانظر خبر الصحيفة كاملًا في مغازي موس بن عقبة ص:81-84

[543] - ابن هشام (2/20) وهذا الخبر معضل  لا يصح

[544] - أنظر دلائل النبوة لأبي نعيم(1/357) ومغازي عروة ص:114

[545] -  تمام الحديث: . (نَنْزِلُ غدًا إن شاء الله بخيف بنى كنانة حيث تقاسموا على الكفر ) أخرجه البخارى (1589 ، 1590 ، 3882 ، 4284 ، 4285 ) ، ومسلم (2/952 ، رقم 1314) . وأخرجه أيضًا : أحمد (2/263 ، رقم 7570) ، وأبو يعلى (11/232 ، رقم 6349)

[546] - سنن الترمذي (3193 ) حدثنا الحسين بن حريث حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق الفزاري عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب إنما نعرفه من حديث سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة . وصححه الألباني في صحيح الترمذي رقم(2551).وأخرجه أحمد(1/304)والطبراني في الكبير(12/18) وغيرهم.

 

[547] - البداية والنهاية (3/134-135)

 

[548] - الترمذي(3192) حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن سليمان الأعمش عن عطية عن أبي سعيد ..وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه . وذكر الألباني في صحيح الترمذي(2550)أنه صحيح لغيره.قلت:في إسناده عطية العوفي وهو ضعيف وإنما صححوه أو حسنوه لشواهده.

 

[549] - البهقي في الدلائل(2/ 232-233) أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان قال : أخبرنا عبد الله بن جعفر قال : حدثنا يعقوب بن سفيان قال : حدثنا أبو صالح ، وابن بكير ، قالا : حدثنا الليث قال : حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ...وذكره الذهبي في السيرة النبوية من كتابه السير(1/260-261) والحديث رجاله ثقات وهو من مراسيل التابعي عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي وهو تقة ثبت فقيه أحد الفقهاء السبعة بالمدينة

[550] -  البيهقي في الدلائل(2/233 ) وقال: وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل قال : أخبرنا عبد الله بن جعفر قال : حدثنا يعقوب بن سفيان قال : حدثنا العباس بن الوليد قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد – ابن أبي عروبة - عن قتادة ..وذكره الذهبي في السيرة النبوية من كتابه السير(1/261) وهذا الحديث مرسل  صحيح الإسناد من مراسيل التابعي قتادة رحمه الله وهو إمام ثقة ثبت .

[551] - البهقي في الدلائل(2/234) أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان قال : أخبرنا عبد الله بن جعفر قال : حدثنا يعقوب بن سفيان قال : حدثنا صفوان بن صالح ، وأبو تقي هشام بن عبد الملك ، قالا : حدثنا الوليد بن مسلم ثنا أسيد الكلابي أنه سمع العلاء بن الزبير الكلابي يحدث عن أبيه... وذكره الذهبي في السيرة النبوية من كتابه السير(1/261) وانظر:البداية والنهاية(3/135)

وهذا الخبر لا يثبت.  قال ابن أبي حاتم الرازي في الجرح والتعديل (2/311): أسيد الكلابي قال: سمعت مكحولاً، روى عنه الوليد بن مسلم (185 ك) (211 م). وفى تهذيب تاريخ ابن عساكر (3 / 58) (أسيد: هو شيخ من بنى كلاب...)

وقال ابن حجر في الإصابة (2/553):الزبير بن عبد الله الكلابي ذكره يعقوب بن سفيان فيمن لقي النبي صلى الله عليه و سلم وقال أبو عمر-ابن عبد البر-: لا أعلم له لقاء إلا أنه أدرك الجاهلية وعاش إلى خلافة عثمان. قلت: كأنه أراد ما رواه العلاء بن الزبير عن أبيه قال: رأيت غلبة فارس الروم ثم رأيت غلبة الروم فارس ثم رأيت غلبة المسلمين فارس كل ذلك في خمس عشرة سنة وذكره أبو الحسن بن سميع في الطبقة الثانية من تابعي أهل الشام.أهـ

وقال ابن أبي حاتم الرازي في الجرح والتعديل(3/579): الزبير بن عبد الله الكلابي قال: رأيت غلبة فارس الروم ثم رأيت غلبة الروم فارسا ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم كل ذلك في خمس عشرة سنة روى عن أبى مريم  عمرو بن مرة الجهنى صاحب النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه ابنه العلاء بن الزبير فيما رواه الوليد بن مسلم عن أسيد الكلابي عن العلاء، وروى عنه محمد بن عبد الله البصري.أهـ .

[552] - البخاري (48219)حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ به..

[553] - أخرجه مسلم (2799) حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ( واللفظ له ) حدثنا غندر عن شعبة عن قتادة عن عزرة عن الحسن العرني عن يحيى بن الجزار عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب ..، وأحمد في ((المسند)) (5/128)، وصححه الحاكم (4/428). وابن جرير (21/108).

 

[554] - البخاري (4767 )حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ به.. قَالَ اللزام:الفيصل  وهو قوله تعالى:{فقد كذبتم فسوف يكون لزاما}[الفرقان:77] أي عذابًا لازمًا لكم.قالو أبو عبيدة:فيصلاً.وقالوا:وهو ما جرى عليهم من القتل والأسر يوم بدر،وهي البطشة الكبرى

[555] -   البيهقي في الدلائل(2/327)

 

[556] -   البيهقي في الدلائل(2/328-329) حدثنا أبو جعفر كامل بن محمد بن أحمد المستملي قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسين البلخي قدم علينا هراة قال : حدثنا محمد بن علي النجار ، بصنعاء قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب السختياني ، عن عكرمة ، عن ابن عباس.. وقال الحافظ في لسان الميزان(5/303)رقم1022 –: محمد بن علي بن الحسين البلخي: روى عن إسحاق بن هياج بن عبد الصمد بن غالب ومحمد بن علي بن طرخان وغيرهم قال الحاكم بلغني أنه كان يحفظ أفراد الخراسانيين والغالب على روايته المناكير وقد حدث بنيسابور سنة ثلاثين وثلاث مائة ولم أر واحدًا في أصحابنا أخذ عنه الإجازة سنة ثمان وأربعين وثلاث مائة. مات سنة ست وخمسين وثلاث مائة وذكره ابن عساكر ووصفه بالحفظ وقال: رحل وسمع من محمد بن المعافى روى عنه أبو الفضل الجارودي الكلام للهروي أهـ  في مجمع الزوائد(7/73) قال:عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أبو سفيان بن حرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد نشدتك بالله قد أكلنا العلهز - يعني الوبر والدم - فأنزل الله جل ذكره: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون}. ص.176

رواه الطبراني وفيه علي بن الحسين بن واقد وثقه النسائي وغيره وضعفه أبو حاتم.

[557] -   البيهقي في الدلائل(2/329)

[558] - سيرة ابن هشام(2/28) وإسناده معضل ،وذكره أبو داود في المراسيل(308)

[559] -  الترمذي(1784) الترمذي: 1784 - حدثنا قتيبة حدثنا محمد بن ربيعة عن أبي الحسن العسقلاني عن أبي جعفر بن محمد بن ركانة عن أبيه.. قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وإسناده ليس بالقائم ولا نعرف أبا الحسن العسقلاني ولا ابن ركانة .وضعفه الألباني.

وأخرجه أبو يعلى(3/5)وقال محققه إسناده تالف.

[560] -  البداية والنهاية(3/129)

[561] -    التلخيص الحبير (4/162 حديث 2024)

 

([562]) فتح الباري (7/194).           

([563]) صحيح مسلم (1/195).       

[564] - البخاري ( 4772 ) حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سعيد بن المسيب به.

[565] - البخاري (6208) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ به.

[566] - مسلم (210) و أحمد(3/8 رقم 11073) قالا:حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍعن أبي سعيد به.. وأخرجه البخاري (3885) عن عبد الله بن يوسف عن ليث بن سعد به. وأخرجه من طريق آخر(6564) قال:حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِىُّ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ به وفيه «.. يغْلِى مِنْهُ أُمُّ دِمَاغِهِ »

[567] - مسلم (1/196 رقم 212) :حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ عن ابن عباس.. وأخرجه أحمد(1/290 رقم 2636) وعبد بن حميد(1/235  رقم 711)

[568] -   ابن هشام(2/46) وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث فالإسناد حسن إلا أنه مرسل. ويحتج البخاري في صحيحه بمثل هذا السند فيما يتعلق بالسيرة.

 

[569] - كاعة:جمع كائع:أي جبان.يقال:كع:إذا جبن وانقبض.

[570] -  الحاكم في المستدرك(2/679رقم 4243) قال :حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا يحيى بن معين ثنا عقبة المجدر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وقال:هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه. قال الألباني في صحيح السيرة:: فيه عقبة المجَدّر، ولم يخرج له الشيخان، وهو صدوق، فالإسناد جيد.

[571] - الحاكم( 3185 ) حدثنا علي بن حمشاذ العدل ، ثنا محمد بن منده الأصبهاني ، ثنا بكر بن بكار ، ثنا حمزة بن حبيب ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس به.. وقال: « حديث حمزة بن حبيب صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ..وللحديث طرق أخرى لكن الراوي فيها عن ابن عباس مجهول منها ما أخرجه عبد الرزاق حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عمن سمع ابن عباس في قوله تعالى : {وهم ينهون عنه وينأون عنه } قال: نزلت في أبي طالب كان ينهى عن أذى النبي صلى الله عليه و سلم وينأى عما جاء به

وقال سعيد بن منصور:نا حماد بن شعيب ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عمن ، سمع ابن عباس ، يقول « نزلت وهم ينهون عنه وينأون عنه في أبي طالب ، كان ينهى أن يؤذى ، وينأى عما جاء به »

 

قال الطبراني في الكبير(12/133 ): 12682 - حدثنا محمد بن عبد اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثنا عَوْنُ بن سَلامٍ ثنا قَيْسُ بن الرَّبِيعِ عن حَبِيبِ بن أبي ثَابِتٍ عَنِ ابن عَبَّاسٍ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عنه وَيَنْأَوْنَ عنه * نَزَلَتْ في أبي طَالِبٍ: كان يَنْهَى عن أَذَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيَنْأَى عَنِ اتِّبَاعِهِ

قال الهيثمي( 6/87) :رواه الطبراني وفيه قيس بن الربيع وثقه شعبة وغيره وضعفه ابن معين وغيره،وبقية رجاله ثقات.

وقال الحاكم 3186 - أخبرنا أبو العباس المحبوبي ، ثنا أحمد بن سيار ، ثنا محمد بن كثير ، ثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عمن ، سمع ابن عباس ، يقول في قول الله عز وجل ( وهم ينهون عنه ، وينأون عنه  ) ، قال : نزلت في أبي طالب كان « ينهى المشركين أن يؤذوه وينأى عنه »

ولذلك لم يرث ابا طالب أحدًا ممن أسلم من ولده وإنما ورثه من لم يسلم منهم قال ابن سعد (1/124)  أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب أن علي بن الحسين أخبره أن أبا طالب توفي في عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلم يرثه جعفر ولا علي وورثه طالب وعقيل، وذلك بأنه لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم .

[572] - ابن سعد (1/122) ): أخبرنا محمد بن عمر، وحدثني محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري عن أبيه عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري به... وشيخه الواقدي متروك . وعبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري له رؤية ولم  يثبت له سماع.كما قال الحافظ في التقريب

[573] -  ابن هشام(2/47) وفي سنده راو مبهم. وهو مخالف للأحاديث الصحيحة السابقة.

وذكر السهيلي في الروض الأنف(2/223)  أنه لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة العباس لأخيه أنه قال الكلمة وقال صلى الله عليه وسلم لم أسمع لأن العباس كان إذ ذاك كافرًا غير مقبول الشهادة.

قلت : الخبر بذلك لا يصح لجهالة في سنده كما تقدم ومما يدل على ذلك أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب فهو يعلم إذًا أنه مات كافرًا وإلا لما كان لسؤاله معنى. وبفرض صحته لعله قال ذلك عند معاينة الملك بعد الغرغرة حين لا ينفع نفسًا إيمانها والله أعلم .

و الحديث قد ضعفه ابن حجر  مع الأحاديث الضعيفة المذكورة بعده هنا .أنظر كتابه الإصابة في تمييز الصحابة  (7 / 236-238)

 

([574])  ابن عدي في الكامل في الضعفاء (1/260) في ترجمة (إبراهيم بن عبد الرحمن الخوارزمي) قال:حدثنا محمد بن هارون بن حميد حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة حدثنا الفضل بن موسى السيناني عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس... وقال ابت عدي : يروي عنه الفضل بن موسى السيناني وعيسى بن موسى الغنجار ومحمد بن سلام البيكندي ، ليس بمعروف وأحاديثه عن كل من روى ليست بمستقيمة ....قال الشيخ: وإبراهيم هذا قد حدث عنه الغنجار بغير حديث وعامة أحاديثه غير محفوظة .أهـ ونقل الذهبي في الميزان كلام ابن عدي هذا واعتمده.

وقال ابن حجر في الإصابة(7/239): - بعد أن ضعف هذاا الخبر-:ليس في قوله: " وصلتك رحم " ما يدل على إسلامه بل فيه ما يدل على عدمه وهو معارضته لجنازته ولو كان أسلم لمشى معه وصلى عليه. وقد ورد ما هو أصح منه وهو ما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة من طريق ناجية بن كعب عن علي قال لما مات أبو طالب أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت إن عمك الضال قد مات فقال لي اذهب فواره ولا تحدثني شيئا حتى تأتين ففعلت ثم جئت فدعا لي بدعوات

وقد ورد ما هو أصح منه وهو ما أخرجه أبو داود والنسائي -وصححه ابن خزيمة - من طريق ناجية بن كعب عن علي قال: لما مات أبو طالب أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن عمك الضال قد مات فقال لي: " اذهب فواره ولا تحدثني شيئاً حتى تأتيني " . ففعلت ثم جئت فدعا لي بدعوات.

([575])  تاريخ اليعقوبي(2/35) دار صادر – بيروت.وذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة(ص323) وقال: رواه الخطيب عن ابن عباس مرفوعًا وقال باطل

[576] -  أخرجه أحمد (1/99 ، رقم 776) قال:حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِى هَاشِمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ - يَعْنِى ابْنَ كُهَيْلٍ - قَالَ سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِىِّ به.. وأخرجه أبو داود الطيالسى (1/26 ، رقم 188) عن يحيى بن سلمة به ، وأخرجه أبو يعلى ، والحاكم [أنظر:كنز العمال 36400].وأخرجه البزار(رقم 751) وقال: وَهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نَعْلَمُهُ يُرْوَى إِلاَّ عَنْ عَلِيٍّ ، وَلاَ نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ حَبَّةَ ، إِلاَّ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ أهـ .قلت:  قال شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف جدا .و قال : و علق الذهبي على نحو هذا في تلخيص المستدرك بقوله : " هذا باطل لأن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) من أول ما أوحي إليه آمن به خديجة وأبو بكر وبلال وزيد مع علي قبله بساعات أو بعده بساعات وعبدوا الله مع نبيه فأين السبع سنين ولعل السمع أخطأ فيكون أمير المؤمنين قال : عبدت الله ولي سبع سنين ولم يضبط الراوي ما سمع ثم حبة شيعي جلد قد قال ما يعلم بطلانه من أن عليا شهد معه صفين ثمانون بدريا "

 

[577] - وفى النهاية مادة (ك ب س) (في حديث عقيل ان قريشا قالت لأبي طالب..فاستخرجته من كبس) الكبس بالكسر بيت صغير ويروى بالنون من الكناس وهو بيت الظبى)

[578] -  البخاري في التاريخ الكبير(7/50- ترجمة عقيل بن أبى طالب رقم  230 )،قال: قال محمد بن العلاء نا يونس قال حدثنى طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن موسى قال اخبرني عقيل بن ابى طالب

[579] -  ذكر ذلك  ابن حجر في الإصابة: (7 / 242)  وقال:وقد وقعت لنا رواية أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما أخرجه الخطيب في كتاب رواية الآباء عن الأبناء من طريق أحمد بن الحسن المعروف بدبيس حدثنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم العلوي حدثني عم أبي الحسين بن محمد عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي قال سمعت أبا طالب يقول حدثني محمد بن أخي وكان والله صدوقا قال قلت له بم بعثت يا محمد قال بصلة الأرحام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة قال الخطيب لم أكتبه بهذا الإسناد إلا عن هذا الشيخ ودبيس المقرىء صاحب غرائب وكثير الرواية للمناكير

 

 وقال الخطيب أيضا أخبرنا أبو نعيم حدثنا محمد بن فارس بن حمدان حدثنا علي بن السراج البرقعيدي حدثنا جعفر بن عبد الواحد القاص قال قال لنا محمد بن عباد عن إسحاق بن عيسى عن مهاجر مولى بني نوفل سمعت أبا رافع أنه سمع أبا طالب يقول حدثني محمد أن الله أمره بصلة الأرحام وأن يعبد الله وحده ولا يعبد معه أحد ومحمد عندي الصدوق الأمين

قال الخطيب: لا يثبت هذا الحديث أهل العلم بالنقل وفي إسناده غير واحد من المجهولين وجعفر ذاهب الحديث

 ثم ذكر الرافضي من طريق راشد الحماني قال سئل أبو عبد الله يعني جعفر بن محمد الصادق من أهل الجنة فقال: الأنبياء في الجنة والصالحون في الجنة والأسباط في الجنة وأجل العالمين مجدا محمد صلى الله عليه و سلم يقدم آدم فمن بعده من آبائه وهذه الأصناف يحدثون به ويحشر عبد المطلب به نور الأنبياء وجمال الملوك ويحشر أبو طالب في زمرته فإذا ساروا بحضرة الحساب وتبوأ أهل الجنة منازلهم ودحر أهل النار ارتفع شهاب عظيم لا يشك من رآه أنه غيم من النار فيحضر كل من عرف ربه من جميع الملل ولم يعرف نبيه ومن حشر أمة وحده والشيخ الفاني والطفل فيقال لهم إن الجبار تبارك وتعالى يأمركم أن تدخلوا هذه النار فكل من اقتحمها خلص إلى أعلى الجنة ومن كع عنها غشيته.

أخرجه عن أبي بشر أحمد بن إبراهيم بن يعلى بن أسد عن أبي صالح الحمادي عن أبيه عن جده سمعت راشد الحماني فذكره..

وهذه سلسلة شيعية غلاة في رفضهم والحديث الأخير ورد من عدة طرق في حق الشيخ الهرم ومن مات في الفترة ومن ولد أكمه أعمى أصم ومن ولد مجنونا أو طرأ عليه الجنون قبل أن يبلغ ونحو ذلك وأن كلا منهم يدلي بحجة ويقول لو عقلت أو ذكرت لآمنت فترفع لهم نار ويقال لهم ادخلوها فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن امتنع أدخلها كرها هذا معنى ما ورد من ذلك وقد جمعت طرقه في جزء مفرد ونحن نرجو أن يدخل عبد المطلب وآل بيته في جملة من يدخلها طائعا فينجو لكن ورد في أبي طالب ما يدفع ذلك وهو ما تقدم من آية براءة وما ورد في الصحيح عن العباس بن عبد المطلب أنه قال للنبي صلى الله عليه و سلم ما أغنيت عن عمك أبي طالب فإنه كان يحوطك ويغضب لك فقال هو في ضحضاح من النار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل فهذا شأن من مات على الكفر فلو كان مات على التوحيد لنجا من النار أصلا والأحاديث الصحيحة والأخبار المتكاثرة طافحة بذلك وقد فخر المنصور على محمد بن عبد الله بن الحسن لما خرج بالمدينة وكاتبه المكاتبات المشهورة ومنها في كتاب المنصور وقد بعث النبي صلى الله عليه و سلم وله أربعة أعمام فآمن به اثنان أحدهما أبي وكفر به اثنان أحدهما أبوك ومن شعر عبد الله بن المعتز يخاطب الفاطميين ... وأنتم بنو بنته دوننا ... ونحن بنو عمه المسلم

 وأخرج الرافضي أيضا في تصنيفه قصة وفاة أبي طالب من طريق علي بن محمد بن متيم سمعت أبي يقول سمعت جدي يقول سمعت علي بن أبي طالب يقول تبع أبو طالب عبد المطلب في كل أحواله حتى خرج من الدنيا وهو على ملته وأوصاني أن أدفنه في قبره فأخبرت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال اذهب فواره وأتيته لما أنزل به فغسلته وكفنته وحملته إلى الحجون فنبشت عن قبر عبد المطلب فوجدته متوجها إلى القبلة فدفنته معه قال متيم ما عبد علي ولا أحد من آبائه إلا الله إلى أن ماتوا أخرجه عن أبي بشر المتقدم ذكره عن أبي بردة السلمي عن الحسن بن ما شاء الله عن أبيه عن علي بن محمد بن متيم وهذه سلسلة شيعية من الغلاة في الرفض فلا يفرح به وقد عارضه ما هو أصح منه مما تقدم فهو المعتمد

ومن طريق إسحاق بن عيسى الهاشمي عن أبيه سمعت المهاجر مولى بني نفيل يقول سمعت أبا رافع يقول سمعت أبا طالب يقول سمعت بن أخي محمد بن عبد الله يقول إن ربه بعثه بصلة الأرحام وأن يعبد الله وحده لا يعبد معه غيره ومحمد الصدوق الأمين

  ومن طريق عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن علي أنه لما أسلم قال له أبو طالب الزم بن عمك

 ومن طريق أبي عبيدة معمر بن المثنى عن رؤبة بن العجاج عن أبيه عن عمران بن حصين أن أبا طالب قال لجعفر بن أبي طالب لما أسلم قبل جناح بن عمك فصلى جعفر مع النبي صلى الله عليه و سلم

ومن طريق محمد بن زكريا الغلابي عن العباس بن بكار عن أبي بكر الهذلي عن الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس قال: جاء أبو بكر بأبي قحافة وهو شيخ قد عمى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا تركت الشيخ حتى آتيه قال أردت

أن يأجره الله والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحا بإسلام أبي طالب مني بإسلام أبي ألتمس بذلك قرة عينك

 وأسانيد هذه الأحاديث واهية وليس المراد بقوله في الحديث الأخير إثبات إسلام أبي طالب فقد أخرج عمر بن شبة في كتاب مكة وأبو يعلى وأبو بشر سمويه في فوائده كلهم من طريق محمد بن سلمة عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس في قصة إسلام أبي قحافة قال: فلما مد يده يبايعه بكى أبو بكر فقال النبي صلى الله عليه و سلم ما يبكيك قال : لأن تكون يد عمك مكان يده ويسلم ويقر الله عينك أحب إلي من أين يكون .وسنده صحيح.  وأخرجه الحاكم من هذا الوجه وقال : صحيح على شرط الشيخين.

وأما قول أبي بكر فمراده: لأنا كنت أشد فرحا بإسلام أبي طالب -أي لو أسلم- مني بإسلام أبي. ويبين ذلك ما أخرجه أبو قرة موسى بن طارق عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال جاء أبو بكر بأبي قحافة يقوده يوم فتح مكة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا تركت الشيخ حتى نأتيه قال أبو بكر أردت أن يأجره الله والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحا بإسلام أبي طالب - لو كان أسلم - مني بأبي .أهـ الإصابة في تمييز الصحابة - (7/238-243))

 

([580]) السيرة النبوية للذهبي(1/266)           

([581]) البداية والنهاية لابن كثير(3/ 156) ط-إحياء التراث العربي.وسنده صحيح لكنه مرسل.وانظر السيرة النبوية الصحيحة للذهبي(1/266)                                                       

وفي وفاة خديجة ذكر ابن سعد في الطبقات(8/14- ط دار الكتب العلمة ببيروت) أكثر من رواية وبأسانيد مختلفة كلها عن محمد بن عمر الواقدي:1- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالا :توفيت خديجة لعشر خلون من شهر رمضان وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين وهي يومئذ بنت خمس وستين سنة.

2- وعنه من طريق عروة عن عائشة قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين.

3- وعَنْه من طريق مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ، مَوْلَى الزُّبَيْرِ قَالَ سَمِعْتُ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ يَقُولُ: " تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ النُّبُوَّةِ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ بِنْتُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً فَخَرَجْنَا بِهَا مِنْ مَنْزِلِهَا حَتَّى دَفَنَّاهَا بِالْحَجُونِ وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فِي حُفْرَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ يَوْمَئِذٍ سُنَّةُ الْجِنَازَةِ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا قِيلَ وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَبَا خَالِدٍ قَالَ: قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَوَاتٍ ثَلَاثٍ أَوْ نَحْوِهَا وَبَعْدَ خُرُوجِ بَنِي هَاشِمٍ مِنَ الشِّعْبِ بِيَسِيرٍ. أهـ

 

([582]) السيرة النبوية للذهبي(1/266)           

([583]) انظر: محنة المسلمين في العهد المكي، ص36: 45.

[584] - سيرة ابن هشام(1/151)،و الحديث صحيح، وقد أخرجه أحمد(1/205) من طريق ابن إسحاق به وقال الأرنؤوط: حديث صحيح وهذا إسناد حسن .أهـ.

([585])- رواه البخاري( 3819) قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ به..وأخرجه مسلم (  2433) في فضائل الصحابة باب فضائل خديجة رضي الله عنها.قوله:(صخب) هو الصوت المختلط المرتفع. (نصب) هو المشقة والتعب.

     

[586] - رواه البخاري(  3816):حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة به..َ وأخرجه مسلم(2435)

[587] - رواه البخاري(3817):حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ..

[588] - البخاري(3818 ) قال:  حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَنٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ

[589] - البخاري (3820 )قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.. وأخرجه مسلم (رقم 2432)في فضائل الصحابة باب فضائل خديجة رضي الله عنها..

 

[590] - رواه البخاري (3821 ) قال: وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.وأخرجه مسلم (2437).

 الشرح: (فعرف استئذان خديجة) تذكره لشبه صوتها بصوتها رضي الله عنهما. (فارتاع لذلك) تغير واهتز سرورا بذلك. وأصل ارتاع من الروع وهو الفزع وليس مرادًا هنا ، وقد يكون المعنى تغير حزنا لتذكره فراقها. (اللهم هالة) أي اجعلها يا الله هالة أو هي هالة. (حمراء الشدقين) الشدق جانب الفم أرادت أنها عجوز كبيرة جدًا قد سقطت أسنانها من الكبر ولم يبق في فمها بياض من الأسنان وإنما حمرة اللثاث. (هلكت في الدهر) ماتت وذهبت في غابر الأيام ولم يبق لها وجود.

[591] - البخاري ( 3815) حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ح حَدَّثَنِي صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ عن علي بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكره . وقد أخرجه مسلم(2430) في فضائل الصحابة باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها .وقوله:(خير نسائها) أي نساء الدنيا في زمانها.

[592] - رواه اسحاق بن راهويه في مسنده(2/ 587 رقم 1164 )أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، نا أَبُو سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ .والحديث بنفس السند في مسند أحمد (6 / 210 و 211)و هو في طبعة الرسالة  للمسند (برقم 25769 –ت الأرنؤوط)وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن، من أجل محمد بن عمرو، وهو ابنُ عَلْقَمَة بن وقَّاص، وقد روى له البخاري مقروناً، ومسلمٌ متابعة، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير يحيى، وهو ابن عبد الرحمن بن حاطب، فمن رجال مسلم، وهو ثقة. وأبو سلمة: هو ابنُ عبد الرحمن بن عوف. وقد وهم الهيثميُّ في "مجمع الزوائد" 9/225-226، فظن أن أكثر الحديث مرسل، وبعضه متصل، وإنما هو متصلٌ كله، وأشار أبو سلمة ويحيى إلى اتصاله قبل نهاية الحديث عند قولهما: قالت عائشة. فظهر أنهما إنما رويا هذا الحديث عنها، وأشار إلى اتصاله الحافظُ في "أطراف المسند" 9/274، وفي "الفتح" 7/225، وحسَّن إسناده، وصُرِّح باتصاله في مصادر التخريج،.

. قلت: وقد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ في الدلائل (2 / 411 )متصلا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الجبَّار، حدَّثنا عبد الله بن إدريس الأزدي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ.قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَمَّا مَاتَتْ خَدِيجَةُ جَاءَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم  فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَزَوَّجُ؟ قَالَ: وَمَنْ؟ قَالَتْ إِنْ شِئْتَ بِكْرًا وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا.. وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ..وصرح باتصاله ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 163)

 

[593] - انظر :الآية الكبرى في شرح الأسرا للسيوطي و الرحيق المختوم للمباركفوري

[594] - مسلم (162 ) حدثنا شيبان بن فروخ، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني عن أنس ..وأخرجه أحمد (12505) عن حسن بن موسى عن حماد به..وأخرجه وأبو يعلى (3375) و (3450) و (3451) و (3499) ، وأبو عوانة 1/126-128، والبيهقي في "دلائل النبوة" 2/382-384، والبغوي (3753) من طرق عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد -وهو في المواضع الثلاثة الأولى عند أبي يعلى مقطع.

وأخرجه أبو عوانة 1/125-126 من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس

 

[595] - البخاري(349) حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن أنس به.. وطرفاه 1636 ، 3342 تحفة 1556 ، 11901 ، 6573 ل - 98/1..وأخرجه مسلم(163)

 

[596] - زاد أحمد-هنا- في روايته:( قال قتادة: وحدثني الحسن، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف مَلَك ثم لا يعودون فيه، ثم رجع الى حديث أنس)

 

 

[597] - البخاري( 3887 ) حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا به. وأخرجه أحمد في المسند (17835-ط الرسالة) حدثنا عفان، حدثنا همام، به ورواه مسلم رقم 164. . وانظر تفسيرابن كثير 5\13-15.ط:دار طيبة

شرح: (الحطيم) هو الحجر. (ثغرة نحره) الفجوة التي بين الترقوتين أعلى الصدر وأسفل العنق. (شعرته) شعر العانة. (الفطرة) أصل الخلقة التي يكون عليها كل مولود إذ يكون اللبن أول ما يدخل جوفه ويشق أمعاءه.

 

[598] -  يعني أن هناك كلاما فات زر بن حبيش ـ قبل أن ياتي مجلس حذيفةـ رضي الله عنه.

[599] -أخرجه أحمد(5/387رقم 23333 )حدثنا أبو النضر، حدثنا شيبان، عن عاصم، عن زر بن حبيش، قال: أتيت على حذيفة بن اليمان فذكره.. وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن من أجل عاصم -وهو ابن بهدلة- وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين.

وأخرجه تاماً ومختصراً الحميدي (448) ، والترمذي (3147) وصححه من طريق مسعر ابن كدام، وابن حبان (45) من طريق حماد بن زيدٍ، والحاكم 2/359 من طريق أبي بكر بن عياش، ثلاثتهم عن عاصم، به. وأخرجه مختصراً البزار في "مسنده" (2915) من طريق أبي أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري، عن شيبان بن عبد الرحمن، بهذا الإسناد.

ورواه أحمد مختصراً من طريق سفيان، و من طريق حماد بن سلمة، كلاهما عن عاصم بن بهدلة.

وفي الباب عن أنس بن مالك عند مسلم وأحمد وفيه: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما جاء بيت المقدس ربط الدابة بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء، ثم صلَّى فيه ركعتين.

 

قال السندي: قوله: "فلم يدخلاه" هذا من كلام حذيفة أي: هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجبريل.

"فلج" أي: غلب بالحجة.

"ووعد الآخرة" أي: موعود الآخرة.

"أنه ربطه" أي: البراق.

"أليفر منه؟! " بكسر اللام ونصب المضارع، أي: أكان، لك الربط لخوف أن يفرَّ منه.

[600] -  قال ابن كثير في تفسيره(5/21):  وهذا الذي قاله حذيفة، رضي الله عنه، نفي، وما أثبته غيره، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربط الدابة بالحلقة ومن الصلاة بالبيت المقدس، مما سبق وما سيأتي، مقدم على قوله، والله أعلم بالصواب.أهـ

 وقال الإمام الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 12/544: وكان ما رويناه عن ابن مسعود، وأنس، وأبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إثباتِ صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هناك أولى من نفي حذيفة أن يكون صلَّى هناك، لأن إثبات الأشياء أولى من نفيها، ولأن الذي قاله حذيفة: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو كان صلى هناك، لوجب على أمته أن يأتوا ذلك المكان، ويصلوا فيه كما فعل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن ذلك مما لا حجة لحذيفة فيه، إذ كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كان يأتي مواضع، ويصلي فيها، لم يكتب علينا إتيانها، ولا الصلواتُ فيها.وبنحوه قال الإمام البيهقي في "دلائل النبوة" 2/365

 

[601] -  أحمد(1/ 309رقم 2819 ) حدثنا محمد بن جعفر، وروح قالا: حدثنا عوف، عن زرارة بن أوفى عن ابن عباس (وقال الأرنؤوط:إسناده صحيح على شرط الشيخين) قال الهيثمي في المجمع (1/65) " ورجال أحمد رجال الصحيح".  وأخرجه ابن أبي شيبة(6/312رقم 31700) والنسائي في "الكبرى" (11285) وأخرجه البزار (56- كشف الأستار) من طريق محمد بن جعفر وحده، بهذا الإسناد.

 

[602] -البخاري رقم(3886) حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن سمعت جابر ..وأيضًابرقم(4433) ومسلم(170)والترمذي(3133) وأحمد(3/377) وغيرهم.

[603] -  الغَدْوة : المرّة من الغُدُوّ، وهو سير أوّل النهار. .أما الروحة : السير بعد الزوال

[604] -  دلائل النبوة للبيهقي( 2/360-361) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا مكرم بن أحمد القاضي، حدثنا إبراهيم بن هيثم البلدي، حدثنا محمد بن كثير الصنعاني، حدثنا معمر بن راشد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.. ورواه الحاكم في المستدرك  (3/62-63) وقال: " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " ووافقه الذهبي.

 

[605] -  أحمد (3/ 224) حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان حدثني راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير عن أنس وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم من جهة عبد الرحمن بن جبير. وأخرجه الضياء في "المختارة" (2285) من طريق عبد الله بن أحمد، عن أبيه، بهذا الإسناد.

وأخرجه أبو داود (4878) و (4879) ، وابن أبى الدنيا في "الصمت " (577) ، والطبراني في "الأوسط " (8) ، وفي "الشاميين " (932) ، والبيهقي في "الشعب " (6716) ، وفي "الآداب " (138) ، والبغوي في "التفسير " 4/216، والضياء (2286) من طريق أبي المغيرة عبد القدوس الخولاني، به.

وأخرجه أبو داود (4878) ، والبيهقي في "الشعب " (6716) ، وفي "الآداب " (138) من طريق بقية، عن صفوان، به... والحديث صححه الألباني

 

[606] - البخاري(3232 )حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة حدثنا أبو إسحاق الشيباني قال سألت زر بن حبيش به. طرفاه 4856 ، 4857 تحفة 9205 وأخرجه مسلم(174)

[607] - البخاري رقم(3233) حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله.. وأيضًا أخرجه من طريق سفيان عن الأعمش به برقم (4858)

[608] - البخاري(3235) حدثني محمد بن يوسف حدثنا أبو أسامة حدثنا زكرياء بن أبي زائدة عن ابن الأشوع عن الشعبي عن مسروق به.. وأطرافه 3234 ، 4612 ، 4855 ، 7380 ، 7531 تحفة 17618 .ورواه مسلم(177)

[609] - مسلم(177) حدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن داود عن الشعبي عن مَسْرُوقٍ، به.. وأخرجه الترمذي(3068) والنسائي في الكبرى(11147)

[610] - مسلم(178) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن قتادة عن عبدالله بن شقيق عن أبي ذر به.. والرواية الأخرى لمسلم قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِي ح، وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا عفَّانُ بْنُ مُسْلمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ كِلَاهمَا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: قُلْتَ لِأَبِي ذرٍّ، لَوْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: عَنْ أيِّ شيْءٍ كُنْتَ تَسْأَلُهُ؟ قَالَ: كُنْتُ أَسْأَلُهُ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ أَبُو ذَرٍّ: قَدْ سَأَلْتُ، فَقَالَ: «رَأَيْتُ نُورًا»..والحديث رواه أحمد(5/ 157) و ابن حبان(1/ 254) وقال : معناه أنه لم ير ربه ولكن رأى نورا علويًا من الأنوار المخلوقة.

[611] - شرح النووي على مسلم(3/12)

[612] - أحمد(1/285) حدثنا الأسود بن عامر، حدثنا حمّاد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس به  وصححه شاكر برقم 2580. وقال شعيب الأرنؤوط : صحيح موقوفا . وهذا إسناد رجاله رجال الصحيح .... ثم ذكر الأرنؤوط – في تخريجه للمسند- حال حماد بن سلمة كقول ابن سعد في الطبقات : ثقة كثير الحديث ربما حدث بالحديث المنكر . وقول البيهقي في الخلافيات - نقلا عن الذهبي في السير - : لما طعن في السن ساء حفظه ...فالاحتياط ألا يحتج به فيما يخالف الثقات.

قلنا ( الأرناؤوط ) : وفي هذا الحديث عند ابن عدي ومن طريقه البيهقي ألفاظ منكرة في صفة الرب تعالى عن ذلك علوا كبيرا تمنع القول بصحته من هذا الطريق وإنما صححنا هذا الحرف الذي أورده المؤلف لاختلافهم في رفعه ووقفه ولأنه ثبت عن ابن عباس من قوله من غير طريق : أن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) رأى ربه عز وجل وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (440) عن أحمد بن محمد المروزي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل في "السنة" (563) عن محمد بن منصور، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (817) من طريق الفضل بن يعقوب، وابن عدي في "الكامل" 2/677، ومن طريقه البيهقي في "الأسماء والصفات" ص 444-445 و445 من طريق محمد بن رافع ومحمد بن رزق الله والنضر بن سلمة، ستتهم عن أسود بن عامر، بهذا الإسناد. ووقفه محمد بن منصور والنضر بن سلمة على ابن عباس.

وأخرجه الآجري في "الشريعة" ص 494، وابن عدي في "الكامل" 2/677 والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص 444 من طريقين عن حماد بن سلمة، به.

 

[613] - الحاكم في المستدرك(1/133) أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أنبأ هشام بن علي السدوسي ثنا سهل بن بكار ثنا هشام بن عبد الله قال:

(و أخبرنا الحسين بن محمد بن زياد ثنا محمد بن يسار و محمد بن المثنى قالا : ثنا معاذ بن هشام) حدثني أبي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس .. وقال الحاكم :هذا حديث صحيح على شرط البخاري و لم يخرجاه. ووافقه الذهبي.. وأخرجه ابن أبي عاصم (442) ، والنسائي في "الكبرى" (11539) ، وابن خزيمة في "التوحيد" (272) ، وابن منده في "الإيمان" (762) ، واللالكائي (905) من طريق هشام الدستوائي،به. وقد أخرجه الطبراني في الكبير(11/ 361) والأوسط(9/ 152) بلفظ (..جعل الكلام لموسى والخلة لإبراهيم والنظر لمحمد) وفي سنده حفص بن عمر العدني.ذكره العقيلي في الضعفاء (1/273) برقم 338.وقال: ( حفص بن عمر العدني يعرف بالفرخ لا يقيم الحديث) وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/182): سألت أبي عنه فقال:لين الحديث) وذكره ابن حبان البستي في المجروحين(1/257)برقم 253 وقال: ( كان ممن يقلب الأسانيد قلبًا ، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد)

وأخرج الترمذي (3279) ، وابن أبي عاصم (437) ، والنسائي (11537) ، وابن خزيمة (273) و (274) ، والطبراني (11619) من طرق عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه، قلت: أليس الله يقول: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) ؟ قال: ويحك، ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره. قال: وقال: رأى محمد ربه تبارك وتعالى مرتين. وفيه الحكم بن أبان، قال الحافظ في "التقريب": صدوق، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

وأخرجه ابن أبي عاصم (435) ، وابن خزيمة (278) ، وابن منده (760) من طريق عاصم الأحول، عن الشعبي وعكرمة، عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه. وهذا إسناد صحيح. ووقع في "السنة" لابن أبي عاصم وبعض نسخ "التوحيد": عن الشعبي، عن عكرمة، وهذا صحيح أيضاً، وهو من المزيد في متصل الأسانيد.

وأخرجه ابن أبي عاصم (434) ، والطبري 27/52 من طريق أسباط بن نصر، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: (ولقد رآه نزلة أخرى) قال: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى ربه عز وجل. فقال له رجل: أليس قد قال: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) ؟ فقال له عكرمة: أليس ترى السماء؟ قال: بلى. قال: فكلها ترى؟ وهذا إسناد ضعيف، أسباط بن نصر كثير الخطأ، ورواية سماك عن عكرمة فيها اضطراب.

وأخرجه الترمذي (3280) ، وابن أبي عاصم (439) ، وابن خزيمة (284) ، وابن حبان (57) ، والطبراني (10727) ، والآجري ص 491، والبيهقي ص 442 من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن ابن عباس (ولقد رآه نزلة أخرى) قال: رأى ربه تبارك وتعالى. وقال الترمذي: حديث حسن. وهو عند أحمد برقم (2634) ،

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 6/509-510: وأما الرؤية فالذي ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: "رأى محمد ربه بفؤاده مرتين" وعائشة أنكرت الرؤية، فمن الناس من جمع بينهما فقال: عائشة أنكرت رؤية العين، وابن عباس أثبت رؤية الفؤاد.

والألفاظ الثابتة عن ابن عباس هي مطلقة، أو مقيدة بالفؤاد، تارة يقول: رأى محمد ربه، وتارة يقول: رآه محمد؛ ولم يثبت عن ابن عباس لفظ صريح بأنه رآه بعينه.

وكذلك الإمام أحمد، تارة يطلق الرؤية، وتارة يقول: رآه بفؤاده؛ ولم يقل أحد أنه سمع أحمد يقول رآه بعينه؛ لكن طائفة من أصحابه سمعوا بعض كلامه المطلق، ففهموا منه رؤية العين؛ كما سمع بعض الناس مطلق كلام ابن عباس، ففهم منه رؤية العين.

وليس في الأدلة ما يقتضي أنه رآه بعينه، ولا ثبت ذلك عن أحد من الصحابة، ولا في الكتاب والسنة ما يدل على ذلك؛ بل النصوص الصحيحة على نفيه أدل، كما في "صحيح مسلم" (178) عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل رأيت ربك؟ فقال: "نور، أنى أراه".

وقد قال تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريَه من آياتنا) ، ولو كان قد أراه نفسه بعينه لكان ذكر ذلك أولى.

وكذلك قوله: (أفتمارونه على ما يرى) ، (لقد رأَى من آيات ربه الكبرى) ، ولو كان رآه بعينه لكان ذكر ذلك أولى.

وفي "الصحيحين" عن ابن عباس في قوله: (وما جعلنا الرؤية التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن) ، قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة أسري

به، وهذه رؤيا الآيات، لأنه أخبر الناس بما رآه بعينه ليلة المعراج، فكان ذلك فتنة لهم، حيث صدقه قوم وكذبه قوم، ولم يخبرهم بأنه رأى ربه بعينه وليس في شيء من أحاديث المعراج الثابتة ذكر ذلك، ولو كان قد وقح ذلك لذكره كما ذكر ما دونه.

وقد ثبت بالنصوص الصحيحة واتفاق سلف الأمة أنه لا يرى الله أحد في الدنيا بعينه، إلا ما نازع فيه بعضهم من رؤية نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة واتفقوا على أن المؤمنين يرون الله

يوم القيامة عياناً، كما يرون الشمس والقمر. وانظر "زاد المعاد" 3/37.

وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" 10/114 في قوله: "رأيت ربي": ما قَيد الرؤية بالنوم، وبعض من يقول: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى ربه ليلة المعراج يحتج بظاهر الحديث، والذي دلَ عليه الدليلُ عدمُ الرؤية مع إمكانها، فنقفُ عن هذه المسألة، فإن من حُسْن إسلام المرء تركَه ما لا يعنيه، فإثباتُ ذلك أو نفيه صعب، والوقوف سبيلُ السلامة، والله أعلم، وإذا ثبت شيء قلنا به، ولا نُعنفُ من أثبت الرؤيةَ لنَبِينا في الدنيا، ولا من نفاها، بل نقول: الله ورسوله أعلمُ، بلى نُعَنفُ ونُبَدعُ مَن أنكر الرؤيةَ في الآخرةِ، إذ رؤيةُ الله في الآخرة ثبَتَت بنصوص متوافرة.

 

[614] - مسلم  ( 176 ) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج جميعا عن وكيع قال الأشج حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن زياد بن الحصين أبي جهمة عن أبي العالية عن ابن عباس به.

[615] - بعض الدروس المستفادة من رحلة الإسراء والمعراج :

1- بعد كل محنة منحة، وقد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحن عظيمة، فهذه قريش قد سدت الطريق في وجه الدعوة  ، وأحكمت الحصار ضد الدعوة ورجالاتها من كل جانب، وأصبح النبي صلى الله عليه وسلم في خطر بعد وفاة عمه أبي طالب أكبر حُماته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ماضٍ في طريقه، صابر لأمر ربه, لا تأخذه في الله لومة لائم ولا حرب محارب، ولا كيد مستهزئ ، وكذلك أوذي الرسول في الطائف، فقد آن الأوان للمنحة العظيمة، فجاءت حادثة الإسراء والمعراج على قدر من رب العالمين، فيعرج به من دون الخلائق جميعًا، ويكرمه على صبره وجهاده، ويلتقي به مباشرة دون رسول ولا حجاب، ويطلعه على عوالم الغيب دون الخلق كافة، ويجمعه مع إخوانه من الرسل في صعيدٍ واحد, فيكون الإمام والقدوة لهم وهو
خاتمهم وآخرهم.

2- إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مُقدمًا على مرحلة جديدة، مرحلة الهجرة، والانطلاق لبناء الدولة، يريد الله تعالى لِلَّبِنَات الأولى في البناء أن تكون سليمة قوية متراصة متماسكة، فجعل الله هذا الاختبار والتمحيص، ليخلص الصف من الضعاف المترددين، والذين في قلوبهم مرض، ويثبت المؤمنين الأقوياء الخلص الذين لمسوا عيانا صدق نبيهم بعد أن لمسوه تصديقًا، وشهدوا مدى كرامته على ربه، فأي حظ يحوطهم وأي سعد يغمرهم وهم حول هذا النبي المصطفى وقد آمنوا به, وقدموا حياتهم فداء له ولدينهم، كم يترسخ الإيمان في قلوبهم أمام هذا الحدث الذي تم بعد وعثاء الطائف، وبعد دخول مكة بجوارٍ وبعد أذى الصبيان والسفهاء.

3- إن شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم العالية تتجسد في مواجهته للمشركين بأمر تنكره عقولهم ولا تدركه في أول الأمر تصوراتهم, ولم يمنعه من الجهر به الخوف من مواجهتهم, وتلقي نكيرهم واستهزائهم فضرب بذلك صلى الله عليه وسلم لأمته أروع الأمثلة في الجهر بالحق أمام أهل الباطل, وإن تحزبوا ضد الحق وجندوا لحربه كل ما في وسعهم، لذلك لما قالت له أم هانئ لا تخبرهم فيكذبوك . فقال صلى الله عليه وسلم (وإن كذبون)

وكان من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الحجة على المشركين بأن حدثهم عن إسرائه إلى بيت المقدس، وأظهر الله له علامات تلزم الكفار بالتصديق  .فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم  لهم بيت المقدس،عندما طلبوا منه ذلك، وقد أقروا بصدق الوصف ومطابقته للواقع الذي يعرفونه.

وفي بعض الأحاديث الضعيفة أنه أخبرهم عن العير التي بالروحاء، والبعير التي أضلوه، وما قام به من شرب الماء الذي في القدح. و إخباره عن العير الثانية التي نفرت فيها الإبل ووصفه الدقيق لأحد جمالهم. و إخباره عن العير الثالثة التي بالأبواء ووصفه الجمل الذي يقدمها، وإخباره
بأنها تطلع ذلك الوقت من ثنية التنعيم، وقد تأكد المشركون فوجدوا أن ما أخبرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم كان صحيحًا فهذه الأدلة الظاهرة كانت مفحمة لهم ولا يستطيعون معها أن يتهموه بالكذب،

4-كانت هذه الرحلة العظيمة, تربية ربانية رفيعة المستوى, وأصبح صلى الله عليه وسلم يرى الأرض كلها بما فيها من مخلوقات نقطة صغيرة في ذلك الكون الفسيح، ثم ما مقام كفار مكة في هذه النقطة؟ إنهم لا يمثلون إلا جزءًا يسيرًا جدًا من هذا الكون، فما الذي سيفعلونه تجاه من اصطفاه الله تعالى من خلقه, وخصه بتلك الرحلة العلية الميمونة وجمعه بالملائكة والأنبياء عليهم السلام، وأراه السماوات السبع وسدرة المنتهى والبيت المعمور وكلمه جلا وعلا)؟

5- يظهر إيمان الصديق رضي الله عنه القوي في هذا الحدث الجلل، فعندما أخبره الكفار قال بلسان الواثق، لئن كان قال ذلك لقد صدق، ثم قال: إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة، وبهذا استحق لقب الصديق، وهذا منتهى الفقه واليقين، حيث وازن بين هذا الخبر ونزول الوحي من السماء، فبين لهم أنه إذا كان غريبا على الإنسان العادي فإنه في غاية الإمكان بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم .

6- إن شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن حين خير بينه وبين الخمر، وبشارة جبريل عليه الصلاة والسلام: هديت للفطرة، تؤكد أن هذا الإسلام دين الفطرة البشرية التي ينسجم معها، فالذي خلق الفطرة البشرية خلق لها هذا الدين الذي يلبي نوازعها واحتياجاتها، ويحقق طموحاتها ويكبح جماحها { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [الروم: 30].

7- إن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء إمامًا دليل على أنهم سلموا له بالقيادة والريادة، وأن شريعة الإسلام نسخت الشرائع السابقة، وأنه وسع أتباع هؤلاء الأنبياء ما وسع أنبياءَهم أن يسلموا بالقيادة لهذا الرسول ولرسالته التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها كما في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}[البقرة:81] وكما في الحديث الذي في المسند وغيره ( لو كان موسى حيًّا ما وسعه إلا اتباعي )[وحسنه الألباني في تخريج الشكاة(1/38)]. وفيها أن دين الأنبياء جميعًا واحد وهو الإسلام كما قال تعالى:{ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}[آل عمران:19]وقال تعالى{ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى:13]. وفي صحيح مسلم(2365 )عن أبي هريرة َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِى الأُولَى وَالآخِرَةِ ». قَالُوا كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلاَّتٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ فَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِىٌّ ».

إن على الذين يعقدون مؤتمرات التقارب بين الأديان أن يدركوا هذه الحقيقة، ويدعوا إليها، وهي ضرورة الانخلاع عن الديانات المنحرفة, والإيمان بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم ورسالته، وعليهم أن يدركوا حقيقة هذه الدعوات المشبوهة, التي تخدم وضعًا من الأوضاع أو نظامًا من الأنظمة الجاهلية.

8- ركوب البراق وكذا ربطه في الصخرة يعلمنا الأخذ بالأسباب .فإن الله عز وجل قادر على أن يسرى برسوله مباشرة بغير براق ولكن ذلك من باب الأخذ بالأسباب. وكذلك ربط البراق فهو لن يفر لأنه مأمور ولكن ذلك أيضًا من الأخذ بالأسباب .

9- إن الربط بين المسجد الأقصى, والمسجد الحرام وراءه حكم ودلالات وفوائد منها:

* أهمية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين، إذ أصبح مسرى رسولهم صلى الله عليه وسلم، ومعراجه إلى السماوات العلا، وكان لا يزال قبلتهم الأولى طيلة الفترة المكية، وهذا توجيه وإرشاد للمسلمين بأن يحبوا المسجد الأقصى وفلسطين؛ لأنها مباركة ومقدسة.

* الربط يشعر المسلمين بمسؤوليتهم نحو المسجد الأقصى بمسئولية تحرير المسجد الأقصى من أوضار الشرك وعقيدة التثليث، كما هي أيضًا مسئوليتهم تحرير المسجد الحرام من أوضار الشرك وعبادة الأصنام.

* الربط يشعر بأن التهديد للمسجد الأقصى, هو تهديد للمسجد الحرام وأهله، وأن النيل من المسجد الأقصى توطئة للنيل من المسجد الحرام، فالمسجد الأقصى بوابة الطريق إلى المسجد الحرام، وزوال المسجد الأقصى من أيدي المسلمين, ووقوعه في أيدي اليهود يعني أن المسجد الحرام, والحجاز قد تهدد الأمن فيهما واتجهت أنظار الأعداء إليهما لاحتلالهما.

والتاريخ قديمًا وحديثًا يؤكد هذا، فإن تاريخ الحروب الصليبية يخبرنا أن (أرناط) الصليبي صاحب مملكة الكرك أرسل بعثة للحجاز للاعتداء على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى جثمانه في المسجد النبوي، وحاول البرتغاليون (النصارى الكاثوليك) في بداية العصور الحديثة الوصول إلى الحرمين الشريفين لتنفيذ ما عجز عنه أسلافهم الصليبيون، ولكن المقاومة الشديدة التي أبداها المماليك وكذا العثمانيون حالت دون إتمام مشروعهم الجهنمي وبعد حرب 1967م التي احتل اليهود فيها بيت المقدس صرخ زعماؤهم بأن الهدف بعد ذلك احتلال الحجاز وفي مقدمة ذلك مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخيبر.

لقد وقف دافيد بن غوريون زعيم اليهود بعد دخول الجيش اليهودي القدس يستعرض جنودًا وشبانًا من اليهود بالقرب من المسجد الأقصى ويلقي فيهم خطابًا ناريًا يختتمه بقوله: (لقد استولينا على القدس ونحن في طريقنا إلى يثرب)[انظر: السيرة النبوية لأبي فارس، ص314]. .

ووقفت غولدا مائير, رئيسة وزراء اليهود, بعد احتلال بيت المقدس, وعلى خليج إيلات العقبة، تقول: «إنني أشم رائحة أجدادي في المدينة والحجاز، وهي بلادنا التي سوف نسترجعها» [المصدر السابق]   

وبعد ذلك نشر اليهود خريطة لدولتهم المنتظرة التي شملت المنطقة من الفرات إلى النيل، بما في ذلك الجزيرة العربية والأردن وسوريا والعراق ومصر واليمن والكويت والخليج العربي كله، ووزعوا خريطة دولتهم هذه بعيد انتصارهم في حرب (1967م)
في أوروبا.

10- أهمية الصلاة وعظيم منزلتها: وقد ثبت في السنة النبوية أن الصلاة فرضت على الأمة الإسلامية في ليلة عروجه صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفي هذا كما قال ابن كثير: «اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها» ([615]) فعلى الدعاة أن يؤكدوا على أهمية الصلاة والمحافظة عليها، وأن يذكروا فيما يذكرون, من أهميتها ومنزلتها كونها فرضت في ليلة المعراج، وأنها من آخر ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته([615]).

11- تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن مخاطر الأمراض الاجتماعية وبين عقوبتها كما شاهد ذلك في ليلة الإسراء والمعراج ومن هذه الأمراض وعقوبتها:

* عقوبة جريمة الغيبة والمغتابين، فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أناسا لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فأخبره جبريل: «هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس».

* وذكرت بعض الروايات عقوبة الزناة, ومانعي الزكاة, وخطباء الفتنة, والتهاون في الأمانة.وإن  كان كثيرًا من هذه الروايات لا يثبت.

12- إدراك الصحابة لأهمية المسجد الأقصى: أدرك الصحابة رضي الله عنهم مسئوليتهم نحو المسجد الأقصى, وهو يقع أسيرًا تحت حكم الرومان، فحرروه في عهد عمر بن الخطاب t وظل ينعم بالأمن والأمان حتى عاث الصليبيون فسادًا فيه بعد خمسة قرون, من هجرة المصطفى، ومكثوا ما يعادل قرنًا يعيثون فسادًا فحرره المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي، وها هو ذا يقع تحت الاحتلال اليهودي فما الطريق إلى تخليصه ؟.الطريق إلى تخليصه الجهاد في سبيل الله, على المنهج الذي سار عليه الصحابة الكرام رضي الله عنهم.مستفاد بعضه من السيرة النبوية للصابوني (297-304) ومصادر أخرى.

[616] -  ذُكر في الخصائص الكبرى للسيوطي 1/423ـ425. و تفسير ابن كثير 5/39.

[617] -  سيرة ابن هشام( 2/35).وكلاهما  منقطع ولا يصح فخبر معاوية أرسله يعقوب بن عتبة  وهو لم يدرك إلا صغار التابعين  ومات سنة 128 هـ .أنظرتهذيب التهذيب(11/344) وخبر عائشة قال فيه ابن اسحاق:حدثني بعض آل أبي بكر –ولم يُسَمِه - أن عائشة.فذكره.

[618] - في كتاب المجروحين(3/147):أبو بكر بن عبدالله بن محمد بن أبى سبرة السبرى (1): من أهل المدينة، يروى عن هشام بن عروة، ولاه المنصور القضاء ببغداد ومات بها، كان ممن يروى الموضوعات عن الاثبات، لا يحل كتابة حديثه، ولا الاحتجاج به بحال، كان أحمد ابن حنبل يكذبه.

سمعت محمد بن المنذر يقول: سمعت عباس بن محمد يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: أبو بكر بن أبى سبرة الذى يقال له السبرى ليس حديثه بشئ:

 

[619] - انظر كتاب الإسراء للسيوطي  وذكر بعض الفوائد منها:

1-: استنكر البعض  وقوع شق الصدر ليلة الاسراء: وقال: إنما كان ذلك وهو صغير في بني سعد، كما روى أحمد عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ شَأْنِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ:

 " كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ لَنَا، وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا، فَقُلْتُ: يَا أَخِي، اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا، فَانْطَلَقَ أَخِي وَمَكَثْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ، فَأَقْبَلَ طَيْرَانِ أَبْيَضَانِ كَأَنَّهُمَا نَسْرَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَقْبَلَا يَبْتَدِرَانِي، فَأَخَذَانِي فَبَطَحَانِي إِلَى الْقَفَا، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي، فَشَقَّاهُ فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: - قَالَ يَزِيدُ فِي حَدِيثِهِ، ائْتِنِي بِمَاءِ ثَلْجٍ - فَغَسَلَا بِهِ جَوْفِي، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِمَاءِ بَرَدٍ فَغَسَلَا بِهِ قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِالسَّكِينَةِ فَذرَّاهَا فِي قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: حِصْهُ، فَحَاصَهُ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ.. الحديث"وهو حسن بشواهده وقال ابن دحية في معراجه وابن المنير وغيرهما: الصحيح أن شق الصدر مرتان.

  قال شيخ الاسلام ابن حجر: بل ثلاث مرات، فقد ثبت أيضا عند البعثة كما أخرجه أبو نعيم في الدلائل، ولكل حكمة.

  فالأول كان في زمن الطفولية، لينشأ على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان ثم عند البعث زيادة في إكرامه ليتلقى ما يوحى اليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهير:

ثم عند الاسراء ليتأهب للمناجاة.

قال ـ أعني شيخ الاسلام:

ويحتمل أن تكون الحكمة في هذا الغسل لتقع المبالغة لحصول المرة الثالثة كما هي في شرعه صلى الله عليه وسلم في الطهارة.

قلت: وهذه الحكمة من أعظم الحكم وألطفها وأدقها، وحقها أن تكتب بماء الذهب على صفحات القلوب لارتفاع محلها.

  ثم قال شيخ الاسلام:

وهذا الذي ذكر من شق الصدر واستخراج القلب مما يجب التسليم له، ولا يصرف عنه حقيقته لصلاحية القدرة، فلا يستحيل شيء من ذلك .

قلت:والأمر  كذلك ويؤيده الحديث الصحيح أنهم كانوا يرون أثر المخيط في صدره الشريف، وما وقع من بعض جهلة العصر من إنكار ذلك وحمله على الأمر المعنوي وإلزام قائله القول بقلب الحقائق الممتنع، فهو جهل صريح، وخطأ قبيح، نشأ من خذلان الله تعالى لهم، وعكوفهم على العلوم الفلسفية وعدم إحاطتهم بالقدرة الربانية، وبعدهم عن دقائق السنة، عافانا الله من ذلك.

 

 2-: قال ابن المنير: كانت كرامته صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المناجاة على سبيل المفاجأة كما أشار اليه بقوله : بينا أنا، وفي حق موسى عن ميعاد واستعداد، فحمل عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألم الانتظار.

 

  3-: قال أيضًا:يؤخذ من قوله :{أسرى بعبده} ما لا يؤخذ أن لو قيل: بعث الى عبده، لأن الباء تفيد المصاحبة أي صحبه في مسراه بالإلطاف والعناية والاسعاف.

4- سبق في الأحاديث اختلاف في أنه صلى ببيت المقدس بالأنبياء قبل العروج أو بعده، وأن ابن كثير صححه أنه بعده، وصحح القاضي عياض وغيره أنه قبله.

ويحتمل أنه كان بالأرواح خاصة أو بها مع أجسادها وأما رؤيته لهم في السماء محمولة على رؤية أرواحهم وأنها تشكلت بصورة أجسادهم إلا عيسى عليه السلام لأنه رفع بجسده، وكذلك إدريس أيضا أو أحضرت أجسادهم لملاقاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم تشريفا وتكريما.

4- وقع اختلاف أيضا في تقديم الأواني له هل هو قبل العروج أو بعده قال ابن كثير وغيره: ولعله قدمت له مرتين لأنها ضيافة له صلى الله عليه وآله وسلم والضيافة من الكريم تكون أكثر من آنين خصوصا لمن يحب.

 

  6- الصحيح الذي تقرر من الأحاديث الصحيحة أن العروج كان في المعراج لا على البراق، وتمسك بعضهم ببعض الروايات السابقة فقال: إنه عرج عليه فبلغ السماوات السبع في سبع خطوات لأنه يضع حافره عند منتهى طرفه

 

  7- استفتاح جبريل أبواب السماء لأنها كانت مغلقة وإنما لم تهيأ له بالفتح قبل مجيئه. وإن كان أبلغ في الاكرام ـ لأنه لو رآها مفتحة لظن أنها لا تزال كذلك. ففعل ذلك ليعلم أن ذلك لأجله تشريفا، ولأن الله أراد أن يطلعه على كونه معروفا عند أهل السماوات أيضا، لأنه قيل لجبريل لما قال محمد: أبعث اليه؟ ولم يقل: ومن محمد؟ مثلا.

  8- الأضبط في الروايات في محل الأنبياء:

أن آدم في السماء الأولى.

ويحيى وعيسى في الثانية

ويوسف في الثالثة.

وإدريس في الرابعة.

وهارون في الخامسة.

وموسى في السادسة.

وإبراهيم في السابعة.

  واختلف في الحكمة في اختصاص كل منهم بالسماء التي التقاه فيها.

فقيل: لا حكمة، وإنما أمروا بملاقاته فمنهم من سبق ومنهم من لحق.

وقيل: بل للإشارة إلى تفاصيل درجاتهم.

وقيل: الحكمة في الاقتصار على المذكورين الإشارة الى ما سيقع له صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع قومه من نظير ما وقع لكل منهم.

 

  فأما آدم: فوقع التنبيه لما وقع له من الخروج من الجنة الى الأرض، بما سيقع له صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الهجرة الى المدينة، والجامع بينهما ما حصل من المشقة وكراهة مألفه  من الوطن ثم كان عاقبة كل منهما أن رجع الى وطنه الذي أخرج منه.

  وبعيسى ويحيى: على  ما وقع له أول الهجرة من عداوة اليهود وتمالؤهم على البغي عليه، وإرادتهم وصول السوء اليه.

 

  وبيوسف: على ما وقع له من اخوته من قريش من نصبهم الحرب له وإرادتهم هلاكه. وكانت العاقبة له، وقد أشار الى ذلك  بقوله لقريش يوم الفتح أقوال كما قال أخي يوسف: {لا تثريب عليكم} [من يوسف 92].

  وبإدريس: على رفع منزلته عند الله.

  وبهارون: على أن قومه رجعوا الى محبته بعد أن آذوه.

  وبموسى: على ما وقع له من معالجة قومه وقد أشار الى ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام:" لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر".

  وبإبراهيم: في استناده الى البيت المعمور بما ختم له صلى الله عليه وعلى آله وسلم في آخر عمره من إقامة منسك الحج وتعظيم البيت ذكر ذلك السهيلي واستحسنه شيخ الاسلام ابن حجر.

  وقد ذكر في مناسبة لقاء إبراهيم في السابعة معنى لطيف آخر، وهو ما اتفق له صلى الله عليه وعلى آله وسلم من دخول مكة في السنة السابعة وطوافه بالبيت ولم يتفق له الوصول إليها بعد الهجرة قبل هذه بل قصدها في السادسة فصد عن ذلك.

  وقال ابن أبي حمزة: الحكمة في كون آدم في الأولى أنه أول الأنبياء وأول الآباء وهو أصل فكان أولا في الآباء، ولجل تأنيس النبوة بالأبوة وعيسى في الثانية لأنه أقرب الأنبياء عهدًا من محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ويليه يوسف لأن أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدخلون الجنة على صورته، وإدريس قيل: لأنه أول من قاتل للدين فلعل المناسبة فيها الإذن للنبي عليه الصلاة والسلام بالمقاتلة ورفعه بالمعراج لقوله تعالى:{ ورفعناه مكانا عليّا} والرابعة من السبع وسط معتدل وهارون لقربه من أخيه موسى وموسى أرفع منه لفضل كلام الله، وإبراهيم لأنه الأب الأخير فناسب أن يتجدد للنبي بلقياه أنس لتوجهه بعده إلى عالم آخر وأيضا فمنزلة الخليل تقتضي أن تكون أرفع المنازل ومنزلة الحبيب أرفع، فلذلك ارتفع عنه إلى قاب قوسين أو أدنى.

 

  9-  قيل: اقتصر الأنبياء على وصفه بالصالح وتواردوا عليها لأن الصلاح تشمل خلال الخير ولذا كررها كل منهم عند كل صفه.

  10- قال العلماء: لم يكن بكاء موسى وقوله ما قال ،حسدًا معاذ الله  ، فإن الحسد في ذلك العالم منزوع عن آحاد المؤمنين فكيف لمن اصطفاه الله،  بل أسفًا على ما فاته من الأجر الذي يترتب عليه رفع الدرجة بسبب ما وقع من أمته من كثرة المخالفة المقتضية لنقص أجورهم المستلزمة لتقص أجره، لأن لكل نبي مثل أجر من تبعه، ولهذا كان من اتبعه دون عدد من اتبع نبينًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع طول مدتهم .ولذلك قال : ( أبكي لأن غلامًا بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ).

  وأما قوله: ( غلام) فهو على سبيل التنويه بعظمة الله وقدرته وعظيم كرمه إذ أعطى من كان في ذلك السن ما لم يعطه أحدًا قبله ممن هو أسن منه لا على سبيل التنقيص. قال الخطابي: والعرب تسمي الرجل المستجمع( غلامًا) ما دامت فيه بقية من القوة، قال شيخ الاسلام ابن حجر: ويظهر لي أن موسى عليه السلام أشار الى ما أنعم  الله به على نبينا عليه الصلاة والسلام من استمرار القوة في الكهولة إلى أن دخل في أول سن الشيخوخة، ولم يدخل في بدنه هرم، ولا اعترى قوته نقص حتى أن الناس في قدومه المدينة لما رأوه مردفًا أبا بكر أطلقوا عليه اسم الشاب وعلى أبي بكر اسم الشيخ مع كونه في العمر أسن منه.

  11-  قال القرطبي: الحكمة في تخصيص موسى بمراجعته النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: في أمر الصلوات لعلها لكون أمة موسى كلفت من الصلوات بما لم يكلف به غيرها من الأمم فثقلت عليهم فأشفق موسى على أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم من مثل ذلك، ويشير إليه قوله: (إني قد جربت الناس قبلك ).

  وقال شيخ الاسلام ابن حجر:

يحتمل أن يكون موسى لما غلب عليه في الابتداء الأسف على نقص حظ أمته بالنسبة الى أمة محمد حتى تمنى استدراك ذلك ببذل النصيحة لهم والشفقة عليهم ، ليزيل ما عساه أن يتوهم عليه فيما وقع منه في الابتداء.أهـ مختصرا من كتاب الآية الكبرى في الإسرا للسيوطي .

[620] -  مسند البزار (كتاب الايمان ـ باب منه في الاسراء) كشف الأستار: 1\47 ح 08 قال:حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا الحارث بن عبيد، عن أبي عمران الجوني، عن أنس به.

قال الحافظ عماد الدين بن كثير: إن صح هذا الحديث فهي واقعة غير واقعة الاسراء لأنه لم يذكر فيها بيت المقدس ولا الصعود الى السماء. تفسير إبن كثير (سورة الاسراء 5\75) وقد شك الحافظ في صحته كما ترى لاضطراب حديث الحارث ـ كما جزم أحمد بن حنبل. حتى ضعفه ابن حبان .

[621] - دلائل النبوة للبيهقي (2/361-362 )أخبرنا أبو الحسن بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار، حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، حدثنا أبو علي بن مقلاص، حدثنا عبدالله بن وهب، حدثني يعقوب بن عبدالرحمن الزهري، عن أبيه عبدالرحمن، عن هاشم ابن هاشم بن هاشم بن عتبة بي أبي وقاص، عن أنس به

 قال الحافظ ابن كثير: في بعض ألفاظه نكارة وغرابة. تفسير ابن كثير 5\9.

[622] - قال ابن أبي حاتم:حدثني أبي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه، عن أنس.. ذكره  في تفسير ابن كثير 5\12-15.وقال ابن كثير: هذا سياق فيه غرائب عجيبة.

 

[623] - دلائل النبوة: 2/390-396. أخبرنا أبو عبدالله الحافظ، حدثنا أبو العباس (محمد بن يعقوب) حدثنا أبو بكر يحيى بن أبي طالب، حدثنا عبدالوهاب ابن عطاء، حدثنا أبو محمد راشد الحماني، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد به..وانظر تفسير ابن كثير: 5/20ـ23. وقال الذهبي في السير(1/287):هذا حديث غريب عجيب وقال:بسياق مثل هذا الحديث صار أبو هارون متروكًا أهـ. :(وهذا العبدي مرميّ بالكذب متهم بالبدعة. مطعون في الدين. لذلك قال شعبة وكان شديدًا: "لئن أقدّم فتضرب عنقي أحب اليّ من أن أحدّث عن أبي هارون" وانظر ترجمته في ضعفاء البخاري برقم 282، النسائي/476 الذهبي في الميزان 3/173.)

 

 

[624] -   البيهقي في دلائل النبوة ( 2/396- 403) :حدثنا أبو سعيد الماليني، حدثنا ابن عدي، حدثنا محمد بن الحسن السكوني حدثنا علي بن سهل، حدثنا حجاج، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس عن أبي العالية الرياحي عن أبي هريرة أو غيره..، الطبري في تفسيره:15/6. وأخرجه الحاكم وغيره  .انظر تفسير ابن كثير: 5/36 .

( ورجاله موثقون إلا أن أبا جعفر الرازي وثقه بعضهم وضعفه بعضهم، وقال أبو زرعة: يهم كثيرًا،وقال ابن المديني:يخلط، وقال النسائي:ليس بالقوي، وذكره العقيلي في الضعفاء الكبير (3/388)وابن حبان في الجروحين (2/120) وانظر تهذيب التهذيب(12/56)وقال الحافظ ابن كثير : الأظهر أنه سيئ الحفظ، قال: وهذا الحديث في بعض ألفاظه غرابة ونكارة شديدة، وفيه من حديث المنام الطويل الذي عند البخاري من رواية سمرة، والأشبه أنه مجموع أحاديث شتى أو من منام وقصة أخرى غير الاسراء.)

 

[625] -  مسند أبي يعلى (8/  449 ) حدثنا هدبة بن خالد و شيبان بن فروخ قالا : حدثنا حماد بن سلمة عن أبي حمزة عن إبراهيم عن علقمة : عن عبد الله بن مسعود به.. ( قال محققه حسين سليم أسد : إسناده ضعيف) ورواه الحاكم(4/648) وذكره الذهبي في السير(1/269) وقال:هذا حديث غريب ، وأبو حمزة هو ميمون:ضُعِّف.أهـ

[626] - الحسن بن عرفة قال:حدثنا مروان بن معاوية، عن قنان بن عبد الله النهمي  ، حدثنا أبو ظبيان الجنبي به..ذكره ابن كثير في تفسيره(5/30-31) ثم قال:إسناد غريب ولم يخرجوه، فيه من الغرائب : سؤال الأنبياء عنه عليه السلام ابتداء، ثم سؤاله عنهم  بعد انصرافه. والمشهور في الصحاح كما تقدم: أن جبريل [عليه السلام] كان يعلمه بهم أولا ليسلم عليهم سلام معرفة. وفيه  أنه اجتمع بالأنبياء عليهم  السلام قبل دخوله المسجد  والصحيح أنه إنما اجتمع بهم في السموات، ثم نزل إلى بيت المقدس ثانيًا وهم معه، وصلى بهم فيه، ثم إنه ركب البراق وكر راجعًا إلى مكة، والله أعلم.

وعزاه السيوطي في الخصائص(1/268) إلى ابن عرفة في جزئه المشهور وأبي نعيم وابن عساكر.

 

[627] -  السيرة النبوية لابن هشام 2/36 قال ابن اسحاق:حدثني محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح، عن أم هانئ به.. وانظر الخصائص الكبرى للسيوطي 1\302

وفي سنده محمد بن السائب الكلبي (أبو النضر) الكوفي:

متروك متهم بالوضع وقد رمي بالرفض. انظر: ضعفاء البخاري رقم 322. ضغفاء النسائي رقم 467

[628] - معجم الطبراني الكبير(22/400 رقم 1000). حدثنا عبد اللَّهِ بن سَعِيدِ بن يحيى الرَّقِّيُّ ثنا أَحْمَدُ بن أبي شَيْبَةَ الرَّهَاوِيُّ ثنا أبو قَتَادَةَ الْحَرَّانِيُّ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ.. وهو في الخصائص الكبرى 1/301

 (وفي سنده أبو قتادة الحراني متروك الحديث. وهذا حديث موضوع لا ريب فهو مخالف للواقع، فإن خديجة توفيت قبل حادثة المعراج، وكانت قد ولدت أولاد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبناته ).وقال الألباني في السلسلة الضعيفة(7/236 رقم 3242):موضوع..ثم قال: ووضعه متفق عليه بين العلماء ، من ابن الجوزي الذي أورده في "الموضوعات" من طرق ، وتبعه من جاء بعده حتى السيوطي في "اللآلي" (1/ 392-395) ، فليراجعها من شاء .

 

[629] -  ‏ذكر المباركفوري في الرحيق المختوم (ص113 ) أن ذلك ‏ في شوال سنة 10 من النبوة في أواخر مايو أو أوائل يونيو سنة 619 م‏

[630] 0 البخاري (3231) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي عروة بن الزبير به.. وطرفه 7389 تحفة 16700 - 140/4 .وأخرجه مسلم(1795) عن أبي الطاهر وحرملة وعمرو بن سواد كلهم عن ابن وهب به

[631] - هذا الحديث ضعفه الألباني في تخريجه لفقه السيرة للغزالي(ص:125).وفي ضعيف الجامع(1/358)

[632] - سيرة ابن هشام(2/47-49) وهو مرسل حسن الإسناد.فيزيد ثقة و شيخه محمد بن كعب القرظي تابعي ثقة عالم. أنظر التقريب(2/324),(2/128 )

[633] -  أخرجه أحمد (4/335 ، رقم 18958) حدثنا ابن أبي شيبة حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عبد الرحمن بن خالد العدواني  عن أبيه فذكره... وقال شعيب الأرنؤوط –في تحقيق المسند( 31/ 289- ط الرسالة): إسناده ضعيف لجهالة عبد الرحمن بن خالد العدواني ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان، وقال الحسيني في "الإكمال": مجهول، وتعقبه الحافظ في "التعجيل" بقوله: صحح ابن خزيمة حديثه، ومقتضاه أن يكون عنده من الثقات.

قلنا(الأرنؤوط):وله علَّة أخرى، وهي تفرد عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي به، وهو ضعيف يعتبر به في الشواهد والمتابعات، ولم يتابعه أحد هنا.

وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1275) من طريق ابن أبي شيبة، بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 3/138-139، وابن خزيمة في صحيحه(1778) ، والطبراني في "الكبير" (4126) و (4127) من طرق عن مروان بن معاوية، به.

وأخرجه ابن أبي عاصم (1274) ، والطبراني (4128) من طريق أبي عاصم الضحاك بن مخلد، عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، به.

.وقال في المجمع(3/81)رواه أحمد والطبراني. وعبد الرحمن ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه أحد،وبقية رجاله ثقات أهـ. وقال الألباني: إسناده ضعيف .

قال السندي: قوله: "في مُشَرَّق ثقيف" ضبط على وزن اسم المفعول من التشريق، قيل: وهو سوق بالطائف. على قوس: معتمداً عليه.

[634] - مسلم(449) قال: حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به..والبخاري((773و4921) والترمذي(3323) وأحمد(1/ 252)

[635] - مصنف ابن أبي شيبة (7/ 327-328) قال:حدثنا ابن فضيل عن عطاء عن سعيد عن ابن عباس.. وذكره الألباني في صحيح السيرة(ص:102) وصححه في مختصر العلو للعلي الغفار (ص:75)

[636] - ابن جرير في تفسيره (22/135) حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن عاصم، عن زِرّ به..وهو مرسل صحيح.

[637] - الحاكم (2/495 رقم3701 ) حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ، أَنْبَأَ عَبْدَانُ الْأَهْوَازِيُّ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ،به.  وقال:«صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» ووافقه الذهبي..ورواه البزار (5/234رقم 1846) وفيه (كَانُوا سَبْعَةً أَكْبَرُهُمْ زَوْبَعَةُ) وقال: وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَفَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي أَحْمَدَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَقُلْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. أهـ

[638] - دلائل النبوة للبيهقي (2/227)

[639] - مُسْلِمٌ (1/332رقم 450)حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا دَاوُدُ -وَهُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ-عَنْ عَامِرٍ به.

[640] - البخاريُّ (3859)وَمُسْلِمٌ (1/333برقم 450) كلاهما عَنْ أَبِي قُدَامَةَ: عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ السَّرْخَسِيِّ، حدثنا أبو أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، عَنْ مَعْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ به.

[641] - سيرة ابن هشام(2/49) وذكره ابن سحق بلا سند .وإن كان ما سبقه يشهد له.

[642] - ابن جرير الطبري في تفسيره (22/135) حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عبد الحميد، قال: ثنا النضر بن عربيّ، عن عكرمة،عن ابن عباس به..وفي سنده النضر وهو النضر بن عبد الرحمن ، أبو عمر الخزاز.وهو متروك كما ذكر ابن حجر. و و قال أبو زرعة : لين الحديث . و قال أبو حاتم : منكر الحديث ، ضعيف الحديث .

و قال البخارى : منكر الحديث .و قال الدارقطنى : ضعيف .

و قال ابن حبان : كان يروى عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات ، فلما كثر ذلك فى روايته بطل الإحتجاج به .

وروى له أبو أحمد بن عدى عدة أحاديث من رواية أبى يحيى الحمانى و غيره عنه ، ثم قال : و هذه الأحاديث عن أبى يحيى عن النضر كلها غير محفوظة.أهـ.انظر تهذيب التهذيب (10 / 442 )

[643] -   أحمد في المسند (1/416رقم 3954) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، به.. قال الأرنؤوط: إسناده ضعيف لانقطاعه، عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود لم يسمع من عم أبيه عبد الله بن مسعود، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. عثمان بن عمر: هو ابن فارس العبدي، ويونس: هو ابن يزيد الأيلي.

وأخرجه أبو يعلى (5062) عن حجاج بن يوسف عن عثمان بن عمر، بهذا الإسناد.وقال محققه:ضعيف

وأخرجه الطبري في "التفسير" (22/138) عن أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عن عمه عبد الله بن وهب، عن يونس، به . ورواه ابن حبان(6318) عن ابْن قُتَيْبَةَ، عن حَرْمَلَة، عن ابْن وَهْبٍ به

وأخرجه أبو الشيخ في "العظمة" (1121) من طريق سلامة بن روح، عن عقيل، عن الزهري، به.

قوله: رُفَقاء، بضم ففتح: جمع الرفْقة مثلثة الراء وسكون الفاء، وهو حال من الجن. يريد أنهم كانوا جماعة رفقة بالحجون.

والحجون: بتقديم الحاء على الجيم: جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها.

 

[644] - ابن جرير في تفسيره (22/137) حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة به..ورجاله ثقات ولكنه معلول بأن  قتادة لم يدرك ابن مسعود.

فائدة:حديث ابن مسعود في هذا المجال له روايات وطرق كثيرة. يستخلص من بعضها انه لم يشهد هذه الليلة مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم. ومن بعضها الآخر أنه شهدها معه. ومن الروايات الأخرى أنهم افتقدوه صلّى الله عليه وآله وسلّم بمكة.

ويتلخص ذلك فيما يلي:

1- وفي مسلم عن عامر «سألت علقمة هل كان ابن مسعود رضي الله عنه شهد مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليلة الجن فقال علقمة ... انا سألت ابن مسعود رضي الله عنه فقلت هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليلة الجن فقال: لا، ولكنا كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية» إلى آخره.

2- ومن طريق أخرى أوردها ابن جرير قال ابن مسعود (سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: بت الليلة أقرأ على الجن واقفا بالحجون) .

3- طريق أخرى عند ابن جرير والبيهقي وفيها أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ معه ليلة الجن ... قَالَ (قَالَ- رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم لِأَصْحَابِهِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَحْضُرَ الجن الليلة فَلْيَفْعَلْ) فَلَمْ يَحْضُرْ مِنْهُمْ غيري. قال فانطلقنا ... إلخ.

4- وعند أبي نعيم والبيهقي في الدلائل (2/231)بسنده عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ («اسْتَتْبَعَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ خَمْسَةَ عَشَرَ بَنِي إِخْوَةٍ وَبَنِي عَمٍّ يَأْتُونَنِي اللَّيْلَةَ فَأَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ، فَخَطَّ لِي خَطًّا، وَأَجْلَسَنِي فِيهِ.. إلخ.

5- وعند ابن جرير ايضا من طريق عبد الله بن عمرو بن غيلان الثقفي.

6- وأخرج البيهقي في الدلائل أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الجوزاء عن ابن مسعود وفيه قال (انطلقت مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم) .

وهناك روايات أخرى كثيرة كلها عن ابن مسعود.

ويمكن للباحث أن يرجع إليها في تفسير ابن كثير في سورة الأحقاف وقد أشار الى أكثرها القرطبي مختصرا لها، ثم نقل عن الدارقطني قوله: وقيل أن ابن مسعود لم يشهد مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم ليلة الجن. كذلك رواه علقمة بن قيس وأبو عبيدة بن عبد الله وغيرهما عنه أن قال (ما شهدت ليلة الجن) .حدثنا أبو محمد بن صاعد حدثنا أبو الأشعث حدثنا بشر بن المفضل حدثنا داود بن أبي هند عن عامر عن علقمة بن قيس قال قلت لعبد الله بن مسعود: أشهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أحد منكم ليلة أتاه ساعي الجن؟ قال: لا) .

قال الدارقطني هذا إسناد صحيح لا يختلف في عدالة راويه. وعن عمرو بن مرة قال: قلت لأبي عبيدة حضر عبد الله بن مسعود ليلة الجن؟ فقال: لا.". ابن كثير والقرطبي في تفسير سورة الأحقاف.

[645] - البخاري(3139و 4024) حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن محمد بن جبير عن أبيه فذكره وطرفه

[646] - ابن سعد (1/ 165) من طريق الواقدي.  وانظر: زاد المعاد (2/ 46) وسبل الهدى والرشاد (1/ 440).

[647] - ذكره في البداية والنهاية(3/137-138) )

[648] - ذكر المباركفوري في الرحيق المختوم أن ذلك كان في ذى القعدة من هذه السنة يوافق أواخر يونيو أو أوائل يوليو سنة 619 م  

[649] - رواه أحمد (3/390) ثنا أسود بن عامر أنا  إسرائيل عن عثمان بن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد عن جابر.. ( وقال الأرنؤوط:إسناده صحيح على شرط البخاري)وأخرجه ابن أبي شيبة (7/ 336) والدارمي (3354) ، والبخاري في "خلق أفعال العباد" (86) و (205) ، وأبو داود (4734) ، وابن ماجه (201) ، والترمذي (2925) ، والنسائي في "الكبرى" (7727) ، والحاكم( 2/669-رقم 4220) وصححه، ورواه أبو نعيم في "الدلائل" (217) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص 187، وفي "الشعب" (168) ، وفي "دلائل النبوة" 2/413-414 من طرق عن إسرائيل بن يونس، بهذا الإسناد. وبعضهم يختصره..وقال في مجمع الزوائد(6/ 36):رواه أحمد ورجاله ثقات  .

وقوله: أن يخفره" من الإخفار، أي: أن ينقضوا أمانه وعهده.

[650] - سيرة ابن هشام(2/50) والحديث أخرجه أيضًا أحمد(3/492-493رقم 16070)  تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف لضعف حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس وباقي رجاله ثقات .وأخرجه الطبراني (5/63رقم 4589) والحاكم.

[651] - وقع هذا الحديث وما بعده إلى آخر مسند ربيعة بن عباد الديلي في بعض النسخ من حديث الإمام أحمد، وهو خطأ، بل هو من زيادات ابنه عبد الله كما في بعض النسخ الأخرى ، وصرح به الحافظ في "أطراف المسند" 2/340.

[652] -  مسند أحمد(3/492رقم  16063) قال عبد الله بن أحمد : ثنا مصعب بن عبد الله الزبيري قال حدثني عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد القرظي عن ربيعة بن عباد الديلي به..

تعليق شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند(25/ 402): إسناده صحيح رجاله ثقات . عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد: هو عبد العزيز بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي، ضُعِّف في عبيد الله بن عمر العمري فحسب، ووثقه ابنُ سعد ومالك وابنُ مَعِين ويعقوب بن سفيان والعجلي، وذكره ابنُ حبان في "الثقات"، وقد تُوبع، وابن أبي ذئب: هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب. وربيعة بن عباد الديلي رضي الله عنه لم تقع له رواية في شيء من الكتب الستة.

وأخرجه ابنُ الأثير في "أسد الغابة" 2/214 من طريق عبد الله بن أحمد بهذا الإسناد.

وأخرجه ابنُ أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (963) من طريق عبد الله بن موسى التيمي والطبراني في "الكبير" (4588) من طريق عبد الله بن وهب، وشعيب بن إسحاق، ثلاثتهم عن ابن أبي ذئب، بهذا الإسناد.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (4590) من طريق ابن وهب، أن بكير بن عبد الله بن الأشج حدثه عن ربيعة بن عباد، به.أهـ  .وهذا الحديث أخرجه عبد الله بن أحمد من سبعة طرق في المسند متتالية بأرقام(16063، 16064، 16065، 16066 ،  16067، 16068، 16069، 16070) قال السندي: قوله: "أحول": من الحَوَل- بفتحتين-، وهو عيب في العين... والغديرتان: ذؤابتا الشعر.

[653] -  رواه ابن خزيمة في صحيحه(1/119رقم 159) أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، نَا أَبُو بَكْرٍ، نَا أَبُو عَمَّارٍ، نَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ يَزِيْدَ بْنِ زِيَادٍ -هُوَ ابْنُ أَبِي الْجَعْدِ-، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ، فذكره..وإسناده صحيح كما قال محققه الأعظمي.والأرنؤوط في تحقيق ابن حبان، وأخرجه  مطولا  ابن أبي شيبة في مسنده (2/322رقم 822) عن عبد الله بن نمير عن ابن أبي الجعد به.وابن حبان في صحيحه(6562) والطبراني في الكبير(8175) و الحاكم 2/611-612، وعنه البيهقي في "دلائل النبوة" 5/381 و أخرجه الحسين المروزي في الزهد لابن المبارك(رقم1164) ط : دار الكتب العلمية  بيروت

[654] - رواه  أحمد( 16603-الأرنؤوط  )قال:حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ أَشْعَثَ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ،فذكره.. وإسناده صحيح،كما قال الأرنؤوط ، رجاله ثقات رجال الشيخين. أبو النضر: هو هاشم ابن القاسم، وشيبان: هو ابن عبد الرحمن النحوي، وأشعث: هو ابن أبي الشعثاء سُلَيْم بن الأسود.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 6/21-22، وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.أهـ

[655] -  الرحيق المختوم ص 117

[656] - سيرة ابن هشام(2/50-51) ذكرها ابن اسحاق مرسلة .

[657] - ابن هشام(2/51)

ومن الدروس المستفادة من قصص عرض الإسلام على القبائل وطلب النصرة ما يلي:

1- كان طلب الرسول صلى الله عليه وسلم للنصرة من خارج مكة إنما بدأ ينشط بشكل ملحوظ بعد أن اشتد الأذى عليه, عقب وفاة عمه أبي طالب, الذي كان يحميه من قريش؛ وذلك لأن من يحمل الدعوة لن يستطيع أن يتحرك التحرك الفعّال والنشاط في حمل الدعوة، وتوفير الاستجابة لها، في جو من العنف، والضعف والإرهاب.

2- كان عرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل يطلب منهم النصرة، إنما هو بأمر من الله عز وجل له في ذلك، وليس مجرد اجتهاد من قبل نفسه, اقتضته الظروف التي وصلت إليها الدعوة.

3- حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب النصرة بزعماء القبائل، وذوي الشرف والمكانة ممن لهم أتباع يسمعون لهم، ويطيعون؛ لأن هؤلاء هم القادرون على توفير الحماية للدعوة وصاحبها.

4- رفض النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطي القوى المستعدة لتقديم نصرتها أي ضمانات بأن يكون لأشخاصهم شيء من الحكم والسلطان, على سبيل الثمن، أو المكافأة لما يقدمون من نصرة, وتأييد للدعوة الإسلامية؛ وذلك لأن الدعوة الإسلامية إنما هي دعوة إلى الله، فالشرط الأساسي فيمن يؤمن بها, ويستعد لنصرتها أن يكون الإخلاص لله، ونشدان رضاه، هما الغاية التي يسعى إليها من النصرة والتضحية، وليس طمعًا في نفوذ أو رغبة في سلطان، لأن هذه الدعوة لله، والأمر لله يضعه حيث يشاء، والداخل في أمر الدعوة إنما يريد ابتداء وجه الله، والعمل من أجل رفع رايته، أما إذا كان المنصب هو همه الشاغل، فهذه علامة خطيرة تنبئ عن دخن في نية صاحبه لذا قال يحيى بن معاذ الرازي: «لا يفلح من شممت منه رائحة الرياسة» كما في صفة الصفوة(4/94).

5- ومن صفة النصرة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبها لدعوته من زعماء القبائل, أن يكون أهل النصرة غير مرتبطين بمعاهدات دولية, تتناقض مع الدعوة, ولا يستطيعون التحرر منها، وذلك لأن احتضانهم للدعوة والحالة هذه, يعرضها لخطر القضاء عليها من قبل الدول التي بينهم وبينها تلك المعاهدات، والتي تجد في الدعوة الإسلامية خطرًا عليها وتهديدًا لمصالحها.

إن الحماية المشروطة أو الجزئية لا تحقق الهدف المقصود فلن يخوض بنو شيبان حربًا ضد كسرى لو أراد القبض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسليمه، ولن يخوضوا حربًا ضد كسرى، لو أراد مهاجمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وبذلك فشلت المباحثات.

6- «إن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه» كان هذا الرد من النبي صلى الله عليه وسلم على المثنى بن حارثة حين عرض على النبي صلى الله عليه وسلم حمايته على مياه العرب دون مياه الفرس، فمن يسبر أغوار السياسة البعيدة, يرَ بُعد النظر الإسلامي النبوي الذي لا يسامى.

7- كان موقف بني شيبان يتسم بالإريحية والخلق والرجولة، وينم عن تعظيم هذا النبي، وعن وضوح في العرض، وتحديد مدى قدرة الحماية التي يملكونها، وقد بينوا أن أمر الدعوة مما تكرهه الملوك، وقدر الله لشيبان بعد عشر سنين أو يزيد, أن تحمل هي ابتداء عبء مواجهة الملوك بعد أن أشرق قلبها بنور الإسلام، وكان المثنى بن حارثة الشيباني صاحب حربهم وبطلهم المغوار, الذي قاد الفتوح في أرض العراق، في خلافة الصديق t(، فكان وقومه من أجرأ المسلمين بعد إسلامهم على قتال الفرس، بينما كانوا في جاهليتهم يرهبون الفرس ولا يفكرون في قتالهم، بل إنهم ردوا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بعد قناعتهم بها لاحتمال أن تلجئهم إلى قتال الفرس، الأمر الذي لم يكونوا يفكرون به أبدا، وبهذا نعلم عظمة هذا الدين الذي رفع الله به المسلمين في الدنيا، حيث جعلهم سادة الأرض مع ما ينتظرون في أخراهم من النعيم الدائم في جنات النعيم. أنظر السيرة النبوية للصابوني (1/309-310)

[658] - رواه أبو نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة (ص: 286-288رقم214 ) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ قَالَ: ثنا شُعَيْبُ بْنُ وَاقِدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: ثنا أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ  / وَثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ كَثِيرٍ التَّمِيمِيُّ الرَّقِّيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: ثنا أَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ ، عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ/ قَالَ: ثنا عِكْرِمَةُ، عن ابن عباس فذكره.. وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 422-427) حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفَقِيهُ الشَّاشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَاحِبِ بْنِ حُمَيْدٍ الشَّاشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ كَثِيرٍ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن بِشْرٍ الْيَمَانِيُّ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ به.

وقال ابن الجوزي في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (3/ 21): ورَوَى أَبُو هِلالٍ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ الْعَسْكَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي مُقَاتِلٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ كَثِيرِ بْنِ سَيَّارٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرَانَ الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجْلِيُّ به..وأبان بن تغلب ثقة روى له الجماعة ، إلا البخارى ، أنظر:تهذيب التهذيب 1 / 93 :.وعكرمة- مولى ابن عباس-  ثقة إمام في التفسير روى له الجماعة واحتجوا به إلا مسلمًا فقد روى له مقرونا بغيره  .

وأبان بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ هو أبان بن أبي حازم البجلي الكوفي، وثقه: أحمد وابن معين، والعجلي، وابن نمير، وقال الذهبي في الميزان (1/9) : حسن الحديث، وقد سرده ابن حبان في المجروحين (1/ 99) ، والعقيلي في الضعفاء (1/44) ولم يقل أحدهما عنه شيئا، فقد قال العقيلي: «ما سمعت عبد الرحمن حدّث عنه بشيء قط» ، وهذا ليس بتضعيف، فقد قال الفلاس: كان ابن مهدي يحدث عن سفيان عنه. ، وقال ابن عدي: «هو عزيز الحديث، عزيز الروايات، لم أجد له حديثا منكر المتن فأذكره ، و أرجو أنه لا بأس به . »، روى له الأربعة ،و أخرج له ابن خزيمة و الحاكم فى صحيحيهما . أنظر:تهذيب التهذيب (1/ 96).

وقال القسطلاني في المواهب: أخرجه الحاكم والبيهقي وأبو نعيم بإسناد حسن.

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري(7/220): أخرج الحاكم وأبو نُعيم والبيهقي في الدلائل بإسناد حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما: حدثني علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فذكر جزءًا من هذا الحديث.

 

[659] - وذكر ابن إسحاق هنا بعض أشعار سويد:فقال: وهو الذي يقول

ألا رب من تدعو صديقا ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفـري

مقالته كالشهد ما كان شاهــدا ... وبالغيب مأثور على ثغرة النحر

يسـرك باديه وتحـت أديمــه ... نميمة غش تبتري عقب الظـهر

تبين لك العينـان ما هـو كاتم ... من الغل والبغضاء بالنظر الشزر

فرشني بخـير طالمـا قد بريتني ... فخير الموالي من يريش ولا يبري

وهو الذي يقول : ونافر رجلاً من بني سليم ثم أحد بني زعب بن مالك على مائة ناقة إلى كاهنة من كهان العرب فقضت له . فانصرف عنها هو والسلمي ليس معهما غيرها فلما فرقت بينهما الطريق قال : مالي يا أخا بني سليم قال : أبعث إليك به قال : فمن لي بذلك إذا فتني به ؟ قال : كلا والذي نفس سويد بيده لا تفارقني حتى أوتى بمالي فاتخذا فضرب به الأرض ثم أوثقه رباطا ثم انطلق به إلى دار بني عمرو بن عوف فلم يزل عنده حتى بعثت إليه سليم بالذي له فقال في ذلك:

 لا تحسبني يا ابن زغب بن مـالك ... كمن كنت تردي بالغيوب وتختل

تحولت قرنـًا إذ صـرعت بعـزة ... كـذلك إن الحــازم المتحول

ضربت به إبط الشمـال فلم يزل ...  على كل حال خـده هو أسفل

في أشعار كثيرة كان يقولها.

[660] -  سيرة ابن هشام(2/52-53) وفي دلائل النبوة للبيهقى(2/419) من طريق ابن إسحاق. و عاصم بن عمر تابعي ثقة من الطبقة الرابعة (وهي التي تلي الوسطى من التابعين)  و قد أبهم من روى عنهم. قال ابن حجر في تقريب التهذيب (1/ 286 ): عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأوسي الأنصاري أبو عمر المدني ثقة عالم بالمغازي من الرابعة مات بعد العشرين ومائة.اهـ.وقد حسن الألباني قصة بدء إسلام الأتصار-كما سيأتي- وهي بنفس هذا الإسناد .ويوم بُعاث.يوم مشهور كان فيه حرب بين الأوس والخزرج.وبعاث:اسم حصن للأوس.

[661] -ابن هشام(2/53-54) : حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن محمود بن لبيد به...وسنده حسن.وأخرجه البيهقي في الدلائل من طريق ابن إسحاق باختلاف في اسم الحصين فقال:الحصين بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ. والحصين تابعي من الرابعة وثقه الذهبي وقال ابن حجر مقبول..أنظر التقريب(1/221) ومحمود بن لبيد رضي الله عنه صحابي.

[662] - البخاري(3777 ) حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ به

[663] -  مسلم ( 868 ) حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن المثنى كلاهما عن عبدالأعلى -قال ابن المثنى حدثني عبدالأعلى ( وهو أبو همام )- حدثنا داود عن عمرو بن سعيد عن سعيد بن جبير به.

 مما يستفاد من هذه القصة:

أ- دعاية قريش وتشويه شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، واتهامه بالجنون حمل ضمادًا على السير للرسول صلى الله عليه وسلم من أجل رقيته، فكانت الحرب الإعلامية المكية ضد الرسول صلى الله عليه وسلم سببًا في إسلامه وإسلام قومه.

ب- تتضح صفتا الصبر والحلم في شخص النبي صلى الله عليه وسلم فقد عرض ضماد على رسول الله صلى الله عليه وسلم معالجته من مرض الجنون، وهذا موقف يثير الغضب، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل الأمر بحلم وهدوء، مما أثار إعجاب ضماد واحترامه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ج- أهمية هذه المقدمة التي يستفتح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض خطبه, فقد اشتملت على تعظيم الله وتمجيده, وصرف العبادة له سبحانه، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يجعلها بين يدي خطبه ومواعظه.

د- تأثر ضماد بفصاحة الرسول صلى الله عليه وسلم وقوة بيانه؛ لأن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم انبعث من قلب مُليء إيمانًا ويقينًا وحكمة، فأصبح حديثه يصل إلى القلوب ويجذبها إلى الإيمان.

هـ- في سرعة إسلام ضماد دليل على أن الإسلام دين الفطرة، وأن النفوس إذا تجردت من الضغوط الداخلية والخارجية فإنها غالبًا تتأثر وتستجيب، إما بسماع قول مؤثر، أو الإعجاب بسلوك قويم.

و- حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على انتشار دعوته, حيث رأى في ضماد صدق إيمانه, وحماسته للإسلام، وقوة اقتناعه به، فدفعه ذلك إلى أخذ البيعة منه لقومه.

ز- حفظ المعروف والود لأهل السابقة والفضل «ردوها فإن هؤلاء من قوم ضماد».  

 

([664])مسلم( 116 ): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم جميعا عن سليمان قال أبو بكر حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن حجاج الصواف عن أبي الزبير عن جابر  به .. وانظر: السيرة النبوية الصحيحة للدكتور العمري و فتح الباري (6/108).

[665] - أحمد (7313) ثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة..  والبخاري(4392 ) ومسلم(2524 )

[666] - ذكر المباركفوري في الرحيق المختوم(ص:121) أن ذلك يوافق يوليو سنة 620 م

[667] - سيرة ابن هشام(2/55-56)

[668] - سيرة ابن هشام(2/54-55) وقد ذكر  الخبر الألباني في صحيح السيرة (ص:57). وذلك لما له من شواهد تؤيده.وحسنه أيضًا في تخريجه لفقه السيرة(ص:146).وأخرجه ابن جرير في تفسيره(2/332-333) من طريق ابن إسحاق به.وقال محققه الشيخ أحمد شاكر :له حكم الوصل لأن عمرو رواه عن قومه.

[669] - تفسير الطبري(2/333رقم  1520 ) حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير، أو عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس.. وقال بعده: وحدثنا أبو كريب قال حدثنا يونس بن بكير قال حدثنا ابن إسحق فذكره .(وهذا سند لا بأس به. فالحديث حسن).

 

[670] - تفسير الطبري (7/81- 82رقم  7587) حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن عكرمة..  (ط:الرسالة بتحقيق أحمد شاكر).وهو مرسل قوي يشهد لما ذكره ابن إسحاق.

 

[671] -البداية والنهاية(3/149)

([672]) انظر: هجرة الرسول وصحابته للجمل، ص143.

[673] -ذكر المباركفوري في الرحيق المختوم(ص:129) أن ذلك يوافق يوليو سنة 621 م

[674] - السيرة النبوية الصحيحة (1/197)

([675]) أحمد(5/323) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُسَيْلَةَ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ..وصححه الأرنؤوط. وانظر صحيح مسلم (1709)           .

[676] - ابن هشام(2/58)

[677] - ابن هشام(2/58) مرسل حسن الإسناد.

[678] - السيرة النبوية للصلابي(1/314)

[679] - قَالَ السهيليّ في الروض الأنف : هزم النبيت: جبل على بريد من الْمَدِينَة، وَأنكر ياقوت أَن يكون «هزم النبيت» جبلا، لِأَن «الهزم» لُغَة: المطمئن من الأَرْض، وَاسْتحْسن نصا ذكر عَن بعض أهل المغاربة، وَقَالَ:

إِن صَحَّ فَهُوَ الْمعول عَلَيْهِ، وَهُوَ: «جمع بِنَا فِي هزم بنى النبيت من حرَّة بنى بياضة فِي نَقِيع يُقَال لَهُ: نَقِيع الْخضمات»

[680] - سيرة ابن هشام((1/ 435)- السقا ) قال ابن اسحاق :حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه أبي أمامة عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك به.. ورواه أبو داود( 1069) و ابن ماجة(1082).وحسنه الألباني.

[681] - قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: «بِئْر مرق: بِالْمَدِينَةِ، ذكر فِي الْهِجْرَة، ويروى بِسُكُون الرَّاء»

[682] - الإخفار: نقض الْعَهْد والغدر.. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ليحقروك»

[683] - الشكول: جمع شكل، وشكل الشَّيْء (بِالْفَتْح) : مثله. فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن دين الْيَهُود بدع فَلَيْسَ لَهُ شكول: أَي لَيْسَ لَهُ نَظِير فِي الْحَقَائِق، وَلَا مثيل يعضده من الْأَمر الْمَعْرُوف المقبول

[684] - الجليل: جبل بِالشَّام مَعْرُوف .

 

[685] - ترسف: تمشى مَشى الْمُقَيد. ومذعنات: منقادات. والجلول جمع جلّ (بِالضَّمِّ وبالفتح) ، وَهُوَ مَا تلبسه الدَّابَّة لتصان بِهِ.

[686] -   سيرة ابن هشام (1/ 436- 438- ت السقا) هكذا ذكر ابن إسحاق القصة مرسلة بسند حسن.وأخرجه البيهقي في الدلائل( 2/ 438 ) من طريق ابن إسحاق به.

[687] - ابن هشام (1/ 438-السقا)  ذكره ابن إسحاق مرسلا

[688] - ذكر المباركفوري في الرحيق المختوم(ص:132) أن ذلك يوافق:يونيو عام 622م

[689] -  قال ابن كثير: فصل يتضمن أسماء من شهد بيعة العقبة الثانية ثلاثةٌ وسبعون رجلاً وامرأتان.

فمن الأوس أحد عشر رجلاً: أسيد بن حضير أحد النقباء وأبو الهيثم بن التيهان بدري أيضا وسلمة بن سلامة بن وقش بدري ، وظهير بن رافع، وأبو بردة بن دينار بدري ،ونهير بن الهيثم بن نابي بن مجدعة بن حارثة ، وسعد بن خيثمة أحد النقباء بدري وقتل بها شهيدًا، ورفاعة بن عبد المنذر بن زنير نقيب بدري، وعبد الله بن جبير بن النعمان بن أمية بن البرك بدري وقتل يوم أحد شهيدا أميرا على الرماة، ومعن بن عدي بن الجد بن عجلان بن الحارث بن ضبيعة البلوي حليف للأوس شهد بدرا وما بعدها وقتل باليمامة شهيدا، وعويم بن ساعدة شهد بدرًا وما بعدها.

ومن الخزرج اثنان وستون رجلاً: أبو أيوب خالد بن زيد وشهد بدرًا وما بعدها ومات بأرض الروم زمن معاوية شهيدا ، ومعاذ بن الحارث ، وأخواه عوف ، ومعوذ وهم بنو عفراء بدريون ، وعمارة بن حزم شهد بدرا وما بعدها وقتل باليمامة، وأسعد بن زرارة أبو أمامة أحد النقباء مات قبل بدر ، وسهل بن عتيك بدري ، وأوس بن ثابت بن المنذر بدري ، وأبو طلحة زيد بن سهل بدري ، وقيس بن أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن كان أميرا على الساقة يوم بدر، وعمرو بن غزية ، وسعد بن الربيع أحد النقباء شهد بدرا وقتل يوم أحد، وخارجة بن زيد شهد بدرا وقتل يوم أحد ، وعبد الله بن رواحة أحد النقباء شهد بدرا وأحد والخندق وقتل يوم مؤتة أميرًا ، وبشير بن سعد بدري ، وعبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه الذي أرى النداء وهو بدري، وخلاد بن سويد بدري أحدي خندقي وقتل يوم بني قريظة شهيدًا طرحت عليه رحى فشدخته فيقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن له لأجر شهيدين ، وأبو مسعود عقبة بن عمرو البدري- قال ابن اسحاق وهو أحدث من شهد العقبة سنًا ولم يشهد بدرا- وزياد بن لبيد بدري، وفروة بن عمرو بن ودفة ، وخالد بن قيس بن مالك بدري ، ورافع بن مالك أحد النقباء ، وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن رزيق وهو الذي يقال له مهاجري أنصاري لانه أقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حتى هاجر منها وهو بدري قتل يوم أحد ، وعباد بن قيس بن عامر بن خالد بن عامر بن رزيق بدري ، وأخوه الحارث بن قيس بن عامر بدري أيضا ، والبراء بن معرور أحد النقباء وأول من بايع فيما تزعم بنو سلمة وقد مات قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأوصى له بثلث ماله فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم على ورثته، وابنه بشر بن البراء وقد شهد بدرًا وأحدا والخندق ومات بخيبر شهيدا من أكله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الشاة المسمومة رضي الله عنه ، وسنان بن صيفي بن صخر بدري ، والطفيل بن النعمان بن خنساء بدري قتل يوم الخندق ، ومعقل بن المنذر بن سرح بدري ،وأخوه يزيد بن المنذر بدري ، ومسعود بن زيد بن سبيع ، والضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بدري ، ويزيد بن خذام بن سبيع ، وجبار بن صخر  بن أمية  بن خنساء بن سنان بن عبيد بدري، والطفيل بن مالك بن خنساء بدري، وكعب بن مالك ، وسليم بن عامر بن حديدة بدري، وقطبة بن عامر بن حديدة بدري، وأخوه أبو المنذر يزيد بدري أيضا، وأبو اليسر كعب بن عمرو بدري، وصيفي بن سواد بن عباد، وثعلبة بن غنمة بن عدي بن نابي بدري واستشهد بالخندق، وأخوه عمرو بن غنمة بن عدي ، وعبس بن عامر بن عدي بدري، وخالد بن عمرو بن عدي بن نابي ، وعبد الله بن أنيس حليف لهم من قضاعة ، وعبد الله بن عمرو بن حرام أحد النقباء بدري  واستشهد يوم أحد ، وابنه جابر بن عبد الله ، ومعاذ بن عمرو بن الجموح بدري ، وثابت بن الجذع بدري وقتل شهيدا بالطائف ، وعمير بن الحارث بن ثعلبة بدري، وخديج بن سلامة حليف لهم من بلي ، ومعاذ بن جبل شهد بدرا وما بعدها ومات بطاعون عمواس في خلافة عمر بن الخطاب ، وعبادة بن الصامت أحد النقباء شهد بدرا وما بعدها ، والعباس بن عبادة بن نضلة وقد أقام بمكة حتى هاجر منها فكان يقال له مهاجري أنصاري أيضا وقتل يوم أحد شهيدا ، وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم حليف لهم من بلي ، وعمرو بن الحارث بن كندة، ورفاعة بن عمرو بن  زيد بدري ، وعقبة بن وهب بن كلدة حليف لهم بدري وكان ممن خرج إلى مكة فاقام بها حتى هاجر منها فهو ممن يقال له مهاجري أنصاري أيضا ، وسعد بن عبادة بن دليم أحد النقباء، والمنذر بن عمرو نقيب بدري أحدي وقتل يوم بئر معونة أميرا وهو الذي يقال له أعتق ليموت، وأما المرأتان: فأم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار المازنية النجارية (قال ابن اسحاق وقد كانت شهدت الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معها أختها وزوجها زيد بن عاصم بن كعب وابناها خبيب وعبد الله وابنها خبيب هذا هو الذي قتله مسيلمة الكذاب حين جعل يقول له أتشهد أن محمدا رسول الله فيقول نعم فيقول أتشهد أني رسول الله فيقول لا أسمع فجعل يقطعه عضوا عضوا حتى مات في يديه لا يزيده على ذلك فكانت أم عمارة ممن خرج إلى اليمامة مع المسملين حين قتل مسيلمة ورجعت وبها اثني عشر جرحا من بين طعنة وضربة رضي الله عنها) والأخرى: أم منيع أسماء ابنة عمرو بن عدي بن نابي بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة رضي الله عنها.  أهـ البداية والنهاية(3/166-168 )

 

[690] - جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر نقيبًا اقتداء بقول الله تعالى في قوم موسى {وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً} [المائدة: 12]

[691] - الفصول في السيرة لابن كثير ص:109

[692] -  ويستوقفنا في هذا الخبر شيئان :

أ- الانضباط والالتزام من المسلمين بسلوك رسولهم وأوامره، وإن أي اقتراح مهما كان مصدره يتعارض مع ذلك, يعتبر مرفوضًا، وهذه من أولويات الفقه في دين الله، تأخذ حيزها من حياتهم وهم بعد ما زالوا في بداية الطريق.

ب- إن السيادة لم تعد لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن توقير أي إنسان واحترامه, إنما هو انعكاس لسلوكه والتزامه بأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا بدأت تنزاح تقاليد جاهلية لتحل محلها قيم إيمانية, فهي المقاييس الحقة التي بها يمكن الحكم على الناس تصنيفًا وترتيبًا

[693] - سيرة ابن هشام(ا/  439-448:السقا ) قال ابن إسحاق: حَدَّثَنِي مَعْبَد بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ القَيْن، أَخُو بَنِي سَلَمة، أَنَّ أَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْأَنْصَارِ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ كَعْبًا حَدَّثَهُ، وَكَانَ كَعْبٌ مِمَّنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَا، قال: فذكره..  ومن طريق ابن إسحاق أخرجه كل من أحمد(3/460-461)(وقال الأرنؤوط:حديث قوي.وهذا إسناد حسن ) وابن خزيمة(1/ 223) (وقال محققه الأعظمي: إسناده حسن.) وابن حبان(15/ 471) ، والطبراني في الكبير(19/87 رقم 174)  والحاكم(5863 ) والبيهقي في الدلائل(2/ 444 )

[694] - مسندأحمد(3/322) حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن خثيم عن أبي الزبير عن جابر به. (وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم)

 

[695] -سيرة ابن هشام(1/454-السقا) قال ابن اسحاق: حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ الْوَلِيدِ، عَنْ جَدِّهِ عُبَادَةَ فذكره.. و أخرجه  أحمد(5/316) من طريق ابن إسحاق به ، وابن ماجة(2866) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَجْلَانَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ به. وأخرجه مالك في الموطأ(896- رواية أبو مصعب ) عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عن عبادة به.والحميدي في مسنده(393 ) عن سُفْيَان عن يَحْيَى بْن سَعِيدٍ به . والحديث صححه الألباني و الأرنؤوط. .

[696] - رواه الْبَيْهَقِيُّ في دلائل النبوة (2/451-452) قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ  أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ الْفَحَّامُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ  به..ذكره ابن كثير ثم قال: وَهَذَا إِسْنَادٌ جِيدٌ قَوِيٌّ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.أهـ البداية والنهاية(3/ 199) ط إحياء التراث

[697] - كان من عادة العرب حذف الزائد عن العدد ،فحذفوا الثلاثة الزائدة عن السبعين.

[698] - مسند أحمد(4/ 119) ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة حدثني أبي عن عامر الشعبي به..(وقال الأرنؤوط مرسل صحيح)  وقال الهيثمي في المجمع(6/58):رواه أحمد هكذا مرسلا ورجاله رجال الصحيح وقد ذكر الإمام أحمد بعده سندا إلى الشعبي عن أبي مسعود عقبة بن عمرو وقال بنحو هذا قال : وكان أبو مسعود أصغرهم سنا وفيه مجالد وفيه ضعف .وحديثه حسن إن شاء الله .أهـ

 

[699] - مسند أحمد(4/ 120) :ثنا يحيى بن زكريا قال ثنا مجالد عن عامر عن أبي مسعود الأنصاري به.. ورجاله ثقات رجال الشيخين-كما قال الأرنؤوط- إلا مجالد بن سعد الهمداني فضعيف.وحسنه الهيثمي كما مر.

[700] - مسند أحمد(4/ 120) ثنا يحيى عن اسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي به.. مرسل صحيح ورجاله ثقات رجال الشيخين-كما قال الأرنؤوط.

 

[701] -  دروس مستفادة من هذه البيعة :

1- كانت هذه البيعة العظمى بملابساتها، وبواعثها، وآثارها، وواقعها التاريخي (فتح الفتوح)؛ لأنها كانت الحلقة الأولى في سلسلة الفتوحات الإسلامية التي تتابعت حلقاتها في صور متدرجة مشدودة بهذه البيعة، منذ اكتمل عقدها بما أخذ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من عهود ومواثيق على أقوى طليعة من طلائع أنصار الله الذين كانوا أعرف الناس بقدر مواثيقهم وعهودهم، وكانوا أسمح الناس بالوفاء بما عاهدوا الله ورسوله عليه, من التضحية, مهما بلغت متطلباتها من الأرواح والدماء والأموال, فهذه البيعة في بواعثها هي بيعة الإيمان بالحق ونصرته، وهي في ملابساتها قوة تناضل قوى هائلة, تقف متألبة عليها، ولم يغب عن أنصار الله قدرها ووزنها في ميادين الحروب والقتال، وهي في آثارها تشمير ناهض بكل ما يملك أصحابها من وسائل الجهاد القتالي في سبيل إعلاء كلمة الله على كل عالٍ مستكبر في الأرض حتى يكون الدين كله لله، وهي في واقعها التاريخي صدق وعدل, ونصر واستشهاد, وتبليغ لرسالة الإسلام.

2- إن حقيقة الإيمان وأثره في تربية النفوس تظهر آثارها في استعداد هذه القيادات الكبرى لأن تبذل أرواحها ودماءها في سبيل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يكون لها الجزاء في هذه الأرض كسبًا ولا منصبًا ولا قيادة ولا زعامة، وهم الذين أفنوا عشرات السنين من أعمارهم يتصارعون على الزعامة والقيادة, إنه أثر الإيمان بالله وبحقيقة هذا الدين عندما يتغلغل في النفوس.

3- يظهر التخطيط العظيم في بيعة العقبة، حيث تمت في ظروف غاية في الصعوبة، وكانت تمثل تحديًّا خطيرًا وجريئًا لقوى الشرك في ذلك الوقت؛ ولذلك كان التخطيط النبوي لنجاحها في غاية الإحكام والدقة على النحو التالي:

أ- سرية الحركة والانتقال لجماعة المبايعين، حتى لا ينكشف الأمر, فقد كان وفد المبايعة المسلم, سبعين رجلا وامرأتين، من بين وفد يثربي قوامه نحو خمسمائة، مما يجعل حركة هؤلاء السبعين صعبة، وانتقالهم أمرًا غير ميسور، وقد تحدد موعد اللقاء في ثاني أيام التشريق بعد ثلث الليل، حيث النوم قد ضرب أعين القوم، وحيث قد هدأت الرِّجْل، كما تم تحديد المكان في الشعب الأيمن، بعيدا عن عين من قد يستيقظ من النوم لحاجة.

ب- الخروج المنظم لجماعة المبايعين إلى موعد ومكان الاجتماع، فخرجوا يتسللون مستخفين، رجلاً رجلاً، أو رجلين رجلين.

ج- ضرب السرِّية التامة على موعد ومكان الاجتماع، بحيث لم يعلم به سوى العباس بن عبد المطلب الذي جاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ليتوثق له وعلي بن أبي طالب الذي كان عينًا للمسلمين على فم الشِّعب، وأبو بكر الذي كان على فم الطريق وهو الآخر عينٌ للمسلمين ، أما من عداهم من المسلمين, وغيرهم فلم يكن يعلم عن الأمر شيئًا، وقد أمر جماعة المبايعين أن لا يرفعوا الصوت، وأن لا يطيلوا في الكلام، حذرًا من وجود عين يسمع صوتهم، أو يجس حركتهم.

د- متابعة الإخفاء والسرية حين كشف الشيطان أمر البيعة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعوا إلى رحالهم ولا يحدثوا شيئًا، رافضًا الاستعجال في المواجهة المسلحة التي لم تتهيأ لها الظروف بعد، وعندما جاءت قريش تستبرئ الخبر، موه المسلمون عليهم بالسكوت، أو المشاركة بالكلام الذي يشغل عن الموضوع.

هـ- اختيار الليلة الأخيرة من ليالي الحج، وهي ليلة الثالثة عشر من ذي الحجة، حيث سينفر الحجاج إلى بلادهم ظهر اليوم التالي وهو اليوم الثالث عشر، ومن ثم تضيق الفرصة أمام قريش في اعتراضهم أو تعويقهم إذا انكشف أمر البيعة، وهو أمر متوقع وهذا ما حدث .

4- كانت البنود الخمسة للبيعة من الوضوح والقوة بحيث لا تقبل التمييع والتراخي, إنه السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في اليسر والعسر, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام في الله لا تأخذهم فيه لومة لائم, ونصر لرسول الله وحمايته إذا قدم المدينة .

5- سرعان ما استجاب قائد الأنصار دون تردد البراء بن معرور, قائلا: والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا, فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحرب, وأهل الحلقة، ورثناها كابرًا عن كابر، فهذا زعيم الوفد يعرض إمكانيات قومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقومه أبناء الحرب والسلاح.

6- كان أبو الهيثم بن التيِّهان صريحًا عندما قال للرسول صلى الله عليه وسلم: إن بيننا وبين الرجال حبالاً وإنا قاطعوها، يعني اليهود، فهل عسيتم إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله, أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم»، وهذا الاعتراض يدلنا على الحرية العالية, التي رفع الله تعالى المسلمين إليها بالإسلام، حيث عبر عمَّا في نفسه بكامل حريته ،وكان جواب سيد الخلق صلى الله عليه وسلم عظيمًا، فقد جعل نفسه جزءًا من الأنصار والأنصار جزءًا منه .

7- يؤخذ من اختيار النقباء دروس مهمة منها:

أ- أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعين النقباءَ إنما ترك طريق اختيارهم إلى الذين بايعوا، فإنهم سيكونون عليهم مسئولين وكفلاء، والأولى أن يختار الإنسان من يكفله ويقوم بأمره، وهذا أمر شوري وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يمارسوا الشورى عمليًّا من خلال اختيار نقبائهم.

ب- التمثيل النسبي في الاختيار، من المعلوم أن الذين حضروا البيعة من الخزرج أكثر من الذين حضروا البيعة من الأوس، ثلاثة أضعاف من الأوس بل يزيدون، ولذلك كان النقباء ثلاثة من الأوس وتسعة من الخزرج .

ج- جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقباء مشرفين على سير الدعوة في يثرب، حيث استقام عود الإسلام هناك، وكثر معتنقوه، وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشعرهم أنهم لم يعودوا غرباء لكي يبعث إليهم أحدًا من غيرهم، وأنهم غدوا أهل الإسلام وحماته وأنصاره .

8- تأكد زعماء مكة من حقيقة الصفقة التي تمت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنصار، فخرجوا في طلب القوم فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر، والمنذر بن عمرو وكلاهما كان نقيبًّا، فأما المنذر فأعجز القوم، وأما سعد فأخذوه، فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجمته, وكان ذا شعر كثير، واستطاع أن يتخلص من قريش بواسطة الحارث بن حرب بن أمية وجبير بن مطعم؛ لأنه كان يجير تجارتهم ببلده، فقد أنقذته أعراف الجاهلية، ولم تنقذه سيوف المسلمين، ولم يجد في نفسه غضاضة من ذلك، فهو يعرف أن المسلمين مطاردون في مكة، وعاجزون عن حماية أنفسهم.

9- في قول العباس بن عبادة بن نضلة: والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى غدًا بأسيافنا، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم» درس تربوي بليغ, وهو أن الدفاع عن الإسلام، والتعامل مع أعداء هذا الدين ليس متروكًا لاجتهاد أتباعه، وإنما هو خضوع لأوامر الله تعالى وتشريعاته الحكيمة فإذا شرع الجهاد فإن أمر الإقدام أو الإحجام متروك لنظر المجتهدين بعد التشاور ودراسة الأمر من جميع جوانبه ، وكلما كانت عبقرية التخطيط السياسي أقوى أدت إلى نجاح المهمات أكثر، وإخفاء المخططات عن العدو وتنفيذها هو الكفيل بإذن الله بنجاحها «ولكن ارجعوا إلى رحالكم».

10- كانت البيعة بالنسبة للرجال ببسط رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وقالوا: له ابسط يدك، فبسط يده فبايعوه، وأما بيعة المرأتين اللتين شهدتا الوقعة فكانت قولاً، ما صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أجنبية قط، فلم يتخلف أحد في بيعته صلى الله عليه وسلم حتى المرأتان بايعتا بيعة الحرب، وصدقتا عهدهما، فأما نسيبة بنت كعب (أم عمارة) فقد سقطت في أحد، وقد أصابها اثنا عشر جرحًا، وقد خرجت يوم أحد مع زوجها زيد بن عاصم بن كعب ومعها سقاء تسقي به المسلمين، فلما انهزم المسلمون انحازت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت تباشر القتال، وتذب عنه بالسيف وقد أصيبت بجراح عميقة وشهدت بيعة الرضوان ،وقطع مسيلمة الكذاب ابنها إربا إربا فما وهنت وما استكانت، وشهدت معركة اليمامة في حروب الردة مع خالد بن الوليد فقاتلت حتى قطعت يدها وجرحت اثني عشر جرحًا، وأما الثانية فهي أسماء ابنة عمرو من بني سليمة قيل: هي والدة معاذ بن جبل، وقيل: ابنة عمة معاذ بن جبل رضي الله عنهم جميعًا.

11- عندما نراجع تراجم أصحاب العقبة الثانية، من الأنصار في كتب السير والتراجم نجد أن هؤلاء الثلاثة والسبعين قد استشهد قرابة ثلثهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، ونلاحظ أنه قد حضر المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة النصف، فثلاثة وثلاثون منهم كانوا بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع غزواته، وأما الذين حضروا غزوة بدر فكانوا قرابة السبعين.

لقد صدق هؤلاء الأنصار عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم من قضى نحبه ولقي ربه شهيدًا، ومنهم من بقي حتى ساهم في قيادة الدولة المسلمة وشارك في أحداثها الجسام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبمثل هذه النماذج قامت دولة الإسلام، النماذج التي تعطي ولا تأخذ، والتي تقدم كل شيء، ولا تطلب شيئًا إلا الجنة، ويتصاغر التاريخ في جميع عصوره ودهوره أن يحوي في صفحاته، أمثال هؤلاء الرجال. أنظر السيرة النبوية للصلابي (1/321-326)

 

[702] - سيرة ابن هشام(1/  447-السقا) وهو ضعيف فقد ذكره ابن إسحاق بلا إسناد.

[703] - سبل الهدى والرشاد (3/204)

[704] -  الطبراني في المعجم الكبير (12/ 374-رقم 13386 )قال:حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ تَوْبَةَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فذكره.. ورواه أبو نعيم عن ابن عمر، وانظر كنز العمال(33780) وفي سنده:عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر،أبو القاسم المدني. متروك . قال أبو زرعة والنسائي : متروك ، و سمع منه أحمد و مزقه. و قال أبو داود : لا يكتب حديثه . تهذيب التهذيب 6 / 214

و قال النسائى : متروك الحديث .

[705] -ابن هشام(1/ 446- السقا)   وهو مرسل. وأخرجه ابن سعد (3/ 172)  عن شيخه الواقدي-وهو متروك- بسنده عن محمود بن لبيد رضي الله عنه" وانظر:كنز العمال (33779)

[706] - ابن هشام(1/ 446- السقا)   وهو مرسل

[707] -سيرة ابن هشام(1/ 450 -السقا)  وهو مرسل.وقال الهيثمي(6/45)رواه أحمد والطبراني بنحوه ورجال احمد رجال الصحيح غير ابن اسحاق وقد صرح بالسماع.

[708] - وفي الروض الأنف (1/272) : «فحسبوا أنه يريد بالسعدين القبيلتين:سعد هذيم من قضاعة، وسعد بن زيد بن تميم»

[709] - البيهقي في دلائل النبوة  (2/ 428-429) حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي عِيسَى بْنِ خَيْرٍ كَذَا قَالَ، وَهُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي عَبْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ فذكره.. والخبر أخرجه ابن أبي الدنيا، والخرائطي، وذكره ابن كثير في «البداية والنهاية» (3/165)

 و الخبر لا يصح.وفي سنده هشام بن محمد بن السائب الكلبي وهو ضعيف. قال الذهبي في تاريخ الإسلام(14/419-420) :قال أحمد بن حنبل: إنما كان صاحب سمر ونسب، ما ظننت أحداً يحدث عنه. وقال الدارقطني، وغيره: متروك...وقال الذهبي: ومع فرط ذكاء ابن الكلبي لم يكن بثقة، وفيه رفض أهـ.

 

[710] -   ابن سعد( 3/ 459) والخبر مرسل ،والواقدي متروك.وانظر: كنز العمال (33778)

[711] -   انظر البداية والنهاية لابْن كثيرِ (3/ 281) ط إحياء التراث العربي.

[712] - البخاري(2297 ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ به

[713] -البخاري (3622 ) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري به.. وأخرجه مسلم أيضًا

[714] - سيرة ابن هشام(2/82-83)

([715]) كلبت قريش عليهم: أي غضبت عليهم. و انظر: طبقات ابن سعد (1/325).

[716] - ابن هشام(2/82-83) أو(1/460-470 = ت السقا): قال ابن اسحاق:حدثني أبي-إسحاق بن يسار- عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة عن جدته أم سلمة فذكره.. وهذا إسناد حسن متصل ، فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث ،وأبوه سمع من سلمة  .وذكر ابن حجر في التهذيب (4/149) أن سلمة يروي عن جدته أم سلمة رضي الله عنها.وأنه مقبول الرواية.

وقد كَانَ عُثْمَان يَوْم هجرته بِأم سَلمَة على الْكفْر، وَإِنَّمَا أسلم فِي هدنة الحديبيّة، وَهَاجَر قبل الْفَتْح مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد، وَقتل يَوْم أحد إخْوَته مسافع وكلاب والْحَارث وأبوهم، وَقتل عَمه عُثْمَان بن أَبى طَلْحَة أَيْضا يَوْم أحد كَافِرًا، وَبِيَدِهِ كَانَت مَفَاتِيح الْكَعْبَة. وَدفعهَا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الْفَتْح إِلَى عُثْمَان بن طَلْحَة بن أَبى طَلْحَة وَإِلَى عَمه شيبَة بن عُثْمَان بن أَبى طَلْحَة، وَهُوَ جد بنى شيبَة، حجبة الْكَعْبَة.

وَاسم أَبى طَلْحَة، جدهم: عبد الله بن عبد الْعُزَّى. وَقتل عُثْمَان رَحمَه الله شَهِيدا بأجنادين فِي أول خلَافَة عمر.

 00ويستفاد من هذه القصة ما يلي:

1-  أَثَر الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب، فهذه أسرة فُرِّق شملُها، وامرأة تبكي شدة مصابها، وطفل خُلعت يده وحُرم من أبويه، وزوج وأب يسجل أروع صور التضحية والتجرد، ليكون أول مهاجر يصل أرض الهجرة، محتسبين في سبيل الله ما يلقون، مصممين على المضي في طريق الإيمان، والانحياز إلى كتيبة الهدى، فماذا عسى أن ينال الكفر وصناديده من أمثال هؤلاء؟

2-المروءة والخلق العربي الأصيل الذي دلّ عليه صنيع عثمان بن طلحة tالذي كان يومئذ كافراً (وأسلم قبل الفتح) ومع ذلك تشهد له أم سلمة رضي الله عنها بكرم الصحبة، وذلك شاهد صدق على نفاسة هذا المعدن، وكمال مروءته، وحمايته للضعيف ، فقد أبت عليه مروءته وخلقه العربي الأصيل أن يدع امرأة شريفة تسير وحدها في هذه الصحراء الموحشة، وإن كانت على غير دينه، وهو يعلم أنها بهجرتها تراغمه وأمثاله من كفار قريش.

فأين من هذه الأخلاق الكريمة، أخلاق الحضارة في القرن العشرين، من سطو على الحريات، واغتصاب للأعراض، بل وعلى قارعة الطريق، وما تطالعنا به الصحافة كل يوم من أحداث يندى لها جبين الإنسانية، ومن تفنن في وسائل الاغتصاب وانتهاك الأعراض، والسطو على الأموال.

إن هذه القصة- ولها مثل ونظائر- لتشهد أن ما كان للعرب من رصيد من الفضائل كان أكثر من مثالبهم ورذائلهم، فمن ثم اختار الله منهم خاتم أنبيائه ورسله، وكانوا أهلاً لحمل الرسالة، وتبليغها للناس كافة([716]).

3- حفظ الله تعالى لأوليائه،وعنايته بهم ، وتسخيره لهم، فهو جل وعلا الذي سخر قلب عثمان بن طلحة للعناية بأم سلمة، ولذلك بذل الجهد والوقت من أجلها كما تظهر سلامة فطرة عثمان بن طلحة، التي قادته أخيراً إلى الإسلام بعد صلح الحديبية، ولعل إضاءة قلبه بدأ منذ تلك الرحلة، في مصاحبته لأم سلمة رضي الله عنهم. أنظر  السيرة النبوية لأبي شهبة(1/461) وللصابوني(1/333)

 

[717] - سيرة ابن هشام(2/83-90) وذكره غير مسند .

[718] - سيرة ابن هشام(2/85-86) وإسناده حسن .

[719] - سيرة ابن هشام(2/86-87) قال ابن اسحاق: :حدثني نافع عن عبد الله بن عمر عن عمر فذكره..  وهذا إسناد حسن.متصل

[720] - البخاري(6940) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ..

[721] - البخاري رقم(3924 ) حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة أنبأنا أبو اسحاق سمع البراء رضي الله عته فذكره..

[722] - البخاري (3925 )حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ فذكره.. ورواه مسلم

[723] - أخرجه الحاكم(3/452رقم 5706 )  قال:أخبرنا أبو العباس إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكال أخبرنا عبدان الأهوازي حدثنا زيد بن الحريش حدثنا يعقوب بن محمد الزهري حدثنا حصين بن حذيفة بن صيفي بن صهيب حدثني أبي وعمومتي عن سعيد بن المسيب عن صهيب به. وصححه الحاكم.ووافقه الذهبي. وأخرجه  البيهقي عن الحاكم به,ورواه الطبراني في الكبير(8/31 رقم7296) حدثنا أَحْمَدُ بن مُحَمَّدٍ الْمُعِينُ الأَصْبَهَانِيُّ ثنا زَيْدُ بن الْحَرِيشِ به

[724] الحاكم(3/450رقم 5700 ) أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزاهد ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة فذكره... قال :و حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس نحوه. وقال:صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه.وسكت عنه الذهبي .

[725] -  الحاكم( 3/451 رقم5703) حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ثنا محمد بن شاذان الجوهري ثنا سعيد بن سليمان الواسطي ثنا عبد الله بن المبارك أخبرني عبد الحميد بن صيفي من ولد صهيب عن أبيه عن جده صهيب فذكره...وقال:صحيح الإسناد و لم يخرجاه.ووافقه الذهبي .

 

[726] - البخاري(  692 ) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ به. وطرفه 7175 - تحفة 7800.

[727] -  الترمذي(3923) فقال حدثنا الحسين بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن عيسى بن عبيد بن غيلان بن عبد الله العامري عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جرير به.. وقال هذا حديث غريب لانعرفه إلا من حديث الفضل بن موسى . وقال الشيخ الألباني : موضوع

[728] - سيرة ابن هشام(2/87)

[729] - المسند(1/ 348 ) حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر أخبرني عثمان الجزري أن مقسمًا مولى ابن عباس أخبره عن ابن عباس... وعبد الرزاق في مصنفه(5/389) و الطبراني في الكبير(11/ 407)

 وقال الهيثمي في المجمع(7/100):رواه أحمد والطبراني وفيه عثمان بن عمرو الجزري وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح أهـ

وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف . عثمان الجزري قال أحمد : روى أحاديث مناكير زعموا أنه ذهب كتابه. وقال ابن أبي حاتم : سألت عنه أبي فقال ما أعلم روى عنه غير معمر والنعمان . وقد أخطأ الهيثمي وتابعه أحمد شاكر وحبيب الرحمن فظنوه عثمان بن عمرو بن ساج الجزري المترجم في التهذيب وقال ابن كثير في تاريخه : وهذا إسناد حسن ! وهو من أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار .

 

[730] -المسند(1/223) حدثنا جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس به.. ورواه الترمذي(3139)وقال: حديث حسن صحيح. ولكن ضعفه الألباني وشعيب الأرنؤوط

 

[731] - تفسير ابن كثير(5/111)

 

[732] -ابن هشام(2/90-92) قال ابن اسحاق:حدثني من لا أتهم من أصحابنا عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر عن عبد الله بن عباس ،وغيره مما لا أتهم عن عبد الله بن عباس به..ورجال السند كلهم ثقات إلا شيخ ابن اسحاق فقد أبهمه لكن صرح بأنه غير متهم عنده .

وهذه القصة التي ذكرها ابن اسحاق قد رواها الواقدي بأسانيده عن عائشة وابن عباس وعلي وسراقة بن مالك بن جعشم وغيرهم- دخل حديث بعضهم في بعض- فذكر نحوها .

[733] -ابن هشام(2/90-92)

[734] - وكان ذلك في سبتمبر سنة 622 م على ما ذكره المباركفوري في الرحيق المختوم (ص:153)..وفي كتاب" نور اليقين في سيرة سيد المرسلين "للشيخ محمد الخضري(ص92) قال: والذي حققه المرحوم-بإذن الله- محمود باشا الفلكي أن ذلك كان في اليوم الثاني من ربيع الأول الذي يوافق 20 سبتمبر سنة 922م وهذا أول تاريخ جديد لظهور الإسلام بعد أن مضى عليه ثلاث عشرة سنة وهو مضيق عليه من مشركي مكة.أهـ. ولذلك اتخذ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه – بإجماع الصحابة في عصره- حادثة الهجرة تاريخًا للمسلمين يؤرخون به أيامهم ، مما يدل على أنها أكبر الحوادث الإسلامية أثرًا في تاريخ الدعوة الإسلامية فبها أعز الله الدين وأصبح للإسلام دولة وشوكة.

[735] - المسند(1/277) ثنا موسى بن داود قال ثنا بن لهيعة عن خالد بن أبى عمران عن حنش الصنعاني عن ابن عباس به..  ( وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف ) قلت:  ضعفه بسبب ابن لهيعة.والشطر الأول من الحديث صحيح له شواهد صحيحة تقويه.

[736] -  مستدرك الحاكم(3/475 ) :حدثنا أبو بكر إسماعيل بن محمد الفقيه بالري ثنا أبو حاتم الرازي ثنا محمد بن عائذ الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم عن عبد الله بن يزيد عن أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه به.. والطبراني في الكبير(17/ 173) وسكت عنه الذهبي. وقال الهيثمي في المجمع(6/79):  (رواه الطبراني ورجاله ثقات). وذكره العلي في صحيح السيرة(ص:135)

 

[737] -  البخاري(3902 ): حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به.. ورواه مسلم(2351)

[738] -  انظر كيف سخر أبو بكر نفسه و أسرته لحماية الدعوة وخدمتها في حادثة الهجرة فكان له دور الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،  ولابنه عبد الله دور نقل أخبار قريش وكيدهم إليهما،  ولابنته أسماء دور الطعام، ولمولاه عامر بن فهيرة دور أيضًا فكان يأتي إليهم بالغنم ليسقيهما من ألبانها وليطمس آثار أقدام عبد الله حتى لا يتتبع أحد من المشركين آثاره فيعلم بمكان النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه  .

[739] -  و قد جاء سراقة مسلمًا عام حجة الوداع و دفع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الكتاب الذي كتبه له فوفى له رسول الله صلى الله عليه و سلم بما وعده.

[740] - البخاري(3905 -3906) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أن عائشة قذكره...

[741] - البخاري رقم(3907 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ وَفَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.. و(هشام) الذي في السند هو ابن عروة و( فاطمة ) هي بنت المنذر بن الزبير زوجة هشام بن عروة بن الزبير وأسماء جدتهما رضي الله تعالى عن الجميع .

 

[742] -لبن هشام(2/94-100)

[743] - ابن هشام(2/97) قال ابن اسحاق:حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن أباه حدثه عن جدته أسماء ...وسنده حسن

[744] -المسند(1/2) حدثنا عمرو بن محمد أبو سعيد العنقزي ثنا اسرائيل عن أبي اسحاق عن البراء... وقال الأرنؤوط:صحيح على شرط مسلم. رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمرو بن محمد العنقزي، فمن رجال مسلم. . والحديث رواه ابن أبي شيبة(36610)عن عبيد الله بن موسى عن اسرائيل به..وأخرجاه في الصحيحين من حديث اسرائيل بدون قول البراء( أول من قدم علينا الخ) فقد انفرد به مسلم فرواه من طريق اسرائيل به.. انظر البخاري (3652) ومسلم(2009)

 

[745] - البخاري (3653) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ به.. ورواه مسلم(2381)

[746] - البخاري(3911 ) :حدثنا محمد حدثنا عبد الصمد حدثنا أبي حدثنا عبد العزيز بن صهيب حدثنا أنس بن مالك به..وأطرافه هي 3329 ، 3938 ، 4480 - تحفة 1049 - 80/5

[747] -   الحاكم(3/10رقم 4274)  حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْأَحْمَسِيُّ، بِالْكُوفَةِ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْخَزَّازُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ بَشَّارٍ الْخُزَاعِيُّ، ثنا أَخِي أَيُّوبُ بْنُ الْحَكَمِ، وَسَالِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ جَمِيعًا، عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ هِشَامِ بْنِ حُبَيْشِ بْنِ خُوَيْلِدٍ  فذكره..وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» وَيُسْتَدَلُّ عَلَى صِحَّتِهِ وَصِدْقِ رُوَاتِهِ بِدَلَائِلَ، فَمِنْهَا: نُزُولُ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَيْمَتَيْنِ مُتَوَاتِرًا فِي أَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ ذَوَاتِ عَدَدٍ.

- وَمِنْهَا: أَنَّ الَّذِينَ سَاقُوا الْحَدِيثَ عَلَى وَجْهِهِ أَهْلُ الْخَيْمَتَيْنِ مِنِ الْأَعَارِيبِ الَّذِينَ لَا يُتَّهَمُونَ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَقَدْ أَخَذُوهُ لَفْظًا بَعْدَ لَفْظٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، وَأُمِّ مَعْبَدٍ.

- وَمِنْهَا أَنَّ لَهُ أَسَانِيدَ كَالْأَخْذِ بِالْيَدِ أَخْذِ الْوَلَدِ عَنْ أَبِيهِ، وَالْأَبِ عَنْ جَدِّهِ لَا إِرْسَالٌ وَلَا وَهَنٌ فِي الرُّوَاةِ .

-وَمِنْهَا أَنَّ الْحُرَّ بْنَ الصَّبَّاحِ النَّخَعِيَّ أَخَذَهُ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ كَمَا أَخَذَهُ وَلَدُهُ عَنْهُ، فَأَمَّا الْإِسْنَادُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ بِسِيَاقِةِ الْحَدِيثِ عَنِ الْكَعْبِيِّينَ فَإِنَّهُ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَالٍ لِلْعَرَبِ الْأَعَارِبَةِ وَقَدْ عَلَوْنَا فِي حَدِيثِ الْحُرِّ بْنِ الصَّبَّاحِ" ثم ذكر إسناده إليه برقم(4275)فقال: حَدَّثَنَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُكْرَمٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ وَهْبٍ الْمَذْحِجِيُّ، ثنا الْحُرُّ بْنُ الصَّيَّاحِ النَّخَعِيُّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مُهَاجِرًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ مِثْلَ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَكَمِ.

قلت: صحح الذهبي الرواية الأولى في التلخيص .  وأخرجه الطبراني في الكبير(7/105) قال:حدثنا محمد بن علي الصائغ المكي ثنا عبد العزيز بن يحيى المديني ثنا محمد بن سليمان بن سليط الأنصاري عن أبيه عن جده فذكره.. وأنكر علماء الحديث أن تروى  قصة أم معبد من طريق محمد بن سليمان بن سليط

[748] - دلائل النبوة للبيهقي(2/491) أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال : أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار قال : أنبأنا أحمد بن يحيى الحلواني ، ومحمد بن الفضل بن جابر ، قالا : حدثنا محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة (ح ) وأخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ، ببغداد ، واللفظ له قال : أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد المصري قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي مريم قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : حدثنا عبد الرحمن بن الأصبهاني قال : سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى ، يحدث عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فذكره.. وقال ابن كثير:إسناد حسن .

[749] - ابن هشام(2/100-102) قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عبدالرحمن بن عويم بن ساعدة به...ورجاله ثقات.. ورواه تاريخ الطبري(1/571) عن ابن حميد عن سلمة عن ابن اسحاق به.. الرازي شيخ الطبري ضعيف.

[750] - مسلم(2053 )حدثني الحجاج بن الشاعر وأحمد بن سعيد بن صخر ( واللفظ منهما قريب ) قالا: حدثنا أبو النعمان حدثنا ثابت (أبو زيد الأحول ) حدثنا عاصم بن عبدالله ابن الحارث عن أفلح مولى أبي أيوب به.. ورواه أحمد(5/ 415)

معنى(يؤتى) أي: تأتيه الملائكة والوحي كما جاء في الحديث الآخر إني أناجي من لا تناجي وإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم

[751] - قال ابن اسحاق: حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ اليَزَنيّ عَنْ أَبِي رُهْمٍ السّمَاعِيّ قَالَ حَدّثَنِي أَبُو أَيّوبَ به

[752] -حمله العلماء على أنه قيل قبل أن تبلغ فاطمة ما بلغته من المكانة الرفيعة التي فاقت بها سائر بنات النبي وخاصة وهي التي فجعت بموت النبي وصبرت عليه وأي مصيبة أعظم من ذلك.فصار ذلك في ميزانها وهي سيدة نساء العالمين.

[753] - مستدرك الحاكم(2/219) أخبرني أحمد بن أبو بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي بمرو ثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل ثنا سعيد بن أبي مريم أنبأ يحيى بن أيوب حدثني ابن الهاد حدثني عمرو بن عبد الله بن عروة بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عائشة به.. وقال:هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه.ووافقه الذهبي

 

[754] - البداية والنهاية(3/221)

[755] - البخاري(3909) حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ فذكره..وقال: تَابَعَهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا هَاجَرَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حُبْلَى. وهذه الرواية التي علقها البخاري عن خالد بن مخلد قد وصلَها ابن أبي شيبة 8/20 و14/335، ومسلم (2146) ، والحافظ في "تغليق التعليق" 4/95. وطرف الحديث في البخاري رقم 5469 - تحفة 15727 - 79/5  .ومعنى(حنكه) أي:مضغ تمرة أو نحوها ثم دلكها بحنكه

[756] - من هذه الدروس المستفادة:

1)  الصراع بين الحق والباطل قديم ثم تكون العاقبة للمتقين . قال تعالى:{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[ الحج(40)]

2) دقة التخطيط والأخذ بالأسباب والتوكل على الله  والثقة فيه والاستسلام لأمر الله وقدره عندما تنفذ جميع الوسائل كما فعل النبي في هجرته ثم أحاط المشركون بالغار فنجاه الله، قال تعالى  {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة (40)]

3) حسن اختيار الصاحب والرفيق كما اختار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه  .

4) حسن اختيار الأرض الخصبة التي تستجيب للدعوة وإعداد الرجال المخلصين منها الذين يستقبلون الدعوة ويحمونها كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما بايع جماعة من الأوس والحزرج  بيعة العقبة الثانية .

5) الكتمان والسرية وأثرهما في إنجاح الأمر الهام كما جاء النبي صلى الله عليه وسلم عندما أراد الهجرة إلى دار أبي بكر رضي الله عنه  في ساعة كان لا يأتيه فيها وجاء متقنعا وأمر بإخراج من في الدار  كي لا يسمعه أحد .

6) فضل أبي بكر الصديق حيث جند نفسه وأهله لخدمة الإسلام ورسول الإسلام .فالدعوة تحتج لمن يضحي من أجلها بكل ما يملك .

7) دور المرأة المسلمة في إنجاح الدعوة و بناء المجتمع المسلم .

8) جواز الاستعانة بالرجل الكافر الأمين  والاستفادة بخبرات غير المسلمين فيما ينفع الإسلام والمسلمين ،فقد اتخذ الرسول دليلاً مشركًا وهوعبد الله بن أريقط الليثي لأنه كان خبيرًا بالطرق وأمينا لا يخشى شره.

9) الله ناصر دينه ، بالمسلم وبغير المسلم ففي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: "  إنَّ اللهَ لَيُؤيِّدُ هذا الدينَ بالرَّجُلِ الفاجِرِ". [رواه البخاري (3062) ، ومسلم (111)] وقد جاء سراقة محاربا لرسول اللهصلى الله عليه وسلم وعاد مدافعًا عنه.

9) توظيف كل مسلم حسب قدراته وخبراته لخدمة الدعوة إلى الله تعالى .

10) أن يتحمل الدعاة إلى الله المشاق والصعاب في سبيل دعوتهم أسوة بسيد الدعاة صلى الله عليه وسلم .

11) شدة حب الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم وخروجهم كل يوم شوقًا لمجيئه .

[757] - ابن هشام(2/102)

[758] - وأخرجه أيضًا ابن عساكر (30/80)

[759] - أحمد(3251 )حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر أخبرني عثمان الجزري أن مقسما مولى ابن عباس أخبره عن ابن عباس فذكره..وقال الأرنؤوط: إسناده ضعيف، عثمان الجزري، ويقال له: عثمان المشاهد، قال أحمد: روى أحاديث مناكير زعموا أنه ذهب كتابه، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عثمان الجزري، فقال: لا أعلم روى عنه غير معمر والنعمان. وقد فات الحسينى وابن حجر أن يذكراه في كتابيهما مع أنه من شرطهما، وأخطأ الهيثمي وتابعه أحمد شاكر وحبيب الرحمن كما تقدم في الحديث رقم (2562)-في المسند- ، فظنوه عثمان بن عمرو بن ساج الجزري المترجم في "التهذيب"، وقال ابن كثير في "تاريخه"  2/239: وهذا إسناد حسن! وهو من أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار، وذلك من حماية الله لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وهو في "مصنف عبد الرزاق" (9743) ضمن حديث مطول، ومن طريقه أخرجه الطبراني (12155) ، والخطيب في "تاريخ بغداد" 13/191.

وأخرجه أبو نعيم في "دلائل النبوة" (154) مطولاً من طريق مجاهد وأبي صالح، عن ابن عباس.أهـ

[760] - ذكره في البداية والنهاية(3/181-182)

[761] - وذكره ابن كثير في البداية والنهاية(3/197)

[762] -مستدرك الحاكم(3/4) أخبرنا الأستاذ أبو الوليد و أبو بكر بن عبد الله قالا : أخبرنا الحسن بن سفيان ثنا أبو موسى الأنصاري ثنا سعيد بن سعيد المقبري حدثني أخي عن أبي هريرة..  وقال:هذا حديث رواته مدنيون من بيت أبي سعيد المقبري وقال الذهبي : موضوع

 

[763] البداية والنهاية(3/205)

 

[764] -المسند(4/305) : حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرنا أبو سلمة بن عبد الرحمن ان عبد الله بن عدى.. قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن صحابيه روى له أصحاب السنن سوى أبي داود.

وأخرجه أحمدأيضًا(4/305) عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن صالح عن ابن شهاب الزهري به.

وهكذا رواه الترمذي(3925)  والنسائي في الكبرى(4252)وابن ماجه(3108) كلهم من حديث الليث عن عقيل عن الزهري به.وصححه الألباني

وقال الترمذي:هذا حديث حسن غريب صحيح .وقد رواه يونس عن الزهري نحوه ورواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث الزهري عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن حمراء عندي أصح.

 

 

[765] -     الطبراني في الكبير (12/ 361) حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خيثمة ثنا وهب بن يحيى بن زمام ثنا ميمون بن زيد عن عمر بن محمد عن أبيه عن ابن عمر به..

[766] -     النسائي في الكبرى(4254) أنبأنا سلمة بن شعيب عن إبراهيم بن خالد قال سمعت معمرًا عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكره

([767]) البخاري(3936) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ. وأطرافه 56 ، 1295 ، 2742 ، 2744 ، 4409 ، 5354 ، 5659 ، 5668 ، 6373 ، 6733 - تحفة 3890 - 88/5 ورواه مسلم(1628) وغيرهما

[768] - البخاري(4596) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ وَغَيْرُهُ قَالاَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الأَسْوَدِ قَالَ قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ ، فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَنَهَانِى عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْىِ ، ثُمَّ قَالَ أَخْبَرَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ فذكره.. ثم قال:رَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ . والحديث طرفه 7085 - تحفة 6210 - 61/6

([769])أخرجه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (برقم 215)قال:  أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرِ

 بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الأَصْبَهَانِيُّ، بِهَا، أَنَّ سَعِيدَ ابْنَ أَبِي الرَّجَاءِ أَخْبَرَهُمْ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أنبا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْبَقَّالَ، أنبا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ، أنبا جَدِّي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَمِيلٍ، أنبا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَرِيكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،فذكره  وقال الهيثمي في المجمع(7/ 68-69) : روى البخاري بعضه . رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن شريك وهو ثقة أهـ  وانظر:زاد المسير لابن الجوزي (2/97) تفسير القاسمي (3/399)

 وأخرج سَعِيدٌ بن منصور في كتاب التفسير من سننه ح685)، قَالَ: نا هُشَيْمٌ  ، عَنْ أَبِي بِشْر (هو جعفر بن إياس )، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ خُزَاعة  كَانَ بِمَكَّةَ، فَمَرِضَ - وَهُوَ ضَمْرَة بْنُ العِيْص، أَوِ العِيْص بْنُ ضَمْرَةَ بْنِ زِنْبَاع فَأَمَرَ أَهْلَهُ، فَفَرَشُوا لَهُ (عَلَى سَرِيرٍ) ، وَحَمَلُوهُ، وَانْطَلَقُوا بِهِ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا كَانَ بِالتَّنْعِيمِ مَاتَ، فَنَزَلَتْ: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بيته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ على الله}.والحديث مرسل,وهشيم قد عنعنه وهو مدلس لكن تابعه شعبة.

 وقد أخرجه البيهقي في "سننه" (9 / 14 - 15) في السير، باب: من خرج من بيته مهاجرًا فأدركه الموت في طريقه، من طريق المصنِّف، به مثله، إلا أنه قال: ((وهو ضمرة بن الْعِيصُ بْنُ ضَمْرَةَ بْنِ زِنْبَاعٍ))

وأخرجه عبد بن حميد في "مسنده" كما في هامش "تفسير ابن أبي حاتم" (2 / ل 175 / ب) .

وابن جرير في "تفسيره" (9 / 114 رقم 10282) .وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"

أما عبد بن حميد فمن طريق عمرو بن عون، وأما ابن جرير فمن طريق يعقوب بن إبراهيم، وأما أبو نعيم فمن طريق زياد بن أيوب، ثلاثتهم عن هشيم، به نحوه، إلا أن أبا نعيم ذكر اسم الرجل مثل البيهقي، وأما رواية عبد ففيها: ((ضمرة بن العيص)) بلا شك.

وأخرجه ابن جرير أيضًا برقم (10283) فقال: حدثنا محمد بن بشّار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بن جبير أنه قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ} في ضمرة بن العيص بن الزنباع - أو: فلان بن ضمرة بن العيص بن الزنباع -؛ حين بلغ التنعيم مات، فنزلت فيه.

وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن جبير، رجاله كلهم ثقات تقدمت تراجمهم.

وقد أخرجه البلاذري والسرّاج من طريق أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير، به كما في "الإصابة" لابن حجر (1 / 516) .

وأخرجه الفريابي في "تفسيره" كما في "الإصابة" (3 / 491) .وابن جرير في "تفسيره" (9 / 118 رقم 10295) .كلاهما من طريق قيس بن الربيع، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بن جبير قال: لما نزلت: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غير أولي الضرر ... } الآية، ثم ترخّص عنها أناس من المساكين ممن بمكة، حتى نزلت: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ... } الآية، فقالوا: هذه مرجفة، حتى نزلت: {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً} ، فقال ضمرة بن العيص - أحد بني ليث -، وكان مصاب البصر، وكان موسرًا: لئن كان ذهاب بصري، إني لأستطيع الحيلة؛ لي مال ورقيق، احملوني، فحُمل ودبّ وهو مريض، فأدركه الموت وهو عند التنعيم، فدفن عند مسجد التنعيم، فنزلت فيه خاصة: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إلى الله ورسوله ... } الآية.

وقيس بن الربيع تقدم أنه تغيّر لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدَّث به، لكنه توبع.

فأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (2 / ل 176 / أ) من طريق إسرائيل بن يونس، عن سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عن أبي ضمرة بن العيص الزُّرَقي الذي كان مصاب البصر، وكان بمكة. فلما نزلت: {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون} ، فقلت: إنني لغني، وإني لذو حيلة، قال: فتجهز يريد النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأدركه الموت بالتنعيم، فنزلت هذه الآية: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله} .

وأخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" (1 / 171) فقال: أنا ابن عيينة، عن عمرو قال: سمعت عكرمة يقول: كان ناس بمكة قد شهدوا أن لا إله إلا الله، قال: فلما خرج المشركون إلى بدر أخرجوهم معهم، فقتلوا، فنزلت فيهم: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوًا غفورًا} ، قال: فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة، قال: فخرج ناس من المسلمين، حتى إذا كانوا ببعض الطريق طلبهم المشركون، فأدركوهم، فمنهم من أعطى الفتنة فأنزل الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ} ، فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة، فقال رجل من بني ضمرة - وكان مريضًا -: أخرجوني إلى الرَّوْح، فأخرجوه، حتى إذا كان بالحصحاص مات، فأنزل الله فيه {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إلى الله ورسوله} الآية، وأنزل في أولئك الذين كانوا قد أعطوا الفتنة: {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا} إلى {رحيم} .

وهذا إسناد ضعيف لإرساله، وسنده صحيح إلى مرسله عكرمة، فسفيان بن عيينة وعمرو بن دينار ثقتان تقدمت ترجمتهما.

وأخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (9 / 115 - 116 رقم 10287) من طريق عبد الرزاق، به مختصرًا.

([770]) انظر: الهجرة في القرآن الكريم، ص167.

[771] - البخاري(4588) حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة به.. وأطرافه 1357 ، 4587 ، 4597 - تحفة 5797

([772]) روح المعاني (5/128، 129) للألوسي، أسباب النزول للواحدي، ص181.

[773] - البخاري(3776) قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ به

[774] -البخاري( 3779) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به

[775] - البخاري(3782 ) حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو هَمَّامٍ قَالَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به

[776] - البخاري( 3783 )حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ به

[777] - البخاري(3784 )حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ عَنْ أَنَسِ به

[778] - البخاري(3786 ) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ به

[779] - البخاري(3789) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ به ..وقال: وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا وَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ

[780] - البخاري(3795 ) حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو إِيَاسٍ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ أَنَسِ به

[781] - البخاري(3798 ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به

[782] - البخاري(3799) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو عَلِيٍّ حَدَّثَنَا شَاذَانُ أَخُو عَبْدَانَ حَدَّثَنَا أَبِي أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ فذكره

[783] - البخاري(3800) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ به

[784] - ذكر اابن إسحاق قبل هذه الأبيات إسلام أبي قيس وبعض أشعاره. فقال:

: فَلَمّا اطْمَأَنّتْ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَارُهُ وَأَظْهَرَ اللّهُ بِهَا دِينَهُ وَسَرّهُ بِمَا جَمَعَ إلَيْهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ قَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ ، أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ .- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسِ بْنِ صِرْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ- . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَجُلًا قَدْ تَرَهّبَ فِي الْجَاهِلِيّةِ ، وَلَبِسَ الْمُسُوحَ وَفَارَقَ الْأَوْثَانَ وَاغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَتَطَهّرَ مِنْ الْحَائِضِ مِنْ النّسَاءِ وَهَمّ بِالنّصْرَانِيّةِ ثُمّ أَمْسَكَ عَنْهَا ، وَدَخَلَ بَيْتًا لَهُ فَاِتّخَذَهُ مَسْجِدًا لَا تَدْخُلُهُ عَلَيْهِ فِيهِ طَامِثٌ وَلَا جُنُبٌ وَقَالَ أَعْبُدُ رَبّ إبْرَاهِيمَ ، حَيْنَ فَارَقَ الْأَوْثَانَ وَكَرِهَهَا ، حَتّى قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ وَكَانَ قَوّالًا بِالْحَقّ مُعَظّمًا لِلّهِ عَزّ وَجَلّ فِي جَاهِلِيّتِهِ يَقُولُ أَشْعَارًا فِي ذَلِكَ حِسَانًا - وَهُوَ الّذِي يَقُولُ

يَقُولُ أَبُو قَيْسٍ وَأَصْبَحَ غَادِيًا : ... أَلَا مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ وَصَاتَى فَافْعَلُوا

فَأُوصِيكُمْ بِاَللّهِ وَالْبِرّ وَالتّقَى ... وَأَعْرَاضِكُمْ وَالْبِرّ بِاَللّهِ أَوّلُ

وَإِنْ قَوْمُكُمْ سَادُوا فَلَا تَحْسُدُنّهُمْ ... وَإِنْ كُنْتُمْ أَهْلَ الرّيَاسَةِ فَاعْدِلُوا

وَإِنْ نَزَلَتْ إحْدَى الدّوَاهِي بِقَوْمِكُمْ ... فَأَنْفُسَكُمْ دُونَ الْعَشِيرَةِ فَاجْعَلُوا

وَإِنْ نَابَ غُرْمٌ فَادِحٌ فَارْفُقُوهُمْ ... وَمَا حَمّلُوكُمْ فِي الْمُلِمّاتِ فَاحْمِلُوا

وَإِنْ أَنْتُمْ أَمْعَرْتُمْ فَتَعَفّفُوا ... وَإِنْ كَانَ فَضْلُ الْخَيْرِ فِيكُمْ فَأَفْضِلُوا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ فَادِحٌ فَارْفِدُوهُمْ

 

[785] -  أحمد(23784 –ت الأرنؤوط) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا زُرَارَةُ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ ح، وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ..

وأخرجه ابن ماجه (1334) ، والترمذي (2485) من طريق محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.

وأخرجه الحاكم 4/159-160 من طريق يحيي بن سعيد وحده، به. وصحح إسناده ووافقه الذهبي. وقال الأرنؤوط:إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين. يحيى بن سعيد. هو القطان، وعوف: هو ابن أبي جميلة الأعرابي. وزُرَارة: هو ابن أوفى.

[786] - البخاري(3911) حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ به

[787] -   رواه البخاري (3329 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا الفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ.

-  شرح (أشراط الساعة):أي علاماتها. (آنفا): الآن وأول وقت يقرب مني مما مضى. (تحشر):تجمع. (فزيادة كبد الحوت) هي القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد وهي أطيبها وألذها. (غشي المرأة): جامعها. (ماؤه): منيه. (بهت): جمع بهوت وهو كثير البهتان وهو أسوأ الكذب أي كذابون وممارون لا يرجعون إلى الحق. (ووقعوا فيه): أي ذموه وطعنوا فيه .

[788] - أبو داود(44) والترمذي(3100)  وابن ماجة(357) قالوا :حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال أخبرنا معاوية بن هشام عن يونس بن الحارث عن إبراهيم بن أبي ميمونة عن أبي صالح عن أبي هريرة به . وقال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه . قال: وفي الباب عن أبي أيوب و أنس بن مالك و محمد بن عبد الله بن سلام . وذكر ابن حجر في الفتح(7/245): أن إسناده صحيح. وصححه الألباني.

[789] - الترمذي(324) حدثنا  محمد بن العلاء  أبو كريب و سفيان بن وكيع قالا حدثنا أبو أسامة عن عبد الحميد بن جعفر قال حدثنا أبو الأبرد مولى خطمة... وقال: حديث أسيد حديث حسن غريب. ولانعرف لأسيد بن ظهير شيئًا يصح غير هذا الحديث ولا نعرفه إلا من حديث أبي أسامة عن عبد الحميد بن جعفر .و أبو الأبرد اسمه زياد مديني. قال : وفي الباب عن سهل بن حنيف أهـ. وأخرجه ابن ماجة(1411) وصححه الألباني .وأخرجه أبو يعلى(13/90) وقال محققه: إسناده جيد . قلت: وحديث سهل بن حنيف رواه أحمد(15981-أرنؤوط) بسند حسن. ونحوه عن أبي سعيد الخدري عند ابن سعد في "الطبقات" 1/244 ولفظه: "من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم جاء مسجد قُباء، فصلى فيه، كان له أجر عمرة".

وعن ابن عمر عند ابن أبي شيبة 2/373، وابن حبان (1627) ، ولفظه: "من صلى فيه كان كعدل عمرة".، أي: كان أجره كأجر العمرة.

[790] - البخاري(1193) حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر به. وأطرافه 1191 ، 1194 ، 7326 - تحفة 7220.ورواه مسلم (1399) .

[791] - البخاري(1194)عن مسدد عن يحيى وابن نمير عن عبيد الله به. ومسلم (1399) من طريق ابن نمير حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر به.

[792] - أي مسجد قباء .

[793] - سبق ،البخاري(3906) .

[794] - البخاري(428) حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس  به . و أطرافه 234 ، 429 ، 1868 ، 2106 ، 2771 ، 2774 ، 2779 ، 3932 - تحفة 1691ورواه مسلم(524)

[795] - ابن حبان(3/404)رقم 1122 قال: أخبرنا الفضل بن الحباب قال : حدثنا مسدد بن مسرهد قال : حدثنا ملازم بن عمرو قال : حدثنا جدي عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق به.. وقال محققه الأرنؤوط:إسناده قوي وأخرجه أحمد(28446)

[796] -  من الدروس المستفادة :

1- المسجد من أهم الركائز في بناء المجتمع:

إن إقامة المساجد من أهم الركائز في بناء المجتمع الإسلامي، ذلك أن المجتمع المسلم إنما يكتسب صفة الرسوخ والتماسك، بالتزام نظام الإسلام وعقيدته وآدابه، وإنما ينبع ذلك من روح المسجد ووحيه.

قال تعالى: ( لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُّحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) [التوبة: 108].

قال تعالى: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ `  رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ` لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [النور: 36-38].

2- المسجد رمز لشمولية الإسلام :

أ- حيث أنشئ ليكون متعبداً لصلاة المؤمنين وذكرهم الله تعالى وتسبيحهم له، وتقديسهم إياه بحمده وشكره على نعمه عليهم، يدخله كل مسلم، ويقيم فيه صلاته وعبادته ولا يضاره أحد، ما دام حافظاً لقداسته ومؤدياًّ حق حرمته.

ب- كما أنشئ ليكون ملتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه والوافدين عليه، طلباً للهداية ورغبة في الإيمان بدعوته وتصديق رسالته .

ج- وهو قد أنشئ ليكون جامعة للعلوم والمعارف الكونية والعقلية والتنزيلية، التي حث القرآن الكريم على النظر فيها، وليكون مدرسة يتدارس فيها المؤمنون أفكارهم وثمرات عقولهم، ومعهدا يؤمه طلاب العلم من كل صوب، ليتفقهوا في الدين ويرجعوا إلى قومهم مبشرين ومنذرين، داعين إلى الله هادين، يتوارثونها جيلاً بعد جيل.

د- وهو قد أنشئ ليجد فيه الغريب مأوى، وابن السبيل مستقراً لا تكدره منَّة أحد عليه فينهل من رفده ويعب من هدايته فكم من قائد تخرج فيه، وبرزت بطولته بين جدرانه، وكم من عالم استبحر علمه في رحابه، ثم خرج به على الناس يروي ظمأهم للمعرفة، وكم من داعٍ إلى الله تلقى في ساحاته دروس الدعوة إلى الله فكان أسوة الدعاة، وقدوة الهداة  .

وكم من أعرابي جلف لا يفرق بين الأحمر والأصفر، وفد عليه فدخله واهتدى واستضاء، ثم عاد إلى قومه إماماً يدعوهم إلى الله، ويربيهم بعلمه الذي علم، وسلوكه الذي سلك فآمنوا بدعوته، واهتدوا بهديه، فكانوا سطراً منيراً في كتاب التاريخ الإسلام.

هـ- وهو قد أنشئ ليكون قلعة لاجتماع المجاهدين إذا استنفروا، تعقد فيه ألوية الجهاد، والدعوة إلى الله، وتخفق فيه فوق رؤوس القادة الرايات للتوجه إلى مواقع الأحداث، وفي ظلها يقف جند الله في نشوة ترقب النصر أو الشهادة.

و- وهو قد أنشئ ليجد فيه المجتمع المسلم الجديد ركناً في زواياه، ليكون مشفى يستشفى فيه جرحى كتائب الجهاد ليتمكن نبي الله صلى الله عليه وسلم من عبادتهم، والنظر في أحوالهم والاستطباب لهم، ومداواتهم في غير مشقة ولا نصب تقديراً لفضلهم.

ز- وهو قد أنشئ ليكون مبرداً لبريد الإسلام منه تصدر الأخبار، ويبرد البريد، وتصدر الرسائل، وفيه تتلقى الأنباء السياسية سلماً أو حرباً وفيه تتلقى وتقرأ رسائل البشائر بالنصر، ورسائل طلب المدد، وفيه ينعى المستشهدون في معارك الجهاد ليتأسى بهم المتأسون وليتنافس في الاقتداء بهم المتنافسون.

ح- وهو قد أنشئ ليكون مرقباً للمجتمع المسلم، يتعرف منه على حركات العدو المريبة ويرقبها ولا سيما الأعداء الذين معه يساكنونه ويخالطونه في بلده من شراذم اليهود وزمر المنافقين ونفايات الوثنية، الذين تمتوا في الشرك فلم يتركوه، ليحذر المجتمع المسلم عاقبة كيدهم وسوء مكرهم وتدبيرهم، ويأمن مغبة غدرهم وخياناتهم.

فالمسجد النبوي بدأ بتأسيسه وبنائه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أول ما بدأ من عمل في مستقره ودار هجرته في مطلع مقدمه ليكون نموذجا يحتذى به في بساطة المظهر، وعمق وعموم المخبر، ليحقق به أعظم الأهداف وأعمها، بأقل النفقات وأيسر المشقات

3- التربية بالقدوة العملية:

من الحقائق الثابتة أن النبي صلى الله عليه وسلم شارك أصحابه العمل والبناء، فكان يحمل الحجارة وينقل اللبن على صدره وكتفيه، ويحفر الأرض بيديه كأي واحد منهم، فكان مثال الحاكم العادل الذي لا يفرق بين رئيس ومرؤوس، أو بين قائد ومقود، أو بين سيد ومسود، أو بين غني وفقير، فالكل سواسية أمام الله، لا فرق بين مسلم وآخر إلا بالتقوى، ذلك هو الإسلام عدالة ومساواة في كل شيء، والفضل فيه يكون لصاحب العطاء في العمل الجماعي للمصلحة العامة، وبهذا الفضل ثواب من الله، والرسول صلى الله عليه وسلم كغيره من المسلمين لا يطلب إلا ثواب الله

4- الاهتمام بالخبرة والاختصاص كما صنع مع طلق الحنفي لخبرته في البناء..وانظر السيرة النبوية للصابوني

 

[797] - البخاري(446)حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي عن صالح بن كيسان قال حدثنا نافع به.. وأخرجه أحمد(2/130) وغيرهما.

 

[798] - البخاري (447) حدثنا مسدد قال حدثنا عبد العزيز بن مختار قال حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة به.. وطرفه 2812 - تحفة 4248 - 122/1. وأخرجه أحمد (رقم 11861 = أرنؤوط).وابن حبان (7078) و (7079) ، والبيهقي في "الدلائل" 2/546 و547 من طرق عن خالد، به.

وأخرجه أحمد(11011= ت الأرنؤوط) وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم... وأخرجه مسلم(2915 ) من طريق شعبة عن أبي مسلمة قال سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدري قال أخبرني من هو خير مني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول: ( بؤس ابن سمية تقتلك فئة باغية)

قال البيهقي في الدلائل 2 / 549 : يشبه أن يكون ذكر الخندق وهمًا في رواية أبي نضرة، أو كان قد قالها عند بناء المسجد وقالها يوم الخندق والله أعلم

قلنا ( الأرناؤوط ) : لا مانع من أنه صلى الله عليه وسلم قد قالها عند بناء المسجد ويوم الخندق وقد ورد ذكر يوم الخندق من حديث أم سلمة أيضا بإسناد صحيح كما سيرد (  6 /289)

([799]) انظر: محمد رسول الله لمحمد رضا، ص143.

([800]) انظر: التاريخ السياسي والعسكري لدولة المدينة، علي معطي، ص157.

([801]) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة، (2/36).

[802] -   مسند أحمد(3/300) ثنا وكيع ثنا عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن جابر ، به. وقال محققه شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط البخاري رجاله ثقات رجال الشيخين غير أيمن أبي عبد الواحد - وهو الحبشي المكي المخزومي مولاهم - فقد روى عن غير واحد من الصحابة ودخل على عائشة وروى عنها ولم يرو عنه غير ابنه عبد الواحد ووثقه أبو زرعة الرازي وابن حبان.

 

([803]) انظر: السيرة النبوية الصحيحة للعمري (1/257)

([804]) انظر: وفاء الوفاء للسمهودي (1/321)

([805])انظر: السيرة النبوية الصحيحة (1/258).

([806]) انظر: نظام الحكومة النبوية المسمى: التراتيب الإدارية، لعبد الحي الكتاني (1/474).

([807]) مجموع الفتاوى لابن تيمية (11/38).    

([808]) انظر: فتح الباري (6/595)، (1/535).

([809]) البخاري (6452) حدثني أبو نعيم حدثنا عمر بن ذر حدثنا مجاهد به.. وطرفه 5375 ، 6246 - تحفة 14344 - 121/8  ورواه الترمذي(2477) عن هناد عن يونس بن بكير عن عمر بن ذر به. وأخرجه أحمد(2/ 515) والحاكم(4291)

([810]) مجموع الفتاوى (11/40،41).            

([811]) سنن أبي داود (2/237) وابن ماجه (2/730).

([812]) انظر: أبو نعيم الحلية (1/339: 341).  

([813]) على سبيل المثال: السيرة النبوية الصحيحة (1/262، 263).

[814] - البيهقي من  طريق أبي بكر بن أبي الدنيا حدثنا الحسن بن حماد الضبي ثنا عبد الرحيم بن سليمان عن اسماعيل بن مسلم عن الحسن

[815] -  رواه البيهقي(        ) من حديث حماد بن سلمة عن أبي سنان عن يعلى بن شداد بن أوس عن عبادة به. وهذا حديث غريب من هذا الوجه. كما قال ابن كثير في البداية والنهاية(3/215)

[816] 0 البيهقي (        ) قال: حدثنا أبو عبد الله الحافظ إملاء ثنا أبو بكر بن اسحاق أخبرنا عبيد بن شريك ثنا نعيم بن حماد ثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا حشرج بن نباتة عن سعيد بن جمهان عن سفينة به.

[817]- البداية والنهاية(3/218)

 

[818] - أخرجه أحمد(5/220-221) حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ، ح وَعَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنِي حَمَّادٌ بن سلمة،  حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ،..وهو حديث حسن: قال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن رجاله ثقات رجال الصحيح غير سعيد بن جمهان فهو صدوق من رجال أصحاب السنن.

والحديث أخرجه أبو داود(4647) والترمذي(2226) وحسنه،والنسائي في الكبرى(8155). وصححه الألباني. قلت:ورواية أبو داود وغيره لهذا الحديث تبين أن المقصود بهذه المدة هي خلافة النبوة( لا الخلافة المطلقة) ثم يكون بعد ذلك ملك ولفظه:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  (خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك من يشاء أو ملكه من يشاء))

 

[819] - البخاري(1188) حدثنا علي حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة به. وأخرجه مسلم(1397) وأصحاب السنن.

[820] - البخاري(1190) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ رَبَاحٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به.ومسلم(1394)

[821] - رواه البخاري رقم(1195) حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن عبيد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد ،به. ومسلم(1390)

[822] - رواه البخاري رقم(1196) حدثنا مسدد عن يحيى عن عبيد الله قال حدثني خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة ،به..ومسلم(1391). وقوله(منبري على حوضي)أي: يوضع منبري هذا على حوضي في الجنة يوم القيامة أصعده وأدعو المسلمين المتبعين لي ليشربوا ويرتووا من ماء الحوض وهو نهر الكوثر

[823] - رواه أحمد في المسند(2/ 526) قال:ثنا عبد الله بن يزيد ثنا حيوة أخبرني أبو صخر أن سعيد بن بن أبي سعيد المقبري أخبره أنه سمع أبا هريرة ،به. ورواه ابن حبان في صحيحه (1/287) (وقال محققه:إسناده حسن) و الحاكم في المستدرك (1/ 169) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين فقد احتجا بجميع رواته ثم لم يخرجاه و لا أعلم له علة .ووافقه الذهبي

 

[824] - مسلم (514 - (1398)) قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الْخَرَّاطِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: مَرَّ بِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،فذكره..وأخرجه أحمد (11187-ت الأرنؤوط)عن يحيى به. وأخرجه ابن أبي شيبة 2/372-373، ومسلم (1398) ، والبيهقي في "السنن" 5/246، وفي "الدلائل" 5/264 من طريق حاتم بن إسماعيل، عن حميد الخراط، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد، به. ولم يذكر عبد الرحمن بن أبي سعيد في الإسناد.

والحديث يدل على أن المسجد النبوي هوالمسجد الذي أسس على التقوى المذكور في القرآن وأما أخذه صلى الله عليه وسلم الحصباء وضربه في الأرض فالمراد به المبالغة في الإيضاح لبيان أنه مسجد المدينة ،والحصباء الحصى الصغار.

[825] -  تفسير الطبري(14/479)تحقيق أحمد شاكر

[826] - فتاوى ابن تيمية(27/406)

[827] - فتح الباري(7/245)

[828] - البخاري ( 604 )حدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي نافع به..

[829] - البخاري (606) حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ به

[830] - سيرة ابن هشام (2/114) وبعده: ( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ ، قَالَ قَالَ لِي عَطَاءٌ : سَمِعْت عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ اللّيْثِيّ يَقُولُ ائْتَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ بِالنّاقُوسِ لِلِاجْتِمَاعِ لِلصّلَاةِ فَبَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ خَشَبَتَيْنِ لِلنّاقُوسِ إذْ رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي الْمَنَامِ لَا تَجْعَلُوا النّاقُوسَ بَلْ أَذّنُوا لِلصّلَاةِ . فَذَهَبَ عُمَرُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُخْبِرَهُ بِاَلّذِي رَأَى ، وَقَدْ جَاءَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَحْيُ بِذَلِكَ فَمَا رَاعَ عُمَرُ إلّا بِلَالٌ يُؤَذّنُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَدْ سَبَقَك بِذَلِكَ الْوَحْيُ) .

[831] - أبو داود(499) حدثنا محمد بن منصور الطوسي ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال حدثني أبي فذكره.. وأخرجه الترمذي(189) وقال:حسن صحيح.وابن ماجة(706) وأحمد(4/43) وغيرهم. قال الشيخ الألباني : حسن صحيح. وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق وقد صرح بالتحديث هنا فانتفت شبهة تدليسه وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح غير أن صحابيه لم يخرج له سوى البخاري في " خلق أفعال العباد " وأصحاب السنن

 

[832] - ابن هشام(1/509 –السقا) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النّجّارِ. وسنده متصل حسن.وجهالة المرأة لا تضر لأنها صحابية.

 

[833] - أبو داود(500):حدثنا مسدد ثنا الحارث بن عبيد عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده فذكره..وأخرجه أيضًا بأرقام(501-5003) والترمذي(191) ( وقال: حديث صحيح وقد روى عنه من غير وجه وعليه العمل بمكة وهو قول الشافعي )  وابن ماجة(709) وصححه الألباني.

[834] - الترمذي(192) حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا عفان حدثنا همام عن عامر  بن عبد الواحد  الأحول عن مكحول عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة.. أبو عيسى(الترمذي): هذا حديث حسن صحيح و أبو محذورة اسمه سمرة بن معير ..وصححه الألباني .

[835] - البخاري (608) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ..وأخرجه مسلم(389)

[836] - البخاري (609) قال:حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ:فذكره.. ورواه النسائي(644)

[837] - البخاري (615) وقال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به.. ورواه مسلم(437)

[838] - مسلم(387) حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير حدثنا عبدة عن طلحة بن يحيى عن عمه به.. ورواه ابن ماجة(725) وأحمد(4/95)

[839] - المسند(3/281) ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة ثنا عاصم الأحول عن أنس .( وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة فمن رجال مسلم)

([840]) البخاري( رقم 6083 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ قُلْتُ لِأَنَسِ ، فذكره.

([841]) البخاري( رقم 6065) قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسُ به..ورواه مسلم رقم( 24)

([842]) البخاري، رقم (2442) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ فذكره..

([843]) انظر:/ السيرة النبوية الصحيحة للعمري (1/240).

([844]) البلاذري: أنساب الأشراف (1/270).    

([845]) انظر:/ السيرة النبوية الصحيحة للعمري (1/240).

([846]) الحاكم( 3/355) حدثني يحيى بن منصور القاضي ثنا علي بن عبد العزيز ثنا سعيد بن سليمان الواسطي ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن جابر بن زيد عن ابن عباس به.. وقال الحاكم:صحيح الإسناد و لم يخرجاه .  ووافقه الذهبي .وانظر:فتح الباري (7/271)

   

([847]) مستدرك الحاكم (3/16) قال:حدثنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد النحوي ببغداد ثنا أحمد بن محمد بن عيسى القاضي ثنا إسحاق بن بشر الكاهلي ثنا محمد بن فضيل عن سالم بن أبي حفصة عن جميع بن عمير التيمي عن ابن عمر... قال الذهبي: جميع بن عمير أتهم وإسحاق بن بشر الكاهلي هالك . وقد أورد الحاكم(3/53)حديثا آخر من نفس الطريق ثم قال: هذا حديث شاذ و الحمل فيه على جميع بن عمير و بعده على إسحاق بن بشر.

قلت: جميع بن عمير:قال عنه ابن حجرفي التقريب(1/142) : صدوق يخطىء ويتشيع من الثالثة) وقال الذهبي في الكاشف(1/296) واه. وقال البخاري:فيه نظر)  وقال ابن حبان في المجروحين(1/218): (كان رافضيًا يضع الحديث).

 أما إسحاق بن بشر الكاهلي فقد قال ابن حجر في لسان الميزان (1/ 355) قال مطين :ما سمعت أبا بكر بن أبي شيبة كذب أحدا إلا إسحاق بن بشر الكاهلي،  وكذا كذبه موسى بن هارون وأبو زرعة .قال الفلاس وغيره :متروك. وقال الدارقطني: هو في عداد من يضع أهـ.

([848]) انظر:   السيرة النبوية الصحيحة (1/241).

([849]) يعني المؤاخاة في المدينة.                      

([850])  . زاد المعاد(2/ 79)                           

([851]) انظر: السيرة النبوية لابن كثير.              

([852]) انظر:  فتح الباري (7/271)                

[853] - البخاري(3781) حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس . وأطرافه 2049 ، 2293 ، 3937 ، 5072 ، 5148 ، 5153 ، 5155 ، 5167 ، 6082 ، 6386 - تحفة 576.ورواه الترمذي(1933) وأحمد(3/190) وغيرهم.

[854] - البخاري(3780) قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده ....طرفه 2048 - تحفة 9713 - 39/5

[855] - البخاري(3794)  حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ به

([856]) انظر: السيرة النبوية للصلابي(1/409).

([857]) انظر: هجرة الرسول وصحابته في القرآن السنة للجمل، ص245.

[858]  مسند أحمد(3/ 200) حدثنا يزيد أخبرنا حميد عن أنس به.. (وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.)وقال ابن كثير: هذا حديث ثلاثي الإسناد على شرط الصحيحين .أهـ البداية والنهاية( 3/ 280)

([859]) انظر: السيرة لابن هشام (2/111_113)  .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَآخَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، فَقَالَ - فِيمَا بَلَغَنَا ، وَنَعُوذُ بِاَللّهِ أَنْ نَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُقَلْ - : تَآخَوْا فِي اللّهِ أَخَوَيْنِ أَخَوَيْنِ ثُمّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ : هَذَا أَخِي فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيّدَ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامَ الْمُتّقِينَ وَرَسُولَ رَبّ الْعَالَمِينَ الّذِي لَيْسَ لَهُ خَطِيرٌ وَلَا نَظِيرٌ مِنْ الْعِبَادِ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَخَوَيْنِ ، وَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ- أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخَوَيْنِ ؛ وَإِلَيْهِ أَوْصَى حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ حَيْنَ حَضَرَهُ الْقِتَالُ إنْ حَدَثَ بِهِ حَادِثُ الْمَوْتِ ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - ذُو الْجَنَاحَيْنِ الطّيّارُ فِي الْجَنّةِ- وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - أَخُو بَنِي سَلَمَةَ - أَخَوَيْنِ . ( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمئِذٍ غَائِبًا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ)  . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَخَارِجَةُ بْنُ زُهَيْرٍ -أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ- أَخَوَيْنِ ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَعِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ- أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ- أَخَوَيْنِ ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْجَرّاحِ  وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ- وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ -أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ- أَخَوَيْنِ . وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ -أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ- أَخَوَيْنِ . وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ وَسَلَامَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ -أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ- أَخَوَيْنِ . وَيُقَالُ : بَلْ الزّبَيْرُ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ ، أَخَوَيْنِ ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ ، وَأَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ- أَخُو بَنِي النّجّارِ - أَخَوَيْنِ . وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ -أَخُو بَنِي سَلَمَةَ - أَخَوَيْنِ . وَسَعيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ، وأُبَيّ بْنُ كَعْبٍ -أَخُو بَنِي النّجّارِ- أَخَوَيْنِ ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ ، وَأَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ -أَخُو بَنِي النّجّارِ – أَخَوَيْنِ ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ -أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ - أَخَوَيْنِ . وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ - أَخُو بَنِي عَبْدِ عَبْسٍ ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ- أَخَوَيْنِ . وَيُقَالُ: ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ - أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، خَطِيبُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ : أَخَوَيْنِ . وَأَبُو ذَرّ ، وَهُوَ بُرَيْرُ بْنُ جُنَادَةَ الْغِفَارِيّ ، الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو ، الْمُعْنِقُ لِيَمُوتَ أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ : أَخَوَيْنِ . ( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَسَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ أَبُو ذَرّ جُنْدَبُ بْنُ جُنَادَةَ ). قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ - حَلِيفُ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى- وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ -أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ- أَخَوَيْنِ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيّ ، وَأَبُو الدّرْدَاءِ - عُوَيْمِرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ - أَخَوَيْنِ .( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عُوَيْمِرُ بْنُ عَامِرٍ وَيُقَالُ عُوَيْمِرُ بْنُ زَيْدٍ) . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبِلَالٌ - مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا ، مُؤَذّنُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَأَبُو رُوَيْحَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْخَثْعَمِيّ ، ثُمّ أَحَدُ الفزع ، أخوين ، فهؤلاء من سُمّيَ لَنَا ، مِمّنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آخَى بَيْنَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ .

 

[860] - تفسير ابن كثير(4/99-100) ط :طيبة

[861] - البخاري(2292) حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ إِدْرِيسَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ به ..و أيضًا(4580) وقال: بَاب قَوْلِهِ { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا }. وَقَالَ مَعْمَرٌ: أَوْلِيَاءُ: مَوَالِي. وَأَوْلِيَاءُ :وَرَثَةٌ { عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } هُوَ مَوْلَى الْيَمِينِ وَهْوَ الْحَلِيفُ. وَالْمَوْلَى أَيْضًا ابْنُ الْعَمِّ ، وَالْمَوْلَى الْمُنْعِمُ الْمُعْتِقُ، وَالْمَوْلَى: الْمُعْتَقُ ، وَالْمَوْلَى :الْمَلِيكُ، وَالْمَوْلَى: مَوْلًى فِي الدِّينِ.

[862] - تفسير ابن كثير  (6/381-382) ط :طيبة . وذكر العلي في كتابه صحيح السيرة (1/140)أن حديث ابن أبي حاتم  إسناده حسن

[863] -السيرة النبوية الصحيحة للعمري(1/247)

:ومن الدروس المستفادة:

1- آصرة العقيدة هي أساس الارتباط:

إن المجتمع المدني الذي أقامه الإسلام كان مجتمعاً عقديُّا يرتبط بالإسلام ولا يعرف الموالاة إلا لله ولرسوله وللمؤمنين، وهو أعلى أنواع الارتباط وأرقاه، إذ يتصل بوحدة العقيدة والفكر والروح

إن الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين من أهم الآثار والنتائج المترتبة على الهجرة، وكان القرآن الكريم يربي المسلمين على هذه المعاني الرفيعة، فقد بين الحق سبحانه وتعالى أن ابن نوح وإن كان من أهله باعتبار القرابة لكنه لم يعد من أهله لما فارق الحق وكفر بالله ولم يتبع نبي الله. قال تعالى:

( وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ` قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) [هود: 45،46].

وقد حصر الإسلام الأخوة والموالاة بين المؤمنين فقط قال تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) [الحجرات: 10].

وقطع الولاية بين المؤمنين والكافرين من المشركين واليهود والنصارى، حتى لو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو أبناءهم، ووصف من يفعل ذلك من المؤمنين بالظلم، مما يدل
على أن موالاة المؤمنين للكافرين، من أعظم الذنوب قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [التوبة: 23].

فإذا كان الله سبحانه يحذر المؤمنين في الآيات السابقة من موالاة الكفار عامة، فهناك آيات كثيرة وردت في تحذير المؤمنين ونهيهم عن طاعة أهل الكتاب خاصة، أو اتخاذهم أولياء، أو الركون إليهم([863]).

قال تعالى: ( وَلَنْ تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ
هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ
نَصِيرٍ ) [البقرة: 120].

وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ) [آل عمران: 100].

وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [المائدة: 51].

وحدد المولى عز وجل للذين آمنوا جهة الولاء الوحيدة التي تتفق مع صفة
الإيمان وبين لهم من يتولون قال تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ` وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) [المائدة: 55-56].

فقد فهم الصحابة أن ولاءهم لا يكون إلا لقيادتهم، وإخلاصهم لا يكون إلا لعقيدتهم، وجهادهم لا يكون إلا لإعلاء كلمة الله، فحققوا ذلك كله في أنفسهم وطبقوه على حياتهم فمحضوا ولاءهم وجعلوه لله ورسوله والمؤمنين، وأصبح تاريخهم حافلاً بالمواقف الرائعة التي تدل على فهمهم العميق لمعنى الولاء الذي منحوه لخالقهم ولدينهم وعقيدتهم وإخوانهم.

إن التآخي الذي تم بين المهاجرين والأنصار كان مسبوقاً بعقيدة تم اللقاء عليها، والإيمان بها، فالتآخي بين شخصين يؤمن كل منهما بفكرة أو عقيدة مخالفة للأخرى خرافة ووهم، خصوصاً إذا كانت تلك الفكرة أو العقيدة مما يحمل صاحبها على سلوك معين في الحياة العملية، ولذلك كانت العقيدة الإسلامية التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى هي العمود الفقري للمؤاخاة التي حدثت، لأن تلك العقيدة تضع الناس كلهم في مصاف العبودية الخالصة لله دون الاعتبار لأي فارق إلا فارق التقوى والعمل الصالح، إذ ليس من المتوقع أن يسود الإخاء، والتعاون والإيثار بين أناس فرقتهم العقائد والأفكار المختلفة، فأصبح كل منهم ملكا لأنانيته وأثرته وأهوائه([863]).

2- الحب في الله أساس بنية المجتمع المدني:

إن المؤاخاة على الحب في الله من أقوى الدعائم في بناء الأمة المسلمة، فإذا وهت يتآكل كل بنيانها([863]) ولذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعميق معاني الحب في الله في المجتمع المسلم الجديد فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي»([863]).

وكان للحب في الله أثره في المجتمع المدني الجديد، فعن أنس بن مالك t قال: (كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلاً، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت: ( لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ) [آل عمران: 92] قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله، إن الله يقول: ( لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) وإن أحب أموالي إلي (بيرحاء) وإنها صدقة لله أرجو برها، وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعتُ ما قلتَ وإني أرى أن تجعلها في الأقربين» فقال أبو طلحة، أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه
وبني عمه([863]).

وهذا عبد الرحمن بن عوف t يحدثنا عن هذه المعاني الرفيعة حيث قال: لما قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع، فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالاً فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها، فإذا حلت([863]) تزوجتها، قال: فقال عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق قينقاع([863]) فغدا إليه عبد الرحمن فأتى بأقط وسمن قال: ثم تابع الغدو(فما لبث أن جاء عبد الرحمن عليه أثر صفرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تزوجت» قال: نعم، قال: «ومن؟» قال: امرأة من الأنصار، قال: «كم سقت؟» قال زنة نواة من ذهب، أو نواة من ذهب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أولم ولو بشاة» ) ونلاحظ أن كرم سعد بن الربيع قابله عفة وكرم نفس من عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، ولم يكن مسلك عبد الرحمن بن عوف خاصًّا به، بل إن الكثير من المهاجرين كان مكوثهم يسيراً في بيوت إخوانهم من الأنصار ثم باشروا العمل والكسب واشتروا بيوتاً لأنفسهم وتكفلوا بنفقة أنفسهم، ومن هؤلاء أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم رضي الله عنهم.

3- النصيحة بين المتآخين في الله:

فقد كان للمؤاخاة أثر في المناصحة بين المسلمين فقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال له: كل، فإني صائم قال: ما أنا بآكل حتى تأكل قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان آخر الليل، قال سلمان: قم الآن، فصليا، فقال سلمان: إن لربك عليك حقاَّ، ولنفسك عليك حقاًّ، ولأهلك عليك حقاًّ، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «صدق سلمان»

4- لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم:

كان الأنصار قد واسوا إخوانهم المهاجرين بأنفسهم وزادوا على ذلك بأن آثروهم على أنفسهم بخير الدنيا، فعن أبي هريرة t قال: (قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم أقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: «لا» فقالوا: تكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمرة، قالوا: سمعنا وأطعنا)(

فهذا الحديث يفيد أن الأنصار عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولى قسمة أموالهم بينهم وبين إخوانهم المهاجرين، وقد كانت أموالهم هي النخيل، فأبى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وأراد أمرا تكون فيه المواساة من غير إجحاف بالأنصار، بزوال ملكية أموالهم منهم، فقال الأنصار للمهاجرين: تكفوننا المؤونة- أي العمل في النخيل من سقيها وإصلاحها- ونشرككم في الثمرة، فلما قالوا ذلك رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا الرأي ضمن سد حاجة المهاجرينن مع الإرفاق بالأنصار فأقرهم على ذلك فقالوا جميعا: سمعنا وأطعنا(

وقد قام الأنصار بالمؤونة وأشركوا المهاجرين في الثمرة، ولعل المهاجرين كانوا يساعدونهم في العمل، ولكن أكثر العمل عند الأنصار، وقد شكر المهاجرون للأنصار فعلهم ومواقفهم الرفيعة في الإيثار والكرم، وقالوا: يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا
عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلاً في كثير، ولقد كفونا المؤونة وأشركونا في
المهنأ ([863]) حتى لقد حسبنا أن يذهبوا بالأجر كله، قال: «لا، ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله عز وجل لهم»

وفي إشارة المهاجرين إلى الأجر الأخروي بيان لعمق تصورهم للحياة الآخرة، وهيمنة هذا التصور على تفكيرهم

وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكافئ الأنصار على تلك المكارم العظيمة التي قدموها لإخوانهم المهاجرين، فعن أنس بن مالك t قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين، فقالوا: لا، إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها، قال: «إمَّا لا، فاصبروا حتى تلقوني فإنه سيصيبكم بعدي أثرة»

لقد حققت المؤاخاة أهدافها، فمنها إذهاب وحشة الغربة للمهاجرين ومؤانستهم عن مفارقة الأهل والعشيرة، وشد أزر بعضهم بعضاً، ومنها نهوض الدولة الجديدة، لأن أي دولة لا يمكن أن تنهض وتقوم إلا على أساس من وحدة الأمة وتساندها، ولا يمكن لكل من الوحدة والتساند أن يتم بغير عامل التآخي والمحبة المتبادلة، فكل جماعة، لا تؤلف بينها آصرة المودة والتآخي الحقيقية، لا يمكن أن تتحد حول مبدأ ما، وما لم يكن الاتحاد حقيقة قائمة في الأمة أو الجماعة فلا يمكن أن تتألف منها دولة(

5- الإرث بالمؤاخاة:

لم يعرف تاريخ البشر كله حادثاً جماعياًّ كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين بهذا الحب الكريم وبهذا البذل السخي، وبهذه المشاركة الفعالة وبهذا التسابق إلى الإيواء واحتمال الأعباء، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأخوة مسئولية حقيقة تشيع بين هؤلاء الإخوة «جعل الله سبحانه وتعالى حق الميراث منوطاً بهذا التآخي، دون حقوق القرابة والرحَم فقد كان من حكمة التشريع أن تتجلى الأخوة الإسلامية حقيقة محسوسة في أذهان المسلمين وأن يعلموا أن ما بين المسلمين من التآخي والتحابب ليس شعارا وكلاما مجردين»، والفترة الأولى من الهجرة وضعت كلاًّ من الأنصار والمهاجرين أمام مسئولية خاصة من التعاون والتناصر والمؤانسة، بسبب مفارقة المهاجرين لأهلهم، وتركهم ديارهم وأموالهم في مكة ونزولهم ضيوفاً على إخوانهم الأنصار في المدينة، فكان من إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم من التآخي بين أفراد المهاجرين والأنصار ضمانة لتحقيق هذه المسئولية، ولقد كان من مقتضى هذه المسئولية أن يكون هذا التآخي أقوى في حقيقته وأثره من أُخوة الرحم المجردة، فلما استقر أمر المهاجرين في المدينة وتمكن الإسلام فيها، غدت الروح الإسلامية هي وحدها العصب الطبيعي للمجتمع الجديد في المدينة

فلما ألف المهاجرون جو المدينة وعرفوا مسالك الرزق فيها، وأصابوا من غنائم بدر الكبرى بما كفاهم، رجع التوارث إلى وضعه الطبيعي المنسجم مع الفطرة البشرية على أساس صلة الرحم، وأبطل التوارث بين المتآخين، وذلك بنص القرآن الكريم فقال تعالى: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [الأنفال: 75].

فهذه الآية نسخت التوارث بموجب نظام المؤاخاة وبقيت النصرة والرفادة والنصيحة بين المتآخين فقد بين حبر الأمة ابن عباس ذلك عند قوله تعالى: ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ) [النساء: 33] أنه قال: ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ ) قال: ورثة (والذين عاقدت إيمانكم) كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه، للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، فلما نزلت ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ ) نسخت، ثم قال: ( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ )( من النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصي له(

6- قيم إنسانية ومبادئ مثالية:

من خلال الروابط الوثيقة التي ألفت بين المهاجرين والأنصار أُرسيت قيم إنسانية واجتماعية ومبادئ مثالية لا عهد للمجتمع القبلي بها، وإنما هي من شأن المجتمعات المتحضرة الفاضلة.

7- تذويب الفوارق الإقليمية والقبلية:

إن القضاء على الفوارق الإقليمية والقبلية ليست بالأمر الهين في المجتمعات الجاهلية، حيث العصبية هي الدين عندهم، وعملية المؤاخاة تهدف إلى إذابة هذه الفوارق بصورة واقعية منطلقة من قلب البيئة الجاهلية.

إن من الأمراض في الصف الإسلامي المعاصر سيطرة الروح الإقليمية والعصبية في نفوس بعض الدعاة وهذه الأمراض تحيل بينهم وبين التمكين وتضعف الصفوف بل تشتتها وينشغل الصف بنفسه عن أهدافه الكبار، وقد تولد هذا عن أمراض في نفوس بعض الأفراد بسبب بعدهم عن القرآن الكريم، وسنة سيد المرسلين، فلم يتربوا عليها ولذلك كثر التناحر والتباغض.

إن المسلمين اليوم بأشد الحاجة إلى مثل هذه المؤاخاة التي حدثت بين المهاجرين والأنصار؛ لأنه يستحيل أن تستأنف حياة إسلامية عزيزة قوية إذ لم تتخلق المجتمعات الإسلامية بهذه الأخلاق الكريمة، وترتقي إلى هذا المستوى الإيماني الرفيع وإلى هذه التضحيات الكبيرة.

8- المؤاخاة بين المسلمين من أسباب التمكين المعنوية:

إن من أسباب التمكين المعنوية العمل على تربية الأفراد تربية ربانية، وإعداد القيادة الربانية، ومحاربة أسباب الفُرقة، والأخذ بأصول الوحدة والاتحاد([863]).

وأهم أصول الوحدة والاتحاد، وحدة العقيدة، صدق الانتماء إلى الإسلام طلب الحق والتحري في ذلك وتحقيق الأخوة بين أفراد المسلمين.

قال تعالى: ( وَإِن يُّرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ` وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [الأنفال: 62-63].

وقال تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) [الحجرات: 10].

ولا يذوق حلاوة الإيمان إلا من أشرب هذه الأخوة، قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر، كما يكره أن يقذف في النار»

إن الأخوة في الله من أهم الأسباب التي تعمل على الصمود في وجه أعتى المحن التي تنزل بالمسلمين، كما أن الفهم المتبادل والكامل للأخوة في الله، من أسباب تماسك صفوف المسلمين وقوتهم، ومن أسباب شموخهم والتمكين لهم. أنظر: السيرة النبوية للصلابي (1/411-422)

 

([864]) انظر: السيرة النبوية الصحيحة (1/275) للعمري. وكذا العلي  في صحيح السيرة يرى أنها تصل إلى درجة الحسن لغيره (ص:143)

[865] - مسلم(1507) حدثني محمد بن رافع حدثنا عبدالرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبدالله به..ورواه النسائي(4829)وأخرجه أحمد(3/ 321)

والمعنى: كتب النبي صلى الله عليه وسلم على بطن عقوله ) معنى كتب أثبت وأوجب . والبطن: دون القبيلة .والفخذ :دون البطن. والعقول: الديات والهاء ضميرالبطن .والديات لا تختلف باختلاف البطون وإنما المعنى أنه ضم البطون بعضها إلى بعض فيا بينهم من الحقوق والغرامات لأنه كانت بينهم دماء وديات بحسب الحروب السابقة قبل الإسلام فرفع الله ذلك عنهم وألف بين قلوبهم ( أن يتوالى )وفي لفظ(يتولى): أي أن ينسب إلى نفسه مولى رجل مسلم أي معتقه. مختصر من شرح النووي

 

[866] -   أحمد(1/271) :حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا سريج ثنا عباد عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به..(وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف) وأخرجه أيضًا عن ابن عباس وكذا أبو يعلى في مسنده(4/366) وقال محققه:حسين سليم: إسناده ضعيف. وذكره العلي في صحيح السيرة(ص:138) وقال: حسن بشاهده عن جابر

[867] -   ( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْمُفْرَحُ الْمُثْقَلُ بِالدّيْنِ وَالْكَثِيرُ الْعِيَالِ . قَالَ الشّاعِرُ

إذَا أَنْتَ لَمْ تَبْرَحْ تَوَدّي أَمَانَةً... وَتَحْمِلُ أُخْرَى أَفْرَحَتْك الْوَدَائِعُ) سيرة ابن هشام(2/109)

[868] - الدسيعة:العظيمة

[869] - اعتبط: قتل بلا جناية

[870] - قال ابن هشام(2/110): يوتغ:يهلك.

[871] -  سيرة ابن هشام(2/108-110)) و أنظر البداية والنهاية (3/224-226)

* بعض الدروس المستفادة من بنود هذه الوثيقة :

1- تحديد مفهوم الأمة:

تضمنت الصحيفة مبادئ عامة، درجت دساتير الدول الحديثة على وضعها فيها، وفي طليعة هذه المبادئ تحديد مفهوم الأمة، فالأمة في الصحيفة تضم المسلمين جميعا مهاجريهم وأنصارهم ومن تبعهم، ممن لحق بهم وجاهد معهم أمة واحدة، من دون الناس ، فلقد قالت الصحيفة عنهم «أمة واحدة» وقد جاء به القرآن الكريم قال تعالى ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) [الأنبياء: 92].

وبهذا الاسم اندمج المسلمون على اختلاف قبائلهم في هذه الجماعة التي ترتبط بينها برابطة الإسلام، فهم يتكافلون فيما بينهم، وهم ينصرون المظلوم على الظالم، وهم يرعون حقوق القرابة، والمحبة، والجوار لقد انصهرت طائفتا الأوس والخزرج في جماعة الأنصار، ثم انصهر الأنصار والمهاجرون في جماعة المسلمين، وأصبحوا أمة واحدة تربط أفرادها رابطة العقيدة وليس الدم، فيتحد شعورهم وتتحد أفكارهم وتتحد قبلتهم ووجهتهم، وولاؤهم لله وليس للقبيلة،

واعتبرت الصحيفة اليهود جزءا من مواطني الدولة الإسلامية، وعنصراً من عناصرها ولذلك قيل في الصحيفة: «وأن من تبعنا من يهود، فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين، ولا متناصر عليهم»  ثم زاد هذا الحكم إيضاحا فيفي بند آخر حيث نص صراحة بقوله: (وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين...).

وبهذا نرى أن الإسلام قد اعتبر أهل الكتاب الذين يعيشون في أرجائه مواطنين، وأنهم أمة مع المؤمنين، ما داموا قائمين بالواجبات المترتبة عليهم، فاختلاف الدين ليس-بمقتضى أحكام الصحيفة- سبباً للحرمان من مبدأ (المواطنة).

2- المرجعية العليا لله ورسوله :

جعلت الصحيفة الفصل في كل الأمور بالمدينة يعود إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقد نصت على مرجع فض الخلاف حيث جاء فيها: « وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء، فإن مرده إلى الله وإلى محمد صلى الله عليه وسلم» وفيها تأكيد ضمني برئاسة الرسول صلى الله عليه وسلم على الدولة فقد حددت الصحيفة مصدر السلطات الثلاث؛ التشريعية، والقضائية، والتنفيذية، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على تنفيذ أوامر الله من خلال دولته الجديدة، لأن تحقيق الحاكمية لله على الأمة هو محض العبودية لله تعالى؛ لأنه بذلك يتحقق التوحيد ويقوم الدين قال تعالى: { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }[يوسف: 40]. وقال تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } [النساء: 105] فكما أن تحقيق العبودية غاية من إنزال الكتاب، فكذلك تطبيق الحاكمية غاية من إنزاله، وكما أن العبادة لا تكون إلا عن وحي منزل، فكذلك لا ينبغي أن يحكم إلا بشرع منزل، أو بماله أصل في شرع منزل .

وبهذه الصحيفة التي أقرت البند الذي فيه: « على أنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسوله صلى الله عليه وسلم » أصبح للرسول صلى الله عليه وسلم سلطة قضائية مركزية عليا يرجع إليها الجميع، وجعلها ترجع إلى الله وإلي الرسول صلى الله عليه وسلم ولها قوة تنفيذية؛ لأن أوامر الله واجبة الطاعة وملزمة التنفيذ، كما أن أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم هي من الله، وطاعته واجبة.

وقد اعترف اليهود في هذه الصحيفة بوجود سلطة قضائية عليا، يرجع إليها سكان المدينة بمن فيهم اليهود ، لكن اليهود لم يُلزَموا بالرجوع إلى القضاء الإسلامي دائماً بل فقط عندما يكون الحدث أو الاشتجار بينهم وبين المسلمين، أما في قضاياهم الخاصة وأحوالهم الشخصية فهم يحتكمون إلى التوراة ويقضي بينهم أحبارهم، ولكن إذا شاءوا فبوسعهم الاحتكام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خير القرآن الكريم النبي صلى الله عليه وسلم بين قبول الحكم فيهم أو ردهم إلى أحبارهم، قال تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [المائدة: 42].

ومن القضايا التي أراد اليهود تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم فيها اختلاف بني النضير وبني قريظة في دية القتلى بينهما، فقد كانت بنو النضير أعز من بني قريظة، فكانت تفرض عليهم دية مضاعفة لقتلاها، فلما ظهر الإسلام في المدينة { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [المائدة: 45].(كما جاء في السيرة النبوية الصحيحة، (1/291).)

وبذلك أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم رئيس الدولة، وفي نفس الوقت رئيس السلطة القضائية والتنفيذية والتشريعية؛ فقد تولى رسول الله صلى الله عليه وسلم السلطات الثلاث بصفته رسول الله المكلف بتبليغ شرع الله، والمفسر لكلام الله، والسلطة التنفيذية بصفته الرسول الحاكم، ورئيس الدولة، فقد تولى رئاسة الدولة وفق نصوص الصحيفة، وباتفاق الطوائف المختلفة الموجودة في المدينة، ممن شملتهم نصوص الصحيفة التي تقرر أنه «لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم» ولهذا تأثير كبير في عدم السماح لهم بمحالفة قريش أو غيرها من القبائل المعادية، وهناك في الوثيقة ما هو أصرح من ذلك إذ قررت أنه (لا تجار قريش ولا من نصرها) ولم يرد في الصحيفة اسم لأي شخص ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

3- إقليم الدولة:

وجاء في الصحيفة: « وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة» وأصل التحريم أن لا يقطع شجرها، ولا يقتل طيرها، فإذا كان هذا هو الحكم في الشجر والطير فما بالك في الأموال والأنفس فهذه الصحيفة حددت معالم الدولة: أمة واحدة، وإقليم هو المدينة، وسلطة حاكمة يرجع إليها وتحكم بما أنزل الله.

إن المدينة كانت بداية إقليم الدولة الإسلامية ونقطة الانطلاق، ومركز الدائرة التي كان الإقليم يتسع منها حتى يضع حدًّا للقلاقل والاضطرابات ويسوده السلم والأمن العام.

وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ليثبتوا أعلاماً على حدود حرم المدينة من جميع الجهات، وحدود المدينة بين لابتيها شرقاً وغرباً، وبين جبل ثور في الشمال وجبل عَيْر في الجنوب.

ثم اتسع (الإقليم) باتساع الفتوحات الإسلامية، ودخول شعوب البلاد المفتوحة في الإسلام حتى عم مساحة واسعة في الأرض

4- الحريات وحقوق الإنسان:

إن الصحيفة تدل بوضوح وجلاء على عبقرية الرسول صلى الله عليه وسلم، في صياغة موادها وتحديد علاقات الأطراف بعضها ببعض، فقد كانت موادها مترابطة وشاملة، وتصلح لعلاج الأوضاع في المدينة آنذاك، وفيها من القواعد والمبادئ ما يحقق العدالة المطلقة، والمساواة التامة بين البشر، وأن يتمتع بنو الإنسان على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأديانهم بالحقوق والحريات بأنواعها

فقد أعلنت الصحيفة أن الحريات مصونة، كحرية العقيدة والعبادة وحق الأمن، إلخ، فحرية الدين مكفولة: «للمسلمين دينهم ولليهود دينهم» قال تعالى: { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 256]. وقد أنذرت الصحيفة بإنزال الوعيد، وإهلاك من يخالف هذا المبدأ أو يكسر هذه القاعدة، وقد نصت الوثيقة على تحقيق العدالة بين الناس، وعلى تحقيق مبدأ المساواة.

إن الدولة الإسلامية واجب عليها أن تقيم العدل بين الناس، وتفسح المجال وتيسر السبل أمام كل إنسان يطلب حقه .وعليها أن تمنع أي وسيلة من الوسائل من شأنها أن تعيق صاحب الحق من الوصول إلى حقه.

لقد أوجب الإسلام على الحكام أن يقيموا العدل بين الناس، دون النظر إلى لغاتهم أو أوطانهم، أو أحوالهم الاجتماعية، فهو يعدل بين المتخاصمين، ويحكم بالحق، ولا يهمه أن يكون المحكوم لهم أصدقاء أو أعداء، أغنياء أو فقراء، عمالاً أو أصحاب عمل، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المائدة: 8].

والمعنى: لا يحملنكم بغض قوم على ظلمهم، ومقتضى هذا أنه لا يحملنكم قوم على محاباتهم والميل معهم

أما مبدأ المساواة؛ فقد جاءت نصوص صريحة في الصحيفة حولها، منها: «أن ذمة الله واحدة» وأن المسلمين «يجير عليهم أدناهم» وأن «بعضهم موالي بعض دون الناس» ومعنى الفقرة الأخير أنهم يتناصرون في السراء والضراء  ،أن «المؤمنين يبيء بعضهم علي بعض بما نال دماءهم في سبيل الله» قال السهيلي شارح السيرة في كتابه (الروض الأنف): (ومعنى قوله يُبيء هو من البواء، أي: المساواة).

يعد مبدأ المساواة أحد المبادئ العامة، التي أقرها الإسلام، وهي من المبادئ التي تساهم في بناء المجتمع المسلم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى، أبَلَّغت» مسند الإمام أحمد (5/411)..

إن هذا المبدأ كان من أهم المبادئ التي جذبت الكثير من الشعوب قديما نحو الإسلام فكان هذا المبدأ مصدراً من مصادر القوة للمسلمين الأولين.

وليس المقصود بالمساواة هنا (المساواة العامة) بين الناس جميعاً في كافة أمور الحياة، كما ينادي بعض المخدوعين ويرون ذلك عدلاً  فالاختلاف في المواهب والقدرات، والتفاوت في الدرجات غاية من غايات الخلق ، ولكن المقصود المساواة التي دعت إليها الشريعة الإسلامية، مساواة مقيدة بأحوال، وليست مطلقة في جميع الأحوال  فالمساواة تأتي في معاملة الناس أمام الشرع، والقضاء، وكافة الأحكام الإسلامية، والحقوق العامة دون تفريق بسبب الأصل، أو الجنس، أو اللون، او الثروة أو الجاه، أو غيرها .

كانت الوثيقة قد اشتملت على أتم ما قد تحتاج الدولة من مقوماتها الدستورية والإدارية، وعلاقة الأفراد بالدولة، وكان القرآن يتنزل في المدينة عشر سنين، يرسم للمسلمين، خلالها مناهج الحياة، ويرسي مبادئ الحكم، وأصول السياسة، وشئون المجتمع وأحكام الحرام والحلال وأسس التقاضي، وقواعد العدل، وقوانين الدولة المسلمة في الداخل والخارج، والسنة الشريفة تدعم هذا وتشيده، وتفصله في تنوير وتبصرة، فالوثيقة خطت خطوطاً عريضة في الترتيبات الدستورية، وتعتبر في القمة من المعاهدات التي تحدد صلة المسلمين بالأجانب الكفار المقيمين معهم، في شيء كثير من التسامح والعدل والمساواة، وعلى التخصيص إذا لوحظ أنها أول وثيقة إسلامية، تسجل وتنفذ في أقوام كانوا منذ قريب وقبل الإسلام أسرى العصبية القبلية، ولا يشعرون بوجودهم إلا من وراء الغلبة، والتسلط وبالتخوض في حقوق الآخرين وأشيائهم . كانت هذه الوثيقة فيها من المعاني الحضارية الشيء الكثير، وما توافق الناس على تسميته اليوم بحقوق الإنسان، وإنه لا بد على الجانبين المتعاقدين أن يلتزموا ببنودها، فهل حدث هذا الالتزام؟. أم أخل اليهود بهذه البنود ؟

[انظر:السيرة النبوية للصلابي (1/429-439) و دولة الرسول من التكوين إلى التمكين، ص411.،  ص418.ومبادئ الحكم في الإسلام، عبد الحميد متولي، ص385.  و: النظام السياسي في الإسلام، ص 65.]

[872] - مسلم(( 1423 ) قال: حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب ( واللفظ لزهير ) قالا حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أمية عن عبدالله بن عروة عن عروة عن عائشة به-

[873] - البخاري(3894  ) حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ به..ورواه مسلم (1422 )

[874] - مسلم(1422) حدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبدالرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة

[875] - رواه اسحاق بن راهويه في مسنده(2/ 587 رقم 1164 )أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، نا أَبُو سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ .والحديث بنفس السند في مسند أحمد (6 / 210 و 211)و هو في طبعة الرسالة  للمسند (برقم 25769 –ت الأرنؤوط)وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن ، وهو متصلٌ كله، وأشار أبو سلمة ويحيى إلى اتصاله قبل نهاية الحديث عند قولهما: قالت عائشة. فظهر أنهما إنما رويا هذا الحديث عنها، وأشار إلى اتصاله الحافظُ في "أطراف المسند" 9/274، وفي "الفتح" 7/225، وحسَّن إسناده، وصُرِّح باتصاله في مصادر التخريج،.

 

[876] -  أخرجه أحمد في فضائل الصحابة( 2/ 872 رقم 1637 ) حدثنا وَكِيعٌ قال حدثنا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ بن أبي حازم عن عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ. وابن أبي عاصم في الأحاد والمثاني(804) عن يحيى بن سعيد الأموي  عن إسماعيل بن أبي خالد به. وأخرجه الترمذي (3886 ) وابن حبان في صحيحه(4540) من طريق يحيى بن سعيد الأموي، به. والحاكم 4/12 من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد، به.

وأخرجه كذلك أحمد في "المسند"( 4/203)، وأبو داود الطيالسي (1062)والبخاري( 3662 "، و4358 )، ومسلم (2384) ، والترمذي( 3885)، والبيهقي( 10/233)، والبغوي( 3869 )من طريق خالد الحذّاء، عن أبي عثمان النهدي، عن عمرو بن العاص، وزاد في آخره قلت: ثم مَن؟ قال: "ثم عمر بن الخطاب"، فعدّ رجالً.وهو حديث صحيح.

[877] - البخاري(:3411 ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى به

[878] - البخاري(2581 ) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ به.

[879] - السيرة النبوية للندوي(ص:157)

([880]) انظر: السيرة النبوية للصابوني (1/ 341-342 )

[881] - البخاري(5654) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ به

([882]) وفي رواية: «جدارات»: جمع جدار وهو الحائط، ودرجات: أي الطرق المرتفعة.          

(4) أوضع ناقته: حثها على السرعة.

 

([884]) البخاري(رقم 1802).حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا فذكره

([885]) البخاري( رقم 1885)حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي سَمِعْتُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أنَسٍ به          

([886]) مسلم(رقم 1373) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ - عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ به.   

[887] -المسند(2/375 رقم 8863) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ به..وقال الأرنؤوط:إسناده صحيح على شرط مسلم.

 693- اللأواء: الشدة وضيق العيش.

([889]) مسلم، (رقم 1363)حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ حَدَّثَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ(سعد بن أبي وقاص) به.

([890]) أخرجه أحمد (2/74، 104) 5437 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَبه. تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط البخاري وصححه ابن حبان رقم 3741.

([891]) البخاري(رقم 1890)حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلاَلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ به

([892]) يأرز: ينضم ويجتمع، انظر: فتح الباري (4/93).

([893]) البخاري، كتاب فضائل المدينة (4/93) رقم 1876. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ به

([894]) مسلم، (رقم 1381) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - عَنِ الْعَلاَءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ

([895]) البخاري، كتاب المغازي(رقم 4050)حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِىِّ بْنِ ثَابِتٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ ، يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وطرفاه 1884 ، 4589 ورواه مسلم(1384)

 

 

[897] - البخاري (1877) حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ عَنْ جُعَيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ به

([898]) الحدث: الإثم أو الأمر المنكر الذي ليس بمعروف في السنة.

([899]) المحدث: أي من أتي الحدث.

([900]) مسلم، كتاب الحج، (رقم 1371) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ الْجُعْفِىُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ به

[901] - البخاري( 2129 ) حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ الأَنْصَارِىِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ به

([902]) لا يختلي خلاها: لا يجز ولا يقطع الحشيش الرطب فيها.

([903])

([904]) أشار بها، والمراد تعريف اللقطة.

([905]) أخرجه أحمد (1/119)رقم 959)حَدَّثَنَا بَهْزٌ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ أَنْبَأَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي حَسَّانَ به.. تعليق شعيب الأرنؤوط : صحيح لغيره رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي حسان الأعرج فمن رجال مسلم

 

([906])وكذا قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ راجع الكامل في التاريخ 2 / 110 وتاريخ الطبري 2 / 256 وطبقات ابن سعد 3 / 623 و 3 / 611.

 

 

([907])رواه الترمذي (2050 ) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوَى أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ مِنَ الشَّوْكَةِ»: وقال:وَفِي البَابِ عَنْ أُبَيٍّ، وَجَابِرٍ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. ورواه ابن حبان في صحيحه(6080 ) والبزار في مسنده البحر الزخار (6306)ولفظه" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوَى أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ عَلَى أَكْحَلِهِ" و أخرجه الطبري في التاريخ( 2 / 256) والطحاوي 4/321، والبيهقي 9/342 كلهم من طرق عن يزيد بن زريع، بهذا الإسناد. ، وصححه الحاكم 4/417 ووافقه الذهبي.وقال ابن كثير:رِجَالُهُ ثِقَاتٌ.البداية والنهاية(3/281) والحديث صححه الألباني. وقال الأرنؤوط في تحقيقه لابن حبان:إسناده صحيح على شرط البخاري، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمران بن ميسرة، فمن رجال البخاري..

وأخرجه أحمد( 4/65 و5/378 )عن حسن بن موسى، عن زهير بن معاوية، عن أبي الزبير، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: كوى رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا أو أسعد بن زرارة في حلقه من الذبحة، وقال: "لا أدع في نفسي حرجا من سعد، أو أسعد بن زرارة" قال الهيثمي في "المجمع" 5/98: رجاله ثقات.

([908]) رواه مالك (2/ 60 رقم 1858- ط الرسالة) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ والْبُخَارِيُّ (3926 ): عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يوسف عن مَالِكٌ به..[ معنى (مصبح): أي مصاب بالموت صباحا ]

 

([909]) أحمد(24360 – ت الأرنؤوط) حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ،  عَنْ عَائِشَةَ ..وقال شعيب الأرنؤوط:حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف أبي بكر بن إسحاق بن يسار، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. يونس: هو ابن محمد المؤدب، وليث: هو ابن سعد.

وأخرجه النسائي في "الكبرى" (4272) و (7519) ، وابن حبان (5600) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" 2/566-567، والمزي في "تهذيب الكمال" (في ترجمة أبي بكر بن إسحاق بن يسار) من طرق عن ليث، بهذا الإسناد.وسيرد بأسانيد صحيحة بالأرقام (24532) و (26240) و (26241) .

قال السندي: الجبان حتفه، أي: موته، أي إنه لا يباشر أسباب الموت حتى يجيئه الموت من بين يديه، وإنما يجيئه الموت بالغلبة والقهر من السماء.قوله: بفخ: موضع عند مكة.

 

([910]) وانظر البداية والنهاية ط إحياء التراث (3/ 282)

 

([911]) البخاري(1090 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،ومسلم(3- (685) عن عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ عن سفيان بن عيينة به

 

([912]) البخاري(350 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ.ومسلم(1 - (685) عن يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، عن مَالِكٍ به.

 

[913] - السيرة لابن هشام(1/134-139)قال ابن اسحاق: حدثني عاصم بن عمرو بن قتادة الأنصاري عن محمود بن لبيد عن عبد الله بن عباس به.. وقد صرح ابن اسحاق بالتحديث فالحديث حسن. وأخرجه أحمد(5/441- 443) وحسنه المحقق:شعيب الأرنؤوط .

[914] - قال البخاري(: 3946 )- حَدَّثَنِى الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ أَبِى وَحَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ-النهدي- عَنْ سَلْمَانَ به

[915] - أحمد(1/216) ثنا إسحاق ثنا سفيان عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.. (وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين ) ورواه الترمذي(3175)والنسائي(3058) وصححه الألباني

([916]) انظر: تفسير الألوسي (6/108).

[917] - النسائي(3086) أخبرنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال أنبأنا أبي قال أنبأنا الحسين بن واقد عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس به.وصححه الألباني.

([918]) انظر: القتال والجهاد، د. محمد خير هيكل (1/463، 464).

[919] - السيرة للصلابي (1/464)

([920]) انظر: دراسة في السيرة، ص161.

([921]) البخاري(رقم 2797). قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ به..وأطرافه 36 ، 2787 ، 2972 ، 3123 ، 7226 ، 7227 ، 7457 ، 7463

 

([922]) البخاري(رقم 2817).قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. فذكره..وطرفه 2795

([923]) مسلم، (رقم 1919). حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شَمَاسَةَ به

([924]) مسلم، كتاب الإمارة، رقم 1917. : حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِى عَلِىٍّ ثُمَامَةَ بْنِ شُفَىٍّ به..

قال الصلابي: من أهداف الجهاد في سبيل الله تعالى :

1- حماية حرية العقيدة:

قال تعالى: ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ` وَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) [الأنفال: 39،40].

2- حماية الشعائر والعبادات:

قال تعالى: ( إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ` أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ` الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ` الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ )[الحج: 38-41].

3- دفع الفساد عن الأرض:

قال تعالى: ( وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ` فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ` تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) [البقرة: 250-252].

قال ابن كثير (1/262).  في تفسير قوله تعالى: ( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ ) أي لولا الله يدفع عن قوم بآخرين كما دفع عن بني إسرائيل بمقاتلة طالوت وشجاعة
داود لهلكوا أهـ.

4- الابتلاء والتربية والإصلاح:

قال تعالى: ( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إذا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ` سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ` وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ) [محمد: 4-6].

قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ( وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ) أي ولكن شرع
لكم الجهاد وقتال الأعداء ليختبركم وليبلو أخباركم([924]) كما ذكر حكمته في شرعية
الجهاد في قوله تعالى: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) [آل عمران: 142].

5- إرهاب الكفار وإخزاؤهم وإذلالهم وتوهين كيدهم:

قال تعالى: ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) [الأنفال: 60].

وقال تعالى: ( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ` وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) [التوبة: 14،15].

وقال تعالى: ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ` ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ )[الأنفال: 17،18].

6- كشف المنافقين :

قال تعالى: ( مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) [آل عمران: 179].

قال ابن كثير: أي لا بد أن يعقد شيئا من المحنة يظهر فيها وليه ويفضح به عدوه، يعرف به المؤمن الصابر والمنافق الفاجر، يعني بذلك يوم أحد الذي امتحن الله به المؤمنين، فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم وثباتهم وطاعتهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهتك به ستار المنافقين، فظهر مخالفتهم ونكولهم عن الجهاد وخيانتهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم

7- إقامة حكم الله ونظام الإسلام في الأرض:

إن إقامة حكم الله في الأرض هدف من أهداف الجهاد قال تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ) [النساء: 105].

8- دفع عدوان الكافرين:

إن من أهداف الجهاد في الإسلام دفع عدوان الكافرين وهذا الجهاد أنواع منها:

أن يعتدي الكفار على فئة مؤمنة مستضعفة في أرض الكفار:

لا سيما إذا لم تستطع أن تنتقل إلى بلاد تأمن فيها على دينها، فإن الواجب على الدولة الإسلامية أن تعد العدة لمجاهدة الكفار الذين اعتدوا على تلك الطائفة حتى يخلصوها من الظلم والاعتداء الواقع عليها([924]) قال تعالى: ( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ` وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيرًا ) [النساء: 74،75].

ب- أن يعتدي الكفار على ديار المسلمين:

قال تعالى: ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ` وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ` فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [البقرة: 190-192].

فقد نص الفقهاء على أنه إذا اعتدى الكفار على ديار المسلمين، يتعين الجهاد للدفاع عن الديار؛ لأن العدو إذا احتلها سام المسلمين عذاباً، ونفذ فيها أحكام الكفر، وأجبر أهلها على الخضوع له، فتصبح دار كفر بعد أن كانت دار إسلام.

قال بعض علماء الحنفية: «وحاصله أن كل موضع خيف هجوم العدو منه فرض على الإمام أو على أهل ذلك الموضع حفظه، وإن لم يقدروا فرض على الأقرب إليهم إعانتهم إلى حصول الكفاية بمقاومة العدو» [حاشية ابن عابدين (4/124).]

جـ- أن ينشر العدو الظلم بين رعاياه- ولو كانوا كفارًا:

لأن الله سبحانه حرم على عباده الظلم، والعدل في الأرض واجب لكل الناس، وإذا لم يدفع المسلمون الظلم عن المظلومين أثموا؛ لأنهم مأمورون بالجهاد في الأرض لإحقاق الحق وإبطال الباطل، ونشر العدل والقضاء على الظلم، ولا فلاح لهم إلا بذلك، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) [المائدة: 8].

د- الوقوف ضد الدعاة إلى الله ومنعهم من تبليغ دعوة الله:

إن المسلمين مفروض عليهم من قبل المولى عز وجل أن يبلغوا رسالات الله للناس كافة، قال تعالى: ( وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [آل عمران: 104].

وأعداء الله يصدون أولياءه عن تبليغ عباده دعوته ولا يتركون لهم سبيلاً إلى الناس، كما لا يأذنون للدعاة أن يُسمعوا الدعوة إلى الله للناس، ويضعون العراقيل والعوائق، والحواجز بين الدعوة ودعاتها وبين الناس، ولذلك أوجب الله عز وجل على عباده المؤمنين قتال كل من يصد عن سبيل الله تعالى .

قال تعالى: ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ` وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا

نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ` ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ

وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ` فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ

 حَتَّى إذا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لاَنْتَصَرَ

 مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ) [محمد: 1-4]. [ السيرة للصلابي(1/467_473)]

 

[925]  - أخرجه أحمد (برقم14523-أرنؤوط)قال: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ،فذكره.. ومسلم(145 - (1813) عن زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، عن رَوْح بْن عُبَادَةَ به.. وأخرجه أبو يعلى (2239) و (2241) ، والبيهقي في "الدلائل" 5/460-461 من طريق روح بن عبادة، به.وأخرجه بنحوه عبد بن حميد (1065) عن سعيد بن سلام، عن زكريا بن إسحاق، به.وأخرجه الطبراني (1742) من طريق ياسين الزيات، والحاكم 3/565-566، والبيهقي في "الدلائل" 5/461 من طريق حجاج الصواف، كلاهما عن أبي الزبير، به.

                                                 

[926]  - رواه مسلم ( 146 )(1814) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، ح وحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ، قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ،قذكره, وهو في مصنف ابن أبي شيبة( رقم 36646 )

[927]  - رواه البخاري (4471) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ به.. طرفاه 3949 ، 4404 - تحفة 3679 .ورواه مسلم(1254) حدثني زهير بن حرب حدثنا الحسن بن موسى أخبرنا زهير عن أبي إسحاق به..            

[928] - فتح الباري(7/280 -281)

[929] -السيرة لابن هشام(4/165)

[930] - فتح الباري(7/281).وقال بعض المعاصرين:

غَزَوَاتَ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-وهي سبعٌ وعشرون غزوة:

1 - غزوة الأبواء في صفرٍ من السنة الثانية للهجرة.

2 - غزوة بواط في ربيع الأول من السنة الثانية للهجرة.

3 - غزوة سفوان في ربيع الأول من السنة الثانية للهجرة.

4 - غزوة العشيرة في جمادى الأولى من السنة الثانية للهجرة.

5 - غزوة بدر في رمضان من السنة الثانية للهجرة.

6 - غزوة الكدر من بني سليم في شوال من السنة الثانية للهجرة.

7 - غزوة بني قينقاع في شوالٍ من السنة الثانية للهجرة.

8 - غزوة السويق في ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة.

9 - غزوة ذي أمرَّ في المحرم من السنة الثالثة للهجرة.

10 - غزوة الفرع من بحران في ربيع الآخر من السنة الثالثة للهجرة.

11 - غزوة أحد في شوال من السنة الثالثة للهجرة.

12 - غزوة حمراء الأسد في شوال من السنة الثالثة للهجرة.

13 - غزوة بني النضير في ربيع الأول من السنة الرابعة للهجرة.

14 - غزوة بدر الآخرة (المَوْعِدُ) في شعبان من السنة الرابعة للهجرة.

15 - غزوة دومة الجندل في ربيع الأول من السنة الخامسة للهجرة.

16 - غزوة بني المصطلق في شعبان من السنة الخامسة للهجرة.

17 - غزوة الأحزاب في شوال من السنة الخامسة للهجرة.

18 - غزوة بني قريظة في ذي القعدة من السنة الخامسة للهجرة.

19 - غزوة بني لحيان في جمادى الأولى من السنة السادسة للهجرة.

20 - غزوة الحديبية في ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة.

21 - غزوة ذي قردٍ في المحرم من السنة السابعة للهجرة.

22 - غزوة خيبر في المحرم من السنة السابعة للهجرة.

23 - غزوة ذات الرقاع في السنة السابعة للهجرة.

24 - غزوة فتح مكة في رمضان من السنة الثامنة للهجرة.

25 - غزوة حنين في شوال من السنة الثامنة للهجرة.

26 - غزوة الطائف في شوال من السنة الثامنة للهجرة.

27 - غزوة تبوك في رجب من السنة التاسعة للهجرة.

** سَرَايا الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-وهي ثلاث وسبعون سريةً:

1 - سرية حمزة بن عبد المطلب إلي سيف البحر في رمضان من السنة الأولي للهجرة.

2 - سرية عبيدة بن الحارث إلى بطن رابغ في شوال من السنة الأولى للهجرة.

3 - سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار في ذي القعدة من السنة الأولى للهجرة.

4 - سرية سعد بن أبي وقاص إلى حي من كنانة في رجب من السنة الثانية للهجرة.

5 - سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة في رجب من السنة الثانية للهجرة.

6 - سرية عمير بن عدي لقتل عصماء بنت مروان في رمضان من السنة الثانية للهجرة.

7 - سرية سالم بن عمير إلى أبي عفك اليهودي في شوال من السنة الثانية للهجرة.

8 - سرية محمَّد بن مسلمة لقتل كعب بن الأشراف في ربيع الأول من السنة الثالثة للهجرة.

9 - سرية زيد بن حارثة إلى القردة في جمادى الآخرة من السنة الثالثة للهجرة.

10 - سرية أبي سلمة إلى طليحة الأسدي في المحرم من السنة الرابعة للهجرة.

11 - سرية عبد الله بن أنيس إلى خالد الهذلي في المحرم من السنة الرابعة للهجرة.

12 - سرية الرجيعِ في صفر من السنة الرابعة للهجرة.

13 - سرية بئر معونة في صفر من السنة الرابعة للهجرة.

14 - سرية عمرو بن أمية لقتل أبي سفيان في السنة الرابعة للهجرة.

15 - سرية عبد الله بن عتيك لقتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق اليهودي في ذي الحجة من السنة الخامسة للهجرة.

16 - سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء في المحرم من السنة السادسة للهجرة.

17 - سرية عكاشة إلى الغمر في ربيع الأول من السنة السادسة للهجرة.

18 - سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة في ربيع الآخر من السنة السادسة للهجرة.

19 - سرية أبي عبيدة إلى ذي القصة في ربيع الآخر من السنة السادسة للهجرة.

20 - سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم في ربيع الآخر من السنة السادسة للهجرة.

21 - سرية زيد بن حارثة إلى العيص في جمادى الأولى من السنة السادسة للهجرة.

22 - سرية زيد بن حارثة إلى الطرف في جمادى الآخرة من السنة السادسة للهجرة.

23 - سرية زيد بن حارثة إلى حسمى في جمادى الآخرة من السنة السادسة للهجرة.

24 - سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى في رجب من السنة السادسة للهجرة.

25 - سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان من السنة السادسة للهجرة.

26 - سرية علي بن أبي طالب إلى فدك في شعبان من السنة السادسة للهجرة.

27 - سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة في رمضان من السنة السادسة للهجرة.

28 - سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير بن زارم في شوال من السنة السادسة للهجرة.

29 - سرية كرز بن جابر إلى العرنيين في شوال من السنة السادسة للهجرة.

30 - سرية الخبط في السنة السادسة للهجرة.

31 - سرية بني عبس في السنة السادسة للهجرة.

32 - سرية أبان بن سعيد قبل نجد في السنة السابعة للهجرة.

33 - سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني ثعلبة في صفرٍ من السنة السابعة للهجرة.

34 - سرية أبي بكر إلى بني فزارة بنجدٍ في شعبان من السنة السابعة للهجرة.

35 - سرية عمر بن الخطاب إلى تربة في شعبان من السنة السابعة للهجرة.

36 - سرية بشير بن سعدٍ إلى بني مرة بفدك في شعبان من السنة السابعة للهجرة.

37 - سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة في رمضان من السنة السابعة للهجرة.

38 - سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار في شوال من السنة السابعة للهجرة.

39 - سرية أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم في ذي الحجة من السنة السابعة للهجرة.

40 - سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح بالكديد في صفر من السنة الثامنة للهجرة.

41 - سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى فدك في صفر من السنة الثامنة للهجرة.

42 - سرية شجاع بن وهب الأسدي إلى بني عامر في ربيع الأول من السنة الثامنة للهجرة.

43 - سرية كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح في ربيع الأول من السنة الثامنة للهجرة.

44 - سرية زيد بن حارثة إلى مدين في السنة الثامنة للهجرة.

45 - سرية مؤتة في جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة.

46 - سرية ذات السلاسل في جمادى الآخرة من السنة الثامنة للهجرة.

47 - سرية أبي قتادة إلى خضرة في شعبان من السنة الثامنة للهجرة.

48 - سرية أبي حدردٍ إلى الغابة في شعبان من السنة الثامنة للهجرة.

49 - سرية أبي قتادة إلى إضمٍ في رمضان من السنة الثامنة للهجرة.

50 - سرية أسامة بن زيد إلى الحرقات في السنة الثامنة للهجرة.

51 - سرية خالد بن الوليد لهدم العُزى في رمضان من السنة الثامنة للهجرة.

52 - سرية عمرو بن العاص لهدم سواع في رمضان من السنة الثامنة للهجرة.

53 - سرية سعد بن زيد الأشهلي لهدم مناة في رمضان من السنة الثامنة للهجرة.

54 - سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة في شوال من السنة الثامنة للهجرة.

55 - سرية قيس بن سعد بن عبادة إلى صُداءٍ في السنة الثامنة للهجرة.

56 - سرية أوطاس في شوال من السنة الثامنة للهجرة.

57 - سرية الطفيل بن عمرو الدوسي لهدم ذي الكفين في شوال من السنة الثامنة للهجرة.

58 - سرية عيينة بن حصن إلى بني تميم في المحرم من السنة التاسعة للهجرة.

59 - سرية قطبة بن عامر إلى خثعم في صفر من السنة التاسعة للهجرة.

60 - سرية الضحاك بن سفيان إلى القرطاء في ربيع الأول من السنة التاسعة للهجرة.

61 - سرية علقمة بن مجزر إلى الأحباش بجدة في ربيع الآخر من السنة التاسعة للهجرة.

62 - سرية علي بن أبي طالب لهدم الفلس في ربيع الآخر من السنة التاسعة للهجرة.

63 - سرية عكاشة بن محصن إلى الجناب في ربيع الآخر من السنة التاسعة للهجرة.

64 - سرية طلحة بن عبيد الله لحرق بيت سويلم اليهودي في رجب من السنة التاسعة للهجرة.

65 - سرية خالد بن الوليد إلى أكيدر ملك دومة في رجب من السنة التاسعة للهجرة.

66 - سرية خالد بن الوليد إلى خثعم في السنة التاسعة للهجرة.

67 - سرية أبي سفيان والمغيرة بن شعبة لهدم اللات في رمضان من السنة التاسعة للهجرة.

68 - سرية خالد بن سعيد بن العاص إلى اليمن في السنة التاسعة للهجرة.

69 - سرية خالد بن الوليد إلى بني عبد المدان بنجران في ربيع الأول من السنة العاشرة للهجرة.

70 - سريةٌ إلى رعية السحيمي في السنة العاشرة للهجرة.

71 - سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن في رمضان من السنة العاشرة من الهجرة.

72 - سرية جرير بن عبد الله البجلي لهدم ذي الخلصة في رمضان من السنة العاشرة للهجرة.

73 - سرية زيد بن حارثة إلى البلقاء بالشام في صفر من السنة الحادية عشر للهجرة.اهـ

انظر:الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية بترتيب أحداث السيرة النبوية (ص: 609-619)

المؤلف: أبو أسماء محمد بن طه-تقديم: الشيخ وحيد عبد السلام بالي ،والشيخ الدكتور عبد الباري محمد الطاهر-الناشر: دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع،.الطبعة: الثانية، 1433 هـ - 2012 م

 

([931]) قيل: سميت بذلك لما فيها من الوباء.       .

([932]). ودان: قرية جامعة قريبة من الأبواء.

[933] - من أصحاب السير من يذكرها في العام الأول الهجري ومنهم من يذكرها في العام الثاني.والسبب في ذلك -والله أعلم- أن من بدأ التقويم الهجري  من شهر المحرم جعلها في العام الثاني ، أما من بدأ من شهر ربيع الأول(الذي هاجر فيه النبي صلى الله عليه وسلم) جعلها في آخر  العام الأول

([934])     انظر: طبقات ابن سعد (2/7). انظر: جيش النبي صلى الله عليه وسلم لمحمود شيت خطاب، ص54.

 

([935])  البخاري(5/71)

[936] - أخرجه الطبرانى في الكبير(17/16 ، رقم 12) حدثنا علي بن المبارك ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده عمرو بن عوف المزني به. قال الهيثمى (6/68) : رواه الطبرانى من طريق كثير بن عبد الله المزنى وهو ضعيف عند الجمهور وقد حسن الترمذى حديثه وبقية رجاله ثقات أهـ . وأخرجه أيضًا : ابن عدى (6/58 ترجمة 1599 كثير بن عبد الله بن عمرو) . وقد قال فيه ابن حبان: يروى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة، لا يحل ذكرها فى الكتب، ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب. المجروحين: 2/221.

عرق الظبية: هو من الروحاء على ثلاثة أميال مما يلى المدينة. معجم البلدان: 4/85.

سجاسج: جمع سجسج، وهو الأرض ليست بصلبة ولا سهلة. النهاية: 2/148.

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 847 :وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ لأن كثيراً ضعيف متهم بالكذب..ثم قال: واعلم أن إيراد الحديث في هذا الكتاب إنما هو باعتبار النصف الأول منه ؛ لغرابته ونكارته ؛ إلا ؛ فالنصف الآخر ثابت في بعض الأحاديث الصحيحة ، فانظر "التعليق الرغيب على الترغيب والترهيب" (2/ 115-117) .  أهـ .

[937] - رواه ابن الأعرابي في معجمه (2/ 685 رقم 1381)قال: نا ابْنُ عَفَّانَ، نا عَبَاءَةُ بْنُ كُلَيْبٍ اللَّيْثِيُّ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ  بْنِ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ به..وأخرجه البيهقى فى( إثبات عذاب القبر)(1/ 135 رقم 234)قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالُوا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، يَعْنِي ابْنَ عَفَّانَ الْعَامِرِيَّ به...ثم قال البيهقي: وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ قِصَّةٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَهْرَمَانَ آلِ الزُّبَيْرِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ وَفِي الْآثَارِ الصَّحِيحَةِ غُنْيَةٌ.أهـ. ورجال الإسناد ثقات عدا عباءة بن كليب فهو صدوق له أوهام –كذا قال ابن حجر في التقريب.. وقال الذهبي في الميزان (في ترجمته برقم 4187): عن جويرية بن أسماء، صدوق، له ما ينكر، وغيره أوثق منه.حدث عنه أبو كريب، وأخرجه البخاري في كتاب الضعفاء.فقال أبو حاتم: يحول أهـ. وقال في الديوان (رقم 2109): عباءة بن كليب عن جويرية بن أسماء: تفرد بحديثه أهـ وقال الحافظ في تهذيب التهذيب 5 / 136 :  ذكره العقيلى فى " الضعفاء " ، و قال : لا يتابع على حديثه . اهـ .

 

([938]) تاريخ خليفة بن خياط ( ص 62) مؤسسة الرسالة ط1397هـ.. سيف البحر: أي ساحله من ناحية العيص.    

([939]) في تاريخ الإسلام للذهبي(2/46):وقال الزهري: في مائة وثلاثين راكباً

([940])سيرة ابن هشام(2/183)و تاريخ خليفة بن خياط ( ص 62).وانظر تاريخ الإسلام للذهبي(2/46).

[941] - سيرة ابن هشام(2/180-181) .

 

[942] -الروض الأنف للسهيلي(3/31) و وقال رواه محمد البخاري عن أبي المتوكل عن عبد الرزاق.و انظر البداية والنهاية(3/299)

[943] - قال ابن سيد الناس:وروينا عن ابن عائذ عن الوليد عن ابن لهيعة عن ابى الاسود عن عروة ان راية حمزة هي الاولى.

وروينا عنه ايضا عن محمد بن شعيب عن عثمان بن عطاء الخراساني عن ابيه عن عكرمة عن ابن عباس ذكر بعث عبيدة ثم بعث حمزة بنحو ما ذكر ابن اسحق أهـ عيون الاثر في فنون المغازي والشمائل والسير(1/297)

وفي  السنة الأولى جُعلت الصلاة ُ الحَضَر أربعَ ركعات وكانت رَكعتين بعد مَقْدمِه {صلى الله عليه وسلم} المدينة بشهرٍ كذا قال ابن إسحاق وغيرُه وهو قول عائشة - رضي الله عنها - وقيل إنها فُرضت أربعاً إلاّ المَغرب فإنها فُرضت ثلاثاً والصُبح فُرضت ركعتين وقيل غير ذلك والله أعلم وفيها شُرِع الأَذان وأَسلم عبد الله بن سَلاَم..أنظر مختصر السيرة لابن جماعة(ص:34)

 

[944] - مسلم (3009). قال: حدثنا هارون بن معروف ومحمد بن عباد ( وتقاربا في لفظ الحديث ) والسياق لهارون قالا حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة عن عبادة بن الوليد به.

 

([945]) العشيرة: موضع بين مكة والمدينة من ناحية ينبع على ساحل البحر الأحمر، (مراصد الاطلاع 2/943).

([946]) انظر: طبقات ابن سعد (2/10).              

([947])  صحيح البخاري(3949) قال:حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ به.ورواه مسلم ( 143) (1254) والترمذي( 1676 ) وأحمد( 19354) وقد تقدم.

[948] - الحاكم(3/422 رقم 5605 ) أخبرنا أبو بكر بن إسحاق ثنا علي بن عبد العزيز ثنا سليمان بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة بن عبيد الله حدثني أبي عن جدي عن موسى بن طلحة عن أبيه طلحة بن عبيد الله به.. سكت عنه الذهبي في التلخيص.ورواه الطبراني في الكبير(1/112 رقم 198)عن يحيى بن عثمان بن صالح عن سليمان بن أيوب به.وأخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة( 1/97رقم 372 ) عن الطبراني به.وسليمان بن أيوب من الطبقة التاسعة (صغار أتباع التابعين) وهو صدوق يخطىء قال الحافظ في تهذيب التهذيب 4 / 173 : أورد له ابن عدى أحاديث مناكير ، و قال : عامة أحاديثه لا يتابع عليها . و وثقه يعقوب بن شيبة . و ذكره ابن حبان فى " الثقات " وقال الحافظ:روى عن أبيه ، عن آبائه نسخة . اهـ .

 

[949] - ابن هشام(2/186) قال ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ خَيْثَمٍ الْمُحَارِبِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ خَيْثَمٍ أَبِي يَزِيدَ عَنْ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ، فذكره.. و أخرجه أحمد (4/263 ، رقم 18347) من طريق ابن إسحاق وقال شعيب الأرنؤوط : حسن لغيره دون قوله : " يا أبا تراب " فصحيح من قصة أخرى . وهذا إسناد ضعيف .

وكذا رواه الطبرانى كما فى مجمع الزوائد (9/136) وقال الهيثمى : رجالهما موثقون إلا أن التابعى لم يسمع من عمار" وقال البخاري في التاريخ الكبير(1/71 ترجمة رقم175) : لا يعرف سماع يزيد من محمد ولا محمد بن كعب من ابن خثيم ولا ابن خثيم من عمار أهـ .قلت في رواية لأحمد(4/264رقم 18352) التصريح بسماع محمد بن كعب القرظي من ابن خثيم (أبي زيد) حيث قال:حدثني أبو زيد ابن خيثم. .وكذا ورد التصريح بالسماع عند ابن عساكر(42/549) من طريق يونس عن ابن اسحاق به.

والحديث رواه أيضًا النسائي في الكبرى(5/153 رقم8538) والحاكم (3/151 ، رقم 4679) ، وابن عساكر (42/549) . والبغوى ، والطبرانى  وابن مردويه ، وأبو نعيم فى معرفة الصحابة.

 و الخبر له شواهد إلا تسمية علي بأبي تراب فلا يثبت بهذه الرواية ولذا قال ابن كثير: هذا حديث غريب من هذا الوجه له .أهـ البداية والنهاية(3/303)

 

[950] - البخاري(441) قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ به

([951]) علم لموضع بالحجاز قرب الجحفة (مراصد الاطلاع 1/455).

([952])  سيرة ابن هشام (2/186) وذكره هكذا مرسلا.  

[953] - مغازي الواقدي (1/2)وأنظر البداية والنهاية (3/248)

[954] - البداية والنهاية لابن كثير(3/248)

([955])  سيرة ابن هشام (2/187) ذكرها ابن اسحاق  مرسلة      

[956] - الطبراني في الكبير(2/162 رقم 1670 ). حدثنا إبراهيم بن نائلة ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحضرمي عن أبي السوار عن جندب به.. وقال الهيثمي في المجمع(6/294): رواه الطبراني ورجاله ثقات أهـ. قلت: ورواه أبو يعلى في مسنده(3/102) (وقال محققه: إسناده حسن. )

 

[957] -  قَالَ ابْنُ هِشَامٍ في السيرة (2/188): وَاسْمُ الْحَضْرَمِيّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّادٍ ، ( وَيُقَالُ مَالِكُ بْنُ عَبّادٍ ) أَحَدُ الصّدِفِ ، وَاسْمُ الصّدِفِ عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ ، أَحَدُ السّكُونِ بْنِ أَشْرَسَ بْنِ كِنْدَةَ ، وَيُقَالُ كِنْدِيّ .

([958])  سيرة ابن هشام (2/187-190) وهذا مرسل قوي          

[959] - مسند أحمد(1/ 178) قال عَبْد اللَّهِ بن الإمام أحمد: وَجَدْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمُتَعَالِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ (قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ عبد الله بن أحمد:وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبِي ) حَدَّثَنَا الْمُجَالِدُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ سَعْدِ به.. (وقال الأرنؤوط:إسناده ضعيف) وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه(7/352)عن أبي أسامة عن مجالد به. وقد رواه البيهقي في الدلائل من حديث يحيى بن ابي زائدة عن مجالد به نحوه ثم رواه من حديث أبي أسامة عن مجالد عن زياد بن علاقة عن قطبة بن مالك عن سعد بن ابي وقاص فذكر نحوه فادخل بين سعد وزياد قطبة بن مالك .وذكر ابن كثيرفي تاريخه(3/248) أن هذا أنسب والله أعلم وقال الهيثمي في المجمع(6/85):رواه أحمد ورواه ابنه عنه وجادة ووصله عن غير أبيه ورواه البزار ولفظه :عن سعيد قال : أول أمير عقد له في الإسلام عبد الله بن جحش عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا. وفيه المجالد بن سعيد وهو ضعيف عند الجمهور ووثقه النسائي في رواية وبقية رجال أحمد رجال الصحيح أهـ

 

[960] - البداية والنهاية(3/248)

[961] - البخاري(399) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ به.. ورواه مسلم

[962] - النسائي في الكبرى(10937) قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيت أخبرنا الليث أخبرنا خالد بن يزيد عن بن أبي هلال قال: أخبرني مروان بن عثمان أن عبيد بن حنين أخبره عن أبي سعيد بن المعلى به.

([963]) - سيرة ابن هشام (2/191)                  

([964])-  فتح الباري(1/120)                         

([965]) رواه أبو داود، ( رقم 1609) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمْرَقَنْدِيُّ، َقالَا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْخَوْلَانِيُّ، حدثنا سَيَّارِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّدَفِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ورواه ابن ماجة(1827) عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَشِيرِ بْنِ ذَكْوَانَ، وَأَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ، عن مروان به.والحديث حسنه الألباني والأرنؤوط.

[966] - البداية والنهاية(3/256)

([967])– أحمد(23843-أرنؤوط) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ به. وأحرجه  النسائي(2507) وابن ماجه (1828) ،وأبو يعلى (1434) ، وابن خزيمة (2394) ، والحاكم 1/410 من طريق وكيع، بهذا الإسناد.وصححه الألباني والأرنؤوط .

([968]) فتح الباري (3/207).  

 

[970] - انظر تفاصيل الغزوة كما رواها ابن اسحاق عن بعض علماء السيرة من  التابعين كما في سيرة ابن هشام وكذا أخرجها البيهقي في الدلائل((3 / 32-35))من طريق ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ وعاصم بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وعبد الله ابن أَبِي بَكْرٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا فَبَعْضُهُمْ قَدْ حَدَّثَ بِمَا لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ بَعْضٌ، وَقَدِ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ فِيمَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ يَوْمِ بدر .فكر القصة.. وهو مرسل قوي.

 

[971] -  البخاري (6/61 رقم 4645) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْم، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فذكره.

 

[972] -  قال ابن حجر في التلخيص الحبير: "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا بَدْرًا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَأُحُدًا فِي الثَّالِثَةِ، وَذَاتَ الرِّقَاعِ فِي الرَّابِعَةِ، وَغَزْوَةَ الْخَنْدَقِ فِي الْخَامِسَةِ، وَغَزْوَةَ بَنِي النَّضِيرِ فِي السَّادِسَةِ، وَفَتَحَ خَيْبَرَ فِي السَّابِعَةِ، وَفَتَحَ "مَكَّةَ" فِي الثَّامِنَةِ، وَغَزْوَةَ تَبُوكَ فِي التَّاسِعَةِ".قال: أَمَّا غَزْوَةُ بَدْرٍ فِي الثَّانِيَةِ؛ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ السِّيَرِ: ابْنُ إِسْحَاقَ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَأَبُو الْأَسْوَدِ وَغَيْرُهُمْ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي رَمَضَانَ.قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهَا كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَهُوَ شَاذٌّ، ثُمَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ سَابِعَ عَشَرَةَ، وَقِيلَ ثَانِي عَشَرَةَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الثَّانِيَ ابْتِدَاءُ الْخُرُوجِ، وَالسَّابِعَ عَشْرَ يَوْمَ الْوَقْعَةِ" أهـ التلخيص الحبير(4/89) شرح الحديث رقم 1826

 

[973] -  السيرة لابن هشام(2/242) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَائِشَةَ به . وأخرجه ابن جرير في تفسيره(23/ 690)من طريق ابن اسحاق عن يحيى بن عباد، عن أبيه عباد، عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة.وهذا إسناد متصل رجاله ثقات. .عباد وأبوه عبد الله بن الزبير كلاهما سمع من عائشة رضي الله عنها، وقال الدارقطنى : يحيى بن عباد و أبوه عباد ثقتان . اهـ . انظر تهذيب التهذيب (5 / 98 و 11 / 235)

 

[974] 0 البخاري( 4609)حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مُخَارِقٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ ح وَحَدَّثَنِى حَمْدَانُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا الأَشْجَعِىُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُخَارِقٍ عَنْ طَارِقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود- قَالَ: قَالَ الْمِقْدَادُ فذكره..

[975] -  قوله: "إنما يريدكم" أي ما يريد رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالاستشارة إلا كلامكم ورأيكم، فاذكروا رأيكم له.

[976] - رواه أحمد(12022 – ت الأرنؤوط)قال:حَدَّثَنَا محمد بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ. وإسناده صحيح على شرط الشيخين-كما قال الأرنؤوط- وهو في "فضائل الصحابة" للمصنف (1438) ، بهذا الإسناد.

وأخرجه النسائي في "الكبرى" (8348) ، وأبو يعلى (3766) و (3803) ، وابن حبان (4721) ، وابن مردويه- كما في "تفسير ابن كثير" 2/41 -من طرق عن حميد الطويل، به.

قوله:"أكبادها" أي: أكباد الإبل .

[977] - ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان يريد رأي الأنصار لا المهاجرين ففهم سعد بن معاذ ذلك ،فقام فتكلم

[978] - مسلم ( 1779 ):حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس به.

برك الغماد:موضع من وراء مكة بخمس ليال بناحية الساحل، وقيل بلدتان وقال القاضي وغيره هو موضع بأقاصي هجر.

 

[979] - مسند أحمد(5/259) عن ابن عباس بسند صحيح. ورواه الطبري في تفسيره (13/399) . وانظر البداية والنهاية(3/262)

[980] -  بدر: اسم بئر حفرها بدر بن قريش بين مكة والمدينة، كان العرب مجتمعون حولها في سوق سنوية لهم.

[981] - مسلم ( 1779 )

[982] - ، كان صلى الله عليه وسلم يطبق مبدأ الكتمان في حروبه، فقد أرشد القرآن الكريم المسلمين إلى أهمية هذا المبدأ قال تعالى: ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ) [النساء: 83]. وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم حرصه على معرفة جيش العدو والوقوف على أهدافه ومقاصده؛   لذلك كان يقوم بجمع المعلومات تارة بنفسه وأخرى بغيره  لأن ذلك يعينه على رسم الخطط الحربية المناسبة لمجابهته وصد عدوانه,

وقد تحلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفة الكتمان في عامة غزواته، فعن كعب بن مالك t قال: (ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورَّى بغيرها...)(البخاري ) وفي غزوة بدر ظهر هذا الخلق الكريم في الآتي:

1- كتمانه صلى الله عليه وسلم خبر الجهة التي يقصدها عندما أراد الخروج إلى بدر، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (... إن لنا طلبةً فمن كان ظهره حاضرًا فليركب معنا...) وقد استدل الإمام النووي بهذا الحديث على استحباب التورية في الحرب، وأن لا يبين القائد الجهة التي يقصدها لئلا يشيع هذا الخبر فيحذرهم العدو

2- سؤاله صلى الله عليه وسلم الشيخ الذي لقيه في بدر عن محمد وجيشه، وعن قريش وجيشها.

3- تورية الرسول صلى الله عليه وسلم في إجابته عن سؤال الشيخ ممن أنتما؟ بقوله صلى الله عليه وسلم: «نحن من ماء» وهو جواب يقتضيه المقام، فقد أراد به صلى الله عليه وسلم كتمان أخبار جيش المسلمين عن قريش.

4- وفي انصرافه فور استجوابه كتمانٌ أيضًا, وهو دليل على ما يتمتع به رسول
الله صلى الله عليه وسلم من الحكمة، فلو أنه أجاب هذا الشيخ ثم وقف عنده لكان هذا سببًا في طلب الشيخ بيان المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم: «من ماء»

5- أمره صلى الله عليه وسلم بقطع الأجراس من الإبل يوم بدر، فعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالأجراس أن تقطع من أعناق الإبل يوم بدر..انظر: مرويات غزوة بدر، أحمد محمد باوزير، ص100.

 

[983] - مسلم ( 1901 ):حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِى النَّضْرِ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ - قَالُوا حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - وَهُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ - عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ به

[984] -البداية والنهاية(3/256-328)بتصرف

[985] - أحمد((  رقم 948 -ت أرنؤوط) قال:حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ عَلِيٍّ به..وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير حارثة بن مضرب فمن رجال أصحاب السنن.

 

[986] - مسلم(1763) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ حَدَّثَنِى سِمَاكٌ الْحَنَفِىُّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ :لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِىُّ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنِى أبو زميل به

[987] - رواه الطبراني في المعجم الأوسط (9/ 58 رقم 9121 )قال: حَدَّثَنَا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به.. ثم قال"لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة، عَنْ عُمَرَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ" وذكره الهيثمي في المجمع(6/ 78)وقال :رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَفِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

ورجال هذا الإسناد لا بأس بهم إلا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ المعروف  بابن أبى ثابت فذكر الحافظ أنه متروك احترقت كتبه فحدث من حفظه فاشتد غلطه ، و كان عارفا بالأنساب. و قال الترمذى ، و الدارقطنى : ضعيف . تهذيب التهذيب( 6 / 351 ). لكن له شواهد تقويه. فقدروى أحمد (3042) والبخاري(4875 و4877)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ يَوْمَ بَدْرٍ: " اللهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ " فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ. وَهُوَ يَثِبُ فِي الدِّرْعِ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45] قال الحافظ في "الفتح" 8/619معقبا: هذا من مرسلات ابن عباس، لأنه لم يحضر القصة، وروى عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، أن عمر قال: لما نزلت: (سيُهْزَمُ الجمعُ ويُوَلونَ الدبُرَ) جعلتُ أقولُ: أي جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيتُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَثبُ في الدرع وهو يقول: (سيهزم الجمع) الاَية، فكأنَّ ابن عباس حمل ذلك عن عمر، وكأن عكرمة حمله عن ابن عباس، عن عمر.أهـ. وبقية المتن جاء في أحاديث أخرى صحيحة.

 

[988] - أخرجه الطبرانى فى «المعجم الكبير 4/174-176 رقم4056»قال: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ، سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ ،فذكره. وذكره الهيثمى في مجمع الزوائد( 6/74 ) وقال:وإسناده حسن.أهـ.قلت:الحديث حسن لغيره. رجال إسناده ثقات إلا ابن لهيعة فأكثرهم على تضعيفه ، وقال الحافظ:هو صدوق ، خلط بعد احتراق كتبه و رواية ابن المبارك و ابن وهب عنه أعدل من غيرهما. ،و قال عبد الغنى بن سعيد الأزدى : إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح : ابن المبارك ، و ابن وهب ، و المقرىء، روى له مسلم مقرونا بعمرو بن الحارث ، و أبو داود ، و الترمذى ، و ابن ماجة .انظر تهذيب التهذيب 5 / 377

 

[989] - أحمد(5/431) رقم 23710 قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ به...تعليق شعيب الأرنؤوط : صحيح وهذا إسناد حسن من أجل ابن إسحاق

 

[990] - البخاري (3995 )حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ به

[991] - رواه أحمد ( 1257- أرنؤوط) وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي صالح الحنفي- واسمه عبد الرحمن بن قيس- فمن رجال مسلم. مسعر: هو ابن كدام، وأبو عون: هو محمد بن عبيد الله بن سعيد الثقفي.أهـ

والحديث أخرجه ابن أبي شيبة 6/ 351 ، وابن أبي عاصم (1217) ، والبزار (729) ، وأبو يعلى (340) ، والحاكم 3/72 من طرق عن مسعر، بهذا الإسناد. وصحح إسناده الحاكم، ووافقه الذهبي إلا أنه جعله على شرط مسلم. وانظر الصَّحِيحَة للألباني: 3241

 

[992] - رواه أحمد (23829 - و 23778 ت أرنؤوط) حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِيُّ، وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ  قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ، فَحَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ بَنِي مَازِنٍ عن أبي دَاوُدَ الْمَازِنِيُّ به.

وقال الأرنؤوط:إسناده ضعيف لإبهام الواسطة بين إسحاق بن يسار والد محمد وبين أبي داود المازني. يزيد: هو ابن هارون.

وأخرجه الدولابي في "الكنى" 1/69 عن أبي بكر مصعب بن عبد الله، عن يزيد بن هارون، بالإسناد الثاني.

وأخرجه كذلك الطبري في "تفسيره" 4/77 من طريق سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، به.

وهو في "سيرة ابن هشام" 2/286 عن ابن إسحاق بالإسناد الثاني.

وفي الباب عن ابن عباس عند مسلم (1763) ضمن حديث طويل ..أهـ .

 

[993] -  البخاري (3141 )حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ به. و أخرجه مسلم رقم( 1752 ) في الجهاد والسير باب استحقاق القاتل سلب القتيل

 

[994] - البخاري( 3988 )حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فذكره.. وقال الحافظ في الفتح)1/454): وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر حَدثنِي يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي قِصَّةِ قَتْلِ أبي جهل وَهُوَ عِنْده من طَرِيق صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ، وَيَعْقُوب هُنَا يغلب على ظَنِّي أَنه الدَّوْرَقِي أهـ قلت: وإبراهيم هوإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشى الزهرى..

[995] - البخاري (3962 ) حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسٍ به

[996] - البخاري (3961 ) حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنَا قَيْسٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود به

[997] - البخاري (3960 ) حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ به

[998] - البخاري ( 3998) حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَة به.َ

[999] - البخاري (3976 ) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ به.. و أخرجه مسلم. (رقم 78- 2875) عن مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ عن روح به. ورواه أحمد(16359 - أرنؤوط) عن روح به.

الشرح:(صناديد) جمع صنديد وهو السيد الشجاع. (طوي) هي البئر التي بنيت جدرانها بالحجارة. (خبيث) غير طيب. (مخبث) من قوله أخبث إذا اتخذ أصحابا خبثا أي زاد خبثه بإلقاء هؤلاء الخبيثين فيه. (شفة الركي) طرف البئر. (أنكم أطعتم) أي لو أنكم أطعتم. (نقمة) وفي نسخة (نقيمة) وهي المكافأة بالعقوبة .

 

[1000] - البخاري (5/73)

[1001] -البخاري ( 3955) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا وَهْبٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ فذكره

[1002] -البخاري ( 3957 )حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فذكره

[1003] - الفصول في السيرة ص 35

[1004] -  ابن هشام(2/253-267)

[1005] - فتح الباري(7/328-329)

[1006] - مجمع الزوائد(6/129-135)

[1007] - صحيح مسلم (1763)

[1008] - البخاري(3039 و3986)حدثني عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال سمعت البراء بن عازب به

[1009] -   الأنفال:هي الغنائم (واحدها نَفَل بتحريك الفاء)، و تطلق أيضًا على ما يعطى زيادة على السهم من المغنم .

وسميت الغنائم أَنفالا، لأَنها زيادة فيما أَحلَّ الله لهذه الأُمة، مما كان محرمًا على غيرها، كما قال - صلى الله عليه وسلم -:في الحديث المتفق عليه "وَأُحِلَّتْ لى الْغَنَائِمُ وَلمْ تُحلَّ لِأَحدٍ قَبْلىِ"،- أَو لأَنها عطية من الله تعالى زائدة على ما هو أَصل الأَجر في الجهاد من الثواب الأُخروى- أَو لأنها زيادة على السهم لمصلحة يراها الإِمام .

 

[1010] -   أبو داود(2737) حدثنا وهب بن بقية قال أخبرنا خالد عن داود عن عكرمة عن ابن عباس به ..   وصححه الألباني

[1011] -   أحمد(5/325 رقم 22814  ): ثنا معاوية بن عمرو ثنا أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن عياش بن أبي ربيعة عن سليمان بن موسى عن أبي سلام عن أبي أمامة عن عبادة به.. تعليق شعيب الأرنؤوط : حسن لغيره

وأخرجه البيهقي 6/315 من طريق معاوية بن عمرو، بهذا الإسناد. ولم يسق لفظه.

وأخرجه مختصراً بقصة تنفيل الربع الدارمي (2482) و (2486) من طريق محمد بن عيينة، عن أبي إسحاق، به.

وأخرجه مختصراً كذلك الشاشي (1173) من طريق معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن عياش، عن سليمان، عن مكحول، عن أبي أمامة، به. أسقط منه أبا سلام، وذكر مكحولاً!

وذكر الحديث مختصراً بقصة تنفيل الربع والثلث في المسند برقم (22726) ، وانظر (22747) .

ويشهد للحديث عموماً حديث ابن عباس عند أبي داود (2737-2739) ، والنسائي في "الكبرى" (11197) ، وصححه ابن حبان برقم (5093) .

قال السندي: قوله: "يحوون" أي: يجمعون الغنائم.

"غِرّة" بكسر فتشديد، أي: غفلة.

"على فواق" بضم فاء أو فتحها، وتخفيف واوٍ، أي: في قدر فواق ناقة، وهو ما بين الحَلْبتين. قلنا: كذا قال، وتبع في ذلك ابن الأثير وغيره، وقد روى الحديثَ ابن إسحاق فيما في المسند برقم (22747) و (22753) فقال فيه: "عن بَوَاءٍ" أي: على السَّواء. "كلَّ الناس" من الكلال. = "ليردَّ" من الردِّ يعني: ليرد القوي الغنيمة، وإن كان هو الذي يسعى في تحصيل الغنيمة إلا أنها إذا حصلت فهي مشتركة بين العسكر، وفيهم الضعيف، فكأن القوي ردها من أيدي الكفرة على الضعيف، والله أعلم.

[1012] - مسلم ( 1748 ):وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن سماك عن مصعب بن سعد به

[1013] - مسلم ( 1763 )

[1014] -  أبو داود في سننه: (2691 ) حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العيشي قال ثنا سفيان بن حبيب قال ثنا شعبة عن أبي العنبس عن أبي الشعثاء عن ابن عباس به..ورواه النسائي في الكبرى(8607) عن عمرو بن منصور عن عبد الرحمن بن المبارك به.. وقال الشيخ الألباني : صحيح دون الأربعمائة

 

[1015] - أحمد(1/353) ثنا يزيد قال: قال محمد يعني ابن إسحاق: حدثني من سمع عكرمة عن ابن عباس.. تعليق شعيب الأرنؤوط : حسن ، وهذا إسناد ضعيف لإبهام راويه عن عكرمة .وقال في المجمع(6/114): رواه أحمد وفيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات

وأخرج قصة الأسرِ ابن سعدٍ في "الطبقات" 4/12 من طريق محمد بن إسحاق، قال: حدثني بعض أصحابنا، عن مقسم أبي القاسم، عن ابن عباس.

وأخرجها الطبري في "التاريخ" 2/463 من طريق محمد بن إسحاق، قال: فحدثني الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس.

وأخرج قصة الفداء ابن سعد في "الطبقات" 4/15 من طريق محمد بن كثير، والطبري في "التاريخ" 2/465-466 من طريق محمد بن إسحاق، كلاهما عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس.

وأخرجها البيهقي في "دلائل النبوة" 3/142-143 من طريق ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، عن عروة والزهري وجماعة سماهم، فذكروا القصة، وساقها. وهذه أسانيد لا يخلو واحد منها عن عِلَة.

وأخرج الطبراني (11398) من طريق محمد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن ابن عباس: (قل لمن في أيديكم من الأسرى) حتى بلغ (أخذ منكم) ، قال: كان العباس يقول: في والله أنزلت حين أخبرت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إسلامي، وسألته أن يُحاسبني بالعشرين أوقية التي وجد معي، فأبى أن يُحاسبني بها، فأعطاني الله  بالعشرين أوقية عشرينَ عبداً، كلهم تاجر بمالي في يده مع ما أرجو مِن مغفرة الله. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/28: رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" باختصار، ورجال الأوسط رجال الصحيح غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع.

وأخرجه الطبري في "تفسيره" 10/49 من طريق محمد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله. إلا أنه قال: في نزلت: (ما كان لِنبيَ أن يكون له أسرى حتى يُثخن في الأرض) .

وأخرج الحاكم 3/324، وعنه البيهقي في "السنن" 6/322 من طريق محمد بن إسحاق، حدثنا يحيى بنُ عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة. وفيه: وقال العباس: يا رسولَ الله، إني كنت مسلماً. فقال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الله أعلمُ بإسلامك، فإن يكن كما تقول، فالله يجزيك، فافْدِ نفسك، وابني أخويك: نوفلَ بنَ الحارث بن عبد المطلب، وعقيلَ بن أبي طالب بن عبد المطلب، وحليفَك عتبةَ بنَ عمرو بن جَحْدَم أخا بني الحارث بن فهر". فقال: ما ذاك عندي يا رسول الله، قال: "فأين المال الذي دفنت أنت وأم الفضل، فقلت لها: إن أصبتُ، فهذا المال لِبَنِى: الفضل، وعبد الله، وقثم؟! ". فقال: والله يا رسول الله، إني أشهد أنك رسولُ الله، إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري، وغير أم الفضل! فاحسب لي يا رسولَ الله ما أصبتم مني، عشرين أوقية من مال كان معي. فقال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "] لا [أفعل". ففدى العباس نفسه، وابني أخويه، وحليفه، وأنزل الله عز وجل: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يَعْلَم الله في قلوبِكُم خيراً يؤتكُم خيراً مما أخِذَ منكم ويَغْفِر لكم والله غفور رحيم) فأعطاني مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبداً، كلهم في يده مال يضرب به، مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل. وهذا إسناد حسن.

أبو اليَسَر- بفتح الياء والسين-: صحابي أنصاري شهد العقبة وبدراً، وله فيهما آثار كثيرة، مات بالمدينة سنة 55، وبنو سَلِمة في الأنصار: بفتح السين وكسر اللام، والنسبة إليها: سَلَمي بفتحتين.

 

[1016] -  أحمد(4/283برقم 18522 ) : ثنا بهز ثنا شعبة ثنا أبو أحمد ثنا سفيان عن أبي إسحاق به...وقال في المجمع(6/113) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. : والحديث في المسند طبعة الرسالة (برقم 18499 ت الأرنؤوط) وبين شعيب الأرنؤوط أن الصواب قي السند هو(حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ،  حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، أَوْ غَيْرِهِ، وأما زيادة بهز عن شعبة في السند، فهو خطأ).

قال الأرنؤوط: إسناده ضعيف، تفرد به أبو أحمد -وهو الزبيري- عن سفيان - وهو الثوري- وهو كثير الخطأ عنه، فيما ذكر الإمام أحمد، ومن خطئه فيه نسبة رؤية الملك إلى العباس- ولم يك آنئذ مسلماً- وقد جاء في حديث ابن عباس السالف برقم (3310) - وهو حديث حسن- أن الذي رآه إنما هو أبو اليَسَر كعب بن عمرو، وهو الذي أسر العباس. ثم إن أبا إسحاق- وهو السبيعي- لم يجزم بروايته عن البراء، فقال: أو غيره.

وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 7/133 من طريق أبي أحمد الزبيري، بهذا الإسناد. وقال: غريب من حديث الثوري، تفرد به الزبيري.

وأورده الهيثمي في "المجمع" 6/85 ونسبه لأحمد، وقال: رجاله رجال الصحيح أهـ

 

[1017] - البخاري ( 3048)حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى أُوَيْسٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ به

[1018] -   أحمد(6/ 276)رقم 26405 ) ثنا يعقوب قال ثنا أبى عن بن إسحاق قال حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد عن عائشة يه..وانظر السيرة لابن هشام(1/652) وأخرجه- من طريق ابن إسحاق- أبو داود(2692)و الطبري في التاريخ 2/ 468، والطبراني في الكبير 22/ 428 رقم (1050) والحاكم في المستدرك 3/ 236 و4/ 44- 45، وسكت عنه الذهبي والبيهقي في الدلائل 3/ 145.. وذكر شعيب الأرنؤوط -في تعليقه على المسند- أن إسناده حسن من أجل ابن إسحاق. وقال الألباني في صحيح أبي داود 2/ 512 رقم (2341): "حسن".

[1019] -  رواه أحمد(1/383 رقم 3632 ) قال:حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّه ِبن مسعود به..  ثم قال أحمد (3633): حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو حَدَّثَنَا زَائِدَةُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:" إِلَّا سُهَيْلُ ابْنُ بَيْضَاءَ" وَقَالَ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ:" فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِتْرَتُكَ وَأَصْلُكَ وَقَوْمُكَ تَجَاوَزْ عَنْهُمْ يَسْتَنْقِذْهُمْ اللَّهُ بِكَ مِنْ النَّارِ قَالَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْتَ بِوَادٍ كَثِيرِ الْحَطَبِ فَأَضْرِمْهُ نَارًا ثُمَّ أَلْقِهِمْ فِيهِ فَقَالَ الْعَبَّاسُ قَطَعَ اللَّهُ رَحِمَكَ" وفي السند انقطاع لإن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه....

 والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في مصنقه(7/ 359 رقم 36690) بنفس السند. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 4/207-208 من طريق الإمام أحمد، عن أبي معاوية، بهذا الإسناد.

، والترمذي (1714) و (3084) وحسنه ، والطبري في "التفسير" [الأنفال: 67] ، و"التاريخ" 2/476، والبيهقي في "السنن" 6/321، والواحدي في "أسباب النزول" ص 236-237، من طريق أبي معاوية، بهذا الإسناد.

قال الأرنؤوط:.: إسناده ضعيف لانقطاعه: وقال: قال أبو نعيم: هذا حديث غريب من حديث أبي عبيدة لم يروه عنه إلا عمرو بن مرة.

وأخرجه مختصراً الطبراني في "الكبير" (10260) من طريق حفص بن أبي داود الأسدي، عن عمرو بن مرة، به. وفيه بدل عبد الله بن رواحة عبد الله بن جحش، وهو الصواب، كما ذكر الطبراني برقم (10259) ،. وسيرد كذلك برقم (3634) .

وأخرجه الطبراني أيضا في "الكبير" (10257) من طريق موسى بن مطير، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود. وذكره الهيثمي في "المجمع" 6/87، وقال: وفيه موسى بن مطير، وهو ضعيف.

قلنا: موسى بن مطير كذبه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم والساجي وجماعة: متروك، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن حبان: صاحب عجائب ومناكير لا يشك سامعها أنها موضوعة، فلا يفرح بهذه الطريق.

والحديث بطوله ذكره الهيثمي في "المجمع" 6/86-87، وقال: روى الترمذي منه طرفا، رواه أحمد.... ورواه أبو يعلى بنحوه، ورواه الطبراني أيضاً، وفيه أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، ولكن رجاله ثقات.

قلنا: سيرد تخريجه عند أبي يعلى وغيره في الرواية الآتية برقم (3634) .

وقوله: "إلا سهيل بن بيضاء"، قال ابن سعد في "الطبقات" 4/213: والذي روى هذه القصة في سهيل بن بيضاء قد أخطأ، سهيل بن بيضاء أسلم قبل عبد الله بن مسعود ولم يستخف بإسلامه، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسلماً لا شك فيه، فغلط من روى ذلك الحديث ما بينه وبين أخيه، لأن سهيلاً أشهر من أخيه سهل، والقصة في سهل، وأقام سهل بالمدينة بعد ذلك، وشهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض المشاهد، وبقي بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قلنا: سيرد الاسم على الصحيح في الرواية الآتية-أي في المسند- برقم (3634) .

ولبعضه شاهد من حديث عمر عند مسلم (1763) (58) ، تقدم برقم (208)  و (221) .

وآخر من حديث أنس، سيرد 3/243.

وثالث من حديث ابن عمر عند الحاكم 2/329، وصححه ووافقه الذهبي، وقال: على شرط مسلم، ونسبه ابن كثير في "التفسير" إلى ابن مردويه.

فال السندي: قوله: "استأن": بهمزة بعد التاء، أي: انتظر لهم.

قوله: "إن الله ليلين قلوب رجال فيه": أي: في شأنه والتقرب إليه، يريد أن مقصود الكل هو الله تعالى، إلا أن منهم من يتقرب إليه باللطف واللين، ومنهم من يتقرب إليه بالشدة.

قوله: "وإن مَثَلَكَ"، بفتحتين: أي: حالك وصفتك في لين قلبك في الله.

قوله: "أنتم عالة"، أي: محتاجون ليس لكم مال.أهـ

[1020] - الحاكم(3/24 رقم 4305 ) حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال : حدثني عبد الله بن أبي بكر عن يحيى بن عبد الله عن جده به.. وقال:هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه.ووافقه الذهبي. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/151 رقم 18146)عن الحاكم به إلا أنه وقفه على يحيى .

 

 

[1021] - الطبراني في الكبير(22/ 393 رقم 977 ) والصغير(1/250رقم 409) حدثنا الحسين بن علي العطار المصيصي ثنا شباب العصفري ثنا بكر بن سليمان ثنا محمد بن إسحاق حدثني نبيه بن وهب عن أبي عزيز بن عمير به

 وقال في المجمع(6/115)رواه الطبراني في الصغير والكبير وإسناده حسن .وقال الشيخ الألباني : ( ضعيف ) انظر حديث رقم : 832 في ضعيف الجامع ) : وفيه نبيه بن وهب لم يسمع من أبي عزيز

 

[1022] - الذحْل: الثأر أو العداوة والحقد، والجمع: أذحال وذُحول.

[1023] -  أحمد(1/247رقم 2216)  ثنا على بن عاصم قال: قال داود ثنا عكرمة عن ابن عباس به.. وأخرجه الحاكم(2/152) وقال:هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه ووافقه الذهبي.  وقال شعيب الأرنؤوط : .  حسن، علي بن عاصم -وإن كان فيه ضعف- قد توبع، ومن فوقه ثقات من رجال الصحيح. داود: هو ابن أبي هند.

وأخرجه البيهقي 6/322 من طريق علي بن عاصم وخالد بن عبد الله، كلاهما عن داود بن أبي هند، بهذا الإسناد.

وروى ابن سعد في "الطبقات" 2/22 من طرق عن عامر الشعبي قال: كان فداء أسارى بدر أربعة آلاف إلى ما دون ذلك، فمن لم يكن عنده شيء أمر أن يعلم غلمان الأنصار الكتابة. وهذا مرسل.

 

[1024] - أبو داود(2689) حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال ثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه به.. وصححه الألباني.

 وهذا الحديث تعبير عن الوفاء والاعتراف بالجميل، فقد كان للمطعم مواقف تذكر بخير، فهو الذي دخل الرسول صلى الله عليه وسلم في جواره حينما عاد من الطائف، كما كان من أشد القائمين على نقض الصحيفة يوم حُصِرَ المسلمون وبنو هاشم    وهذا يدل على قمة الوفاء لمواقف الرجال، ولو كانوا مشركين مثل المطعم بن عدي،وهذا درس يتعلمه المسلم.

 

([1025]) الصفراء: واد كثير النخل والزرع والخير.

([1026]) انظر: مجمع الزوائد (6/89) قال فيه: رواه البراز وفيه يحيى بن سلمة بن كهيل وهو ضعيف ووثقه ابن حبان. وفي دلائل النبوة لأبي نعيم وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا}، قَالَ: نَزَلَتْ فِي عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، كَانَ يَجْلِسُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ لَا يُؤْذِيِهِ، وَكَانَ رَجُلًا حَلِيمًا، وَكَانَ بَقِيَّةُ قُرَيْشٍ إِذَا جَلَسُوا مَعَهُ آذَوْهُ، وَكَانَ لعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ خَلِيلٌ غَائِبٌ عَنْهُ بِالشَّامِ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: صَبَأَ ابْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَقَدِمَ خَلِيلُهُ مِنَ الشَّامِ لَيْلًا , فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: مَا فَعَلَ مُحَمَّدٌ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ؟ , فَقَالَتْ: أَشَدَّ مَا كَانَ أَمْرًا، فَقَالَ: مَا فَعَلَ خَلِيلِي ابْنُ أَبِي مُعَيْطٍ؟، فَقَالَتْ: صَبَأَ، فَبَاتَ بِلَيْلَةِ سُوءٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَاهُ ابْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَحَيَّاهُ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ التَّحِيَّةَ، فَقَالَ: مَالَكَ لَا تَرُدُّ عَلَيَّ تَحِيَّتِي؟ , فَقَالَ: كَيْفَ أَرُدُّ عَلَيْكَ تَحِيَّتَكَ وَقَدْ صَبَوْتَ؟ , قَالَ: أَوَقَدْ فَعَلَتْهَا قُرَيْشٌ؟ , قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا يُبْرِئُ صُدُورَهُمْ إِنْ أَنَا فَعَلْتُهُ؟ , قَالَ: تَأتِيهِ فِي مَجْلِسِهِ , فَتَبْزُقُ فِي وَجْهِهِ , وَتَشْتُمُهُ بِأَخْبَثِ مَا تَعْلَمُ مِنَ الشَّتْمِ، فَفَعَلَ , " فَلَمْ يَزِدْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ مَسْحَ وَجْهَهُ مِنَ الْبُزَاقِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِ فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتُكَ خَارِجًا مِنْ جِبَالِ مَكَّةَ , أَضْرِبُ عُنُقَكَ صَبْرًا "، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ , وَخَرَجَ أَصْحَابُهُ , أَبَى أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: اخْرُجْ مَعَنَا، قَالَ: تَوَعَّدَنِي هَذَا الرَّجُلُ إِنْ وَجَدَنِي خَارِجًا مِنْ جِبَالِ مَكَّةَ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقِي صَبْرًا، فَقَالُوا: لَكَ جَمَلٌ أَحْمَرُ لَا يُدْرَكُ، فَلَوْ كَانَتِ الْهَزِيمَةُ , طِرْتَ عَلَيْهِ , فَخَرَجَ مَعَهُمْ، فَلَمَّا هَزَمَ اللهُ الْمُشْرِكِينَ , وَحَّلَ بِهِ جَمَلُهُ فِي جُدَدٍ  مِنَ الْأَرْضِ، " فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَسِيرًا فِي سَبْعِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُقْتَلَ "، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ: مِنْ بَيْنِ هَؤُلَاءِ أُقْتَلُ؟، قَالَ: " نَعَمْ " فَقَالَ: لِمَ؟، قَالَ: " بِمَا بَزَقْتَ فِي وَجْهِي "، قَالَ: فَمَنْ لِلصِّبْيَةِ؟ , قَالَ: " النَّارُ "، فَقَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - فَضَرَبَ عُنُقَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا , يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا , لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} ذكره صاحب الجامع الصحيح للسنن والمسانيد (14/ 429) وصححه الألباني في صحيح السيرة ص205

 

 

([1027])الطبراني في الأوسط(3/229-230رقم 3003) حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر عن عثمان الجزري عن مقسم عن ابن عباس  به.. وقال:لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عُثْمَانَ الْجَزَرِيِّ إِلَّا مَعْمَرٌ.أهـ وقال مجمع الزوائد (6/89): رواه الطبراني في الكبير  والأوسط  ورجاله ثقات أهـ .  . والحديث مخرج أيضًا في مصنف عبد الرزاق(5/206)

([1028]) سنن أبي داود(2682) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّقِّىُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّىُّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ يه..وقال الألباني:حسن صحيح. وفي مجمع الزوائد (6/89) قال : رواه الطبراني في الأوسط  ورجاله ثقات.أهـ ورواه البيهقي في السنن(9/65)

([1029])الطبراني في الأوسط(4/135 رقم 3801) قال:حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمَّادِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ: نا عَمِّي حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به.وقال: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، إِلَّا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ "أهـ .وقال الهيثمي مجمع الزوائد (6/89-90) :  رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبدالله بن حماد بن نمير ولم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات أهـ

([1030]): السيرة النبوية لابن هشام (1/220).

([1031])انظر: السيرة النبوية لابن هشام (2/255). انظر: التربية القيادية (3/57).

([1032]) انظر: البداية والنهاية (3/313).

 قال الألباني ح1215 حديث " أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قتل يوم أحد أبا عزة الجمحي " ) ص 288 . ضعيف . ذكره ابن اسحاق بدون إسناد قال : " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر ببدر تم من عليه فقال : يا رسول الله أقلني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والله لا تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول خدعت محمدا مرتين اضرب عنقه يا زبير فضرب عنقه " ذكره ابن هشام في " السيرة "ثم قال : " وبلغني عن سعيد بن المسيب أنه قال : قال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : إن المؤمن لا يلدغ من حجر مرتين اضرب عنقه يا عاصم بن ثابت فضرب عنقه " . قلت : وهذا مع بلاغه مرسل وقد وصله البيهقي ( 9 / 65 ) من طريق محمد بن عمر حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن سعيد بن المسيب به مطولا . قلت : وإسناده واه جدا من اجل محمد بن عمر وهو الواقدي وهو متروك . وأما حديث " لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين " فصحيح اتفق الشيخان على إخراجه وأما سببه المذكور فلا يصح وإن جزم به العسكري ونقله عنه المناوي في " فيض القدير " ساكتا عليه غير مبين لعلتة !

[1033] - * فائدة: حكم الأسرى:

قال البيهقي في السنن الكبرى(9/ 64):قال الشافعي رحمه الله وأسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بدر.منهم: مَن مَنَّ عليهم بلا شيء أخذه منهم ، ومنهم من أخذ منه فدية، ومنهم من قتله وكان المقتولان بعد الإسار يوم بدر: عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث.أهـ

لا شك أن حكم الأسرى في الإسلام مفوض إلى رأي الإمام ليختار حكمًا من أربعة، وعلى الإمام أن يراعي مصلحة المسلمين العامة، والأحكام الأربعة هي:

1- القتل: وقد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث.

 روى البيهقي في سننه عن الشافعي قال: أنبأ عدد من أهل العلم من قريش وغيرهم من أهل العلم بالمغازي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر النضر بن الحارث العبدي يوم بدر وقتله بالبادية أو الأثيل صبرا وأسر عقبة بن أبي معيط فقتله صبرًا [1033]

 

2- المن: وهو إطلاق الأسير بدون مقابل، ويدل عليه قول الله تعالى:{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}[محمد:4]

وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي عزة الجمحي. كما قال الشافعي: رحمه الله وكان الممنون عليهم بلا فدية أبو عزة الجمحي تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبناته وأخذ عليه عهدا أن لا يقاتله فأخفره وقاتله يوم أحد فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يفلت فما أسر من المشركين رجل غيره فقال: يا محمد امنن علي ودعني لبناتي وأعطيك عهدا أن لا أعود لقتالك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تمسح على عارضيك بمكة تقول: قد خدعت محمدا مرتين فأمر به فضرب عنقه [1033].

وقد منَّ على وهب بن عمير بن وهب فأطلقه عندما أسلم أبوه بعدما جاء لقتل الرسول فهداه الله تعالى للإسلام

ولذلك قصة رواها الطبراني في الكبير ((17/58رقم  118) حدثنا أبو شعيب الحراني ثنا أبو جعفر النفيلي ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال : جَلَسَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بَعْدَ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحِجْرِ بِيَسِيرٍ، وَكَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَيَلْقَوْنَ مِنْهُمْ عَنَتًا إِذْ هُمْ بِمَكَّةَ، وَكَانَ ابْنُهُ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى أَصْحَابِ بَدْرٍ قَالَ: فَذَكَرُوا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ بَمَصَائِبِهِمْ، فَقَالَ صَفْوَانُ: وَاللهِ إِنْ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ، وَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ: صَدَقْتَ وَاللهِ لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ لَيْسَ عِنْدِي قَضَاؤُهُ وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ بَعْدِي لَرَكِبْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى أَقْتُلَهُ فَإِنَّ لِي فِيهِمْ عِلَّةً، ابْنِي عِنْدَهُمْ أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ، فَاغْتَنَمَهَا صَفْوَانُ فَقَالَ: عَلَيَّ دَيْنُكَ أَنَا أَقْضِيهِ عَنْكَ وَعِيَالُكَ مَعَ عِيَالِي أُسْوَتُهُمْ مَا بَقُوا لَا يَسَعَهُمْ شَيْءٌ نَعْجِزُ عَنْهُمْ، قَالَ عُمَيْرٌ: اكْتُمْ عَلَيَّ شَأْنِي وَشَأْنَكَ، قَالَ: أَفْعَلُ، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ فَشُحِذَ وَسُمَّ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَبَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالْمَدِينَةِ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَتَذَاكَرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَمَا أَكْرَمَهُمُ اللهُ بِهِ، وَمَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ، إِذْ نَظَرَ إِلَى عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ قَدْ أَنَاخَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ مُتَوَشِّحَ السَّيْفِ فَقَالَ: هَذَا الْكَلْبُ عَدُوُّ اللهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ مَا جَاءَ إلَّا لِشَرٍّ، هَذَا الَّذِي حَرَّشَ بَيْنَنَا وَحَزَرَنَا لِلْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا عَدُوُّ اللهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَدْ جَاءَ مُتَوَشِّحًا السَّيْفَ قَالَ: «فَأَدْخِلْهُ» فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتَّى أَخَذَ بِحِمََالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ فَلَبَّبَهُ بِهَا وَقَالَ عُمَرُ لِرِجَالٍ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ: ادْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاجْلِسُوا عِنْدَهُ وَاحْذَرُوا هَذَا الْكَلْبَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ، ثُمَّ دَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرُ آخِذٌ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فَقَالَ: «أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ، ادْنُ يَا عُمَيْرُ» ، فَدَنَا فَقَالَ: أَنْعِمُوا صَبَاحًا - وَكَانَتْ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْنَهُمْ - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أكْرَمَنَا اللهُ بِتَحِيَّةٍ خَيْرٍ مِنْ تَحِيَّتِكَ يَا عُمَيْرُ، السَّلَامُ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ يَا مُحَمَّدُ إِنْ كُنْتَ لَحَدِيثَ الْعَهْدِ بِهَا، قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكَ قَالَ: جِئْتُ لِهَذَا الْأَسِيرِ الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ قَالَ: «فَمَا بَالُ السَّيْفِ فِي عُنُقِكَ؟» قَالَ: قَبَّحَهَا اللهُ مِنْ سُيُوفٍ فَهَلْ أَغْنَتْ شَيْئًا، قَالَ: «اصْدُقْنِي مَا الَّذِي جِئْتَ لَهُ؟» قَالَ: مَا جِئْتُ إِلَّا لِهَذَا، قَالَ: " بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ فَتَذَاكَرْتُما أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ فَقُلْتَ: لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ وَعِيَالِي لَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْتُلَ مُحَمَّدًا، فَتَحَمَّلَ صَفْوَانُ لَكَ بِدَيْنِكَ وَعِيَالِكَ عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي، وَاللهُ حَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ " قَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ قَدْ كُنَّا يَا رَسُولَ اللهِ، نُكَذِّبُكَ بِمَا كُنْتَ تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْكَ مِنَ الْوَحْيِ وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إِلَّا أَنَا وَصَفْوَانُ فَوَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا أَنْبَأَكَ بِهِ إِلَّا اللهُ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ وَسَاقَنِي هَذَا الْمَساقَ، ثُمَّ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَقِّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ وَأَقْرِئُوهُ الْقُرْآنَ وَأَطْلِقُوا لَهُ أسِيرَهُ» ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ جَاهِدًا عَلَى إِطْفَاءِ نُورِ اللهِ شَدِيدَ الْأَذَى عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللهِ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي فَأَقْدَمَ مَكَّةَ فَأَدْعُوَهُمْ إِلَى اللهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ لَعَلَّ اللهَ يَهْدِيهِمْ، وَإِلَّا آذَيْتُهُمْ كَمَا كُنْتُ أُؤْذِي أَصْحَابَكَ فِي دِينِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ صَفْوَانُ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ لِقُرَيْشٍ: أَبْشِرُوا بِوَاقِعَةٍ تَأْتِيكُمُ الْآنَ تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرُّكْبَانَ حَتَّى قَدِمَ رَاكِبٌ فَأَخْبَرَهُ عَنْ إِسْلَامِهِ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَبَدًا وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَفْعٍ أَبَدًا، فَلَمَّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكَّةَ أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ ويُؤْذِي مَنْ يُخَالِفُهُ أَذًى شَدِيدًا، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ " [وأخرجه الطبراني من طريق آخر (17/59 رقم 119 ) فقال:حدثنا الحسن بن هارون بن سليمان الأصبهاني ثنا محمد بن اسحاق المسيبي ثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب فذكر نحوه وأيضًا(17/56 رقم 117 ) قال:حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني ثنا ابن لهيمة عن أبي الأسود عن عروة مرسلا نحوه.  قال الهيثمي في المجمع:(8/506)رواه الطبراني مرسلا وإسناده جيد] وقد منَّ صلى الله عليه وسلم النبي – فيما بعد - على ثمامة بن أثال الحنفي الذي أسره بعض الصحابة في أحد السرايا فكان ذلك سببًا في إسلامه . والحديث في صحيح مسلم وغيره وسيأتي بعد في موضعه إن شاء الله.

3- الفداء: وهو إطلاق سراح الأسير مقابل مبلغ من المال،كما تدل عليه الآية السابقة {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}. وهذا ما حدث مع العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم, ونوفل بن الحارث، وعقيل بن أبي طالب وغيرهم.

4- الاسترقاق: وقد حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه في يهود بني قريظة أن يقتل المحاربون وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء وسيأتي ذلك بعد إن شاء الله.

 

([1034])- أحمد(2873) قال:حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به.وأخرجه أحمد (2022)عن يحيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ عن اسرائيل به،وابن أبي شيبة (36702 ) عن عَبْد الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ  عَنْ إِسْرَائِيلَ به. والترمذي (3080 ) ،عن عَبْد بْن حُمَيْدٍ عن عَبْد الرَّزَّاقِ عن اسرائيل به. وحسنه ،ومن طريق ابن أبي شيبة اخرجه ابن أبي يعلى(2373)، وأخرجه البزار(4768) عن مُحَمد بن عُثمَان، عن عُبَيد اللَّهِ، عَن إِسْرَائِيلَ، به..والحاكم(3261 )من طريق أَبُي نُعَيْمٍ عن إِسْرَائِيلُ به. وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ ووافقه الذهبي. وقال الأرنؤوط في تحقيق المسند:رواية سماك عن عكرمة فيها اضطراب، ومع ذلك فقد قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وجود إسناده ابن كثير في تفسيره" 3/556 "... وأخرجه ابن سعد 2/22-23 من طريق زهير بن معاوية، عن سماك، عن عكرمة مرسلاً. اهـ.

[1035] - البخاري (6207 ) حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ح حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ،به..

   معاني بعض المفردات في الحديث:- الإكاف: البرذعة.    - القطيفة: كساء أو فِراش له أهداب.

- فَدَكِيَّة: أي من صنع فَدَك، وهي بلدة مشهورة  على مرحلتين أو ثلاثة من المدينة.

- أردفه: حمله خلفه.   - العيادة: زيارة المريض.  

-غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ أَيْ: أصابه الغبار.    - خَمَّرَ الشَّيْء: أي غَطَّاه وستره.

تغبروا :أَيْ لا تثيروا علينا الغُبار.   -اغشنا في مجالسنا: أَيْ جِئْ إلينا واحضُرْنا , وزُرْنا وخَالِطْنا.

- الْبَحْرَة: الْبَلْدَة , وَالْمُنْخَفَض مِنْ الْأَرْض , وَالرَّوْضَة الْعَظِيمَة , وَمُسْتَنْقَع الْمَاء وَاسْم مَدِينَة النَّبِيّ  صلى الله عليه وسلم وَقَرْيَة بِالْبَحْرَيْنِ , وَكُلّ قَرْيَة لَهَا نَهَر جَارٍ وَمَاء نَاقِع , كَذَا فِي الْقَامُوس.عون المعبود ( 10 /  41)

- عَصَّبَه: تَوَّجَهُ وجعله مَلِكا. والعِصَابة: العِمامة، والمراد أن يُسَوِّدُوه عليهم.- شَرِقَ بِذَلِكَ :أَيْ كرهه وضايقه وغَصَّ به

 

-حَتَّى أَذِنَ اللهُ فِيهِمْ: أَيْ أَذِنَ اللهُ فِي قِتَالهمْ، فتَرَكَ الْعَفْو عَنْهُمْ، وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهُ تَرَكَهُ أَصْلًا بَلْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَرْك الْقِتَال أَوَّلًا , وَوُقُوعه آخِرًا، وَإِلَّا فَعَفْوه - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَثِير مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُود بِالْمَنِّ وَالْفِدَاء وَصَفْحه عَنْ الْمُنَافِقِينَ مَشْهُور فِي الْأَحَادِيث وَالسِّيَر.

- الصناديد: هم سادة الناس، وزعماؤهم، وعظماؤهم، وأشرافهم.   -- توجه:أَيْ ظَهَرَ وَجْهُه.

 

** بعض الدروس  المستفادة من غزوة بدر الكبرى:

1-    على المسلمين الأخذ بالأسباب والثقة في الله والتوكل عليه وحده فالنصر ليس بالعدد ولا بالعدة  وإنما النصر من عند الله وحده كما قال تعالى:{ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [الأنفال: 10] وقال تعالى :{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة: 249]

2-    الدعاء من أهم أسباب النصر ولذلك كثرت  مناشدة النبي صلى الله عليه وسلم لربه ودعاءه بالنصر.

3-    الشورى (فيما لا نص فيه ) مبدأ هام لا غنى عنه 0 - وقد طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة من بدايتها (حين قال: أشيروا عليّ أيها الناس) حتى نهايتها ( في شأن الأسرى).

4-    مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم -وهو القائد- للمجاهدين وعدم تميزه عليهم .ورفع الروح المعنوية للمجاهدين بحثهم على الصبر وتبشيرهم بالنصر للأحياء والجنة للشهداء .

5-    قتال الملائكة مع المسلمين وتأييدهم لهم .

6-    إيثار رضا الله تعالى ورسوله  على حب الوالد والولد والأقارب ففي هذه الغزوة قتل بعض المسلمين أقاربهم من المشركين فقتل أبو عبيدة بن الجراح والده وقتل عمر بن الخطاب خاله العاص بن وائل ورأى مصعب بن عمير أخاه أسيرًا فقال للذي أسره شد وثاقه..وهكذاوينزل فيهم قول الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}[المجادلة:22]

7-    اهتمام النبي بالعلم والتعلم فقد جعل فدية بعض الأسرى تعليم عشرة من أطفال المسلمين القراءة والكتابة.

8-    إنسانية النبي صلى الله عليه وسلم حتى مع المشركين فقد أطلق سراح بعض الأسرى من الفقراء دون فدية كأبي عزة الشاعر ،وأوصى بإكرام الأسرى وحسن معاملتهم،ورفض اقتراح عمر بخلع ثنيتي سهيل بن عمرو حيث كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم.

9-    إنسانيته ورحمته صلى الله عليه وسلم لا تنافي حزمه فيما لابد فيه من الحزم لذا أمر بقتل عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث كمجرمي حرب .

10-اختيار الله تعالى لك أفضل من اختيارك لنفسك، فكان المسلمين في بدر يريدون العير وأراد الله تعالى لهم النفير{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}[ الأنفال(7)]

[1036] - البخاري ( 3983):حدثني إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الله بن ادريس قال سمعت حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه به

[1037] - البخاري(3992) حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ به

[1038] -  أحمد(3/396) ثنا سليمان بن داود ثنا أبو بكر بن عياش حدثني الأعمش عن أبي سفيان عن جابر به. (وقال شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح وهذا إسناد حسن )وأخرجه مسلم(2496)في شأن حاطب بن أبي بلتعة.وصححه الألباني في الصحيحة برقم 2160

[1039] -  ابن ماجة(4281 )قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ، عَنْ حَفْصَةَ،به.. وصححه الألباني.و في الزوائد: حديث حفصة صحيح رجاله ثقات إن كان أبو سفيان سمع من جابر بن عبد الله.. شرح - قوله(ألم تسمعيه يقول) فالورود غير الدخول. وأهل الجنة لادخول لهم. أو المراد أن الدخول إنما يضر إذا لم يكن معه نجاة من العذاب ابتداء.

[1040] -  ( هبلت ) أي:فقدت عقلك بفقد ابنك من قولهم هبلته أي ثكلته

 

[1041] - البخاري ( 6567) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ يه

[1042] -  السيرة لابن هشام(2/238-247) مختصرا

 

[1043] - ذكر الله تعالى في هذه الآيات الكريمة أسباب النصر على الأَعداءِ: هي الثبات وذكر الله تعالى، وطاعة الله ورسوله، وعدم التنازع، والصبر، وترك الرياء والبطر، والتوكل على الله تعالى .

[1044] -  السيرة لابن هشام(2/245-246) وسنده قوي. وانظره بنحوه في البخاري(4653)

[1045] -  فائدة: آيات سورة الأنفال خمس وسبعون آية، وهي مدنية إِلا من قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا .. } الآية (30) إلى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ .. } الآية (36) لأَن موضوعها ائتمار قريش بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة.

وشأْن هذه السورة شأْن سائر المدنى من القرآن، إِذ يكثر فيها قواعد الشرع التفصيلية، كالجهاد والغنيمة والأَسرى وأَحكام القتال.

موجز لما اشتملت عليه السورة:

1 - بدئت سورة الأَنفال بالسؤال عن الغنائم، ومن له الحكم فيها وجاءَ من بعده ما يلي:

2 - صفات المؤمنين الكاملين.

3 - ذكر نعمة الله على المؤمنين بإِمداده إِياهم بالملائكة تبشيرًا لهم.

4 - بيان حرمة الفرار من القتال إِلا لخُطَّة مرسومة كأَن يكون الفَارُّ متحرفا لقتال أَو متحيزا إلى فئة.

5 - بيان أَن النصر بتوفيق الله تعالى {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى}.

6 - الأَمر بطاعة الله ورسوله والنهي عن الإعراض عنه.  7 - الاستجابة لأَمر الله ورسوله قبل فوات الأَوان .

8 - وجوب اتقاء الفتن حتى لا تصيب الصالحين بشؤم الظالمين.     9 - النهي عن الخيانة.              

   10  - تقوى الله سبب للنصر وتكفير السيئات.

11 - ذكر نعمة الله الخاصة برسوله - صلى الله عليه وسلم -، {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا .. }.

12 - عناد الكفار ووصفهم القرآن بأَنه أَساطير الأَولين، وطلبهم العذاب إِن كان القرآن حقا بدلا من أَن يطلبوا الهداية.          13 - إِنفاق الكفار الأَموال للصد عن سبيل الله، ثم تكون عليهم، حسرة وسببا للغلبة عليهم.

14 - بيان أَن دخول الكفار في الإِسلام سبب لغفران ما سبق من ذنوبهم.

15 - الأَمر بقتال الكفار حتى ينتهى الشرك ويكون الدين لله.

16 - بيان مستحقى الغنائم.              17 - ذكر نعم الله على المؤمنين في "بدر".

18 - بيان أَن أسباب النصر على الأَعداءِ: هي الثبات وذكر الله تعالى، وطاعة الله ورسوله، وعدم التنازع، والصبر، وترك الرياء والبطر، والتوكل على الله تعالى.

19 - ذكر عاقبة تزيين الشيطان للكفار.

20 - بيان أَن تغيير أَحوال الأُمم والأَقوام أَثرٌ لتغيير ما بأَنفسهم من الأَخلاق والعقائد والأَعمال.

21 - بيان أَن نقض العهود سبب للتنكيل بمن غدر ونبذ العهد.

22 - وجوب الاستعداد للعدو بقدر الطاقة للإِرهاب، حتى لا يُؤْخَذُوا على غرة.

23 - الحث على الإنفاق في سبيل الله.

24 - الجنوح للسلم متى جنح العدو لها لأَن الحرب في الإِسلام ضرورة تقدر بقدرها.

25 - إيجاب الله على المؤمن قتال عشرة ثم تخفيف ذلك بأَن أَوجب عليه قتال اثنين.

26 - بيان أَن قتل الكفار أَولى من أَخذ الفدية في بدءِ الإِسلام.

27 - الأَمر بعرض الإِسلام على الأَسرى وإِنذارهم سوءَ عاقبتهم إِن خانوا.

28 - ذكر ولاية المؤمنين بعضهم لبعض، والإنذار بسوءِ عاقبة الفرقة

29 - بيان أَن الكفار بعضهم لبعض ولى، وأَن المؤمنين أَولى بذلك.

30 - بيان أَن المهاجرين والأنصار هم المؤمنون حقا، وأَن ثوابهم عظيم.

31 - بيان أَن المتأَخرين في الإِسلام والهجرة مؤمنون، وأَن أُولى الأَرحام بعضهم أَولى ببعض في كتاب الله.

انظر: التفسير الوسيط - مجمع البحوث (3/ 1572- 1579)

 

[1046] - نذكر منها:

قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ رضي الله عنه:

لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ ... غَدَاةَ الْأَسْرِ وَالْقَتْلِ الشّـدِيدِ

بِأَنّا حَـيْنَ تَشْتَجِرُ الْعَوَالِي ... حُمَاةُ الْحَرْبِ يَوْمَ أَبِي الْوَلِيدِ

قَتَلْنَا ابْنَيْ رَبِيعَةَ يَوْمَ سَارا ... إلَيْنَا فِي مُضَـاعَفَةِ الْحَـدِيدِ

وَفَرّ بِهَا حَكِيمٌ يَوْمَ جَالَتْ ... بَنُو النّجّـارِ تَخْطِرُ كَالْأُسُودِ

وَوَلّتْ عِنْدَ ذَاكَ جَمُوعُ فِهْرٍ ... وَأَسْلَمَهَا الْحُوَيْرِث مِنْ بِعِيدِ

لَقَدـْ لَاقَيْتُـمْ ذُلّا وَقَتْـلاً ... جَهِيزًا نَافِـذًا تَحْتَ الْوَرِيدِ

وَكُلّ الْقَوْمِ قَدْ وَلّوْا جَمِيعًا ... وَلَمْ يَلْوُوا عَلَى الْحَسَبِ التّلِيدِ

 
    

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ أَيْضًا

فَمَا نَخْشَى بِحَوْلِ اللّهِ قَوْمًا ... وَإِنْ كَثُرُوا وَأُجْمِعَتْ الزّحُـوفُ

إذَا مَـا أَلّبُوا جَمْعـًا عَلَيْنَا ... كَفَــانَا حَـدّهُمْ رَبّ رَءُوفٌ

سَمَـوْنَا يَوْمَ بَدـْرٍ بِالْعَوَالِي ... سِـرَاعًا مَا تُضَعْضِعُنَا الْحُتُوفُ

فَلَمْ تَرَ عُصْبَةً فِي النّاسِ أَنْكَى ... لِمَنْ عَادَوْا إذَا لَقِحَتْ كُشُوفٌ

وَلَكِنّـا تَوَكّلْنَـا وَقُلْنَــا ... مَآثِرُنَـا وَمَعْقِلُنَـا السّيُـوفُ

لَقِينَـاهُمْ بِهَا لَمّا سَمَــوْنَا ... وَنَحْـنُ عِصَـابَةٌ وَهُمْ أُلُـوفٌ

 

 

وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ :

لَعَمْرُ أَبِيكُمَـا يَا بَنِي لُؤَيّ ... عَلَى زَهْوٍ لَدَيْكُمْ وَانْتِخَاءِ

لَمَا حَامَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرٍ ... وَلَا صَبَرُوا بِهِ عِنْدَ اللّقَاءِ

وَرَدْنَاهُ بِنُـورِ اللّهِ يَجْلُـو ... دُجَى الظّلْمَاءِ عَنّا وَالْغِطَاءِ

رَسُـولُ اللّهِ يَقْدُمُنَا بِأَمْـرٍ ... مِنْ أَمْرِ اللّهِ أُحْكِمَ بِالْقَضَاءِ

فَمَا ظَفَرَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرِ ... وَمَا رَجَعُوا إلَيْكُمْ بِالسّوَاءِ

فَلَا تَعْجَلْ أَبَا سُفْيَانَ وَارْقُبْ ... جِيَادَ الْخَيْلِ تَطْلُعُ مِنْ كَدَاءِ

بِنَصْرِ اللّهِ رُوحُ الْقُدْسِ فِيهَا ... وَمِيكَـالُ فَيَا طِيبَ الْمَلَاءِ

 
    

وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :

 وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ ، يَرْثِي مَنْ أُصِيبَ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ

أَلّا بَكَيْتِ عَلَى الْكِـرَا ... مِ بَنِي الْكِرَامِ أُولِي الْمَمَادِحْ

كَبُكَا الْحَمَامِ عَلَى فُرُو ... عِ الْأَيْكِ فِي الْغُصْنِ الْجَوانِحْ

يَبْكِينَ حَـرّى مُسْتَكِي ... نَاتٍ يَرُحْنَ مَـعَ الرّوَائِـحْ

أَمْثَالُهُـنّ الْبَاكِيـــَا ... تُ الْمُعْوِلَات مِنْ النّـوَائِحْ

مَـنْ يَبْكِهِـمْ يَبْكِ عَلَى ... حُزْنٍ وَيَصْدُق كُلّ مَـادِحْ

قلت: وهذا من خذلان أمية بن أبي الصلت وضلاله وهو الذي كان يتحنث قبل المبعث

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ ، مُعَاوِيَةُ بْنُ زُهَيْرِ حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ مُشْرِكًا وَكَانَ مَرّ بهُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ وَهُمْ مُنْهَزِمُونَ يَوْمَ بَدْر ٍ ، وَقَدْ أَعْيَا هُبَيْرَةُ فَقَامَ فَأَلْقَى عَنْهُ دِرْعَهُ وَحَمَلَهُ فَمَضَى بِهِ .قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ أَصَحّ أَشْعَارِ أَهْلِ بَدْرٍ

وَلَمّا أَنْ رَأَيْت الْقَوْمَ خَفّـوا ...    وَقَدْ زَالَتْ نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ

وَأَنْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ...  كَأَنّ خِيَارَهُمْ أَذْبَاحُ عِتْرِ

وَكَانَتْ جُمّةٌ وَافَتْ حِمَامًـا ...    وَلُقّينَا الْمَنَايَا يَوْمَ بَدْرِ

نَصُدّ عَنْ الطّرِيقِ وَأَدْرَكُـونَا ...  كَأَنّ زُهَاءَهُمْ غَطَيَانُ بَحْرِ

انظر السيرة لابن هشام(2/277 وما بعدها)

 

[1047] -  السيرة لابن هشام(3/3 ) ولم يسنده

 

[1048] -  السيرة لابن هشام( 3/3-4) وهو مرسل قوي.وطرفه  في المسند(1/27 ،1/100 )

 

[1049] -  السيرة لابن هشام(3/4 )

 

[1050] -  السيرة لابن هشام(3/5 )

 

[1051] -  السيرة لابن هشام( 3/6) وانظر مغازي الواقدي(1/196-197) وتاريخ الطبري(2/52)

[1052] - انظر سيرة ابن هشام(3/6-7)

[1053] -  سيرة ابن هشام(3/6) وهو مرسل صحيح.وصرح فيه ابن اسحاق بالتحديث

[1054] -  سيرة ابن هشام(3/7)

[1055] - سنن أبي داود(3001) حدثنا مصرف بن عمرو الأيامي ثنا يونس يعني ابن بكير قال ثنا محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس به.. وانظر:السيرة لابن هشام(3/6) .وحسن الحافظ إسناده في الفتح(7/332) واخرجه الضياء في المختارة (برقم 377)

[1056] -  سيرة ابن هشام(3/7) وهو مرسل صحيح.وصرح فيه ابن اسحاق بالتحديث، وانظر صحيح السيرة للعلي(ص 198)

ويظهر في هذا الخبر فقه النبي صلى الله عليه وسلم السياسي في تعامله مع ابن سلول حيث لبى طلبه، فلعل هذا الموقف يغسل قلبه، ويزيل الغشاوة عنه فتتم هدايته، فقال له: (هم لك)، ولعل الذين يسيرون وراء زعامة ابن أبي يصلحون بصلاحه فيتماسك الصف، ويلتحم فلا يتأثر من كيد أعداء الإسلام.وفيه حرص صلى الله عليه وسلم على عدم وقوع فتنة في مجتمع المؤمنين، حيث إن بعض الأنصار حديثو عهد بالإسلام، ويخشى أن يؤثر فيهم رأس المنافقين عبد الله بن أبي لسمعته الكبيرة فيهم، ولذلك سلك صلى الله عليه وسلم معه هذا الأسلوب المداراة وصبر عليه وعلى إساءته تجنبا للفتنة وإظهارًا لحقيقة الرجل من خلال تصرفاته ومواقفه عند من يجهلها، ومن ثم يفر الناس من حوله ولا يتعاطفون معه.وهذا ما حدث بعد ذلك.

[1057] -  سيرة ابن هشام(3/7-8) وهو مرسل صحيح.وصرح فيه ابن اسحاق بالتحديث.وانظر صحيح السيرة للعلي(198) وأخرجه أيضًا -من طريق ابن اسحاق- الطبري في تفسيره (رقم12207 )  ثم قال الطبري(رقم12208 )حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي، عن عطية بن سعد قال: جاء عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نحوه. [ جامع البيان للطبري تحقيق أحمد شاكر (10/ 425)]ورجال هذا الإسناد ثقات إلا عطية بن سعد العوفي ففيه ضعف. قال الحافظ:صدوق يخطىء كثيرا ، و كان شيعيا مدلسا. وانظر تهذيب التهذيب 7 / 225

كان بذلك عبادة بن الصامت رضي الله عنه مثلاً حيًا للمسلم الصادق، المخلص لعقيدته الذي تربى على المنهاج النبوي فصفت نفسه، وتطهر قلبه، وقوي إيمانه، وتنور عقله، فتخلص من آثار العصبية الجاهلية، والأهواء، والمصالح الذاتية، وقدم مصلحة الإسلام على كل مصلحة.وصار ولاؤه لله ورسوله والذين آمنوا.

[1058] - صحيح مسلم(1766) حدثني محمد بن رافع وإسحاق بن منصور ( قال ابن رافع حدثنا وقال إسحاق أخبرنا) عبدالرزاق  أخبرنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر به ..ورواه أحمد(2/149)

[1059] - ومن الدروس المستفادة من هذه الغزوة:

أ) أن اليهود أهل غدر وخيانة ويتربصون بالمؤمنين الدوائر كما قال تعالى{ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }[البقرة(100)]

ب) المسلمة غيورة على عِرضها وكرامتها

ج) المسلم غيور على دينه وعلى أعراض المسلمات.

د) الولاء لله ورسوله والمؤمنين والتبرؤ من أي حليف يغدر بالمسلمين ويحارب الله ورسوله كما تبرأ عبادة بن الصامت من حلفائه اليهود.

د) المنافقون يتولون أعداء الإسلام . ويضمرون الشر والعداء للمسلمين . و بيان حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع هؤلاء المنافقين .

 

[1060] -  السيرة لابن هشام(3/8-9 ) ولم يسندها.وانظر سيرة ابن اسحاق(ص315)

[1061] - بين الربذة والغمر وذات غرض من جادة العراق- التنبيه والأشراف. ط. الصاوي: 210.

[1062] - أبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2293-2294) والحديث برقم(5667) قال:حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا أَبُو هَمَّامٍ الدَّلَّالُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنِ الْفُرَاتِ بْنِ حَيَّانَ،به..وقال: رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ مِثْلَهُ حَدَّثَنَاهُ أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا حُمَيْدُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ حَيَّانَ، ثنا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، ثنا سُفْيَانُ بِه.

[1063] - رواه البخاري في التاريخ الكبير(7/128 ترجمة رقم 576)  قال: قَالَ عليٌّ: حدَّثنا بِشر بن السَّرِيّ، قال: حدَّثنا سُفيان، عَنْ أَبي إِسحاق، عَنْ حَارِثَةَ بْن مُضَرِّب، عَنْ فُرات بْنِ حَيّان؛به.وإسناده صحيح. .

[1064] - من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم حده القتل كما ذكرالعلماء وقد أخرج أبو داود في سننه (4361)-في كتاب الحدود-باب: باب الحكم فيمن سب النبي –عن ابن عباس: : أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها ، فلا تنزجر ، قال: فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه فأخذ المغول ( المغول بالغين المعجة وهو السكين ) فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فجمع الناس فقال:  " أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام " قال : فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين ، وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ألا اشهدوا أن دمها هدر"

[1065] - أحمد(1/266) ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني ثور بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس به.. (وقال الأرنؤوط:إسناده حسن ابن إسحاق حسن الحديث، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح. ) وصرح ابن إسحاق بالتحديث في رواية أحمد وفي سيرة ابن هشام (4/12).ولذلك حسنه الحافظ في الفتح(7/338) ، و اخرجه  الطبراني(11/221) 11554) من طريق أحمد بن محمد بن أيوب صاحب "المغازي"، عن إبراهيم بن سعد والد يعقوب، بهذا الإسناد..

ثور بن زيد: هو الديلي. والحديث في "سيرة ابن إسحاق" (502) ، وفيه: "حدثني ثور" دون نسبة.

وأخرجه البزار (1801) و (1802) "كشف الأستار"، والطبراني (11555) ، والحاكم 2/98، والبيهقي في "الدلائل" 3/199-200 من طرق عن ابن إسحاق، به.

قال الحاكم: هذا حديث غريب صحيح ولم يخرجاه، وقال الذهبي في "تلخيصه": صحيح.

قوله: "انطلقوا على اسم الله"، قال السندي: أي ثابتين على بركته، أو ذِكره، أو معه. "إلى كعب بن الأشرف"، أي: ليقتلوه، فإنه كان يهودياً مؤذياً.

[1066] - البخاري(4037) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ به

[1067] - أبو داود في سننه(3000). حدثنا محمد بن يحيى بن فارس أن الحكم بن نافع حدثهم قال أخبرنا شعيب عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه به.. وصححه الألباني.وقال الهيثمي في المجمع:رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.والذي تيب عليه هو كعب بن مالك رضي الله عنه جد عبد الرحمن

[1068] - سيرة ابن هشام(4/9-12)

[1069] - سيرة ابن هشام(4/12-13) وسنده حسن كما تقدم.

[1070] -  انظر البداية والنهاية (4/8)

[1071] - مما يستفاد من هذه القصة

1- أن شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم سواء كان معاهدًا أو غيره يقتل عقوبة له،فالمعاهد بشتمه الرسول صلى الله عليه وسلم قد انتقض عهده، وقد أجاد شيخ الإسلام ابن تيمية في تفصيل هذه الأحكام في كتابه القيم الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم.

2- يؤخذ من طريقة تنفيذ حكم الرسول صلى الله عليه وسلم باليهودي ابن الأشرف, أن الحكم قد تقتضي المصلحة العامة للمسلمين أن ينفذ سرًّا، ويتأكد هذا إن كان يترتب على تنفيذه بغير هذه الصورة السرية فتنة أو خطر قد يكلف المسلمين ثمنًا باهظًا ومفسدة عظيمة . وهذا مشروط بالأمن من الفتنة، وذلك بأن يكون للمسلمين شوكة، وقوة ودولة، بحيث لا يترتب على نوعية هذا العمل فتك بالمسلمين، واجتثاث الدعاة من بلدانهم، وإفساد في مجتمعاتهم. وقد أخطأ بعض المسلمين في العالم الإسلامي، وتعجل الصدام المسلح واستدلوا على ما ذهبوا إليه بمثل هذه الحادثة ولا حجة لهم فيها؛ لأن ذلك كان بالمدينة وللمسلمين شوكة ودولة، أما هم فليس لهم دولة ولا شوكة، ثم كان ذلك إعزازًا للدين وإرهابًا للكافرين، وكانت كلها مصالح لا مفسدة معها، أما ما يحدث في فترات الاستضعاف من هذه الحوادث فإنها يعقبها من الشر والفساد واستباحة دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم ما لا يخفى على بصير.

إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم بمحاولة تصفية لأي أحد من المشركين في مكة مع القدرة على قتل زعماء الشرك كأبي جهل، وأمية بن خلف، وعتبة، ولو أشار إلى حمزة أو عمر بذلك أو غيرهما من الصحابة، لقاموا بتنفيذ ذلك، ولكن الهدي النبوي الكريم يعلمنا أن فقه قتل زعماء الكفر يحتاج إلى شوكة وقوة، كما أن هذا الفقه يحتاج إلى فتوى صحيحة من أهلها،  واستيعاب فقه المصالح والمفاسد, وهذا يحتاج إلى علماء راسخين، حيث تتشابك المصالح في عصرنا، وحيث للرأي العام دوره الكبير في قرارات الدول، وحيث احتمالات توسع الأضرار

3- وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «قولوا ما بدا لكم » فقه عظيم يوضحه قوله صلى الله عليه وسلم: «الحرب خدعة».

4- قوله صلى الله عليه وسلم: «انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم» كان لهذا التذكير بالإخلاص في الجهاد، انطلقوا على اسم الله والدعاء لهم بالتوفيق والعون, كل ذلك كان حافزًا على الثبات ورافعًا للمعنويات, فلم يعبأوا بقوة ابن الأشرف ومن حوله من الناس؛ لأنهم استشعروا معية الله لهم ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ربه بإعانتهم وتحقيق مسعاهم، ونلحظ في الهدي النبوي الأخذ بكل الأسباب المادية، والتخطيط السديد، ولا ينسى جانب الدعاء النبوي الكريم، فإنهم لم يغفلوا الأسباب الموصلة بهم إلى نجاح مقصودهم؛ لأن المسلم مأمور بالجمع بين التوكل على الله تعالى والأخذ بالأسباب التي شرعها الله سبحانه. ولذلك كانت خطة محمد بن مسلمة مع إخوانه محكمة وأتقنوا فقه سنة الأخذ بالأسباب، فقد كانت الأسباب التي ساعدت على نجاح الخطة كالتالي:

أ- أن أبا نائلة كان أخاه من الرضاعة وهو يطمئن إليه ولا يتوجس منه خيفة.

ب- تظاهرهم بالنيل والتبرم والتظلم من الرسول صلى الله عليه وسلم طمأن كعب بن الأشرف.

ج- فكرة رهن السلاح كانت في غاية التوفيق حتى يكون اصطحابهم للسلاح غير مريب، ولا يبعث على الريبة ذلك, لأنهم أحضروا ما سيرهنونه إلى كعب، وفي نفس الوقت يستطيعون أن يستخدموا هذا السلاح في أي وقت التقوا به.

د- أخذ الموعد من كعب بن الأشرف كان إحكامًا في الخطة بحيث يتسنى لهم في أي وقت من الليل أن يأتوه ويطرقوا عليه الباب دون أن يشك فيهم وفي نيتهم.

هـ- اطمئنان ابن الأشرف إلى أبي نائلة ومحمد بن مسلمة جعله يخرج في وقت لا يخرج فيه الإنسان من بيته عادة تحسبًا لقتال عدو على حين غرة وغفلة.

و- إبعاد ابن الأشرف عن بيته إلى مكان يخلو به دون رقيب أو نصير
ز- استدراج أبي نائلة لابن الأشرف وشمه طيب رأسه وإمساكه بشعره ليشمه كان موفقـًا وتقدمة ليمسك بهذا الرأس الخبيث ويتمكن منه لتكون الفرصة سانحة لتنفيذ حكم الله في هذا اليهودي اللعين.

5- وتظهر قدرة الصحابة الفائقة على الحفاظ على السرية، وذلك من كتمان هذه الخطة مع كثرة من في المدينة من اليهود والمنافقين, ومع تأخر تنفيذها, وكون النبي صلى الله عليه وسلم عرض هذا الأمر في مشهد من الصحابة وجرت فيه مشورة، وهذا دليل على قوة إيمان هؤلاء الصحابة وإخلاصهم لدينهم.

6- أن العقاب نزل على كعب بن الأشرف وحده  ولم يؤاخذ قومه بنو النضير بجريرته. أنظر السيرة النبوية للصلابي(1/600-604)

 

[1072] - سيرة ابن هشام(4/16).

[1073] - الطبراني في الكبير(3/ 141)  قال في المجمع(6/182):رواه الطبراني ورجاله ثقات.

 

[1074] - البداية والنهاية(4/9)

[1075] -  أحمد(3/351) حدثنا عبد الصمد وعفان قالا حدثنا حماد حدثنا أبو الزبير عن جابر به..  ( قال شعيب الأرنؤوط : صحيح لغيره وهذا إسناد على شرط مسلم ).وأخرجه الدارمي في سننه(2/173) والحديث صححه الألباني في الصحيحة برقم 1100

 

[1076] - البخاري(4081) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى.. ورواه مسلم(2272)

[1077] -البخاري(4051 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ به..وطرفه(4558) وكذا رواه مسلم (2505) من حديث سفيان بن عيينة به.

 

[1078] -البخاري(1884) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ به.

 

[1079] - دلائل النبوة للبيهقي(3/223) :أخبرنا أبو طاهر الفقيه ، قال : أخبرنا أبو بكر القطان ، قال : حدثنا محمد بن يزيد السلمي ، قال : حدثنا حفص بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد به.. الخبر رواه الطبري في التفسير (7/ 424- 425) ط. دار المعارف.

[1080] - سنن ابن ماجة(2806) حدثنا عيسى بن سوار . ثنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد به (وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح على شرط البخاري).وأخرجه أبو داود(2590) وصححه الألباني .[وقوله( ظاهر بينهما) أي جمع بينهما ولبس إحداهما فوق الأخرى. وكأنه من التظاهر بمعنى التعاون والتساعد. كأنه إحداهما ظهارة والأخرى بطانة.]

[1081] - الروض الأنف(3/246)

 

[1082] - الروض الأنف(3/246)و البداية والنهاية(4/14)

[1083] -ابن هشام(4/21)

[1084] -ابن هشام(4/21)

[1085] -  - مسند أحمد (3/122) : حَدَّثَنَا يَزِيدُ، وَعَفَّانُ قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ به.وصححه الأرنؤوط. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَفَّانَ بِهِ

[1086] -  - هو أبو جد التابعي الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري

([1087]) انظر: السيرة النبوية الصحيحة (2/388).         

وقد قدم بعض ولدقتادة بن النعمان-وهو عاصم بن عمر بن قتادة أحد مشايخ ابن إسحاق في السيرة- - على عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فسأله من أنت؟ فقال له مرتجلا:

فردت بكف المصطفى أحسن الرد

    

 
    

أنا ابن الذي سالت على الخد عينه

فيا حسنها عينًا ويا حسن ما خد

    

 
    

فعادت كما كانت لأول أمرها

فقال عمر بن عبد العزيز عند ذلك:

شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

    

 
    

تلك المكارم لا قعبان من لبن

ثم وصله فأحسن جائزته..انظر: البداية والنهاية (4/35).

[1088] - -  أحمد(1/287) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به.. وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن

[1089] - الْبُخَارِيُّ( 4043) :حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ به.. وطرفه (3039- 3986)

[1090] - مسند أحمد (3/286). حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ به.. قال الأرنؤوط:إسناده صحيح على شرط مسلم من جهة ثابت البناني. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.

[1091] - الْبُخَارِيُّ (4063 ) حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قيس به

[1092] - مسلم(1811) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو - وَهُوَ أَبُو مَعْمَرٍ الْمِنْقَرِىُّ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - وَهُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ به.. وأخرجه الْبُخَارِيُّ عن أَبُي مَعْمَرٍ به .

[1093] - الْبُخَارِيُّ ( 4068) وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ به

[1094] - رواه الحاكم (3/ 214 رقم 4880) :حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ أَبُوْ إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فذكره.. «صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» وقال الذهبي:  صحيح

[1095] - البخاري : 4055 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ السَّعْدِىُّ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ فذكره

[1096] -البخاري (4059 ) حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ عَلِىٍّ به

[1097] - -ابن هشام(3/33)

[1098] - الْبُخَارِيُّ( 3698 ) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ - هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ - به

[1099] -  رواه الترمذي(3738) حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ الزُّبَيْرِ به . وقال الترمذي:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ "

وهو في سيرة ابن هشام(4/36-37) وسنده متصل وصرح ابن اسحاق بالسماع.وأخرجه من طريقه أحمد(1/165 )وحسن الأرنؤوط  إسناده. وقوله: "أوجب طلحة"، أي: عمل عملاً أوجَب له الجنة.

 

[1100] -سيرة ابن هشام(4/30) فال ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ الزّبَيْرِ به.. وسنده متصل وصرح بالسماع فسنده حسن.وهو نفس الطريق السابق.

[1101] -

[1102] - -السيرة النبوية لابن كثير(3/91-92)

[1103] -   السيرة النبوية لابن كثير(3/92)

[1104] - صحيح البخاري كتاب الأدب (5782),صحيح مسلم كتاب الزهد والرقائق (2998),سنن أبي داود كتاب الأدب (4862),سنن ابن ماجه كتاب الفتن (3982,3983),مسند أحمد (2/115),سنن الدارمي كتاب الرقاق (2781).

[1105] - هذا لفظ مسلم(2306) وحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا سَعْدٌ، عَنْ أَبِيهِ (إبراهيم)، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ به.ورواه البخاري(4054) حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ به..وطرفه (5826 ) من طريق مسعر عن سعد بن إبراهيم به .وأخرجه ابن أبي شيبة ( 32153) من طريق مسعر عن سعد بن إبراهيم به.ورواه أحمد

[1106] - - مسلم(1743) حدثني حجاج بن الشاعر حدثنا عبدالصمد حدثنا حماد عن ثابت ، عَنْ أَنَسٍ به

[1107] - - صحيح  الْبُخَارِيُّ ( 4046 ):حَدَّثَنَا اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ به.. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ.

[1108] - مسلم (( 1810 ) حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس به..وقد ذكر بعد هذا( برقم 1811 ) أن عائشة وأم سليم كانا يحملان القرب

[1109] - مسلم (( 1812 ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدالرحيم بن سليمان عن هشام عن حفصة بنت سيرين عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ به.

([1110]) تنقزان: أي تحملان وتقفزان بها وثبا.

([1111]) البخاري،(رقم 2880)( بَابُ غَزْوِ النِّسَاءِ وَقِتَالِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ) قال: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ به. ومسلم رقم 1811

([1112]) تزفر: تحمل القرب مملوءة بالماء.        

([1113]) البخاري، كتاب المغازي (رقم 4071):حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِى مَالِكٍ به.. وطرفه 2881 - تحفة 10417

([1114]) البخاري، كتاب الجهاد والسير( رقم 2883) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ خَالِدِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍبه. طرفاه 2882 ، 5679 - تحفة 15834

([1115]) البخاري، كتاب المغازي، رقم 4075.

([1116]) ابن هشام(3/33) والسند معضل

([1117]) انظر: مرويات غزوة أحد، ص254.

([1118]) مغازي الواقدي(ص238)قال حدثني ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِيِ فَرْوَةَ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ به..وهذا إسناد مظلم فالواقدي وشيخه وشيخ شيخه كلهم متروكون،وأبو الحويرث ضعيف كما ذكر ابن حجر. وقال الواقدي: الثبت عندنا أن الذي رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجنتيه: ابن قمئة، والذي رمى شفتيه وأصاب رباعيته: عتبة بن أبي وقاص.وانظر تاريخ الإسلام للذهبي(1/122تحقيق بشار)

[1119] - البخاري(4073) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ به

[1120] -البخاري (4074) حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به

[1121] - مسلم(1791) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ  به

[1122] - الْبُخَارِيُّ( 4075 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ به

[1123] - - أخرجه الطيالسى (1/3 رقم 6) : حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْحَاقَ عن (والصواب :بن) يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ به.. ورواه الحاكم (3/298 رقم 5159 ) وقال : صحيح على شرط الشيخين . والبزار (1/132 رقم 63) ، قال الهيثمى (6/112) : رواه البزار وفيه إسحاق بن يحيى بن طلحة وهو متروك . وابن عساكر (25/75) ، والضياء (1/135 ، رقم 48) وقال : إسناده ضعيف .

[1124] - -ابن هشام(3/36) . ودلائل النبوة للبيهقي (3/ 265)

[1125] - قال البيهقي في دلائل النبوة (3/ 265):أَخْبَرَنَا أبو عبد اللَّه الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّنْعَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرازق، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ عُثْمَانَ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مِقْسَمٍ فذكره. .والخبر رواه عبد الرزاق في تفسيره عن مقسم(تلميذ ابن عباس)، ورواه أبو نعيم من وجه آخر عن ابن عباس، وعنهما نقله الصالحي في السيرة الشامية (4/294) ، وعن عبد الرزاق نقله ابن كثير في البداية والنهاية (4/30) . وهذا صحيح الإسناد ولكنه مرسل فإن مقسمًا تابعيًا ولكن يشهد لها- دون ذكر الدعاء - ما أخرجه البخاري في صحيحه (مع الفتح 7/ 372 رقم 4075) بلفظ: ( ... وكُسِرتْ رباعيته يومئذٍ، وجرح وجهه، وكسرت البيضة على رأسه).

[1126] - - َقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ به. ذكره ابن كثير في البداية والنهاية(4/30) ثم قال :هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ رَأَيْتُهُ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ " الْمَغَازِي " لِلْأُمَوِيِّ فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ. أهـ

[1127] - -ابن هشام(3/24-26) قال ابن إسحاق: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو  به

 

[1128] - -ابن هشام(3/26) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ به.. وإسناده حسن

.

[1129] - مسند أحمد (1/165) ُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ به...وقال الأرنؤوط:إسناده حسن.

[1130] - -سيرة ابن هشام(4/40) ضعيف مرسل .

فائدة:قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ. : وَقَالَ كَعْبُ يَبْكِي حَمْزَةَ وَمَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ:

نَشَجَتْ وَهَلْ لَكَ مِنْ مَنْشَجِ
تَذَكَُّرَ قَوْمٍ أَتَانِي لَهُمْ
فَقَلْبُكَ مِنْ ذِكْرِهِمْ خَافِقٌ
وَقَتْلَاهُمْ فِي جِنَانِ النَّعِيمِ
بِمَا صَبَرُوا تَحْتَ ظِلِّ اللِّوَاءِ
غَدَاةَ أَجَابَتْ بِأَسْيَافِهَا
وَأَشْيَاعُ أَحْمَدَ إِذْ شَايَعُوا
فَمَا بَرِحُوا يَضْرِبُونَ الْكُمَاةَ
كَذَلِكَ حَتَّى دَعَاهُمْ مَلِيكٌ
فَكُلُّهُمُ مَاتَ حُرَّ الْبَلَاءِ
كَحَمْزَةَ لَمَّا وَفَى صَادِقًا
فَلَاقَاهُ عَبْدُ بَنِي نَوْفَلٍ
فَأَوْجَرَهُ حَرْبَةً كَالشِّهَابِ
وَنُعْمَانُ أَوْفَى بِمِيثَاقِهِ
عَنِ الْحَقِّ حَتَّى غَدَتْ رُوحُهُ
أُولَئِكَ لَا مَنْ ثَوَى مِنْكُمُ
ابن هشام(2/138 ت السقا)
    

















    

وَكُنْتَ مَتَى تَذَّكِرْ تَلْجَجِ
أَحَادِيثُ فِي الزَّمَنِ الْأَعْوَجِ
مِنَ الشَّوْقِ وَالْحُزْنِ الْمُنْضِجِ
كِرَامُ الْمَدَاخِلِ وَالْمَخْرَجِ
لِوَاءِ الرَّسُولِ بِذِي الْأَضْوُجِ
جَمِيعًا بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ
عَلَى الْحَقِّ ذِي النُّورِ وَالْمَنْهَجِ
وَيَمْضُونَ فِي الْقَسْطَلِ الْمُرْهِجِ
إِلَى جَنَّةٍ دَوْحَةِ الْمَوْلِجِ
عَلَى مِلَّةِ اللَّهِ لَمْ يَحْرَجِ
بِذِي هِبَّةٍ صَارِمٍ سَلْجَجِ
يُبَرْبِرُ كَالْجَمَلِ الْأَدْعَجِ
تَلَهَّبُ فِي اللَّهَبِ الْمُوَهَجِ
وَحَنْظَلَةُ الْخَيْرِ لَمْ يُحْنَجِ
إِلَى مَنْزِلٍ فَاخِرِ الزِّبْرِجِ
مِنَ النَّارِ فِي الدَّرَكِ الْمُرْتَجِ

 

[1131] - -سيرة ابن هشام(4/40) وهو مرسل

[1132] - -  الحاكم في المستدرك(3/221 رقم 4906 ) حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ثنا محمد بن موسى البصري ثنا أبو صالح عبد الرحمن بن عبد الله الطويل ثنا معن بن عيسى عن مخرمة به.. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

[1133] - - البداية والنهاية(4/40)

[1134] - مسلم(  1903): حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا بَهْزٌ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ به

[1135] - - ابن هشام(3/37-38) وسنده حسن .عاصم ثقة عالم بالمغازي كما قال ابن حجر. وسمع من الصحابي محمود بن لبيد

[1136] - سيرة ابن هشام(3/40) وقال الألباني في تخريج فقه السيرة(1/260) :صحيح بشواهده

[1137] - المسند(5/299) حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ { قَالَ } حَدَّثَنَا أَبُو الصَّخْرِ حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِى قَتَادَةَ به.. وقال الأرنؤوط:إسناده حسن من أجل حميد بن زياد.

[1138] - سيرة ابن هشام(3/45) .وفي طبقات ابن سعد(2/44) ذكر  أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن حرام دفنا في قبر واحد .

[1139] - يكنى مُصعب: أَبَا عبد الله، وَكَانَ من جلة الصَّحَابَة وفضلائهم، هَاجر إِلَى الْحَبَشَة فِي أول من هَاجر إِلَيْهَا. ثمَّ شهد بَدْرًا. وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بَعثه إِلَى الْمَدِينَة قبل الْهِجْرَة بعد الْعقبَة الثَّانِيَة، يُقْرِئهُمْ الْقُرْآن، ويفقههم فِي الدَّين، وَكَانَ مُصعب بن عُمَيْر فَتى مَكَّة شبَابًا وجمالا وتيها.. (رَاجع الِاسْتِيعَاب وَالرَّوْض الْأنف)

[1140] -   البخاري(  4045) حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ ( إِبْرَاهِيمَ بن عبد الرحمن بن عوف) به.. ورواه أيضًا برقم 1274

[1141] -   البخاري(4047) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ خَبَّابٍ به. و أطرافه 1276 ، 3897 ، 3913 ، 3914 ، 4082 ، 6432 ، 6448، 9712   وأخرجه مسلم(940)

 

   [1142] - - الحاكم(3/221 رقم 4904)قال: - ذِكْرُ مَنَاقِبِ مُصْعَبِ الْخَيْرِ وَهُوَ ابْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حدثنا أبو عبد الله الأصبهاني ثنا الحسن بن جهم ثنا الحسين بن الفرج ثنا محمد بن عمر حدثني إبراهيم بن محمد العبدري عن أبيه به.. وسكت عنه الذهبي في التلخيص.     

 

[1143] - الحاكم(3/221 رقم 4905) قال: حدثني محمد بن صالح بن هانئ ثنا يحيى بن محمد بن يحيى الشهيد ثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي ثنا حاتم بن إسماعيل عن عبد الأعلى بن عبد الله بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ قَطَنِ بْنِ وُهَيْبٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ به.. وقال الحاكم:هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه ووافقه الذهبي.

 

 

[1144] - البخاري (1351) قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ به. )) وانظر طرفه 1352

[1145] -  ابن ماجه (1/68 رقم 190) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِىُّ وَيَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِىٍّ قَالاَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ الأَنْصَارِىُّ الْحَرَامِىُّ قَالَ سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْنَ خِرَاشٍ به.وحسنه الألباني. وأخرجه الترمذى (5/230 رقم 3010) وقال : حسن غريب . وابن أبى عاصم (1/267 رقم 602) .

[1146] -   مسلم(4/1918 رقم 2472) :حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَلِيطٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِى بَرْزَةَ به. وأخرجه أحمد(4/421 رقم 19793)

 

[1147] -   أحمد(4/422 رقم  19799) حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ به.. َقالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ(عبد الله بن أحمد): مَا حَدَّثَ بِهِ فِي الدُّنْيَا أَحَدٌ إِلَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ مَا أَحْسَنَهُ مِنْ حَدِيثٍ.. وقال الأرنؤوط:إسناده صحيح على شرط مسلم..

[1148] -  قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :( وَالْهَيْعَةُ :الصّيْحَةُ الّتِي فِيهَا الْفَزَعُ ) كما في السيرة لابن هشام(3/27-28)

[1149] - رواه ابن حبان في صحيحه(15/ 495رقم  7025- بتحقيق الأرنؤوط: وقال شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح) أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي حدثنا أبي عن ابن إسحاق به.. وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 204، 205) عن أبي الحسين بن يعقوب الحافظ  عن  محمد بن إسحاق بن إبراهيم شيخ ابن حبان، ورواه البيهقي في السنن( 4 / 15 ) عن الحاكم به .. وهذا سند جيد، وصححه الحاكم، وأقره الذهبي، وله شاهد من حديث ابن عباس عند الطبراني بسند حسن، كما قال الهيثمي في " المجمع " 3 / 23.وانظر سيرة ابن هشام(3/27-28)  و  البداية والنهاية(4/20) و صحيح السيرة النبوية ص 289

[1150] - البداية والنهاية(4/20)

[1151] - البداية والنهاية(4/20) ويستفاد من هذه القصة ما يلي:

 1- حرص حنظلة القوي على تلبية داعي الجهاد ومقارعة أعداء الله الذي يتمثل في سرعة خروجه إلى الميدان، الأمر الذي لم يتمكن معه من غسل الجنابة.

2- شجاعته الفائقة تظهر في تصديه لقائد المشركين أبي سفيان بن حرب والقائد غالبًا يكون حوله من يحميه، وهو فارس وحنظلة راجل.

3- تشريف رباني كريم في نزول الملائكة لتغسيل حنظلة بمياه المزن في صحاف الفضة.

4- معجزة نبوية في إخبار الصحابة عما قامت به الملائكة من تغسيل, حيث رأى صلى الله عليه وسلم الملائكة وهي تغسل ولم ير الصحابة ذلك.

5- إذا كان الشهيد جنبًا، غسل، كما غسلت الملائكة حنظلة بن أبي عامر

 

[1152] - سيرة ابن هشام(3/39) قال ابن إسحاق:حَدّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مَعَاذٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ...والحديث أخرجه أحمد (5/428 رقم23684)  وأبو نعيم في معرفة الصحابة(1/345 رقم1069)  من طريق ابن إسحاق..وحسنه الأرزنؤوط.وقال الهيثمي في المجمع(9/608): رواه أحمد ورجاله ثقات.

[1153] - البخاري(2808 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ الْفَزَارِيُّ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ به

[1154] - أبو داود(2537) حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به.وأخرجه الحاكم(2/124رقم 2533) عن  أحمد بن محمد العنزي عن عثمان بن سعيد الدارمي عن موسى شيخ أبي داود به والبيهقي (9/167رقم18324) عن الحاكم به . وقال الحاكم:« هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه »ووافقه الذهبي. وحسنه الألباني في سنن ابي داود

[1155] - فتح الباري لابن حجر العسقلاني ( 6/25) ط دار المعرفة - بيروت، 1379 ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي

[1156] - سيرة ابن هشام(3/48) هكذا ذكره ابن إسخاق بلاغا ولم يسنده.وذكر نحوه الواقدي في المغازي(ص263)

[1157] -   الروض الأنف للسهيلي (4/408، 409).

[1158] -   تجريد أسماء الصحابة (2/70)، الإصابة (3/393). وقد حقق هذه المسألة الدكتور عبد الله الشقاوي في كتابه (اليهود في السنة المطهرة) (1/306) وذهب إلى أن مخيريق قد أسلم، ودفعه ذلك إلى القتال مع المسلمين، وإلى التصدق بماله مع كثرته، ومع ما عرف عن اليهود من حب المال والتكالب عليه

[1159] -   أنظر البداية والنهاية(4/38) روى ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال: (أول صدقة في الإسلام وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قتل مخيريق بأُحُد وأوصى إن أصبت فأموالي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتصدق بها) الطبقات 1 / 182.

 

[1160] - رواه ابن شبة مرسلا في تاريخ المدينة(1/110 رقم504) حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا عبد العزيز بن عمران عن عبد الله بن جعفر بن المسور عن أبي عون عن ابن شهاب به. ورواه  الزبير بن بكار عن  ابن شهاب مرسلا و أخرجه ابن سعد في الطبقات 1 / 2 / 183 وأبو نعيم في الدلائل 1 / 18 بلفظ " خير يهود ".وانظر سبل الهدى والرشاد(4/212)

 

[1161] - رواه ابن شبة مرسلا في تاريخ المدينة(1/112 رقم507) قال وقال الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن إبراهيم بن الحارث قال حدثني عبد الله بن كعب بن مالك .وفي سنده الواقدي متروك

[1162] - ابن سعد في الطبقات الكبرى( 1 / 183) أخبرنا محمد بن عمر(الواقدي) حدثني محمد بن بشر بن حميد عن أبيه قال سمعت عمر بن عبد العزيز به.وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق(10/229) من طريق ابن سعد به.

[1163] - الطبقات الكبرى 1 / 183

[1164] -   ابن هشام(3/34-35) مرسل قوي فإن صَالِحُ بْنُ إبْرَاهِيمَ تابعي صغير ثقة من رجال الشيخين.ويشهد له ما بعده.

. وفي هذا الخبر مثل رفيع على شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان أبي بن حلف مدججًا بالسلاح ومتدرعًا بالحديد الواقي، ومع ذلك استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعنه بالرمح من فرجة صغيرة في عنقه بين الدرع والبيضة، وهذا يدل على قدرة رسول الله القتالية ودقته في إصابة الهدف، وفي هذا الخبر معجزة للنبي فقد أخبر أبيًا بأنه سوف يقتله بمشيئة الله وتم ذلك، وفي الخبر عبرة في إيمان المشركين بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وأنه إذا قال شيئًا وقع, فقد كان أبي بن خلف على يقين بأنه سيموت من تلك الطعنة، ومع ذلك لم يدخلوا في الإسلام لعنادهم وعبادة أهوائهم

 

[1165] - البيهقي في دلائل النبوة (3/212 ) أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابْنَ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) .وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّه الْحَافِظُ فِي الْمَغَازِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ محمد ابن الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. فذكره. ورواه الْبَيْهَقِيّ أيضا ( 3/ 258) من طريق ابن لهيعة عن الأسود عن عروة بن الزبير ثم قال:وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِيمَا مَضَى عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: وَرَوَاهُ أَيْضا عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن مُسَافر عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب .وذكره السيوطي الخصائص الكبرى (1/ 360)، وقال: أخرجه من هَذَا الطَّرِيق ابْن سعد وَأَبُو نعيم ثمَّ اخْرُج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن عُرْوَة بن الزبير مثله، وَلم يذكر فَكسر ضلعا من أضلاعه وَلَا نزُول الْآيَة أهـ .قلت: وذكره الصالحي أيضًا في سبل الهدى والرشاد( 4/ 208)

 

[1166] - رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ،في مصنفه (5/ 356رقم  9731)  عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عُثْمَانَ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مِقْسَمٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَعْمَرٌ: وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ بِبَعْضِهِ قَالَ: إِنَّ ابْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَأُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ الْجُمَحِيَّ الْتَقَيَا فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ لِأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ وَكَانَا خَلِيلَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،...إلخ.وهو مرسل صحيح.

 

[1167] - سيرة ابن هشام(3/38) مرسل قوي

[1168] -- مسند أحمد (2/309) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به. وَأَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ .انظر صحيح البخاري (2897),صحيح مسلم (111)

[1169] -- رواه ابن ابي عاصم في الأحاد والمثاني(5/247رقم 2775) حدثنا إسماعيل بن عبد الله أبو بشر نا أبو سعيد الجعفي حدثني بن وهب حدثني عمرو بن الحارث عن سعيد-ابن أبي هلال- عن شيبة بن نصاح مولى أم سلمة حدثه عن خالد بن مغيث به.ورواه ابو نعيم في المعرفة..ورواه سعيد بن منصور في سننه(2/267رقم 2721)عن ابن وهب به.ولكن في آخرها(غل يوم حنين)

قال ابن حجر في الإصابة(2/250):شيبة لم يلحق أحدا من الصحابة فيكون الانقطاع في روايته عن خالد أهـ

قلت:شيبة ثقة وفي هذه الرواية صرح بالسماع من خالد بن مغيث فيكون بذلك قد أدرك خالدًا ويكون الخبر ليس بمنقطع.

 

[1170] -  رواه أحمد( 4/93 رقم 2218-أرنؤوط) قال:حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَعن ابن عباس به.. وقال الأرنؤوط: صحيح، علي بن عاصم متابع، ومن فوقه ثقات من رجال الصحيح. داود: هو ابن أبي هند.

وأخرجه الواحدي في "أسباب النزول" ص 74-75 من طريق علي بن عاصم، بهذا الإِسناد. وقَرَنَ بداود بن أبي هند خالدَ بن مِهران الحذاء.

وأخرجه بنحوه النسائي في "المجتبى"( 7/107 رقم 4068)، وفي "الكبرى" (11065) ، والطبري 3/340، وابن حبان (4477) ، والحاكم 2/142 و4/366،.والواحدي ص 75 من طرق عن داود بن أبي هند، به.

وأخرجه الطبري 3/340 من طريق عبد الأعلى، عن داود، عن عكرمة، به، ولم يرفعه إلى ابن عباس.

وأخرجه بنحوه الطبري 3/340، والواحدي ص 75 من طريق حميد الأعرج، عن مجاهد من قوله، وسمى الأنصاري "الحارثَ بنَ سويد"أهـ.

 واخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ( 2/ 699 رقم3789) عن جَعْفَرُ بْنُ النَّضْرِ الْوَاسِطِيُّ الضَّرِيرُ عن عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، به. والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي.وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة( ح  3066 )وفي التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان.

[1171] -  وأخرجه الطبري( 7363)، والواحدي ص75 من طريقين-أحدهما عبد الرزاق- عن جعفر بن سليمان، عن حميد الأعرج، عن مجاهد من قوله،وسنده صحيح. قال الألباني في الصحيحة(7/ 186تخريج الحديث3066 ):رجال إسناده ثقات، فهو مرسل صحيح. فهو شاهد قوي لحديث علي بن عاصم.أهـ. و جاء التصريح باسمه أيضًا في خبر مرسل آخر أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7/370 رقم 36778 ) حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ , قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدَةَ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ , مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدٌ , بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآمَنَ بِهِ ثُمَّ لَحِقَ بِأَهْلِ مَكَّةَ وَشَهِدَ أُحُدًا فَقَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ سُقِطَ فِي يَدِهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فَكَتَبَ إِلَى أَخِيهِ جِلَاسِ بْنِ سُوَيْدٌ: يَا أَخِي , إِنِّي قَدْ نَدِمْتُ عَلَى مَا كَانَ مِنِّي فَأَتُوبُ إِلَى اللَّهِ , وَأَرْجِعُ إِلَى الْإِسْلَامِ , فَاذْكُرْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ طَمِعْتَ لِي فِي تَوْبَةٍ فَاكْتُبْ إِلَيَّ , فَذَكَرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَأَنْزَلَ اللَّهُ {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} [آل عمران: 86] قَالَ: فَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِمَّنْ كَانَ عَلَيْهِ: يَتَمَتَّعُ ثُمَّ يُرَاجَعُ إِلَى الْإِسْلَامِ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} [آل عمران: 90] " وفي سنده مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ،وأبو صالح باذام (ويقال:باذان) مولى أم هانيء ضعيفان.

.

[1172] - سيرة ابن هشام(3/38-39)

[1173] - سيرة ابن هشام(4/16) فقد ذكر ابن اسحاق في أول غزوة أحد أنه أخذ حديث أُحُد عن الزهري ومحمد بن يحيى وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد ين معاذ.وغيرهم

[1174] -  رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة (2/642رقم 1718 ) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَرَجٍ، ثنا أَبُو عُمَرَ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،عَن ابْنِ عَبَّاسٍ،وفي سنده محمد بن مروان وشيخه الكلبي متهمان بالكذب

[1175] - مغازي الواقدي(1/305) ط الأعلمي- بيروت.والواقدي متروك.

[1176] - مسلم: (3/1502 رقم 1887)حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ كِلاَهُمَا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ جَمِيعًا عَنِ الأَعْمَشِ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ قَالاَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ به

[1177] - أحمد(1/265 رقم 2388) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِى عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ الْمَكِّىِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به..وحسنه الأرنؤوط.

[1178] -  -سيرة ابن هشام(3/45) وسنده حسن..وهو من مراسيل الصحابة.و وَهَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ .وسنن الترمذي كتاب الجنائز (1036),سنن أبي داود كتاب الجنائز (3138).

[1179] -  - سيرة ابن هشام(3/45) وسنده حسن. وَهَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ. انظر: البخاري(5533)ومسلم(1876) وسنن ابن ماجه كتاب الجهاد (2795),مسند أحمد (5/431),سنن الدارمي كتاب الجهاد (2406).

[1180] - صحيح البخاري كتاب الجنائز (1343 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ جَابِرِ به..ورواه في كتاب المغازي

[1181] - مسند أحمد (3/298) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ، يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ عَبْدَ رَبِّهِ يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، عَنْ جَابِرِ به. تعليق شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح

[1182] - صحيح البخاري كتاب المغازي (4042). حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ به وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، وَمُسْلِمٌ (2296)، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ

[1183] - -الروض الأنف(3/283)

[1184] - - أحمد(1/ 463 رقم 4414) وابن أبي شيبة(7/371رقم 36783 ) قالا:حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ به.. وقال الأرنؤوط:حسن لغيره وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه .. الشعبي - وهو عامر بن شراحيل - لم يسمع من عبد الله بن مسعود، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح غير عطاء بن السائب، فقد روى له أصحاب السنن والبخاري متابعة، وهو صدوق اختلط بأخرة، وصححوا سماع حماد - وهو ابن سلمة - منه قبل اختلاطه. عفان: هو ابن مسلم الصفّار.

وأخرجه ابن سعد 3/16، وابن أبي شيبة 14/402 عن عفان، به.

وذكره ابن كثير في "التفسير" 2/115، وفي "البداية والنهاية" 4/40، وقال: تفرد به أحمد، وهذا إسناد فيه ضعف من جهة عطاء بن السائب.

وأورده الهيثمي في "المجمع " 6/109-110، وقال: رواه أحمد، وفيه عطاء بن السائب، وقد اختلط.

قلنا: قد ضعَّفه ابن كثير والهيثمي من جهة عطاء بن السائب، وإنما ضَعْفُه من جهة انقطاعه، ولم يذكرا ذلك، وإلا فإن حماد بن سلمة قد سمع من عطاء قبل اختلاَطه ورواه عبد الرزاق (6653) عن الشعبي مرسلاً لم يذكر فيه ابن مسعود.

وقوله: أفرد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تسعة.. إلى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما أنصفنا أصحابنا" له شاهد من حديث أنس عند مسلم (1789) .

وقوله: فجاء سفيان، فقال: اعل هبل ... إلى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الله مولانا والكافرون لا مولى لهم " له شاهد من حديث البراء عند البخاري (4043) .

وقوله: "اعل هبل " له شاهد من حديث ابن عباس تقدم برقم (2609) ، وفيه أن الذي أجابه هو عمر بن الخطاب.

وقوله: "يومٌ بيوم بدر، يوم لنا ويوم علينا، وقد كانت في القوم مثلة وإن كانت لعن غير ملأ منا، ولَا ساءني ولا سرني " له شاهد من حديث البراء المذكور عند البخاري (4043) .

وآخر من حديث ابن عباس تقدم - في المسند- برقم (2609) ، وفيه أن الذي قال: "لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار" هو عمر بن الخطاب.

ولصلاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الشهداء شاهد عند الحاكم 2/119، 120، وفي سنده أبو حماد

الحنفي، قال أبوحاتم ليس بقوي، يكتب حديثه.

وآخر من حديث ابن عباس عند ابن ماجه (1513) ، والدارقطني 2/474، والحاكم 3/198، والبيهقي 4/12، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/503.

وفيه يزيد بن أبي زياد وهو ممن يكتب حديثه على ضعفه، وقال البيهقي: هكذا رواه يزيد بن أبي زياد، وحديث جابر أنه لم يصل عليهم أصح.

وثالث من حديث عبد الله بن الزبير عند الطحاوي 1/503، وسنده حسن، وفيه أنه صلى عليه فكبر تسع تكبيرات، ثم أتي بالقتلى يُصفون ويصلي عليهم وعليه معهم.

ورابع من حديث شداد بن الهاد عند النسائي 4/60 وسنده صحيح.

قلنا: وأكثر أهل العلم على أنه لا يصلى على الشهيد، وهو قول أهل المدينة، وبه قال الشافعي وأحمد. واستدلوا بحديث جابر عند البخاري (4079) أنه عليه الصلاة والسلام أمر بشهداء أحد فدفنوا بدمائهم، ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا.

وذهب قوم من أهل العلم إلى أنه يصلى عليه لحديث أحمد هذا وشواهده، وهو قول الثوري وأصحاب الرأي، وبه قال إسحاق.أهـ

قال السندي: قوله: يجهزن: في "القاموس ": جَهَز على الجريح، كمنع، وأجهز: أثبت قتله، وأسرعه، وتمم عليه.

فلو حلفتُ: يريد أن مدار البِر في الحَلِف على الظن: وكنت أظن يومئذ أنه ليس أحد في الصحابة يريد الدنيا، فلو حلفت عليه لكنت بارّاً فيه.

رَهِقُوه، أي: المشركون غشوه.

ما أنصفنا: بسكون الفاء، أي: حيث ما خرج من المهاجرين أحد، بل كلهم خرجوا من الأنصار، فقتلوا.

قال النووي: الرواية المشهورة فيه: ما أنصفْنا، بإسكان الفاء، وأصحابنا: منصوب مفعول به، هكذا ضبطه جماهيرُ العلماء من المتقدمين والمتأخرين. ومعناه: ما أنصفت قريش الأنصار، لكون القرشيين لم يخرجا للقتال، بل خرجت الأنصار واحد بعد واحد. وذكر القاضي (يعني عياض) وغيره أن بعضهم رواه: ما أنصفَنا بفتح الفاء، والمراد على هذا الذين فروا من القتال، فإنهم لم ينصفوا لفرارهم.

عن غير ملأ ٍ منا، أي: غير تشاور من أشرافنا وجماعتنا

بُقِر، أي: شُق وفُتح.

فلاكتها، أي: مضغتها.

[1185]  - انظر تفسير ابن كثير ت سلامة (2/ 109 وما بعدها)

[1186]  - سيرة ابن هشام (2/196 السقا) .

 

[1187] - - ابن هشام(2/105 ت السقا)

** أهم الدروس المستفادة من غزوة أحد :

1)     السمع والطاعة للقائد من عوامل النصر .

2)     الطمع المادي يؤدي إلى الخلاف والهزيمة.

3)     للنصر أسبابه وللهزيمة أسبابها وسنن الله لا تحابي أحدًا .

4)     يجب ألا يستسلم المسلمون للضعف والهزيمة ،والله تعالى يمحص المؤمنين بالبلاء ،قال تعالى – في سورة آل عمران -:{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)}

5)     لا يجب على المسلمين الخروج من بلادهم لملاقاة عدوهم الذي جاء لقتالهم بل يجوز لهم الخروج ، ويجوز أن يلزموا بلادهم ويقاتلون منها دون خروج على حسب ما تقتضيه المصلحة .

6)      مشاورة أهل الرأي والخبرة قال تعالى { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ }[ آل عمران (159)].

7)     جواز الانغماس في  العدو كما انغمس أنس بن النضر في جيش العدو فأنزل الله تعالى {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا }[ الأحزاب(23) ]

8)     جواز الغزو بالنساء والاستعانة بهم في الجهاد .

9)     يجوز للإمام إذا أصابته جراحة صلى قاعدًا .وكذلك المأموم.

10) السنة في الشهيد-في قتال الكفار- ألا يغسل ولا يصلى عليه ولا يكفن في غير ثيابه ولا ينقل من مكانه بل يدفن في المكان الذي استشهد فيه.

11)  جواز دفن الرجلين والثلاثة في القبر الواحد .

12)  لو قتل المسلمون واحدًا منهم خطأً في الجهاد فعلى الإمام ديته من بيت مال المسلمين .

13) تمييز المؤمن الصادق من المنافق الكذاب .

14) فضل الشهادة في سبيل الله عز وجل .

[1188] -     أخرجه البيهقي في الدلائل( 3 / 313 )بسنده عن عروة بن الزبير.وأنظر  البداية والنهاية(4/56) ط التراث العربي

[1189] -  سيرة ابن هشام(3/47-48) وأنظر  البداية والنهاية(4/51)

[1190] -  النسائي في السنن الكبرى برقم (11083) حدثنا  محمد بن منصور، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة به. وأخرجه ابن مردويه في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" (1 / 428) .

والطبراني في "المعجم الكبير" (11 / 247 رقم 11632) .والضياء في المختارة( 12/ 185رقم209) كلهم من طريق محمد بن منصور الجوّاز به. وأحيانا كان سفيان يرويه عن عكرمة مرسلا . قال الضياء:قال ابنُ صاعدٍ: ولا أعلمُ أنَّ أحداً قالَ فيه: قالَ ابنُ عباسٍ، إلا محمدَ بنَ منصورٍ الجوازَ أهـ. قلت:وهو ثقة، ولذلك قال الحافظ في «الفتح» (8/ 228) : ورجاله رجال الصحيح، إلا أن المحفوظ إرساله عن عكرمة ليس فيه ابن عباس.

[1191] -  سيرة ابن هشام(3/48) وأنظر  البداية والنهاية(4/51), وعَبد اللَّه بْن خارِجة بْن زَيد بْن ثابت الأنصاري،.ترجم له البخاري في تاريخه الكبير(5/79برقم214) وقال:سَمِعَ عُروَة بْن الزُّبَير، وأباه (خارجة).

رَوَى عَنه الزُّهرِيّ، وبُكَير بْن الأَشَجّ.

وَقَالَ ابْنُ إِسحاق: حدَّثني عَبد اللَّهِ بْنُ خارِجة بن زَيد، عن أَبي السائب، مَولَى عَائِشَةَ بنت عُثمان.

هو أخو سُلَيمان.أهـ.وأبو السائب ذكره ابن قُطْلُوْبَغَا في كتابه ( الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة،ترجمة رقم 4243 ) باسم السائب ،.وقال:يروي عن عروة بن الزبير. روى عنه عثمان بن مرة أهـ .

[1192] - أبو نعيم في معرفة الصحابة( 6/3089رقم 7136) حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي السَّائِبِ، مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ عُثْمَانَ، أَنَّ رَجُلًا، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ،فذكره ، وجهالة الصحابي لا تضر لأن الصحابة كلهم عدول.

[1193] -  - البخاري(4563)حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ أُرَاهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به

[1194] -  - البخاري(4077) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ به.. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ هِشَامٍ. وَهَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ جَمِيعًا، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهِ،.

[1195] -  سيرة ابن هشام (3/63-64)

[1196] - تفسير الطبري(7/402 رقم 8238)قال: حدثني محمد بن سعد، حدثني أبي، حدثني عَمي، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس به.. ط:مؤسسة الرسالة. وهذا إسناد ضعيف.وقد علق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله على هذا الإسناد في تخريج حديث رقم(305)من تفسير الطبري(1/ 263)فقال: هذا الإسناد من أكثر الأسانيد دورانًا في تفسير الطبري، وقد مضى أول مرة (118) ، ولم أكن قد اهتديت إلى شرحه. وهو إسناد مسلسل بالضعفاء من أسرة واحدة، إن صح هذا التعبير! وهو معروف عند العلماء بـ "تفسير العوفي"، لأن التابعي -في أعلاه- الذي يرويه عن ابن عباس، هو"عطية العوفي"، كما سنذكر. قال السيوطي في الإتقان 2: 224: "وطريق العوفي عن ابن عباس، أخرج منها ابن جرير، وابن أبي حاتم، كثيرًا. والعوفي ضعيف، ليس بواه، وربما حسن له الترمذي".

 وسنشرحه هنا مفصلا، إن شاء الله:محمد بن سعد، الذي يروى عنه الطبري: هو محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية بن سعد بن جنادة العوفي، من"بني عوف بن سعد" فخذ من"بني عمرو بن عياذ بن يشكر بن بكر بن وائل". وهو لين في الحديث، كما قال الخطيب. وقال الدارقطني: "لا بأس به". مات في آخر ربيع الآخر سنة 276. ترجمه الخطيب في تاريخ بغداد 5: 322 - 323. والحافظ في لسان الميزان 5: 174. وهو غير"محمد بن سعد بن منيع" كاتب الواقدي، وصاحب كتاب الطبقات الكبير، فهذا أحد الحفاظ الكبار الثقات المتحرين، قديم الوفاة، مات في جمادي الآخرة سنة 230.

أبوه"سعد بن محمد بن الحسن العوفي": ضعيف جدًّا، سئل عنه الإمام أحمد، فقال: "ذاك جهمي"، ثم لم يره موضعًا للرواية ولو لم يكن، فقال: "لو لم يكن هذا أيضًا لم يكن ممن يستأهل أن يكتب عنه، ولا كان موضعًا لذاك". وترجمته عند الخطيب 9: 136 - 127، ولسان الميزان 3: 18 - 19.

عن عمه: أي عم سعد، وهو"الحسين بن الحسن بن عطية العوفي". كان على قضاء بغداد، قال ابن معين: "كان ضعيفًا في القضاء. ضعيفًا في الحديث". وقال ابن سعد في الطبقات: "وقد سمع سماعًا كثيرًا، وكان ضعيفًا في الحديث". وضعفه أيضًا أبو حاتم والنسائي. وقال ابن حبان في المجروحين: "منكر الحديث. . ولا يجوز الاحتجاج بخبره". وكان طويل اللحية جدا، روى الخطيب من أخبارها طرائف، مات سنة 201. مترجم في الطبقات 7/2/ 74، والجرح والتعديل 1/2/ 48، وكتاب المجروحين لابن حبان، رقم 228 ص 167، وتاريخ بغداد 8: 29 - 32، ولسان الميزان 2: 278.

عن أبيه: وهو"الحسن بن عطية بن سعد العوفي"، وهو ضعيف أيضًا، قال البخاري في الكبير: "ليس بذاك"، وقال أبو حاتم: " ضعيف الحديث". وقال ابن حبان: "يروى عن أبيه، روى عنه ابنه محمد بن الحسن، منكر الحديث، فلا أدري: البلية في أحاديثه منه، أو من أبيه، أو منهما معًا؟ لأن أباه ليس بشيء في الحديث، وأكثر روايته عن أبيه، فمن هنا اشتبه أمره، ووجب تركه". مترجم في التاريخ الكبير 1/2/ 299، وابن أبي حاتم 1/2/ 26، والمجروحين لابن حبان، رقم 210 ص 158، والتهذيب.

عن جده: وهو"عطية بن سعد بن جنادة العوفي"، وهو ضعيف أيضًا، ولكنه مختلف فيه، فقال ابن سعد: "كان ثقة إن شاء الله، وله أحاديث صالحة. ومن الناس من لا يحتج به"، وقال أحمد: "هو ضعيف الحديث. بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير. وكان الثوري وهشيم يضعفان حديث عطية". قال: صالح". وقد رجحنا ضعفه في شرح حديث المسند: 3010، وشرح حديث الترمذي: 551، وإنما حسن الترمذي ذاك الحديث لمتابعات، ليس من أجل عطية. وقد ضعفه النسائي أيضًا في الضعفاء: 24. وضعفه ابن حبان جدًّا، في كتاب المجروحين، قال: ". . فلا يحل كتبة حديثه إلا على وجه التعجب"، الورقة: 178. وانظر أيضًا: ابن سعد 6: 212 - 213 والكبير البخاري 4/1/ 8 - 9. والصغير 126. وابن أبي حاتم 3/1/ 382 - 383. والتهذيب.أهـ

وقال بعض الفضلاء: هذا الإسناد لا يحكم عليه هكذا إلا على طريقة المتأخرين كما فعل الشيخ أحمد شاكر رحمه الله
فلابد من التفريق في الحكم بين أسانيد الحديث وأسانيد التفسير وأسانيد التاريخ
أما هذا الإسناد فهو من الطرق المشهورة عند المفسرين
وقد أخرج له ابن أبي حاتم والطبري وهما من أصح التفاسير
فابن أبي حاتم اشترط الصحة في تفسيرة, ومعلوم منزلة ابن ابي حاتم في العلل
وأما تفسير الطبري, فقد قال فيه شيخ الإسلام إنه أصح التفاسير
وأردت من هذه المقدمة أن أبين منزلة الكتابين لأبين أن أكثر ما فيها هي آثارة صحيحه وإن ضعفها بعض المتأخرين وذلك أن منهج المتأخرين يُخالف منهج المتقدمين
وبالنسبة لهذا الإسناد:
محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي عن أبيه عن عمه الحسين
عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس ( مرفوعا أو موقوفا )
وهذا بالنظر إلى منهج المتأخرين فهو إسناد مسلسل بالضعفاء
أما بالنظر إلى منهج المتقدمين أهل الصنعة فإن هذا الاسناد مقبول لقرائن منها:
أن هذا الإسناد نسخة مكتوبة بدليل قول ابن جرير وابن ابي حاتم : محمد بن سعد فيما كتب إلي أبي
والنسخة المكتوبة تقبل, لأن الجرح إنما هو في حفظ الراوي لا في عدالته، وما دامت مكتوبة .. فإنها مقبولة
ثم إن من قرائن القبول أن الاسناد من بيت واحد، وأهل البيت أعلم بضبط مرويات من فيها
وعلى هذا فإن الإسناد  من الأسانيد المقبولة التي لا يُرد مثلها.
وقد سمعت شيخنا المحدث عبدالعزيز الطريفي يصححها.أهـ

[1197] -  سيرة ابن هشام ( 2/102- ت السقا) وأخرجه ابن جرير- من طريق ابن إسحاق- في تفسيره ( 7/ 406 رقم 8243) ط الرسالة ت:أحمد شاكر.و أنظر  البداية والنهاية(4/52)

[1198] -  أنظر  البداية والنهاية(4/70) ط احياء التراث العربي

[1199] - البخاري(5/103 رقم 4086) حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،به. و أطرافه 3045 ، 3989 ، 7402 و أخرجه أحمد(2/310 رقم 8082)

[1200] -  البخاري(4087) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو به

[1201] -  البخاري(3989) وأحمد (7915) والنسائي في الكبرى(8839)

[1202] -  البخاري(3045) قال:حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ أَبِى سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِىُّ - وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِى زُهْرَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِى هُرَيْرَةَ - أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ به

[1203] - سيرة ابن هشام(4/96-97) (2/169-السقا)

[1204] - أخرجه ابن سعد في الطبقات(2/55- 56 ط صادر) قال: أخبرنا عبد الله بن إدريس الأودي، أخبرنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الظفري، وأخبرنا معن بن عيسى الأشجعي، أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عمر بن أسيد بن العلاء بن جارية به.وهو في مسند أحمد(7915-أرنؤوط) وهو طريق آخر لحديث البخاري السابق فالتابعي عمر بن أسيد   شيخ ابن شهاب الزهري هنا هو نفسه عَمْرُو بْنُ أَبِى سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِىُّ في حديث البخاري.

[1205] - - أي:تُعْلمني إذا أرادوا قتلي

[1206] - - الطبقات لابن سعد (2/56)

[1207] - سيرة ابن هشام(4/99) وذكره أيضًا  ابن سعد(2/56) بسنده عن ابن اسحاق عن عاصم بن عمر مرسلاً

[1208] - سيرة ابن هشام(4/99-100)  وانظر البداية والنهاية(4/66-68)

[1209] - - سيرة ابن هشام(4/100-101) والمولى هو محمد بن أبي محمد.والإسناد حسن.وقد  أخرجه ابن جرير في تفسيره(4/230 رقم 3962 )وابن أبي حاتم في تفسيره (2/365 رقم 1906) كلاهما من طريق ابن إسحاق قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى آلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به.

[1210] - وانظر البداية والنهاية(4/66-68)

[1211] - طبقات ابن سعد (2/52)

[1212] - مغازي موسى بن عقبة(ص 207) وذكره الذهبي في السير(1/433-434) وهذا مرسل صحيح .وأخرجه ابن سعد(2/54) بسنده عن ابن شهاب به.ووصله ابن جرير من وجه أخر عن ابن كعب بن مالك عن كعب.كما قال محققه.

[1213] -  - صحيح البخاري كتاب المغازي (4088) حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسِ. وأطرافه 1001 ، 1002 ، 1003 ، 1300 ، 2801 ، 2814 ، 3064 ، 3170 ، 4089 ، 4090 ، 4091 ، 4092 ، 4094 ، 4095 ، 4096 ، 6394 ، 7341 .

 

[1214] - صحيح البخاري كتاب المغازي (4090) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ به.. ورواه مسلم(677) . وذكره ابن سعد في الطبقات (2/53) عن محمد بن عبد الله عن سعيد به.

[1215] - صحيح البخاري كتاب المغازي (4091 ) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسُ به.

[1216] - صحيح البخاري كتاب المغازي (4092 ) حَدَّثَنَا حِبَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ، حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ به .

[1217] -  - ابن هشام(3/106-109) هذا الخبر مرسل حسن الإسناد، وقد صرح ابن اسحاق بالتحديث.

 

[1218] -  -  ابن هشام(3/108)هذا الخبر مرسل حسن الإسناد  ، أرسله عروة بن الزبير، وقد صرح ابن اسحاق بالتحديث.ورواه البخاري في صحيحه (4093)من غير طريق اين اسحاق  –

 

[1219] -  -  سيرة ابن هشام(4/106-109)  والبداية والنهاية(4/75-76) وتاريخ الطبري(2/81-82) وذكر موسى بن عقبة في مغازية-في قصة بئر معونة-(ص:205-208) نحو ما ذكره ابن اسحاق

 

[1220] -  - صحيح البخاري كتاب المغازي (4093 ) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ به.و أطرافه 476 ، 2138 ، 2263 ، 2264 ، 2297 ، 3905 ، 5807 ، 6079

[1221] -  - البداية والنهاية(4/75)

 

[1222] -  - البداية والنهاية(4/75)

 

[1223] -  -  سيرة ابن هشام(4/108). ضعيف الإسناد للجهالة ولعدم اتصاله.  

 

[1224] -  -  الطبقات لابن سعد (2/54) أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عاصم قال: سمعت أنس به..وسنده صحيح.رجاله رجال الشيخين.

 

[1225] - - سيرة ابن هشام(4/110-111) مرسل .أرسله يزيد وهو ثقة.

[1226] - - البخاري(4884) ومسلم (1746)قالا: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ به..وأطرافه في البخاري 2326 ، 3021 ، 4031 ، 4032 ورواه أحمد(2/123 رقم  6054)

[1227] - - وهما سهل بن حنيف ،وأبو دجانة:سماك بن خرشة .على ما ذكر ابن إسحاق

[1228] - - سنن أبي داود(3004 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ به.. وقال الألباني: صحيح الإسناد.ولعل هذا الحديث هو ما جعل البعض يذكر أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر وقبل أحد.

[1229] - - البخاري(2904) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ به.. وأطرافه 3094 ، 4033 ، 4885 ، 5357 ، 5358 ، 6728 ، 7305         .        ومسلم (1757)  وأحمد(1/25 رقم 171)

[1230] - -  مسلم (1771) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْقَيْسِىُّ كُلُّهُمْ عَنِ الْمُعْتَمِرِ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ أَبِى شَيْبَةَ - حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسٍ..ورواه البخاري

(4120) وأحمد(3/219)

[1231] - -  من الدروس المستفادة من هذه الغزوة :

1) تأكيد خيانة وغدر اليهود وبيان مدى جبنهم وخورهم،قال تعالى: { لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}[الحشر (14)]

2) الحصار أسلوب من أساليب الحرب .

3) المنافقون أيديهم وقلوبهم مع الأعداء .

4) حكم تقسيم الفيء جاء به القرآن في هذه الغزوة.

5) إيثار الأنصار للمهاجرين ،فقد رضوا بأن تقسم الأموال التي حازوها من بني النضير بين إخوانهم المهاجرين . ولم يأخذ  الأنصار منها شيئا إلا رجلين منهم فقط لفقرهم .

 

[1232] - -  ابن هشام(4/118) ، و قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا قِيلَ لَهَا غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ ، لِأَنّهُمْ رَقّعُوا فِيهَا رَايَاتِهِمْ ، وَيُقَالُ ذَاتُ الرّقَاعِ : شَجَرَةٌ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ الرّقَاعِ .أهـ.قلت: ولهذه التسمية سبب ثالث: أن الحجارة أوهنت أقدامهم فُلفُّوا عَلَيها الْخِرَقَ والرقاع ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ .

[1233] - -   البخاري(5/115 ) معلقا

[1234] - -   البخاري(4128)  َحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى به.. ورواه مسلم(1816)

 

([1235]) انظر: المغازي للواقدي (1/395).

([1236]) انظر: الطبقات لابن سعد (2/61).

[1237] - -  ابن هشام(4/119) سنده حسن ويؤيده حديث مسلم وأحمد بعده

[1238] - -  ابن هشام(4/119-120)

[1239] - -  مسلم(1/576 رقم 843) و حدثنا أبو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ،حدثنا عَفَّانَ حدثنا أَبَانٍ، حدثني يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ  به..علقه البخاري (4136 ) بصيغة الجزم عن أبان به

[1240] - -   أحمد(3/364رقم 14971) حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ جَابِرِ به.. وقال الأرنؤوط:حديث صحيح رجاله ثقات.

[1241] - -   البخاري(4134) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ عَنْ جَابِرِ به..وطرفه(2910 )

[1242] - -  ابن هشام(4/122-123) قال ابن اسحاق: حدثني عَمّي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ عَقِيلِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ جَابِرِ به. وسنده حسن كلهم ثقات. وعقيل مقبول كما قال ابن حجر.

ومن هذه الحادثة يمكننا أن نستخلص دروسًا وعبرًا منها:

أ- اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأمن الجنود, ويظهر ذلك في اختياره رجلين من خيار الصحابة لحراسة الجيش ليلاً.

ب- تقسيم الحراسة، ونلاحظ أن الرجلين اللذين أنيطت بهما حراسة الجيش قد اقتسما الليل نصفين، نصفًا للراحة ونصفًا للحراسة، إذ لا بد من راحة جسم الجندي بعض الوقت.

ج- التعلق بالقرآن الكريم وحب تلاوته: فقد كان حبه للتلاوة قد أنساه آلام السهام التي كانت تنغرس في جسمه وتثج الدم منه بغزارة.

د- الشعور بمسئولية الحراسة: فلم يقطع عباد صلاته لألم يشعر به وإنما قطعها استشعارًا بمسئولية الحراسة التي كلف بها، وهذا درس بليغ في مفهوم العبادة والجهاد([1242]).

هـ- مكان الحراسة استراتيجي: اختار النبي صلى الله عليه وسلم فم الشعب مكان إقامة الحرس، وكان هذا الاختيار في غاية التوفيق؛ لأنه المكان الذي يتوقع العدو منه لمهاجمة المعسكر.

و- قرب مهجع الحرس من الحارس: ولذلك استطاع الحارس أن يوقظ أخاه النائم، ولو كان المهجع بعيدًا عن الحارس لما تمكن من إيقاظ أخيه، وبالتالي يحدث ما لا تحمد عقباه.[ انظر السيرة للصلابي

 

[1243] -سيرة ابن هشام(4/120-121) وسنده حسن.وهب بن كيسان مولى آل الزبير ثقة.ويروي عن جابر كما قال الحافظ .

ومما يستفاد من هذه الغزوة :

1)     شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم ورباطة جأشة وكمال ثقته في الله تعالى وذلك واضح من قصة غورث بن الحارث .

2)     رفقه وحسن معاملته بأصحابه كما فعل مع جابر .

3)     اهتمام القائد بحراسة الثغور وانتداب من يصلح لهذه المهمة .

4)     مشروعية صلاة الخوف مما يدل على أهمية الصلاة وأنها لا تسقط عن العبد حتى في الحرب.

[1244] - أخرجه النسائي في «الكبرى» (11017) ، والطبراني (11632) من طريق محمد بن منصور الجواز به. وهو ثقة، ولذلك قال الحافظ في «الفتح» (8/ 228) : ورجاله رجال الصحيح، إلا أن المحفوظ إرساله عن عكرمة ليس فيه ابن عباس.

 

[1245] -سيرة ابن هشام(4/ 123-124) أرسله ابن إسحاق ولم يسنده

[1246] - انظر:البداية والنهاية (4/103-104)

[1247] -سيرة ابن هشام(4/ 125)

[1248] - من فوائد هذه الغزوة :

1) هذه الغزوة ترمي إلى أهداف عديدة، فهي غزوة، وحرب استطلاعية تمسح الجزيرة العربية، وتتعرف على مراكز القوى فيها، وهي حرب إعلامية تأتي على أعقاب بدر الموعد، وتستثمر انتصاراتها، وهي حرب عسكرية تريد أن تصد هجومًا محتملاً على المسلمين حيث ضوى إليها قوم من العرب كثير يريدون أن يدنوا من المدينة، وهي حرب سياسية تريد أن تجهض من تحركات القبائل المحتمل أن تتحرك بعد أنباء غزوة أحد لتقصد المدينة وتسبيحها .

2) كانت غزوة دومة الجندل بعيدة عن المدينة من جهة الشام، إذ بينها وبين دمشق ما لا يزيد عن خمس ليالٍ، وقد كانت بمثابة إعلان عن دعوة الإسلام بين سكان البوادي الشمالية وأطراف الشام الجنوبية، وأحسوا بقوة الإسلام وسطوته, كما كانت لقيصر وجنده، كما أن سير الجيش الإسلامي هذه المسافات الطويلة قد كان فيه تدريب له على السير إلى الجهات النائية، وفي أرض لم يعهدها من قبل, ولذلك تعتبر هذه الغزوة فاتحة سير الجيوش الإسلامية للفتوحات العظيمة في بلاد آسيا وأفريقيا فيما بعد

3) كانت هذه الغزوة دورة تربوية رائعة وقاسية وشاملة يقودها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه ألف من أصحابه، فيتلقون فيها كل لحظة دروسًا في الطاعة والانضباط، ودروسًا في التدريب الجسمي والعسكري والتحمل لمشاق الحياة وصعوباتها .

4) تعيين صلى الله عليه وسلم سباع بن عرفطة الغفاري واليًا على المدينة تجربة جديدة، فهو ليس أوسيًّا ولا خزرجيًّا ولا قرشيًا, بل من غفار التي كانت تعتبر من سراق الحجيج عند العرب، فلا بد لهذا الجيل أن يتربى على الطاعة والانضباط للأمير أيا كان شأن هذا الأمير، وهذا يدل على عظمة المنهج النبوي في تربية الأمة والارتقاء بها, وعلى عظمة قيادة النبي صلى الله عليه وسلم وفراسته في أتباعه وثقته فيهم ومعرفته لمواهبهم، فهو صلى الله عليه وسلم على معرفة بكفاءة سباع بن عرفطة الغفاري وعبقريته وقدرته على الإدارة الحازمة، فكان صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه وهو غائب عن المدينة لكي يهيمن منهج رب العالمين على المسلمين، ويصنع منها أمة واحدة تسمع وتطيع لكتاب ربها وسنة نبيها.[السيرة للصلابي

 

[1249] - رواه ابن حزيمة في صحيحه (2500 ) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؛إسناده حسن. وهو في "الموطأ" (2/ 227 - 228) ن 6: 210 من طريق مالك.

[1250] - رواه ابن حزيمة في صحيحه (2501 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي يَعْلَى -وَهُوَ ابْنُ حَكِيمٍ- أَنَّ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ، قَالَ:أَنْبَأَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فذكره. : إسناده صحيح، ورجاله كلهم ثقات، وهو في "المسند" (1/ 333) من طريق آخرين عن ابن جريج به. وتابعه عنده (1/ 370) عمرو بن دينار عن عكرمة به. وأخرجه في الوصايا من الوجهين -

([1251])بطن:أي  فرع.                                                  

([1252]) انظر: حديث القرآن عن غزوات الرسول (1/311).

([1253])البخاري(5/115)                                                  

([1254]) من أراد مزيدًا من التفصيل فليرجع إلى مرويات غزوة بني المصطلق، ص97.

([1255]) انظر: صحيح السيرة النبوية للعلي، ص332.

([1256]) حديث القرآن الكريم عن غزوات الرسول (1/315).

([1257])  سيرة ابن هشام(4/177) وهكذا ذكره مرسلا عن هؤلاء التابعين الذين سماهم وسنده حسن.

([1258])  سيرة ابن هشام(4/177)

([1259])   البخاري(2541) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: فذكره.. ومسلم(1730)عن مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، عن ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ به.

ومعنى(غارون) غافلون أي أخذهم على غرة وبغتة. (أنعامهم) هي الإبل والبقر والغنم وأكثر ما تطلق على الإبل. (مقاتلتهم) البالغين الذين هم على استعداد للقتال. (سبى ذراريهم) أخذهم سبيا ووزَّعَهم على الغانمين بعد أن ضرب عليهم الرق. والذراري جمع ذرية وهي ههنا النساء والأولاد غير البالغين. (أصاب يومئذ جويرية) أي كانت في السبي]

([1260])  سيرة ابن هشام(4/180)

([1261])  سيرة ابن هشام(4/177)

([1262])  سيرة ابن هشام(4/180)

([1263])  سيرة ابن هشام(4/180)

([1264])  سيرة ابن هشام(4/181) قال ابْنُ إِسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ به. وسنده حسن فقد صرح ابن إشحاق بالتحديث.وأخرجه أحمد(6/277 رقم 26408) وأبو داود( 3931) كلاهما من طريق ابن اسحاق به. وقال الأرنؤوط:إسناده حسن من أجل محمد ابن اسحاق..وحسنه الألباني.

([1265])  سيرة ابن هشام(4/181-182)  

([1266]) -      البخاري(4138) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ به

([1267])-     البخاري(4901) حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ به.. وأخرجه أحمد  (4/373 رقم 19352)

([1268]) - البخاري(6/153 رقم 4903) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ زيد فذكره..ورواه مسلم(2772)

([1269])  -  البخاري(4/183رقم 3518) حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ به. ومسلم(2584)

 

([1270]) -  الترمذي(3313) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ به..وقال: هذا حديث حسن. وصححه الألباني والحاكم(2/531) ووافقه الذهبي.وأخرجه ابن أبي شيبة في مسنده(1/356 رقم 521) عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى به.والطبراني في الكبير( 5/186 رقم 5041) قال:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ، قَالَا: ثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى به

 

([1271]) – سيرة ابن هشام (4/179-180) والبداية والنهاية(4/162) .وهومن مراسيل عاصم وهو ثقة    

 

([1272]) –      البداية والنهاية(4/163)       

([1273]) – سيرة ابن هشام (4/178-179)    

([1274]) -   مسلم(4/2145 رقم 2782) قال: حَدَّثَنِى أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا حَفْصٌ - يَعْنِى ابْنَ غِيَاثٍ - عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى سُفْيَانَ  عَنْ جَابِرٍ به.  

 

([1275]) -   البخاري(2661) حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَأَفْهَمَنِي بَعْضَهُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ به.. ثم قَالَ: وَحَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ قَالَ وَحَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مِثْلَهُ.

 

([1276]) -  سيرة ابن هشام(4/185)       

 

([1277]) -  سيرة ابن هشام(4/189)       

 

([1278]) -  الحصان: العفيفة . والرزان:الملازمة بيتها. ماتزن: أي ماتُتَهم..وغرثى: أي جائعة

 

([1279])  البخاري(1/74 رقم 334) :حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ به.

 

([1280]).  أحمد(6/57 رقم 24344) حدثنا ابن نمير عن هشام عن أبيه عن عائشة به..وهو في الصحيحين :البخاري (336) ومسلم(367) .

([1281]).كما في صحيح البخاري"رقم (2661) كتاب: الشهادات، باب: تعديل النساء بعضهن بعضًا، أنه ضاع عقدها في قصة الإفك. ورواه مسلم أيضا (2770) كتاب: التوبة، باب: في حديث الإفك.

([1282])."معجم ما استعجم" 3/ 905.

([1283]).  قد استنبط العلماء من هذه الغزوة عدة فوائد وأحكام منها :

1-                 مشروعية القرعة بين النساء عند إرادة السفر ببعضهن .

2-                 جواز الإغارة على من بلغتهم دعوة الإسلام دون إنذار .

3-                 ذم العصبية الجاهلية (دعوها إنها منتنة).

4-                 صحة جعل العتق صداقًا كما فعل صلى الله عليه وسلم مع جويرية بنت الحارث في هذه الغزوة ..

5-                 جواز استرقاق العرب كما حدث في هذه الغزوة وهو قول جمهور العلماء.

6-                 تكفير من اتهم عائشة بالفاحشة بعد براءتها براءة قطعية بنص القرآن لأنه معاند للقرآن وقد أجمع العلماء قاطبة على ذلك .

7-                 وجوب حد القذف وأهميته في المحافظة على أعراض المسلمين .

8-                 الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب لذلك لم يعلم ببراءة عائشة إلا بعد نزول الوحي ببراءتها.

9-                 جواز العزل عن الأَََمة وعن الزوجة الحرة بإذنها وهو مذهب الجمهور .

10-             الشدة يعقبها الفرج كما حدث عقب حادثة الأفك ، ورخصة التيمم بعد فقد الماء.

 

 

([1284]) انظر: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص443.

([1285]) انظر: المغازي (2/440) بدون إسناد.

([1286]) الطبقات (2/65، 73) بإسناد متصل.

([1287]) انظر: البداية والنهاية (4/105).

([1288]) انظر: جوامع السيرة لابن حزم ، ص185.

([1289]) صحيح البخاري(4097) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ به

([1290]) انظر: دلائل النبوة للبيهقي (3/396).

([1291]) انظر: الفتح (3/396).

[1292] -  - سيرة ابن هشام (4/126)

[1293] - - سيرة ابن هشام (4/127)

[1294] - -البخاري( 4100 و 2835) حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ به. أطرافه 2834 ، 2835 ، 2961 ، 3795 ، 3796 ، 4099 ، 6413 ، 7201 تحفة 1043ورواه مسلم (2789),مسند أحمد (2/327).

[1295] - - البخاري(4099) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ به.. ومسند أحمد (2/535).

[1296] - - البخاري(4098) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ به.ومسلم (1804),مسند أحمد (5/332).

[1297] - صحيح البخاري كتاب المغازي (4106) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،به.,مسند أحمد (4/302).

[1298] -  -النسائي(3176)وفي الكبرى(4385) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ السَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي سُكَيْنَةَ به..  و أخرج أبو داود (4/112 ، رقم 4302) آخره.

[1299] -الطَّبَرَانِيّ في الكبير(13/27رقم 54) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَلُّولٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو به. سنده ضعيف وقال ابن كثير في تاريخه(4/100): غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ الْأَفْرِيقِيُّ ضَعيْفٌ أهـ. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/131) ، وقال: «رواه الطبراني بإسنادين، في أحدهما حيي بن عبد الله؛ وثقه ابن معين، وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح» .

ورواه الحارث بن أبي أسامة في "المسند"- كما في "المطالب العالية" (17/396 رقم 4276) - من طريق أبي إسحاق الفزاري، عن رجل من الأنعم، عن عبد الله بن يزيد الحبلي، به.

[1300] -الطَّبَرَانِيّ في الكبير(11/ 376 رقم 12052) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ حَدثنَا أَبُو نميلَة، حَدثنَا نعيم بن سعيد العنبرى، أَنَّ عِكْرِمَةَ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به... وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/132) ، وقال: « رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد ونعيم العنبري وهما ثقتان".

[1301]  - أحمد(4/303 رقم18717 ) وابن أبي شيبة(7/378 رقم36820 )قالا:هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ , قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ , عَنْ مَيْمُونٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ به.. وأخرجه أبو نُعيم في "الدلائل" (430) ، والبيهقي في "الدلائل" 3/421، والخطيب في "تاريخ بغداد" 1/131-132 من طريق هوذة بن خليفة، بهذا الإسناد.

وَ ذكره ابن كثير في البداية (4/101) ثم قال:هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أَيْضًا تَفَرَّدَ بِهِ مَيْمُونُ بْنُ أُسْتَاذٍ هَذَا، وَهُوَ بَصْرِيٌّ رَوَى عَنِ الْبَرَاءِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَنْهُ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ وَالْجَرِيرِيُّ وَعَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ.

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ: كَانَ ثِقَةً. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ.أهـ

وأيضا أخرجه أحمد(4/303 رقم18716 ) عن محَمَّدُ بْنُ جَعْفَر عن عَوْفٌ به..

وأخرجه النسائي في "الكبرى" (8858) ، وأبو يعلى (1685) من طريقين عن عوف، بهذا الإسناد.

وأورده الهيثمي في "المجمع" 6/130- 131، وقال: رواه أحمد، وفيه ميمون أبو عبد الله، وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات أهـ.

والحديث حسن لغيره.قال الأرنؤؤط: إسناده ضعيف لضعف ميمون أبي عبد الله- ويقال له: ميمون بن أَستاذ- وهو البصري، فقد نقل الأثرم عن أحمد قوله: أحاديثه مناكير، وقال ابن معين: لا شيء، وقال أبو داود: تكلم فيه، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: كان يحيى القطان سيِّئَ الرأي فيه، وقال النسائي وأبو أحمد الحاكم:ليس بالقوي، وقال ابن المديني: سألت يحيى بنَ سعيد عن ميمون أبي عبد الله الذي روى عنه عوف، فحمَّض وجهه وقال: زعم شعبة أنه كان فَسْلاً. قلنا: ومع ذلك حسَّن الحافظ إسناده في "الفتح" 7/397! وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. عوف: هو ابن أبي جميلة الأعرابي.قلنا: وله أصل في الصحيح من حديث جابر عند البخاري (4101) ، وفيه: فأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المِعْوَل، فضرب في الكُدْية، فعاد كثيباً أهْيَلَ أو أهْيَمَ وليس فيه الزيادة التي في رواية أحمد.أهـ

 

[1302] - - سيرة ابن هشام (4/128)  ميناء بن سعد تابعي من رجال البخاري ولكن لم يذكر من روى عنه.

[1303] - - صحيح البخاري(4101) :حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فذكره

[1304] - - صحيح البخاري(4113) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ به.

[1305] - - صحيح البخاري(3720) : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ به

[1306] - - سيرة ابن هشام (4/131-132)  وهو من مراسيل الإمام الزهري.وروى الطبراني نحو هذه القصة في معجمه الكبير بسند متصل ،وحسن.

[1307] - -    الحاكم:(3/33 رقم 4326) أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن محمد بن عبد الرحمن عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس به.وقال: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه،ووافقه الذهبي

 

[1308] - -   الحاكم (3/34 رقم 4327) قال:حدثنا لؤلؤ بن عبد الله المقتدري في قصر الخليفة ببغداد ثنا أبو الطيب أحمد بن إيراهيم بن عبد الوهاب المصري بدمشق ثنا أحمد بن عيسى الخشاب بتنيس ثنا عمرو بن أبي سلمة ثنا سفيان الثوري عن بهز بن حكيم به..وهو موضوع .قال الذهبي: قبح الله رافضيا افتراه

 

[1309] - - البخاري(4112) حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جابر به

[1310] - - البخاري(4111) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ علي به.. والصلاة الوسطى هي صلاة العصر كما فسرتها روايات أخرى .

[1311] - - سيرة ابن هشام (4/134)

[1312] - - سيرة ابن هشام (4/134)  وإسناده حسن، فقد صرح فيه ابن اسحاق بالتحديث ،وشيخه أبو ليلى عبد الله بن سهل ذكره ابن حبان في الثقات(برقم 3672) وأنه ممن يروي عن عائشة وعن سهل بن أبي حثمة., وقد أخرج له البخاري في الصحيح(في الأحكام) بسنده عن الإمام مالك عنه عن سهل بن أبي حثمة .

[1313] - - سيرة ابن هشام (4/134)

[1314] - - انظر صحيح السيرة النبوية ص 365

[1315] - - سيرة ابن هشام (4/136) ودلائل النبوة للبيهقي(3/445) والبداية والنهاية(4/111)

[1316] - - صحيح البخاري(2933) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ به.

[1317] - -   مسلم(4/1414 رقم 1788) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ به

 

[1318] - -  الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ(3/451-454) " قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن حاتم الداربردي بمرو قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي ، حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَخِي حُذَيْفَةَ به

[1319] - -  الحاكم(3/33رقم 4325) :أخبرنا أبو بكر أحمد بن كامل القاضي ثنا عيسى بن عبد الله الطيالسي ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا يوسف بن عبد الله بن أبي بردة عن موسى بن المختار عن بلال العبسي عن حذيفة به.. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي .

[1320] - -   البخاري(4114) ومسلم(2724) قالا: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أَبِي هُرَيْرَةَ به .

[1321] - -  البخاري(4105) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ به .

[1322] - -   البخاري(4109) حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ به .

[1323] - - مسند أحمد (4/262) حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ t فذكره

[1324] - - من الدروس المستفادة من هذه الغزوة:

1) ابتكار خطط عسكرية جديدة ليفاجأ بها العدو كما فاجأ النبي صلى الله عليه وسلم الكفار بحفر الخندق .

2) القائد يشارك رعيته وجنوده العمل والآلام والصعاب .

3) على القائد تبشير جنوده بالنصر ورفع الروح المعنوية لديهم .

4) حكمة النبي القائد صلى الله عليه وسلم في قيادة المعركة وفي توزيع الحراسة وفي حماية النساء والذراري وفي إرسال العيون وفي وصيته لحذيفة بن اليمان عندما أرسله ليأتي بخبر أبي سفيان وجنوده بألا يحدث شيئا يذعر المشركين  حتى يأتيه.

5) الحرب خدعة وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لنعيم بن مسعود في خدعته للمشركين .

6) الله عز وجل  يدافع عن أوليائه { وما يعلم جنود ربك إلا هو }

7) نبوءات النبي صلى الله عليه وسلم بفتح فارس واليمن والشام وتأييد الله له بالمعجزات كتكثير الطعام .

8) البلاء يميز المؤمن الصادق من المنافق ،فالمؤمنون صدقوا ،قال تعالى{ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا }[الأحزاب(22)]  والمنافقون شككوا، قال تعالى{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا } [الأحزاب(12)]

9) رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة والمثل الأعلى في السلم والحرب ،قال تعالى :{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب (21)]

10)  فضل صلاة العصر وأنها هي الصلاة الوسطى .

11) جواز الدعاء على الكافرين كما دعا النبي عليهم لأنهم شغلوه عن الصلاة الوسطى(صلاة العصر)حتى غابت الشمس.

12) استدل  بعض العلماء على مشروعية قضاء الفائتة بأن النبي صلى العصر يوم الأحزاب بعد غروب الشمس.

13) أنشأ المسلمون أول مستشفى حربي ميداني في هذه الغزوة فضربت لذلك خيمة في المسجد ، وكانت رفيدة الأسلمية الأنصارية تداوي فيها الجرحى  ومنهم سعد بن معاذ سيد الأوس .

 

[1325]  - صحيح البخاري( 4117) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ به

[1326]  - أحمد(6/280 رقم 26442) وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ به.. وقال الأرنؤوط: صحيح على شرط مسلم

[1327]   -   . وذكر ابن حزم أن الذين صلوا العصر في بني قريظة هم المصيبون والآخرون مخطئون مأجورون وقال: علم الله لو كنا هناك لم نصل العصر إلا في بني قريظة و لو بعد أيام .

وابن حزم معذور لأنه من كبار الظاهرية و لا يمكنه العدول عن هذا النص ، وقال غيره: الكل مصيب و ذلك أنه صلى الله عليه و سلم لم يعنف أحدا من الفريقين وهؤلاء يقولون بتصويب كل مجتهد فعندهم كل منهما مصيب و لا ترجيح، و لكن الصواب أن المصيب واحد لأن الحق لا يتعدد كما قال مالك رحمه الله ـ و هو الحق لاشك فيه و لامرية لدلائل من الكتاب و السنة كثيرة ـ وعلى ذلك فأحد الفريقين مصيب وله أجران بإصابة الحق و للفريق الآخر أجر ، ولذلك لم يعنف النبي أحًدا فالكل مأجور، و فالذين صلوا العصر في وقتها حازوا قصب السبق لأنهم امتثلوا أمره صلى الله عليه و سلم في المبادرة إلى الجهاد و فعل الصلاة في وقتها و لا سيما صلاة العصر التي أكد الله سبحانه المحافظة عليها في كتابه بقوله تعالى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى }[البقرة:238 ] و هي العصر على الصحيح المقطوع به إن شاء الله و التي جاءت السنة بالمحافظة عليها فإن قيل : كان تأخير الصلاة للجهاد حينئذ جائزا كما أنه صلى الله عليه و سلم أخر العصر و المغرب يوم الخندق و اشتغل بالجهاد -و الظهر أيضا كما جاء في حديث رواه النسائي من طريقين - فالجواب أنه بتقدير تسليم هذا فإنه تركها يومئذ نسيانا لما هو فيه من الشغل كما جاء في الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الأحزاب : (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم و بيوتهم نارا) وقد تأسف على ذلك كما في حديث عمربن الخطاب .

و الحاصل أن الذين صلوا العصر في الطريق جمعوا بين الأدلة و فهموا المعنى فلهم الأجر مرتين ،والآخرين أخذوا بظاهر النص وحافظوا على أمره الخاص فلهم الأجر رضي الله عن جميعهم و أرضاهم .

[1328] - - صحيح البخاري(946) ومسلم(1770) قالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ به

[1329] - - صحيح البخاري(4118) حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَنَسٍ به

[1330] - -  الحاكم في المستدرك(3/37 رقم 4332) أخبرنا أبو بكر أحمد بن كامل القاضي ثنا محمد بن موسى بن حماد البربري ثنا محمد بن إسحاق أبو عبد الله المسيبي ثنا عبد الله بن عمر(العمري) عن أخيه عبيد الله بن عمر عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ به.. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين فإنهما قد احتجا بعبد الله بن عمر العمري في الشواهد و لم يخرجاه ،ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير:َلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ جَيِّدَةٌ، عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا.

 

[1331] - - صحيح البخاري(4123) حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ فذكره

[1332] - - صحيح البخاري(4124)قال: وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ البَرَاءِ فذكره

[1333] - - سيرة ابن هشام (3/ 139-141)

[1334] - - صحيح البخاري( 4121) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فذكره

[1335] - - صحيح البخاري( 4122) حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ به

[1336] - -  أحمد(6/141رقم 25140) حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ به.. وقال:شعيب الأرنؤوط : بعضه صحيح وجزء منه حسن وهذا إسناد فيه ضعف ، عمرو بن علقمة لم يرو عنه غير ابنه محمد . وَقال ابن كثير:هَذَا الْحَدِيثُ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ

[1337] - -  سيرة ابن هشام(4/146) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : َحَدّثَنِي شُعْبَةُ بْنُ الْحَجّاجِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عن عطية القرظي..ورجال الإسناد ثقات وقد صرح ابن اسحاق بالتحديث فالحديث حسن الإسناد.

[1338] - -  الحاكم (3/37 رقم 4333) قال:حدثنا أبو بكر بن إسحاق أنبأ أبو مسلم ثنا حجاج بن منهال ثنا حماد بن سلمة عن عبد الملك بن عمير قال حدثني عطية القرظي به..وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه و له طرق عن عبد الملك بن عمير منهم الثوري و شعبة و زهير..ووافقه الذهبي .ورواه الطبراني في الكبير( 17/164رقم 435) عن زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، عن عَبْد الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ،عن حَمَّاد بْن سَلَمَةَ به.وأخرجه -بإسناد أعلى - أبو داود(4404) والترمذي(1584) والنسائي(3430)وصححه الألباني.

 

[1339] - -  سيرة ابن هشام (4/ 145  )  قالَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَة َبه

وأخرجه الحاكم (3/38برقم 4334) بسنده عن ابن اسحاق به وقال:هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه ، وسكت عنه الذهبي في التلخيص

و قيل: أن هذه المرأة - وهي بنانة امرأة الحكم القرظي- قُتلت لأنها كانت طرحت على رأس خلاد بن سويد رحى فقتلته  كما في السيرة لابن هشام (4/145)

[1340] - -  سيرة ابن هشام (4/ 147  )

[1341] - -  من الدروس المستفادة:

1) خان يهود بني قريظة خيانة غظمى فجاز قتالهم وقتلهم. ولو نجحت  خطتهم لقضي على المسلمين. ولكن الله خذلهم .

2) المسلم يقع في الإثم ولكنه سرعان ما يتوب كما حدث لأبي لبابة بن المنذر قال تعالى{ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[التوبة(102)]

3) قبول شفاعة آحاد المسلمين في بعض المخالفين – إذا وافق ولي الأمر – فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة أم المنذر سلمى بنت قيس في رفاعة بن سمؤال القرظي فوهبه النبي صلى الله عليه وسلم لها فأسلم رفاعة بعد ذلك.وهذا يدل أيضًا على تكريم الإسلام للمرأة.

4) إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لمبدأ الاجتهاد في استنباط الأحكام حيث اختلف الصحابة في فهم قوله ((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة )) فمنهم من أخذ بالظاهر فلم يصل العصر إلا في بني قريظة وقد خرج وقته ،ومنهم من رأى أن المقصود من أمر النبي صلى الله عليه وسلم هو الحث على الإسراع والاستعجال  فصلاه عندما دخل وقته ولم ينتظر حتى يصل خشية خروج وقت الصلاة ، ولم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا منهم أو يعاتبه. واستدل به العلماء على عدم تأثيم من اجتهد ، ويستدل به على أدب الخلاف بيين العلماء.

5) منقبة عظيمة  لسعد بن معاذ رضي الله عنه فقد  آثر رضا الله ورسوله على  حلفائه من اليهود ،واستجاب الله دعوته حيث قال((ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة))فأقر الله عز وجل عينه بالانتقام من بني قريظة لخيانتهم ، بل وحكمه الله عز وجل فيهم ، ثم مات شهيدًا بعد أن قرت عينه.واهتز لموته عرش الرحمن وشهد جنازته سبعون ألفا من الملائكة . ويدل على ذلك الحديث الذي أخرجه ابن سعد في ((الطبقات)) (3 / 430) .والنسائي في ((سننه)) (4 / 100 – 101رقم 2055) في كتاب الجنائز، باب ضمة القبر وضغطته.كلاهما من طريق عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله بن عمر، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -: ((لهذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش، وفُتحت له أبواب السماوات، وشهده سبعون ألفًا من الملائكة لم ينزلوا الأرض قبل ذلك، ولقد ضُمَّ ضَمَّة، ثم أفرج عنه)) يعني سعد بن معاذ."هذا لفظ ابن سعد، وفيه زيادة على لفظ النسائي، وسنده صحيح، وصححه الشيخ الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (4 / 268 - 271 / رقم 1695) وجمع طرقه.

([1342]) البخاري ( 4326)حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا،وَأَبَا بَكْرَةَ، فذكره.ورواه مسلم(63) عن ابْن أَبِي شَيْبَةَ عن يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ ، وَأَبي مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ،به

([1343]) انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/491).

([1344]) مسلم في النكاح (2/1048) رقم 1428.

([1345]).انظر: البداية والنهاية (4/147).

([1346]) البخاري (7420) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ به.

([1347]) البخاري (7421) حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ..فذكره.

([1348])أخرجه مسلم  ( رقم 1428) والترمذي(3218) كلاهما قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، به.وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.وَالجَعْدُ هُوَ ابْنُ عُثْمَانَ، وَيُقَالُ هُوَ: ابْنُ دِينَارٍ وَيُكْنَى: أَبَا عُثْمَانَ، بَصْرِيٌّ، وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ رَوَى عَنْهُ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ وَشُعْبَةُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ.أهـ والحديث رواه البخاري( 5163)معلقا فقال:وقَالَ إِبْرَاهِيمُ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ واسْمُهُ الجَعْدُ، به.

شرح:(في تور) قال في النهاية هو إناء من صفر أو حجارة كالإجانة وقد يتوضأ منه (عدد كم كانوا) عدد مقحم (زهاء ثلاثمائة) أي قدر ثلاثمائة (وزوجته) هكذا هو في جميع النسخ وزوجته بالتاء وهي لغة قليلة تكررت في الحديث والشعر والمشهور حذفها (فابتدروا الباب) أي سارعوا إليه للخروج

([1349])أحمد(250 – ت أرنؤوط) حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، وأخرجه البخاري (4483) و (4790) ومن طريقه البغوي في " التفسير " 1 / 113 من طريق يحيى بن سعيد، بهذا الإسناد.

([1350]) انظر: السنة النبوية لأبي شهبة (2/312).

([1351]) المصدر نفسه (2/314).

[1352] -  سيرة ابن هشام(3/166-167)  وإسناده حسن من أجل ابن اسحاق وقد صرح بالتحديث.

[1353] -   المغازي النبوية للزهري (ص:113-115) ط:دار الفكر تحقيق د. سهيل زكار

[1354] -  صحيح البخاري (5/91)

[1355] -  صحيح البخاري (5/91 رقم  4038) حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ به

[1356] -  صحيح البخاري (4039) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ به

[1357] -  صحيح البخاري (4040) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحٌ هُوَ ابْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ به

[1358] - سيرة ابن هشام(4/168)  وقَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " ذُفّفِ " ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ

[1359] -  وفي هذه السرية دروس وعبر كثيرة منها:

1- إن كل أعضاء هذه السرية كانوا من الخزرج فقد حرصوا على أن ينافسوا إخوانهم من الأوس في نصرة الدين.

2- فائدة تعلم لغة العدو: فقد استطاع عبد الله بن عتيك أن يصعد إلى حصن أبي رافع ؛ و خاطبه بلغته: لغة اليهود في ذلك الوقت، ويؤخذ من ذلك استحباب تعلم لغة غير المسلمين لا سيما الأعداء منهم، خاصة لأولئك العسكريين الذين يذهبون لمهمات استطلاعية تجمع أخبار العدو وتزود القيادة بها،

3- عناصر نجاح خطة ابن عتيك في قتل أبي رافع اليهودي: ذهابه وحده، فقد قرر أن يذهب وحيدًا إلى الحصن، ويحاول أن يدخله, ومن ثم يفتش عن طريقة يدخل بها أفراد سريته، تصرفه العادي الذي لم يلفت انتباه أحد من الحراس، قدرته على التمويه على الحارس، وإيهامه أنه يقضي حاجته، وهذا منع الحارس من النظر إليه وتفحصه وتفرسه في وجهه، مراقبة حركة الحارس الدقيقة بعد دخول الحصن وإغلاقه, فقد كمن في مكان لم يشعر به الحارس، وراقب الحارس حتى وضع مفتاح الحصن في مكان معين وتابعه حتى انصرف، وأخذ المفتاح وأصبح يستخدمه كيفما يشاء وفي أي وقت يشاء.

4- عناية الله عز وجل بأوليائه،فهذا الصحابي الجليل استمر بعون من الله تعالى يمشي ويبذل طاقته حتى بعد أن أصيبت رجله، و لا يشكو من علة حتى إذا انتهت مهمته تمامًا، وأصبح غير محتاج لبذل الجهد عاد إليه الألم، وحمله أصحابه، فلما حدث النبي صلى الله عليه وسلم خبره قال له: ابسط رجلك، قال: فبسطت رجلي فمسحها فكأنها لم اشتكها قط .

5- وجود عبد الله بن أنيس جنديًا في هذه السرية، وليس أميرًا فيها له دلالته الكبرى في عملية التربية والتعليم، فهو العقبيُّ البدري المصلي للقبلتين, من السابقين الأولين من الأنصار، فهو مليء بالمجد، ومع ذلك فلم يكن أمير المجموعة، إنما كان أحد أفرادها.[السيرة للصلابي

6- استخدام عبد الله بن عتيك مهارته في تغيير صوته مما سهل له  ضرب  أبي رافع أكثر من مرة.

7- فوائد أخرى من القصة استخرجها ابن حجر [في فتح الباري (7/345)]حيث قال: وفي هذا الحديث من الفوائد:

- جواز اغتيال المشرك الذي بلغته الدعوة وأصر .

- وقتل من أعان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أو ماله أو لسانه،

- وجواز التجسس على أهل الحرب، وتطلب غرتهم والأخذ بالشدة في محاربة المشركين

- وجواز إيهام القوم للمصلحة، وتعرض القليل من المسلمين للكثير من المشركين.

- والحكم بالدليل والعلامة لاستدلال ابن عتيك على أبي رافع بصوته واعتماده على صوت الناعي بموته، والله أعلم..

[1360] - سيرة ابن هشام(3/170)  

[1361] - سيرة ابن هشام(3/170-171) قال ابن إسحاق :وَالْحَدِيثُ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ؛   قلت:هو مرسل حسن الإسناد. وكان من هديه ِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا عاد من سفر أو غزو ذكر الله بما رواه مالك(515 )عن نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ " إِذَا قَفَلَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ غَزْوَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ ثَلاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: لا إِلَه إِلا اللَّهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ "[موطأ مالك رواية محمد بن الحسن الشيباني (ص: 173)]

([1362]) قرية عامرة قديمة على وجه الدهر في طريق مكة من البصرة من نجد.

([1363]) انظر: تاريخ الإسلام للذهبي، المغازي، ص351.    

([1364])المعنى: ذا دم عظيم لا يُهدر، بل يؤخذ ثأره، ففيه الإشارة إلى رياسته في قومه، وقيل المعنى: ذا دم، أي: من أصاب دما، فاستحق به القتل، أي: إن قتلت فلا عليك لاستحقافي القتل، وإن تركت فهو منك إحسان أشكره.

([1365]) أخرجه أحمد(9833 -ت الأرنؤط) حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، قَالَ: حَدَّثَنا سَعِيدٌ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، فذكره. وأخرجه البخاري (462) و (469) و (2422) و (2423) و (4372) ، ومسلم (1764) (59) ، وأبو داود (2679) ، والنسائي 1/109-110، وابن خزيمة (252) ، وأبو عوانة 4/159-161 و161، وابن حبان (1239) ، والبيهقي في "السنن" 1/171، وفي "دلائل النبوة" 4/78-79 من طرق عن الليث بن سعد، بهذا الإسناد - وبعضهم يزيد فيه على بعض. .

([1366])أخرجه أحمد (7361 – ت الأرنؤوط) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .. وقال الأرنؤوط:إسناده قوي.

([1367]) وفي هذه القصة دروس وعبر منها:

1- جواز ربط الكافر في المسجد.

2- جواز المن على الأسير الكافر، وتعظيم أمر العفو عن المسيء، لأن ثمامة أقسم أن بغضه انقلب حبًّا في ساعة واحدة لما أسداه النبي صلى الله عليه وسلم إليه من العفو والمن بغير مقابل.

3- الاغتسال عند الإسلام كما فعل ثمامة حين أسلم.

4- الإحسان يزيل البغض وينبت الحب.

5- يشرع للكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم أن يستمر في عمل ذلك الخير.

6- الملاطفة لمن يرجى إسلامه من الأسارى إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام، ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير من قومه .

7- الإسلام يغير سلوك المؤمن حين يضع المسلم قدراته تحت إمرة الإسلام والمسلمين، كما فعل ثمامة بعدم إرساله القمح لأهل مكة إلا بإذن من الرسول عليه السلام.

8- ينبغي أن يخلع المؤمن على عتبة الإيمان, وعند تركه للكفر, كل علاقاته السابقة، والتزامه بأوامر رب العالمين بعد إيمانه ... انظر السيرة للصلابي

[1368] - البخاري([1368] و4360 ) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ به

[1369] - البخاري (4361)حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الَّذِي حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ فذكره..ورواه مسلم(1935).

[شرح: (الخبط) ما يسقط من ورق الشجر إذا ضربتها بالعصا. (العنبر) اسم لنوع من الحيتان يتخذ من جلدها التروس. (ودكه) شحمه ودهنه. (ثابت) رجعت إلى ما كانت عليه من القوة والسمن ]

[1370] - البخاري (4362) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا فذكره.

* فوائد من هذه السرية :

1) حكمة أبي عبيدة بن الجراح في جمع الأزواد والتسوية بين المجاهدين في التوزيع حتى يستطيع تجاوز هذه الأزمة.

2) صبر الصحابة معه وتضحيتهم في سبيل الله وبركة الامتثال والطاعة لقائدهم ،إذ كانت تكفي أحدهم التمرة إلى الليل ،فأرسل الله عز وجل إليهم طعاما يكفيهم حتى يرجعوا إلى المدينة .
3)كرم قيس بن سعد بن عبادة حيث نحر للجيش ثلاث جزائر ثم ثلاث ثم ثلاث حتى نهاه أبو عبيدة- رقفًا به -قائلا: تريد أن تخفر ذمتك ولا مال لك.وذلك لأن قيسًا استدان هذه النوق من رجل جهني على أن يعطيه تمرًا بدلا منها .

4) جواز أكل ميتة البحر ،قال تعالى { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ }[المائدة:96] و عَنِ ابْنِ عُمَرَ مرفوعا وموقوفا " أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ، وَدَمَانِ. فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ "رواه الشافعي(ص 340) أحمد(2/97 رقم 1795)(وبرقم5723 ت أرنؤوط) وابن ماجة(3314) وحسنه ابن القيم والأرنؤوط وصححه الألباني.

5) قال النووي: في هذا الحديث جواز صد أهل الحرب واغتيالهم والخروج لأخذ  مالهم واغتنامه وأن الجيوش لابد لها من أمير يضبطها وينقادون لأمره ونهيه وأنه ينبغي أن يكون أفضلهم...أهـ شرح النووي على مسلم

[1371] - البيهقي في الدلائل(4/91-92) أخبرنا أبو الحسين بن الفضل ، قال : أخبرنا عبد الله بن جعفر ، قال : أخبرنا يعقوب بن سفيان ، قال : حدثنا إسماعيل بن الخليل ، قال : أخبرنا علي بن مسهر ، قال : أخبرنا هشام بن عروة ، عن أبيه فذكره

[1372] - البيهقي في الدلائل(4/91-92). قال يعقوب : قال حسان بن عبد الله ، عن ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة  فذكره

[1373] -  البخاري(4148) ومسلم(1253) قالا:  حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ به

([1374]) أشعره: إشعار البدن أن يشق أحد جنبي سنام البدنة حتى يسيل دمها، مرويات الحديبية، ص55.

([1375])  البخاري(4149) :حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ به..  وأيضًا أخرجه البخاري تامًا برقم(1822): بنفس الإسناد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ : انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ فَأُنْبِئْنَا بِعَدُوٍّ بِغَيْقَةَ فَتَوَجَّهْنَا نَحْوَهُمْ فَبَصُرَ أَصْحَابِي بِحِمَارِ وَحْشٍ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُهُ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ الْفَرَسَ فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثُمَّ لَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ عَلَيْهِ شَأْوًا فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَقُلْتُ أَيْنَ تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تَرَكْتُهُ بِتَعْهَُِنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَصْحَابَكَ أَرْسَلُوا يَقْرَءُونَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ وَبَرَكَاتِهِ وَإِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يَقْتَطِعَهُمْ الْعَدُوُّ دُونَكَ فَانْظُرْهُمْ فَفَعَلَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا اصَّدْنَا حِمَارَ وَحْشٍ وَإِنَّ عِنْدَنَا فَاضِلَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا وَهُمْ مُحْرِمُونَ .

([1376])  سيرة ابن هشام(4/191)

[1377] -    البخاري(4153) حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ به..ثم قال: تَابَعَهُ أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ قَتَادَةَ

[1378] -    صحيح البخاري  ( َ5/123 رقم  4155) قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى به.. ثم قال: تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شُعْبَة

([1379]) المراد: خرجوا ومعهم النساء والأولاد لئلا يفروا عنهم وهم على الاستعارة.

([1380])  سيرة ابن هشام(3/191)

[1381] -     البخاري(4178-4179) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ حِينَ حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ حَفِظْتُ بَعْضَهُ وَثَبَّتَنِي مَعْمَرٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فذكره

[1382] -     البخاري رقم(2731) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ به...وسيأتي هذا الحديث بتمامه بعد

[1383] - البخاري(4150) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ به  

[1384] -   البخاري(4151) حَدَّثَنِي فَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ أَنْبَأَنَا الْبَرَاءُ به    

[1385] -     البخاري(4152) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ به

[1386] - البخاري ((4147)) حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ به   

([1387])  سيرة ابن هشام(3/196)

[1388] -     البخاري(4169) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ به

([1389])  سيرة ابن هشام(4/196)

[1390] -   : أحمد (3/350 ، رقم 14820) حَدَّثَنَا حُجَيْنٌ وَيُونُسُ قَالَا حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ ، و أخرجه أبو داود (رقم 4653) ، والترمذى (رقم 3860) قال : حسن صحيح .وصححه الألباني.

[1391] -  مسلم (4/1942 ، رقم 2496) : حَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ به . وأخرجه أيضًا : ابن المبارك (1/498 ، رقم 1417) ، وأحمد (6/420 ، رقم 27402) ، والنسائى فى الكبرى (6/395 ، رقم 11321) ، وابن أبى عاصم فى الآحاد والمثانى (6/102 ، رقم 3317) ، والطبرانى (25/103 ، رقم 269) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (1/337 ، رقم 371)   

[1392] -    البخاري(4154) حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ فذكره..وقال: تَابَعَهُ الْأَعْمَشُ سَمِعَ سَالِمًا سَمِعَ جَابِرًا أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ

[1393] -  الترمذي(3863) حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أزهر السمان عن سليمان التيمي عن خداش عن أبي الزبير عن جابر به.. وقال: هذا حديث حسن غريب .وضعفه الألباني.   

[1394] -  البخاري(4163) حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ به...  و أطرافه 4164 ، 4165

[1395] -   البخاري(2732) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ به.. وقَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ(البخاري): { مَعَرَّةٌ } الْعُرُّ الْجَرَبُ { تَزَيَّلُوا } تَمَيَّزُوا وَحَمَيْتُ الْقَوْمَ مَنَعْتُهُمْ حِمَايَةً وَأَحْمَيْتُ الْحِمَى جَعَلْتُهُ حِمًى لَا يُدْخَلُ وَأَحْمَيْتُ الْحَدِيدَ وَأَحْمَيْتُ الرَّجُلَ إِذَا أَغْضَبْتَهُ إِحْمَاءً

[1396] -   البخاري(2733)  

[1397] -   البخاري(4189) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَصِينٍ قَالَ قَالَ أَبُو وَائِلٍ به  

[1398] -   سيرة ابن هشام(4/205) وهو مرسل حسن  الإسناد.واحتج البخاري بمرسل الزهري عن عروة في كتاب المغازي من صحيحه.

[1399] -   سيرة ابن هشام(4/204-205)   هكذا ذكره بلا إسناد .ولكن يشهد له ما أخرجه البيهقي .

[1400] -     القَضاء في اللغة على وجوه : مَرْجعها إلى انقطاع الشيء وتَمامه. وكلُّ ما أُحكِم عَملُه، أو أتمّ، أو خُتِم، أو أُدِّي، أو أُوجِبَ، أو أُعْلِم، أو أُنفِذَ، أو أُمْضيَ فقد قُضِيَ.

[1401] -   العاتق : الأنثى أول ما تبلغ ، والتي لم تتزوج بعد

[1402] -     المبايعة : إعطاء المبايِع العهد والميثاق على السمع والطاعة وقبول المبايَع له ذلك

[1403] -     البيهقي في الدلائل(4/170-171) ) قال:أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال : أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ، قال : حدثنا عبيد بن شريك ، قال : حدثنا يحيى بن بكير ، قال : حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب به.. وقال البيهقي: رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير

[1404] -      المصنف(7/389-390 رقم 36858 ) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ به.. ورجاله ثقات إلا موسى بن عبيدة فضعيف.أنظر  تهذيب التهذيب 10 / 359

[1405] -   سيرة ابن هشام (4/200) وأخرجه ابن أبى شيبة (7/390 ، رقم 36861) .وأحمد(1/353 رقم 3311) عن يزيد بن هارون عن ابن اسحاق به.وقال الأرنؤوط: صحيح لغيره وهذا إسناد حسن     

[1406] -    البخاري( 4159)  حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ خَلَفٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ وَرْقَاءَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ به   

[1407] -  البخاري(4191) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ به  

[1408] - سيرة ابن هشام(4/200)  

[1409] -  البخاري(4172)حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ به

[1410] -  سيرة ابن هشام(4/202)

[1411] -   سيرة ابن هشام(4/202)

* ومن الدروس المستفادة من صلح الحديبية وآثارها:

1) جواز عقد المعاهدات مع المشركين إذا كان فيها مصلحة للمسلمين .

2) بيان حكمة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التعامل مع كل رسول من رسل قريش بما يناسبه . وجواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم .

3) الرضا التام بفعل رسول الله لأن فيه الخير والنفع- وإن بدا لبعض الناس في الظاهر خلاف ذلك- لأنه مؤيد من قبل الله تعالى ،ولذلك ندم عمر على ما بدر منه في ذلك، وظل يعمل لذلك أعمالا كثيرة من الخير تكفيرا عما بدر منه. وقَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ رضي الله عنه: " « أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ، وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ، وَلَوْ أَنِّي أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَدَدْتُهُ »[رواه البخاري(3181) ومسلم( 1785)]

4) فضل أهل بيعة الرضوان .

5) النهي عن نسبة نزول المطر إلى الأنواء .

= وقد ذكر ابن القيم (في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد (3/ 267وما بعدها)

فوائد أخرى نذكر منها باختصار وتصرف:

6)جواز الاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَيْهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ.

7)  أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ مَسْنُونٌ فِي الْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ كَمَا هُوَ مَسْنُونٌ فِي الْقِرَانِ.

8) أَنَّ إِشْعَارَ الْهَدْيِ سُنَّةٌ لَا مُثْلَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا.

9) أَنَّ أَمِيرَ الْجَيْشِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبْعَثَ الْعُيُونَ أَمَامَهُ نَحْوَ الْعَدُوِّ.

10) أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِالْمُشْرِكِ الْمَأْمُونِ فِي الْجِهَادِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ عينه الخزاعي كَانَ كَافِرًا إِذْ ذَاكَ، وَفِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ أَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى اخْتِلَاطِهِ بِالْعَدُوِّ وَأَخْذِهِ أَخْبَارَهُمْ.

11) اسْتِحْبَابُ مَشُورَةِ الْإِمَامِ رَعِيَّتَهُ وَجَيْشَهُ اسْتِخْرَاجًا لِوَجْهِ الرَّأْيِ وَاسْتِطَابَةً لِنَفُوسِهِمْ، وَأَمْنًا لِعَتَبِهِمْ وَتَعَرُّفًا لِمَصْلَحَةٍ يَخْتَصُّ بِعِلْمِهَا بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، وَامْتِثَالًا لِأَمْرِ الرَّبِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] [آلَ عِمْرَانَ: 159] وَقَدْ مَدَحَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِبَادَهُ بِقَوْلِهِ: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] [الشُّورَى: 38] .

12) رَدُّ الْكَلَامِ الْبَاطِلِ، وَلَوْ نُسِبَ إِلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا: خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ. يَعْنِي حَرَنَتْ وَأَلَحَّتْ فَلَمْ تَسِرْ، وَالْخِلَاءُ فِي الْإِبِلِ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ، نَظِيرُ الْحِرَانِ فِي الْخَيْلِ، فَلَمَّا نَسَبُوا إِلَى النَّاقَةِ مَا لَيْسَ مِنْ خُلُقِهَا وَطَبْعِهَا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: ( «مَا خَلَأَتْ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ» ) ثُمَّ أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبَبِ بُرُوكِهَا، وَأَنَّ الَّذِي حَبَسَ الْفِيلَ عَنْ مَكَّةَ حَبَسَهَا لِلْحِكْمَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ بِسَبَبِ حَبْسِهَا وَمَا جَرَى بَعْدَهُ.

13) أَنَّ تَسْمِيَةَ مَا يُلَابِسُهُ الرَّجُلُ مِنْ مَرَاكِبِهِ وَنَحْوِهَا سُنَّةٌ كما سمى النبي ناقته بالقصواء.

14) أَنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلَ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ وَالْبُغَاةِ وَالظَّلَمَةِ إِذَا طَلَبُوا أَمْرًا يُعَظِّمُونَ فِيهِ حُرْمَةً مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، أُجِيبُوا إِلَيْهِ وَأُعْطُوهُ وَأُعِينُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ مَنَعُوا غَيْرَهُ فَيُعَاوَنُونَ عَلَى مَا فِيهِ تَعْظِيمُ حُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا عَلَى كُفْرِهِمْ وَبَغْيِهِمْ، وَيُمْنَعُونَ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ

15) وفضيلة أبي بكرالصِّدِّيقُ فقد تلقى شروط الصلح بِالرِّضَى وَالتَّسْلِيمِ، حَتَّى كَانَ قَلْبُهُ فِيهِ عَلَى قَلْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَجَابَ عمر عَمَّا سَأَلَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ بِعَيْنِ جَوَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَفْضَلُ الصَّحَابَةِ وَأَكْمَلُهُمْ وَأَعْرَفُهُمْ بِاللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْلَمُهُمْ بِدِينِهِ وَأَقْوَمُهُمْ بِمَحَابِّهِ وَأَشَدُّهُمْ مُوَافَقَةً لَهُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْأَلْ عمر عَمَّا عَرَضَ لَهُ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِدِّيقَهُ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ أَصْحَابِهِ.

16) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَلَ ذَاتَ الْيَمِينِ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: بَعْضُهَا مِنَ الْحِلِّ وَبَعْضُهَا مِنَ الْحَرَمِ.وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «كَانَ يُصَلِّي فِي الْحَرَمِ، وَهُوَ مُضْطَرِبٌ فِي الْحِلِّ» ) ، وَفِي هَذَا كَالدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مُضَاعَفَةَ الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ تَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْحَرَمِ، لَا يُخَصُّ بِهَا الْمَسْجِدُ الَّذِي هُوَ مَكَانُ الطَّوَافِ.

17) جَوَازُ ابْتِدَاءِ الْإِمَامِ بِطَلَبِ صُلْحِ الْعَدُوِّ، إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الطَّلَبِ مِنْهُمْ.

18) وَفِي قِيَامِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ - وَلَمْ يَكُنْ عَادَتَهُ أَنْ يُقَامَ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ - سُنَّةٌ يُقْتَدَى بِهَا عِنْدَ قُدُومِ رُسُلِ الْعَدُوِّ مِنْ إِظْهَارِ الْعِزِّ وَالْفَخْرِ وَتَعْظِيمِ الْإِمَامِ وَطَاعَتِهِ وَوِقَايَتِهِ بِالنُّفُوسِ، وَهَذِهِ هِيَ الْعَادَةُ الْجَارِيَةُ عِنْدَ قُدُومِ رُسُلِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَقُدُومِ رُسُلِ الْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ هَذَا النَّوْعِ الَّذِي ذَمَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: ( «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» ) كَمَا أَنَّ الْفَخْرَ وَالْخُيَلَاءَ فِي الْحَرْبِ لَيْسَا مِنْ هَذَا النَّوْعِ الْمَذْمُومِ فِي غَيْرِهِ، وَفِي بَعْثِ الْبُدْنِ فِي وَجْهِ الرَّسُولِ الْآخَرِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ إِظْهَارِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ لِرُسُلِ الْكُفَّارِ.

19) مَالَ الْمُشْرِكِ الْمُعَاهَدِ مَعْصُومٌ، وَأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بَلْ يُرَدُّ عَلَيْهِ؛ بدليل قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمغيرة: ( «أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ» ) فَإِنَّ المغيرة كَانَ قَدْ صَحِبَهُمْ عَلَى الْأَمَانِ ثُمَّ غَدَرَ بِهِمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، فَلَمْ يَتَعَرَّضِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَمْوَالِهِمْ وَلَا ذَبَّ عَنْهَا، وَلَا ضَمِنَهَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ إِسْلَامِ المغيرة.

20) احْتِمَالُ قِلَّةِ أَدَبِ رَسُولِ الْكُفَّارِ وَجَهْلِهِ وَجَفْوَتِهِ، وَلَا يُقَابَلُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَلَمْ يُقَابِلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عروة عَلَى أَخْذِهِ بِلِحْيَتِهِ وَقْتَ خِطَابِهِ، وَكَذَلِكَ لَمْ يُقَابِلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولَيْ مسيلمة حِينَ قَالَا: نَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ: ( «لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَقَتَلْتُكُمَا» )

21) طَهَارَةُ النُّخَامَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ رَأْسٍ أَوْ صَدْرٍ.

22) طَهَارَةُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ.

23) اسْتِحْبَابُ التَّفَاؤُلِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الطِّيَرَةِ الْمَكْرُوهَةِ؛ لِقَوْلِهِ لَمَّا جَاءَ سهيل " «سَهُلَ أَمْرُكُمْ» ".

24) أَنَّ مُصَالَحَةَ الْمُشْرِكِينَ بِبَعْضِ مَا فِيهِ ضَيْمٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جَائِزَةٌ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، وَدَفْعِ مَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، فَفِيهِ دَفْعُ أَعْلَى الْمَفْسَدَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَدْنَاهُمَا.

25) أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ نَذَرَهُ أَوْ وَعَدَ غَيْرَهُ بِهِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ وَقْتًا، لَا بِلَفْظِهِ وَلَا بِنِيَّتِهِ، لَمْ يَكُنْ عَلَى الْفَوْرِ، بَلْ عَلَى التَّرَاخِي.

 

26) أَنَّ الْمُحْصَرَ يَنْحَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ أُحْصِرَ مِنَ الْحِلِّ أَوِ الْحَرَمِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَاعِدَ مَنْ يَنْحَرُهُ فِي الْحَرَمِ إِذَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يَصِلَ إِلَى مَحَلِّهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25] [الْفَتْحُ: 25] .

27) أَنَّ الْمُحْصَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِالْحَلْقِ وَالنَّحْرِ، وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْقَضَاءِ، وَالْعُمْرَةُ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً، وَلَا قَضَاءً عَنْ عُمْرَةِ الْإِحْصَارِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي عُمْرَةِ الْإِحْصَارِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَكَانُوا فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ دُونَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ وَالْقَضَاءِ لِأَنَّهَا الْعُمْرَةُ الَّتِي قَاضَاهُمْ عَلَيْهَا، فَأُضِيفَتِ الْعُمْرَةُ إِلَى مَصْدَرِ فِعْلِهِ.

28) أَنَّ الْأَصْلَ مُشَارَكَةُ أُمَّتِهِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَحْكَامِ، إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وَلِذَلِكَ قَالَتْ أم سلمة: ( «اخْرُجْ وَلَا تُكَلِّمْ أَحَدًا حَتَّى تَحْلِقَ رَأْسَكَ وَتَنْحَرَ هَدْيَكَ» ) ، وَعَلِمَتْ أَنَّ النَّاسَ سَيُتَابِعُونَهُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ فَعَلُوا ذَلِكَ اقْتِدَاءً بِفِعْلِهِ وَلَمْ يَمْتَثِلُوهُ حِينَ أَمَرَهُمْ بِهِ؟ قِيلَ: هَذَا هُوَ السَّبَبُ الَّذِي لِأَجْلِهِ ظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ أَخَّرُوا الِامْتِثَالَ طَمَعًا فِي النَّسْخِ، فَلَمَّا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلِمُوا حِينَئِذٍ أَنَّهُ حُكْمٌ مُسْتَقِرٌّ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فَسَادُ هَذَا الظَّنِّ، وَلَكِنْ لَمَّا تَغَيَّظَ عَلَيْهِمْ وَخَرَجَ وَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ وَأَرَاهُمْ أَنَّهُ بَادَرَ إِلَى امْتِثَالِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ كَتَأْخِيرِهِمْ، وَأَنَّ اتِّبَاعَهُمْ لَهُ وَطَاعَتَهُمْ تُوجِبُ اقْتِدَاءَهُمْ بِهِ، بَادَرُوا حِينَئِذٍ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ.

29) أَنَّ هَذِهِ الْهُدْنَةَ كَانَتْ مِنْ أَعْظَمِ الْفُتُوحِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ أَمِنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَاخْتَلَطَ الْمُسْلِمُونَ بِالْكُفَّارِ، وَبَادَءُوهُمْ بِالدَّعْوَةِ وَأَسْمَعُوهُمُ الْقُرْآنَ، وَنَاظَرُوهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ جَهْرَةً آمِنِينَ، وَظَهَرَ مَنْ كَانَ مُخْتَفِيًا بِالْإِسْلَامِ، وَدَخَلَ فِيهِ فِي مُدَّةَ الْهُدْنَةِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْخُلَ، وَلِهَذَا سَمَّاهُ اللَّهُ فَتْحًا مُبِينًا.

[1412] -  اللقاح:الإبل الحوامل ذوات الألبان.  

[1413] -   سيرة ابن هشام(4/171)  

[1414] -  البخاري(3041) حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ به  

[1415] -  البخاري(  4194)ومسلم(1806)قالا: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - يَعْنِى ابْنَ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَلَمَةَ به

[1416] -  مسلم(1807) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ (ح ) ([1416]) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِىُّ كِلاَهُمَا عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ (ح) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ - وَهَذَا حَدِيثُهُ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِىٍّ الْحَنَفِىُّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ - وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ - حَدَّثَنِى إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ به..

 معانى بعض الكلمات التي وردت في الحديث :

الآرام : الأعلام واحدها الإرم  .. الأكمة : التل - بسق : بصق

بسق : بصق . . الترس : ما كان يتوقى به فى الحرب

ثناه : أوله وآخره .. الجبا : ما حول البئر

المجفف : عليه تجفاف وهو ثوب يلبسه الفرس ليقيه الأذى

جاش : تدفق وفاض .. الحجفة : الترس من جلد بلا خشب وهو نوع من السلاح

الحيدرة : الأسد .. أحس : أحك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه

حلأ : صد ومنع .. اخترط : سَلَّ السيف من غِمْده

الدرقة : الترس من جلود ليس فيه خشب ولا عصب

ربطت : تأخرت عنه .. الركية : البئر  .. السطيحة : إناء مصنوع من الجلد

السندرة : مكيال واسع وقيل غير ذلك والمعنى أقتلهم قتلا واسعا ذريعا

الشد : العدو .. الشَّرف : الشوط ..يتضحى : يأكل فى وقت الضحى.

[1417] -  ومسلم(3/1262رقم 1641) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالاَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ أَبِى الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ به

[1418] -  انظر البداية والنهاية (4/ 206)

[1419] -  مغازي الواقدي 2 / 570 والخبر فيه مطول.و انظر البداية والنهاية (4/ 204)

 قال الحافظ في "الفتح" 1/ 337: عرينة: حي من قضاعة، وهي من بَجِيلَةَ، والمراد هنا الثاني، كذا ذكره موسى بن عقبة في "المغازي"، وكذا رواه الطبري من وجه آخر عن أنس، وللبخاري وغيره: أن رهطًا من عكل وعرينة، وعكل: قبيلة من تيم الرباب، وذكر ابن إسحاق في "المغازي" أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد، وكانت في ذي القعدة، وذكر الواقدي أنها كانت في شوال، وتبعه ابن سعد وابن حبان وغيرهما. أهـ

[1420] -  أحمد(12737 – ت أرنؤوط)حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.وأخرجه البخاري (4192) و (5727) ، ومسلم (1671) (13) ، والنسائي 1/158-160 و7/97، وأبو يعلى (3170) ، والطبري في "تفسيره" 6/208، وابن خزيمة (115) ، وابن حبان (4472) من طرق عن سعيد بن أبي عروبة، بهذا الإسناد...

[1421] -  المسند لأحمد(12668) قال:حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ به. وهو في "المصنف" (18538) ، ومن طريقه أخرجه أبو يعلي (3044) .

وأخرجه البخاري (1501) ، وابن حبان (1388) من طريق شعبة، والبيهقي 10/ 4 من طريق عمر بن عامر، كلاهما عن قتادة، به -ورواية البيهقي مختصرة.وهو في المسند من طرق عن قتادة بالأرقام  و (12819) و (13443) و (14061) و (14062) و (14086) .

وقوله: "فاجتووا المدينة" معناه: عافوا المقام بالمدينة، فأصابهم بها الجوى في بطونهم، يقال: اجتويت المكانَ: إذا كرهتَ الإقامة به لضرر يلحقك فيه، وقال أبو زيد: يقال: اجتويت البلاد: إذا كرهتها، وإن كانت موافقة لك في بدنك، ويقال: استوبلتها: إذا لم تُواففك في بدنك، وإن كنت محبًا لها. قاله الخطابي في "معالم السُّنن" 3/ 297.

وقوله: "ذود" قال في "النهاية": الذود من الإبل: ما بين الثنتين إلى تسع.

وقوله: "وسمر أعينهم" أي: كحلهم بمسامير محماة، ، ولمسلم (1671) من رواية عبد العزيز وحميد، عن أنس، سمل، أي: فقأ أعينهم. وإنما فعل ذلك بهم لأنهم فعلوا في الرعاة مثله وقتلوهم، فجازاهم على صنيعهم بمثله.

وقوله: "بالحرَّة" قال العيني في "عمدة القاري": المراد من الحرة هذه حرة بظاهر مدينة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها حجارة سود كثيرة، كانت بها الوقعة المشهورة أيام يزيد ابن معاوية سنة 63. وانظر خبرها في "جوامع السيرة" لابن حزم ص 357، وهي حرة واقم، وهي الحرة الشرقية.

 

[1422] -البخاري(  3018 ) حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسِ

[1423] -  الْبَيْهَقِيُّ في الدلائل(4/ 88) حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ إِمْلَاءً قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَمِيرَوَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِر .وذكره في البداية والنهاية (4/ 204)

[1424] - أخرجه مسلم (1671) (14) قال:حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الْأَعْرَجُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ،به. ، والترمذي (73) ، والنسائي 7/100، وابن الجارود (847) ، وابن خزيمة وأبو عوانة، كلاهما في الحدود كما في "الإتحاف" 2/39، وابن حبان (4474) ، والدارقطني 3/136، والحاكم 4/367، والبيهقي 9/62 و70 من طريق سليمان التيمي، عن أنس قال: إنما سمل النبي أعين أولئك، لأنهم سملُوا أعين الرعاء.

وأخرج البيهقي 9/70 من طريق داود بن أبي هند، عن أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما مثل بهم لأنهم مثلُوا بالراعي.

 (فائدة) : هذا الحديث منسوخ بالحدود، و بالنهي عن المثلة . قال ابن شاهين- عقب حديث عمران بن حصين في النهي عن المثلة: هذا الحديث ينسخ كل مثلة» وقد نسخت المثلة بالآية الكريمة «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله.. [الآية 33 من سورة المائدة] .

وقال قتادة، عن محمد بن سيرين: إن الحدود لما نزلت نسخت المثلة. وراجع الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي

 

[1425] -  طبقات ابن سعد(2/107)

[1426] -  تارخ دمشق لابن عساكر(1/33) لأنهما يبدآن السنة الهجرية من المحرم الذي بعد هجرة النبي صلى الله عليه و سلم وليس الذي قبله .

 

3- جوامع السيرة لابن حزم(ص211)

 

4- و هو أنه يرى أن أول السنة الهجرية شهر ربيع الأول الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة مهاجرًا و لكن لم يتابَع عليه ، إذا الجمهور على أن أول التاريخ من شهر المحرم تلك السنة و كان أول من أرخ بذلك يعلى بن أمية باليمن كما رواه الإمام أحمد بن حنبل عنه بإسناد صحيح إليه، وقيل : بل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك في سنة ست عشرة عندما جمع الصحابة فأشاروا عليه بذلك وممن أشار بذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

[1429] -   سيرة ابن هشام(4/206)

[1430] -   البيهقي في الدلائل (4/198-199)  أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن علي المقرئ ، قال : أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا وهيب ، قال : حدثنا خثيم بن عراك به

[1431] -    مستدرك الحاكم(3/39رقم 4337) وقال:صحيح .ووافقه الذهبي

[1432] -   طبقات ابن سعد (2/107)

[1433] -   طبقات ابن سعد (2/110) أخبرنا عبد الله بن نمير، أخبرنا يحيى بن سعيد عن صالح  به..مرسل صحيح

[1434] -  ابن هشام(3/208)

[1435] -  ابن هشام(3/207) قال ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَطَاءِ بْن أَبِي مَرْوَانَ الْأَسْلَمِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُعَتّبِ بْنِ عَمْرٍو به.. وأبهم ابن اسحاق شيخه ولكن الخبر يؤيده ما بعده

[1436] -   سنن البيهقي(5/252 رقم 10100) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ : أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو زَكَرِيَّا : يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى مَرْوَانَ به

[1437] -   البخاري(4195) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ به

[1438] -    البخاري(610) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ به

[1439] -  البخاري(2945)  حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ به

[1440] -  ابن هشام(3/208-209)

[1441] -    مسلم(1365) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ به

[1442] - البخاري(371) : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ به

[1443] - ابن هشام(3/210)  

[1444] -    ابن هشام(3/211) وأخرجه الحاكم(3/437) وهو صحيح الإسناد لكن يقدم عليه ما في صحيح مسلم

[1445] -    البخاري(3702) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ به

[1446] -    البخاري(4210) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ به

[1447] - مسلم(1807) وقد تقدم

 بعض معاني الكلمات في هذا الحديث:

الضغث : الحزمة .. طفر : وثب مرتفعا ..

الغلس : ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح ..القرن : الجبل الصغير

الأكحل : عرق فى اليد يفصد ..المذقة : القليل من اللبن الممزوج بماء

أندى : أورده الماء فيشرب قليلا ثم يعود إلى المرعى ساعة ثم يشرب أخرى

النغض : العظم الرقيق الذى على طرف الكتف وقيل أعلى الكتف

[1448] - سنن النسائي(1953) أخبرنا سويد بن نصر قال أنبأنا عبد الله عن بن جريج قال أخبرني عكرمة بن خالد أن بن أبي عمار أخبره عن شداد بن الهاد به..  وصححه الألباني .وأخرجه الحاكم(3/688رقم  6527)والبيهقي في السنن(6608)وفي روايته التصريح بالغزوة  وأنها خيبر .

 

[1449] -    ابن سعد (2/113-114) أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار به.. رجاله ثقات رجال الشيخين لكنه مرسل.

[1450] -    أبو داود(3010) حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن ثنا أسد بن موسى ثنا يحيى بن زكريا حدثني سفيان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل به... قال الشيخ الألباني : حسن صحيح

 

[1451] -    قال أبو داود(2730) حدثنا أحمد بن حنبل ثنا بشر يعني ابن المفضل عن محمد بن زيد قال حدثني عمير مولى آبي اللحم به.. وقال أبو عبيد: كان حرم اللحم على نفسه فسمي آبي اللحم.والحديث صححه الألباني.

[1452] -   الطبراني في الكبير(2/82 رقم 1369) حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحسن بن الربيع الكوفي ثنا ابن المبارك عن ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد الحضرمي عن ثابت به....وفي سنده ابن لهيعة وفيه ضعف لكن رواية العبادلة عنه صحيحة لذا صححه العلى في صحح السيرة(ص 355)

 

[1453] -    الطبراني في الكبير(24/287رقم 732) حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا وكيع بن الجراح عن أبي العميس عن يزيد بن جعدبة عن عبيد بن السباق عن زينب به...وقال الهيثمي في المجمع(6/7):رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

 

[1454] -   البخاري(4242) :حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ به

[1455] -   البخاري(4243) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ به

[1456] - البخاري(2285) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ به

[1457] -   ابن سعد (2/110) أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر قال: وأظنه عن نافع عن ابن عمر  به...ورجاله كلهم ثقات

[1458] -    ابن سعد (2/112) أخبرنا بكر بن عبد الرحمن قاضي الكوفة، حدثني عيسى بن المختار بن عبد الله بن أبي ليلى الأنصاري عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس به

[1459] - البخاري(5777) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به

[1460] -    البخاري(6/9) معلقًا مجزومًا به.ووصله البزارو الحاكم والإسماعيلي كما قال الحافظ في الفتح

 

[1461] -  الحاكم في المستدرك (2/681 رقم 4249) أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة الشيباني ثنا الهيثم بن خالد ثنا أبو غسان النهدي ثنا الأجلح بن عبد الله عن الشعبي عن جابر  به..وقال: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه ووافقه الذهبي.

[1462] -   البخاري(5115) حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِمَا به

[1463] -    البخاري(2991) :حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ به

[1464] -   البخاري(  5528) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أنس به

[1465] -    ابن سعد (2/112-113) أخبرنا هاشم بن القاسم، أخبرنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر  به.وسنده صحيح

[1466] -    ابن سعد (2/113) أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن زيد، أخبرنا عمرو بن دينار عن محمد بن علي-ابن أبي طالب- عن جابر به.. ورجاله ثقات رجال الشيخين

[1467] -    رواه البخاري( 3085) حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي  يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ

[1468] -    ابن سعد(2/108)

* بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بغزوة خيبر :

وردت في غزوة خيبر أحكام شرعية كثيرة منها:

1- تحريم أكل لحوم الحمر الأنسية فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية .

2- حرمة وطء السبايا الحوامل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره».

3- حرمة وطء السبايا غير الحوامل قبل استبراء الرحم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها».

والاستبراء إنما يكون بأن تطهر من حيضة واحدة فقط، ولا تجب عليها العدة وإن كانت متزوجة من كافر سواء مات أو بقي حيًّا؛ لأن العدة وفاء الزوج الميت وحداد عليه، ولا يحد على الكافر كما علمت .

4- حرمة ربا الفضل: عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر، فجاءه بتمر جنيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل تمر خيبر هكذا؟» فقال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والثلاثة، فقال: «لا تفعل بِِعِ الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا»([1468]). فالتفاضل مع اتحاد الجنس هو ربا الفضل، إذ اشترى صاعًا بأكثر من صاع، فالزيادة هنا هي الربا، وهذا محرم, كما رأيت إذ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأرشد إلى الحل السليم بأن يبيع ما لديه من تمر ثم يشتري بما لديه من نقود ما يشتهي من تمر؛ لأن الحاجة قد تدفع صاحبها إلى قبول الربا.

5- حرمة بيع الذهب بالذهب العين، وتبر الفضة بالورق العين: روى عن عبادة بن الصامت أنه قال: نهانا رسول الله يوم خيبر أن نبيع أو نبتاع تبر الذهب بالذهب العين، وتبر الفضة بالورق العين، وقال «ابتاعوا تبر الذهب بالورق والعين، وتبر الفضة بالذهب والعين». والمراد من الحديث: أن يباع الذهب بالذهب مثلاً بمثل والفضة بالفضة مثلاً بمثل، بلا زيادة ولا نقص، وعندما يقابل الذهب بالفضة لا تشترط المماثلة، كما هو معلوم وثابت في الصحاح.

6- مشروعية المساقاة والمزارعة: فقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر لليهود أن يعملوها ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها.

وقد تساءل بعض الباحثين: لِمَ جاءت أحكام هذه البيوع في خيبر وما الحكمة من ذلك؟ وأجاب الشيخ محمد أبو زهرة على هذا فقال: إن فتح خيبر كان فتحًا جديدًا بالنسبة للعلاقات المالية التي يجري في ظلها التبادل المالي، فكانت فيها شرعية المزارعة والمساقاة ولم تكن تجري كثيرًا في يثرب .

7- حل أكل لحوم الخيل: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر، ورخص في الخيل [البخاري، كتاب المغازي، رقم 4219.].

8- تحريم نكاح المتعة .

9- مشاركة المرأة في غزوة خيبر.

 

[1469] -    ابن هشام(4/226))

[1470] -    البخاري(4234) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ حَدَّثَنِي ثَوْرٌ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ فذكره

[1471] -    ابن سعد(2/118): أخبرنا هاشم بن القاسم الكناني، أخبرنا عكرمة بن عمار، أخبرنا إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه به... ورجاله رجال مسلم

[1472] -    ابن سعد(2/118) أخبرنا هاشم بن القاسم الكناني، أخبرنا عكرمة بن عمار، أخبرنا إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه به.. وأخرجه مسلم (1755) قال: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ،به ..ورواه الحاكم(3/83)

[1473] -  ابن سعد (2/119)

[1474] -  البخاري(   4269) : حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ أَخْبَرَنَا أَبُو ظَبْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ به

[1475] -  قال ابن القيم :

وَاخْتُلِفَ: هَلْ كَانَتْ قَضَاءً لِلْعُمْرَةِ الَّتِي صُدَّ عَنْهَا فِي الْعَامِ الْمَاضِي، أَمْ عُمْرَةً مُسْتَأْنَفَةً؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ: وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، إِحْدَاهُمَا: أَنَّهَا قَضَاءٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة رَحِمَهُ اللَّهُ. وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ، وَهُوَ قَوْلُ مالك رَحِمَهُ اللَّهُ، وَالَّذِينَ قَالُوا: كَانَتْ قَضَاءً، احْتَجُّوا بِأَنَّهَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ، وَهَذَا الِاسْمُ تَابِعٌ لِلْحُكْمِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْقَضَاءُ هُنَا مِنَ الْمُقَاضَاةِ، لِأَنَّهُ قَاضَى أَهْلَ مَكَّةَ عَلَيْهَا، لَا أَنَّهُ مِنْ قَضَى قَضَاءً. قَالُوا: وَلِهَذَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ. قَالُوا: وَالَّذِينَ صُدُّوا عَنِ الْبَيْتِ، كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَعَهُ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ قَضَاءً لَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ مَنْ كَانَ مَعَهُ بِالْقَضَاءِ.أهـ من زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 86)

[1476] -  هذا البيت (الثاني) ليس في هذه العمرة وليس لعبد الله بن رواحة وإنما هو لعمار بن ياسر قاله يوم صفين وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ رَوَاحَةَ إنَّمَا أَرَادَ الْمُشْرِكِينَ،وَالْمُشْرِكُونَ لَمْ يُقِرُّوا بِالتَّنْزِيلِ، وَإِنَّمَا يُقْتَلُ عَلَى التَّأْوِيلِ  مَنْ أَقَرَّ بِالتَّنْزِيلِ

[1477] -  ابن سعد(2/120-122)

[1478] -  الترمذي(2847) :حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ  به..وقَالَ:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وأخرجه النسائي(2873) وابن خزيمة(2680) وصححه الألباني .

[1479] -  أحمد(2639) حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به. إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه ابن سعد(2/122-123) والبخاري (1602) و (4256) ، ومسلم (1266) (240) ، وأبو داود (1886) ، والنسائي 5/230-231، والطحاوي 2/179-180، والبيهقي 5/82 من طرق عن حماد بن زيد، بهذا الإسناد - وبعضهم يزيد فيه على بعض. وأخرجه بنحوه ابن خزيمة (2720) من طريق أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن أيوب، به. وعلقه البخاري من طريق حماد بنِ سلمة بإثر الحديث رقم (4256) من "صحيحه".

قوله: "إلا إبقاء عليهم"، وفي البخاري ومسلم: "إلا الإبقاءُ عليهم" وهو بكسر الهمزة مصدر أبقى عليه: إذا رفق به، وهو مرفوع فاعل "لم يمنعه"، أي: لم يمنعه من الأمر بالرمل (سرعة المشي في الطواف) في الأربعة إلا إرادته عليه الصلاة والسلام الإبقاء عليهم، فلم يأمرهم به، وهم لا يفعلون شيئاً إلا بأمره. "إرشاد الساري" 3/165.

قال العلامة ابن قدامة في "المغني" 5/217-220: الرمَل سُنة في الأشواط الثلاثة الأوَل من طواف القدوم، ولا نعلم فيه بين أهل العلم خلافاً، وقد ثبت أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَل ثلاثاً، ومشى أربعاً. رواه جابر، وابنُ عباس، وابن عمر، وأحاديثهم متفق عليها.

فإن قيل: إنما رَمَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابُه لإظهارِ الجَلَدِ للمشركين، ولم يَبْقَ ذلك

المعنى، إذ قد نَفى الله المشركين، فلِمَ قلتم: إن الحكم يبقى بعدَ زوال عِلتِه؟

قلنا: قد رَمَلَ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابُه، واضطبع في حَجة الوداع بعدَ الفتح، فثبت أنها

سُنة ثابتة، وقال ابنُ عباس: رَمَل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عُمَرِه كلها، وفي حَجه، وأبو بكر وعمر وعثمان والخلفاءُ من بعده. رواه أحمد في "المسند" (1972) ، وروى أسلم عن عمر بن الخطاب: أنه اضطبع ورَمَل، وقال: ففيمَ الرمَلُ، ولِمَ نُبدي مناكبنا وقد نَفَى الله المشركين؟ بلى، لن ندَع شيئاً فعلناه على عهد رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه أبو داود (1887) .

إذا ثَبَتَ هذا، فإن الرمل سنة في الأشواط الثلاثة بكمالها، يَرْمُل من الحجر إلى أن يعودَ إليه، لا يمشي في شيءٍ منها، رُوي ذلك عن عمر وابن عمر وابن مسعود وابن الزبير رضي الله عنهم، وبه قال عروةُ والنخَعي ومالك والثوري والشافعي وأَصحاب الرأَي.

[1480] -  ورواه أحمد(برقم770)  حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ،(وبرقم931) حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ،قالا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، وَهُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ، عَنْ عَلِيٍّ،وأخرجه أبو داود (2280 ) من طريق إسرائيل به .وصححه الألباني.

وفي هذه القصة دروس وعبر وأحكام وفوائد منها:

1)     وذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ تَرْجِيحًا، فَذَكَرَ زيد أَنَّهَا ابْنَةُ أَخِيهِ لِلْمُؤَاخَاةِ الَّتِي عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حمزة، وَذَكَرَ علي كَوْنَهَا ابْنَةَ عَمِّهِ، وَذَكَرَ جعفر مُرَجِّحَيْنِ: الْقَرَابَةَ، وَكَوْنَ خَالَتِهَا عِنْدَهُ، فَتَكُونُ عِنْدَ خَالَتِهَا، فَاعْتَبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَجِّحَ جعفر دُونَ مُرَجِّحِ الْآخَرَيْنِ، فَحَكَمَ لَهُ، وَجَبَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَطَيَّبَ قَلْبَهُ بِمَا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَخْذِ الْبِنْتِ.

2)     تزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر بن أبي طالب t ووصفه له بقوله: أشبهت خَلْقي وخُلُقي.

3)     منقبة لعلي: لقوله صلى الله عليه وسلم: أنت مني وأنا منك، والمعنى أنت مني وأنا منك في النسب والصهر والسابقة والمحبة.

4)     منقبة زيد بن حارثة: يقول له الرسول: أنت أخونا ومولانا؛ لأنه كان أخًا لحمزة بن عبد المطلب, فقد آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينهما، وهو باجتهاده يريد أن يكون عليه ما على الأخ الشقيق من واجبات, والواجب هنا يكون وليًّا على بنت حمزة t.

5)     الخالة بمنزلة الأم.

6)   الخالة تقدم على غيرها في الحضانة إذا لم يوجد الأبوان.و تقدم على العمة في الحضانة: لقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم إلى زوجة جعفر بالحضانة وعمتها صفية بنت عبد المطلب حية موجودة.

7)     زواج المرأة لا يسقط حقها في الحضانة: فقد حكم الرسول صلى الله عليه وسلم بالحضانة لخالة بنت حمزة وهي متزوجة من جعفر بن أبي طالب t.

8)   لا بد من موافقة الزوج على حضانة زوجته لابنة أختها؛ لأن الزوجة محتسبة لمصلحته ومنفعته, والحضانة قد تفوت هذه المصلحة جزئيًا، فلا بد من استئذانه، ونلاحظ هنا أن جعفر بن أبي طالب قد طالب بحضانة بنت عمه حمزة لخالتها وهي زوجة له، فدل على رضاه بذلك.

9)    إن الطفل إذا رضع مع عمه يصبح أخًا له في الرضاعة، وتصبح بناته كلها بنات أخيه في الرضاعة، فيحرم عليه نكاحهن..انظر زاد المعاد لابن القيم والسيرة للصلابي .

[1481] -  ابن هشام(4/4) قال ابن اسحاق:حَدّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ . عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٍ أَبِي الْحَجّاجِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ به..  وصرح ابن اسحاق بالتحديث فالإسناد حسن. وأخرجه أحمد (1/266 رقم 2393) من طريق ابن اسحاق به. وحسنه الأرنؤوط...والحديث  في الصحيح البخاري(1837) ومسلم(1410) "وقال مسلم: زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ، فَحَدَّثْتُ بِهِ الزُّهْرِيَّ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ، أَنَّهُ نَكَحَهَا وَهُوَ حَلَالٌ "

[1482] -  ابن هشام(4/4-5)

[1483] -  الطبراني في الكبير(23/437 رقم 1059) حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَبِي فَزَارَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ،به..ورجال الإسناد ثقات وشيخ الطبراني مقبول.

 

[1484] -  قال ابن عبد البر في "التمهيد" 3/152: والرواية أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج ميمونة

وهو حلال متواترة عن ميمونة بعينها، وعن أبي رافع مولى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن سليمان بن يسار مولاها، وعن يزيد بن الأصم، وهو ابن أختها، وهو قولُ سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وأبي بكر بن عبد الرحمن وابن شهاب وجمهور علماء المدينة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يَنْكِحْ ميمونةَ إلا وهو حلال قبل أن يحرمَ.

وما أعلمُ أحداً من الصحابة روى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَ ميمونة وهو محرم، إلا عبدَ الله بن عباس (وقد رَد ابنُ حجر قولَ ابن عبد البر هذا في "الفتح" 9/166 بأنه روي أيضاً

عن عائشة وأبي هريرة، وذكر أن حديث عائشة أُعِل بالإرسال، وحديث أبي هريرة ضعيف الإسناد) ورواية من ذكرنا معارضة لروايته، والقلب إلى رواية الجماعة أَمْيَل، لأن الواحد أقربُ إلى الغلط، وأكثر أحوال حديث ابن عباس أن يُجْعَلَ متعارضاً مع رواية مَنْ ذَكَرْنا، فإذا كان كذلك سقط الاحتجاجُ بجميعها، ووجب طلبُ الدليل على هذه المسألة من غيرها، فوجدنا عثمانَ بنَ عفان رضي الله عنه قد روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نَهى عن نكاح المحرِم، وقال: "لا يَنكِحُ المحرمُ ولا يُنكِح"، فوجب المصيرُ إلى هذه الرواية التي لا معارض لها، لأنه يستحيلُ أن يَنْهى عن شيء ويَفْعَلَه، مع عمل الخلفاء الراشدين لها، وهم: عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وهو قول ابن عمر، وأكثر أهل المدينة. وانظر "فتح الباري" 9/165-166.

[1485] -  ابن هشام (3/168-169) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ رَاشِدٍ مَوْلَى حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ الثّقَفِيّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ الثّقَفِيّ به.. وهذا إسناد حسن..وانظر صحيح السيرة النبوية (ص 494)

[1486] -  ابن هشام (3/169) والإسناد معضل.

[1487] - مسلم (121)حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِىُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِى عَاصِمٍ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنَّى - حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ - يَعْنِى أَبَا عَاصِمٍ - قَالَ أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ أَبِى حَبِيبٍ عَنِ ابْنِ شَمَاسَةَ الْمَهْرِىِّ به

[1488] - رواه أحمد(17413 –ت الأرنؤوط)حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي مِشْرَحُ بْنُ هَاعَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ فذكره.. وقال الأرنؤوط:حديث محتمل للتحسين، وقد تفرَّد به ابن لهيعة عن مشرح بن هاعان، وابن لهيعة سيئ الحفظ، لكن مشَّى بعضُ أهل العلم رواية أبي عبد الرحمن- وهو عبد الله بن يزيد المقرئ- عنه وعَدُّوها صالحة لكونه سمع منه قديماً، وأما مشرح بن هاعان فقد قوَّى أمرَه جماعة، وغمزه آخرون. وذكر ابن حبان في "المجروحين" أنه يروي عن عقبة بن عامر أشياء لا يتابع عليها. قلنا: ولذلك فقد قال الترمذي بعد أن أخرجه (3844) عن قتيبة، عن ابن لهيعة، بهذا الإسناد: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة ومشرح بن هاعان، وليس إسناده بالقوي.

وأخرجه أيضاً الطبراني في "الكبير" 17/ (845) من طريق يحيى بن كثير الناجي وسعيد بن أبي مريم، كلاهما عن ابن لهيعة، عن أبي عُشَّانة عن عقبة  ابن عامر، فهذا خلاف في إسناده على ابن لهيعة، وهو كما أسلفنا سيئ الحفظ، وأبو عُشَّانة: هو حيُّ بن يومن المعافري، وهو ثقة.

ويمكن أن يشهد لحديث عقبة هذا حديث أبي هريرة السالف-في المسند- برقم (8042) مرفوعاً بلفظ: "ابنا العاصِ مؤمنان: عمرو وهشام". وإسناده حسن.

قال السندي: يريد أن عمراً أخلصُ قلباً من أمثاله الذين آمنوا معه كمسلمي الفتح، والله أعلم.

[1489] - وفي إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد رضي الله عنهما دروس ولطائف وعبر منها:

أ) غضبة النجاشي تدل على صدق إيمانه وحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحبه للمسلمين، وصدق النجاشي كان له أثر في إيمان عمرو بن العاص، ودخوله في الإسلام، وبذلك نال النجاشي أجرًا عظيمًا حيث جذب إلى الإسلام رجلاً من عظماء قريش.

ب) أدرك خالد بن الوليد أن العاقبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه سيظهر على عدوه وفي هذا عبرة لكل الذين يحاربون الإسلام..

ج)  الاهتمام بالبشر طريق من طرق التأثير عليهم، وكسبهم إلى الصف المؤمن، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عليمًا في مخاطبة النفوس والتأثير عليها، فلقد أدرك مواهب خالد في القيادة والزعامة فوعد بتمكينه من ذلك وتقديمه على غيره في هذا المضمار، ومدح صلى الله عليه وسلم سداد رأيه ورجاحة عقله، ونضج فكره، فانتزع صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمات كل الجوانب التي تجعل خالدًا يظل على الشرك الذي لم يكن مقتنعًا به إلا بمقدار ما حصل له فيه من قيادة وصدارة، فلما علم أنه لن يفقد ذلك إذا دخل في الإسلام، واطمأن بأنه لو أسلم لن يكون في آخر القائمة، شجعه ذلك على التغلب على وساوس إبليس، ورجح ما اطمأنت إليه نفسه من الميل إلى الإسلام فأسلم.

د)  كان إسلام عمرو بن العاص نصرًا كبيرًا للإسلام، والمسلمين فلقد سخر عقله الكبير ودهاءه العظيم لصالح دعوة الإسلام، وخسر الكفار بإسلامه خسارة كبيرة.وكذلك خالد فقد كان سيفا سله الله على الكافرين ولم يهزم في معركة قادها في الإسلام  قط .

[1490] -   بعض أهل المغازي يعدونها غزوة كابن اسحاق وبعضهم يعدونها بعثًا(سرية) لا غزوة لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يخرج فيها.فالبعض يعتبر الغزوة هي التي يخرج فيها النبي بنفسه مع الجند أما السرية هي التي لم يخرج فيها النبي دون اعتبار لعدد الجند ، والبعض الآخر يعتبر الغزوة هي التي يخرج فيها الجيش كله ،والسرية التي يخرج فيها عدد محدود من الجند وليس كل الجيش سواء  خرج الرسول معهم أم لم يخرج.

[1491] -  البخاري(4261) أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ به..

[1492] -  أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 154رقم 18156 ) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أنبأ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي ابْنُ صَفْوَانَ، وَعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ،به.وقال البيهقي: وَهَذَا أَيْضًا مُنْقَطِعٌ وَضَعِيفٌ

[1493] -  روى مسلم( 1731) وغيره عْنِ بُرَيْدَةَ، رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ - أَوْ خِلَالٍ - فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ، وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ، وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ، فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللهِ فِيهِمْ أَمْ لَا» ونحوه عن  أبي موسى الأشعري وصفوان بن عسال وغيرهما.

[  شرح بعض المفردات: (ولا تغلوا) من الغلول ومعناه الخيانة في الغنم أي لا تخونوا في الغنيمة

(ولا تغدروا) أي ولا تنقضوا العهد .(ولا تمثلوا) أي لا تشوهوا القتلى بقطع الأنوف والآذان.

(وليدا) أي صبيا لأنه لا يقاتل. (ذمة الله) الذمة هنا العهد.(أن تخفروا) يقال أخفرت الرجل إذا نقضت عهده وخفرته أمنته وحميته]

[1494] -  ابن هشام(4/6-9)

[1495] -  ابن هشام(4/6-9)

[1496] -  ابن هشام(4/9-10). قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ حَدّثَنِي أَبِي الّذِي أَرْضَعَنِي -وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ..وصرح ابن اسحاق بالتحديث فالسند حسن.

[1497] -  رواه أحمد (1750 – ت الأرنؤوط) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي يَعْقُوبَ، يُحَدِّثُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ به..وقال الأرنؤوظ: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير الحسن بن سعد، فمن رجال مسلم. محمد بن أبي يعقوب: هومحمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، نسب هنا إلى جده.

وأخرجه بتمامه ابن سعد 4/36-37، والنسائي في "الكبرى" (8604) من طريق وهب بن جرير، بهذا الإسناد. وليس عند النسائي قوله: "فجاءت أمنا فذكرت له ... " إلى آخر الحديث.

وأخرجه مختصراً أبو داود (4192) ، وابن أبي عاصم في"الآحاد والمثاني" (434) ، والنسائي في "المجتبى" 8/182- وسقط من المطبوع: "الحسن بن سعد" وهوثابت في "الكبرى" (9295) -، وفي "الكبرى" (8160) من طريق وهب بن جرير، به.

وقوله: "فأشالها" أي: رفعها. وقوله: "جعلت تفرح له" قال ابن الأثير في "النهاية" 3/423: قال أبو موسى: هكذا وجدته بالحاء المهملة، وقد أضرب الطبراني عن هذه الكلمة فتركها من الحديث، فإن كان بالحاء، فهو من أفرحه: إذا غَمه وأزال عنه الفرح، وافرحه الدينُ: إذا أثقله، وإن كانت بالجيم فهو من المُفْرَج الذي لا عشيرة له، فكأنها أرادت أن أباهم توفي ولا عشيرة لهم، فقال النبىِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أتخافين العيلة وأنا وليهم؟ "والعيلة: الفاقة والفقر والحاجة.

 

[1498] -  البخاري(2798) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَنَسِ به

[1499] -  الترمذي(3763): حدثنا علي بن حجر أخبرنا عبد الله بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة به.. (وقال هذا حديث غريب من حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن جعفر -وقد ضعفه يحيى بن معين و غيره- و عبد الله بن جعفر هو والد علي بن المديني . وفي الباب عن ابن عباس) .  وصححه الألباني

قلت : قد توبع عبد الله بن جعفر عند ابن حبان(7047) لذا فالحديث صحيح كما قال الألباني رحمه الله .وأيضًا صححه الأرنؤوط في تحقيقه لابن حبان.

واما حديث ابن عباس – الذي أشار إليه الترمذي- فأخرجه الطبراني(2/107) وقال في المجمع(9/ 443) رواه الطبراني بإسنادين وأحدهما حسن أهـ .

[1500] -  ابن هشام(4/10-11). قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أُمّ عِيسَى الْخُزَاعِيّةِ عَنْ أُمّ جَعْفَرِ بِنْتِ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنْ جَدّتِهَا أَسَمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ به، وأخرجه أحمد(6/ 370رقم27131)) وابن ماجة(1611 )من طريق ابن اسحاق.وقال الأرنؤوط: إسناده ضعيف لجهالة أم عيسى الجزار .و حسنه الألباني.ويشهد له ما بعده.

وتلحظ في هذا الخبر عدة أمور منها:

أ‌-                جواز بكاء المرأة على زوجها المتوفى: أُخذ هذا من فعل أسماء بنت عميس رضي الله عنها حينما

 نعى النبي صلى الله عليه وسلم زوجها ومن معه، فبكت وصاحت،والذي نهى عنه الإسلام هو ما كان سائدًا عند أهل الجاهلية من النواح واللطم وشق الجيوب، والتبرم بقضاء الله وقدره، وما إلى ذلك مما يكون سببًا في معصية الخالق سبحانه.

وقد ذكر ابن كثير[ في البداية والنهاية (4/353)] أن أسماء بنت عميس رثت زوجها جعفر بن أبي طالب بقصيدة تقول فيها:

عليك ولا ينفك جلدي أغبرا

    

 
    

فآليت لا تنفك نفسي حزينة

أكر وأحمر في الهياج وأصبرا

    

 
    

فلله عينا من رأى مثله فتى

هذا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البكاء بعد ثلاث, فقد دخل على أسماء وقال لها: «لا تبكوا على أخي بعد اليوم،  ولما ذكرت له أمهم يتمهم وضعفهم قال لها: «العيلة تخافين عليهم، وأنا وليهم في الدنيا والآخرة». وهذا منهج نبوي كريم خطه رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاية وتكريم أبناء الشهداء لكي تسير الأمة على نهجه الميمون.

ب- استحباب صنع الطعام لأهل الميت: وقد ندب الرسول صلى الله عليه وسلم الناس أن يصنعوا طعامًا لآل جعفر، وهذا فيه مواساة لأهل المتوفى وتخفيف مصابهم، وفي الوقت نفسه تكافل بينهم وهذه السنة خالفتها بعض الشعوب الإسلامية، وأصبح أهل الميت يصنعون الطعام للقادمين، وهذا أمر قبيح ينبغي أن يبتعد عنه المسلمون.

فائدة: وبعد أن انقضت عدة أسماء بنت عميس خطبها أبو بكر الصديق t فتزوجها، وولدت له محمد بن أبي بكر، وبعدما توفي الصديق تزوجها بعده علي بن أبي طالب، وولدت له أولادًا t وعنها وعنهم أجمعين.

[1501] -  أحمد (1/205 ، رقم 1751) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ به..وقال الأرنؤوط:إسناده حسن. ، وأخرجه أبو داود (3/195، رقم 3132) والترمذى (3/323 ، رقم 998) وقال : حسن صحيح . وابن ماجه (1/514، رقم 1610) ، والطبرانى (2/108، رقم 1472) ، والحاكم (1/527 ، رقم 1377) وقال : صحيح الإسناد

 

[1502] -  ابن هشام(4/11) قال ابن اسحاق:وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ به.. وصرح ابن اسحاق بالتحديث فالسند حسن.والحديث صحيح .

[1503] -   البخاري(1299) قال:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ :سَمِعْتُ عَائِشَةَ به.

[1504] -  البخاري(4265 ) حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ،فذكره.

[1505] -  ابن هشام(4/11)وصرح ابن اسحاق بالتحديث فالسند حسن. ولكنه مرسل.وفي الخبر ما يدل على شجاعة أطفال المسلمين وحرصهم على النصر .

[1506] -  البداية والنهاية(4/ 284) ط إحياء التراث

[1507] -  دلائل البيهقي 4 / 375 ومغازي الواقدي ج 2 / 764.

[1508] -  البداية والنهاية (4/ 283) ط إحياء التراث

([1509]) رواه مسلم،(رقم 1753)قال:حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ.

([1510]) مددي أي جاء مددا، وهو رجل من حمير كما بينته الرواية الأولى

([1511]) رواه أحمد (23997 –ت الأرنؤوط) حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ به. وأخرجه مسلم،(رقم44- 1753) وأبو داود (2719) ، وأبو عوانة (6654) ، والبيهقي 6/310، والبغوي في "شرح السنة" (2725) وأخرجه أبو داود (2720) ، وأبو عوانة (6655) ، والبيهقي 6/310 من الطريق الثاني للإمام أحمد، عن الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ  عن ثوربن يزيد الكَلاعي الحمصي عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ

([1512])رواه ابن خزيمة (2/ 953رقم 1986 ) نَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ وَبَحْرُ بْنُ نَصْرٍ الْخَوْلَانِيُّ، قَالَا: ثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، نَا ابْنُ جَابِرٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ أَبِي يَحْيَى الْكَلَاعِي ، حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ.وقال محققه د:محمد مصطفى الأعظمي: إسناده صحيح. المستدرك 1: 430 من طريق بحر بن نصر الخولاني مختصرًا وقال: صحيح على شرط مسلم.قلت: ورواه الْحَافِظُ أَبُو زُرْعَةَ بسنده في كِتَابِهِ دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ:وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (4/296)

فَصْلٌ فِي فَضْلِ هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءِ الثَّلَاثَةِ زَيْدٍ وَجَعْفَرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَمَّا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ الْكَلْبِيُّ الْقُضَاعِيُّ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم.وَذَلِكَ أنَّ أُمَّهُ  ذَهَبَتْ تزور أهلها فأغارت عليهم خيل  فَأَخَذُوهُ فَاشْتَرَاهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ لِعَمَّتِهِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، وَقِيلَ اشْتَرَاهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فَوَهَبَتْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ فَوَجَدَهُ أَبُوهُ فَاخْتَارَ الْمُقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهُ وَتَبَنَّاهُ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمَوَالِي، وَنَزَلَ فِيهِ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ مِنْهَا قَوْلُهُ تعالى [وَمَا جَعَلَ أدعياءكم أبناءكم] [الْأَحْزَابِ: 4] وَقَوْلُهُ تَعَالَى [ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عند الله] [الْأَحْزَابِ: 5] وَقَوْلُهُ تَعَالَى [مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ] [الْأَحْزَابِ: 40] وَقَوْلُهُ [وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي في نفسك ما اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا] الْآيَةَ [الْأَحْزَابِ: 37] .

أَجْمَعُوا أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ أُنْزِلَتْ فِيهِ، وَمَعْنَى أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَيْ بِالْإِسْلَامِ، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَيْ بِالْعِتْقِ،

فاللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُسَمِّ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْقُرْآنِ غَيْرَهُ، وَزَوَّجَهُ مَوْلَاتَهُ أُمَّ أَيْمَنَ  وَاسْمُهَا بَرَكَةُ فَوَلَدَتْ لَهُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْحِبُّ بْنُ الْحِبِّ، ثُمَّ زَوَّجَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنَةِ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَآخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْإِمْرَةِ عَلَى ابْنِ عَمِّهِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ مُؤْتَةَ

وَقَدْ روىالْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ - وَهَذَا لَفْظُهُ - أنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: مَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي سَرِيَّةٍ إِلَّا أمَّره عليهم، ولو بقي بعد لاستخلفه.وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ.

وَروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث بَعْثًا وأمَّر عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاس فِي إِمْرَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمْرَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ " وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أنَّه لما ذكر مصابهم وهو عليه السلام فَوْقَ الْمِنْبَرِ جَعَلَ يَقُولُ " أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ.ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ ففتح الله عليه " قَالَ وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَذْرِفَانِ، وَقَالَ وَمَا يَسُرُّهُمْ أَنَّهُمْ عِنْدَنَا.وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ شَهِدَ لَهُمْ بِالشَّهَادَةِ فَهُمْ مِمَنْ يُقْطَعُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ.

*وَأَمَّا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ فَهُوَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَكْبَرُ مِنْ أَخِيهِ عَلِيٍّ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَكَانَ عَقِيلٌ أَسَنَّ مِنْ جَعْفَرٍ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَكَانَ طَالِبٌ أَسَنَّ مِنْ عَقِيلٍ بِعَشْرِ سِنِينَ، أَسْلَمَ جَعْفَرٌ قَدِيمًا وَهَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ وكانت له هناك مَوَاقِفُ مَشْهُورَةٌ، وَمَقَامَاتٌ مَحْمُودَةٌ، وَأَجْوِبَةٌ سَدِيدَةٌ، وَأَحْوَالٌ رَشِيدَةٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ ، وَقَدْ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَقَالَ عليه

الصلاة والسلام " ما أدري أنا بأيهما أُسَرُّ، أَبِقُدُومِ جَعْفَرٍ أَمْ بِفَتْحِ خَيْبَرَ " وَقَامَ إِلَيْهِ وَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَ بَيْنِ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ لَهُ يَوْمَ خَرَجُوا مِنْ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ " أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي " فَيُقَالُ إِنَّهُ حَجَلَ عِنْدَ ذَلِكَ فَرَحًا

وَلَمَّا بَعَثَهُ إلى مؤتة جعل في الإمرة مصلياً - أي نائباً - لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَلَمَّا قُتِلَ وَجَدُوا فِيهِ بِضْعًا وَتِسْعِينَ  مَا بَيْنَ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ، وَطَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مقبل غير مدبر، وكانت قد طعنت يده اليمنى ثم اليسرى وهو ممسك للواء فَلَمَّا فَقَدَهُمَا احْتَضَنَهُ حَتَّى قُتِلَ وَهُوَ كَذَلِكَ.

فَيُقَالُ إِنْ رَجُلًا مِنَ الرُّومِ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ فَقَطَعَهُ بِاثْنَتَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَعْفَرٍ وَلَعَنَ قَاتِلَهُ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ شَهِيدٌ، فَهُوَ مِمَّنْ يقطع له بالجنة.

وجاء بالأحاديث تَسْمِيَتُهُ بِذِي الْجَنَاحَيْنِ.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ".

قَالُوا: لأنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَوَّضَهُ عَنْ يَدَيْهِ بِجَنَاحَيْنِ فِي الْجَنَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ.

وَ فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُتِلَ وَعُمْرُهُ ثَلَاثٌ وثلاثين سَنَةً.

وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْغَابَةِ كَانَ عمره يوم قتل إحدى وأربعين، قَالَ وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ.

، وَكَانَ كَرِيمًا جواداً ممدحاً، وكان لكرمه يقال له أبا المساكين لإحسانه إليهم.

روى الإمام أحمد: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا احْتَذَى النِّعَالَ وَلَا انْتَعَلَ، وَلَا رَكِبَ الْمَطَايَا وَلَا لَبِسَ الثِّيَابَ مِنْ رَجُلٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ مِنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا يُفَضِّلُهُ فِي الْكَرَمِ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ:عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَانَ خَيْرَ النَّاسِ لِلْمَسَاكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ حتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا الْعُكَّةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شئ فَنَشُقُّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا.

*وَأَمَّا ابْنُ رَوَاحَةَ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ :أَبُو مُحَمَّدٍ وَيُقَالُ أَبُو رَوَاحَةَ، وَيُقَالُ أَبُو عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ وَهُوَ خَالُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، أُخْتُهُ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَشَهِدَ الْعَقَبَةَ وَكَانَ أَحَدَ النُّقَبَاءِ لَيْلَتَئِذٍ لِبَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَشَهِدَ بَدْرًا وأُحداً وَالْخَنْدَقَ وَالْحُدَيْبِيَةَ وَخَيْبَرَ وَكَانَ يَبْعَثُهُ عَلَى خَرْصِهَا كَمَا قَدَّمْنَا وَشَهِدَ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ وَدَخَلَ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ مُمْسِكٌ بِزِمَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ بِغَرْزِهَا - يَعْنِي الرِّكَابَ - وَهُوَ يَقُولُ * خَلُّوا بَنِي الكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ * الْأَبْيَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَكَانَ أَحَدَ الْأُمَرَاءِ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ مُؤْتَةَ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ شجع المسلمين للقاء الرُّومِ حِينَ اشْتَوَرُوا فِي ذَلِكَ وَشَجَّعَ نَفْسَهُ أَيْضًا حَتَّى نَزَلَ بَعْدَمَا قُتِلَ صَاحِبَاهُ، وَقَدْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّهَادَةِ فَهُوَ مِمَّنْ يُقْطَعُ لَهُ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ.وَيُرْوَى أَنَّهُ لَمَّا أَنْشَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم شِعْرَهُ حِينَ وَدَّعَهُ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ: فَثَبَّتَ اللَّهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ * تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَأَنْتَ فَثَبَّتَكَ اللَّهُ " قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: فَثَبَّتَهُ اللَّهُ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا وَدَخَلَ الْجَنَّةَ.

وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ عَبْدَ الله ابن رَوَاحَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَسَمِعَهُ يَقُولُ " اجْلِسُوا " فَجَلَسَ مكانه خارجاً من المسجد حتى فرغ الناس مِنْ خُطْبَتِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا عَلَى طَوَاعِيَةِ اللَّهِ وَطَوَاعِيَةِ رَسُولِهِ " وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ"، وَقَدْ كَانَ مِنْ شُعَرَاءِ الصَّحَابَةِ المشهورين، ومما نقله البخاري من شعره فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وفينا رسول الله نتلوا كِتَابَهُ * إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعُ.. مختصر من البداية والنهاية ط إحياء التراث (4/ 290-295)

 

 

 

([1513]) أحن: من الحنين, وفي رواية أخن: صوت يخرج من الأنف عند البكاء.

([1514]) أتململ: أتقلب متبرمًا بمضجعي.

 

([1516]) المدخل: النافذ إلى الداخل.

([1517]) المسبل: الممطر.

([1518]) صبروا نفوسهم: حبسوها على ما يريدون، ينكلوا: يرجعوا هائبين.

([1519]) فنق: الفحول من الإبل.

([1520]) المرفل: الذي تنجر أطرافه على الأرض، يريد أن دروعهم سابغة.

([1521])تأفل: تغيب، أتظر السيرة النبوية لابن هشام (4/33، 34).

 

([1523]).مِنَ الْمُهَاجِرِينَ:جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَمَوْلَاهُمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْكَلْبِيُّ، وَمَسْعُودُ بْنُ الْأَسْوَدِ ابن حَارِثَةَ بْنِ نَضْلَةَ الْعَدَوِيُّ، وَوَهْبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ.

وَمِنَ الْأَنْصَارِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَعَبَّادُ بْنُ قَيْسٍ الْخَزْرَجِيَّانِ، وَالْحَارِثُ بْنُ النُّعْمَانِ النَّجَّارِيُّ، وَسُرَاقَةُ بْنُ عَمْرِو الْمَازِنِيُّ، أَرْبَعَةُ نَفَرٍ.

فَمَجْمُوعُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ هَؤُلَاءِ الثَّمَانِيَةُ على ما ذكره بن إِسْحَاقَ.وزاد ابْنُ هِشَامٍ:عن ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ: أَبُو كُلَيْبٍ وَجَابِرٌ ابْنَا عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَوْفِ الْمَازِنِيَّانِ ، وَعَمْرٌو وَعَامِرٌ ابْنَا سَعْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبَّادِ فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَيْضًا فَالْمَجْمُوعُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا.انظر البداية والنهاية(4/ 295)

 

([1524]) في هذه الغزوة دروس وعبر كثيرة منها: .

1)     تشييع الجند والوصية بالتحلي بأخلاق الإسلام في القتال كما كان يوصي بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ أمراء الجيوش والسرايا ألا يغدروا ولا يغلوا ولا يقتلوا طفلا ولا امرأة ولا منقطعا للعبادة..وكذلك فعل  أبو بكر - خليفته من بعده- عندما شيع أمراء الجيوش إلى الشام وأوصاهم بذلك. فعَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَعَثَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى الشَّامِ، فَمَشَى مَعَهُ يُشَيِّعُهُ، قَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ: إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ مَاشِيًا وَأَنَا رَاكِبٌ. قَالَ: فَقَالَ: " إِنَّكَ خَرَجْتَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنِّي أَحْتَسِبُ فِي مَشْيِي هَذَا مَعَكَ. ثُمَّ أَوْصَاهُ، فَقَالَ: " لَا تَقْتُلُوا صَبِيًّا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا شَيْخًا كَبِيرًا، وَلَا مَرِيضًا، وَلَا رَاهِبًا، وَلَا تَقْطَعُوا مُثْمِرًا، وَلَا تُخْرِبُوا عَامِرًا، وَلَا تَذْبَحُوا بَعِيرًا وَلَا بَقَرَةً إِلَّا لِمَأْكَلٍ، وَلَا تُغْرِقُوا نَخْلًا، وَلَا تُحْرِقُوهُ "[السنن الكبرى للبيهقي(9/ 153 رقم18152)] وروى ابن زنجويه في الأموال (2/ 478رقم759) بسند قوي عن سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ - لَمَّا بَعَثَ الْجُيُوشَ نَحْوَ الشَّامِ، يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَشُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ، فَلَمَّا رَكِبُوا مَشَى أَبُو بَكْرٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ مَعَهُمْ يُوَدِّعُهُمْ، حَتَّى بَلَغَ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ، ثُمَّ جَعَلَ يُوصِيهِمْ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، اغْزُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ دِينَهُ، وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَجْبُنُوا وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَلَا تَعْصُوا مَا تُؤْمَرُونَ بِهِ،

2)    تعتبر هذه المعركة من أهم المعارك التي وقعت بين المسلمين وبين النصارى

 الصليبيين من عرب وعجم؛ لأنها أول صدام مسلح ذي بال بين الفريقين، وأثرت تلك المعركة على مستقبل الدولة الرومانية، فقد كانت مقدمة لفتح بلاد الشام وتحريرها من الرومان. ونستطيع أن نقول إن تلك الغزوة هي خطوة عملية قام بها النبي صلى الله عليه وسلم للقضاء على دولة الروم المتجبرة في بلاد الشام، فقد هز هيبتها من قلوب العرب، وأعطت فكرة عن الروح المعنوية العالية عند المسلمين، كما أظهرت ضعف الروح المعنوية في القتال عند الجندي الصليبي النصراني وأعطت فرصة للمسلمين للتعرف على حقيقة قوات الروم، ومعرفة أساليبهم في القتال.

3)   الشجاعة النادرة للمسلمين مما أدى إلى ثباتهم وهو ثلاثة آلاف وعدوهم مائتا ألف.

4)    حب الشهادة والحرص عليها : إن الصبر والثبات والتضحية التي تجلت في كل واحد من

 الأمراء الثلاثة وسائر الجند كان مبعثها الحرص على ثواب المجاهدين, والرغبة في نيل الشهادة لكي يكرمهم الله برفقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, ويدخلوا جنات الله الواسعة التي فيها ما لا عين رأت ولا إذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

5)    تميز هذه المعركة عن سائر المعارك: فهي الوحيدة التي جاء خبرها من السماء، إذ نعى

 النبي صلى الله عليه وسلم استشهاد الأبطال الثلاثة قبل أن يصل الخبر من أرض المعركة، بل وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أحداثها، وتمتاز أيضا عن غيرها بأنها الوقعة الوحيدة التي اختار النبي صلى الله عليه وسلم لها ثلاثة أمراء على الترتيب: زيد بن حارثة، جعفر بن أبي طالب، عبد الله بن رواحة.

6)      إكرام النبي صلى الله عليه وسلم لآل جعفر

7)    . درس عظيم- في فقه القيادة- يقدمه لنا الصحابي الجليل ثابت بن أقرم العجلاني، عندما أخذ

اللواء بعد استشهاد عبد الله بن رواحة آخر الأمراء، وذلك أداء منه للواجب؛ لأن وقوع الراية معناه هزيمة الجيش، ثم نادى المسلمين أن يختاروا لهم قائدًا، وفي زحمة الأحداث قالوا: أنت، قال: ما أنا بفاعل.. فاصطلح الناس على خالد. وفي رواية: أن ثابتًا مشى باللواء إلى خالد، فقال خالد: لا آخذه منك، أنت أحق به فقال: والله ما أخذته إلا لك. إن ثابتًا لم يكن عاجزًا عن قيادة المسلمين، وهو ممن حضر بدرًا، ولكنه رأى من الظلم أن يتولى عملاً وفي المسلمين من هو أجدر به منه، حتى ولو لم يمضِ على إسلامه أكثر من ثلاثة أشهر؛ لأن الغاية هي السعي لتنفيذ أوامر الله على الوجه الأحسن والطريقة الأمثل، إن كثيرًا ممن يتزعمون قيادة الدعوة الإسلامية اليوم يضعون العراقيل أمام الطاقات الجديدة، والقدرات الفذة خوفًا على مكانتهم القيادية، وامتيازاتهم الشخصية، وأطماعهم الدنيوية، فعلى أولئك القادة أن يتعظوا من هذا الدرس البليغ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

8)     درس نبوي في احترام القيادة لإن الأمة التي لا تقدر رجالها ولا تحترمهم لا يمكن أن

 يقوم فيها نظام، إن التربية النبوية استطاعت بناء هذه الأمة بناء سليمًا، وما أحرى المسلمين اليوم أن يكون كل إنسان في مكانه، وأن يحترم ويقدر بمقدار ما يقدم لهذا الدين، فخالد بن الوليد حين منع المجاهد سلبه لم يقصد الإساءة إليه، وإنما اجتهد فغلَّب جانب المصلحة العامة، حيث استكثر ذلك السلب على فرد واحد، ورأى أنه إذا دخل في الغنيمة العامة نفع عددًا أكبر من المجاهدين، وعوف بن مالك أدى مهمته في الإنكار على خالد، ثم رفع الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما لم يقبل خالد قوله، وكان المفترض أن تكون مهمته قد انتهت بذلك؛ لأنه والحال هذه قد دخل في أمر من أوامر الإصلاح، وقد تم الإصلاح على يديه، ولكنه تجاوز هذه المهمة حيث حول القضية من قضية إصلاحية إلى قضية شخصية، فأظهر شيئًا من التشفي من خالد، ولم يقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، بل أنكر عليه إنكارًا شديدًا وبيَّن حق الولاة على جنودهم، وكون النبي صلى الله عليه وسلم أمر خالدًا بعدم رد السلب على صاحبه لا يعني أن حق ذلك المجاهد قد ضاع؛ لأنه لا يمكن أن يأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسانًا بجريرة غيره، فلا بد أن ذلك المجاهد قد حصل منه الرضا، إما بتعويض عن ذلك السلب أو بتنازل منه أو غير ذلك فيما لا يذكر تفصيله في الخبر.

9)     عبقرية خالد العسكرية ، وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بأن الفتح جاء على يديه،

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «هل أنتم تاركون لي أمرائي» وسام آخر يضاف إلى خالد  t حيث عد من أمراء الرسول صلى الله عليه وسلم, وهذا من المنهاج النبوي الكريم في تقدير الرجال.

10) مقاييس الإيمان وأثرها في المعارك:توقف الجيش الإسلامي في معان يناقش كثرة جيش العدو،

 وكانت المقاييس المادية لا تشجعهم على خوض المعركة، ومع ذلك تابعوا طريقهم ودخلوا بمقاييس إيمانية، فهم خرجوا يطلبون الشهادة فلماذا إذن يفرون مما خرجوا لطلبه .

قال زيد بن أرقم: كنت يتيمًا لعبد الله بن رواحة في حجره، فخرج بي في سفره ذلك مردفي على حقيبة رحله، فوالله إنه ليسير ليلة إذ سمعته ينشد أبياتًا منها:

بأرض الشام مشتهى الثواء

    

 
    

وجاء المسلمون وغادروني

فلما سمعتها منه بكيت, قال: فخفقني بالدرة، وقال: وما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل.

إن التأمل بعمق في غزوة مؤتة يساعدنا في معالجة الهزيمة النفسية والروحية التي تمر بها الأمة, وإقامة الحجة على القائلين بأن سبب هزيمتنا التفوق التكنولوجي لدى الأعداء

[1525] -  صحيح البخاري (5/166)

[1526] -   هو عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سُعَيْد بن سَهْم، القرشي السهمي، أمير مِصْر، يكنى أبا عبد الله وأبا محمد.أسلم  بين الحُدَيْبية وخيبر. وقيل: قبل الفتح سنة ثمانِ

ولما أسلم كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرِّبه ويُدْنيه لمعرفته وشجاعته، وولاَّه غزاة ذات السلاسل من مشارف الشام، ثم استعمله على عُمان، فمات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو أميرها.

ثم كان من أمراء الأجناد بالشام في زمن عمر، وولاه عمرُ فلسطين .

أمره عمر بالمسير إلى مصر، فافتتحها ووليها له، فبقي عليها حتى استُخلف عئمان فعزله عنها بعد حينِ بعبد الله بن أبي سَرْح.

ثم لم يَزَلْ عمْرٌو بغير إمرة إلى أن كانت الفتنة بين عليٍّ ومعاوية، فلحق بمعاوية، فكان معه يُدبِّر أمره في الحرب إلى أن جرى أمرُ الحكمين، وهو أحدُهما، ثم سار في جيش جهَّزه معاويةُ إلى مصر، فوليها لمعاوية من صفر سنة ثمان وثلاثين إلى أن مات سنة ثلاث وأربعين على الصحيح الذي جزم به ابن يونس وغيره من المتقنين، وقيل قبلها بسنة، وقيل بعدها، وعاش نحواً من تسعين عاماً.كان أكبر من عُمَر بنحو خمس سنين، وعاش بعده عشرين سنة. انظر "السير" 3/54-77، و" الإصابة" 4/650- 654.

[1527] - ابن سعد (2/131)

[1528] - ابن هشام(4/178)وأخرجه البيهقي في الدلائل (4/399-400) بسنده عن ابن اسحاق عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي مرسلاً .وذكر نحوه البيهقي ايضًا(4/395-396) بسنده عن موسى بن عقبة وعروة بن الزبير   .

[1529] - رواه أحمد (  1698- ت الأرنؤوط  ) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ فذكره.وقال الأرنؤوط:  رجاله ثقات رجال الصحيح، إلا أنه مرسل، عامر- وهو ابن شراحيل الشعبي- لم يدرك القصة فحكاها مرسلة. داود: هو ابن أبي هند.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(6/ 206)  وقال: رواه أحمد، وهو مرسل، ورجاله رجال الصحيح.أهـ

وارتبع أمر القوم: أي انتظر أن يؤَمر عليهم.

[1530] - رواه الحاكم (3/ 45رقم 4357  ) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.فذكره. وقال الحاكم:" هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ " وصححه الذهبي .

[1531] - رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني(2/ 103رقم 804 )قال:حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، نا أَبِي، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ..و إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين.و يحيى بن سعيد: هو ابن أبان بن سعيد بن العاص الأموي.

وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(7/ 349  رقم 36637)عن أبي أسامة عن إسماعيل عن قيس به. وأخرجه الترمذي( 3886 ) عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن يحيى بن سعيد الأموي،عن اسماعيل بهذا الإسناد مختصراً. وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث إسماعيل، عن قيس

وأخرجه مختصراً أيضاً أحمد في "فضائل الصحابة"( 1637)والحاكم 4/12 من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد، به. ورواه ابن حبان برقم( 4540) من طريق يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ ،وبرقم (7062 )من طريق علي بن مسهر، كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد.به.وصححه الأرنؤوط.

وأخرجه الحاكم 4/12 بنحوه من طريق عثمان بن أبي شيبة، عن جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، عن عمرو بن العاص .

 

[1532] - البخاري (4358 ) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ به.. خالد الحذاء: هو ابن مهران، وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهديُّ.

وأخرجه  مسلم (2384) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (1235) ، وابن حبان (6900) ، والبيهقي في "السنن" 7/299 و10/233 من طريق خالد بن عبد الله الواسطي، والبيهقي في "الدلائل" 4/400-401، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 13/ورقة 508 من طريق علي بن عاصم، كلاهما عن خالد الحذاء، به.

 وزاد البيهقي في "الدلائل" وابن عساكر قوله: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

على جيش ذي السلاسل وفي القوم أبو بكر وعمر، فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على أبي بكر وعمر إلا لمنزلةِ لي عنده، فأتيته حتى قعدت بين يديه ... ثم ذكر الحديث. وقال في آخره: قلتُ في نفسي: لا أعود أسأل عن هذا.

وأخرجه أحمد(17811-ت الأرنؤوط)عن يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، عن عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ به. والترمذي (3885) عن إبراهيم بن يعقوب ومحمد بن بشار، والنسائي في "الكبرى" (8117) عن عبد الله بن سعيد السرخسي، كلاهما عن يحيى بن حماد، بهذا الإسناد- ولم يرد السؤال عن عمر بن الخطاب عند الترمذي، وقال حديث حسن صحيح.

وأخرجه البخاري في "الصحيح" (3662) ، وفي "التاريخ الكبير" 6/24، والبيهقي 6/370، والبغوي (3869) من طريق معلى بن أسد، وابن حبان (6885) من طريق أبي كامل الجحدري، كلاهما عن عبد العزيز بن المختار، به.

وأخرجه بنحوه أحمد في "فضائل الصحابة" (1637) ، والترمذي (3886) ، وابن أبي عاصم (1236) ، والنسائي في "الكبرى" (8106) ، وابنحبان (4540) و (7106) ، والحاكم 4/12 من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عمرو بن العاص.

وأخرجه ابن سعد 3/176، والمصنف في "الفضائل" (214) و (1281) ، وابن أبي عاصم (1233) ، وأبو يعلى (7345) ، وابن حبان (6998) من طريق سعيد بن إياس الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن عمرو بن العاص. وذكر أحمد وابن أبي عاصم وأبو يعلى أبا عبيدة بن الجراح بدل عمر بن الخطاب، وذكرهما ابن حبان جميعاً، ولم يذكرهما ابن سعد.

وأخرجه الحاكم 4/12 من طريق مغيرة بن مقسم الضبي، عن عامر الشعبي، عن عمرو بن العاص، ولم يذكر فيه عمر بن الخطاب.

وفي الباب عن أنس بن مالك عند ابن ماجه (101) ، والترمذي (3890) ، وابن حبان (7107) ، والحاكم 4/12، وأبي نعيم في "تاريخ أصبهان" 1/94 و132.

وعن عائشة أم المؤمنين عند أحمد في "فضائل الصحابة" (215) ، وأبي يعلى (4732) و (4800) .

 

[1533] - أبو داود في سننه(334) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ أَخْبَرَنَا أَبِى قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِى أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ الْمِصْرِىِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ به.. وصححه الألباني.وأخرجه أحمد (4/203 ، رقم 17845) وقال الأرنؤوط:. حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات غير يحيي بن أيوب -وهو الغافقي المصري- فصدوق حسن الحديث، وقد توبع, وعلقه البخاري مختصراً قبل الحديث (345)، وذكر الحافظ في "الفتح" 1/ 454 مَن وصله والاختلاف في إسناده، وقوَّى إسناد أبي داود.

وأخرجه الحاكم 1/ 177 - 178، والدارقطني (681) من طرق عن وهب بن جرير، بهذا الإسناد.وأخرجه أحمد (17812)، وابن عبد الحكم في "فتوح مصر" ص 249 من طريقين عن عبد الله بن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، به. وابن لهيعة حسن الحديث في المتابعات...

وأخرج عبد الرزاق (878) عن ابن جريج، أخبرني إبراهيم بن عبد الرحمن الأنصاري، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عبد الله بن عمرو، عن أبيه: أنه أصابته جنابة وهو أمير الجيش، فترك الغسل من أجل آية، قال: إن اغتسلت متُّ، فصلى بمن معه جنباً، فلما قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرَّفه بما فعل، وأنبأه بعذره، فسكت. ورواه من طريق عبد الرزاق الطبراني في "الكبير" كما في "تغليق التعليق" لابن حجر 2/ 191، إلا أنه قال: إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الرحمن الأنصاري. قال ابن حجر: هذا إسناد جيد، لكني لا أعرف حال إبراهيم هذا. وكذا لم يعرفه الهيثمي في "المجمع"(1/263)

قال ابن الملقن في "البدر المنير"(2/633): يؤخذ من الحديث جواز التيميم لخوف التلف مع وجود الماء، وجوازه للجنب، ولشدة البرد في السفر، وسقوط الإعادة، وصحة اقتداء المتوضئ بالمتيمم، وأن التيمم لا يرفع الحدث، واستحباب الجماعة للمسافرين، وأن صاحب الولاية أحق بالإمامة في الصلاة، وإن كان غيره أكمل طهارة أو حالاً منه، وأن التمسك بالعمومات حجة صحيحة .أهـ

 

[1534] - رواه الطبراني في المعجم الكبير (5/ 21 رقم 4467  ) قال:حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، ثنا إِسْرَائِيلُ،( ح، وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ، ثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، ثنا إِسْرَائِيلُ) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ به.ورجال الطريق الثاني كلهم ثقات.أما الطريق الأول ففيه: عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ وهو ضعيف جدا.كما ذكره صاحب كتاب إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني (ترجمة رقم 596)

والحديث رواه أبو داود- بسند صحيح- في الزهد( رقم 25) قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: نا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَارِقٍ بن شهاب به..ورواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني(2496 ) قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَجَّاجٍ السَّامِيُّ، ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ به. والحديث صحيح.

[1535] - البخاريُ في "التاريخ الكبير"( 2/261 ) قال:حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَبُو الْمُنْذِرِ الْقَارِئُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَسَّانَ بْنِ كَلَدَةَ الْبَكْرِيِّ فذكره.ورواه احمد(15952 -أرنؤوط) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَسَّانَ الْبَكْرِيِّ، وإسناد أحمد منقظع ،فإن عاصم بن أبي النجود لم يدرك الحارث بن حسان، بينهما أبو وائل شقيق بن سلمة، كما سبق في سند البخاري. ونبه على انقطاعه ابنُ عبد البر في "الاستيعاب" 2/231، والمِزِّي في "تهذيب الكمال" في ترجمة الحارث بن حسان وابن كثير في "السيرة النبوية" 4/165.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (3328) و (3329) من طريق الإمام  أحمد، بهذا الإسناد.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/512، وابنُ ماجه (2816) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1666) ، والطبراني (3327) و (3329) من طريق أبي بكر بن عياش، به.

وهو في المسند متصلا من طريق سلام مطولاً برقم (15953) و (15954) .

 

 

[1536] - ابن هشام(4/178) قالَ ابْنُ إسْحَاقَ : أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنّهُ حُدّثَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيّ ،فذكره. وشيخ يزيد بن حبيب مجهول ، ويزيد بن حبيب عالم مصر فقيه ثقة من صغار التابعين(من الطبقة الخامسة) ولم يدرك الصحابي عوف بن مالك.

 

[1537] - ابن أبي شيبة ( 38097) حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به. ورجال الإسناد ثقات  رجال مسلم إلا ان ابن اسحاق عنعنه هنا.ولكنه صرح بالتحديث كما عند الطبراني في الكبير(8/10- رقم 7264) فأمن تدليسه فالحديث حسن.

 

[1538] - الحاكم (3/ 45  رقم  4358) قال:حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ الْأَزْدِيُّ، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.وسكت عنه الذهبي في التلخيص. قلت:رجال الإسناد رجال الشيخين إلا شيخ الحاكم وهو ثقة وقد رواه عن جده لأمه فهو سبط معاوية بن عمرو الأزدي وقال صاحب  كتاب إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني(ترجمة رقم 803) قال ابن عقدة: سمعت عبد الله بن أحمد، ومحمد بن عبدوس، يقولان: ثقة لا بأس به. قال ابن الجوزي: قال عبد الله بن أحمد، ومحمد بن عبدوس: هو ثقة لا بأس به،و قال الذهبي: وثقه عبد الله بن أحمد بن حنبل. وقال في موضع آخر: كان ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن العماد: كان إماما حافظا ثقة من الرؤساء. وقال الألباني: وثقه عبد الله بن أحمد، ومحمد بن عبدوس؛ كما في " تاريخ بغداد ".أهـ .قلت:محمد بن أبي حفصة (محمد بن ميسرة أبو سلمة البصري)صدوق يخطيء- كما في التقريب- وقال الذهبي في السير(7/59):رَوَى لَهُ: الشَّيْخَانِ فِي المُتَابَعَاتِ، مَا أَظُنُّ أَنَّ وَاحِداً مِنْهُمَا جَعَلَهُ حُجَّةً.أهـ. وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب 9 / 123

 

[1539] - ابن هشام(4/17) قال ابن اسحاق: حَدّثَنِي الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا فذكره.. وهو حديث صحيح ،وهذا اسناد حسن من أجل ابن اسحاق وقد صرح بالتحديث .

 

[1540] -  مصنف ابن أبي شيبة(38055) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ به. ورجال الإسناد محتج بهم في الصحيحين، ومحمد بن عمرو (بن علقمة بن وقاص الليثى) ليس به بأس، وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب 9 / 376 .والخبر أوله صورة المرسل ولكن في آخره ذكر عائشة رضي الله عنها فيبدو أنهما روياه عنها فيكون متصلا، وذكر ابن اسحاق نحوه بلا اسناد.

 

[1541] -  مصنف ابن أبي شيبة(38057) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ به.. وهو مرسل صحيح .رجاله رجال البخاري. وذكر ابن اسحاق و مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ في سبب هذه الغزوة  نحوه بلا سند .

 

[1542] - ابن هشام(4/ 20) وذكره بلا سند

[1543] -  ابن هشام(4/22) وسنده حسن إلا أنه مرسل .

 

[1544] -  أحمد(3/350) حدثَنَا حُجَيْنٌ وَيُونُسُ قَالَا: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ به.. قال ابن كثير: وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.وكذا قال الأرنؤوط

[1545] -  البخاري(4274) حدثَنَا قُتَيْبَةُ، حدثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ، به..و الحديث َأَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ، إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ

[1546] - ابن هشام(4/ 22)

[1547] - سيرة ابن هشام(4/ 21) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ به. وذكره في البداية والنهاية(4/322) والحديث حسن. ورجاله ثقات

[1548] -ذكره في البداية والنهاية(4/322)

 

[1549] - ابن هشام(4/ 22) قال ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ به..وهذا إسناد حسن من اجل ابن اسحاق, والحديث صحيح .أخرجه البخاري كما سيأتي بعده

 

[1550] - الْبُخَارِيُّ ( 4276 ) حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ به

 

[1551] - البخاري: 4275 – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ ...

 

[1552] - مسلم(1114)  حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الْمَجِيدِ - حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ به

 

[1553] - ابن هشام(4/24) من مراسيل الزهري

 

[1554] - رواه الحاكم (3/ 46 رقم 4359 )حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.فذكره.وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْهُمَا حَلِيمَةُ، وَابْنُ عَمِّهِ، ثُمَّ عَامَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُعَامَلَاتٍ قَبِيحَةٍ، وَهَجَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ حَتَّى أَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي، يَقُولُ فِيهَا:

هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ

الْحَدِيثُ وَالْقَصِيدَةُ بِطُولِهَا مُخَرَّجَةٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِمُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ كَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَهْجُوَهُ فَلَا يَأْذَنُ لَهُ أهـ. وقال الذهبي:على شرط مسلم. وانظر السيرة لابن هشام(4/24)

 

 

[1555] - الْبُخَارِيُّ ( 5453 ) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ به

[1556] - البخاري ( َ5489 ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ به. وأخرجه الطيالسي (2066) ، والدارمي (2013) ،وابن أبي شيبة(24276) ،وأحمد(12182-أرنؤوط)، ومسلم (1953) ، والترمذي (1789) ، والنسائي 7/197، وابن الجارود (891) ، وأبو عوانة 5/182-183 و183 و183-184، والبيهقي 9/320، والبغوي (2801) من طرق عن شعبة، بهذا الإسناد.

وقوله: "أنْفجْنا"، قال السندي: هو بنون وفاء وجيم من الإنفاج: وهو التهيج والإثارة.

وقوله: "مر الظهران": هو موضع قرب مكة.

[1557] - قال ابن حزم: هذا نص في أنها فتحت صلحاً لا عنوة.

وهذا أحد أقوال العلماء وهو الجديد من مذهب الشافعي.واستدل على ذلك أيضاً بأنها لم تخمس ولم تقسم.

والذين ذهبوا إلى أنها فتحت عنوة استدلوا بأنهم قد قتلوا من قريش يومئذ عند الخندمة نحواً من عشرين رجلاً، واستدلوا بهذا اللفظ أيضاً: "فهو آمن".انظر الفصول في السيرة لابن كثير _ص 200)

[1558] - الطبراني في الكبير (8/ 10 رقم  7264 -  ) قال:حَدَّثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.وهو حديث صحيح. وشيخ الطبراني عبد الله بن الحسن أبو شعيب الحراني معمر صدوق قال الدارقطنيُّ ثقة مأمون لسان الميزان (3 /271)، وشيخه عبد الله بن محمَّد بن علي بن نفيل أبو جعفر النفيلي الحراني ثقة حافظ, تقريب التهذيب (321) ومحمَّد بن سلمة بن عبد الله الباهلي مولاهم الحراني ثقة تقريب التهذيب (481)]. وقد رواه ابن إسحاق كما في السيرة لابن هشام(2/399- 405= ت السقا) ومن طريقه أخرجه أبو داود-مختصرًا-(3021و 3022) والحاكم(4359  ) والطحاويُّ في شرح معاني الآثار (3 / 319) والطبراني وغيرهم، وسياق الطبراني- هذا- أطولها وأتمها.

 

[1559] - البخاري) 4280 (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عروة به

 

[1560] -  البخاري( 1579 ) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ به..ورواه مسلم(1258 ) عاليًا فقال:حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ به

 

[1561] -   أحمد( 6/201رقم25697 ) حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ به..وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

 

[1562] - البخاري(1576 ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ به

 

[1563] - مُسْلِمٌ( 1358 )حدثنا قُتَيْبَةَ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى، أخبرنا مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ به

 

[1564] - مُسْلِمٌ (1359)حدثنا ابن أبي شيبة والحسن الحلواني قالا حدثنا أَبِو أُسَامَةَ، عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ،قال:سمعت جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِيهِ به.

 

[1565] - البخاري( 4286) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ به

[1566] -أبو داود(2592) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ هو ابْنُ رَاهَوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ به.. وصححه الألباني

 

[1567] - رواه البيهقي في الدلائل( 5/ 68) قال:أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فذكره..وسنده  حسن،  و أخرج نحوه أبو داود في الجهاد باب في الرايات والألوية (2591و 2592 ) ، والحاكم 2/ 104

المرط: كسَاء من صوف.والمرجل: الذى فِيهِ صور الرِّجَال .

 

[1568] - ابن أبي شيبة (6/533رقم 33611) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ به

[1569] - ابن هشام(4/27)(2/405 – ت السقا). ومعنى العثنون: طرف اللحية.

[1570] - رواه الحاكم (3/49رقم 4365 )قال: أَخْبَرَنِي دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ السِّجْزِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فذكره ثم قال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "وسكت عنه الذهبي في التلخيص . قلت:أخرجه أبو يَعْلى عن أنس رضي الله عنه قال: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ اسْتَشْرَفَهُ النَّاسُ فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى رَحْلِهِ تَخَشُّعًا". قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن أبي بكر المقدَّمي وهو ضعيف. اهـ. وأخرجه البيهقي عن أنس بلفظ: دخل رسول الله مكة يوم الفتح وذقته على راحلته متخشِّعاً.وضعفه ابن عدي وخرج له هذا الحديث -في كتابه الكامل في الضعفاء(5/ 425)  وذكره ابن حجر عنه في لسان الميزان -  من طريق أبي يعلى  حدثنا عبد الله بن أبي بكر حدثنا جعفر عن ثابت، عَن أَنس، فذكره ثم قال ابن عَدِي: رأيت من رواه عن جعفر غير المقدمي.. ومقدار ما لعبد الله المقدمي غير محفوظ.أهـ وذكره ابنُ حِبَّان في الثقات وقال: كان يخطىء. أهـ لسان الميزان ت أبي غدة (4/ 443)

 

[1571] -البخاري (4281) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ به

 

[1572] - البخاري: 4282 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فذكره..وقال البخاري : قَالَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ( أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا فِي حَجَّتِهِ) وَلَمْ يَقُلْ يُونُسُ (حَجَّتِهِ ،وَلَا زَمَنَ الْفَتْحِ)

 

[1573] - البخاري(4284 ) حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به

 

[1574] - مسلم ( 1314 ) حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف عن أبي هريرة .

[1575] - ابن هشام(4/28) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ،فذكره.  وسنده حسن. .وأخرجه أحمد(6/349-350)والحاكم (3/46-47)وصححه وابن حبان

[1576] -  رواه أحمد(12635 – ت الأرنؤوط) قال:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيُّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ خِضَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ شَابَ إِلَّا يَسِيرًا، وَلَكِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعْدَهُ خَضَبَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ: وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ..فذكر تمام الحديث...وقال الأرنؤوط:إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن سلمة الحراني، فمن رجال مسلم. هشام: هو ابن حسان القُرْدُوسي.

وأخرجه أبو عوانة في المناقب كما في "إتحاف المهرة" 1/123-124 عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد.

وأخرجه أبو زرعة الدمشقي في "تاريخ دمشق" (22) ، والبزار (2981- كشف الأستار) ، وأبو يعلي (2831) ، وأبو عوانة، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3686) ، وابن حبان (5472) ، والحاكم 3/244 من طرق عن محمد بن سلمة، به

 

[1577] - رواه الحاكم (3/ 50 رقم4366 ) قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ.فذكره..وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "ووافقه الذهبي

 

[1578] - رواه ابن أبي شيبة( 38083) قال:حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ..وفيه عنعة ابن اسحاق لكنه صحيح من طريق آخر رواه مُسْلِمٍ "( 336 ) قال:حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِى النَّضْرِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِى طَالِبٍ

 

[1579] - فِي بعض المصادر: حُبَيْش بِالحاء والْبَاء والشين. انْظُر ابْن سيد النَّاس 2/ 183.

 

[1580] - السيرة لابن هشام(2/407-409 :ت السقا) وهو مرسل.وانظر جوامع السيرة لابن حزم(ص:184) ط:دار الكتب العلمية.بيروت

[1581] - ابن هشام(4/29-32)أو (2/409-411 :ت السقا)

 

[1582] - ابن أبي شيبة(7/404 رقم 36913) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ ، قَالَ : زَعَمَ السُّدِّيُّ ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ به. ورواه أبو يعلى(2/100رقم 757) عن ابن أبي شيبة به..وصححه محققه: حسين أسد ,وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ(4067) عن القاسم بن زكريا عن أحمد بن مفضل به..وصححه الألباني. وأخرجه البزار(3/350 رقم 1151) عن يوسف بن موسى عن أحمد بن المفضل به.وقال: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا عَنْ سَعْدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ

وأخرجه مختصرًا الحاكم (3/ 47 رقم 4360) وقال صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

[1583] - البخاري ( 1846 )حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ به..و أخرجه مسلم في الحج (رقم 1357) عن عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،كلهم عن مالك به.

الشرح:(المغفر) زرد ينسج من الدرع على قدر الرأس أو ما غطى الرأس من السلاح وقيل حلق يتقنع بها المتسلح ويستر بها وجهه غير عيينه. (رجل) هو أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه. (ابن خطل) واسمه عبد الله أمر بقتله لأنه أسلم فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجمع الزكاة وبعث معه رجلا من الأنصار فقتله في الطريق وارتد مشركا واتخذ قينتين أي مغنيتين تغنيان له بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم]

 

[1584] - البيهقي(5/60)أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ الْكُوفِيُّ، ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ به.وفي سنده الحكم بن عبد الملك البصري ضعيف.وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب 2 / 431

[1585] - الحاكم(5055) حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، ثنا الْحُسَيْنُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ حَدَّثَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ..و حذفه الذهبي من التلخيص لضعفه.

[1586] - مُسْلِمٍ "( 336 ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِى النَّضْرِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِى طَالِبٍ به

 

[1587] -  جوامع السيرة لابن حزم( ص:185-186) ط العلمية

[1588] - ابن هشام(4/32) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ،عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ به..وسنده حسن رجاله رجال الشيخين إلا ابن اسحاق فمن رجال مسلم ولم يروي له البخاري إلا تعليقا..

[1589] - رواه البخاري ( 2988 ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ يُونُسُ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنْ ابن عمر.

ورواه ابن خزيمة(3010) بلفظ: "دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ وَهُوَ عَلَى نَاقَةٍ لِأُسَامَةَ، حَتَّى أَنَاخَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بِالْمِفْتَاحِ، فَذَهَبَ إِلَى أُمِّهِ، فَأَبَتْ أَنْ تُعْطِيَهُ، فَقَالَ: لَتُعْطِينِي، أَوْ لَيَخْرُجَنَّ السَّيْفُ مِنْ صُلْبِي، فَدَفَعَتْهُ إِلَيْهِ، فَفَتَحَ الْبَابَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَدَخَلَ مَعَهُ عُثْمَانُ وَبِلَالٌ وَأُسَامَةُ، فَأَجَافُوا الْبَابَ مَلِيًّا، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكُنْتُ رَجُلًا شَابًّا قَوِيًّا فَبَدَرَ النَّاسُ، فَبَدَرْتُهُمْ، فَوَجَدْتُ بِلَالًا قَائِمًا عَلَى الْبَابِ، قَالَ: يَا بِلَالُ! أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ، وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى"وأخرجه أحمد (4464-أرنؤوط))عن هشيم عن ابْن عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ به.وزاد معهم الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وهي زيادةشاذة لم ترد في الطرق الخرى الصحيحة لهذا الحديث،وأخرجه مسلم (1329) (392) ، والنسائي في "المجتبى" 5/216-217 من طريق خالد بن الحارث، عن عبد الله بن عون، به. ولم يذكرا فيه الفضل بن عباس.

وأخرجه مالك، في "الموطأ" 1/398، وأحمد(4891-أرنؤوط)والحميدي (692) ، والبخاري (468) و (504) و (505) و (2988) و (4400) ، ومسلم (1329) (388) و (389) و (390) (391) ، وأبو داود (2023) و (2025) ، وابن ماجه (3063) ، والنسائي في "المجتبى" 2/63، والدارمي 2/53، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/389 و 1/390، وابن حبان (3202) (3203) (3204) ، والبيهقي في "السنن" 2/326، والبغوي في "شرح السنة" (447) من طرق، عن نافع، بهذا الإسناد، ولم يذكروا الفضل بن عباس.

قال الحافظ في "الفتح"( 3/468): لم يثبت أن الفضل كان معهم إلا في رواية شاذة.

 

[1590] -  وقد نفي الفضل بن عباس صلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الكعبة في حديثه في المسند برقم (1795-أرنؤوط) " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَامَ فِي الْكَعْبَةِ فَسَبَّحَ وَكَبَّرَ، وَدَعَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتَغْفَرَ، وَلَمْ يَرْكَعْ وَلَمْ يَسْجُدْ "وهوحديث  صحيح على شرط مسلم ، وأخرجه الطبراني (745) من طريق محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، عن الفضلِ بنِ عباس أنه دخل مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكعبة وبلال على الباب فقال: لم يصل، وقال بلال: صلى". والصحيح والله أعلم أن المثبت مقدم على النافي والذين دخلوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - هم الذين رووا أنه صلى داخلها، وهم أعلم بذلك ممن لم يدخل معه وهو ابن عباس، فإن قيل:ابن عباس أخذ ذلك عن أخيه الفضل.قلنا لم يثبت أن الفضل دخلها إلا في رواية شاذة.وقد صح إثبات الصلاة فيها عن بلال وأسامة من رواية ابن عمر عنهما.

وقد جمع الحافظ في "الفتح ( 3/468-469) بين روايتي النفي والإثبات.فقال: وَقَدْ يُقَدَّمُ إِثْبَاتُ بِلَالٍ عَلَى نَفْي غَيْرِهِ لِأَمْرَيْنِ:

 أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ-أي النافي- لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ وَإِنَّمَا أَسْنَدَ نَفْيَهُ تَارَةً لِأُسَامَةَ وَتَارَةً لِأَخِيهِ الْفَضْلِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْفَضْلَ كَانَ مَعَهُمْ إِلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ وَقَدْ رَوَى أَحْمد من طَرِيق ابن عَبَّاسٍ عَنْ أَخِيهِ الْفَضْلِ نَفْيَ الصَّلَاةِ فِيهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَلَقَّاهُ عَنْ أُسَامَةَ فَإِنَّهُ كَانَ مَعَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ مَضَى فِي كتاب الصَّلَاة أَن ابن عَبَّاسٍ رَوَى عَنْهُ نَفْيَ الصَّلَاةِ فِيهَا عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَقَدْ وَقَعَ إِثْبَاتُ صَلَاتِهِ فِيهَا عَنْ أُسَامَة من رِوَايَة ابن عُمَرَ عَنْ أُسَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، فَتَعَارَضَتِ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ عَنْهُ فَتَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ بِلَالٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُثْبِتٌ وَغَيْرُهُ نَافٍ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِي الْإِثْبَاتِ وَاخْتُلِفَ عَلَى مَنْ نَفَى.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ : يُجْمَعُ بَيْنَ إِثْبَاتِ بِلَالٍ وَنَفْيِ أُسَامَةَ بِأَنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا الْكَعْبَةَ اشْتَغَلُوا بِالدُّعَاءِ فَرَأَى أُسَامَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو فَاشْتَغَلَ أُسَامَةُ بِالدُّعَاءِ فِي نَاحِيَةٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاحِيَةٍ ثُمَّ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ بِلَالٌ لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَلَمْ يَرَهُ أُسَامَةُ لِبُعْدِهِ وَاشْتِغَالِهِ وَلِأَنَّ بِإِغْلَاقِ الْبَابِ تَكُونُ الظُّلْمَةُ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَحْجُبَهُ عَنْهُ بَعْضُ الْأَعْمِدَةِ فَنَفَاهَا عَمَلًا بِظَنِّهِ .

 وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُسَامَةُ غَابَ عَنْهُ بَعْدَ دُخُولِهِ لِحَاجَةٍ فَلَمْ يَشْهَدْ صَلَاتَهُ. انْتَهَى، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْرَانَ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَعْبَةِ فَرَأَى صُوَرًا فَدَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَضَرَبَ بِهِ الصُّوَرَ فَهَذَا الْإِسْنَادُ جَيِّدٌ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَلَعَلَّهُ اسْتَصْحَبَ النَّفْيَ لِسُرْعَةِ عَوْدِهِ. انْتَهَى،

وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ عَامَ الْفَتْحِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَدْ رَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ وَهُوَ تَابِعِيٌّ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَعْبَةَ وَدَخَلَ مَعَهُ بِلَالٌ وَجَلَسَ أُسَامَةُ عَلَى الْبَابِ فَلَمَّا خَرَجَ وَجَدَ أُسَامَةَ قَدِ احْتَبَى فَأَخَذَ بِحَبْوَتِهِ فَحَلَّهَا الْحَدِيثَ.، فَلَعَلَّهُ احْتَبَى فَاسْتَرَاحَ فَنَعَسَ فَلَمْ يُشَاهِدْ صَلَاتَهُ فَلَمَّا سُئِلَ عَنْهَا نَفَاهَا مُسْتَصْحِبًا لِلنَّفْيِ لِقِصَرِ زَمَنِ احْتِبَائِهِ وَفِي كُلِّ ذَلِكَ إِنَّمَا نَفَى رُؤْيَتَهُ لَا مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِغَيْرِ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَذَلِكَ مِنْ أَوْجُهٍ:

 أَحَدُهَا: حَمْلُ الصَّلَاةِ الْمُثْبَتَةِ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ وَالْمَنْفِيَّةِ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ مَنْ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ فَرْضًا وَنَفْلًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ وَيَرُدُّ هَذَا الْحَمْلَ مَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مِنْ تَعْيِينِ قَدْرِ الصَّلَاةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الشَّرْعِيَّةُ لَا مُجَرَّدَ الدُّعَاءِ

 ثَانِيهَا: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ يُمْكِنُ حَمْلُ الْإِثْبَاتِ عَلَى التَّطَوُّعِ وَالنَّفْيِ عَلَى الْفَرْضِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهَا.

 ثَالِثُهَا: قَالَ الْمُهَلَّبُ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دُخُولُ الْبَيْتِ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ صَلَّى فِي إِحْدَاهُمَا وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْأُخْرَى وَقَالَ ابن حِبَّانَ الْأَشْبَهُ عِنْدِي فِي الْجَمْعِ أَنْ يُجْعَلَ الْخَبَرَانِ فِي وَقْتَيْنِ فَيُقَالُ لَمَّا دَخَلَ الْكَعْبَةَ فِي الْفَتْحِ صَلَّى فِيهَا عَلَى مَا رَوَاهُ ابن عمر عَن بِلَال وَيجْعَل نفي ابن عَبَّاسٍ الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ فِي حَجَّتِهِ الَّتِي حج فِيهَا لِأَن ابن عَبَّاس نفاها وأسنده إِلَى أُسَامَة وابن عُمَرَ أَثْبَتَهَا وَأَسْنَدَ إِثْبَاتَهُ إِلَى بِلَالٍ وَإِلَى أُسَامَةَ أَيْضًا، فَإِذَا حُمِلَ الْخَبَرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا بَطَلَ التَّعَارُضُ.

وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ لَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَى الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِ مَكَّةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ مَرَّةً وَاحِدَةً عَامَ الْفَتْحِ ثُمَّ حَجَّ فَلَمْ يَدْخُلْهَا وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ دَخَلَهَا عَامَ الْفَتْحِ مَرَّتَيْنِ وَيَكُونَ المُرَاد بالواحدة الَّتِي فِي خبر ابن عُيَيْنَةَ وَحْدَةُ السَّفَرِ لَا الدُّخُولُ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ مَا يَشْهَدُ لِهَذَا الْجَمْعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 وَيُؤَيِّدُ الْجَمْعَ الْأَوَّلَ مَا أَخْرَجَهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَن ابن عَبَّاسٍ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ أُصَلِّي فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: كَمَا تُصَلِّي فِي الْجِنَازَةِ تُسَبِّحُ وَتُكَبِّرُ وَلَا تَرْكَعُ وَلَا تَسْجُدُ ثُمَّ عِنْدَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ سَبِّحْ وَكَبِّرْ وَتَضَرَّعْ وَاسْتَغْفِرْ وَلَا تَرْكَعْ وَلَا تَسْجُدْ. وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ.انتهى من الفتح

 

[1591] -  رواه مالك في الموطأ (193- عبد الباقي) عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ،ومن طريق مالك أخرجه البخاري( 505 ) ومسلم (رقم 1329) وأبو داود(2023) والنسائي(749) واللفظ له.

 

[1592] - أحمد (3/ 396 ) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ به.. وحسنه الأرنؤوط

 

[1593] - ابن أبي شيبة(7/403رقم 36905) حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ،به.والحديث صحيح بما قبله.

 

[1594] - الْبُخَارِيُّ(4720) حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ومسلم(1781)عن أَبُي بَكْرِ بْن أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرو النَّاقِدُ، وَابْن أَبِي عُمَرَ، كلهم عن سُفْيَان بْنُ عُيَيْنَةَ،به

 

[1595] - ابن أبي شيبة (5/200 رقم 25212 )و (7/404رقم 36910 ) حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ به.والحديث رجاله ثقات إلا عبد الرحمن بن مهران مولى بني هاشم فقد ذكره ابنُ حِبَّان فِي كتاب "الثقات"( 5 / 93) وَقَال البرقاني عن الدَّارَقُطنِيّ: يعتبر به (سؤالاته: الترجمة 290) . وَقَال ابن حجر في "التقريب" (1 / 500): مجهول.وقال ابن سعد في الطبقات (5/412-ط العلمية بيروت)لَهُ أَحَادِيثُ , رَوَى عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ , وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أهـ وفي تهذيب الكمال(ترجمة رقم 3971) " رَوَى عَن: عَبْد الرَّحْمَن بْن سعد (د ق) ، مولى الأسود بْن سفيان، وعمير مولى ابْن عباس.أهـ وترجمه الحافظ في تهذيب التهذيب 6 / 282

[1596] - البخاري (  1601)وأبو داود(2027) كلاهما قال: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ..ورواه أحمد(3093 – ت الرنؤوط) والبخاري(4288) عن عَبْدُ الصَّمَدِ، عن اَبِيه، عن أَيُّوبُ به.

[1597] - ابن أبي شيبة (7/404رقم 36908) سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ عِكْرِمَةَ به . وهومرسل صحيح .

 

[1598] - ابن أبي شيبة (7/403 رقم 36907):حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَكِيمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو مَرْيَمَ ، عْن عَلِيٍّ به. ورواه أحمد(644 – ت الأرنؤوط)قال: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَكِيمٍ الْمَدَائِنِيُّ به..وقال الأرنؤوط: إسناده ضعيف، نعيم بن حكيم، وثقه العجلي وابن حبان، واختلف قول معين فيه فوئقه في رواية عبد الخالق بن منصور، ونقل الساجي عنه تضعيفه، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن سعد: لم يكن بذاك. وأبو مريم- وهو الثقفي- مجهول.

وأخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" في مسند علي ص 237 من طريق أسباط بن محمد، بهذا الإسناد.

489، والبزار (769) ، وأبو يعلى (292) ، والطبري ص 236، والحاكم 2/366-367 من طريقين عن نعيم بن حكيم، به.وصحح الحاكم إسناده، واستدرك عليه الذهبي فقال: إسناده نظيف ومتنه منكر.أهـ

[1599] - ابن أبي شيبة(7/405رقم 36919) قال:حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ (وَعَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدَةَ  )، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ به.ورواه عبد بن حميد - مختصرًا - في المنتخب من مسنده(  ح رقم795- ط مكتبة السنة بالقاهرة)عن أَبي عَاصِمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ، به.,وموسى بن عبيدة ضعيف ،ومن طريق ابن حميد رواه البغوي في شرح السنة(رقم 3544) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"3/343 مختصراً وقال: رواه ابو يعلى، وفيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف.اهـ وأخرجه مختصرا الترمذي(3270) عن عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ عن عَبْد اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عن عَبْد اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وضعف الترمذي عبد الله بن جعفر ثم قال الترمذي:وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.أهـ

 قلت: ورواه ابن حبان بسند صحيح(رقم 3828 )قال:أَخْبَرَنَا مَكْحُولٌ بِبَيْرُوتَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينار عن بن عُمَرَ ,فذكره.وصححه محققه الأرنؤوط.

وأخرجه أحمد 2/361 و 523-524، وأبو داود( 5116 ) في الأدب: باب في التفاخر بالأحساب، من طرق عن هشام بن سعد، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة. وهذا سند حسن. فالحديث له متابعات وشواهد تصححه  لذا صححه الألباني في صحيح الترمذي،

والعبّية -بضم العين وكسرها-: الكبر والفخر.

 

[1600] - ابن أبي شيبة(7/407 رقم 36925) قال:حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ به

[1601] - ابن أبي شيبة(7/407 رقم 36926 )  قال:حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ به.... رجاله رجال الصحيح إلا أنه مرسل

[1602] -  ابن هشام(2/413- ت السقا ) وأخرجه البيهقي في الدلائل (5/ 78)عن ابن إسحاق، وعن عروة.

[1603] -  ابن هشام(4/32-33) وضعفه الشيخ الألباني -رحمه الله- في سلسله الأحاديث الضعيفة (3/ 308) بقوله: " .. وهذا سند ضعيف مرسل. لأن شيخ ابن إسحاق لم يدرك أحدًا من الصحابة، بل هو يروي عن التابعين وأقرانه، فهو مرسل أو معضل أهـ

وقال الحافظ العراقي -رحمه الله-:في  تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (4/ 1825). "رواه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو وفي ذم الغضب، ومن طريقه رواه ابن الجوزي في الوفاء وفيه ضعف  ". قلت:قوله" يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تَرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُمْ ؟ " قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ: " اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ ".لم أجد ما يشهد له  بل الثابت أن النبي أعطاهم الأمان مسبقا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن "كما في رواية مسلم

 

[1604] -  ابن أبي شيبة (7/398رقم 36900 )حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ ،به... وهو مرسل صحيح رجاله رجال مسلم .أرسله أبوسلمة بن عبد الرحمن بن عوف و يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبى بلتعة وهما من الطبقة الثالثة (الوسطى من التابعين )

 

[1605] -  ابن أبي شيبة(7/409رقم 36940) حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ. وهو مرسل.أبو السفر الهمدانى الثورى الكوفى واسمه سعيد بن يحمد - والد عبد الله بن أبى السفر ، ثقة من الطبقة الثالثة( من الوسطى من التابعين) روى له الجماعة .  رَوَى عَن: البراء بْن عازب (م ت) ، والحارث الأَعور، وسَعِيد بْن شفي الهمداني، وعَبْد اللَّهِ بْن عباس (خ) ، وعبد اللَّه بْن عُمَر بْن الخطاب، وعبد الله بْن عَمْرو بْن العاص (بخ م ت ق) ،وترجمه الحافظ في تهذيب التهذيب 4 / 97

[1606] - ابن أبي شيبة(7/400رقم 36901 ) حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي السَّوْدَاءِ ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ به. وهو مرسل صحيح. فأبو السوداء الكوفى: عمرو بن عمران النهدى ثقة من الطبقة السادسة روى له ( أبو داود - النسائي ).وعبد الرحمن بن سابط المكي ثقة، كثير الإرسال روى له( مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه ) توفي سنة 118 هـ بمكة.

وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يعني يوم فتح مكة): "خذوها يابني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم. يعني حجابة الكعبة" أورده الهيثمي في ( مجمع الزوائد (3/ 285). ثم قال: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط" وفيه عبد الله بن المؤمِّل وثّقه ابن حبان، وقال: يخطئ، ووثقه ابن معين في رواية" وضعفه جماعة  ".

وذكر الحافظ القصة في فتح الباري (8/ 19). بقوله: "وروى ابن عائد من مرسل عبد الرحمن بن سابط أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دفع مفتاح الكعبة إلى عثمان [بن أبي طلحة] فقال: خذها خالدة مخلدة، إني لم أدفعها إليكم، ولكن الله دفعها إليكم، ولا ينزعها منكم إلا ظالم. ومن طريق ابن جريج أن عليًا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اجمع لنا الحجابة والسقاية، فنزلت: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} فدعا عثمان: فقال: خذوها يا بني شيبة خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم ".

والأول مرسل، والثاني منقطع بين ابن جريج وعلي - رضي الله عنه -. والحديث أورده الذهبي في (السير) (3/ 12)وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: "إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن المؤمل ". وفي ترجمة عثمان بن طلحة من (التهذيب): "قال مصعب الزبيري: دفع النبي - صلى الله عليه وسلم - مفتاح الكعبة لشيبة بن عثمان وقال: "خذوها يا بني أبي طلحة، خالدة تالدة .. " وكذا في ترجمة شيبة بن عثمان بن أبي طلحة. كما في تهذيب التهذيب (7/ 124) و (4/ 376).

 

[1607] - ابن أبي شيبة(7/397 رقم 36899 ) حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ به.. وإسناده صحيح. وأخرجه أحمد(2/538) عن بهز وهاشم عن سليمان بن المغيرة به, ومسلم (1780) عن شيبان بن فروخ عن سليمان به.. ورواه ابن زنجويه في الأموال(1/200رقم239) عن هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ أنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بنحوه..وأخرجه البزار(16/292رقم 9500 )

 

[1608] - البخاري ( 104 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ هُوَ ابْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ به

 

[1609] - البخاري(112)حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به

 

[1610] - البخاري ( 1349 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ به

[1611] -  البخاري(2783)  حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ به ..ورواه مسلم (1353)

[1612] -  البخاري(3079 ) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ به ..ورواه مسلم(1863)

[1613] -  البخاري (3080) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو وَابْنُ جُرَيْجٍ سَمِعْتُ عَطَاءًفذكره..

[1614] -  أحمد(3/22رقم 11183) وابن أبي شيبة( 7/407 رقم 36929) قالا: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر(غُنْدَرٌ) ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ به. وقال الأرنؤوط : صحيح لغيره دون قوله " الناس حيز وأنا وأصحابي حيز " وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه

 

[1615] -  مسلم (1864) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ،به

[1616] -  ابن سعد(2/145-146)

[1617] -  الْبَيْهَقِيُّ(5/77): أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْفَقِيهُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ به..وكل من فوق محمد بن أبي جعفر محتج بهم

[1618] - ابن أبي شيبة(7/408 رقم 36939)حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ زَكَرِيَّا ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَبِيبٍ به..وهو مرسل

 

[1619] -  ابن سعد(2/147-148)

[1620] -  البخاري (4339)حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ح و حَدَّثَنِي نُعَيْمٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ (ابن عمر) به .

[1621] -  البخاري (5/150)

[1622] - البخاري(  4297) حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ح حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ به.

[1623] -  البخاري (4298 ) حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ به

[1624] -  البخاري (4299 )حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ به

[1625] - مصنف ابن أبي شيبة (2/207 رقم 8196 )و ( 7/408رقم 36935) حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ،عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به..وفيه عنعنة ابن اسحاق وهو مدلس،ورَوَاهُ أَبُو دَاوُد (1231) من طريق ابن اسحاق به وقال: روى هذا الحديث عبدة بن سليمان وأحمد بن خالد الوهبي وسلمة بن الفضل عن ابن إسحاق لم يذكروا فيه ابن عباس. وأخرجه البيهقي في سننه(3/215رقم 5468 ) وقال:(لا أراه محفوظا) ورجح المرسل.والحديث ضعفه الألباني . وأنظر طبقات ابن سعد(2/146-148)

[1626] -  ابن سعد(2/144): أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا وهيب، أخبرنا عمارة بن غزية، أخبرنا الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه به ..وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم

[1627] -  البداية والنهاية(4/ 363)ط التراث.و(4/317) ط الفكر.

[1628] -  البخاري( 4302)  حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ به .

الشرح: [(قال) أيوب. (تلقاه) أي تلقى عمرو بن سلمة رضي الله عنه. (بماء) اسم منزل ينزل فيه الناس. (ممر الناس) موضع مرورهم. (يقر) من القرار وفي رواية (يغرى) أي يلصق بالغراء. (تلوم بإسلام الفتح) تنتظر فتح مكة حتى تعلن إسلامها. (تقلصت) انجمعت وانضمت. (است) هو مقعدة الإنسان. (فاشتروا) ثوبا]والحديث رواه أبو داود من طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ .

[1629] - البخاري( 4303 )حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ به

[1630] -  مسلم (1581):حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ به.

[1631] -  البخاري( 5364 )  حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ فذكره.

 

[1632] - البخاري  4304 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ

 

[1633] -  أَحْمَدُ(3/415 رقم 15469) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَسْوَدِ به.. وقال الأرنؤوط:محتمل للتحسين.

 

[1634] -  انظر: البداية والنهاية لابن كثير( 4/322)، و شرح المواهب اللدنية للزرقاني ( 3/6 )،والمغازي للواقدي ( 3/889 و892) ط الأعلمي بيروت، والطبقات الكبرى لابن سعد ( 2 /150)،

* * تاريخ غزوة حنين يتوقف على معرفة فتح مكة ومدة الإقامة فيها بعد الفتح، لأن المؤرخين عولوا على هذا التاريخ في غزوة حنين، على أنه قد اختلفت الروايات في فتح مكة ومدة الإقامة فيها بعد الفتح، وسأعرض أقوال العلماء في ذلك ووجهة كل منهم، ثم أحاول الترجيح بعد ذلك ما وجدت إليه سبيلا.

والأقوال التي يمكن الاعتماد عليها في تاريخ غزوة حنين، قولان متقاربان :

الأول: أن غزوة حنين كانت في اليوم الخامس من شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة. روي ذلك عن ابن مسعود،وإلى هذا ذهب عروة ابن الزبير وابن إسحاق وأحمد وابن جرير الطبري.

ودليل هذا القول ما رواه ابن إسحاق قال: حدثني ابن شهاب4 الزهري، عن عبيد5 الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: "أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة".

قال ابن اسحاق: وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان.

والحديث مرسل لأن عبيد الله لم يدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.وقد وصله أبو داود، وابن ماجة من طريق محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما1. (سنن أبي داود 1/280 كتاب صلاة المسافر، باب متى يتم المسافر) . وسنن ابن ماجة 1/342 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب كم يقصر المسافر إذا أقام ببلدة.

ثم قال أبو داود: روى هذا الحديث عبدة بن سليمان، وأحمد بن خالد الوهبي، وسلمةبن الفضل، عن ابن إسحاق، لم يذكروا فيه ابن عباس.

والحديث اختلف فيه على ابن إسحاق كما ترى.

فرواه عنه محمد بن سلمة موصولا. وخالفه عبدة بن سليمان، وأحمد بن خالد الوهبي، وسلمة بن الفضل، وابن إدريس فأرسلوه. قال البيهقي (السنن الكبرى 3/151): وهو الصحيح.

قلت: ومحمد بن سلمة ثقة إمام مفت، وقد تفرد بزيادة الوصل، والزيادة من الثقة مقبولة. وهو مذهب الجمهور من الفقهاء، وأصحاب الحديث.

وقال ابن حجر (فتح الباري 2/562) .: وأما رواية "خمسة عشر" فضعفها النووي في الخلاصة، وليس بجيد، لأن رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق، فقد أخرجها النسائي من رواية عراك بن مالك، عن عبيد الله كذلك.أهـ

ورواية النسائي المشار إليها هي:

أخبرنا عبد الرحمن بن الأسود البصري، قال: حدثنا محمد بن ربيعة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد4 بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أقام بمكة خمسة عشر يصلي ركعتين ركعتين" وبهذا تكون رواية "أقام بمكة بعد الفتح خمسة عشر" صحيحة.

القول الثاني: أن غزوة حنين كانت يوم السبت لست ليال خلون من شهر شوال، ووصل إلى حنين مساء الثلاثاء لعشر ليال خلون من الشهر المذكور. وبهذا قال الواقدي. وتابعه ابن سعد

ودليله: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان، وأقام بمكة خمس عشرة، ثم غدا يوم السبت لست ليال خلون من شهر شوال، وانتهى إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من شوال،.

وهناك قول ثالث: وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى حنين لليلتين بقيتا من رمضان. (ذكره في فتح الباري 8/27)

هذه هي أقوال العلماء في هذا الباب، والذي يظهر لي ما يأتي:

أ- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى حنين في شهر شوال من السنة الثامن للهجرة، بغض النظر عن كونه خرج في خامس شوال أوسادسه.

ب- يترجح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهما في سادس شهر شوال، لأنه يمكن الجمع بينه وبين القول بأن الخروج إلى حنين كان في الخامس شوال.

قال الزرقاني - بعد إن ذكر هذين القولين - وهذا الخلاف: إما أنه للاختلاف في هلال الشهر، أو أن من قال لست ليال عدّ ليلة الخروج، ومن قال لخمس لم يعدها، لأنه خرج في صبيحتها فكأنه خرج فيها.

وجمع بعضهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالخروج في أواخر رمضان، وسار سادس شوال، ووصل إليها في عاشره. (الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/6، وابن حجر: فتح الباري 8/27) .

إذا أخذنا برواية ابن عباس - رضي الله عنهما - التي أخرجها أحمد( 1/315) وأبو داود(1230) بإسنادين أحدهما صحيح "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة عام الفتح سبع عشرة" .

مع ما ذكره النووي- في شرح مسلم( 3/176)- وابن حجر-في فتح الباري( 4/181 و8/4)-: من أن المشهور في كتب المغازي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج في غزوة الفتح من المدينة لعشر خلون من رمضان، ودخل مكة لتسع عشرة خلت منه ، ..

كان خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة حنين في اليوم السادس من شهر شوال وقد وردت روايات أخر في مدة إقامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة بعد الفتح، منها ثماني عشرة، وتسع عشرة، ورجح البيهقي وابن حجر رواية "تسع عشرة" لأنها أكثر ما وردت بها الروايات الصحيحة، وهي ثابتة في صحيح البخاري،

 ولا منافاة بينها وبين سائر الروايات كما جمع بينها البيهقي نفسه(فيالسنن الكبرى 3/151،) فقال: من روى تسع عشرة عد يوم الدخول ويوم الخروج، ومن قال ثمان عشرة لم يعد أحد اليومين، ومن قال سبع عشرة لم يعدهما.

قال ابن حجر(في  فتح الباري 2/562): وتحمل رواية "خمسة عشرة" على أن الراوي ظن أن الأصل رواية "سبع عشرة" فحذف منها يومي الدخول والخروج، فذكر أنها خمس عشرة2.

وإذا أمكن الجمع بين الروايات تعين المصير إليه، لأن العمل بجميع الروايات أولى من تر ك بعضها، والخلاف في كون الخروج إلى حنين في اليوم الخامس أو السادس، ليس من الخلاف الشديد، بل القولان متقاربان كما هو ظاهر. والله أعلم.

استفدناه من كتاب( مرويات غزوة حنين وحصار الطائف) لإبراهيم بن إبراهيم قريبي (ص99- 105) الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1412هـ

 

[1635] -  هو خطأ مطبعي، والصواب( من بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ عَامِرٍ)

 

[1636] -  الصواب: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي حَدْرَدٍ كما عند ابن إسحاق وغيره و عند الحاكم نفسه في 3/572.

 

[1637] -  الحاكم (3/ 51 رقم  4369)حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.فذكره.ثم قال: «صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، ووافقه الذهبي ، وقال الألباني: هو حسن فقط للكلام المعروف في ابن إسحاق، والمتقرر أنه حسن الحديث إذا صرح بالتحديث كما في هذا الحديث. (سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/209 تحت حديث رقم (631).

والحديث من هذه الطريق أورده البيهقي في السنن الكبرى(6/89)، مختصرا، وأورده في الدلائل(2/42 ) مطولا .وأورد ابن إسحاق القصة بدون إسناد كما قال ابن كثير في (البداية والنهاية4/324)، وانظر: سيرة ابن هشام (2/439-440)، والطبري: تاريخ الرسل والملوك( 3/72- 73) .

 

 

 

 

[1638] -   ابن هشام(4/49-52) ، وَقَدْ رَوَاه يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَالزُّهْرِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِمْ - فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.كذا قال ابن كثير في البداية والنهاية(4/370) ط التراث

[1639] -   المعروف من هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أراد الخروج إلى غزوة من الغزوات استخلف من يقوم مقامه حتى يرجع، والذي عليه ابن إسحاق -إمام أهل المغازي والسير- أن الذي استخلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مكة هو عتاب بن أسيد.وتابعه في هذا جمهور العلماء من أهل السير والمغازي وغيرهم،وذهب بعض العلماء إلى أن عتابًا كان أميرا على مكة، وكان معاذ بن جبل معلما لأهلها.ومسألة تولية عتاب بن أسيد أميرًا على مكة متفق عليها تاريخيا. وقد جاءت في ذلك الآثار الآتية:

= ما رواه الطبري قال: حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر قال: "ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه ألفان من أهل مكة، مع عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله بهم مكة، فكانوا اثني عشر ألفا، واستعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتاببن أسيد بن أبي العيص بن أمية ابن عبد شمس على مكة أميرا على من غاب عنه من الناس، ثم مضى على وجهه يريد لقاء هوازن".

والحديث فيه ثلاث علل:

أ- ضعف ابن حميد.

ب- عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس.

جـ - الإرسال .

= ما رواه خليفة ابن خياط قال: حدثني علي بن محمد، عن حماد3 بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب قال: افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة سنة ثمان من مهاجره في شهر رمضان فأقام خمسة عشر يوما، ثم شخص، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد.

والحديث فيه علتان:

أ- ضعف علي بن زيد بن جدعان.

ب- الإرسال .

= ما رواه البخاري في "التاريخ" والحاكم في "المستدرك" عن حرمي بن حفص العتكي، ثنا خالد بن أبي عثمان، عن أيوب بن عبد الله بن يسار، عن عمرو بن أبي عقرب قال: سمعت عتاب بن أسيد وهو مسند ظهره إلى بيت الله يقول:"والله ما أصبت في عملي هذا ممّا ولاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ثوبين معقدين كسوتهما مولاي كيسان".

ورواه أبو عبيد، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن خالد بن أبي عثمان الأموي به.

والحديث فيه: أيوب بن عبد الله بن يسار، سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم. (البخاري: التاريخ الكبير1/419، وابن أبي حاتم: الجرح والتعديل2/251)

وقال ابن حجر(في الإصابة 2/451) .: إسناده حسن.

= ما رواه الحاكم من طريق مصعب بن عبد الله الزبيري قال: استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتاباً على مكة، ومات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعتاب عامله على مكة، وتوفي عتاب بن أسيد بمكة في جمادى الأخرى سنة ثلاث عشرة.

والحديث معضل.

= وفي حديث أبي محذورة في قصة تعليمه الأذان، فقلت: يا رسول الله مرني بالتأذين بمكة، فقال: "قد أمرتك به"، فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم".وهو حديث صحيح رواه النسائي(632) –واللفظ له- والشافعي(1/30)وأحمد(15380-أرنؤوط) وابن حبان في صحيحه وغيرهم.

وقد حسّنَ الألباني(في تخريجه لأحاديث فقه السيرة لمحمد الغزالي ص433) القدر الوارد من الحديث في تولية عتاب بن أسيد على مكة ثم ذكر شواهد لذلك.

والخلاصة: أن هذه الآثار الواردة فيمن استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة عند الخروج إلى حنين على فرض أن كل أثر منها لا يخلو من مقال، لكنها تدل بمجموعها على أن لهذه القصة أصلاً. انظر مرويات غزوة حنين وحصار الطائف (1/ 109)

 

[1640] -   وذلك على رأي عروة بن الزبير، وموسى بن عقبة، والزهري، بأن الجيش القادم من المدينة اثني عشر ألفا،ومن الطلقاء ألفان فيكون مجموع الجيش الخارج إلى حنين أربعة عشر ألفا.

وقال عطاء: كان المسلمون يوم حنين ستة عشر ألفا (تفسير البغوي 3/72) ، مع "الخازن".

 

[1641] -   أحمد( 6/ 465) ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ به.. وقال شعيب الأرنؤوط : حديث حسن وهذا إسناد ضعيف. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ  

 

[1642]  -    أبو داود(3563) أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أُنَاسٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ به.. وصححه الألباني

 

[1643]  -    رواه أحمد(16410 – ت الأرنؤوط) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ،فذكره. وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح ، وإسماعيل بن إبراهيم وثقه أبو داود وابن قانع، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو حاتم: شيخ، ووالده إبراهيم، ثقة كذلك، روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات"، ووثقه ابن خلفون، وأخرج له البخاري في "صحيحه"، ولم نعلم فيه جرحاَ إلا قول ابن القطان: لا يعرف له حال. وهذا ليس بجرح كما نَصَّ على ذلك الذهبي في "الميزان" 1/556، ولم يتحرر للإمام البخاري سماعه من جده، فقال: إبراهيم لا أدري سمع منه أم لا. قلنا: وحكمه الاتصال لسلامته من التدليس، على قاعدة الإمام مسلم، والله أعلم.

وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (723) من طريق وكيع، بهذا الإسناد مقلوباً.

وأخرجه ابن ماجه (2424) ، وأبو نعيم في "الحلية" 8/375، من طريق وكيع، به على الصواب.

وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 5/10، والنسائي في "المجتبى" 7/314، وفي "الكبرى" (11204) - وهو في "عمل اليوم والليلة" (372) - وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (277) وأبو نعيم في "الحلية" 7/111، والبيهقي في "السنن" 5/355، وفي "الشعب" (11229) من طرق عن إسماعيل بن إبراهيم، به.

وأخرجه بنحوه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (722) من طريق ابن أبي فديك، عن موسى وإسماعيل أبناء إبراهيم، عن أبيهما، به..قلت :والحديث حسنه الألباني في صحيح ابن ماجة

قال السندي: قوله: استسلف، أي: أخذ منه قرضاً.

والحديث يدل على حسن المعاملة في القضاء وهو من الآداب السامية التي حث الدين الإسلامي عليها، لحديث "إن خيركم أو من خيركم أحاسنكم قضاء".

وقد ذكر ابن عبد البر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استقرض من حويطب بن عبد العزى أربعين ألف درهم، وأن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم أعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين بثلاثة آلاف رمح فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كأني أنظر إلى رماحك يا أبا الحارث تقصف أصلاب المشركين"  (انظر:الاستيعاب 1/385، 3/537، وأسد الغابة 2/75، 5/369، والإصابة 1/364، والسيرة الحلبية لبرهان الدين الحلبي 3/63) .

وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم (3/ 274 رقم5074) قال: حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ بْنُ شُعَيْبٍ الْعَدْلُ، ثنا أَسَدُ بْنُ نُوحٍ، ثنا هِشَامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى النَّوْفَلِيُّ قَالَ: لَمَّا أُسِرَ نَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ بِبَدْرٍ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْدِ نَفْسَكَ يَا نَوْفَلُ» ، قَالَ: مَا لِي شَيْءٌ أَفْدِي بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «افْدِ نَفْسَكَ بِرِمَاحِكَ الَّتِي بِجُدَّةَ» قَالَ: وَاللَّهِ مَا عَلِمَ أَحَدٌ أَنَّ لِي بِجُدَّةَ رِمَاحًا بَعْدَ اللَّهِ غَيْرِي، أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَفَدَى نَفْسَهُ بِهَا، وَكَانَتْ أَلْفَ رُمْحٍ، قَالَ: وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ نَوْفَلٍ وَالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَا قَبْلَ ذَلِكَ شَرِيكَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُتَفَاوِضَيْنِ فِي الْمَالَيْنِ مُتَحَابَّيْنِ، وَشَهِدَ نَوْفَلٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتْحَ مَكَّةَ وَحُنَيْنًا وَالطَّائِفَ، وَثَبَتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رِمَاحِكَ تُقْصَفُ فِي أَصْلَابِ الْمُشْرِكِينَ»

 

[1644] - أحمد(21897 – ت الأرنؤوط)قال:حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ -يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ-، حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ ثُمَّ الْجُنْدَعِيِّ،  عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ فذكره.

وقال شعيب الأرنؤوط:إسناده صحيح على شرط الشيخين. حجاج: هو ابن محمد المِصِّيصي الأعور، وابن شهاب: اسمه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله الزهري.

وأخرجه البخاري تعليقاً في "التاريخ الكبير" 4/163، ومحمد بن نصر المروزي في "السنة" (40) ، والطبري في "تفسيره" 9/45-46 من طريق أبي صالح عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، بهذا الإسناد. ورواية البخاري مختصرة بلفظ: "لتركبن سنن من قبلكم".

وأخرجه ابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" 4/84-85، والطيالسي (1346) ، والحميدي (848) ، وابن أبي شيبة 15/101، والترمذي (2180) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (76) ، ومحمد بن نصر المروزي في "السنة" (37) ، وأبو يعلى (1441) ، والطبري 9/45، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/172، وابن حبان (6702) ، والطبراني في "الكبير" (3292) و (3293)و (3294) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" 5/124-125 و125، والواحدي في "الوسيط" 2/403-404 من طرق عن الزهري، به.وقال الترمذي: حسن صحيح.

والحديث -في المسند أيضًا- من طريق معمر بن راشد برقم (21900) ، ومن طريق مالك بن أنس برقم (21902) ، كلاهما عن ابن شهاب الزهري.

 وقوله: "ذات أنْواط": هي اسم شجرة بعينها كانت للمشركين، وسميت بذلك لأنهم كانوا يَنُوطون بها سلاحَهم، أي: يعلقونه بها، وأنْواط: جمع نَوْط، وهو مصدر سمي به المَنُوط. انظر "النهاية" 5/128.

ومما يستفاد من الحديث:حماية جانب التوحيد من كل شائبة- والنهي عن التشبه بالمشركين- وأن هذه الأمة يصيبها أدواء وسنن الأمم السابقة .

[1645] - أخرجه ابن سعد(الطبقات الكبرى 2/154- 155) قال: أخبرنا الضحاك بن مخلد الشيباني، أبو عاصم النبيل، قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب الثقفي، أخبرني عبد الله بن عياض، عن أبيه فذكره.

والحديث رواه الطبراني (المعجم الكبير 17/368- 369) . من طريق زيد بن الحريش، والعباس بن عبد العظيم العنبري، قالا: ثنا أبو عاصم به.

ورواه الحاكم (المستدرك 2/121) . من طريق أبي قلابة، ثنا أبو عاصم به.

ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي (دلائل النبوة 3/45 أ) . وأورده الهيثمي (في مجمع الزوائد 6/186) ثم قال: رواه الطبراني وفيه: عبد الله بن عياض، ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه، وبقية رجاله ثقات"

 

[1646] - رواه أحمد(3/376 رقم 15069) أو(برقم 15027 – ت الأرنؤوط)حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ جَابِرِ به. وقال الأرنؤوط : إسناده حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن إسحاق فهو صدوق حسن الحديث. وقد صرح بالتحديث في "سيرة ابن هشام"، و"مسند أبي يعلى" فانتفت شبهة تدليسه.

والحديث في "سيرة ابن هشام" 4/85-86 و87- 88. وزاد عنده فيمن ثبت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابناً لأبي سفيان بن الحارث، وذكر هناك أن أيمن بن أم أيمن قتل يومئذ.

وأخرجه البزار (1834) من طريق يحيى بن سعيد، وأبو يعلى (1862) و (1863) ، وابن حبان (4774) من طريق عبد الأعلى، والبيهقي في "الدلائل"5/126-128 و129 من طريق يونس بن بكير، ثلاثتهم عن ابن إسحاق، بهذا الإسناد. ولم يذكره أحد منهم بتمامه غير البيهقي.

وفي الباب: عن العباس بن عبد المطلب، في المسند برقم (1775) .وعن ابن مسعود، برقم (4336) .

وفيه عن البراء بن عازب وأبي عبد الرحمن الفهري، 4/280 و5/286.

شرح بعض المفردات:قوله: "واد أجوف" أي: واسع كبير القعر.

حَطوط: بفتح حاء، صيغة مبالغة من الحط، وهو النزول والتسفل.

عَماية الصبح: هي بقية ظلمة الليل. ______ كمنوا، أي: اختفوا.

أجمعوا، أي: عزموا.  ----------   وانحاز، أي: تنحى.

فلا شيء، أي: فلا أحد يسمع ذاك الكلام._____ فإذا أدرك، أي: أحداً من المسلمين.

هوى، أي: مال وقصد.

أطنَّ: بتشديد النون، وهو من الطنين، وهو صوت الشيء الصلب، أي: جعلها تطن من صوت القطع.

فانجعف، أي: انقلع.

[1647] -  رواه مسلم 81 - (1777) وحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بن الأكوع، حَدَّثَنِي أَبِي. فذكره.وانظر الجامع الصحيح للسنن والمسانيد (15/ 76)

شرح (فاستطلق إزاري) أي انحل لاستعجالي

(منهزما) قال العلماء قوله منهزما حال من ابن الأكوع كما صرح أولا بانهزامه ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم انهزم وقد قالت الصحابة كلهم رضي الله عنهم إنه صلى الله عليه وسلم ما انهزم ولم ينقل أحد قط أنه انهزم صلى الله عليه وسلم في موطن من المواطن وقد نقلوا إجماع المسلمين على أنه لا يجوز أن يعتقد انهزامه صلى الله عليه وسلم ولا يجوز ذلك عليه

(فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أتوه من كل جانب

(شاهت الوجوه) أي قبحت

[1648] - رواه أحمد( 1775 – ت الأرنؤوط) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ.. وقال الأرنؤوط:إسناده صحيح على شرط الشيخين.

وهو في "المصنف" لعبد الرزاق (9741) ، ومن طريقه أخرجه مسلم (1775) (77) ، وابن حبان (7049) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" 5/139.

وأخرجه النسائي في "الكبرى" (8647) ، وأبو يعلى (6708) ، والطبري 10/101-102 من طريق معمر، بهذا الإسناد.

وأخرجه ابن إسحاق- كما في "السيرة" لابن هشام 4/87-، وابن سعد 4/18-19، ومسلم (1775) (76) ، والنسائي في "الكبرى" (8653) ، والحاكم 3/327 - 328، والبيهقي في "دلائل النبوة" 5/137-139، والبغوي في "تفسيره" 2/278-279 من طرق عن الزهري، به. . وانظر صَحِيح الْجَامِع: 2752

وفروة هذا أسلم في عهد النبى يكرِو، وبعث إليه رسولاً بإسلامه، وأهدى له بغلةً بيضاء، وكان فروة عاملاً للروم على من يليهم مِن العرب، وكان منزله معانَ وما حولها من أرض الشام، فبلغ الرومَ إسلامُه، فطلبوه فحبسوه ثم قتلوه. انظر "الإصابة" 3/207 رقم الترجمة (7022) .

والغَرز: ركاب السرج. والسمُرة: الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان بوم الحديبية. وصَيتاً أي: قوي الصوت.

قوله: "وما معه إلا أنا وأبو سفيان"، قال السندي: أراد بالمعية: القربَ منه، واللزومَ معه، كما يدلُّ عليه السوْق، لا الثبوت في الحرب، وعدم الفرار، وإلا فقد ثَبَتَ أبو بكر وعمر وعلي وغيرهم أيضاً، ذكره في "المواهب".

وقوله: "حين حمي الوطيس":"حين" بالفتح، مبني لإضافته إلى الجملة، و"حَمِي" بكسر الميم، من: حَمِيَت النار، إذا اشتَد حرها، و"الوطيس" بفتح واوٍ، وكسر طاءٍ مهملة، وسين مهملة: التنور، أراد الحرب، والظاهر أن خبر "هذا" هو: حين حمي الوطيس، وقيل: محذوف، والتقدير: هذا القتالُ حين حمي الوطيسُ، وفي المواهب: الوطيس: هو التنور يُخبز فيه، يُضرب مثلاً لشدة الحرب الذي يُشبهُ حرُّها حَره، وهذا من فصيح الكلام الذي لم يُسمع من أحدٍ قبلَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

[1649] - رواه أحمد(  1776 –ت الرنؤوط) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ - مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَلَمْ أَحْفَظْهُ - عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبَّاسٍ، (عن أبيه العباس) وقال :شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وسفيان: هو ابن عيينة.وأخرجه الحميدي (459) ، ومسلم (1775) من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد.

 

[1650] -  أخرجه مسلم(78 - (1776))حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،به.والرواية الأخرى لمسلم 79 - (1776): حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ الْمِصِّيصِيُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،به.والحديث رواه البخاري( 4315) من طريق سُفْيَانُ، وبرقم وبرقم ( 3042 ) من طريق إِسْرَائِيلَ،

وبرقم ( 2930) من طريق زُهَيْرٌ، وبرقم ( 2864 ) من طريق شُعْبَةَ، كلهم عن أبي إسحاق به.والحديث رواه أحمد(18498) و الترمذي(1688)  

شرح:(أَخِفَّاؤُهُمْ) جَمْع خَفِيف، وَهُمْ الْمُسَارِعُونَ الْمُسْتَعْجِلُونَ. النووي (6/ 230)

أَيْ: بِغَيْرِ دُرُوع، وَقَدْ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: (لَيْسَ عَلَيْهِمْ سِلَاح) , والْحَاسِر: مَنْ لَا دِرْع عَلَيْهِ. النووي (6 / 230)

الرِّجْل بالكسر: الجَرَاد الكَثِيرُ. النهاية في غريب الأثر - (2 / 494)

 اِحْمِرَار الْبَأس: كِنَايَة عَنْ شِدَّة الْحَرْب. شرح النووي (6 / 231)

والحديث فِيهِ بَيَان شَجَاعَته - صلى الله عليه وسلم - وَعِظَم وُثُوقه بِاللهِ تَعَالَى. شرح النووي (6/ 231)

 

[1651] - أخرجه أحمد 3/190 (13009) و3/279 (14021) قال: حدَّثنا عَفَّان، حدَّثنا سُلَيْم بن أَخْضَر. و البُخَارِي  (4333) قال: حدَّثنا علي بن عَبْد الله، حدَّثنا أَزْهَر. وفيه برقم(4337) قال: حدَّثنا مُحَمد بن بَشَّار، حدَّثنا مُعَاذ بن مُعَاذ. و مُسْلم (2405) قال: حدَّثنا مُحَمد بن المُثَنَّى، وإبراهيم بن مُحَمد بن عَرْعَرَة، قالا: حدَّثنا مُعَاذ بن مُعَاذ.

ثلاثتهم (سُلَيْم، وأَزْهَر، ومُعَاذ) عن عَبْد الله بن عَوْن، عن هِشَام، فذكره.

 

[1652] - أخرجه أبو داود الطيالسي((3/ 553 برقم  2192 ) قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فذكره ،وأخرجه أحمد (12977 – ت الأرنؤوط) قال:حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ أَبُو الْأَسْوَدِ الْعَمِّيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، به. وقال شعيب الأرنؤوط في تخريج مسند  أحمد: إسناده صحيح على شرط مسلم. وطريق عفان التي أشار إليها المصنف أثناء الحديث ستأتي برقم (13975) .

وأخرجه مسلم (1809) من طريق بهز بن أسد، بهذا الإسناد -واقتصر على قصة أم سليم.

وأخرجه مطولاً ومختصراً الطيالسي (2079) ، وأبو داود (2718) ، وأبو عوانة 4/318-319، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (4786) ، وابن حبان (4826) و (4838) ، وأبو نعيم في "الحلية" 2/60، والبيهقي في "السنن الكبرى" 6/306-307، وفي "دلائل النبوة" 5/150، والضياء في "المختارة" (1521) من طرق عن حماد بن سلمة، به.

وسيأتي مختصراً برقم (13041) من طريق أبي أيوب الإفريقي، عن إسحاق بن عبد الله.

وسلف الحديث برقم (12131) و (12236) مختصراً: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم حنين: "من قتل رجلاً فله سلبه" فقتل أبو طلحة عشرين رجلاً فأخذ أسلابهم.

وسلف مختصراً بقصة أم سليم برقم (12058) من طريق حميد.

وستأتي قصة أبي قتادة في مسنده 5/295 من حديثه.

قوله: "ولَّى المسلمون مدبرين، كما قال الله عز وجل" يشير إلى قوله تعالى في الآية 25 من سورة التوبة: (لقد نصركم اللهُ في مواطن كثيرة ويوم حنينِ) -إلى قوله: (ثم ولَّيْتُم مُدْبِرين) .

وقوله: "ولم يُضرب بسيف ولم يُطعن برمح" قال السندي: على بناء المفعول، يحتمل أن المراد لم يضرب أحدٌ من المسلمين، يريد أنهم رموْا بالسهام، وما ضربوا بالسيوف ولا طعنوا بالرماح، أو المراد أن الله تعالى هزمهم بلا ضربٍ بالسيف ولا طعن بالرمح، والمراد تقليل القتال من المسلمين.

وقوله: "على حبل العاتق" موضع الرِّداء من العنق، وقيل: عرق أو عصب هناك.

وقوله: "فأُجهِضْتُ عنه" على بناء المفعول من الإجهاض، بمعنى الإزالة والإزلاق، أي: بُعِّدتُ عنه. اهـ.

والباء في قول أم سلمة: "انهزموا بك" بمعنى "عن" على حدِّ قوله تعالى: (فاسأل به خبيراً) .

 

[1653] - أخرجه الحاكم (3/ 50 رقم  4368 )قال: حَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، ثنا الْحَسَنُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، ووافقه الذهبي

 

[1654] - أخرجه الحاكم (3/ 50  رقم 4367   )حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، بِبَغْدَادَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.وقال: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَشَاهِدُهُ حَدِيثُ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ ، وصححه الذهبي

 

[1655] - الترمذي( 1689) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ المُقَدَّمِيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وقال الترمذي:حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.وصححه الألباني، ورواه الطبراني في الأوسط(4976 ) عن الْقَاسِم بْنُ زَكَرِيَّا عن المقدمي به. وقال الطبراني:لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِلَّا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَلَا عَنْ سُفْيَانَ إِلَّا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ، تَفَرَّدَ بِهِ: ابْنُهُ مُحَمَّدُ

[1656] - أحمد( 16811 – ت الأرنؤوط)حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،فذكره.والحميدي في مسنده(2/ 144رقم 921) عن سفيان عن معمر به. وهو عند عبد الرزاق في "المصنف" (9741) ، ومن طريقه أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (639) ، وأبو عوانة 4/203، وابن حبان (7090) ، والبيهقي في "الدلائل" 5/139- 140.

وقال الأرنؤوط في تخريج ابن حبان(7090):حديث صحيح،  رجاله ثقات من رجال الشيخين، غير عبد الرحمن بن أزهر، فقد روى له أبو داود والنسائي، وهو صحابي. وهو في "مصنف عبد الرزاق" "9741".

وأخرجه أحمد 4/88 و350 - 351، والبيهقي في "الدلائل" 5/139 - 140 عن عبد الرزاق، بهذا الإسناد.

وأخرجه مختصرا أحمد 4/88 و350، وأبو داود "4487" و"4489" في الحدود: باب إذا تتابع في شرب الخمر، والحاكم 4/374 - 375 من طريق أسامة بن زيد الليثي، عن الزهري، أنه سمع عبد الرحمن بن أزهر يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد، فأتي بسكران ... ثم ذكر قصة شارب. فهذه الرواية تثبت سماع الزهري من ابن أزهر.

 وقال في تخريج المسند(16811) :إسناده ضعيف لانقطاعه، الزهري لم يسمع من عبد الرحمن بن الأزهر، كما بينا في الرواية السالفة برقم (16809) ، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين.

.قوله (وأنا محتلم) أَيْ: بلغت سنَّ الحُلُم .

 

[1657] - أخرجه الحاكم (3/ 51 رقم  4370) حَدَّثَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ السِّجْزِيُّ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُعَاوِيَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى الْأَشْدَقُ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

 

 

[1658] - وهذه الروايات هي: أ- عند الواقدي أن قائل ذلك هو أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وهذا سياقه:

قال: حدثني إسماعيل بن إبراهيم، عن موسى بن عقبة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: قال أبو بكر الصديق - رضي الله - عنه: يا رسول الله، لا نغلب اليوم من قلة، فأنزل الله عز وجل في ذلك {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} . [سورة التوبة، من الآية: 25] الآية4. والحديث منقطع، لأن سعيدا لم يدرك أبا بكر، وفيه الواقدي وهو متروك. [انظر:مغازي الواقدي 3/890، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/150]

ب- وعند البزار من طريق علي بن عاصم، ثنا سليمان التيمي، عن أنس بن مالك قال: "قال غلام منا من الأنصار يوم حنين: لم نغلب اليوم من قلة، فما هو إلاّ أن لقينا عدونا فانهزم القوم ". الحديث.

قال البزار: لا نعلم أحداً رواه بهذا اللفظ إلاّ سليمان التيمي عن أنس، ولا عن سليمان إلاّ علي بن عاصم، وعلي صدوق سيء الحفظ. [انظر:كشف الأستار عن زوائد البزار 2/346- 347]

وقال الهيثمي (في مجمع الزوائد 6/178- 179) : فيه علي بن عاصم بن صهيب، وهو ضعيف لكثرة غلطه وتماديه فيه، وقد وثق، وبقية رجاله ثقات .أهـ

وقال ابن حجر  : وهذا المتن الذي رواه منكر، وفيه مخالفة في مواضع لما رواه الثقات(مختصر زوائد مسند البزار ص249- 250 رقم 816) .

وفي فتح الباري( 8/42 ):حسن منه القدر المتعلق بقتل دريد بن الصمة فقال: وروى البزار في مسند أنس بإسناد حسن ما يشعر بأن قاتل دريد بن الصمة هو: الزبير بن العوام

جـ- وعند البيهقي(في الدلائل 5/123) من طريق يونس بن بكير عن أبي جعفر عيسى الرازي، عن الربيع أن رجلا قال يوم حنين: لن نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله تعالى {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25](والحديث منقطع) ..

د- وعند ابن إسحاق(كما في سيرة ابن هشام 2/444)  قال: وزعم بعض الناس أن رجلاً من بني بكر قال ذلك.

هـ- وعنده أيضا (سيرة ابن هشام 2/444) قال : حدثني بعض أهل مكة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال - حين فصل من مكة إلى حنين، ورأى كثرة من معه من جنود الله -: "لن نغلب اليوم من قلة"

وهذا الحديث لولا وجوده في سيرة "ابن هشام" المتداولة بين الناس وخشية أن يغتر به بعض من لا دراية له بعلم الحديث لما أوردته، وذلك أن معرفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بربه وخشيته منه ومقامه الرفيع وتواضعه لله، كل ذلك يجعل المسلم يستبعد صدور هذا القول منه - صلى الله عليه وسلم -.

مع أن هذا الحديث لم يثبت، فلا ينبغي لمسلم نسبته إليه - صلى الله عليه وسلم. أنظر: مرويات غزوة حنين وحصار الطائف (1/135- 140)

وأضاف الصالحي في سيرته (5/ 469):

وروى ابن المنذر عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا اجتمع اهل مكة وأهل المدينة قالوا: الآن نقاتل حين اجتمعنا، فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قالوا مما أعجبهم من كثرتهم، فالتقوا فهزموا حتى ما يقوم أحد على أحد.

وروى أبو الشيخ والحاكم- وصححه- وابن مردويه والبزار عن أنس- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: لما اجتمع يوم حنين أهل مكة واهل المدينة أعجبتهم كثرتهم فقال القوم: اليوم والله نقاتل، ولفظ البزار، فقال غلام من الأنصار يوم حنين لن نغلب اليوم من قلة، فما هو إلا أن لقينا عدونا فانهزم القوم، وولوا مدبرين.

وروى محمد بن عمر –الواقدي-عن ابن شهاب الزهري، قال رجل من اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم لو لقينا بني شيبان ما بالينا، ولا يغلبنا اليوم احد من قلة.أهـ

 

 

 

 

[1659] - رواه الدارمي(2485) قال:أخبرنا حجاج بن منهال، ثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب:فذكره.وقال محققه(حسين أسد):إسناده صحيح .

[1660] - رواه أحمد (18933 – ت الأرنؤوط) قال:حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، به. قال الأرنؤوط:  إسناده صحيح على شرط مسلم، حماد بن سلمة من رجاله، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين، ثابت: هو ابن أسلم البُناني.

وأخرجه بتمامه ومختصراً الدارمي (2441) ، والشاشي (992) من طريق حجاج بن منهال، والنسائي في "الكبرى" (8633) من طريق بهز- هو ابن أسد- وابن حبان (2027) ، والقضاعي في "مسنده" (1483) من طريق موسى ابن إسماعيل، وابن حبان (4758) ، والبيهقي في "السنن" 9/153، من طريق سليمان بن حرب، والطبراني في "الدعاء" (664) من طريقي علي بن عثمان اللاحقي ومحمد بن عبد الله الخزاعي، وفيه (664) أيضاَ، وفي "الكبير" (7318) ، وأبو نعيم في "الحلية" 1/155 من طريق أبي عمر الضرير، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (117) عن طريق إبراهيم بن الحجاج السامي، والبيهقي 9/153 من طريق ابن عائشة، تسعتهم عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد. ووقع في رواية موسى بن إسماعيل: "خيبر" بدلاً من "حنين"، وهو تحريف من النُّساخ.

وأخرجه بنحوه عبد الرزاق في "مصنفه" (9751) ، ومن طريقه الترمذي (3340) ، والطبراني في "الكبير" (7319) عن معمر، عن ثابت البُناني، به.

دون قوله: "فأنا أقول الآن: اللهم ... ". وزاد في آخره قصة أصحاب الأخدود، وقال الترمذي: هذا حديث حَسَنٌ غريب.

وهوأيضًا- في المسند- بالأرقام: (18937) (18938) (18940) و6/16.

قال السندي: قوله: يحرك شفتيه، أي: يقوله خفية

 

 

[1661] -  أنظر: مرويات غزوة حنين وحصار الطائف (1/135- 140)

 

[1662] -  وقال ابن إسحاق :هوابن عمه ،وقال ابن حجر: كذا قال ابن إسحاق، والأشهر أن أبا عامر عم أبي موسى الأشعري (فتح الباري 8/42 و11/137و141) قلت: ما في الصحيح يثبت أنه عمه .

[1663] -  أي رجل من بني جشم. . وعند مسلم وأبي يعلى والطبري: "رماه رجل من بني جشم".

 

[1664] -  نزا منه الماء: يقال نزف دمه، ونزِي، إذا جرى ولم ينقطع، النهاية 5/43

قال ابن حجر في الفتح: قال المهلب: فيه جواز نزع السهم من البدن وإن كان في غبه الموت، وليس ذلك من الالتقاء إلى التهلكة إذا كان يرجو الانتفاع بذلك، ومثله البط والكي وغير ذلك من الأمور التي يتداوى بها.

وقال ابن المنير: "لعل البخاري ترجم (بنزع السهم من البدن) لئلا يتخيل أن الشهيد لا ينزع منه السهم بل يبقى فيه، كما أمر بدفنه بدمائه حتى يبعث كذلك، فبين هذه الترجمة أن هذا مما شرع" إهـ.

ثم قال ابن حجر: "والذي قاله ابن المهلب أولى لأن حديث الباب يتعلق بمن أصابه ذلك وهو في الحياة بعد. والذي أبداه ابن المنير يتعلق بنزعه بعد الوفاة" (فتح الباري 6/81)

 

[1665] -  الْبُخَارِيُّ : 4323 - حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى به.. والحديث أخرجه مسلم (2498) والنسائي في الكبرى والطبري في تاريخه 3/79، وأبو يعلى(رقم 306) ، والبيهقي في السنن الكبرى 6/335، 9/51 و91 ودلائل النبوة 3/46-47 والطحاوي كلهم من طريق أبي أسامة به.

 

[1666] -  رواه أحمد ( 19567 – ت الأرنؤوط)قال:حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأُرْدُنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُعَيْمٍ الْقَيْنِيِّ  قَالَ: حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ الْأَشْعَرِيُّ، أَنَّ أَبَا مُوسَى حَدَّثَهُمْ.فذكره.وقال الأرنؤوط: حديث صحيح بغير هذه السياقة، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الله ابن نُعيم القَيْنِي، قال الذهبي: ليس بشيء، ولانقطاعه، الضحاكُ بنُ عبد الرحمن ابن عرزب قال أبو حاتم: روايته عن أبي موسى مرسلة. كما في "الجرح والتعديل" 4/459. وقال الحافظ في "إتحاف المهرة" 10/32: يقال: لم يسمع منه. قلنا: وقوله: "أن أبا موسى حدثهم"، يعني حدَّث قومه. الوليد بن مسلم- وإن لم يُصرح بالسماع في جميع طبقات الإسناد- تابعه يحيى بن حمزة ابن واقد الحضرمي عند الطبراني في "الأوسط" كما سيرد، وهو ثقة. وبقية رجاله ثقات.

والحديث أخرجه أبو يعلى (7222) - وعنه ابن حبان (7191) - من طريق الوليد بن مسلم، بهذا الإسناد.

وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (6734) من طريق يحيى بن حمزة- وهو ابن واقد الحضرمي- عن يحيى بن عبد العزيز الأردُنيِّ، به. وحسَّن إسنادَه الحافظُ في "الفتح" 8/42-43 مع أنه أشار إلى انقطاعه في "إتحاف المهرة" كما نقلنا عنه آنفاَ. قال الطبراني: لا يُروى هذا الحديثُ عن الضحاك، عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد، تفرد به يحيى بنُ حمزة.

وذكر ابنُ إسحاق- فيما نقله عنه الحافظ في "الفتح" 8/42- أن اسم ابنِ دريد الذي قتل أبا عامر هو سَلَمة، فيما زعموا، ثم نقل الحافظ عن ابن هشام قولاً آخر، فانظره.

والحديث أخرجه أيضًا البلاذري في  أنساب الأشراف ص 366

والحديث فيه يحيى بن عبد العزيز الأردني، وقد قال فيه ابن حجر: مقبول، وعبد الله بن نعيم قال فيه: لين الحديث، و الذي ضعف عبد الله هو ابن معين، وقد فسر قوله بأنه ليس بمشهور، والطعن فيهما إنما هو لعدم شهرتهما ومثل هذين ونحوهما يرتفع حديثهم بالمتابعة ويشهد لهذا الحديث حديث الصحيحين

 

[1667] - انظر:فتح الباري 8/42-43. وقال صاحب مرويات غزوة حنين(ص:264):

وبعد ذكر أقوال علماء المغازي والسير في قاتل أبي عامر، وهل أسلم أولم يسلم؛ لا يخلو الأمر من إشكال وتعارض؛ لأن بعض الروايات تقول: القاتل أخوان، وبعضها تذكر أن القاتل عاشر الإخوة الذين هاجموا أبا عامر، وبعضها - كما في الصحيح - تقول: إنه جشمي أو رجل من بني جشم، والذي ينبغي اعتماده في القاتل أنه هذا الجشمي الثابت ذكره في الصحيح، وقد ذكر اسمه في كتب السيرة أنه سلمة بن دريد، وهو جشمي. والصحيح أن القاتل لم يسلم، لأن أبا موسى قد قتله كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث، ولا شك أنّ ترجيح وتقديم ما ثبت في الصحاح وغيرها من كتب الحديث على ما تذكره كتب السير والتاريخ هو المنهج الأقوم، خاصة، إذا كان ما في الصحاح نصاً في محل النزاع كما هنا، فلا يعارض بأقوال محذوفة الأسانيد في كتب السيرة، وبذلك يزول الإشكال ونخلص من تلك الانتقادات والمناقشات التي أثارها الشامي والزرقاني وغيرهما. والله أعلم.

 

[1668] - ابن سعد: الطبقات الكبرى( 4/86 –ط العلمية بيروت) قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى فذكره. وأخرجه الروياني مسند الصحابة 1/112أ-رقم 575. والحديث حسن لذاته وأصله في الصحيح.

[1669] - مسلم(1456 ): حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ الْقَوَارِيرِىُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَالِحٍ أَبِى الْخَلِيلِ عَنْ أَبِى عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِىِّ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ به .

[1670] - وَقَدِ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ  بالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا. رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَخَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ، حَيْثُ بِيعَتْ ثُمَّ خُيِّرَتْ فِي فَسْخِ نِكَاحِهَا أَوْ إِبْقَائِهِ، فَلَوْ كَانَ بَيْعُهَا طَلَاقًا لَهَا لَمَا خُيِّرَتْ،وَقَدِ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ عَلَى إِبَاحَةِ الْأَمَةِ الْمُشْرِكَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ، وَخَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ، وَقَالُوا: هَذِهِ قَضِيَّةُ عَيْنٍ، فَلَعَلَّهُنَّ أَسْلَمْنَ أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ، وَمَوْضِعُ تَقْرِيرِ ذَلِكَ فِي كتب الفقه

[1671] -   البداية والنهاية

[1672] - البداية والنهاية

[1673] - ابن هشام(4/74-75)

[1674] -  أَبُو دَاوُدَ (3088) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ، يُحَدِّثُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ بُجَيْرِ بْنِ أَبِي بُجَيْرٍ، به. ورواه الطبراني في الكبير(14349 ) عن محمَّد بن عثمانَ بن أبي شَيبة،عن يحيى بن مَعين به..ورواه البيهقي في السنن الكبرى(4/262 رقم 7652  ) من طريق ابن اسحاق به.

ورواه من طريق آخرالطبراني في الكبير(14348) و"الأوسط" (2787 و2788) قال: حدثنا إبراهيمُ بن هاشِم البَغَويُّ، ثنا أميَّة بن بِسْطامٍ، ثنا يزيدُ بن زُرَيع، ثنا رَوْحُ بن القاسم،  عن إسماعيلَ بن أميَّة به. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ  في"دلائل النبوة"( 6/297 ِ) أيضًا منْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ بِهِ

 وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/44) ، مختصرًا، وقال: «رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وفيه بجير بن أبي بجير؛ قال المزي عقيب حديث رواه من طريقه: وهو حديث حسن. وبقية رجاله رجال الصحيح» .

ورواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1526) عن أمية بن بسطام، به؛ بقصة قبر أبي رغال فقط.

ورواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3753 و4681) عن إبراهيم بن أبي داود، وابن حبان (6198) عن الحسن بن سفيان، والطبراني في "الأوسط" (8533) عن معاذ بن معاذ؛ ثلاثتهم (ابن أبي داود، والحسن بن سفيان، ومعاذ) عن أمية بن بسطام، به،

وأخرجه معمر في الجامع 20989 عن إسماعيل بن أمية قال: مر النبي.وانظر "سيرة ابن هشام"1/49، و"الروض الأنف"1/66-67،

[1675] -وابن هشام(4/77)

[1676] - .أحمد(1/ 243 ) ثَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ ثَنَا الْحَجَّاجُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.. وقال:شعيب الأرنؤوط : حسن لغيره .

 وهَذَا الْحَدِيثُ مَدَارُهُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، لَكِنْ ذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إِلَى هَذَا، فَعِنْدَهُ أَنَّ كُلَّ عَبْدٍ جَاءَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ عُتِقَ، حُكْمًا شَرْعِيًّا مُطْلَقًا عَامًّا. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا شَرْطًا لَا حَكْمًا عَامًّا، وَلَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَكَانَ التَّشْرِيعُ الْعَامُّ أَظْهَرَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ "..

 

[1677] - أحمد( 1/248) ثَنَا نَصْرُ بْنُ بَابٍ عَنِ الْحَجَّاجِ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به.. وقال شعيب الأرنؤوط : حسن لغيره وهذا إسناد ضعيف لضعف نصر بن باب وتدليس الحجاج

[1678] - ابن أبي شيبة(7/411رقم  36956) حدثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ , عَنِ الْحَجَّاجِ , عَنِ الْحَكَمِ , عَنْ مِقْسَمٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به.. وهو حسن لغيره

[1679] - ابن أبي شيبة(7/411رقم 36955) حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ , عَنِ الْحَجَّاجِ , عَنِ الْحَكَمِ , عَنْ مِقْسَمٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به..وهو حسن لغيره

[1680] - رواه أحمد( 17530 – ت الأرنؤوط)قال:حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا مُفَضَّلُ بْنُ مُهَلْهِلٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ ثَقِيفٍ، قَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا، فَلَمْ يُرَخِّصْ لَنَا، فَقُلْنَا: إِنَّ أَرْضَنَا أَرْضٌ بَارِدَةٌ، فَسَأَلْنَاهُ أَنْ يُرَخِّصَ لَنَا فِي الطُّهُورِ، فَلَمْ يُرَخِّصْ لَنَا، وَسَأَلْنَاهُ أَنْ يُرَخِّصَ لَنَا فِي الدُّبَّاءِ، فَلَمْ يُرَخِّصْ لَنَا فِيهِ سَاعَةً، وَسَأَلْنَاهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْنَا أَبَا بَكْرَةَ ...الحديث. وقال الأرنؤوط:إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح غير شِباك- وهو الضبي الكوفي الأعمى- فقد روى له أصحاب السنن سوى الترمذي، وهو ثقة.

مغيرة: هو ابن مِقْسَم الضَّبِّي، والشعبي: هو عامر بن شَراحيل.

وأخرج منه قصة أبي بكرة الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (4273) ، وفي "شرح معاني الآثار" 3/278-279 من طريق يحيى بن آدم، بهذا الإسناد.

وأخرجها مرسلة ابنُ سعد 7/16 عن يحيى بن حماد، عن أبي عوانة، عن المغيرة، عن شباك، عن الشعبي: أن ثقيفاً سألوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يردّ إليهم أبا بكرة عبداً، فقال: "لا، هو طليق الله وطليق رسوله". ورجاله ثقات.

ويشهد لقصة أبي بكرة حديث ابن عباس، السالف برقم (2176) .

ومرسل عبد الله بن المكرم الثقفي عند البيهقي 9/229 (في المطبوع: عبد الله بن المكدم) . وانظر:الجامع الصحيح للسنن والمسانيد (15/ 84)

 

[1681] -  الْبُخَارِيُّ( 4326 ) ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثَنَا غُنْدَرٌ، ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا .. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ بِهِ

 

[1682] -  الْبُخَارِيُّ( 4327) قال:قَالَ هِشَامٌ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَوْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ به

 

[1683] - ابن هشام(4/77)

[1684] - ابن هشام(4/77) هكذا ذكرها معضلة ..ووردت مرسلة عن مكحول بسند صحيح.

[1685] - ابن سعد 2/121) أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مَكْحُولٍ.. وهذا مرسل سنده صحيح.

[1686] - ابن هشام(4/77-78)  

[1687] -

 

[1688] - الحاكم(3/51) قال أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الزاهد ببغداد ثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي نجيح السلمي به..وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وَرَوَاهُ مختصرًا أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ بِهِ.

[1689] -  الْبُخَارِيُّ: 4324 -حدثَنَا الْحُمَيْدِيُّ سَمِعَ سُفْيَانَ حدثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ به.. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2180 )

 

[1690] - ابن أبي شيبة(6/413رقم 32496 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ به.. ورواه التِّرْمِذِيُّ (4322 )قال:حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ به. وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ..وأخرجه أحمد(3/343رقم14743 ) قال: ثنا محمد بن الصباح ثنا إسماعيل بن زكريا عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط وأبي الزبير عن جابربه.و قال الأرنؤوط:إسناده قوي على شرط مسلم

[1691] -  أحمد (2/11رقم 4588) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، - قِيلَ لِسُفْيَانَ: ابْنُ عَمْرٍو؟ قَالَ: لَا ابْنُ عُمَرَ – فذكره..وقال الأرنؤوط:إسناده صحيح على شرط الشيخين. سفيان: هو ابن عيينة، وعمرو: هو ابن دينار المكي، وأبو العباس: هو السائب بن فرُّوخ.

وأخرجه الحميدي (706) ، وسعيد بن منصور (2863) ، والبخاري (4325) ، والبيهقي في "الدلائل " 5/167 من طريق ابن المديني، والبخاري (6086) من طريق قتيبه بن سعيد، و (7480) من طريق عبد الله بن محمد، وأبو يعلى (5773) من طريق زهير بن حرب، والبيهقي في "السنن" 9/43، وفي "الدلائل " 5/165 من طريق الحسن بن محمد الزعفراني وفى "الدلائل" أيضاً 5/165 من طريق زكريا بن يحيي، ثمانيتهم عن سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد.

وأخرجه ابنُ أبي شيبة  ومن طريقه مسلم (1878) (82) ، والبيهقي في "الدلائل" 5/168، وأخرجه مسلم (1778) (82) من طريق زهير بن حرب وابن نمير، والنسائي في "الكبرى" (8599) و (8872) من طريق عبد الجبار بن العلاء، أربعتهم عن سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

قلنا: وهذا خطأ، إنما هو حديثُ عبد الله بن عمر بن الخطاب كما هو مبين صريحاً في روايتنا هذه، وقد ذكر الحافظُ في "الفتح" 8/44 الاختلاف في ذلك، فانظره إن شئت.

وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: ومن البيِّن الواضح أنهم كُلهم لم يتنبهوا إلى رواية الإمام أحمد هنا، وهو من أحفظ أصحاب ابن عُيينة، إن لم يكن أحفظهم، وإثباته بالقول الصريح الواضح أن ابن عيينة سئل: "ابن عمرو؟ " - يعني ابن العاص -، فقال: "لا، ابن عُمر" - يعني ابن الخطاب -، فهذا يرفعُ كُل خلاف، ويقطع بأن من روى بفتح العين، أخطأ جداً، سواء أكان ممن روى عن سفيان بن عيينة، أم كان ممن بعدهم، أم كان من أصحاب نسخ "الصحيحين ".أهـ

[1692] -  الْبُخَارِيُّ: 4325- ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الشَّاعِرِ الْأَعْمَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو به .

[1693] -  فتح الباري (12 / 135)

 

[1694] - ابن هشام(4/78-79)   هكذا أرسله ابن إسحاق.

[1695] - ابن سعد(2/121) أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الأَشْهَبِ. أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ به..وهذا مرسل صحيح الإسناد رجاله رجال الصحيحين

 

[1696] - ابن ابي شيبة(7/411رقم 36954) حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ , عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ به..ورجاله رجال مسلم لكنه مرسل.

[1697] - دلائل النبوة 3/48. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال ثنا أحمد بن عبد الجبار قال ثنا يونس عن إسحاق قال ثنا عبد الله بن أبي بكر بن حزم وعبد الله بن المكرم به.. والحديث مرسل وهو حسن الإسناد.

[1698] - قال إبراهيم بن إبراهيم قريبي في كتابه(مرويات غزوة حنين وحصار الطائف ) (ص:292-293): وخلاصة القول أن الأحاديث الواردة في مدة حصار الطائف لم تتحد في تعيين المدة كما تقدم بيان ذلك وهذه خلاصتها:

أ- كانت مدة الحصار بضعا وعشرين ليلة وهي رواية ابن إسحاق.

ب- كانت مدة ثلاثين ليلة أو قريباً من ذلك وهي رواية أخرى عن ابن إسحاق ورواية أبي داود في المراسيل.

ج- أن مدة الحصار كانت أربعين يوما وهو حديث أنس عند أحمد ومسلم وقد بينا أن هذا الحديث والذي قبله لا يستقيم مع بقية الأحاديث.

د- أن الحصار دام بضع عشرة ليلة وهي رواية البيهقي عن موسى ابن عقبة وعروة بن الزبير.

هـ أن مدة الحصار كانت نصف شهر وهي رواية الطبري من مرسل عروة بن الزبير أيضا، ورواية الواقدي.

وكان الحصار سبعة عشر يوماً وهو حديث أبي عبيدة بن الجراح عند البيهقي.

ز- كانت مدة الحصار سبع عشرة أو ثمان عشرة أو تسع عشرة كما في حديث عبد الرحمن بن عوف عند خليفة بن خياط وغيره.

ح- أن مدة الحصار كانت خمسة وعشرين يوماً كما ورد في حديث عبد الله بن سنان عند ابن أبي شيبة.

والظاهر في هذا أن مدة الحصار كانت بضع عشرة ليلة كما رجح ذلك ابن حزم رحمه الله، وقال: هو الصحيح بلا شك.

والبضع من الثلاث إلى التسع، فإذا أخذنا بأول إطلاقاته وهو الثلاث فتكون مدة الحصار ثلاث عشرة ليلة بناء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل الطائف في عشرين من شهر شوال فيكون الحصار قد أخذ ثلاثة أيام من شهر ذي القعدة، وهو قريب من قول من قال بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد من الطائف إلى الجعرانة فوصلها في اليوم الخامس من ذي القعدة

وأقام بها ثلاث عشرة ليلة، ثم اعتمر منها وذهب إلى المدينة فوصلها لست بقين من ذي القعدة، أو في أوّل ذي الحجة.

قال ابن سيد الناس: "والمعروف عند أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة"

فأقام بها ثلاث عشرة ليلة فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة ليلا وأحرم بعمرة ودخل مكة فطاف وسعى وحلق ورجع إلى الجعرانة من ليلته فكأنه كان بائتا بها، ثم رجع إلى المدينة فدخلها لست بقين من ذي القعدة، قاله ابن هشام، وقيل لثلاث بقين4.

وعند ابن إسحاق: فقدم المدينة في بقية ذي القعدة، أوفي أول ذي الحج أهـ .ط : عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية.

[1699] -  الطبري في تاريخه(3/82 )قال:حدثنا علي بن نصر بن علي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثنا أبي قال أخبرنا أبان العطار قال: حدثنا هشام بن عروة عن عروة به. . والحديث مرسل وإسناده حسن..وأنظرأنساب الأشراف للبلاذري ص 366.

[1700] -  ابن أبي شيبة: (7/411 رقم 36958)  حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا قَيْسٌ ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن سِنَانٍ به ..وفيه ضعف..وهو مخالف للأحاديث الصحيحة التي تثبت أن النبي دعا لثقيف ولم يدع عليهم.

 

[1701] -  أحمد( 3/157رقم12629) ثنا عارم ثنا معتمر بن سليمان التيمي قال سمعت أبي يقول ثنا السميط السدوسي عن أنس بن مالك به..ورواه مسلم (1059) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ابْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، به ..وقد خالف السميط في هذا الحدبث الرواة الاخرين عن أنس في عدة الجيش ففي روايته أنهم ستة آلاف وعند الآخرين عشرة آلاف وأيضا ذكر مدة الحصار _أربعين يوما- ولم يذكرها الآخرون..

[1702] -  أَبُو دَاوُدَ (3067 ) ثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبُو حَفْصٍ، ثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، ثَنَا أَبَانٌ، قَالَ عُمَرُ: هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ. ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ صَخْرٍ به.. وَفِي إِسْنَادِهِ اخْتِلَافٌ كما ذكر ابن كثير.وضعفه الألباني.

[1703] - ابن أبي شيبة(7/412رقم  36962 ) حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ به..وهو مرسل قوي.

[1704] - ابن هشام(4/81).

[1705] -  ابن أبي شبة (7/412رقم 36963) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الأَسَدِيُّ ، قَالَ : حدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ عُتْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به.  ورواه أبو يعلى في مسنده(4/261رقم 2374) عن ابن أبي شيبة به.وقال محققه: رجاله رجال الصحيح خلا عتبة مولى ابن عباس..وأخرجه الطبراني في الكبير( 11/431رقم 12223)عن الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، عن عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عن مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ به إلا أن مولى ابن عباس  فيها اسمه عمير.

[1706] -  الْبُخَارِيِّ (  3131) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِى اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ وَزَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ..

[1707] -  الْبُخَارِيُّ (2821 ) حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قال أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ، أَخْبَرَهُ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ به.

[1708] - ابن هشام(4/82-83) مرسل

[1709] - ابن هشام(4/83) وهذا إسناد حسن.

[1710] - ابن هشام(4/83)

[1711] - ابن هشام(4/81-82) وسنده حسن.

[1712] - قوله: "حديث عمية"، قال النووي في "شرح مسلم" 7/155: هذه اللفظة ضبطوها على أوجه:

أحدها: "عِمِّيَّة" بكسر العين والميم وتشديد الميم والياء، قال القاضي: كذا روينا هذا الحرف عن عامَّة شيوخنا، وفُسِّر بالشِّدة.

والثاني: "عُمِّيَّة" كذلك، إلا أنه بضمِّ العين.

والثالث: "عَمِّية" بفتح العين وكسر الميم المشدَّدة وتخفيف الياء، وبعدها هاء السكت، أي: حدَّثني به عمِّي، وقال القاضي: على هذا الوجه معناه عندي: جماعتي، أي: هذا حديثهم، قال صاحب "العيْن": العمُّ: الجماعةُ.

وأنشد عليه ابن دريد في "الجمهرة":

أفنيتُ عمّا وجبرْتُ عمّا

قال القاضي: وهذا أشبهُ بالحديث.

والوجه الرابع كذلك، إلا أنه بتشديد الياء، وهو الذي ذكره الحميدي صاحب "الجمع بين الصحيحين"، وفسَّره بعُمومتي، أي: هذا حديث فضل أعمامي، أو هذا الحديث الذي حدثني به أعمامي، كأنه حدَّث بأول الحديث عن مشاهدة، ثم لعلَّه لم يضبط هذا الموضع لتفرُّق الناس فحدَّثه به من شهده من أعمامه أو جماعته الذي شهدوه، ولهذا قال بعده: "قال: قلنا: لبيك يا رسول الله" والله أعلم

[1713] - أَحْمَدُ (3/ 157) : حَدَّثَنَا عَارِمٌ ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: ثَنَا السُّمَيْطُ السَّدُوسِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ (1059 )

[1714] -  مسلم (1060) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ الْمَكِّىُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ به  

 

[1715] - ابن هشام(4/89-90) قال بْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ به..وسنده حسن.ورواه أحمد(3/76 رقم 11748) عن يعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق به. وقال الأرنؤوط : إسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق، وقد صرح بالتحديث هنا، فانتفت شبهة تدليسه، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح. يعقوب: هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 10/29-30، وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق، وقد صَرح بالسماع أهـ.

قال السندي: قوله: من تلك العطايا، أي: مما حصلت من غنائم حنين.

قوله: "لقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قومه، أي: فمال إليهم وأعرض عنا.

قوله: "فأين أنت من ذلك"، أي: مما عليه قومك.

قوله: "امرؤ من قومي"، أي: أوافقهم في ذلك.

قوله: "وما أنا"، أي: منفرداً عنهم، ويحتمل أن المراد: فأين أنت من ذلك، أي: من أن ترد عليهم ذلك الرأي، وتبين لهم طريق الصواب، فأجاب بأني واحد منهم، فلا أقدر عليه.

قوله: "في هذه الحظيرة": هي في الأصل موضع يحاط عليه لتأوي إليه الغنم والإبل، تقيها البرد والريح، ولعل المراد هاهنا الخيمة.

قوله: "ألم آتكم"، أي: جئتكم.

قوله: "ضُلالاً": حال، و"عالة": فقراء.

قوله: "ألا تجيبونني": يريد أن يُعَين أنه ما نسي إحسانهم، وأن ما فعل من إيثار غيرهم بالأموال ليس مبنياً على النسيان.

قوله: "فلصدقتم": على بناء الفاعل، من الصدق.

قوله: "ولصدقتم": على بناء المفعول، من التصديق.

قوله: "مكذباً": اسم مفعول، وهو حال.

قوله: "طريداً"، أي: مخرجاً من بلادك.

قوله: "فآسيناك"، أي: راعيناك بالمال.

قوله: "في لعاعة" بضم لامٍ، وبمهملتين: الجرعة من الشراب، والمراد: الشيء اليسير، والقدر القليل.

قوله: "أخضلوا": بلوا.

 

[1716] -  الْبُخَارِيُّ ( 4331)ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا هِشَامٌ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ  الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي أَنَسُ به

 

[1717] -  الِْبُخَارِيِّ( 4337 )حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسِ به

 

 

[1718] -  أحمد(3/245 رقم 13590ومكرر3/256رقم 13712 ) حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ،به..وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين أهـ. قلت: رواه البخاري ( 4148) عن هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ عن هَمَّامٌ به

 

[1719] -  أبو داود ( 1993 ) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، وَقُتَيْبَةُ، قَالَا: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارُ  عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به. ورواه ابن ماجة ( 3003 )عن أبي إِسْحَاقَ الشَّافِعِيُّ (إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ) عن دَاوُدُ العطار به. وصححه الألباني

 

[1720] -  البخاري 1781 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ به..

 

[1721] -  ابن أبي شيبة(3/160 13043) حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ به.. وأخرجه ابن ماجة (2997) عن ابن أبي شيبة به.بلفظ«لَمْ يَعْتَمِرْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمْرَةً، إِلَّا فِي ذِي الْقَعْدَةِ» .وصححه الألباني و صحح الحافظ إسناده في "الفتح 3/600

 

[1722] -   البخاري (4357)ثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ به..وأطرافه: 3020و 3822و 4356 .وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ (2476)مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ بِنَحْوِهِ..ورواه أحمد(4/362رقم 19227) عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل به و(4/360رقم19211)عن يزيدعن إسماعيل به.

أحمس: وهم رهط جرير بن عبد الله وهم أخوة بجيلة ينتسبون إلى أحمس بن الغوث بن أنمار، وهناك أحمس أخرى ينتسبون إلى بني ضبيعة بن ربيعة بن نزار.

واسم (أبي ارطأة: حصين بن ربيعة بن عامر بن الازور البجلي ) له صحبة، لم يرد ذكره إلا في هذا الحديث.

 

[1723] -   البخاري(5/161)

 

[1724] -   البخاري ( 4340 ):حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ به.. وأخرجه مسلم(1840) عن مُحَمَّد بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَزُهَيْر بْنُ حَرْبٍ، وَأَبُي سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، كلهم عن وَكِيع ،عن الْأَعْمَش.به..ورواه أحمد(1/82رقم 622 ) عن أبي معاوية عن الأعمش به..

 

[1725] -   ابن ماجة( 2863) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ به.وحسنه الألباني.وقال في الزوائد:إسناده صحيح..ورواه أبو يعلى(2/502 رقم 1349) عن زُهَيْرٌ،عن يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ به وحسنه محققه. قال الحافظ في الفتح(8/58-59):رَوَاهُ أَحْمد وابن ماجة وَصَححهُ ابن خُزَيْمَة وابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ..أهـ

 

[1726] -   فتح الباري(8/58-59)

 

[1727] - أنظر طبقات ابن سعد(2/146-148) والبداية والنهاية(4/ 431) ولا يوجد روايات متصلة صحيحة في هذه البعوث .

 

([1728]) انظر: تفسير الطبري (14/540- 542), السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص614.

([1729]) انظر: فتح الباري (16/237).

([1730])   يبعد عن المدينة 778 ميلاً حسب الطريق المعبدة في الوقت الحاضر

([1731]) البلقاء: هي كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى عاصمتها عمان.

([1732]) انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (2/165).

([1733]) انظر: البداية والنهاية (5/3).

([1734]) البخاري (2468) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ به .

[1735] -

 

[1736] -   البخاري ( 2948 ) حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ به

 

 

([1737])  الْإِمَامُ أَحْمَدُ (5/63 رقم 20649 ) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ثنا ضَمْرَةُ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَوْذَبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ به.. وقال الأرنؤوط: إسناده حسن من أجل كثير.. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ وَاقِعٍ عَنْ ضَمْرَةَ بِهِ. وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وأخرجه الحاكم(3/110) وصححه ووافقه الذهبي

([1738])   صحيح البخاري(5/13) وقد روى الحديثين معلقين بصيغة الجزم

([1739])   صحيح البخاري ( 2778) قال:قَالَ عَبْدَانُ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عُثْمَانَ فذكره

([1740])أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ((1/80 رقم 82)) حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ جَاوَانَ عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ به..  وأخرجه أحمد(1/70 رقم 511) عن بهز عن أبي عوانة به.. وقال الأرنؤوط:صحيح لغيره وهذا إسناد ضعيف، عمرو بن جاوان روى له النسائي، ولم يرو عنه غير حصين، ولم يذكره أحد في الثقات غير ابن حبان، وقال الذهبي: لا يعرف، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين. بهز: هو ابن أسد، وحصين: هو ابن عبد الرحمن السلمي، والأحنف: هو ابن قيس التميمي.

ورواه ابنُ أبي عاصم (1303) من طريق أبي عوانة، بهذا الإسناد.

وأخرجه ابنُ أبي شيبة وابن أبي عاصم (1303) و (1304) ، والبزار (390) و (391) ، والنسائي 6 / 46 و233 و234، وابن خزيمة (2487) ، وابن حبان (6920) من طريقين عن حصين، به. وقد تقدم من طريق آخر برقم (420) .

وسيأتي من طريق آخر عن عثمان في المسند . وله شاهد من حديث ثمامة بن حزن القشيري عند الترمذي (3703) وقال الترمذي: حديث حسن.

([1741])البخاري (3133 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، قَالَ(أيوب): وَحَدَّثَنِي القَاسِمُ بْنُ عَاصِمٍ الكُلَيْبِيُّ، - وَأَنَا لِحَدِيثِ القَاسِمِ أَحْفَظُ - عَنْ زَهْدَمٍ(ابن الحارث) به ..و  أطرافه 4385 ، 4415 ، 5517 ، 5518 ، 6623 ، 6649 ، 6678 ، 6680 ، 6718 ، 6719 ، 6721 ، 7555 - تحفة 8990

([1742]) البخاري   4415 – وقال:حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى به

([1743]) البخاري

([1744]) البخاري ( 4416)حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ به.. وطرفه 3706 والحديث في صحيح مسلم 2404 والمسند(1/182 رقم 1583) وقد روى هذا الحديث عن سعد أبناؤه:عامر ومصعب وإبراهيم وعائشة بأسانيد صحيحة.وقد روي عن صحابة آخرين غير سعد منهم جابر وابن عباس وأسماء بنت عميس.

قوله: (بمنزلة هارون) نازلا مني منزلة هارون من موسى عليهما السلام في أخوة الدين والنسب وقيل إنه صلى الله عليه وسلم قاله له حين خرج إلى تبوك وخلفه على أهله وعياله وأمره أن يقيم فيهم فكان كهارون حين خلفه موسى عليهما السلام على بني إسرائيل لما ذهب لميقات ربه

([1745])السيرة لابن هشام(2/520-521) ت السقا.وأخرجه البيهقي في الدلائل(5/222-223)قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابن اسحاق قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أن أبا خيثمة..فذكره وهو مرسل قوي..

([1746])الدلائل(5/223- 224)

([1747])الحاكم (4373 ) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ به..وقال الحاكم «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» وقال الذهبي: فيه إرسال. وقال ابن كثير: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.وفي السيرة لابن هشام(2/524) ت السقا شيخ ابن اسحاق هو بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ.وكذا هو في دلائل النبوة للبيهقي (5/221) فقد رواه عن الحاكم به..  بريدة بن سُفْيَانَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي «التَّارِيخِ الكبير» (1: 2: 20) : «فيه نظر» وضعفه النسائي، وأبو داود، وأحمد، والدارقطني.

([1748])لابن هشام(2/523) ت السقا

([1749])أَحْمَدُ (3/11رقم 11095)حدثنا أبو  مُعَاوِيَةَ حدثنا الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - شَكَّ الْأَعْمَشُ – فذكره.. .. وقال الأرنؤوط:إسناده صحيح على شرط الشيخين. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ(27) عَنْ سهل بن عثمان و أَبَى كُرَيْبٍ عَنْ أَبَى مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ.



([1750])

([1751])أَحْمَدُ (2/117رقم 5984 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا صَخْرٌ - هُوَ ابْنُ جُوَيْرِيَةَ - عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ به
وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين.

قال ابن كثير:وَهَذَا الْحَدِيثُ إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ أَبِي ضَمْرَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِهِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَتَابَعَهُ أُسَامَةُ عَنْ نَافِعٍ..؟قلت:نعم أخرجه البخاري (3379) ، ومسلم (2981) (40) ، وابن حبان (6202) من طريق عبيد الله بن عمر العمري، عن نافع، به.

وعلقه البخاري بإثر الحديث (3379) ، ووصله ابن حجر في"تغليق التعليق" 4/22 من طريق أسامة بن زيد الليثي، عن نافع، به.

([1752])–  البخاري(4419) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ به

([1753])البخاري ( 4420 ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ به

([1754])أَحْمَدُ(3/296 رقم 14193) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ به..قال ابن كثير: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ. "البداية والنهاية" 1/129..وقال الأرنؤوط: حديث قوي، وهذا إسناد على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن عثمان بن خثيم، وأبي الزبير، فمن رجال مسلم، وأبو الزبير مدلس، وقد عنعن، واختلف على ابن خثيم فيه فرواه مرة عن أبي الزبير، وأخرى عن عبد الرحمن بن سابط كما سيأتي في التخريج.

وأخرجه الطبري 8/230 (14820) ، والطحاوي في "المشكل" (3755) ، والحاكم 2/351 من طريق عبد الرزاق، بهذا الإسناد. (وقال الحاكم:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ " وقال الذهبي: صحيح على شرط البخاري ومسلم. قلت:ليس على شرط البخاري بل مسلم )

وأخرجه البزار (1844) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3756) ، وابن حبان (6197) ، والحاكم 2/371 من طريق مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن خثيم، به.(وصححه الحاكم ووافقه الذهبي) قلنا: ومسلم بن خالد الزنجي ضعيف.

وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (9065) من طريق عبد الله بن لهيعة، عن أبي الزبير، به. وابن لهيعة ضعيف.

وأخرجه مختصراً الطبري 14/50، والطحاوي في "شرح المشكل" (3757) من طريقين عن يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد، عن داود بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عثمان، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط، عن جابر. وسنده قوي.

وفي الباب عن عبد الله بن عمرو عند أبي داود (3088) ، والطحاوي (3753) . وإسناده ضعيف.

الحِجْر: هو اسم ديار ثمود، ولا يزال الحجر معروفاً، ويقع في الحجاز جنوبي تيماء، وقاعدة تلك البلاد مدينة العُلا.

و"الآيات" قال السندي: أي: الأمور العظام الخارقة للعادة.

"وكانت"، أي: الناقة "تَرِد" من الورود، أي: ترد الماء. "وتصدر"، أي: ترجع.

"أهمد الله" في "القاموس" الهمود في الأرض: أن لا يكون بها حياة ولا عود ولا نبت ولا مطر.

([1755])أَحْمَدُ(4/231رقم18058 ) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَوْسَطَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ به..ورواه ابن أبي شيبة(7/425رقم37012 ) عن جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ عن الْمَسْعُودِيُّ به..وقال ابن كثير: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.وقال الأرنؤوط: إسناده ضعيف، محمد بن أبي كبشة سلفت ترجمته، وهو لين الحديث إذا تفرد، ولم يتابع على هذا الحديث، وإسماعيل بن أوسط- وهو البجلي- وثقه ابن معين في رواية، وقال في أخرى: صالح، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن أبي حاتم: سُئل أبي عنه فقال: يُروى عنه، فكرر عليه فلم يزد على قوله: يروى عنه، وضعّفه الساجي، وقال الأزدي: أمير الكوفة، كان من أعوان الحجاج، وهو الذي قدم سعيد بن جبير للقتل، لا ينبغي أن يروى عنه، ونقل قول الأزدي هذا الذهبي في "الميزان" وأقره.

والمسعودي: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة الكوفي، وقد اختلط بأخرة، ورواية يزيد بن هارون عنه بعد اختلاطه، ولا يضر ذلك، فقد رواه عن المسعودي غير واحد ممن روى عنه قبل اختلاطه.

وأخرجه ابن أبي شيبة ومن طريقه الطبراني 22/ 340رقم(852) عن جعفر بن عون، والدولابي في "الكنى والأسماء" 1/50، والطحاوي في " شرح المشكل" (3741) من طريق أبي داود الطيالسي، والطبراني 22/ (851) من طريق عبد الله بن رجاء وعمرو بن مرزوق، و (852) من طريق إسماعيل بن عياش، خمستهم عن المسعودي، بهذا الإسناد. وجعفر بن عون وعبد الله بن رجاء وعمرو بن مرزوق رووا عن المسعودي قبل اختلاطه.
وللنهي عن دخول ديار ثمود وعامةِ ديار المغضوب عليهم شاهد من حديث عبد الله بن عمر السالف برقم (4561) و (5984) . وهو متفق عليه.

وشاهد ثان من حديث سبرة بن معبد، علقه البخاري بإثر (3378) ، ووصله الطحاوي في "شرح المشكل، (3750) و (3751) و (3752) ، والطبراني في "الكبير" (6550) و (6551) و (6552) ، والحاكم  وابن حجر في "التغليق" 4/19 و20. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، وتعقبه الذهبي بقوله: ولا على شرط واحد منهما.

وثالث من حديث أبي الشموس البلوي، علقه البخاري بإثر (3378) ، ووصله الحافظ في "التغليق" 4/20 و20-21.

ورابع من حديث أبي ذر الغفاري، علقه البخاري، ووصله البزار (1843 - كشف الأستار) ، والطحاوي في "شرح المشكل" (3746) و (3747) ، والحافظ في "التغليق" 4/21-22.

وخامس من حديث أبي أمامة عند الطبراني (8068) و (8069) .

وسادس من حديث سمرة بن جندب عند البزار (1846- كشف الأستار) ، والطبراني (7091) .

ولآخر الحديث شاهد من حديث عبد الله بن بسر، ولفظه: "سددوا وأبشروا، فإن الله تعالى ليس إلى عذابكم بسريع، وسيأتي قوم لا حجة لهم " ذكره الهيثمي في "المجمع" 1/63، وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه بقية بن الوليد، ولكنه صرح بالتحديث. قلنا: لا يكفي هذا فإنه يدلس تدليس التسوية.

([1756])موطأ مالك(478)وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (706) عن عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، عن أَبُي عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ، عن مَالِكٌ  بِهِ.

([1757])– البخاري(1481)حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ به

[1758] -  أحمد(3/441 رقم 15693) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ به..  تعليق شعيب الأرنؤوط : حديث غريب وإسناده ضعيف لجهالة سعيد بن أبي راشد فلم يرو عنه غير عبد الله بن عثمان بن خثيم ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان وباقي رجاله -عدا التنوخي -رجال الصحيح .  وقال ابن كثير:هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ .

[1759] - البيهقي في الدلائل(5/250- 251 )أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ به..وانظرالسيرة لابن هشام() وهذا مرسل حسن

[1760] -  البيهقي في الدلائل(5/251- 252)أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ به..وانظرالبداية والنهاية(5/17)

[1761] - السيرة() وهذا اسناد حسن

[1762] - البخاري(5836) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاء به..ِ ورواه مسلم(2468) عن مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،به

[1763] - البخاري(2615) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ به.. ورواه مسلم(2469) عن زهير عن يونس به..ورواه أحمد(3/206رقم 13171)عن روح عن شعبة عن قتادة به

[1764] - البخاري(2616) معلقا

[1765] - أحمد(3/121 رقم12245 ) حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي وَاقِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، -قَالَ مُحَمَّدٌ: وَكَانَ وَاقِدٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، وَأَعْظَمِهِمْ، وَأَطْوَلِهِمْ- قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ ..فذكره..وقال الأرنؤوط: حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الصحيح غير محمد بن عمرو -وهو ابن علقمة الليثي- فهو صدوق حسن الحديث، وروى له البخاري مقروناً بغيره، ومسلم في المتابعات.

وأخرجه المصنف في "فضائل الصحابة" (1495) ، وابن سعد 3/435-436، وابن حبان (7037) ، والبيهقي 3/273-274 من طريق يزيد ابن هارون، بهذا الإسناد.

وأخرجه ابن أبي شيبة  والترمذي (1723) ، والنسائي 8/199 من طرق عن محمد بن عمرو، به.

[1766] - أحمد(1/130 رقم1077) ثنا وكيع ثنا مسعر عن أبي عون أبي صالح الحنفي عن على به.ورواه مسلم(2071) عن أَبُي بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُي كُرَيْبٍ، وَزُهَيْر بْنُ حَرْبٍ، عن وكيع به..

ذومة: هي دومة الجندل، وهي قرى بين الشام والمدينة، قرب جبل طيئ.

وأكيدر هو ملكها، واسمه أكيدر بن عبد الملك بن عبد الحي الكندي، وكان نصرانياً،

صالحه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمنه، ووضع عليه الجزية وعلى أهله، ثم نقض الصلح بعد وفاة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فغزاه خالد بن الوليد، فقتله في عهد أبي بكر.

([1767])

([1768])

[1769] -  البداية والنهاية(5/18)

([1770])البيهقي في الدلائل(5/256-257)

[1771] - البداية والنهاية(5/19)

[1772] -  أحمد(5/453رقم 23843) قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ - هُوَ ابْنُ هَارُونَ - أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ به..وقال الأرنؤوط:إسناده على شرط مسلم. وهذا الحديث قد رواه أبو الطفيل عن حذيفة بن اليمان، فقد أخرجه البزار في "مسنده" (2800) و (2803) من طريق محمد بن فضيل، عن الوليد بن جُميع، عن أبي الطفيل، عن حذيفة.

وأخرج نحوه البيهقي في "دلائل النبوة" 5/260-261 من طريق محمد بن إسحاق، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البَخْتَري، عن حذيفة بن اليمان قال: كنتُ آخذاً بخُطام ناقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقود به وعمار يسوقه ...فذكره. ورواية أبي البختري - وهو سعيد بن فيروز- عن حذيفة بن اليمان مرسلة..

([1773])–مسلم (2779) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ به.. ورواه أحمد(5/390 رقم 23369) عن محمد بن عبد الله بن الزبير وأبي نعيم عن الوليد به. وقال الأرنؤوط:إسناده قوي على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير الوليد بن عبد الله بن جميع، فهو صدوق حسن الحديث من رجال مسلم. أبو نعيم: هو الفضل بن دكين، وأبو الطفيل: هو عامر بن واثلة الليثي.

[1774] -  مسلم (274) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فذكره.. ورواه أحمد(4/294 رقم 18200) قال:حَدَّثَنَا سَعْدٌ، وَيَعْقُوبُ، قَالَا حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حدتني عباد بن زياد ، به.. وقال الأرنؤوط: حديث صحيح، عباد بن زياد بن أبي سفيان - وإن لم يرو عنه سوى اثنين، ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان - قد توبع، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين. سعد ويعقوب: هما ابنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف، وصالح: هو ابن كيسان، وابنُ شهاب: هو الزهري.

وأخرجه ابنُ عبد البر في "التمهيد" 11/124 من طريق الإمام أحمد، بهذا الإسناد. وقد تحرف فيه "قال سعد: ابن أبي سفيان" إلى: "قال: حدثنا سعد ابن أبي سفيان".

وأخرجه النسائي في "الكبرى" (165) من طريق يعقوب بن إبراهيم، به.دون ذكر صلاة ابن عوف بالناس.

وأخرجه أبو داود (149) ، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 1/398، وابن حبان (2224) ، والطبراني في "الكبير" 20/ (881) ، وابن عبد البر في "التمهيد" 11/123 من طريق يونس بن يزيد الأيلي، وابن خزيمة (203) من طريق عمرو بن الحارث، وابن عبد البر في "التمهيد" 11/122 من طريق عبد الرزاق، عن معمر، ثلاثتهم،. عن ابن شهاب، به. وقرن يونس- في رواية يعقوب بن سفيان وابن عبد البر- بعروة أخاه حمزة، وجاء في رواية الطبراني"حمزة" بدل "عروة

 

[1775] -  البخاري(4421):حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ به

([1776])– البخاري(4422 )حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ به.. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سليمان بن بلال به نحوه

([1777]) البخاري(4423 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ به

([1778]) البخاري(4426 ) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ به

([1779]) البخاري(4427 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ به

[1780] -  البيهقي الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ سَمِعْتُ أَبَا خَلِيفَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَائِشَةَ به.. وهذا معضل لا يحتج بمثله  فابن عائشة من كبار الآخذين عن تبع الأتباع. فهو من مشايخ أحمد وأبي داود وانظرالبداية والنهاية(5/23)

[1781] -  ابن هشام(4/107)

[1782] -

[1783] -  صحيح الْبُخَارِيّ (6/3)

[1784] -  البخاري(4418)حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ..فذكره.. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2769) عن أَبُي الطَّاهِرِ أَحْمَد بْنُ عَمْرِو عن ابْن وَهْبٍ عن يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ بِنَحْوِهِ..ورواه أحمد(3/456-458 رقم 15827)

[1785] -  البيهقي في الدلائل(5/271- 272) أخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به

[1786] -  ابن جرير الطبري في تفسيره(14/454رقم 17152)حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس به..وهذا اسناد حسن.وقالوا :إن علي بن أبي طلحة لم يسمع التفسير من ابن عباس وإنما سمعه من مجاهد عن ابن عباس .ومجاهد ثقة إمام. لذا قبل العلماء تفسير علي عن ابن عباس.

[1787] -  ابن جرير الطبري في تفسيره (14/455 رقم 17153) حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس به

[1788] -  ابن جرير الطبري في تفسيره (14/455 رقم 17154) حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن زيد بن أسلم به..وهو مرسل ضعيف

[1789] -  ابن جرير الطبري في تفسيره (14/455 رقم 17155) حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير به....مرسل

[1790] -  ابن جرير الطبري في تفسيره (14/455 رقم 17156) حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة به..مرسل

[1791] -  البيهقي في الدلائل (5 / 282):أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ سَلْمَانَ،: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،به. .ثم قال البيهقي:ورَوَاهُ إِسْرَائِيلُ، عَنِ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أهـ قلت: أخرجه الحاكم في المستدرك (2: 482) ، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه» ، ورواه البيهقي في الدلائل(5 / 283) ورواه السيوطي في الدر المنثور (6/ 186) عن الإمام أحمد، والبزار، والطبراني وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والحاكم.

 

[1792] -  البيهقي في الدلائل (5 /283- 284) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ (ح) وأَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ،:قال:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ وَنَصَرُ بْنُ عَلِيٍّ، وَاللَّفْظُ لِنَصْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ،:به.. و نقله ابن كثير في تاريخه (5/ 27) عن البيهقي

 

[1793] -  البيهقي في الدلائل (5 / 285): أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ،به...ونقله ابن كثير في «البداية والنهاية» (5/ 34) .

وروى البيهقي في الدلائل (5 / 285)أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: مرض عبد الله بن أبي بن سَلُولَ فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ وَمَاتَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَكَانَ مَرَضُهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فِيهَا، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَقَالَ: «قَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ حُبِّ يَهُوَدَ» ، فَقَالَ قَدْ أَبْغَضَهُمْ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ فَمَا نَفَعَهُ؟ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَيْسَ هَذَا بِحِينِ عِتَابٍ! هُوَ الْمَوْتُ، فَإِنْ مِتُّ فَاحْضُرْ غُسْلِي، وَأَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفَّنُ فِيهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَمِيصَهُ الْأَعْلَى، وَكَانَ عَلَيْهِ قميصان، فقال ابن أُبَيٍّ: أَعْطِنِي قَمِيصَكَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ، فَنَزَعَ قَمِيصَهُ الَّذِي يَلِي جِلْدَهُ فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ قَالَ: وَصَلِّ عَلَيَّ وَاسْتَغْفِرْ لِي" والواقدي متروك..

 

[1794] -  البخاري(4670)حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. أطرافه 1269 ، 4672 ، 5796 - تحفة 7826 .ورواه مسلم برقمي(2400و2774) عن أبي بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عن أَبُي أُسَامَةَ، به

[1795] -  أحمد (3/371 رقم 15028) حدثنا محمد بن أبي عُبَيد، حدثنا عبد الملك، عن أبي الزبير، عن جابر به.. وقال الأرنؤوط : حديث صحيح وإسناده على شرط مسلم.. ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم (9665).

[1796] - البخاري برقم(5795) حدثنا عبد الله بن عثمان، أخبرنا ابن عُيَينة، عن عمرو، سمع جابر به. وأطرافه 1270 ، 1350 ، 3008 - تحفة 2531. ورواه مسلم برقم (2773) عن أَبُي بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ كلهم عن سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، به. وأحمد(3/381رقم 15117 ) عن سفيان بن عيينة به..ورواه البيهقي في الدلائل(5 / 286)

[1797] -  البيهقي في الدلائل (5/286) أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، فذكره..رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ(3008) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سفيان: به.، بلفظ" لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أُتِيَ بِأُسَارَى، وَأُتِيَ بِالعَبَّاسِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، «فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ قَمِيصًا، فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَقْدُرُ عَلَيْهِ، فَكَسَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ، فَلِذَلِكَ نَزَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ الَّذِي أَلْبَسَهُ" قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: (كَانَتْ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يُكَافِئَهُ).. وانظر فتح الباري (6/ 144) .

 

[1798] -    تفسير الطبري (14/407رقم 17053 ) حدثنا أحمد بن إسحاق، حدثنا أبو أحمد، حدثنا حماد بن سلمة، عن يزيد الرقاشي، عن أنس به.. ومسند أبي يعلى (7/145رقم 4112 ) عن إبراهيم بن الحجاج عن حماد بن سلمة به.وقال محققه:إسناده ضعيف... وذلك بسبب يزيد الرقاشي الراوي عن أنس فهو ضعيف

 

[1799] -  أَحْمَدُ((4/218 ، رقم 17942) ) حَدَّثَنَا عَفَّانُ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ به.. وقال الأرنؤوط:رجاله ثقات رجال الصحيح غير أن في سماع الحسن من عثمان اختلاف . وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"( 2/416رقم 10579) ، وابن خزيمة (1328) عن الزعفراني، كلاهما عن عفان، بهذا الإسناد. مختصراً دون قصة عثمان في آخره. ورواية ابن خزيمة مقتصرة على إنزالهم في المسجد.

وأخرجه الطيالسي (939) ، وأبو داود (3026) ، وابن خزيمة (1328) من طريق أبي الوليد، ثلاثتهم عن حماد بن سلمة، به. مختصراً دون قصة عثمان في آخره. وقصة عثمان هذه صحيحة كما في المسند

وانظر قصة وفد ثقيف بالتفصيل عند ابن سعد في "الطبقات" 1/312-313، وابن القيم في "زاد المعاد" 3/600-602.

قال السندي: وقوله: أن لا يُحشروا ... إلخ على بناء المفعول، ومعنى لا يحشروا: لا يندبوا إلى الجهاد، ولا يضرب عليهم البعوث، وقيل: لا يحشروا إلى عامل الزكاة ليأخذ صدقة أموالهم بل يأخذها في أماكنهم.

ومعنى لا يعشروا: لا يأخذ عشر أموالهم، وقيل: أراد به الصدقة الواجبة، وإنما فسح لهم في تركها، لأنها لم تكن واجبة يومئذ عليهم، وإنما تجب بتمام الحول.

وسئل جابر عن اشتراط ثقيف أن لا صدقة عليهم ولا جهاد، فقال: عَلِمَ منهم أنهم سيصدقون ويجاهدون إذا اسلموا فرخص فيها.

ولا يجبوا: بضم الياء وفتح الجيم وضم الباء المشددة على بناء الفاعل من التجبية، وأصل التجبية أن يقوم مقام الراكع، وقيل: أن يضع يديه على ركبتيه وهو قائم، وقيل: أصلها السجود، وبالجملة، فمرادهم أن لا يصلوا مجازاً، قال جابر: ولم يرخص لهم في ترك الصلاة لأن وقتها حاضر يتكرر بخلاف وقت الزكاة والجهاد.,

[1800] -  أحمد (4/21 برقم 16314 ) ثنا عبد الصمد قال ثنا حماد عن الجريري عن أبي العلاء عن عثمان بن أبي العاص به وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.

[1801] -  الطيالسي (2/435رقم 1208)قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الطَّائِفِيِّ، عَنْ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ به

[1802] -  أبو دَاوُدَ(1393 ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، أَخْبَرَنَا قُرَّانُ بْنُ تَمَّامٍ، ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِدٍ، وَهَذَا لَفْظُهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْلَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ جَدِّهِ به..وَرواه ابْنُ مَاجَهْ (1345)عن أَبُي بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عن أَبُي خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْلَى الطَّائِفِيِّ به-وضعفه الألباني.ورواه الطيالسي(2/432 رقم 1204)         عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيُّ به.وابن أبي شيبة(2/242رقم 8583) عن وكيع عن عبد الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيُّ به

[1803] - أَبُو دَاوُدَ ( 3025) قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبٍ به.. وصححه الألباني

[1804] - أحمد(4/8رقم 16205) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ النُّعْمَانِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَوْسًا،فذكره ..قال الأرنؤوط: حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح غير صحابيه فقد روى له أصحاب السنن ما خلا الترمذي. وفي قول شعبة عن النعمان: سمعت أوساً، وقفة، فقد رواه حاتم بن أبي صغيرة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أوس، فزاد في الإسناد عمرو بن أوس، وهو الأشبه، وقد روى شعبة في الرواية التي قبل هذه في المسند حديثاَ عن النعمان بن سالم بواسطة ابن أبي أوس. وقد تابع سماك بن حرب شعبة في إسقاط عمرو بن أوس من الإسناد، ولكنه اضطرب فيه

وأخرجه النسائي ( 7/80-81 رقم 3982) عن محمد بن بشار عن محمد بن جعفر، بهذا الإسناد.وصححه الألباني. وأخرجه الطيالسي (1110) ، والدارمي 2/218 من طريقين عن شعبة، به.

[1805] -  مسلم (328) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ قَالَا: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ به

[1806] -  مسلم 126 - (2231) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَهُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عن أبيه به

[1807] -  ابْنُ مَاجَهْ(3548) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنِي عُيَيْنَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَهُوَ ابْنُ جَوْشَنٍ - حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ به.. صححه الألباني.وفي الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات. ورواه الحاكم وقال هذا حديث صحيح الإسناد.

 

[1808] -  النسائي ( 3758 ) أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ هَانِئٍ، عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ الثَّقَفِّيِّ به.. وضعفه الألباني.

وقَال البُخارِيُّ: عَبد المَلِك بن محمد بن بشير، عن عبد الرحمن بن علقمة عن النبي صلى الله عليه وسلم. حديثه في الكوفيين لم يتبين سماع بعضهم من بعض (تاريخه الكبير: 5 \ 431 الترجمة 1404) ، وذَكَره العقيلي في "الضعفاء"وساق له حديث: "الصدقة يبتغى بها ... "، وَقَال: ولا يتابع عليه ولا يعرف الا به (الورقة 125) . وَقَال ابن عدي: له من المسند الشئ اليسير (الكامل:6/ 532ترجمة رقم 1456 ) . وَقَال الذهبي في "المغني": تابعي لا يعرف (2 \ الترجمة 3839) . وَقَال ابن حجر في "التقريب": مجهول.وترجمته في تهذيب الكمال(18/399ترجمة رقم 3555)

 

[1809] -    البخاري(4363) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به

[1810] -  البخاري (4655) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ به

[1811] -    ابن حبان(9/128 رقم 3820):أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : أخبرنا جرير عن المغيرة عن الشعبي عن المحرر بن أبي هريرة عن أبيه به.. وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده قوي

 

[1812] -  صحيح البخاري ((5/ 168-174)

[1813] -  البخاري ( 4365 )حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي صَخْرَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ به

[1814] -  البخاري (4366) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به

[1815] -  البخاري( 4367) حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ به..

[1816] - البخاري( 4368 ) حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ به

[1817] - البخاري(4369 ) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ به

[1818] - البخاري(4371 ) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ هُوَ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ به.

[1819] - البخاري(4372 )حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ به..

[1820] - البخاري(4373) حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ به.

[1821] - البخاري(4380) حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ به

[1822] - البخاري(4381 )حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ به

[1823] - البخاري(4383 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ سَمِعَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ جَابِرَ به

[1824] - البخاري(  4384)حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي مُوسَى به

[1825] - البخاري(4386) حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو صَخْرَةَ جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيُّ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ به

[1826] - البخاري(4387 ) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ به

[1827] - البخاري(4392) حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ ذَكْوَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به

[1828] - البخاري(4393) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به

[1829] - البخاري(4394) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ به

[1830] - أحمد(4/378 رقم19400 ) أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ سِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ حُبَيْشٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ به.. وقال شعيب الأرنؤوط : بعضه صحيح وفي هذا الإسناد عباد بن حبيش لم يرو عنه غير سماك بن حرب ولم يوثقه غير ابن حبان .وقال الهيثمي في المجمع(6/217): رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عماد بن حبيش وهو ثقة.

[1831] - البخاري(3595 ) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ أَخْبَرَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ أَخْبَرَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ به

[1832] - البخاري(4341)حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ به

[1833] - البخاري(4343) حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ به..ثم قال البخاري: رَوَاهُ جَرِيرٌ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ..والحديث رواه مسلم (1733)

[1834] - البخاري(4344)حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ به..ثم قال: تَابَعَهُ العَقَدِيُّ، وَوَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ وَكِيعٌ، وَالنَّضْرُ، وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ

[1835] - البخاري(4346) حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ هُوَ النَّرْسِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَائِذٍ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ طَارِقَ بْنَ شِهَابٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ به.

[1836] - البخاري(4347) حَدَّثَنِي حِبَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به... وقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(البخاري): طَوَّعَتْ طَاعَتْ، وَأَطَاعَتْ لُغَةٌ، طِعْتُ وَطُعْتُ وَأَطَعْتُ

[1837] - البخاري(4349) حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ به

[1838] - البخاري(4350)حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ به

[1839] - البخاري(4351) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ به

[1840] - البخاري(4353) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ حَدَّثَنَا بَكْرٌ أَنَّهُ ذَكَرَ لِابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ..فذكره

[1841] -  و معنى هذا أن الله أمره أن يقرن الحج مع العمرة فأصبح صلى الله عليه و سلم فأخبر الناس بذلك فطاف على نسائه يومئذ بغسل واحد و هن تسع و قيل : إحدى عشرة ثم اغتسل وصلى في المسجد ركعتين و أهل بحجة و عمرة معًا هذا الذي رواه بلفظه و معناه عنه صلى الله عليه و سلم ستة عشر صحابيًا منهم خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه و قد رواه عنه صلى الله عليه و سلم ستة عشر تابعيًا و هو صريح لا يحتمل التأويل إلا أن يكون بعيدًا و ما عدا ذلك مما جاء من الأحاديث الموهمة التمتع أو ما يدل على الإفراد فلها محل غير هذا تذكر فيه و القران في الحج عند أبي حنيفة هو الأفضل و روي فيه عن الإمام أحمد بن حنبل قول و عن الإمام أبي عبد الله الشافعي و قد نصره جماعة من محققي أصحابه و هو الذي يحصل به الجمع بين الأحاديث كلها و من العلماء من أوجبه

 

 

 

[1842] - مسلم:147- (1218) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا عَنْ حَاتِمٍ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِىُّ - عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ ..ثم رواه مسلم  148 - (1218) من طريق آخر فقال: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِى أَبِى به.. .ورواه أبو داود(1905) وابن ماجة(3074) والدارمي(1850) وغيرهم

معانى بعض الكلمات : استثفرى : شدى فرجك بخرقة بعد أن تحتشى قطنا

يسبح : يصلى صلاة تطوع   ..أَسفر : أضاء .ـ الساجة : نوع من الأكسية الخضراء أو السوداء ..ـ المشجب : ما تعلق عليه الثياب .ـ الظعن : جمع الظعينة وهى المرأة .ـ غبر : بقى .ـ

انزع : استقوا . - النساجة : نوع من الملاحف المنسوجة

[1843] -  وذُكر أن في نفس هذه السن مات أبو بكر وعمر وعلي و عائشة رضي الله عنهم.والله أعلم       

[1844] ابن هشام(2/642)السقا.. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ مَوْلَى الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ به.. ورواه أحمد(3/489رقم 16040) عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن إسحاق به.. وقال الأرنؤوط : حديث صحيح في استغفاره لأهل البقيع واختياره لقاء ربه وهذا إسناد ضعيف لجهالة عبد الله بن عمر العبلي - وهو من بني العبلات.. والحديث رواه الدارمي(1/87) و ابن شبة في تاريخ المدينة(1/87)من طريق ابن إسحاق به. والحاكم(3/ 57رقم 4383 )وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ..

[1845] ابن هشام(2/642-643) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :حَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ  عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ عَائِشَةَ به.. .إسناده حسن من أجل ابن إسحاق. والحديث صحيح

[1846] - البخاري(5666)حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَبُو زَكَرِيَّاءَ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ: به..

[1847] - ابن هشام(4/196)

[1848] - البخاري(4469) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ به.

[1849] ابن هشام(4/196) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السّبّاقِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْد به..  ورواه الترمذي(3817)وحسنه، وأحمد(5/201 رقم 21803) من طريق ابن اسحاق.. وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق وباقي رجال الإسناد ثقات..

[1850] ابن هشام(4/190). وأحمد(6/247رقم 26389) من طريق ابن إسحاق ولم يصرح بالسماع وهو مدلس. وأخرجه أبو يعلى (4584) من طريق عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن ابن شهاب، به.وورد نحوه بإسناد صحيح عند أحمد(6/89 رقم 24627) وغيره وهو الآتي بعده.

 

[1851] - أحمد(6/89 رقم 24627) حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ وقال الأرنؤوط:إسناده صحيح على شرط الشيخين. أبو اليمان: هو الحكم بن نافع، وشعيب: هو ابن أبي حمزة.

والحديث أخرجه البخاري (4437) من طريق أبي اليمان، بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري (6348) و (6509) ، ومسلم (2444) (87) ، والبيهقي في "الدلائل" 7 / 208 - 209، من طريق عقيل، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم، عن عائشة، به.

 

[1852] - ابن هشام(4/190) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : َقَالَ ابْنُ شِهَابٍ : حَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَمَعَةَ به..ولم يصرح ابن اسحاق بالسماع من الزهري ..والحديث رواه أحمد (4/322 رقم 18926) من طريق ابن إسحاق به. وأخرجه أبو داود (4660) عن عبد الله بن محمد النفيلي، عن محمد ابن سلمة، عن ابن إسحاق، به. وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند أبي داود  ولذلك قال الألباني في تخريجه لسنن أبي داود: حسن صحيح. وقد ورد أيضًا تصريح ابن اسحاق بسماعه من الزهري عند الحاكم (3/743رقم 6703) من طريق أحمد بن عبد الجبار العطاردي، عن يونس بن بكير، عنه، وقال الحاكم:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.وسكت عنه الذهبي.

ولكن-على ما ذكر الأرنؤوط- قد يعكر على التصريح بالتحديث الوارد عند أبي داود والحاكم ما يلي:

أنه قد روي الحديث من طريق النفيلي شيخ أبي داود دون ذكر تصريح ابن إسحاق بسماعه من الزهري، فقد أخرجه الطبراني في "الكبير" 13/ (446) من طريق ابن أبي شعيب الحراني، وفي "الأوسط" (1069) من طريق أحمد بن عبد الرحمن بن زيد الحراني، كلاهما عن النفيلي، عن محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، به. ولم يرد من طريقهما تصريح ابن إسحاق بالسماع.

وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (1161) عن سليمان بن عمر بن خالد الرقي، عن محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، به. ولم يرد به تصريح ابن إسحاق بالسماع كذلك.

وأخرجه يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 1/243 من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (4253) من طريق زياد بن عبد الله البكائي، كلاهما عن ابن إسحاق، به. ولم يصرح ابن إسحاق عندهما بالتحديث.

 وأما رواية الحاكم: ففيها يونس بن بكير قال عنه أبو داود: ليس هو عندي حجة، يأخذ كلام ابن إسحاق، فيوصله بالأحاديث. ثم إنه قد اضطرب فيه، فقد رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (4254) من طريق أحمد بن عبد الجبار كذلك، عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق فزاد راوياً بين ابن إسحاق والزهري هو يعقوب بن عتبة بن المغيرة، وأحمد بن عبد الجبار فيه ضعف أيضاً، وقال ابن عدي: نسبوه إلى أنه لم يسمع من كثير ممن حدَّث عنهم.

وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه (9754) [5/432] عن معمر، قال الزهري: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ، فالحديث من بلاغات الزهري، وهي واهية، وورد عن عبد الأعلى، عن معمر عن الزهري من بلاغاته ضمن حديث عائشة 6/34.

قلت :جاء -في خبر مرسل صحيح- صلاة عمر بهم في مرض النبي  صلى الله عليه وسلم وإنكاره صلى الله عليه وسلم لتقديمه على أبي بكر من طريق صحيح مرسل، كما في سيرة ابن هشام(2/653)(السقا)قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ سَمِعَ تَكْبِيرَ عُمَرَ فِي الصَّلَاةِ: أَيْنَ أَبُو بَكْرٍ؟

يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ. فَلَوْلَا مَقَالَةٌ قَالَهَا عُمَرُ عِنْدَ وَفَاتِهِ، لَمْ يَشُكَّ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنَّهُ قَالَ عِنْدَ وَفَاتِهِ: إنْ أَسْتَخْلَفَ فَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، وَإِنْ أَتَرَكَهُمْ فَقَدْ تَرَكَهُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي. فَعَرَفَ النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا، وَكَانَ عُمَرُ غَيْرَ مَتَّهُمْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ".

 

 

[1853] - البخاري(664)حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ به.. وقال البخاري:رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ بَعْضَهُ، وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا...و أطرافه 198 ، 665 ، 679 ، 683 ، 687 ، 712 ، 713 ، 716 ، 2588 ، 3099 ، 3384 ، 4442 ، 4445 ، 5714 ، 7303 - تحفة 15945

[1854] - البخاري(665 ) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ به

[1855] - البخاري(4447) حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ به

[1856] ابن هشام(2/653)السقا. ولم يصرح ابن إسحاق بالسماع ..والسنح : مَوضِع كَانَ فِيهِ مَال لأبى بكر، وَكَانَ ينزله بأَهْله

[1857] - البخاري(4449 ) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ..

[1858] - البخاري(4466)حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ به.

[1859] - ابن هشام(2/353 السقا) قال ابْنُ إسْحَاقَ:حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ،  وهو مرسل صحيح. وروى آخره أحمد (6/247 رقم 26395) موصولا من طريق ابن اسحاق عن صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عن عائشة .وهو حديث صحيح لغيره

  [معاني بعض الكلمات:الرهاويون: نِسْبَة إِلَى رهاوة (بِالضَّمِّ وبالفتح) : قَبيلَة بِالْيمن. قَالَ أَبُو ذَر: «وَيُقَال فِيهَا رهاء، وَهُوَ الْأَصَح» .

والداريون: نِسْبَة إِلَى الدَّار بن هَانِئ، وَسَيَأْتِي ذكرهم بعد خبر فدك.

بجاد مائَة وسق: أَي مَا يجد مِنْهُ مائَة وسق، أَي يقطع.]

 

[1860]- أحمد (6/247 رقم 26395) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ،به.وقال الأرنؤوط: صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل ابن إسحاق، وهو محمد، وقد صرح بالتحديث عن صالح بن كَيْسان، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. يعقوب: هو ابنُ إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.

وأخرجه الطبري في "تاريخه" 3/214-215، والطبراني في "الأوسط" (1070) من طريق محمد بن سَلَمة، كلاهما، عن محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد.

واختُلف فيه على ابن إسحاق اختلافاً لا يضر:

فقد أخرجه ابن سعد 2/254 من طريق عبد الله بن نمير، عن محمد بن إسحاق، به، مرسلاً. وهذه الرواية المرسلة لا يُعل بها الرواية المتصلة، لأن الذين وصلوه أكثر وأوثق في ابن إسحاق.

وأخرجه ابن سعد 2/254 أيضاً عن محمد بن عمر، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة مرسلاً. ومحمد بن عمر- وهو الواقدي- متروك.

وأورده الهيثمي في "المجمع" 5/325، وقال: رواه أحمد، والطبراني في "الأوسط، "ورجال أحمد رجال الصحيح، غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع.

وأخرجه مالك في "الموطأ" 2/982- ومن طريقه ابن سعد 4/252 - وعبد الرزاق (9987) و (19368) عن إسماعيل بن أبي حكيم، أنه سمع عمر ابن عبد العزيز يقول: كان آخِرُ ما تكلم به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ0000

قال ابن عبد البَرّ في "التمهيد" 1/165 -166: هكذا جاء هذا الحديث عن مالك في الموطآت كلها مقطوعاً، وهو يتصل من وجوه حسان عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديث أبي هريرة وعائشة، ومن حديث عليِّ بن أبي طالب وأسامة.

وأخرجه مالك أيضاً 2/892 عن ابن شهاب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب" ...

وأخرجه عبد الرزاق (9984) و (19367) عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب قال: "لا يجتمع دينان"....

وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب عند مسلم (1767) أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول":لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً"

 

[1861] ابن هشام(4/201-202)  ولم يصرح ابن اسحاق بالسماع من الزهري فيه .ولكن الحديث صحيح عن الزهري وقد رواه البخاري في صحيحه(4425-4426) من طريق الزهري  ولم يذكر قول عمر في أوله .

[1862]. البخاري(4452) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزهري به

[1863] - البخاري( 4453)بنفس الإسناد السابق إلى الزهري

[1864] - البخاري(3667) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ به. أطرافه 1241 ، 3669 ، 4452 ، 4455 ، 5710 - تحفة 16944 ، 6632 - 8/5 وأطرافه 1242 ، 3670 ، 4453 ، 4454 ، 4457 ، 5711 - تحفة 10678 ، 6632 ,وانظر طبقات  ابن سعد(2/206)

[1865] - ابن سعد(2/205-206) قال:أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ. حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ التَّيْمِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ به.ورجال ابن سعد  كلهم ثقات روى لهم الشيخين إلا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ فمقبول روى له البخاري فقط مقارنة

[1866] - ابن سعد(2/206-207) أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ.به. وسنده صحيح

[1867] - البخاري(4466)حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ به.

 

 

[1869] - السنن الكبرى للبيهقي (3/ 555رقم6656  )قال:أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أنبأ أَبُو أَحْمَدَ حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ الْحَارِثِ الْعَقَبِيُّ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوْحٍ الْمَدَائِنِيُّ، ثنا سَوَادَةُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ ، عَنْ أَبِيهِ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنْ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَشْجَعِيُّ.به... والحديث رجاله ثقات إلا سَوَادَةُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ فلم نجد له ترجمة ،وقد رواه هنا عن أبيه .

[1870] ابن هشام(4/206) وهو مرسل قوي.

[1871] - البخاري(1264) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ به

[1872] -  الترمذي ( 996) والنسائي(1899) قالا:حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ به. وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.ورواه ابن ماجة(1469) عن ابن أبي شيبة عن حفص به. وصححه الألباني.

[1873] - ابن هشام(2/663-السقا) قال ابن اسحاق: كَمَا حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَالزَّهْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ..وهو مرسل صحيح ، وحديث عائشة مفسر له.

وقوله:صحاريين: نِسْبَة إِلَى صحار، وَهِي مَدِينَة من الْيمن كَمَا فِي لِسَان الْعَرَب، أَو هِيَ فِي بِلَاد بنى تَمِيم من الْيَمَامَة أَو مَا يَليهَا (عَن مُعْجم مَا استعجم للبكرى)

[1874] -  ورواه حتى هنا الإمام أحمد(1/8 رقم 39)عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن ابن اسحاق به.. وقال الأرنؤوط : صحيح بشواهده وهذا إسناد ضعيف لضعف حسين بن عبدالله. وله شاهد من حديث أنس بسند حسن وسيأتي في " المسند " 3 / 139 وآخر من حديث عائشة ينجبر بالشواهد عند ابن ماجه (1558) وابن سعد 3 / 295، وانظر " الطبقات " 2 / 292 - 298.

قوله: " يضرح "، أي: يعمل الضريح، وهو القبر، من الضَّرح: الشقِّ في الأرض.

واللحد: الشَّق الذي يعمل في جانب القبر لموضع الميت؛ لأنه أميل عن وسط القبر إلى جانبه.

[1875] -سيرة ابن هشام(2/662-664-السقا) ورواه أبو يعلى (1/31رقم22 ) عن جَعْفَرُ بْنُ مِهْرَانَ السَّبَّاكُ عن عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى السَّامِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،به..   وذكره السيوطي في جامعه (رقم27856) وزاد فيه: ونزل فى حفرته على والفضل وقثم وشقران ، وقال أوس بن خولى أنشدك بالله وحظنا من رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  فقال له على: انزل فنزل، وقد كان شقران أخذ قطيفة كان رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  يلبسها فدفنها فى القبر، ثم قال: والله لا يلبسها أحد بعده أبدًا " وقال: (رواه ابن المدينى ، وأبو على ، قال ابن المدينى : فى إسناده بعض الضعف ، وحسين بن عبد الله بن العباس منكر الحديث).وانظر:كنز العمال رقم 18763.وأخرجه ابن ماجة(1628) من طريق ابن اسحاق . وقال الألباني:ضعيف  لكن قصة الشقَّاق واللحد ثابتة . وروى بعضه –وهو قول أبي بكر- الترمذي ( 1118) عن عائشة.وصححه الألباني.

[1876] -  مسلم 91 - (967) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، وَوَكِيعٌ، جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،به. وقَالَ مُسْلِم: «أَبُو جَمْرَةَ، اسْمُهُ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ، وَأَبُو التَّيَّاحِ، اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ مَاتَا بِسَرَخْسَ» والحديث رواه أحمد (1/228 رقم 2021) عن يحيى عن شعبة.ورواه (1/355رقم 3341) عن وكيع عن شعبة به.. ورواه البيهقي في السنن (3/572 رقم6720)

[1877] -أبن هشام(4/208) وأحمد(6/274 رقم 26392) وقال الأرنؤوط : محتمل للتحسين.

[1878] - ابن سعد(2/229) أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعبي به.. وقول الشعبي: وَإِنَّمَا يَلِي الْمَيِّتَ أَهْلُه.هي من رواية وكيع لا ابن نمير.وإسناده صحيح.

[1879] - أبو داود(3210)حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي مُرَحَّبٍ، به. .وصححه الألباني .

[1880] - البخاري(4462) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ به.

[1881] -الفصول في السيرةص:123-124

[1882] -أنظر الشمائل للترمذي  و الفصول في السيرة لابن كثير والإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر والخصائص الكبرى للسيوطي.

[1883] - البخاري(3547) حَدَّثَنِي ابْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، به.

[1884] - البخاري(3549) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ به

[1885] - البخاري(3551) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ به.

[1886] - البخاري(3552) حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ به

[1887] - البخاري(3553)حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَنْصُورٍ أَبُو عَلِيٍّ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرُ بِالْمَصِّيصَةِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ به..ورواه أحمد(4/309 رقم 18789) عن مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ،عن شُعْبَةُ، وَعن حَجَّاج عن شعبة ، وأخرجه مسلم (503) (252) ، والنسائي في "المجتبى" 1/235، وفي "الكبرى" (343) ، من طريق غندر، بهذا الإسناد.

وأخرجه مسلم في "صحيحه" (503) (253) من طريق ابن مهدي، عن شعبة، به.

[1888] - البخاري(3561) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ ، به.

[1889] - البخاري(3556) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ به

 

[1890] - البخاري(5906) حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ  به

[1891] - البخاري(5908) حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هَانِئٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ ، به.

[1892] - البخاري(5910)

[1893] - البخاري(5911)

[1894] - مسلم: 97- (2339) حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار ( واللفظ لابن المثنى ) قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ به.. والترمذي في السنن(3647) وفي الشمائل(9) وفي مختصر الشمائل(7)وأحمد(5/103)

[1895] - مسلم(2340) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى عَنِ الْجُرَيْرِىِّ عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ به.. والترمذي في الشمائل(14)

 ( مقصدًا ) :هو الذي ليس بجسيم ولا نحيف ولا طويل ولا قصير وقال شمر هو نحو الربعة

[1896] - الترمذي في السنن(3637) وفي الشمائل(5) قال الترمذي: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ به . قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا أبي عن المسعودي بهذا الإسناد نحوه.قلت:وبهذا الإسناد أخرجه أحمد(1/96)  وصححه الألباني في مختصر الشمائل برقم 4

 

[1897] - البخاري(3558 )حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ به .

[1898] - سنن الترمذي (1755) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ به.. وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه  وأخرجه في الشمائل(25) وصححه الألباني .

 

[1899] -  البخاري(5905) حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ ، به.

 

[1900] -  أخرجه في الشمائل(55) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى ، عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ به.. وصححه الألباني في مختصر الشمائل برقم 46 .وأخرجه أبو داود(4025) والترمذي(1762) وابن ماجة(3575) وغيرهم.

 

[1901] -  أخرجه في الشمائل(62) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ به.. وصححه الألباني برقم51 .ورواه مسلم(2079) والترمذي في السنن برقم(1788) وأبو داود(4060) وغيرهم

 

[1902] -  أخرجه في الشمائل(63) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ ، عَنْ أَبِيهِ به..وصححه الألباني برقم52 .والحديث رواه مسلم(503) والترمذي(197،2812) وأحمد(4/308)

[1903] -  أخرجه في الشمائل(64) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنْ إِسْرَائِيلَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ به.. وأخرجه البخاري(5901 ، 3551 ، 5848) وأحمد(4/265)

 

[1904] -  أخرجه في الشمائل(60) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ به.. وصححه الألباني رقم 50 وأخرجه أبو داود(4020) والترمذي(1767) وقال: حسن غريب صحيح.ورواه أحمد(3/30)

[1905] -  أخرجه في الشمائل(67) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به.. وصححه الألباني رقم54 .وأخرجه أبو داود(4061)والترمذي(994) وقال حسن صحيح.وابن ماجة(3566)

 

[1906] -  أخرجه في الشمائل(65) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ به.. ورواه أبو داود(4206 )وصححه الألباني .والترمذي(2812) وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبيد الله بن إباد و أبو رمثة التيمي يقال اسمه حبيب بن حيان ويقال اسمه رفاعة بن يثربي

 

[1907] -  أخرجه في الشمائل(69) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ ، قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ به.. وصححه الألباني برقم56 .ورواه مسلم(2781)وأبو داود(4032) والترمذي(2814) وأحمد(6/162)

 

[1908] -  أخرجه في الشمائل(70) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِيهِ به..وصححه الألباني رقم57.وأخرجه الستة.

 

[1909] -  أخرجه في الشمائل(75) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، عَنْ قَتَادَةَ به..وصححه الألباني رقم 60.وأخرجه مسلم وأبو داود(3133)والترمذي(1773)

 

[1910] -  أخرجه في الشمائل(76) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به..وصححه الألباني رقم 61 وأخرجه ابن ماجة(3614).ومعنى:مثني:أي جعله اثنين..والشراك:أحد سيور النعل يكون على وجهها.

 

[1911] -  أخرجه في الشمائل(88) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِكٌ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ به.. وصححه الألباني رقم63 وأخرجه الستة إلا مسلمًا والترمذي.

 

[1912] -  أخرجه في الشمائل(95) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ الْبَغْدَادِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالاَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ ، عَنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ ، عَنِ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ به..وصححه الألباني رقم(77)وكذا في إرواء الغليل رقم820.وأخرجه أبو داود(4226)

 

[1913] - الشمائل(7) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ الْبَصْرِيُّ ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَلِيمَةَ ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى غُفْرَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ به.. وأخرجه أيضًا في السنن.(3642) وضعفه الألباني في مختصر الشنائل برقم 5

 

[1914] - الشمائل(8) قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيُّ إِمْلاَءً عَلَيْنَا مِنْ كِتَابِهِ قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ زَوْجِ خَدِيجَةَ ، يُكَنَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ. (قال الألباني في المختصر برقم 6: ضعيف جدًا)

 

[1915] -  أخرجه في الشمائل(57) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ بُدَيْلٍ يَعْنِي ابْنَ مَيْسَرَةَ الْعُقَيْلِيَّ ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ به..   وضعفه الألباني في المختصر برقم 47 وفي الضعيفة برقم 3457.

 

[1916] -  أخرجه في الشمائل(66) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَّانَ الْعَنْبَرِيُّ ، عَنْ جَدَّتَيْهِ ، دُحَيْبَةَ وَعُلَيْبَةَ ، عَنْ قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ به.. وضعفه الألباني برقم 53.

 

[1917] - أحمد (6/91)حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ به.. وصححه الأرنؤوط

[1918] - الترمذي في الشمائل (345) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ به.. وصححه الألباني برقم296.وهو متفق عليه

[1919] -  الترمذي في الشمائل (346)حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ به.. .وحسنه الألباني برقم295 ورواه مسلم(2385) بنحوه

[1920] - الترمذي في الشمائل 346- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَأَحَمْدُ بْنُ عَبْدَةَ هُوَ الضَّبِّيُّ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ سَلْمٍ الْعَلَوِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ به.. وضعفه الألباني برقم 297

[1921] - الترمذي في الشمائل( 347)حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ وَاسْمُهُ عَبْدُ بْنُ عَبْدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ به.. وصححه الألباني برقم298 وأخرجه الترمذي في السنن(2017)وقال: حسن صحيح

[1922] - مسند أحمد(6/31) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ  به..وأخرجه مسلم(2328) والترمذي في الشمائل348،349)

[1923] - الترمذي في الشمائل (352)حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ به.. وصححه الألباني برقم302.والحديث متفق عليه

[1924] - الترمذي في الشمائل( 353)حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُرَشِيُّ الْمَكِّيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به.. وصححه الألباني برقم 303.والحديث متفق عليه

[1925] - الترمذي في الشمائل( 354) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ به . وصححه الألباني برقم 304 وأخرجه الترمذي برقم2363

[1926] - الترمذي في الشمائل(  357)حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا : حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، به. صححه الألباني برقم306 ورواه البخاري وأحمد

 

[1927] - الترمذي في الشمائل (356) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ، به

[1928] - البخاري( 3149) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ به.

[1929] - البخاري( 3150) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود به

[1930] - البخاري( 3148) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ ، به.

[1931] - الترمذي في الشمائل(330) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به. وصححه الألباني رقم284 .ورواه البخاري في الأنبياء والدارمي(2/320)وأحمد(1/23)

 

[1932] - الترمذي في الشمائل (331) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ :حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ حُمَيْدٍ ،عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، به.. وصححه الألباني برقم285.والحديث متفق عليه

[1933] - الترمذي في الشمائل( 333)حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْكُوفِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، به. وأخرجه البخاري(1046)

[1934] - الترمذي في الشمائل( 3349) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانَ ، عَنْ أَنَسِ به.. وصححه الألباني لشواهده برقم 288 وفي الصحيحة برقم2617

[1935] - الترمذي في الشمائل( 337)حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ به. (صححه الألباني برقم290 )

[1936] - الترمذي في الشمائل( 342) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ عَمْرَةَ، به. وصححه الألباني برقم293 وأنظرالصحيحة برقم 671

[1937] -  البخاري في الأدب المفرد(1178) حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَّانَ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتَايَ صَفِيَّةُ بِنْتُ عُلَيْبَةَ، وَدُحَيْبَةُ بِنْتُ عُلَيْبَةَ - وَكَانَتَا رَبِيبَتَيْ قَيْلَةَ - أَنَّهُمَا أَخْبَرَتْهُمَا قَيْلَةُ قالت:فذكره. ورواه أبو داود في سننه(4847)عن أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ، عن حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَّانَ الْعَنْبَريُّ به..وحسنه الألباني.ورواه البيهقي في سننه(3/333 رقم 5915 ) من طريق أبي داود عن حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَّانَ الْعَنْبَريُّ به..ورواه الطبراني في الكبير مطولا(25/8)

[1938] - الترمذي في الشمائل( 332)حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنْ مُسْلِمٍ الأَعْوَرِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ  به .

[1939] - الترمذي في الشمائل ( 358)حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عُتْبَةَ ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , به . وصححه الألباني برقم307 والحديث متفق عليه

 

[1940] - الترمذي في الشمائل( 359) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ ، عَنْ مَوْلًى لِعَائِشَةَ قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ ..فذكره.. ضعفه الألباني في مختصر الشمائل برقم  308 لجهالة مولى عائشة الذي لم يسم

 

[1941] - انظر:الفصول في السيرة لابن كثير

 

[1942] - ابن سعد(8/65) أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ به..ورجاله ثقات ولكن علته أن سفيان بن حسين ثقة فى غير الزهرى باتفاقهم كما قال ابن حجر

[1943] - البخاري( 4005) حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.فذكره...وأخرجه ابن سعد(8/65-66) عن يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ به.

 

[1944] - وفي رواية لأحمد (6/313 رقم26711 ):بلفظ "وكان أخاها لأمها".وهذه الرواية رواها أحمد عن عفان عن حماد بن سلمة عن ثابت به

 

[1945] -  رواه أحمد(6/295 رقم 26572 ) ثنا يزيد ثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني قال حدثني ابن عمر بن أبى سلمة عن أبيه عن أم سلمة به... ورواه ابن حبان (2949 )قال: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الحجاج السامي وأخبرنا بْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ يَزِيدُ: أَخْبَرَنَا وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ به ..قال الأنؤوط (في تخريج صحيح ابن حبان): ابن عمر بن أبي سلمة: قيل: اسمه محمد، لم يوثقه غير المؤلف "5/363"، وفي "التقريب": مقبول. وهو في "مسند أبي يعلي" "2/320"، وأخرجه البيهقي "7/131" من طريقه بهذا الإسناد.

وأخرجه أحمد "6/317" والنسائي في "عمل اليوم والليلة" مختصراً "1071"، والبيهقي "7/131" من طريق يزيد بن هارون، به.

وأخرجه أحمد "6/313"، وابن سكانت تفخر عد في "الطبقات" "8/89-90" من طريق عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، به.

وأخرجه أبو داود "3119" في الجنائز: باب الاسترجاع، والسنائي في "عمل اليوم والليلة" "1072"، والطبراني "23/506" و"507" من طرق عن حماد بن سلمة، به مختصراً... وأخرجه الحاكم "2/178-179" من طريق يزيد بن هارون، عن حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عمر بن أبي سلمة، عن أم سلمة، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

وأخرجه أحمد "4/27" من طريق روح، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عني ابن عمر، عن أبيه، عن أم سلمة، عن أبي سلمة.

وأخرجه الترمذي "3511" في الدعوات، والطبراني "23/497"، والنسائي في "عمل اليوم والليل" "1070"، وابن عبد البر في "التمهيد" "3/186-188" من طرق عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عمر بن أبي سلمة، عن أمه أم سلمة، عن أبي سلمة. وقال الترمذي: هذا حسن غريب من هذا الوجه.

وأخرجه ابن ماجه "1598" في الجنائز: باب ما جاء في الصبر على المصيبة، وابن عبد البر في "التمهيد" "3/185"، وابن سعد في "الطبقات" "8/87-89" من طريق يزيد بن هارون، عن عبد الملك بن قدامة الجمحي، عن أبيه، عن أم سلمة، عن أبي سلمة. عبد الملك ضعيف، وأبوه مقبول.

وأخرجه أحمد "4/27" من طريق يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن عمرو- ابن أبي عمرو- عن المطلب، عن أم سلمة، عن أبي سلمة، وهذا سند رجاله ثقات.

وأخرجه أحمد "6/320-321" و"321" من طريق وكيع، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن عبد العزيز بن بنت أم سلمة، عن أم سلمة، وهذا سند حسن في الشواهد.

 

 

[1946] - البخاري(7421) وأطرافه 4791 ، 4792 ، 4793 ، 4794 ، 5154 ، 5163 ، 5166 ، 5168 ، 5170 5171 ، 5466 ، 6238 ، 6239 ، 6271 - تحفة 1124 - 153/9

 

[1947] - البخاري(7420) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ به.. طرفه 4787 - تحفة 305 ، 16039 أ

 

[1948] - مسلم 101 - (2452) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى السِّينَانِيُّ، أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ به.. وكذلك أخرجه ابن سعد 8 / 108، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (3086) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (210) ، والطبراني في "الكبير" 24 / (133) ، والحاكم 4 / 25 من طريق عمرة، عن عائشة، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

ووقد وهم بعض الرواة فذكر سودة بدلا من زينب كما عند أحمد(6/121 رقم 24943)قال: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: اجْتَمَعَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقُلْنَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَيَّتُنَا (1) أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟ فَقَالَ: " أَطْوَلُكُنَّ يَدًا "، فَأَخَذْنَا قَصَبًا فَذَرَعْنَاهَا، فَكَانَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ أَطْوَلَنَا ذِرَاعًا، فَقَالَتْ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَسْرَعَنَا بِهِ لُحُوقًا، فَعَرَفْنَا بَعْدُ إِنَّمَا كَانَ طُولُ يَدِهَا مِنَ الصَّدَقَةِ، وَكَانَتْ امْرَأَةً تُحِبُّ الصَّدَقَةَ"وأخرجه البخاري في "صحيحه" (1420) ، وفي "التاريخ الصغير" 1 / 50، والنسائي في "المجتبى" 5 / 66 - 67، وفي "الكبرى" (2321) ، وابن حبان (3315) والبيهقي في "الدلائل" 6 / 371 من طرق عن أبي عوانة، به، ولفظه عند البخاري: وكانت أسرعنا لحوقاً به.

* والصواب أنها زينب، وقد بسط ذلك الحافظ في "الفتح" 3 / 286 - 288، وقال: وكان هذا هو السر في كون البخاري حذف لفظ سودة من سياق الحديث لمّا أخرجه في "الصحيح" لعلمه بالوهم فيه، وإنه لما ساقه في "التاريخ" بإثبات ذكرها ذكر ما يرد عليه من طريق الشعبي عن عبد الرحمن بن أبزى قال: صليت مع عمر على أم المؤمنين زينب بنت جحش، وكانت أول نساء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحوقاً.

قلنا: وانظر "التاريخ الأوسط" للبخاري المطبوع خطأ باسم "التاريخ الصغير" 1 / 49

[1949] -مسلم 168 - (2501) حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْقِرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا النَّضْرُ وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْيَمَامِيُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيْلٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَنْظُرُونَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَلَا يُقَاعِدُونَهُ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا نَبِيَّ اللهِ ثَلَاثٌ أَعْطِنِيهِنَّ، قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: عِنْدِي أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ، أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، أُزَوِّجُكَهَا، قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: وَمُعَاوِيَةُ، تَجْعَلُهُ كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْكَ، قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: وَتُؤَمِّرُنِي حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ، كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: وَلَوْلَا أَنَّهُ طَلَبَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا قَالَ: «نَعَمْ»

[1950] - الفصول في السيرة (ص:248-249)

[1951] - مسلم( 1410 ) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير وإسحاق الحنظلي جميعًا عن ابن عيينة قال ابن نمير حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء أن ابن عباس به

 

[1952] - رواه مسلم (1409) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ به

[1953] -

 

[1954] - الضياء المقدسي في كتابه المختارة (7/106رقم 2524 ) أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمُعِزِّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيَّ بِهَا أَنَّ زَاهِرَ بْنَ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيَّ أَخْبَرَهُمْ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أبنا الْحَاكِمُ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ أَحْمَدَ الإِسْمَاعِيلِيُّ أبنا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ حَرْبٍ أبنا أَبُو حَاتِمٍ مَكِّيُّ بْنُ عَبْدَانَ بْنِ بَكْرِ النَّيْسَابُورِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ هُوَ ابْنُ طَرْخَانَ ثَنَا عُمَرُ بْنُ سَهْلٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ به..وصححه المحقق.

[1955] - البخاري ( 268 )حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ،به.

 

[1956] -البخاري( 284) حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ به.. ورواه مسلم(309)

 

[1957] - مسند الشافعي (3/29رقم 1110 ترتيب سنجر) قال: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به...ومسند الحميدي(1/456رقم 534) عن سفيان عن ابن جريج به. ورواه أحمد(1/349 رقم 3261 )قال: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عن عطاء به،. وقَالَ عَطَاءٌ: الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَقْسِمُ لَهَا صَفِيَّةُ. وهذا وهم من عطاء. قال السندي: قال الطحاوي: هذا وهم، والصواب "سودة"، وتبعه عياض، وصَوَب الحافظ (في "الفتح" 9/113) قول الطحاوي وقرره، والحديث رواه النسائي(3196) أيضًا من طريق جعفر بن عون، بهذا الإسناد.ورواه ابن سعد 8/140، والبخاري (5067) من طرق عن ابن جريج، به...ورواه البغوي في شرح السنة (9/149رقم 2322 ) وقال: هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد(البخاري)، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن مُوسَى، عَنْ هِشَام بْن يُوسُف، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ .

                                                                                                          

[1958] - النسائي (3197) أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ به.

 

[1959] - البيهقي في الدلائل( 7/288) حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ مَهْدِيٍّ الْقُشَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عن قَتَادَةَ به.وهو مرسل

 

[1960] - سبل الهدى والرشاد للصالحي (11/143)

 

[1961] - البيهقي في الدلائل( 7/289) أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَوْسٍ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابن عَبَّاسٍ به

 

[1962] - البخاري (1382) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ بن عازب به..ورواه أحمد(4/300 رقم 18686) عن وكيع عن شعبة به

[1963] -  البخاري(1043)حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. به..ورواه مسلم (915)

[1964] - البخاري (3091)حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ، أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ:فذكر الحديث. أطرافه 2089 ، 2375 ، 4003 ، 5793 - تحفة 10069 - 96/4..ورواه مسلم((1979 ))

[1965] - أبو داود(2125): حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الطَّالَقَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به. وأخرجه النسائي (رقم3376-المجتبى)(ورقم 5542-الكبرى) عن هارون بن اسحاق عن عبدة به. وصححه الألباني

 

[1966] - النسائي (3375) أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ به..وقال الألباني:حسن صحيح

 

[1967] - البيهقي في الدلائل(3/160) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ  عَنْ عَلِيٍّ.به.. .وهذا إسناد قوي وصرح فيه ابن إسحاق بالتحديث. .و سيرة ابن إسحاق(ص:246) تحقيق:سهيل ركاز-ط:دار الفكر. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 235) وفيه( أربعمائة درهم )وليس(أربعة دراهم)

فانظر كيف كان مهرها يسيرًا لا مغالاة فيه،وهي بنت رسول الله وسيد الناس. وكانت تعمل في بيت زوجها حتى أثرت الرحا في يديها فذهبت تطلب من رسول الله من يساعدها في الخدمة فرفض النبي ودلها على ما هو أفضل لها من ذلك. قال البخاري(70): حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :أَنَّ فَاطِمَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتَخْدِمُهُ فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكِ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ ذَلِكَ، تُسَبِّحِينَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتُكَبِّرِينَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَحْمَدِينَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ أَحَدُهَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ" .

[1968] - سيرة ابن اسحاق (ص:247) والدلائل للبيهقي(3أ161)

[1969] - أحمد(1/98)حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ، ورواه في المسند (1/98)و"فضائل الصحابة " (1365) عن حجاج عن إسائيل به. ورواه البخاري في الأدب المفرد(823) والبزار(742 ) وابن حبان في صحيحه(6958) والطبراني "2773"، والحاكم( 3/180رقم 4773 ) كلهم من طرق عن إسرائيل، به..وصححه الحاكم ووافقه الذهبي

وأورده الهيثمي في "المجمع" 8/52 ونسبه إلى أحمد والبزار والطبراني، وقال: رجال أحمد والبزار رجال الصحيح غير هانئ بن هانئ وهو ثقة أهـ. والحديث ضعفه الألباني في تخريج الأدب المفرد

وقال الأرنؤوط في تخريج ابن حبان: إسناده حسن، هانئ بن هانئ لم يرو عن غير علي، ولم يرو عنه غير أبي إسحاق السبيعي، وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة قال: وكان يتشيع، وقال ابن المديني: مجهول، وقال حرملة عن الشافعي: هانئ بن هانئ لا يعرف، وأهل العلم بالحديث لا ينسبون حديثه لجهالة حاله، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره المؤلف(ابن حبان) في "الثقات"، وباقي رجاله ثقات من رجال الشيخين..

والحديث أخرجه الطبراني "2774" من طريق زكريا بن أبي زائدة، و"2776" من طريق يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي، وأخرجه الحاكم 3/168 من طريق يونس بن أبي إسحاق، ثلاثتهم عن أبي إسحاق، به. ولم يذكر يوسف بن إسحاق في حديثه أولاد هارون.

وأخرجه الطيالسي "129"، ومن طريقه البزار "1998" عن قيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، به. إلا أنه لم يذكر في حديثه الولد الثالث ولا أولاد هارون، وزاد فيه أن عليا قال: كنت أحب أن أكتني بأبي حرب.

وأخرجه الطبراني "2777" من طريق يحيى بن عيسى الرملي التميمي، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد قال: قال علي ... فذكره بطوله، إلا أنه لم يذكر فيه محسنا ومشبرا، وسالم يدلس ويرسلن ولم يصرح هنا بالسماع.

وأخرج المرفوع منه، وهو قوله: "إني سميت ابني هذين حسنا وحسينا، بأسماء ابني هارون شبرا شبيرا" أحمد في "الفضائل" "1367" عن وكيع، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد قال: قال رسو ل الله صلى الله عليه وسلم ... وهذا أصح.

قلت: وقد جاء في التسمية سبب آخر، فقد روى أحمد 1/159، وأبو يعلى "498"، والطبراني "2780"، والبزار "1996" من طريقين عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن علي وهو ابن الحنفية، عن أبيه علي بن أبي طالب أنه سمى ابنه الأكبر حمزة، وسمى حسينا بعمه جعفر، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا، فلما أتى قال: "غيرت اسم ابني هذي"، قلت: الله ورسوله أعلم، فسمى حسنا وحسينا. قال الهيثمي في "المجمع" 8/52 -بعد أن نسبه إليهم جميعا-: وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل، حديثه حسن، وباقي رجاله رجال الصحيح.

 

[1970] -الترمذي(3872) والنسائي في الكبرى(8311) قالا:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ المِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ به..  وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَائِشَةَ» أهـ .وصححه الشيخ الألباني.وأخرجه الحاكم(4/ 303رقم7715 ) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة إنما اتفقا على حديث الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أهـ.وقال الذهبي: على شرط البخاري ومسلم.

 

[1971] - البخاري(3623) حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ  مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ به..ومسلم(2450) ورواه أحمد في الفضائل(1343) عن إِبْرَاهِيمُ عن سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍعن أَبُي عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ به .ورواه النسائي في الكبرى (8310) عن عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ عن سَعْدَانُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ فِرَاسٍ به.وفي رواية أحمد والنسائي في آخرها(وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي بِي لُحُوقًا، وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ، فَبَكَيْتُ، ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّنِي أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ» قَالَتْ: «فَضَحِكَتْ لِذَلِكَ»)

 

[1972] -  النسائي في الكبرى (8308 و8459) :أخبرنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة به..

 

[1973] - الفصول في السيرة ص:253-254

[1974] -  رواه أبو داود (2935)و النسائي في الكبرى(11272) قالا: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا نُوحٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به. ورواه الطبراني في الكبير(12/170) قال: حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا يحيى بن عمرو بن مالك عن أبيه به.. وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود برقم 630

[1975] -  تفسير الطبري(18/544) تحقيق شاكر .ط:مؤسسة الرسالة.

[1976] -  الفصول في السيرة ص:256

[1977] -  البخاري ( 617)حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر، عَنْ أَبِيهِ ، به. ورواه مسلم(1092) عن يحيى بن يحيى ومحمد بن رمح وقتيبة عن الليث عن ابن شهاب به.

[1978] -  أحمد (3/408 رقم 15413) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ السَّائِبِ، مَوْلَاهُمْ عَنْ أَبِيهِ السَّائِبِ، مَوْلَى أَبِي مَحْذُورَةَ، وُعَنْ أُمِّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ ، به.

وقال الأرنؤوط: حديث صحيح بطرقه، وهذا إسناد ضعيف لجهالة حال عثمان بن السائب، وأبيه، وأم عبد الملك بن أبي محذورة، فقد انفرد ابن جريج في الرواية عن عثمان، وقال ابن القطان: غير معروف، ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان، وأبوه السائب انفرد بالرواية عنه ابنه عثمان، وقال الذهبي: لا

يُعرف، وأم عبد الملك انفرد كذلك بالرواية عنها عثمان بن السائب، ولم يؤثر توثيقها عن أحد.

وهو عند عبد الرزاق في "المصنف" (1779) ، ومن طريقه أخرجه أبو داود (501) ، وابن خزيمة (385) ، والطبراني في "الكبير" (6734) ، والدارقطني في "السنن" 1/235، والبيهقي في "السنن" 1/393-394. ولم يسق أبو داود وابن خزيمة لفظه.

وأخرجه أبو داود (501) ، وابن خزيمة (385) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/130 و134 من طريق أبي عاصم، وأخرجه النسائي في "المجتبى" 2/7، وفي "الكبرى" (1597) ، والدارقطني في "السنن" 1/234، والبيهقي في "السنن" 1/418 من طريق حجاج بن محمد، كلاهما عن ابن جريج، به.

وأخرجه ابن خزيمة (385) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/130، والبيهقي في "السنن" 1/417 من طريق روح بن عبادة، عن ابن جريج، عن عثمان بن السائب، عن أم عبد الملك، به. وفيه تثنية التكبيرة.

وأخرجه الدارقطني 1/235، والبيهقي 1/416 من طريق الحميدي، عن إبراهيم بن عبد العزيز بن أبي محذورة، عن جده عبد الملك، عن أبي محذورة، به دون الإقامة.

وأخرجه الدارقطني 1/238، والبيهقي 1/414 من طريق إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبيه، عن جده، وفيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة- قلنا: وإبراهيم ضعيف.

قال السندي: قوله: ثم ارجع، صريح في الترجيع، وقد ثبت الترجيع في أذان أبي محذورة ثبوتاً لا مَرَدَّ له، كما ثبت عدمه في أذان بلال، فالوجه جواز الوجهين، والأقرب الترجيع أن كان المؤذن جديدَ الإسلام، وتركه أن كان قديم الإسلام، كأبي محذورة وبلال.

[1979] -  ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني ( 2255 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى، نا بَقِيَّةُ، نا الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ الْقَرَظُ،به.. ورواه ابن ماجة(1277) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ مُؤَذِّنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ: فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ»وقال الألباني:صحيح لغيره.

[1980] -

[1981] - مسلم(1774 ) ذكر بعد غزوة مؤتة قال: حَدَّثَنِى يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ به

[1982] - البخاري( 7)حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ به...ثم قال البخاري: رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ.

[1983] - ابن سعد(4/144) قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ ، به..ورجاله رجال الشيخين.

[1984] - مسند الإمام أحمد 3/441وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/235- 236: رواه عبدالله بن أحمد، وأبو يعلى .ورجال أبي يعلى ثقات، ورجال عبدالله بن أحمد كذلك.

 

[1985] -  أخرجه في الشمائل(92) الترمذي في الشمائل قال:حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ أَبُو عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ به.. وصححه الألباني .

[1986] -  أخرجه في الشمائل(91) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ ثُمَامَةَ ، عَنْ أَنَسِ .به. وصححه الألباني .

[1987] -  أخرجه في الشمائل(87) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَنَسِ به..وصححه الألباني .

[1988] -  أخرجه في الشمائل(88) حدثنا قُتَيْبَةُ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.به.. قَالَ أَبُو عِيسَى : أَبُو بِشْرٍ اسْمُهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ..والحديث صححه الألباني

 

[1989] - ينبغي معرفة هذه  الخصائص وبيانها كي لا يفعلها جاهل بدعوى التأسي برسول الله ، فهي من خصوصياته صلى الله عليه وسلم و لا  يجوز لأحد غيره فعلها  .

 

[1990] -  البخارى ( 1475) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ به.. وطرفه 4718 - تحفة 6702 ، 6706

[1991] -  البخارى (4712) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِىُّ عَنْ أَبِى زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ به، .و طرفاه 3340 ، 3361 - تحفة 14927 - 107/6وأخرجه مسلم (1/184 ، رقم 194) ، والترمذى (4/622 ، رقم 2434) . وأخرجه أيضًا : النسائى فى الكبرى (6/378 ، رقم 11286) ، وابن أبى شيبة (6/307 رقم 31674) أخرجه أحمد (2/435 ، رقم 9621)

 

[1992] -  البخارى (رقم 438) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ هُوَ أَبُو الْحَكَمِ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ قَالَ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ به ، و مسلم (1/370 ، رقم 521) ، والنسائى (1/209 ، رقم 432) ، وأخرجه الدارمى (1/374 ، رقم 1389) ، وعبد بن حميد (ص 349 ، رقم 1154) ،  وأبو عوانة (1/330 ، رقم 1173) ، وابن حبان (14/308 ، رقم 6398) .

 

[1993] -  أخرجه أحمد (2/222 ، رقم 7068) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ ابْنِ الْهَادِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ(عبد الله بن عمرو بن العاص) به. .وصححه الأرنؤوط ، وقال المنذرى (4/233) : إسناده صحيح . وقال الهيثمى (10/367) : رجاله ثقات .

 

[1994] - صحيح مسلم(523) حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر قالوا حدثنا إسماعيل ( وهو ابن جعفر ) عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة به.. ورواه الترمذي(1553)

[1995] -  البخاري(2977) :حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به.  ورواه مسلم(523)

 

[1996] -   مسلم (4/1782 ، رقم 2278) حَدَّثَنِى الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى أَبُو صَالِحٍ حَدَّثَنَا هِقْلٌ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ - عَنِ الأَوْزَاعِىِّ حَدَّثَنِى أَبُو عَمَّارٍ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ به.. وأخرجه ابن أبى شيبة (6/317 ، رقم 31728) ، ، وأبو داود (4/218 ، رقم 4673) . وأخرجه أيضًا : أحمد (2/540 ، رقم 10985) .

[1997] -  مسلم (1/188 ، رقم 196) :حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسِ به... وأخرجه أيضًا : أبو عوانة (1/101 ، رقم 325)وأبو يعلى(7/49 رقم3964)

[1998] -  مسلم (1/188 ، رقم 197) حَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالاَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ به..  وأخرجه أيضًا أحمد (3/136 ، رقم 12420) ، وعبد بن حميد (ص 379 ، رقم 1271) ،. و ابن منده فى الإيمان (2/838 ، رقم 867) ، وأبو عوانة (1/138 ، رقم 418).

[1999] -  أحمد(3/144 رقم 12491) حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ يَعْنِي ابْنَ الْهَادِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ أَنَسٍ به.. (وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده جيد بهذه السياقة من أجل عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب فقد روى له الشيخان وفيه كلام ينزله عن رتبة الصحيح لكنه قد توبع في معظم ألفاظ هذا الحديث)

[2000] -   الترمذي( 5/308 رقم 3148) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ به.. َقالَ أَبُو عِيسَى (الترمذي): وَفِى الْحَدِيثِ قِصَّةٌ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رُوِىَ بِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم.. والحديث صححه الألباني في ابن ماجة برقم( 4308 )

 

 

 

 

 

 

 

[2001] - المصنف(5/312 برقم26421 ) حدثنا هشيم عن مجالد عن الشعبي عن جابر به.. ورواه أحمد(3/387 برقم 15195)  وحسنه الألباني لشواهده في الإرواء( 6/34 برقم 1589)

 

[2002] -   أحمد(3/338 رقم 14672) حَدَّثَنَا يُونُسُ وَغَيْرُهُ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ به. ورواه أبو يعلى(4/102رقم 2135)عن إسحاق عن حماد به. وقال محققه:إسناده ضعيف.

وقال شعيب الأرنؤوط- في تخريج مسند أحمد- : إسناده ضعيف لضعف مجالد : وهو ابن سعيد

وأخرجه البزار (124- كشف الأستار) ، ، والبيهقي في "السنن" 2/10-11، وفي "الشعب" (179) من طرق عن حماد بن زيد، بهذا الإسناد.

وأخرج عبد الرزاق في "المصنف" و (10158) و (19209) عن ابن جريج، قال: حُدثت عن زيد بن أسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم وقد أضلوا أنفسهم". وهذا إسناد ضعيف لإبهام الواسطة بين ابن جريج وزيد بن أسلم، ولإرساله، فإن رواية زيد بن أسلم عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلة.

وأخرج عبد الرزاق أيضاً (10162) و (19212) من طريق عمارة بن عمير، عن حريث بن ظهير، قال: قال عبد الله: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، فتكذّبوا بحق، وتصدّقوا الباطل ... وإسناده - على وقفه- ضعيف لجهالة حريث بن ظهير.

وأخرج البخاري في "صحيحه" (2685) عن ابن عباس قال: يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أُنزل على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحدثُ الأخبار بالله تقرؤُونه لم يُشَبْ؟ وقد حدَّثكم الله أن أهل الكتاب بدَّلوا ما كتب اللهُ ، وغيروا بأيديهم الكتابَ، فقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً! أفلا ينهاكم بما جاءكم من العلم عن مُساءَلتهم؟ لا والله ما رأينا منهم رجلاً قطُ يسألُكم عن الذي أُنزِل عليكم".

[2003] - البخارى(6/182 رقم(4981  ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به. ، ومسلم (1/134 ، رقم 152) . وأخرجه أحمد (2/341 ، رقم 8472)

[2004] -  مسلم (1/288 ، رقم 384) حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا عبدالله بن وهب عن حيوة وسعيد بن أبي أيوب وغيرهما عن كعب بن علقمة عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو به.. وأخرجه أحمد (2/168 ، رقم 6568) ، ، وأبو داود (1/144 ، رقم 523) ، والترمذى (5/586 ، رقم 3614) وقال : حسن صحيح . والنسائى (2/25 ، رقم 678) ، وابن حبان (4/588 ، رقم 1690) .

[2005] -   .البخاري(3398) و أطرافه 2412 ، 4638 ، 6916 ، 6917 ، 7427 تحفة 4405 ومسلم(6231) وأحمد(3/33 برقم 11304)

 

[2006] -   مسلم(1/300 رقم 400) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الْمُخْتَارِ عَنْ أَنَسٍ به.. ورواه أبوداود(784) والنسائي(904) وغيرهم.

[2007] - البخاري(6/178 برقم 4964 ) حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ به.. و أطرافه 3570 ، 5610 ، 6581 ، 7517 - تحفة 1299

[2008] - الترمذى (4/628 ، رقم 2443) حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن نِيزَك الْبَغْدَادِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَكَّار الدِّمَشْقِيّ حَدَّثَنَا سَعِيد بْن بَشِير عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَن عَنْ سَمُرَة به.. قَالَ التِّرْمِذِيّ : هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَقَدْ رَوَى الْأَشْعَث بْن عَبْد الْمَلِك هَذَا الْحَدِيث عَنْ الْحَسَن عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مُرْسَلًا ، وَلَمْ يَذْكُر فِيهِ عَنْ سَمُرَة ، وَهُوَ أَصَحّ أهـ.قلت:ورواه ابن المبارك في الزهد(2/121- رواية نعيم عنه) عن هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ مرسلا.  والحديث أخرجه الطبرانى (7/212 ، رقم 6881) موصولا مرفوعا مثله، وفى سنده لين.. وأخرج ابن أبى الدنيا أيضا من حديث أبى سعيد رفعه: «وكل نبى يدعو أمته، ولكل نبى حوض، فمنهم من يأتيه الفئام، ومنهم من يأتيه العصبة، ومنهم من يأتيه الواحد، ومنهم من يأتيه الاثنان، ومنهم من لا يأتيه أحد، وإنى لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة» ، وفى إسناده لين.

وانظر(صحيح سنن الترمذي) : 2/ 295- 296، باب (12) صفة الحوض، حديث رقم (1988) ، قال الألباني: صحيح، و (الصحيحة) : حديث رقم (1589) .

وقد صححه الألباني لشواهده .وأنظر صحيح الجامع برقم 2156 وفي ظلال الجنة رقم 734

 

[2009] -  ابن أبي شيبة في مسنده(2/193 رقم 678 )والترمذي(3925) قالا:حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ به. وقال الترمذي:«هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ» وَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، نَحْوَهُ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ عِنْدِي أَصَحُّ»أهـ والحديث رواه أحمد (4/305 رقم 18737) عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري به.. وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن صحابيه روى له أصحاب السنن سوى أبي داود.أهـ ورواه ابن ماجة(3108) وصححه الألباني. وأخرجه الدارمي (2510) والنسائي في "الكبرى" (4252) ، وابن حبان (3708) ، والحاكم 3/7

[2010] -  أبو يعلى (5/69 ، رقم 2662) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به. وقال الهيثمى (3/283) : رجاله ثقات . وأخرجه أيضًا : الحارث كما فى بغية الباحث (1/460 ، رقم 387)

[2011] -  أخرجه الطبرانى في الكبير (12/361 ، رقم 13347) حدثنا محمد بن أَحْمَدَ بن أبي خَيْثَمَةَ ثنا وَهْبُ بن يحيى بن زِمَامٍ ثنا مَيْمُونُ بن زَيْدٍ عن عُمَرَ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه عَنِ ابن عُمَرَ به. .

[2012] - أخرجه أحمد (3/343 ، رقم 14735) حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطَّابِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو الرَّقِّيَّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ..  وصححه الأرنؤوط..وأخرجه ابن ماجه (1/451 ، رقم 1406) قال البوصيرى (2/13) : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات . والطحاوى (3/127)

[2013] -  البخارى (3/14 رقم 1832 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ به.. وأخرجه مسلم (2/987 ، رقم 1354) ، والترمذى (3/173 ، رقم 809) ، وقال : حسن صحيح . والنسائى (5/205 ، رقم 2876) وأحمد (4/31 ، رقم 16420) ، ، . وأخرجه أيضًا : الطبرانى (22/185 ، رقم 484) ، والبيهقى (7/59 ، رقم 13152) .

 

[2014] -   أحمد(3/103 برقم 12030) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ به.. وأخرجه البخاري( أرقام 718 -719-725)   

 

[2015] -  تفسير ابن كثير(6/171) طبعة دار طيبة للنشر والتوزيع.الطبعة الثانية1999 م

[2016] - تفسير ابن كثير(6/171) طبعة دار طيبة للنشر والتوزيع.الطبعة الثانية1999 م

[2017] - أحمد(4/446 رقم 20028) حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ الْجُرَيْرِىِّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ به. وأخرجه أيضًا (برقم 20025)( وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن )

[2018] -  الطبراني في الكبير(17/240 رقم 667) حدثنا محمد بن عَلِيٍّ الصَّائِغُ الْمَكِّيُّ ثنا سَعِيدُ بن مَنْصُورٍ ثنا خَلَفُ بن خَلِيفَةَ عن عَرِيفٍ الشَّيْبَانِيِّ عن يَسِيرَ بن عَمْرٍو به.. وأخرجه من أكثر من طريق وأحد طرقه رجاله ثقات كما قال الهيثمي رقم 9107.

[2019] -  التلخيص الحبير لابن حجر(4/141 حديث رقم 1474)

[2020] - أحمد(2/162 رقم   6510) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ يَعْنِي عُبَيْدَ بْنَ الْأَخْنَسِ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو به.. وقال الأرنؤوط:إسناده صحيح ..وأخرجه أبو داود(3646) وصححه الألباني.

[2021] -  البخاري(8/55 رقم 6249) حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ به.. وأطرافه 3217 ، 3768 ، 6201 - تحفة 17766

 

[2022] -  الترمذي(4/556 رقم 2312) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِىُّ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ مُوَرِّقٍ عَنْ أَبِى ذَرٍّ  به. قَالَ أَبُو عِيسَى: وَفِى الْبَابِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ. قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَيُرْوَى مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ: لَوَدِدْتُ أَنِّى كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ. أهـ

.ورواه ابن ماجة(4190) وقال الألباني:حسن، دون قوله: (لوددت..)فإنه مدرج. (أي ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل من كلام أحد رجال السند.وهو من كلام أبي ذر رضي الله عنه )

 

[2023] -  البخارى ( 8/36 رقم 6145) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.به.. وأخرجه أحمد (2/39 ، رقم 4975) ، . وأخرجه أيضًا : أبو يعلى (9/424 ، رقم 5573) ، والبيهقى (10/244 ، رقم 20932) .

قلت: وقد روى هذا الحديث من الصحابة- غير ابن عمر- أبوه عمر وأبو سعيد الخدري وسعد بن أبي وقاص وأبو الدرداء.

أما حديث عمر : أخرجه الطحاوى (4/295) ، وتمام (1/181 ، رقم 420) . وأخرجه أيضًا : البزار (1/368 ، رقم 247)

وحديث أبى سعيد الخدرى : أخرجه أحمد (3/8 ، رقم 11072) ، ومسلم (4/1769 ، رقم 2258) . وأخرجه أيضًا : ابن أبى شيبة (5/281 ، رقم 26084) ، وابن ماجه (2/1237 ، رقم 3760) .

وحديث سعد بن أبى وقاص : أخرجه الطيالسى (ص 28 ، رقم 202) ، والترمذى (5/141 ، رقم 2852) ، وقال : حسن صحيح . وأخرجه أيضًا: أحمد (1/177 ، رقم 1535) وأبو يعلى (2/137 ، رقم 816) ، والبزار (4/14 ، رقم 1173) .

وحديث أبى الدرداء : أخرجه الطبرانى كما فى مجمع الزوائد (8/120) قال الهيثمى : فيه بشر بن عمارة ، وهو ضعيف .

[2024] -  أبو داود (4/6 رقم 3869) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى أَيُّوبَ حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ يَزِيدَ الْمَعَافِرِىُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ التَّنُوخِىِّ به. (وضعفه الألباني)وأخرجه أحمد (2/223 ، رقم 7081) (وضعفه الأرنؤوط)، وأخرجه البيهقى (9/355 ، رقم 19417) . والطبرانى فى الأوسط (8/59 ، رقم 7959) .و قال الهيثمى (5/103) : فيه موسى بن عيسى بن المنذر الحمصى-شيخ الطبراني- ، ولم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات .

 

[2025] - البخاري(2700)

[2026] - البخاري(3184) ومسلم(  1783) وغيرهما.

[2027] -  الفصول في السيرة ص: 296

[2028] -   مسلم(3) َحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِى حَصِينٍ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ به..وأخرجه البخاري كاملاً(110)وأطرافه: 3539 ، 6188 ، 6197 ، 6993 - تحفة 12852

[2029] -  وهذه بعض طرقه:

حديث أنس : أخرجه البخارى (1/52 ، رقم 108) ومسلم (1/10 ، رقم 2) ، و الطيالسى (ص 277 ، رقم 2084) ، وأحمد (3/98 ، رقم 11960) ، والترمذى (5/35 ، رقم 2660) وقال : حسن صحيح . والنسائى فى الكبرى (3/458 رقم 5914) ، وابن ماجه (1/13 ، رقم 32) .

حديث جابر : أخرجه أحمد (3/303 رقم 14294) والدارمى (1/87 ، رقم 231) ، وابن ماجه (1/13 ، رقم 33) وأبو يعلى (3/376 ، رقم 1847) .

حديث سلمة : أخرجه أحمد (4/47 ، رقم 16553) .

حديث الزبير : أخرجه البخارى (1/52 ، رقم 107) والطيالسى (ص 27 ، رقم 191) ، وأحمد (1/165 ، رقم 1413) ، ، وأبو داود (3/319 ، رقم 3651) ، والنسائى فى الكبرى (3/457 ، رقم 5912) ، وابن ماجه (1/14 رقم 36) .

حديث على : في الصحيحين وأخرجه الترمذى (5/36 ، رقم 2662) وقال : حسن صحيح .

حديث البراء : أخرجه الطبرانى فى الأوسط كما فى مجمع الزوائد (1/146) قال الهيثمى : رواه الطبرانى فى الأوسط وقال لم يروه عن أبى إسحاق إلا موسى بن عمران الحضرمى قلت : وهو متروك شيعى .

حديث صهيب : أخرجه الطبرانى (8/35 ، رقم 7302) ، والحاكم (3/454 ، رقم 5712) .

حديث ابن عرفطة : أخرجه أحمد (5/292 رقم 22554) والطبرانى (4/189 ، رقم 4100) ، قال الهيثمى (1/143) : فيه مسلم مولى خالد بن عرفطة لم يرو عنه إلا خالد بن سلمة . والحاكم (3/316 ، رقم 5222) . وأخرجه أيضًا : الخطيب (8/68) .

حديث طلحة : أخرجه أبو يعلى (2/7 ، رقم 631) ، والطبرانى (1/114 ، رقم 204) .

حديث أبى سعيد : أخرجه أبو يعلى (2/428 ، رقم 1229) ، وابن ماجه (1/14 ، رقم 37) .

حديث ابن مسعود : أخرجه الترمذى (5/35 ، رقم 2659) ، وابن ماجه (1/13 ، رقم 30) .

حديث زيد : أخرجه أحمد حديث رقم (19786) . والطبرانى (5/180 ، رقم 5017) ، والحاكم (1/149 ، رقم 258) . قال الهيثمى (1/144) : رواه أحمد والطبرانى فى الكبير والبزار ورجاله رجال الصحيح .

حديث عمار : أخرجه الطبرانى كما فى مجمع الزوائد (1/146) قال الهيثمى : فيه على بن الحزور ضعفه البخارى وغيره ويقال له على بن أبى فاطمة .

حديث السائب : أخرجه الطبرانى (7/156 ، رقم 6679) .

حديث ابن عمر : أخرجه الطبرانى (12/293 ، رقم 13153) قال الهيثمى (1/143) : رجاله موثقون . والخطيب

(7/418) .

حديث سلمان الفارسى : أخرجه الخطيب (8/339) .

حديث أبى مالك الأشجعى : أخرجه البزار (7/202 ، رقم 2774) ، والطبرانى (8/316 ، رقم 8181) قال الهيثمى

(1/147) : فيه خلف بن خليفة وثقه يحيى بن معين وغيره وضعفه بعضهم .

حديث أبى عبيدة ابن الجراح : أخرجه الخطيب (10/282) .

حديث ابن عباس : أخرجه الطبرانى (12/36 ، رقم 12394) .

حديث ابن عمرو : قال الهيثمى (1/145) : رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط .

حديث أبى موسى : أخرجه الطبرانى كما فى مجمع الزوائد (1/146) قال الهيثمى : فيه خالد بن نافع الأشعرى ضعفه أبو زرعة وغيره .

حديث عمرو بن عبسة : أخرجه الطبرانى كما فى مجمع الزوائد (1/146) قال الهيثمى : إسناده حسن . وأخرجه أيضًا : القضاعى (1/328 ، رقم 559) .

حديث عتبة بن غزوان : أخرجه الطبرانى (17/117 ، رقم 288) قال الهيثمى (1/147) : فيه محمد بن زكريا الغلابى وثقه ابن حبان وقال الدارقطنى يضع الحديث .

حديث العرس بن عميرة : أخرجه الطبرانى (17/139 ، رقم 346) قال الهيثمى (1/147) : فيه أحمد بن على الأفطح عن يحيى بن زهدم بن الحارث .

حديث حديث عقبة بن عامر : أخرجه أحمد (4/156 ، رقم 17467) ، والطبرانى (17/327 ، رقم 904) ، والبيهقى (3/275 ، رقم 5908) .

حديث عمران بن حصين : أخرجه البزار (9/80 ، رقم 3612) ، والطبرانى (18/186 ، رقم 442) .

حديث عمرو بن مرة : أخرجه الطبرانى كما فى مجمع الزوائد (1/146) قال الهيثمى : فيه الهيثم بن عدى قال البخارى وغيره كذاب . وأخرجه ابن عساكر (24/263) .

حديث معاوية : أخرجه أحمد (4/100 ، رقم 16960) ، والطبرانى (1/392 ، رقم 922) قال الهيثمى (1/143) : رجاله ثقات . والخطيب (8/402) .

حديث معاذ : أخرجه الطبرانى (2/47 ، رقم 1202) . قال الهيثمى (1/146) : رواه الطبرانى فى الأوسط ورجاله رجال الصحيح إلا أن الطبرانى قال حدثنا أحمد حدثنا أبى ولا أعرفهما .

حديث المغيرة : في الصحيحين وأخرجه الطبرانى (20/407 ، رقم 974) .

حديث يعلى بن مرة : أخرجه الطبرانى (22/262 ، رقم 675) . قال الهيثمى (1/147) : فيه عمر بن عبد الله بن يعلى وهو متروك الحديث .

حديث أبى ميمون الكردى : أخرجه الطبرانى فى الأوسط كما فى مجمع الزوائد (1/148) قال الهيثمى : إسناده حسن .

حديث نبيط بن شريط : قال الهيثمى (1/146) : رواه الطبرانى فى الصغير وشيخه أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط كذبه صاحب الميزان وبقية إسناده لم أر من ذكر أحدا منهم إلا الصحابى . وأخرجه أيضًا : القضاعى (1/331 ، رقم 566) .

حديث يزيد بن أسد القسرى : أخرجه ابن عساكر (21/52) .

حديث عائشة : أخرجه ابن عساكر (14/363) .

[2030] -  متفق عليه عن المغيرة بن شعبة.  :البخاري(1291) ومسلم(4)(في المقدمة)

[2031] - أنظر الفصول في السيرة  لابن كثير ص 298

[2032] - أخرجه البخارى (1/52 ، رقم 110) حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِى حَصِينٍ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ به..و مسلم (4/1775 ، رقم 2266)وأخرجه أيضًا : أحمد (2/410 ، رقم 9305)

[2033] -  أي رأى النبي في المنام. والقائل هو كليب والد عاصم.فأخبر ابن عباس بأن رأى النبي يشبه الحسن بن علي

[2034] -  الترمذي في الشمائل( 409) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي به.. (وصححه الألباني في مختصر الشمائل برقم346 )وأخرجه أحمد(2/232) والحاكم(4/393)

[2035] -  الترمذي في الشمائل(410) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ ، عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ به..وحسنه الألباني في المختصر برقم 347  وأخرجه أحمد(1/361-362)

[2036] -  أخرجه أبو داود (3/59 ، رقم 2683) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ زَعَمَ السُّدِّىُّ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ به.، ورواه النسائى (7/105 ، رقم 4067) (وصححه الألباني)، وأخرجه الحاكم (3/47 ، رقم 4360) وقال : صحيح على شرط مسلم .ووافقه الذهبي. وأخرجه البيهقى (8/205 ، رقم 16656)

 

[2037] -   مسلم (1/525 رقم  763) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ - قَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ  به..ورواه البخاري(1/40 رقم 138)

[2038] -  البخاري(4/191 رقم 3569) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ فذكره.. وطرفاه 1147 ، 2013 - تحفة 17719 وأخرجه أحمد(6/36 رقم 24119)

[2039] - الحاكم(2/468 برقم 3614) حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا يعقوب بن محمد الزهري ، ثنا عبد العزيز بن محمد ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن أنس  به..وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه »  وقال الذهبي : يعقوب ضعيف ولم يرو له مسلم.أهـ: والحديث صحيح لغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم  4806

[2040] -   قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4 / 281 : أخرجه ابن سعد في " الطبقات " ( 1 / 171 ) عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .

قال : و هذا إسناد ضعيف مرسل لكن يشهد له حديث أنس بن مالك في الإسراء و فيه :

" و النبي صلى الله عليه وسلم نائمة عيناه و لا ينام قلبه، و كذلك الأنبياء تنام أعينهم و لا تنام قلوبهم " . أخرجه البخاري(3570 ، 4964 ، 5610 ، 6581 ، 7517 - تحفة 909  ) من طريق شريك ابن عبد الله عنه ..

 

[2041] -  مسلم (1/507 ، رقم 735) َحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ أَبِى يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو به ، وأبو داود (1/250 ، رقم 950) ، والنسائى (3/223 ، رقم 1659) . وأخرجه أيضًا : أحمد (2/203 ، رقم 6894)

[2042] - .البخاري(6/17 رقم 4474) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِى خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِى سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى به..وأطرافه 4647 ، 4703 ، 5006 - تحفة 12047

[2043] - .البخاري(1206) (وأطرافه 2482 ، 3436 ، 3466 - تحفة 13637 ) ومسلم(2550) وغيرهما.

[2044] - البخارى (2289) وطرفه 2295 - تحفة 4547  ،. وأخرجه أيضًا : النسائى (4/65 ، رقم 1961) . والبيهقى فى شعب الإيمان (4/399 ، رقم 5538)

[2045] -  البخاري(5371) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ به. وأطرافه 2298 ، 2398 ، 2399 ، 4781 ، 6731 ، 6745 ، 6763 - تحفة 15216  وأخرجه مسلم( 1619)

 

[2046] - مسلم(2/659 رقم 956) قال: حَدَّثَنِى أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ وَأَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِىُّ - وَاللَّفْظُ لأَبِى كَامِلٍ – قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ  بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ عَنْ أَبِى رَافِعٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ به.. وأخرجه البخاري أرقام (458، 460 ، 1337) مختصرًا

 

[2047] -  .البخاري(1/53 رقم(218) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به .و أطرافه 216 ، 1361 ، 1378 ، 6052 ، 6055 - تحفة 5747  ورواه مسلم(1/240 رقم 292)

[2048] - . البخاري(5648) :حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِى حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود به .وأطرافه 5647 ، 5660 ، 5661 ، 5667 - تحفة 9191  .ومسلم(2571)

 

[2049] -  أحمد (6/10 ، رقم 23923) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَبَهْزٌ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ به..  وصححه الأرنؤوط،وأخرجه الترمذى (3/46 ، رقم 657) وقال : حسن صحيح . والنسائى (5/107 ، رقم 2612) ، والحاكم (1/561 رقم 1468) وقال : صحيح على شرط الشيخين . والبيهقى (7/32 ، رقم 13021) . وأخرجه أيضًا : الطيالسى (ص 131 ، رقم 972) ،

[2050] -  البخارى( 4/74 ، رقم  3072) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ به..(وطرفاه: 1485 ، 1491 )،  ومسلم (2/751 ، رقم 1069)

[2051] -   البخارى (9/97 ، رقم 7299) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ به، و أخرجه مسلم (2/774 ، رقم 1103) . وأخرجه أيضًا : مالك (1/301 ، رقم 668) ، وعبد الرزاق (4/267 ، رقم 7754) ، وابن أبى شيبة (2/331 ، رقم 9595) ، وإسحاق بن راهويه (1/212 ، رقم 168) ، وأحمد (2/231 ، رقم 7162) ، والدارمى (2/14 ، رقم 1703) ، وأبو يعلى (10/475 ، رقم 6088) ، وابن حبان (8/342 ، رقم 3576) ، والبيهقى (4/282 ، رقم 8158) .

 

[2052] - البخارى (1/12، رقم 15) حدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ به ، ومسلم (1/67 ، رقم 44) وأخرجه أحمد (3/177 ، رقم 12837) ، وعبد بن حميد (ص 355 ، رقم 1175) ،) ، والنسائى (8/115 ، رقم 5014) ، وابن ماجه (1/26 ، رقم 67) ، والدارمى (2/397 ، رقم 2741) ، وابن حبان (1/405 ، رقم 179) .

 

[2053] - . البخاري(1/62 رقم(268) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ به .وأطرافه 284 ، 5068 ، 5215  وأحمد رقم(14141)

[2054] - مسند أَحْمَدُ (3/195رقم 13048) قال: حَدَّثَنَا بهز و هَاشِمٌ -يَعْنِي: ابْنُ الْقَاسِمِ أَبُو النَّضْرِ – قالا:حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ به.. ورواه مسلم(2/1048 برقم 1428) وسنن النسائي (6/79) .

وانظر: وصحيح البخاري برقم (7420)والترمذي(5/354 برقم (3213)) وقال هذا حديث حسن صحيح.وصححه الألباني.

[2055] - . أحمد(6/202 رقم 25701) حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ به.. وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

[2056] - . أحمد(6/267 رقم 26349) وقد تقدم بسنده

[2057] - .  .أبو داود(2/533 رقم  4361) حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْخُتَّلِىُّ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدَنِىُّ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ عُثْمَانَ الشَّحَّامِ عَنْ عِكْرِمَةَ به...ورواه النسائي(4070) وصححه الألباني

[2058] - .أبو داود(2/534 رقم  4363) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَنُصَيْرُ بْنُ الْفَرَجِ قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِى بَرْزَةَ به..وصححه الألباني.

[2059] - .مسلم (4/2008 ، رقم 2601) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِىَّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ به.  والبخارى (8/77 رقم 6361) وأخرجه أحمد (2/316 ، رقم 8184) ،. وأخرجه أيضًا : ابن حبان (14/446 ، رقم 6516) ، والبيهقى (7/61 ، رقم 13158) .

 

[2060] - .  مسلم (4/2010 ، رقم 2603)

[2061] -  البخاري(3538) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ به.ورواه مسلم(2133) وأخرجاه عن أبي هريرة.البخاري(110) ومسلم(2134).

   وانظر ابن أبى شيبة (5/264 ، رقم 25927) ، وأحمد (3/369 ، رقم 15006) .

[2062] -  البخاري(3746) حَدَّثَنَا صَدَقَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى عَنِ الْحَسَنِ سَمِعَ أَبَا بَكْرَةَ به..وأطرافه 2704 ، 3629 ، 7109 - تحفة 11658  

[2063] -  أخرجه أحمد (4/323 ، رقم 18927) حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا عبد الله بن جعفر حدثتنا أم بكر بنت المسور بن مخرمة عن عبد الله بن أبي رافع عن المسوربه، وقال شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح دون قوله : " وإن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري " فهو حسن بشواهده ، وهذا إسناد ضعيف أهـ

وأخرجه الطبرانى (20/25 ، رقم 30) ، وقال الهيثمى (9/203) : رواه الطبرانى وفيه أم بكر بنت المسور ولم يجرحها أحد ولم يوثقها وبقية رجاله وثقوا أهـ. والحاكم (3/172 ، رقم 4747) وقال : صحيح الإسناد . والبيهقى (7/64 ، رقم 13173) ، وأخرجه أيضًا : ابن أبى عاصم فى الآحاد والمثانى (5/362 ، رقم 2956)

قوله عليه الصلاة والسلام:" وإن الأنساب تنقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي وصهري

له شاهد من حديث عمر بن الخطاب أخرجه ابنُ سعد 8/463 عن أنس بن عياض الليثي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عمر، مرفوعاً، بلفظ: "كل نسبٍ وسببٍ منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي"، وإسناده منقطع، وأخرجه الحاكم 3/142 من طريق جعفر بن محمد أيضاً عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن عمر، به، وصححه الحاكم، فتعقبه الذهبي بقوله: منقطع.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (2635) من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، عن عمر. وهذا إسناد مضطرب، فالأول: عن محمد الباقر، عن عمر، والإسناد الثاني: عن محمد الباقر، عن أبيه علي، عن عمر، والثالث: عن محمد الباقر، عن جابر، عن عمر.

وأخرجه الطبراني (2633) عن جعفر بن محمد بن سليمان النوفلي، عن إبراهيم بن حمزة الزبيري، عن عبد العزيز الدراوردي، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن علي، عن عمر. وجعفر بن محمد بن سليمان النوفلي لم نجد من ترجم له، وباقي رجال الإسناد رجال الصحيح.

وأخرجه الطبراني (2634) عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن عبادة بن زياد الأسدي، عن يونس بن أبي يعفور، عن أبيه، عن ابن عمر، عن عمر. وإسناده ضعيف لضعف يونس بن أبي يعفور، فإنه يخطىء كثيراً.

وأخرجه الخطيب في "تاريخه" 6/182 من طريقين عن إبراهيم بن مهران بن رستم المروزي، عن الليث بن سعد القيسي مولى بني رفاعة، عن موسى بن على بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر الجهني، عن عمر.

وأخرجه البيهقي في "السنن" 7/114 من طريق سفيان بن وكيع بن الجراح، عن روح بن عبادة، عن ابن جريج، أخبره ابن أبي مليكة، عن حسن بن حسن، عن أبيه، عن عمر. وهذا إسناد ضعيف لضعف سفيان بن وكيع. وقد زاد ابن كثير نسبته في "التفسير" تفسير قوله تعالى: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) إلى البزار والهيثم بن كليب والضياء في "المختارة".

وشاهد آخر من حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في "الكبير" (11621) عن عيسى بن القاسم الصيدلاني البغدادي، عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم المروزي، عن موسى بن عبد العزيز العدني، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عنه، مرفوعا بلفظ: "كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي" أورده الهيثمي في "المجمع" 9/173، وقال: ورجاله ثقات.

وأخرجه مطولاً البزار (2363) ، وفي إسناده إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، وهو متروك.

وثالث من حديث المسور بن مخرمة، سيرد 4/323 و332، وقد أورده الهيثمي في "المجمع" 9/203، ونسبه إلى الطبراني [20/ (30) ] ، وقال: وفيه أم بكر بنت المسور، ولم يجرحها أحد، ولم يوثقها، وبقية رجاله وثقوا. قلنا: فاته أن ينسبه لأحمد.

وكذا له شاهد آخر وهوقوله كما في المسند(3/18رقم 11154) "إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة".

فيتقوى الحديث بمجموع هذه الشواهد.

[2064] - أنظر ذلك في تفسير ابن كثير(3/343)

[2065] - أخرجه البخارى (5/21 ، رقم 3714) حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، به.، ورواه مسلم (4/1902 ، رقم 2449)  و أحمد (4/326 ، رقم 18933) ، وأبو داود (2/225 ، رقم 2069) ، وابن ماجه (1/644 ، رقم 1999) والنسائي في الكبرى(5/97 رقم 8370) . وأخرجه أيضًا : ابن حبان (15/407 ، رقم 6956)

 

[2066] -البخاري(5/22رقم 3729) حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، أَنَّ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ قال:فذكره.ورواه مسلم(4/1903 رقم2449)

 

[2067] - صحيح مسلم  ( 2699 ) حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء الهمداني - واللفظ ليحيى - أخبرنا  أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة به.. ورواه أحمد(2/252) وأصحاب السنن.

[2068] -   أحمد(3/18) : حدثنا أبو عامر حدثنا زهير عن عبد الله بن محمد عن حمزة بن أبي سعيد الخدري عن أبيه به.. (وقال شعيب الأرنؤوط : صحيح لغيره ، وهذا إسناد ضعيف) ورواه أبو يعلى(2/433) وقال محققه:إسناده حسن . وصححه الحاكم.

 

[2069] - صحيح:رواه ابن ماجة(246) حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن سفيان عن الأسود بن قيس عن نُبَيْحٍ العنزي عن جابر به.. وقال البوصيري في الزوائد :رجال إسناده ثقات. وصححه الألباني.ورواه أحمد(3/302رقم 14274 ) عن وكيع به.ورواه أيضًا (3/332برقم14596)عن أبي أحمد عن سفيان الثوري به.وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير نُبَيْحٍ  - وهو ابن عبد الله العنزي- فقد روى له أصحاب السنن، ووثقه الترمذي وأبو زرعة والعجلي وابن حبان، وصحح له ابن خزيمة والحاكم.

وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (2075) ، وابن حبان (6312) ، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 94 من طريق وكيع، بهذا الإسناد.

وأخرجه أحمد بن منيع في "مسنده" كما في "مصباح الزجاجة" ورقة 19، والحاكم( 2/ 446 رقم 3544 ) و(4/313رقم7752 )وصححه، وأبو نعيم في "الحلية" 7/117 من طرق عن سفيان، به. ولفظه عند ابن منيع وأبي نعيم: "امشوا أمامي، وخلوا ظهري للملائكة".

وأخرجه الحاكم 4/ 313 رقم 7753من طريق شعبة، عن الأسود، به. بلفظ: "لا تمشوا بين يديَّ ولا خلفي فإن هذا مقام الملائكة ... ". وصححه.

[2070] -   البخاري( 4437) حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ .به. ورواه مسلم(2444) وعنده(إذًا لا يختارنا)بدل(لا يجاورنا)

 

[2071] -   البخاري( 3904) :حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُبَيْدٍ يَعْنِي ابْنَ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ  به.ومسلم(2382)

 

[2072] -   البخاري(3092-3093) حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ به.. ورواه مسلم(1759)

 

[2073] -   البخاري(2776) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَبه. ورواه مسلم(1760) أحمد(2/463) وقال الأرنؤوط:إسناده صحيح على شرط الشيخين.

 

[2074] -   البخاري(3094) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ به.. ومسلم(1757)

 

[2075] -   أحمد(2/463رقم 9973) حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به. وقال الأرنؤوط :إسناده صحيح على شرط الشيخين.

 

[2076] -   أبو داود(3641) حدثنا مسدد بن مسرهد ثنا عبد الله بن داود قال سمعت عاصم بن رجاء بن حيوة يحدث عن داود بن جميل عن كثير بن قيس به.. والترمذي(2682) وابن ماجة(223) وأحمد(5/196)(وقال الأرنؤوط:حسن لغيره) وصححه الألباني.  بل وجدت هذا الحديث قد رواه الكليني -عن جعفر الصادق رحمه الله- في كتابه( الكافي) أشهر كتب الشيعة الإثنى عشرية ولكن لم يأخذوا بهذه الرواية لأنها توافق ما عليه أهل السنة وهذا شأنهم أن يتركوا كل الروايات الموافقة لأهل السنة.

 

 

[2077] -  مسند أحمد(4/8) حدثنا حسين بن على الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن  أوس به..(وقال الأرنؤوط:رجاله رجال الصحيح غير صحابيه فمن رجال أصحاب السنن) وأخرجه أبو داود (1047) والنسائي(1374) وابن ماجة(1085)وغيرهم. وقال الألباني( في كتابه التوسل ص  58  ):صحيح الإسناد.

 

[2078] - أبو يعلى(6/147رقم 3425) حدثنا أبو الجهم الأزرق بن علي حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا المستلم بن سعيد عن الحجاج عن ثابت البناني : عن أنس به..(وقال محققه حسين سليم أسد:إسناده صحيح)ورواه البزار(13/299) عن رزق الله بن موسى،عن الحسن بن قتيبة، عن الْمُسْتَلِمُ بْنُ سَعِيدٍ به..وقال البزار: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ، عَنْ ثابتٍ، عَن أَنَس إلاَّ الْحَجَّاجُ، ولاَ عَن الْحَجَّاجِ إلاَّ الْمُسْتَلِمُ بْنُ سَعِيدٍ، ولاَ نعلمُ رَوَى الْحَجَّاجُ، عَنْ ثابتٍ، إلاَّ هذا الحديث.أهـ وقال الهيثمي في المجمع(8/387): رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبو يعلى ثقات أهـ وقال الألباني( في كتابه التوسل ص  58  ):صحيح الإسناد.

 

[2079] -  صحيح مسلم( 2375 ) حدثنا هداب بن خالد وشيبان بن فروخ قالا حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني وسليمان التيمي عن أنس به.ورواه أحمد(3/148 رقم 12526)عن حسن عن حماد به.وأيضًا ( 3/120رقم 12231)عن وكيع عن سفيان عن سليمان التيمي به.وبرقم 20616 عن ابن عدي عن سليمان التيمي به.ورقم 23112 عن يحيى عن سليمان التيمي به.وبرقم 23143عن يزيد عن سليمان به.

 

[2080] - كتاب التوسل للألباني ( ص  58  )

 

=

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق